أبو جعفر المنصور
09-12-2014, 12:06 AM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فقد ألقى ببغاء شبهةً تتعلق بكون النبي صلى الله عليه وسلم اختبأ من المشركين في الغار فكيف يكون هذا هو نبي مؤيد ، وعلى عادة القوم لا يطيقون الحوار دون سب أو شتم للمقدسات كمحاولة لاستفزاز المخاطب لئلا يحظوا بردود عقلانية قوية ، تجعلهم يشعرون باقترابهم من المصير الأسود وتجد أحدهم يلقي بكم من الشبهات في آن واحد عسى أن تفلت واحدة فتطمئن نفسه المريضة إلى أن هذا سبب منطقي لكفره ! ، فأخبرته أن كون المرء نبياً ليس معناه أن يصير ( سوبر مان ) ينفخ على أعدائه فيهلكون جميعاً ولو لم يمر النبي صلى الله عليه وسلم بشدائد لما كان محلاً للاقتداء في الشدة والرخاء ، وأن هذه سنة الأنبياء يبتلون في ذات الله حتى يصيروا قدوة لمن بعدهم
وطمأنينة النبي صلى الله عليه وسلم وقوله ( لا تحزن إن الله معنا ) بحد ذاتها آية وكذلك إعماء أبصار الكفار عنه وقد ذكر رب العالمين هذه الآية في القرآن
وبهذا الجواب كان قد انتهى المراد مع هذا الشخص
غير أنني عدت لأتفكر في هذه الحادثة وظننت أن الله عز وجل قد ساق لي من يلقي علي شبهة في هذا الباب لكي أتفكر في الأمر ، إذ أن ابن تيمية قد ذكر أن من فائدة وجود من يلقي الشبهات أنه يبرز من قوة الحق ما لم يكن من الممكن ظهوره بلا شبهات واستفزاز لأهل الحق
فبدأت أنظر فتذكرت آية في سورة البقرة تقع من قلبي موقعاً
قال الله تعالى : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)
فالله عز وجل من حكمته أن يحصل زلزلة لأهل الإيمان وابتلاءات تصيب النبي ومن معه حتى يميز الخبيث من الطيب ولا يأتي النصر إلا كألذ ما يكون
قال تعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)
وتذكرت أن الإمام أحمد أو سفيان كان هارباً من السلطان فجلس في بيت أحد أصحابه ثلاثة أيام ثم طلب أن يتحول فسألوه في ذلك فقال ( النبي أقام في الغار ثلاثاً أفنقتدي به في الرخاء ولا نقتدي في الشدة )
وهذا وإن لم يكن على ظاهره إلا أنه فهم القيمة من الابتلاءات التي أصابت الأنبياء وأنهم كانوا أشد الناس بلاء
وعند ذكر البلاء تذكرت النبي الذي كان نبينا يحب الاقتداء به في الصبر وهو موسى عليه الصلاة والسلام ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوذي يقول ( رحم الله أخي موسى أوذي كثيراً فصبر )
وموسى كنبينا تعرض للمطاردة ، فرعون كان يطارد موسى ولا يزداد إلا عتواً وكفار قريش كانوا يطاردون النبي صلى الله عليه وسلم ولا يزدادون إلا عتواً وثقة بقوتهم ، والله من فوقهم ينظر إليهم ويستدرجهم ويأمر أنبياءه أن يصنعوا ما يزيدهم عتواً وثقة بأنفسهم ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) ثم إذا حل بهم السخط في الدنيا أو الآخرة فلا منقذ لهم ( حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا )
وكما قال موسى ( قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) قال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه ( إن الله معنا )
ولأن موسى عانى من طغيان فرعون وثم من جهل قومه وعبادتهم للعجل وطلبهم رؤية الله جهرة وتقاعسهم عن الجهاد ، واتهامهم له بأنه آدر وأنه قتل أخاه هارون وغيرها من الابتلاءات كانت قصته هي الأكثر ذكراً في القرآن لأن المقصود من ذكر قصص الأنبياء التثبيت والعبرة
قال تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا)
وفي ليلة الإسراء رأى النبي صلى الله عليه وسلم عدة أنبياء رأى أباه آدم وهو عليه الصلاة والسلام سيصير أبا لأمته
ورأى إدريس الذي رفعه ربه مكاناً علياً وكان النبي صلى الله عليه وسلم سيرفعه ربه مكاناً علياً وسيعلي ذكره في الدنيا
ورأى عيسى ابن مريم الذي عبد من دون الله وأراد قومه قتله ، وقد حصل الأمران للنبي صلى الله عليه وسلم
ورأى يوسف الذي غدر به أخوته وقد كانت قريش تبيت الغدر للنبي صلى الله عليه وسلم
ورأى يحيى الذي تمادى اليهود معه حتى قتلوه ، وقد أراد اليهود قتل النبي صلى الله عليه وسلم
ورأى هارون والذي عاد قومه لمحبته بعد أن آذوه وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم
ورأى إبراهيم الذي حطم الأصنام بيده وحارب كل أنواع الشرك عبادة الأصنام وعبادة الكواكب وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم
ورأى موسى والشبه بينه وبين موسى أعظم من أن يشرح بكلمات قليلة غير أن موسى كان أكثر الأنبياء خطاباً مع النبي صلى الله عليه وسلم
وعوداً إلى الغار لا أنسى صاحب الغار الذي شاء الله أن يكون مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المكان ليظهر الله للأمة أن أعظم رجلين فيها كانا أعزلين في غار يقف على بابه مشركون مسلحون متعطشون لقتلهما وأنه لم ينقذهما إلا الثقة بالله عز وجل وإلا ففي مقاييس الدنيا المعتادة كانا سيهلكان
قد قال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه ( لا تحزن ) ولم يقل ( لا تخف ) فالحزن على الغير والخوف على النفس وكان الصديق أمر النبي صلى الله عليه وسلم عنده أعظم من أمر نفسه
قد قال الله تعالى ( ثاني اثنين )
وكان الصديق الثاني في الخلافة والقاضي على الردة وكان ثاني اثنين يوم الحديبية حيث أجاب عمر بمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم ، بل العجيب أن مات في مثل سن النبي صلى الله عليه وسلم وفي اليوم نفسه وكفن بمثل الكفن
قال ابن سعد في الطبقات [3/ 150]:
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟
قَالَتْ: قُلْنَا يَوْمُ الاثْنَيْنِ.
قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ قُبِضَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم -؟
قَالَتْ: قُلْنَا قُبِضَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ.
قَالَ: فَإِنِّي أَرْجُو مَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ.
قَالَتْ: وَكَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ فِيهِ رَدْعٌ مِنْ مِشْقٍ.
فَقَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَاغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا وَضُمُّوا إِلَيْهِ ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ.
فَقُلْنَا: أَلا نَجْعَلُهَا جُدُدًا كُلَّهَا؟
قَالَ فَقَالَ: لا. إِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ. الْحَيُّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ.
قَالَتْ: فَمَاتَ لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ. رَحِمَهُ اللَّهُ.
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهَا: فِي أَيِّ يَوْمٍ مَاتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
قَالَتْ: فِي يَوْمِ الاثْنَيْنِ.
قَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ , إِنِّي لأَرْجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ.
قَالَ: فَفِيمَ كَفَّنْتُمُوهُ؟
قَالَتْ: فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ يَمَانِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: انْظُرِي ثَوْبِي هَذَا فِيهِ رَدْعُ زَعْفَرَانٍ أَوْ مِشْقٌ فَاغْسِلِيهِ وَاجْعَلِي مَعَهُ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ.
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا أَبَتِ هُوَ خَلَقٌ.
فَقَالَ: إِنَّ الْحَيَّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ
فكان ثاني اثنين بكل المقاييس ، وقد استدل بهذه الحادثة على أحقية الصديق بالخلافة
قال ابن أبي حاتم في تفسيره [10374]:
حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ثنا يحيى بن آدم ثنا حميد الرؤاسي عن سلمة بن نبيط الأشجعي عن نعيم عن نبيط عن سالم بن عبيد وكان من أهل الصفة قال:
أخذ عمر بيد أبي بكر فقال: من له هذه الثلاث؟ [إذ يقول لصاحبه] من صاحبه؟
[إذ هما في الغار] من هما؟ [لا تحزن إن الله معنا]
ورواه النسائي في الكبرى بسياق أتم.
فعجيب أمر هذه الحادثة وعظيم بركتها في تاريخ الأمة وهنا أكون قد نفضت ما في كنانتي وبانتظار ما عند الأخوة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد :
فقد ألقى ببغاء شبهةً تتعلق بكون النبي صلى الله عليه وسلم اختبأ من المشركين في الغار فكيف يكون هذا هو نبي مؤيد ، وعلى عادة القوم لا يطيقون الحوار دون سب أو شتم للمقدسات كمحاولة لاستفزاز المخاطب لئلا يحظوا بردود عقلانية قوية ، تجعلهم يشعرون باقترابهم من المصير الأسود وتجد أحدهم يلقي بكم من الشبهات في آن واحد عسى أن تفلت واحدة فتطمئن نفسه المريضة إلى أن هذا سبب منطقي لكفره ! ، فأخبرته أن كون المرء نبياً ليس معناه أن يصير ( سوبر مان ) ينفخ على أعدائه فيهلكون جميعاً ولو لم يمر النبي صلى الله عليه وسلم بشدائد لما كان محلاً للاقتداء في الشدة والرخاء ، وأن هذه سنة الأنبياء يبتلون في ذات الله حتى يصيروا قدوة لمن بعدهم
وطمأنينة النبي صلى الله عليه وسلم وقوله ( لا تحزن إن الله معنا ) بحد ذاتها آية وكذلك إعماء أبصار الكفار عنه وقد ذكر رب العالمين هذه الآية في القرآن
وبهذا الجواب كان قد انتهى المراد مع هذا الشخص
غير أنني عدت لأتفكر في هذه الحادثة وظننت أن الله عز وجل قد ساق لي من يلقي علي شبهة في هذا الباب لكي أتفكر في الأمر ، إذ أن ابن تيمية قد ذكر أن من فائدة وجود من يلقي الشبهات أنه يبرز من قوة الحق ما لم يكن من الممكن ظهوره بلا شبهات واستفزاز لأهل الحق
فبدأت أنظر فتذكرت آية في سورة البقرة تقع من قلبي موقعاً
قال الله تعالى : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)
فالله عز وجل من حكمته أن يحصل زلزلة لأهل الإيمان وابتلاءات تصيب النبي ومن معه حتى يميز الخبيث من الطيب ولا يأتي النصر إلا كألذ ما يكون
قال تعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)
وتذكرت أن الإمام أحمد أو سفيان كان هارباً من السلطان فجلس في بيت أحد أصحابه ثلاثة أيام ثم طلب أن يتحول فسألوه في ذلك فقال ( النبي أقام في الغار ثلاثاً أفنقتدي به في الرخاء ولا نقتدي في الشدة )
وهذا وإن لم يكن على ظاهره إلا أنه فهم القيمة من الابتلاءات التي أصابت الأنبياء وأنهم كانوا أشد الناس بلاء
وعند ذكر البلاء تذكرت النبي الذي كان نبينا يحب الاقتداء به في الصبر وهو موسى عليه الصلاة والسلام ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوذي يقول ( رحم الله أخي موسى أوذي كثيراً فصبر )
وموسى كنبينا تعرض للمطاردة ، فرعون كان يطارد موسى ولا يزداد إلا عتواً وكفار قريش كانوا يطاردون النبي صلى الله عليه وسلم ولا يزدادون إلا عتواً وثقة بقوتهم ، والله من فوقهم ينظر إليهم ويستدرجهم ويأمر أنبياءه أن يصنعوا ما يزيدهم عتواً وثقة بأنفسهم ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) ثم إذا حل بهم السخط في الدنيا أو الآخرة فلا منقذ لهم ( حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا )
وكما قال موسى ( قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) قال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه ( إن الله معنا )
ولأن موسى عانى من طغيان فرعون وثم من جهل قومه وعبادتهم للعجل وطلبهم رؤية الله جهرة وتقاعسهم عن الجهاد ، واتهامهم له بأنه آدر وأنه قتل أخاه هارون وغيرها من الابتلاءات كانت قصته هي الأكثر ذكراً في القرآن لأن المقصود من ذكر قصص الأنبياء التثبيت والعبرة
قال تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا)
وفي ليلة الإسراء رأى النبي صلى الله عليه وسلم عدة أنبياء رأى أباه آدم وهو عليه الصلاة والسلام سيصير أبا لأمته
ورأى إدريس الذي رفعه ربه مكاناً علياً وكان النبي صلى الله عليه وسلم سيرفعه ربه مكاناً علياً وسيعلي ذكره في الدنيا
ورأى عيسى ابن مريم الذي عبد من دون الله وأراد قومه قتله ، وقد حصل الأمران للنبي صلى الله عليه وسلم
ورأى يوسف الذي غدر به أخوته وقد كانت قريش تبيت الغدر للنبي صلى الله عليه وسلم
ورأى يحيى الذي تمادى اليهود معه حتى قتلوه ، وقد أراد اليهود قتل النبي صلى الله عليه وسلم
ورأى هارون والذي عاد قومه لمحبته بعد أن آذوه وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم
ورأى إبراهيم الذي حطم الأصنام بيده وحارب كل أنواع الشرك عبادة الأصنام وعبادة الكواكب وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم
ورأى موسى والشبه بينه وبين موسى أعظم من أن يشرح بكلمات قليلة غير أن موسى كان أكثر الأنبياء خطاباً مع النبي صلى الله عليه وسلم
وعوداً إلى الغار لا أنسى صاحب الغار الذي شاء الله أن يكون مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المكان ليظهر الله للأمة أن أعظم رجلين فيها كانا أعزلين في غار يقف على بابه مشركون مسلحون متعطشون لقتلهما وأنه لم ينقذهما إلا الثقة بالله عز وجل وإلا ففي مقاييس الدنيا المعتادة كانا سيهلكان
قد قال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه ( لا تحزن ) ولم يقل ( لا تخف ) فالحزن على الغير والخوف على النفس وكان الصديق أمر النبي صلى الله عليه وسلم عنده أعظم من أمر نفسه
قد قال الله تعالى ( ثاني اثنين )
وكان الصديق الثاني في الخلافة والقاضي على الردة وكان ثاني اثنين يوم الحديبية حيث أجاب عمر بمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم ، بل العجيب أن مات في مثل سن النبي صلى الله عليه وسلم وفي اليوم نفسه وكفن بمثل الكفن
قال ابن سعد في الطبقات [3/ 150]:
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟
قَالَتْ: قُلْنَا يَوْمُ الاثْنَيْنِ.
قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ قُبِضَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم -؟
قَالَتْ: قُلْنَا قُبِضَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ.
قَالَ: فَإِنِّي أَرْجُو مَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ.
قَالَتْ: وَكَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ فِيهِ رَدْعٌ مِنْ مِشْقٍ.
فَقَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَاغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا وَضُمُّوا إِلَيْهِ ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ.
فَقُلْنَا: أَلا نَجْعَلُهَا جُدُدًا كُلَّهَا؟
قَالَ فَقَالَ: لا. إِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ. الْحَيُّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ.
قَالَتْ: فَمَاتَ لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ. رَحِمَهُ اللَّهُ.
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهَا: فِي أَيِّ يَوْمٍ مَاتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
قَالَتْ: فِي يَوْمِ الاثْنَيْنِ.
قَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ , إِنِّي لأَرْجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ.
قَالَ: فَفِيمَ كَفَّنْتُمُوهُ؟
قَالَتْ: فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ يَمَانِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: انْظُرِي ثَوْبِي هَذَا فِيهِ رَدْعُ زَعْفَرَانٍ أَوْ مِشْقٌ فَاغْسِلِيهِ وَاجْعَلِي مَعَهُ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ.
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا أَبَتِ هُوَ خَلَقٌ.
فَقَالَ: إِنَّ الْحَيَّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ
فكان ثاني اثنين بكل المقاييس ، وقد استدل بهذه الحادثة على أحقية الصديق بالخلافة
قال ابن أبي حاتم في تفسيره [10374]:
حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ثنا يحيى بن آدم ثنا حميد الرؤاسي عن سلمة بن نبيط الأشجعي عن نعيم عن نبيط عن سالم بن عبيد وكان من أهل الصفة قال:
أخذ عمر بيد أبي بكر فقال: من له هذه الثلاث؟ [إذ يقول لصاحبه] من صاحبه؟
[إذ هما في الغار] من هما؟ [لا تحزن إن الله معنا]
ورواه النسائي في الكبرى بسياق أتم.
فعجيب أمر هذه الحادثة وعظيم بركتها في تاريخ الأمة وهنا أكون قد نفضت ما في كنانتي وبانتظار ما عند الأخوة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم