المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أنفع الناس صُحبة



ابن سلامة القادري
12-06-2014, 10:36 PM
قال ابن الجوزي في صيد الخاطر (ص/138) :
(( لقيت مشايخ ؛ أحوالهم مختلفةٌ ، يتفاوتون في مقاديرهم في العلم .
وكان أنفعهم لي في صحبةٍ : العاملُ منهم بعلمه ، وإن كان غيره أعلم منه .
• ولقيت جماعةً من أهل الحديث يحفظون ويعرفون ؛ ولكنهم كانوا يتسامحون في غيبةٍ يخرجونها مخرج جرحٍ وتعديلٍ ، ويأخذون على قراءة الحديث أجراً ، ويُسرعون بالجواب لئلاَّ ينكسر الجاه ، وإن وقع خطأ !
• ولقيت عبدالوهَّاب الأنماطي ؛ فكان على قانون السلف ؛ لم يُسْمَع في مجلِسهِ غيبةٌ ، ولا كان يطلبُ أجراً على إسماع الحديث ، وكنتُ إذا قرأتُ عليه أحاديث الرقائق بكى ، واتَّصل بكاؤه !!!
• فكان - وأنا صغير السنِّ حينئذٍ – يعملُ بكاؤه في قلبي ، ويبني قواعد .
وكان على سمت المشايخ الذين سمعنا أوصافهم في النقل .
• ولقيت أبا منصور الجواليقي ؛ فكان كثير الصمت ، شديد التحرِّي فيما يقول ، متقناً محقِّقاً ، ورُبَّما سُئل المسألة الظاهرة ، التي يبادر بجوباها بعض غلمانه = فيتوقَّف فيها حتى يتيقَّن ، وكان كثير الصوم والصمت .
• فانتفعت بهذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما ؛ ففهمتُ من هذه الحالة : أنَّ الدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول ...
فالله الله في العمل بالعلم فإنه الأصل الأكبر ، والمسكين كل المسكين : من ضاع عمره في علمٍ لم يعمل به ؛ ففاته لذات الدنيا ، وخيرات الآخرة ؛ فقدم مفلساً مع قوَّة الحجَّة عليه )) .

manhalr78
12-14-2014, 01:32 PM
لفتة رائعة منك أخي ابن سلامة زادك الله من علمه !
يقول عليه أفضل الصلاة والسلام : لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال وذكر منها : (وعن علمه ماذا عمل به) وربما تذكر كتب التفسير إقران العلم الديني بالعمل المترتب على المعرفة ، وربما ندرك أيضاً من هذا الحديث أن ننفع بالعلم الديني غيرنا والله تعالى أعلم ، مارأيك أخي ابن سلامة ؟

ابن سلامة القادري
12-16-2014, 01:00 AM
أكيد أخي الحبيب، هنا يحضرني حديث للنبي صلى الله عليه و سلم يعبر عن كل هذه المعاني :

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً ، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت الكلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) . ( رواه البخاري ، كتاب العلم ، باب فضل من علم وعلم 1/175 ، ومسلم كتاب الفضائل ، باب بيان مثل ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ، في 4/787 برقم 2282)

نسأل الله أن ينفعنا بما علّمنا و أن يرفعنا بالعلم و لا يجعله حجة علينا.
و لدي تنبيه أخي على مسألة في كلامك .. و هي قولك ''علم ديني'' .. حقيقة أحب أن أصفه بالعلم الشرعي لأن مصطلح الدين أكثر ما يطلق على التوحيد الذي هو دين الأنبياء جميعا حتى الذين لم يكلفوا بتبليغ رسالة و لم يبعثوا بشريعة، و الشرع أو الشريعة (و أخص شريعة الإسلام) و في معناها الأوامر و النواهي و الأحكام و الوصايا هي الأكثر ارتباطا بواقع الناس و حياة الناس و توحي بالشمولية و السعة بحيث تسع الحياة الفردية و الاجتماعية بأسرها و يندرج تحتها حتى العلوم و الأعمال الدنيوية بكل أشكالها. أكثر من كلمة ديني التي هي على غرار كلمة رجل دين أيضا و التي قد يفهم منها عزل الدين عن الحياة و المجتمع و العلوم و الخبرات الحياتية. و على هذا يكون العلم في الإسلام هو كل معلوم نافع ينفع الناس في دنياهم و أخراهم مما يصلح أحوالهم جميعا و تستقيم عليه حياتهم و لو في أدق تفاصيلها حتى خارج إطار النصوص مما هو من مقتضاها.. و لا يخفاك أن الله تعالى ما فرّط في الكتاب من شيء و حديث أن النبي صلى الله عليه و سلم عّلمهم آداب كل شيء.
و هنا يندرج تحت مفهوم العلم الشرعي الشمولي : مناهج التعليم و التربية و الصحة العلاج الطبي و السياسة و الاقتصاد و التجارة و الصناعة و القانون و الحرب و علم النفس و علم الاجتماع و الأخلاق و البيئة و الاستكشاف و الاختراع و حتى فنون الحياة التي فيها رفاهية للناس ما دامت لا تخرج عن دائرة المباح ... إلخ (قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده)، و من أهمل شيئا من ذلك يكون قد أهمل جزءا من الإسلام على منهج النبي عليه الصلاة و السلام و الذي هو فعليا رحمة للعالمين و جاء بأكمل دين للبشرية.

manhalr78
12-16-2014, 10:23 AM
هنا يحضرني حديث للنبي صلى الله عليه و سلم يعبر عن كل هذه المعاني :
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً ، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت الكلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) . ( رواه البخاري ، كتاب العلم ، باب فضل من علم وعلم 1/175 ، ومسلم كتاب الفضائل ، باب بيان مثل ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ، في 4/787 برقم 2282)

جزاك الله خيراً وما أحوجنا كمسلمين أن نتعلم مثل هذا الحديث الشريف!