المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاستشراق



حازم
01-01-2005, 07:03 PM
التعريف اللغوي

لو أرجعنا هـذه الكلمة إلى أصلها لوجدناها مأخوذة من كلمة إشراق ثم أضيف إليها ثلاثة حروف هي الألف والسين والتاء، ومعناها طلب النور والهداية والضياء، والإشراق من الشرق حيث نزلت الديانات الثلاث اليهودية والنصرانية والإسلام. ولما كان الإسلام هو الدين الغالب فأصبح معنى الاستشراق البحث عن معرفة الإسلام والمسلمين وبلاد المسلمين عقيدة وشريعة وتاريخاً ومجتمعاً وتراثاً...الخ.

التعريف عند الغربيين

ومع أن مصطلح الاستشراق ظهر في الغرب منذ قرنين من الزمان على تفاوت بسيط بالنسبة للمعاجم الأوروبية المختلفة، لكن الأمر المتيقن أن البحث في لغات الشرق وأديانه وبخاصة الإسلام قد ظهر قبل ذلك بكثير، ولعل كلمة مستشرق قد ظهرت قبل مصطلح استشراق، فهذا آربري Arberry في بحث له في هذا الموضوع يقول "والمدلول الأصلي لاصطلاح (مستشرق) كان في سنة 1638 أحد أعضاء الكنيسة الشرقية أو اليونانية" وفي سنة 1691 وصف آنتوني وود Anthony Wood صمويل كلارك Samuel Clarke بأنه (استشراقي نابه) يعنى ذلك أنه عرف بعض اللغات الشرقية. وبيرون في تعليقاته على Childe Harold's Pilgrimage يتحدث عن المستر ثورنتون وإلماعاته الكثيرة الدالة على استشراق عميق"([1]).

ويرى رودي بارت أن الاستشراق هو " علم يختص بفقه اللغة خاصة، وأقرب شي إليه إذن أن نفكر في الاسم الذي أطلق عليه كلمة استشراق مشتقة من كـلمة ’شرق’ وكلمة شرق تعني مشرق الشمس ، وعلى هذا يكون الاستشراق هو علم الشرق أو عـلم العالم الشرقي"([2]). ويعتمد المستشرق الإنجليزي آربري تعريف قاموس أكسفورد الذي يعرف المستشرق بأنه "من تبحّر في لغات الشرق وآدابه"([3]).

ومن الغربيين الذين تناولوا ظهور الاستشراق وتعريفه المستشرق الفرنسي مكسيم رودنـسون Maxime Rodinson الذي أشار إلى أن مصطلح الاستشراق ظهر في اللغة الفرنسية عام 1799بينما ظهر في اللغة الإنجليزية عام 1838، وأن الاستشراق إنما ظهر للحاجة إلى "إيجاد فرع متخصص من فروع المعرفة لدراسة الشرق" ويضيف بأن الحاجة كانت ماسة لوجود متخصصين للقيام على إنشاء المجلات والجمعيات والأقسام العلمية([4]).

ولو انتقلنا إلى العرب والمسلمين الذين تناولوا هذا المصطلح نجد أن إدوارد سعيد عدة تعريفات للاستشراق منها أنه "أسلوب في التفكير مبني على تميّز متعلق بوجود المعرفة بين ’الشرق’ (معظم الوقت) وبين الغرب"([5]). ويضيف سعيد بأن الاستشراق ليس مجرد موضوع سياسي أو حقل بحثي ينعكس سلباً باختلاف الثقافات والدراسـات أو المؤسسات وليس تكديساً لمجموعة كبيرة من النصوص حول المشرق … إنه بالتالي توزيع للوعي الجغرافي إلى نصوص جمالية وعلمية واقتصادية واجتماعية وفي فقه اللغة ([6]). وفي موضع آخر يعرف سعيد الاستشراق بأنه المجال المعرفي أو العلم الذي يُتوصل به إلى الشرق بصورة منظمّة كموضوع للتعلم والاكتشاف والتطبيق.([7]) .ويقول في موضع آخر إنّ الاستشراق: نوع من الإسقاط الغربي على الشرق وإرادة حكم الغرب للشرق"([8]).

لقد اختار الدكتور أحمد عبد الحميد غراب هـذا التعريف "دراسات ’أكاديمية’ يقوم بها غربيون كافرون –من أهل الكتاب بوجه خاص- للإسلام والمسلمين، من شـتى الجوانب عقيدة، وشريعة، وثقافة، وحضارة، وتاريخاً، ونظمـاً، وثروات وإمكانات .. .بهدف تشويه الإسلام ومحاولة تشكيك المسلمين فيه، وتضليلهم عنه، وفرض التبعية للغرب عليهم، ومحاولـة تبرير هذه التبعية بدراسات ونظريات تدعي العلمية والموضوعية، وتزعم التفوق العنصري والثقافي للغرب المسيحي على الشرق الإسلامي"([9]).

تعريفنا للاستشراق

هو كل ما يصدر عن الغربيين وأمريكيين من إنتاج فكري وإعلامي وتقارير سياسية واستخباراتية حول قضايا الإسلام والمسلمين في العقيدة، وفي الشريعة، وفي الاجتماع، وفي السياسة أو الفكر أو الفن، ويمكننا أن نلحق بالاستشراق ما يكتبه النصارى العرب من أقباط ومارونيين وغيرهم ممن ينظر إلى الإسلام من خلال المنظار الغربي، ويلحق به أيضاً ما ينشره الباحثون المسلمون الذين تتلمذوا على أيدي المستشرقين وتبنوا كثيراً من أفكار المستشرقين([10]).

وكان الاستشراق ومازال يهتم بالشعوب الشرقية عموماً التي تضم الهند وجنوب شرق آسيا والصين واليابان وكوريا. وعند مراجعة النشاطات الاستشراقية نجد أن هذه المناطق بدأت تخصص بدراسات خاصة بها مثل الدراسات الصينية أو الدراسات الهندية أو الدراسات اليابانية، أما الأصل فكانت كلها تضم تحت مصطلح واحد هو (الاستشراق).

ولا بد من الوقوف عند تعريف آخر للاستشراق لا يرى أن كلمة استشراق ترتبط فقط بالمشرق الجغرافي وإنما تعني أن الشرق هو مشرق الشمس ولهذا دلالة معنوية بمعنى الشروق والضياء والنور والهداية بعكس الغروب بمعنى الأفول والانتهاء، وقد رجع أحد الباحثين المسلمين وهو السيد محمد الشاهد إلى المعاجم اللغوية الأوروبية (الألمانية والفرنسية والإنجليزية) ليبحث في كلمة شرقORIENT فوجد أنه يشار إلى منطقة الشرق المقصودة بالدراسات الشرقية بكلمة "تتميز بطابع معنوي وهو Morgenland وتعني بلاد الصباح، ومعروف أن الصباح تشرق فيه الشمس، وتدل هذه الكلمة على تحول من المدلول الجغرافي الفلكي إلى التركيز على معنى الصباح الذي يتضمن معنى النور واليقظة، وفي مقابل ذلك نستخدم في اللغة كلمة Abendlandوتعني بلاد المساء لتدل على الظلام والراحة"([11]).

وفي اللاتينية تعني كلمة Orient: يتعلم أو يبحث عن شيء ما، وبالفرنسية تعنى كلمة Orienter وجّه أو هدى أو أرشد، وبالإنجليزيةOrientation , و orientate تعني "توجيه الحواس نحو اتجاه أو علاقة ما في مجال الأخلاق أو الاجتماع أو الفكر أو الأدب نحو اهتمامات شخصية في المجال الفكري أو الروحي"، ومن ذلك أن السنة الأولى في بعض الجامعات تسمّى السنة الإعدادية Orientation . وفي الألمانية تعني كلمة Sich Orientiern " يجمع معلومات (معرفة) عن شيء ما ([12]).

إلغاء مصطلح الاستشراق

يجب أن نتوقف عند القرار الغربي بالتوقف عن استخدام مصطلح استشراق أو كما قال لويس إن هذا المصطلح قد ألقي به في مزابل التاريخ، فقد رأى الغرب أن هذا المصطلح ينطوي على حمولات تاريخية ودلالات سلبية وأن هذا المصطلح لم يعد يفي بوصف الباحثين المتخصصين في العالم الإسلامي، فكان من قرارات منظمة المؤتمرات العالمية في مؤتمرها الذي عقد في باريس عام 1973 بأن يتم الاستغناء عن هذا المصطلح، وأن يطلق على هذه المنظمة (المؤتمــرات العالمية للدراسات الإنسانية حـول آسيا وشمال أفريقياICHSANA) [13]. وعقدت المنظمة مؤتمرين تحت هذا العنوان إلى أن تم تغييره مرة ثانية إلى (المؤتمرات العالمية للدراسات الآسيوية والشمال أفريقية ICANAS). وقد عارض هذا القرار دول الكتلة الشرقية (روسيا والدول التي كانت تدور في فلكها)([14])، ومع ذلك ففي المؤتمر الدولي الخامس والثلاثين للدراسات الآسيوية والشمال أفريقية الذي عقد في بودابست بالمجر كان مصطلح استشراق ومستشرقين يستخدم دون أي تحفظات، مما يعني أن الأوروبيين الغربيين والأمريكيين هم الأكثر اعتراضـاً على هذا المصطلح ولعل هذا ليفيد المغايرة بحيث يتحدثون عن المستشرقين ليثبتوا أنهم غير ذلك بل هم مستعربون Arabists أو إسلاميون Islamists أو باحثون في العلوم الإنسانية Humanistsأو متخصصون في الدراسات الإقليمية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي تختص ببلد معين أو منطقة جغرافية معينة، أما موقفنا نحن من هذا التخصص أو التخصصات فإنه يسعنا ما وسع الغربيين فإن هم اختاروا أن يتركوا التسمية فلا بأس من ذلك شريطة أن لا نغفل عن استمرار اهتمامهم بدراستنا والكتابة حول قضايانا وعقد المؤتمرات والندوات ونشر الكتب والدوريات حول العالم الإسلامي واستمرار أهداف الاستشراق، وأن لا يصرفنا تغيير الاسم عن الوعي والانتباه لما يكتبونه وينشرونه.

-------------------------------------------------------------

[1]- ا. ج آربري. المستشرقون البريطانيون .تعريب محمد الدسوقي النويهي. ( لندن: وليم كولينز، 1946.)ص8.

[2]- رودي بارت.الدراسات العربية والإسلامبة في الجامعات الألمانية( المستشرقون الألمان منذ تيودور نولدكه). ترجمة مصطفى ماهر( القاهرة: دار الكتاب العربي) (بدون تاريخ) ص 11.

[3] -ا. ج. آربري. المستشرقون البريطانيون . تعريب محمد الدسوقي النويهي. (لندن: وليم كولينز ، 1946) ص8.

[4] -مكسيم رودنسون ." الصورة الغربية والدراسات الغربية الإسلامية." في تراث الإسلام (القسم الأول) تصنيف شاخت وبوزورث. ترجمة محمد زهير السمهوري ، ( الكويت: سلسلة عالم المعرفة ، شعبان /رمضان1398هـ- أغسطس 1978م.)ص27-101.

[5] -Edward Said. Orientalism. ( New York: Vintage Books, 1979) p.2.

[6] -Ibid. p 12.

[7] -Ibid. p73..

[8] -المرجع نفسه ص 92.

[9] -أحمد عبد الحميد غراب . رؤية إسلامية للاستشراق.ط2 (بيرمنجهام: المنتدى الإسلامي ، 1411) ص 7.

[10] - من أمثال ذلك ما نشر لمحمد عبد الحي شعبان وعزيز العظمة ، ونوال السعداوي ، وفاطمة مرنيسي وفضل الرحمن ، وغيرهم كثير حيث قامت دور النشر الجامعية لكبريات الجامعات الغربية وبخاصة الأمريكية بنشر إنتاج هؤلاء وترويجه.

[11] -السيد محمد الشاهد. "الاستشراق ومنهجية النقد عند المسلمين المعاصرين" في الاجتهاد. عدد 22، السنة السادسة ، شتاء عام 1414هـ/1994م. ص191-211.

[12] - المرجع نفسه ، ص 197.

[13] -Bernard Lewis.” The Question of Orientalism. In New York Times Review of Books. June 24,1982. Pp. 49-56.

[14] -Bernard Lewis. “ The Question of Orientalism.” Op., Cit.

حازم
01-01-2005, 07:07 PM
نشأة الاستشراق ومراحله

اختلف الباحثون في نشأة الاستشراق في تحديد سنة معنية أو فترة معينة لنشأة الاستشراق فيرى البعض أن الاستشراق ظهر مع ظهور الإسلام وأول لقاء بين الرسول صلى الله عليه وسلم ونصـارى نجران، أو قبل ذلك عندما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم رسله إلى الملوك والأمراء خـارج الجزيرة العربية أو حتى في اللقاء الذي تم بين المسلمين والنجاشي في الحبشة. بينما هنـاك رأي بأن غزوة مؤتة التي كانت أول احتكاك عسكري تعد من البدايات للاستشراق ويرى آخرون أن أول اهتمام بالإسلام والرد عليه بدأ مع يوحنا الدمشقي وكتـابه الذي حاول فيه أن يوضح للنصارى كيف يجادلون المسلمين. ويرى آخرون أن الحروب الصليبية هي بداية الاحتكـاك الفعلي بين المسلمين والنصارى الأمر الذي دفع النصارى إلى محاولة التعرف على المسلمين.

ومن الآراء في بداية الاستشراق أنه بدأ بقرار من مجمع فيينا الكنسي الذي دعا إلى إنشاء كراسي لدراسة اللغات العربية والعبرية والسريانية في عدد من المدن الأوروبية مثل باريس وأكسفورد وغيرهما، ويرى الباحث الإنجليزي ب.إم هولت P.M. Holt أن القرارات الرسمية لا يتم تنفيذها بالطريقة التي أرادها صاحب القرار لذلك فإن القرار البابوي هنا لا يعد البداية الحقيقية للاستشراق.([1])

وثمة رأي له عدد من المؤيدين أن احتكاك النصارى بالمسلمين في الأندلس هو الانطلاقة الحقيقية لمعرفة النصارى بالمسلمين والاهتمام بالعلوم الإسلامية ويميل إلى هذا الرأي بعض رواد البحث في الاستشراق من المسلمين ومنهم الشيخ الدكتور مصطفى السباعي ([2]).

ولاشك أن هذه البدايات لا تعد البداية الحقيقية للاستشراق الذي أصبح ينتج ألوف الكتب سنوياً ومئات الدوريات ويعقد المؤتمرات، وإنما تعد هذه جميعا كما يقول الدكتور النملة "من قبيل الإرهاص لها وما أتى بعدها يعد من قبيل تعميق الفكرة، والتوسع فيها وشد الانتباه إليها"([3]) فالبداية الحقيقية للاستشراق الذي يوجد في العالم الغربي اليوم ولا سيما بعد أن بنت أوروبا نهضتها الصناعية والعلمية وأصبح فيها العديد من الجامعات ومراكز البحوث وأنفقت ولا تزال تنفق بسخاء على هذه البحوث قد انطلقت منذ القرن السادس عشر حيث "بدأت الطباعة العربية فيه بنشاط فتحركت الدوائر العلمية وأخذت تصدر كتاباً بعد الآخر .."([4])، ثم ازداد النشاط الاستشراقي بعد تأسيس كراس للغة العربية في عدد من الجامعات الأوروبية مثل كرسي أكسفورد عام 1638 وكامبريدج عام 1632، ويضيف سمايلوفيتش بأن تأسيس الجمعيات العلمية مثل الجمعية الأسيوية البنغالية والجمعية الاستشراقية الأمريكية والجمعية الملكية الآسيوية البريطانية وغيرها بمنزلة "الانطلاقة الكبرى للاستشراق حيث تجمعت فيها العناصر العلمية والإدارية والمالية فأسهمت جميعها إسهاماً فعّالاً في البحث والاكتشاف والتعرف على عالم الشرق وحضارته فضلاً عما كان لها من أهداف استغلالية واستعمارية"([5]) وكان من المشروعات الاستشراقية المهمة إنشاء مدرسة اللغات الشرقية الحية في فرنسا برئاسة المستشرق الفرنسي سلفستر دي ساسي Silvester de Sacy التي كانت تعد قبلة المستشرقين الأوروبيين وساهمت في صبغ الاستشراق بالصبغة الفرنسية مدة من الزمن([6])، نشاء الجمعيات الاسشتراقية وأيضاً بداية منظمة المؤتمرات العالمية للمستشرقين عام 1873 في عقد مؤتمراته السنوية.

----------------------------------------------------------------

[1] -P. M. Holt. “ The Origin of Islam Studies.” In AL- Kulliya. (Khartoum) No.1, 1952,pp.20-27.

[2] علي النملة . الاستشراق في الأدبيات العربية :عرض للنظرات وحصر وراقي للمكتوب.( الرياض: مركز الملك فيصل للبحوث الدراسات الإسلامية، 1414هـ/1993م.) الصفحات 23-31.وقد أورد الدكتور النملة معظم الآراء التي تتعلق بنشأة الاستشراق.

[3] - المرجع نفسه ص 30.

[4] -أحمد سمايلوفيتش. فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر."( القاهرة :بدون ناشر ، بدون تاريخ) ص 77.

[5] -المرجع نفسه ص 81.

[6] -نجيب العقيقي . المستشرقون. ج1(القاهرة: دار المعارف، بدون تاريخ9 ص 140

حازم
01-01-2005, 07:13 PM
أهداف الاستشراق

الهدف الديني

إن كنّا أخذنا بالقول إن الاستشراق بدأ بتشجيع من الكنيسة ورجال الدين فإن الاهتمام الديني يعد أول أهداف الاستشراق وأهمها على الإطلاق. فعندما رأى النصارى وبخاصة رجال الدين فيهم أن الإسلام اكتسح المناطق التي كانت للنصرانية وأقبل كثير من النصارى على الدين الإسلامي ليس لسماحته فحسب ولكن لأنه بعيد عن التعقيدات وطلاسم العقيدة النصرانية ، ولأنه نظـام كامل للحياة . كما أن رجال الدين النصارى خافوا على مكانتهم الاجتماعية والسياسية في العـالم النصراني فكان لابد أن يقفوا في وجه الإسلام حيث إنه ليس في الإسلام طبقة رجال دين أو أكليروس كما في النصرانية.[1]

فغاية الهدف الديني هي معرفة الإسلام لمحاربته وتشويهه وإبعاد النصارى عنه، وقد اتخذ النصارى المعرفة بالإسلام وسيلة لحملات التنصير التي انطلقت إلى البلاد الإسلامية،وكان هدفها الأول تنفير النصارى من الإسلام. ولذلك فإن الكتابات النصرانية المبكرة كانت من النوع المتعصب والحاقد جداً حتى إن بعض الباحثين الغربيين في العصر الحاضر كتب نقداً عنيفاً لاستشراق العصور (الأوروبية ) الوسطى من أمثال نورمان دانيال Norman Daniel في كتابه الإسلام والغرب.[2] فقد كتب دانيال أن أسباب حقد النصارى وسوء فهمهم للإسلام مـازال بعضه يؤثر في موقف الأوروبيين من الإسلام بالرغم من التحسن العظيم الحديث في الفهم والذي أشاد به بعض المسلمـين.[3] وكتاب ريتشارد سوذرن صورة الإسلام في العصور الوسطى [4]



الهدف العلمي

ما كان لأوروبا أن تنهض نهضتها دون أن تأخذ بأسباب ذلك وهو دراسة منجزات الحضارة الإسلامية في جميع المجالات العلمية .فقد رأى زعماء أوروبا " أنه إذا كانت أوروبا تريد النهوض الحضاري والعلمي فعليها بالتوجه إلى بواطن العلم تدرس لغاته وآدابه وحضارته"([5]) وبـالرجوع إلى قوائم الكتب التي ترجمت إلى اللغات الأوروبية لعرفنا حقيقة أهمية هذا الهـدف من أهداف الاستشراق فالغربيين لم يتركوا مجالاً كتب فيه العلماء المسلمون حتى درسـوا هذه الكتابات وترجموا عنها، وأخذوا منها.وقد أشار رودي بارت Rudi Paret -في كتابه عن الدراسات العربية الإسلامية -إلى إمكانية أن تقوم الأمة الإسلامية في العصر الحاضر بدراسة الغرب فيما يمكن أن يطلق عليه علم الاستغراب ([6])، فإن المسلمين في نهضتهم الحاضرة بحاجة إلى معرفة الإنجازات العلمية التي توصل إليها الغرب عبر قرون من البحث والدراسة والاكتشافات العلمية والاستقرار السياسي والاقتصادي.



الهدف الاقتصادي التجاري

عندما بدأت أوروبا نهضتها العلمية والصناعية والحضارية وكانت في حاجة إلى المواد الأوليـة الخام لتغذية مصانعها ، كما أنهم أصبحوا بحاجة إلى أسواق تجارية لتصريف بضائعهم كان لا بد لهم أن يتعرفوا إلى البلاد التي تمتلك الثروات الطبيعية ويمكن أن تكون أسواقاً مفتوحة لمنتجاتهم . فكان الشرق الإسلامي والدول الأفريقية والآسيوية هي هذه البلاد فنشطوا في استكشافاتهم الجغرافية ودراساتهم الاجتماعية واللغوية والثقافية وغيرها.

ولم يتوقف الهدف الاقتصادي عند بدايات الاستشراق فإن هذا الهدف ما زال أحد أهم الأهداف لاستمرار الدراسات الاستشراقية . فمصانعهم ما تزال تنتج أكثر من حاجة أسواقهم المحـلية كما أنهم ما زالوا بحاجة إلى المواد الخام المتوفرة في العالم الإسلامي. ولذلك فإن بعض أشهر البنوك الغربية(لويد وبنك سويسرا) تصدر تقارير شهرية هي في ظاهرها تقارير اقتصادية ولكنها في حقيقتها دراسات استشراقية متكاملة حيث يقدم التقرير دراسة عن الأحوال الدينية والاجتماعية والسياسية والثقافية للبلاد العربية الإسلامية ليتعرف أرباب الاقتصاد والسياسة على الكيفية التي يتعاملون بها مع العـالم الإسلامي.



الهدف السياسي الاستعماري

لقد خدم الاستشراق الأهداف السياسية الاستعمارية للدول الغربية فقد سار المستشرقون في ركاب الاستعمار وهم كما أطلق عليهم الأستاذ محمود شاكر -رحمه الله- " حملة هموم الشمال المسيحي- فقدموا معلومات موسعة ومفصلة عن الدول التي رغبت الدول الغربية في استعمـارها والاستيلاء على ثرواتها وخيراتها. وقد اختلط الأمر في وقت من الأوقات بين المستعمر والمستشرق فقد كان كثير من الموظفين الاستعماريين على دراية بالشرق لغة وتاريخاً وسياسة واقتصـاداً . وقد أصدر - على سبيل المثال- مستشرق بريطاني كتاباً من أربعة عشر مجلداً بعنوان: (دليل الخليج: الجغرافي والتاريخي) وكان الموظف الاستعماري لا يحصل على الوظيفة في الإدارة الاستعمارية ما لم يكن على دراية بالمنطقة التي سيعمل بها.

واستمر الارتباط بين الدراسات العربية الإسلامية وبين الحكومات الغربية حتى يومنا هذا بالرغـم من أنه قد يوجد عدد محدد جداً من الباحثين الغربيين دفعهم حب العلم لدراسة الشرق أو العالم الإسلامي. ومن الأدلة على هذا الارتباط أن تأسيس مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجـامعة لندن قد أُسّسَت بناء على اقتراح من أحد النواب في البرلمان البريطاني.([7]) وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية رأت الحكومة البريطانية أن نفوذها في العالم الإسلامي بدأ ينحسر فكان لا بد من الاهتمام بالدراسات العربية الإسلامية فكلفت الحكومة البريطانية لجنة حكومية برئاسة الإيرل سكاربورو Scarbrough لدراسة أوضاع الدراسات العربية الإسلامية في الجامعات البريطانية. ووضعت اللجنة تقريرها حول هذه الدراسات وقدمت فيه مقترحاتها لتطوير هذه الدراسات واستمرارها([8]).

وفي عام 1961 كونت الحكومة البريطانية لجنة أخرى برئاسة السير وليام هايترSir William Hayter لدراسة هذا المجال المعرفي ، وقامت اللجنة باستجواب عدد كبير من المتخصصين في هذا المجال ، كما زارت أقسام الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات البريطانية وفي عشر جامعات أمـريكية وجامعتين كنديتين . وكانت زيارتها للولايات المتحدة بقصد التعرف على التطورات التي أحدثها الأمريكيون في هذا المجال ، وكان ذلك بتموين من مؤسستي روكفللر و فورد .([9])

ومما يؤكد ارتباط الدراسات العربية الإسلامية بالأهداف السياسية الاستعمارية (رغم انحسار الاستعمار العسكري) أن الحكومة الأمريكية موّلت عدداً من المراكز للدراسات العربية الإسلامية في العديد من الجامعات الأمريكية ، وما زالت تمول بعضها إما تمويلاً كاملاً أو تمويلاً جزئياً وفقا لمدى ارتباط الدراسة بأهداف الحكومة الأمريكية وسياستها.([10])

كما يستضيف الكونجرس وبخاصة لجنة الشؤون الخارجية أساتذة الجامعات والباحثين المتخصصين في الدراسات العربية الإسلامية لتقديم نتائج بحوثهم وإلقاء محاضرات على أعضاء اللجنة ، كما ينشر الكونجرس هذه المحاضرات والاستجوابات نشراً محدوداً لفائدة رجال السياسة الأمريكيين.([11])



الهدف الثقافي

من أبرز أهداف الاستشراق نشر الثقافة الغربية انطلاقاً من النظرة الاستعلائية التي ينظر بها إلى الشعوب الأخرى . ومن أبرز المجالات الثقافية نشر اللغات الأوروبية ومحاربة اللغة العربية. وصبغ البلاد العربية والإسلامية بالطابع الثقافي الغربي. وقد نشط الاستشراق في هذا المجال أيما نشاط. فأسس المعاهد العلمية والتنصيرية في أنحاء العالم الإسلامي وسعى إلى نشر ثقافته وفكره من خلال هؤلاء التلاميذ. وقد فكّر نابليون في ذلك حينما طلب من خليفته على مصر أن يبعث إليه بخمسمائة من المشايخ ورؤساء القبائل ليعيشوا فترة من الزمن في فرنسا "يشاهدون في أثنائها عظمة الأمة (الفرنسية) ويعتادون على تقاليدنا ولغتنا، ولمّا يعودون إلى مصر، يكون لنا منهم حزب يضم إليه غيرهم" ([12]) ولم يتم لنابليون ذلك ولكن لمّا جاء محمد علي أرسل بعثة من أبناء مصر النابهين يقودهم رفاعة رفعت الطهطاوي، وقد قال محمود شاكر إن هؤلاء " يكونون أشد استجابة على اعتياد لغة فرنسا وتقاليدها فإذا عادوا إلى مصر كانوا حزباً لفرنسا وعلى مر الأيام يكبرون ويتولون المناصب صغيرها وكبيرها، ويكون أثرهم أشد تأثيراً في بناء جماهير كثيرة تبث الأفكار التي يتلقونها في صميم شعب دار الإسلام في مصر.." ([13])

وقد حرص الغرب على الغزو الثقافي من خلال التغريب الفكري بعدة طرق ذكرها السيد محمد الشاهد فيما يأتي:

1- التعليم من حيث المنهج ومن حيث المادة العلمية …

2- وفي مجال الإعلام تُسْتَغل كل وسائل الإعلام المتاحة وخاصة أفلام السينما والتلفاز تأثير غير مباشر."([14])

وظهر الهدف الثقافي من خلال الدعوة إلى العامية وإلى محاربة الفصحى والحداثة في الأدب والفكر حيث نادى البعض بتحطيم السائد والموروث وتفجير اللغة وغير ذلك من الدعوات. وقد بلغ من ثقتهم بأنفسهم في هذا المجال أن كتب أحدهم يتوقع أن لا يمر وقت طويل حتى تستبدل مصر باللغة العربية اللغة الفرنسية كما فعلت دول شمال أفريقيا.([15])





--------------------------------------------------------------------------------

[1] - آصف حسين." المسار الفكري للاستشراق " ترجمة مازن مطبقاني ، مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية . العدد السابع ربيع الثاني 1413، ص 566-592.

[2] -Norman Daniel. Islam and The West: The Making of An Image. Revised edition (Oxford: Oneworld,1993)

[3] - المرجع نفسه ، صفحة 9 ( المقدمة)

[4] -ريتشارد سوذرن . صورة الإسلام في أوروبا في العصور الوسطى. ترجمة وتقديم رضوان السيد.( بيروت: معهد الإنماء العربي، 1984)

[5] - المرجع نفسه ص 36.

[6] -رودي بارت ، مرجع سابق.ص 15.

[7] -غراب ، مرجع سابق. ص48

[8] -Report of The Interdepartmental Commission of Inquiry of Oriental , Slavonic , European and African Studies (London, 1947)

[9] -Report of the Sub-Committee on Oriental, Slavonic, East European and African Studies (London,1961)

[10] - Moroe Berger. “ Middle Eastern And North African Studies : Development and Needs.” In Middle East Studies Association Bulletin, Vol.1. No.2, November 15,1967.

وانظر الدراسات العربية الإسلامية في جامعات أمريكيا الشمالية ، إعداد اللجنة المنبثقة عن مؤتمر الشباب المسلم المنعقد في طرابلس عام 1973وتم تحديثها عام 1975 ونشرت في مدينة سيدر رابدزCedar Rapids بولاية أيوا الأمريكية ، وقام بترجمتها مازن مطبقاني ، وراجع الترجمة الدكتور علي النملة ( تحت الطبع)

[11] -من الأمثلة على ذلك محاضر جلسات الكونجرس في صيف عام 1985 الذي بلغت صفحاتها اثنتين وأربعين وأربعمائة صفحة. وقد قام الدكتور أحمد خضر إبراهيم بترجمة أجزاء منها ونشرها في مجلة المجتمع الكويتية قبيل احتلال العراق الكويت.

[12] - محمود شاكر ، رسالة في الطريق إلى ثقافتنا.(جدة: دار المدني، 1407هـ، 1987م)ص108.

[13] -المرجع نفسه ،ص 141.

[14] -السيد محمد الشاهد. رحلة الفكر الإسلامي : من التأثر إلى التأزم. (بيروت: دار المنتخب العرب، 1414هـ/1994م)ص 181.

[15] -Saleh J. Altoma. “ The reception of Najib Mahfouz in American Publication.” In Comperatine and General Literature .( Bloomington: Indiana University Press. 1993) p160-179 quoting George Young .Egypt. London: E. Benn, 1927. P284-85.

يتبع .......

حازم
01-02-2005, 10:29 AM
وسائل الاستشراق

لقد سعى المستشرقون إلى تحقيق أهدافهم من خلال العديد من الوسائل والأساليب. وحيث أن المستشرقين جزء من مجتمعاتهم فإنهم سوف يستخدمون بلا شك الوسائل والأساليب الشائعة في مجتمعاتهم وإن كان مجال عملهم في الاستشراق سيتطلب في بعض الأحيان استخدام وسائل وأساليب تناسب مجال عملهم وتناسب أهدافهم ودوافعهم، وقد كتبت د. فاطمة أبو النجا عن وسائل المستشرقين تقول "لم يترك المستشرقون مجالا من مجالات الأنشطة المعرفية والتوجيهية العليا إلاً تخصصوا فيها، ومنها التعليم الجامعي، وإنشاء المؤسسات العالمية لتوجيه التعليم والتثقيف، وعقد المؤتمرات والندوات ولقاءات التحاور، وإصدار المجلات ونشر المقالات وجمع المخطوطات العربية، والتحقيق والنشر وتأليف الكتب ودس السموم الفكرية فيها بصورة خفية ومتدرجة، وإنشاء الموسوعات العلمية الإسلامية، والعناية العظمى لإفساد المرأة المسلمة وتزيين الكتابة باللغة العامية ..."([1])

هذه بصفة عامة الوسائل التي اتخذها المستشرقون لتحقيق أهدافهم وفيما يأتي توضيح هذه الوسائل والأساليب:

التعليم الجامعي والبحث العلمي

منذ أن استقر الاستشراق كفرع معرفي له أقسامه العلمية ومراكز البحوث الخاصة به، أخذت هذه الأقسام تستقبل الطلاب من جميع أنحاء العالم فالأوروبيون الذين يدرسون هذه المجالات يتخصصون فيها لأهداف تخصهم فقد جاء في تقرير سكاربورScarbrough وتقرير هايتر Hayter البريطانيين الجهات التي تحتاج هذه التخصصات ابتداءً من وزارة المستعمرات(حين كانت موجودة) ووزارة الخارجية والاستخبارات والتجارة والاقتصاد والإذاعة البريطانية وغيرها من الجهات، أما الطلاب العرب والمسلمون فقد جاءوا في بعثات دراسية إما على حساب دولهم أو على حسابهم الخاص أو بمنح من الجامعات الغربية التي استهوتهم لأسباب منها السمعة العلمية العالية التي تتمتع بها هذه الجامعات في دول العالم الثالث( حتى وإن كان بعضها متواضع المستوى) وثانياً لرغبة الجامعات الغربية الإفادة من هؤلاء الطلاب في مجال البحث العلمي، بالإضافة إلى الهدف الاستشراقي القديم من التأثير في طبقة من أبناء الأمة المسلمة من المتوقع أن تتسم منابر التوجيه وقيادة الرأي في بلادها. وقد يكون أحد هذه الأسباب المرونة التي تتمتع بها هذه الجامعات في مجال الدراسات العليا وبعدها عن التعقيدات والمشكلات والقيود التي يواجهها الطلاب في الجامعات العربية والإسلامية.

وقد أصبحت هذه الأقسام العلمية تعد بالآلاف في أنحاء أوروبا وأمريكا، ولما تخلص الأوروبيون والأمريكيون من مصطلح الاستشراق أصبحت أقسام الدراسات الشرق أوسطية أقسام دراسات المناطق هي التي يدرس فيها هؤلاء الطلاب ولكن هذه الأقسام لم تعد كافية لدراسة كل ما يخص العالم الإسلامي والعربي فأضيف إليها الدراسة في أقسام الجامعة الأخرى مثل : علم الاجتماع، وعلم الإنسان، وعلم النفس، وقسم الاقتصاد والعلوم السياسية ومختلف العلوم التي يتم التنسيق بينها جميعاً من خلال معهد الشرق الأوسط كما في جامعة كولمبيا في نيويورك أو مركز دراسات الشرق الأوسط كما في جامعة كاليفورنيا بمدينة بيركلي.

وتسهم هذه الأقسام من خلال المواد الدراسية في تكوين عقلية الطالب وفهمه وإدراكه للقضايا التي تخص الإسلام والمسلمين حيث إن طريقة التدريس والمراجع المقررة وتوجهات الأساتذة لها دور كبير في الدراسة الجامعية أو الدراسات العليا( وبخاصة في أمريكا حيث إن طالب الماجستير أوالدكتوراه يكلف بدراسة عدد محدد من الساعات)([2])

ولا شك أن بعض أبناء العرب والمسلمين يتأثرون بأساتذتهم فكرياً وأخلاقياً وسلوكياً ، ولذلك نجد التركيز في التراجم الإسلامية السؤال عن الشيوخ، ولذلك من المهم معرفة شيوخ العلماء المعاصرين من أبناء الأمة الإسلامية الذين تتلمذوا على المستشرقين. ومهما كانت قوة العقيدة والإيمان لدى معظم الطلاب العرب والمسلمين فإن بعضهم يتأثر بشيوخه من المستشرقين وبخاصة أن بعض هؤلاء قد بلغوا درجة عالية من العلم والخبرة ومعرفة نفسية الطلاب العرب والمسلمين. كما أن بعض الأساتذة في الجامعات الغربية يكونون من القساوسة والرهبان وبعضهم من اليهود فيحرصون على التأثير في طلابهم بأسلوب غير مباشر، ولو أن يدخلوا أدنى درجة من الشك في قلوب هؤلاء التلاميذ.

وبالإضافة إلى أقسام دراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية في الجامعات الغربية ( أوروبا وأمريكا) فإن الغرب حرص على فتح جامعات أوروبية وأمريكية في البلاد العربية الإسلامية ومن أبرز هذه الجامعات الجامعة الأمريكية التي أصبح لها العديد من الفروع في القاهرة وفي بيروت وفي دبي وفي الشارقة وفي إسطنبول وغيرها، وقد قامت الجامعات الفرنسية بافتتاح معاهد لها في عدد من الدول العربية كما أن لهولندا معهداً في مصر وكذلك تقوم الحكومة الألمانية بافتتاح جامعة في مصر بعد أن كانت نواة هذه الجامعة قد أسست منذ سنوات. وقد ذكر خبر نشر في إحدى الصحف أن حجر الأساس لأول جامعة ألمانية سيوضع بتمويل من عدة جهات منها السفارة الألمانية في القاهرة ( يعني الخارجية الألمانية) وجامعتين ألمانيتين بالتعاون مع الغرفة التجارية العربية الألمانية للتجارة والصناعة([3])

وقد أعلنت وزارة الخارجية السويدية قبل عدة أعوام عن إنشاء مركز بحوث سويدي في الإسكندرية. وسيعقد هذا المعهد مؤتمراً عن الشباب العربي المسلم في مدينة الإسكندرية بمصر في شهر فبراير 2003م.

أما كيف تكون الجامعات والتعليم العالي وسيلة من وسائل الاستشراق فنحن لا نتحدث عن أقسام الهندسة والكيمياء والطب والرياضيات( وإن كان يحدث فيها تأثير استشراقي) ولكن الحديث عن أقسام الدراسات الإسلامية والعربية والتاريخ والجغرافيا وعلم النفس وعلم الاجتماع والتربية وغيرها من الدراسات الأدبية والنظرية) فمن التأثر أولاً بالمجتمع الغربي( وهي قضية بدأت مع البعثات قبل أكثر من قرنين ) إلى التأثر بالأستاذ في طباعة وأخلاقه وسلوكه، ثم في اختيار موضوع البحث وبخاصة في مجال الدراسات العليا، فإن الأمة قد أوفدت أنبه أبنائها (بخاصة المبتعثين، الذين حصلوا على البعثات بجدارة) للدراسة في الخارج فحين يكون اختيار الموضوع سيئاً أو موجهاً فقد يجد الطالب نفسه أسير ذلك الموضوع حتى نهاية حياته العلمية وقل أن يتخلص من هذا الأسر، فيسهم الأستاذ المشرف في اختيار الموضوع وتوجيه الطالب للاهتمام بقضايا بعينها، ومن الأمثلة توجيه الطالب لاختيار كتاب الأغاني مثلاً ليكون مصدراً لدراسة التاريخ الإسلامي أو المجتمع الإسلامي. وهو أمر خطير فكيف يكون كتاب مجون وخلاعة مصدر لدراسة تاريخ أمة هي أعظم الأمم على وجه الأرض.

كما يوجه الأساتذة طلابهم للبحث في موضوعات يريد الغربيون معرفة تفاصيلها الدقيقة وهو لا يستطيعون الوصول إلى هذه المعلومات فيكلفون طلابهم الذين يريدون الحصول على الدرجات العليا، كما أن مثل هذه الدراسة تتيح لهم الفرصة للعودة إلى بلادهم في رحلات علمية لجمع المادة العلمية وتقديم الاستمارات والاستبيانات وغيرها من وسائل جمع المادة العلمية التي يصعب على الأستاذ أو الجهات الخارجية الوصول إليها.

وتسعى الجامعات ومراكز البحوث أن تستقطب بعض أبناء الأمة الإسلامية لقضاء سنوات التفرغ بالنسبة للأساتذة الجامعيين أو العمل باحثين في هذه المراكز، وإن كان الغالب أن الجامعات الغربية ومراكز البحوث هناك تستقطب نماذج معينة من الباحثين العرب والمسلمين المتأثرين بالفكر الغربي، لكن هذا لا يمنع أن يشارك في العمل في بعض الجامعات الغربية بعض الباحثين المعتزين بدينهم وبأمتهم وبتراثهم الحضاري وينافحون عن الإسلام بكل ما أوتوا من قوة ولكنهم يبقون الاستثناء الذي يثبت صحة القاعدة كما يقولون.

الكتب والمجلات والنشرات

حرص الاستشراق منذ بدايته على نشر الكتب التي تتناول الإسلام من جميع جوانبه عقيدة وشريعة وتاريخاً وسيرة، وتناولت هذه الكتب الأحوال الاجتماعية في العالم الإسلامي في مختلف العصور.

ففي مجال العقيدة كتبوا كثيراً ومن ذلك ما نشره المستشرق اليهودي المجري بعنوان دراسات إسلامية كما ألف في مذاهب التفسير الإسلامية، ونشر المستشرق دنكان بلاك ماكدونالد كتاباً بعنوان تطور العقيدة الإسلامية وقد انطلى على بعض المسلمين أنه كتاب علمي فقُرر تدريسه في أقسام الدراسات الإسلامية. وألف كولسون في التشريع الإسلامي ، وصدر لهم تآليف كثيرة في مجال التاريخ الإسلامي حتى عد بعضهم كتاب كارل بروكلمان تاريخ الشعوب الإسلامية من المراجع الأساسية في دراسة التاريخ الإسلامي. وهناك على سبيل المثال لا الحصر كتاب برنارد لويس تاريخ العرب عدّه بعض الأساتذة المتأثرين بالاستشراق من أهم الكتب في بابه.

وقد تميزت كتابات المستشرقين في العصور الوسطى أو بدايات الاستشراق بالتعصب والحقد الشديد والكراهية للإسلام وإظهار هذه العواطف والاتجاهات بصراحة متناهية حتى ظهر منهم من كتب منتقداً هذا الأسلوب ومن هؤلاء ما كتبه نورمان دانيال في كتابه ( الإسلام والغرب) وما كتبه ريشتارد سوذرن في كتابه (صورة الإسلام والمسلمين في كتابات العصور الوسطى).

وظهرت في القرن العشرين كتابات عن الإسلام تظاهرت بأنها تجاوزت التعصب والحقد القديم ومنها ما كتبه توماس آرنولد في كتابه (الدعوة إلى الإسلام) وقد يكون هذا الكتاب قدم بعض العبارات والجمل المادحة للإسلام والمسلمين ولكنه في حقيقته بعيد عن الموضوعية والمنهج العلمي(توجد رسالة ماجستير انتقدت هذا الكتاب في كلية الدعوة بالمدينة المنورة)([4]) كما ظهرت كتابات مونتجمري وات حول الرسول صلى الله عليه وسلم ( محمد في مكة) و( محمد في المدينة ) و( محمد رجل الدولة والسياسة) وغيرها من الكتب.

أما أبرز الجهات الاستشراقية التي تنشر الكتب فأود في البداية أن أشير إلى أن الجامعات الغربية لها دور نشر خاصة بها ، ولعل من أشهر دور النشر هذه على سبيل المثال جامعة أكسفورد التي تطبع مئات الكتب كل عام حول العالم الإسلامي وقضاياه المختلفة، كما أن الجامعات الأوروبية والأمريكية لها دور نشر نشطة، تقوم بجهد يوازي إن لم يتفوق على نشاط دور النشر التجارية البحتة( قارن بينها وبين دور النشر في الجامعات العربية والإسلامية- دور نشر للمجاملة وللتوزيع المحدود ولا تطبع دار النشر الجامعية أكثر من عشرة عناوين سنوياً)

ففي موقع دار جامعة أكسفورد للنشر مئات الكتب التي تهتم بالإسلام والعالم الإسلامي ومنها هذه الكتب- على سبيل المثال-:

- موسوعة أكسفورد للعالم الإسلامي الحديث ، وتتكون من أربعة مجلدات تتألف من 1840 صفحة وتهتم بموضوعات لم تكن لتهتم بها الكتب حول الإسلام ومن هذه الموضوعات: الإرهاب والتطرف وحقوق الإنسان ومكانة المرأة في العالم الإسلامي وفي الإسلام. وتزعم الموسوعة لنفسها أنها متخصصة وتقدم معلومات دقيقة وموثقة حول القضايا التي تتناولها .

ويمكن التعرف إلى مدى انتشار الكتب حول الإسلام والعالم العربي والشرق الأوسط من خلال شركة أمازون لتوزيع الكتب فيكفي أن تضع كلمة الإسلام أو العرب أو الشرق الأوسط لتمدك الشركة بسيل من الكتب فتحت عنوان إسلام وجدت أنه ثمة ثمانية آلاف وثمانمائة وإحدى عشر كتاباً([5])

أما المجلات والدوريات فتعد بالمئات من مختلف أنحاء أوروبا وأمريكا فلا يكاد قسم من أقسام دراسات الشرق الأوسط الكبيرة في الجامعات الغربية إلاّ وله مجلة أو دورية كما أن الجمعيات الاستشراقية لها أيضاً إصداراتها من الدوريات والمجلات ونذكر على سبيل المثال الجامعات الآتية التي لها دوريات مشهورة.

- دورية مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن

- دورية جسور تصدر عن مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلوس.

- مجلة العالم الإسلامي ( بالألمانية ) من ألمانيا

- مجلة العالم الإسلامي من معهد هارتفورد اللاهوتي بالولايات المتحدة الأمريكية.

- مجلة العلاقات النصرانية الإسلامية عن معهد العلاقات النصرانية الإسلامية بجامعة بيرمنجهام ببريطانيا.

وهناك الكثير غيرها التي يبلغ تعدادها بالمئات في شتى مجالات المعرفة.

الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والدورات العلمية وحلقات البحث المتخصصة

دأب المستشرقون منذ بداية عهدهم بالدراسات العربية والإسلامية على الاتصال بعضهم ببعض عن طريق المراسلات والرحلة، ففي وقت من الأوقات قيل إن باريس كانت كعبة الاستشراق حينا كان سيلفيستر دو ساسي يترأس معهد اللغات الشرقية الحية في باريس (1795م وما بعدها). وكان الحال كذلك مع العواصم الأخرى حين يذيع صيت أحد المستشرقين فيسعون إليه للتلقي عنه أو يسعون إلى استضافته أستاذاً زائراً. ولكن كان لا بد من طريقة أخرى يتوصلون إلى التبادل العلمي والثقافي فكانت الندوات المحلية والإقليمية ثم الدولية وسيلة من وسائل الصلة بين المستشرقين.

وكانت مؤتمرات المستشرقين في غالبيتها عبارة عن لقاء مجموعة من الباحثين والعلماء لتقديم بحوث وأوراق عمل ونقاشات ومناسبات اجتماعية على هامش المؤتمرات ؟ولم تكن في يوم من الأيام للتسلية والوجاهة والحصول على الامتيازات المادية من انتدابات وبدلات وغيرها كما يحدث في دول العالم النامي، فهي بالتالي وسيلة عمل وتخطيط ودراسة؟

بدأ الأوروبيون بمبادرة فرنسية – مازال الفرنسيون يفخرون بها- منذ أكثر من قرن وربع في عقد مؤتمر دولي كل عدة سنوات – لا تتجاوز خمساً- للبحث في مجال الدراسات الاستشراقية التي تضم الهند والصين وجنوب شرق آسيا وكذلك تركيا ودول وسط آسيا (الجمهوريات التي كانت تتبع الاتحاد السوفيتي سابقاً ) وشمال أفريقيا، ولكن الدراسات الإسلامية كانت وما تزال المحور الأساس لهذه المؤتمرات. وقد عقد المؤتمر الأول عام 1873 في باريس وبلغت حتى الآن ستاً وثلاثين مؤتمراً ، وكان المؤتمر قبل الأخير قد عقد في بودابست بالمجر في الفترة من 3-8ربيع الأول الموافق 7-12يوليو 1997م. وقد قدم فيه ما يزيد على ألف بحث.

وقد أصبحت المؤتمرات والندوات من الكثرة بحيث يصعب على الباحث أن يحصرها أو يتناولها جميعاً بالبحث والدراسة ولذلك سوف تقتصر هذه الدراسة على نماذج من هذه المؤتمرات والندوات التي أتيح لي الاطلاع على بعض المعلومات عنها، بحيث نقدم معلومات عن الموضوعات التي يتناولها المؤتمر أو الندوة ، وكذلك معلومات عن المشاركين وأهمية توجهات المشاركين في هذه المؤتمرات ونتائج وتوصيات المؤتمرات.([6])

أما المحاضرات العامة والدورات فهي أكثر من أن تحصى ويكفي لمعرفة مدى سعة وعمق هذه النشاطات الاطلاع على مواقع الإنترنت لمراكز البحوث وأقسام دراسات الشرق الأوسط( قبل الإنترنت مثلا كانت جامعة هارفرد تنشر نشرة نصف شهرية تزدحم فيها النشاطات) ومن الأمثلة على هذه النشاطات أن معظم أقسام دراسات الشرق الأوسط لها لقاء أسبوعي مع محاضرة موجزة بالإضافة إلى محاضرات الأساتذة الزائرين ومن يتابع ما يدور في هذه الجامعات ويقارن بينها وبين ما يدور في الجامعات العربية الإسلامية يصاب بالذهول فكأن هذه مدراس ابتدائية مقارنة مع تلك.

التقارير السياسية والأحاديث الإذاعية والتلفزيونية والمقالات الصحفية

لما كانت الحكومات الغربية تدرك أهمية العلم والمتعلمين فقد سعت إلى الباحثين المتخصصين في دراسات الشرق الأوسط فطلبت إليهم تقديم نتائج بحوثهم ودراساتهم واستشارتهم في اتخاذ القرارات السياسية وهو ما يعرف في الفكر السياسي من تقارب بين العلماء والساسة. فلا تكاد قاعات وزارات الخارجية الغربية ومجالس النواب فيها واللجان المتخصصة تخلو من الباحثين المستشرقين يقدمون عصارة فكرهم لمصلحة بلادهم وأمتهم.

ومن الأمثلة على ذلك ما نشره مجلس النواب الأمريكي( الكونجرس) عام 1985 من تقرير وصل عدد صفحاته إلى اثنتين وأربعين وأربعمائة ضمت العديد من الدراسات والمعلومات القيمة حول ما أطلق عليه في الغرب ظاهرة الأصولية الإسلامية.

وقد كان من المشهور سابقاً أن لا يكون للحكومات تأثير في النشاط العلمي للجامعات حتى إن جامعة هارفرد قامت بإلغاء مؤتمر كان من المقرر عقده حول الحركات الإسلامية في العالم العربي عندما علمت بأن وكالة الاستخبارات المركزية ساهمت في تمويل المؤتمر، ثم أصبح من المعتاد أن تهتم الوكالة نفسها بهذه القضايا وتجند لها أساتذة الجامعات والمتخصصين في الدراسات الإسلامية والعربية والدراسات الشرق أوسطية.

وأدرك الإعلام أيضاً أهمية استضافة أساتذة الجامعات المتخصصين في العالم العربي والإسلامي فأتاح لهم المجال لتقديم آرائهم في القضايا السياسية المعاصرة ولا تكاد تخلو نشرة أخبار من استضافة أحد هؤلاء للحديث في مجال تخصصه. ولم تكتف وسائل الإعلام بهذا الأمر فقد طلبت إليهم أن يجيبوا عن أسئلة الجمهور أو استضافتهم في برامج حوارية طويلة ، ومن وسائل الإعلام التي تهتم بهذا الجانب،الإذاعات الموجهة مثل إذاعة لندن وصوت أمريكا وإذاعة مونت كارلو وغيرها.



--------------------------------------------------------------------------------

[1] - فاطمة أبو النجا.نور الإسلام وأباطيل خصومه. ص 160

[2] - مازن مطبقاني . الاستشراق المعاصر في منظور الإٍسلام. ص 58 وما بعدها

[3] - الشرق الأوسط، العدد 8340، 11رجب 1422هـ28 سبتمبر 2001م)



[4] - محمود حمزة عزوني. دراسة نقدية لكتاب الدعوة إلى الإسلام تأليف توماس ولكر آرنولد. .رسالة ماجستير من قسم الدعوة بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1404/1405هـ تحت إشراف الدكتور إبراهيم عكاشة.

[5] - كان هذا الأمر في شهر رجب عام 1422هـ ولا بد أن هذا العدد يزداد باستمرار

[6] - مطبقاني . الاستشراق المعاصر، مرجع سابق ص 172وما بعدها. وانظر رسالة الدكتوراه التي أعدها الدكتور محسن السويسي بعنوان مؤتمرات المستشرقين العالمية: نشأتها –تكوينها –أهدافها. قسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة عام 1419/ 1998م تحت إشراف الدكتور حامد غنيم أبو سعيد

حازم
01-02-2005, 10:31 AM
أساليب المستشرقين
حرص المستشرقون على استخدام أفضل الأساليب التي تحقق أهدافهم ويمكننا أن نلخصها فيما يأتي:

v الدأب والإخلاص والعمل الجاد

من أبرز ما يلاحظه المرء في دراسة نشاطات المستشرقين أنهم يتميزون بالدأب والإصرار والعمل الجاد المخلص، ويتمثل هذا الأمر في مختلف نشاطاتهم كالتأليف وعقد الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والرحلة في طلب العلم.

v حب الاستطلاع والرغبة القوية في المعرفة

سعى المستشرقون من خلال ما تمتعوا به من هذه الخصال إلى معرفة ما لدى الشعوب الأخرى من مصادر علمية كالمخطوطات والآثار وتعرفوا إلى بلادنا في أدق تفاصيل حياتنا.

v الإنفاق السخي على البحث العلمي من قبل الحكومات الغربية وكذلك المؤسسات الخاصة ’الخيرية‘ حيث إن المستشرق لا يعاني من قلة الإمكانات في البحث العلمي فهو يجد المراجع وتوفر له الإمكانات للقيام بالرحلات العلمية، كما يتم توفير الفرص للباحثين لنشر إنتاجهم ومكافأتهم عليه بعكس ما يحدث في العالم العربي والإسلامي من التقتير في مجال البحث العلمي وهو ما ميّز هذه الأمة حين كانت الدولة الإسلامية صاحبة السيادة في العالم.

v التعاون فيما بينهم، يتمثل هذا التعاون في عدة أمور أولها استعانة بعضهم ببعض في مجال التدريس وإلقاء المحاضرات فنظام الأساتذة الزائرين من أبرز ما توفره الجامعات الغربية لتوفير الخبرات والمعرفة لطلابها وأساتذتها، كما أن التعاون يتمثل في المؤتمرات والندوات والمحاضرات العامة، ومن صور التعاون بينهم ما يتم في مجال النشر فكم أوروبي نشر في أمريكا وكم أمريكي استطاع نشر مؤلفاته في أوروبا، كما يتمثل التعاون في المنح الدراسية المتبادلة بينهم، ومن أوجه التعاون كذلك المنح التي تقدمها المؤسسات ’الخيرية‘ مثل فورد وكارينجي وروكوفللر، وكونراد إديناور الألمانية وغيرها لمختلف الجامعات الغربية أينما كانت.

v المرونة والتسامح فيما بينهم.

v المرونة والتسامح مع من يخالفهم الرأي إن وجدوا ذلك في مصلحتهم على المدى القصير أو البعيد.

v الخداع والكذب، في بعض الأحيان إذا احتاج المستشرق إلى استخدام مثل هذه الأساليب لتحقيق أهدافه فهو لا يتورع عن ذلك وبخاصة إذا كان في مقام المستشار لبعض المسؤولين العرب والمسلمين ،وكذلك في حالة الإشراف على الطلبة العرب والمسلمين في الجامعات الأوروبية والأمريكية

حازم
01-07-2005, 08:03 PM
مناهج المستشرقين
من الصعب أن نجمع المستشرقين كلهم في بوتقة واحدة ونزعم أن منهجهم كان واحداً في كل الأزمان والأوقات وفي كل الموضوعات التي تناولوها، ولكن تسهيلاً لهذا الأمر فيمكن إجمال هذه المناهج التي يشترك فيها عدد كبير من المستشرقين قديماً وحديثاً في تناول العلوم الإسلامية عموماً.

1- محاولة رد معطيات الدين الإسلامي إلى أصول يهودية ونصرانية

وهذا الأمر يتمثل في كثير من الكتابات حول الوحي وحول القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ويقول في ذلك عماد الدين خليل نقلاً عن جواد علي "إن معظم المستشرقين النصارى هم من طبقة رجال الدين أو من الخريجين من كليات اللاهوت، وهم عندما يتطرقون إلى الموضوعات الحساسة من الإسلام يحاولون جهد إمكانهم ردها إلى أصل نصراني..."([1]) وقد ذكر طيباوي في دراسة أن عدداً من المستشرقين الناطقين باللغة الإنجليزية يعتقدون بذلك ومنهم على سبيل المثال مونتجمري وات وبرنارد لويس وغيرهم.([2]) وانظر أيضاً البحث الذي كتبه التهامي نقرة بعنوان ’القرآن والمستشرقون‘([3])

2- التشكيك في صحة الحديث النبوي الشريف

دأب المستشرقون عموماً على التشكيك في صحة الحديث النبوي الشريف من خلال الزعم بأن "الحديث لم يدون وقد نقل شفاهاً مما يستوجب في نظرهم عدم صحة الأحاديث"([4]) والأمر الثاني في نظرهم كثرة الوضع في الحديث، والأمر الثالث اتهام المستشرقين للفقهاء بوضع الأحاديث وتلفيقها "لترويج آرائهم واختلاق الأدلة التي تسند تلك الآراء.."([5])

3- البحث على الضعيف والشاذ من الروايات:

يقول جواد علي "لقد أخذ المستشرقون بالخبر الضعيف في بعض الأحيان وحكموا بموجبه، واستعانوا بالشاذ ولو كان متأخراً، أو كان من النوع الذي استغربه النقدة وأشاروا إلى نشوزه، تعمدوا ذلك لأن هذا الشاذ هو الأداة الوحيدة في إثارة الشك".([6])

وهذا الأمر مشهور إلى حد كبير فهم يذهبون إلى الكتب التي تجمع الأحاديث وبخاصة مثل كنز العمال وغيرها من الكتب التي لا يرد فيها تصحيح أو تخريج للأحاديث، وقد كتب باحث بريطاني عن فتح المسلمين قسطنطينية بأنه وردت أحاديث عن أن الذي سيفتحها سيكون اسمه اسم نبي ثم لما لم تفتح ادعى أن الأحاديث لا تصح لأن تكون مصدراً، أما أنه لم يعرف صحة الحديث من عدمه فأمر لا يهمه وهو الذي يدعي العلمية والنزاهة.

4-الاهتمام بالفرق والأقليات وأخبار الصراعات والبحث عن الوثنيات والتاريخ السابق لبعثة الرسول e.

كثرت كتابات المستشرقين عن الفرق كالشيعة والإسماعيلية والزنج وغيرهم من الفرق التي ظهرت في التاريخ الإسلامي وأعطوها من المكانة والاهتمام أكثر مما تستحق، بل إن هناك من كتب عن المنافقين في عهد الرسول e وأطلق عليهم لقب المعارضة لإعطاء ما قاموا به من عداوة لله ولرسوله شرعية. وحصل بعضهم على درجة الدكتوراه في بحوث حول هذه الفرق.

5- الخضوع للهوى والبعد عن التجرد العلمي:

يقول الدكتور عبد العظيم الديب "فالمستشرق يبدأ بحثه وأمامه غاية حددها، ونتيجة وصل إليها مقدماً، ثم يحاول أن يثبتها بعد ذلك، ومن هناك يكون دأبه واستقصاؤه الذي يأخذ بأبصار بعضهم..."([7]).

6- التفسير بالإسقاط

يشرح الدكتور الديب هذا الخطأ المنهجي بأنه "إسقاط الواقع المعاصر المعاش، على الوقائع التاريخية الضاربة في أعماق التاريخ فيفسرونها في ضوء خبراتهم ومشاعرهم الخاصة وما يعرفونه من واقع حياتهم ومجتمعاتهم"([8]) فمثلاً واقع الغربيين يدل على تنازعهم على السلطة وإن كان الأمر يبدو في الحاضر انتخابات وحرية اختيار ولكن الحقيقة أن من يملك المال يستطيع أن يصل إلى الأصوات حتى صدر في أمريكا كتاباً بعنوان ’بيع الرئيس‘ وكتاباً آخر عن ’صناعة الرئيس‘ فجاء المستشرقون إلى بيعة الصديق رضي الله عنه فصوروها على أنها اغتصاب للسلطة أو تآمر بين ثلاثة من كبار الصحابة هم والله أنقى البشر بعد الأنبياء والرسل وهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنهم أجمعين فزعموا أن هؤلاء الثلاثة تآمروا على أن يتولوا الخلافة الواحد تلو الآخر.

وذكرت كذلك أنهم سموا المنافقين بالمعارضة وغير ذلك من الإسقاطات التي تدل على سوء طوية وخبث وبعد عن المنهج العلمي.([9])

7- المنهج الانتقائي وإثارة الشكوك في معطيات السنة والتاريخ

عرف عن كثير من المستشرقين في كتاباتهم حول السيرة النبوية الشريفة وحول التاريخ الإسلامي أنهم ينتقون بعض الأحداث والقضايا ويكتبون عنها ويهملون غيرها كما أنهم يشككون في أمور من المسلمات لدينا في التاريخ الإسلامي فمن ذلك أنهم كما قال د. محمد فتحي عثمان "لقد غالوا في كتاباتهم في السيرة النبوية وأجهدوا أنفسهم في إثارة الشكوك وقد أثاروا الشك حتى في اسم الرسول e ولو تمكنوا لأثاروا الشك حتى في وجوده..."([10])

8- التحريف والتزييف والادعاء

قام بعض المستشرقين بتحريف كثير من الحقائق التي تخص الإسلام ورسالته وتاريخه فمن ذلك مثلاً أن بعضهم أنكر عالمية الإسلام وبخاصة فيما يتعلق برسائل الرسول e إلى الملوك والأمراء خارج جزيرة العرب كرسائله إلى هرقل والمقوقس وكسرى ، وإنكار عالمية الرسالة الإسلامية يظهر فيما كتبه جوستاف لوبون في كتابه ’تاريخ العرب‘ حيث زعم أن الرسول r رأى أنه كان لليهود أنبياء وكذلك للنصارى فأراد أن يكون للعرب كتاب ونبي، وكأن الرسالة والنبوة أمر يقرره الإنسان بنفسه.

أما التزييف فأنقل ما أورده الدكتور الديب عن رواية عن أموال الزبير بن العوام رضي الله عنه فقد أورد ديورانت هذا الخبر "وكان للزبير بيوت في عدة مدن، وكان يمتلك ألف جواد وعشرة آلاف عبد..." والخبر كما أوردته المصادر الإسلامية الموثقة هو كالآتي "كان للزبير ألف مملوك يؤدون إليه خراجهم كل يوم، فما يُدخل إلى بيته منها درهماً واحداً، يتصدق بذلك جميعه" وفي مناقشة الخبر أوضح الديب أن المستشرق أضاف ألف جواد أقحمها في الخبر وليس لها أساس ثم إن في الخبر أن الزبير رضي الله عنه يتصدق بكل دخلهم لا يدخل بيته منها شيء فلم يورده فهل هذا من الأمانة العلمية ؟([11])

9- اعتماد مصادر غير موثوقة لدى المسلمين

من العيوب المنهجية في الدراسات الاستشراقية أنهم يعمدون إلى المصادر غير الموثقة عند المسلمين فيجعلونها هي المصدر الأساس لدراساتهم وبحوثهم ومن ذلك أنهم يرجعون إلى كتاب مثل كتاب ’الأغاني‘ للأصفهاني فيجعلونه مرجعاً أساسياً في دراساتهم للتاريخ الإسلامي وللمجتمع الإسلامي، كما يعمدون إلى المراجع التي ضعفها العلماء المسلمون أو طعنوا في أمانة أصحابها فيجعلونها أساساً لبحوثهم أو كان أصحاب تلك المراجع منحازين إلى فئة معينة أو متعصبين.







--------------------------------------------------------------------------------

[1] - عماد الدين خليل. دراسات تاريخية ص159

[2] -عبد اللطيف طيباوي. المستشرقون الناطقون باللغة الإنجليزية . ترجمة قاسم السامرائي. ص 10-13.

3-مناهج المستشرقين في الدراسات العربية والإسلامية، ج1 ، ص 21-57.



[4] - عبد القهار دواد العاني، الاستشراق والدراسات الإسلامية عمّان:دار الفرقان، 1421هـ ص 121

[5] -المرجع نفسه ص 122.

[6] -جواد علي، تاريخ العرب في الإسلام، ص 8

[7] -عبد العظيم الديب. المنهج في كتابات الغربيين عن التاريخ الإسلامي قطر :كتاب الأمة، عدد 27 ص 71

[8] - المرجع نفسه ص 99-100

[9] - عماد الدين خليل، مرجع سابق ص 167

[10] - محمد فتحي عثمان، أضواء على التاريخ الإسلامي ص 69

11- الديب ، مرجع سابق ص 115-116.

حازم
01-07-2005, 08:05 PM
أثر الاستشراق في العالم الإسلامي

قدّم الاستشراق خدمات كبيرة للغرب النصراني في خدمة أهدافه التي قام من أجلها من أهـداف دينية وسياسية واقتصادية واستعمارية وثقافية. وحتى عندما استغنى الغرب عن مصطلح الاستشراق وأنشأ أقسام دراسات الشرق الأوسط أو الشرق الأدنى أو مراكز البحوث المختلفة فما زالت الأهداف القديمة موجودة، ولكنه في الوقت نفسه أثّر تأثيرات سلبية في العالم الإسلامي في المجالات العقدية، والتشريعية، والسياسية، والاقتصادية والثقافية.

وفيما يأتي أبرز هذه الآثار:

الآثار العقدية

من أبرز الآثار العقدية للاستشراق في العالم الإسلامي ظهور تيار من المفكرين والعلماء والسياسيين وحتى الناس العاديين أو العامة الذين نادوا بفصل الدين عن الحياة أو ما يطلق عليه العلمانية. فالعقيدة الإسلامية تربط كل مجالات الحياة بالإيمان بالله عز وجل وبالتصور العام الذي جاء به الإسلام للخالق سبحانه وتعالى والكون والإنسان. فلمّا كانت أوروبا قد وجدت الديانة النصرانية الـمحرفة تعيق تقدمها ونهضتها ظهر فيها التيار الذي أطلق عليه التنوير منادياً بفصل الدين عن الحياة أو قصر الدين على الشعائر التعبدية والعلاقة بين الله والإنسان. أما شؤون الحياة الأخرى من سياسة واقتصاد واجتماع فلا علاقة للدين به. ونظراً لأن أوروبا لم تعرف النصرانية الحقيقية أو الدين الذي جاء به عيسى عليه السلام بما أحدثه بولس وغيره فيها من تحريفات فإن ما ينطبق على أوروبا لا يمكن أن ينطبق على الإسلام.

ونهضت أوروبا نهضتها بمحاربة الدين والكنيسة، وبلغت الذروة في هذه الحرب في الثورة الفرنسية. وقد أثر الاستشراق في هذا المجال عن طريق البعثات العلمية التي انطلقت من العالم الإسلامي إلى فرنسا كما يقول الشيخ محمد الصبّاغ "إنّ إفساد الطلبة المبعوثين لم يكن ليتحقق في بـلد من البلاد الأوروبية كما كان يمكن أن يتحقق في فرنسا التي خرجت من الثورة الفرنسية وهي تسبح في بحور من الفوضى الخلقية والفكرية والاجتماعية …من أجل ذلك كانت فرنسا محل البعثـات"([1]). فانطلقت هذه البعثات من تركيا ومن مصر ومن إيران ومن المغرب. وكانت هذه البعثـات تحت إشراف مستشرقين فرنسيين، فمثلاً كانت البعثة المصرية تحت إشراف جونار، ويقول أحد المستشرقين عن البعثات الأولى أنها كانت لدراسة الهندسة والفنون الحربية، ولكن المعلمين الفرنسيين كانوا حريصين على أن ينقلوا إلى الطلاب المسلمين الآداب الفرنسية والثقافة الفرنسية([2]).

ومن تأثير الاستشراق في المجال العقدي الاهتمام المبالغ فيه بالصوفية وبخاصة تلك التي ابتعدت عن الكتاب والسنّة فتجدهم يجعلون لابن عربي مكانة خاصة في النشاطات الاستشراقية، ويجذبون أبناء المسلمين لمثل هذه الاهتمامات، كما أن من اهتمامات الاستشراق التي تدعو إلى الريبة اهتمامهم بالفرق المنحرفة كالرافضة والإسماعيلية وغيرها من الفرق، فيعطونها من وقتهم ومن دراساتهم ما تجعل الغريب عن الإسلام يظن أن هذا هو الإسلام.

وقد حرص الاستشراق والتنصير على إنشاء المدارس والجامعات الغربية في العالم الإسلامي، فمن ذلك الكلية الإنجيلية التي تحولت إلى الجامعة الأمريكية التي لها فروع في كل من القاهرة وبيروت واسطنبول ودبي، بالإضافة إلى كلية فيكتوريا (مدرسة ثانوية) والكلية الأمريكية في بيروت (مدرسة ثانوية) وقد زعم كرومر Cromer في احتفال بمدرسة فيكتوريا بأن الهدف من هذه المدرسة وشبيهاتها تنشئة أجيال من أبناء المسلمين يكونون جسراً بين الثقافة الغربية ومواطنيهم المسلمين، ولعلهـا عبارة ملطّفة لتكوين جيل ممسوخ لا يعرف ثقافته ولا عقيدته.([3]) وقد وصف الشيخ سعيد الزاهري التلاميذ الجزائريين الذين درسوا في المدارس الفرنسية في الجزائر، وأطلق عليها خداعاً المـدارس العربية، بأنهم لا يصلون ولا يصومون ولا يتحدثون اللغة العربية فيما بينهم، ولا يؤمنون بأن القرآن الكريم وحي من الله …"([4]).

الآثار الاجتماعية

تعد الآثار الاجتماعية من أخطر الآثار التي ما زال الاستشراق حريصاً على تحقيقها في العالم الإسلامي، فقد اهتم المستشرقون بدراسة المجتمعات الإسلامية ومعرفتها معرفة وثيقة حتى يمكنهم أن يؤثروا فيها بنجاح. وإن دوافعهم لهذا تنطلق من النظرة الاستعلائية الغربية بأن المجتمعات الغـربية وما ساد فيها من فلسفات ونظريات هي المجتمعات الأرقى في العالم. وقد تمكن الاستعمار بالتعاون مع الاستشراق في إحداث تغيرات اجتماعية كبيرة في البلاد التي وقعت تحت الاحتلال الغربي. ففي الجزائر مثلاً حطم الاستعمار الملكيات الجماعية أو المشاعة للأرض وذلك لتمزيق شمل القبائل التي كانت تعيش في جو من الانسجام والوئام.([5])

وقد تعاون الاستشراق والاستعمار على إحداث النـزاعات بين أبناء البلاد الإسلامية بتشجيع النزعات الانفصالية، كما حدث في المغرب العربي أيضاً بتقسيم الشعب المغربي إلى عرب وبربر، والتركيز على فرنسة البربر وتعليمهم اللغة الفرنسية ونشر الحملات التنصيرية في ديارهم. وقد أنشأت الحكومة الفرنسية الأكاديمية البربرية في فرنسا لتشجيع هذه النزعة.

ومن الجوانب الاجتماعية التي عمل فيها الاستشراق على التأثير في المجتمعات الإسلامية البنية الاجتماعية وبناء الأسرة والعلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمعات الإسلامية. فقد اهتم الاستشراق بتشويه مكانة المرأة في الإسلام، ونشر المزاعم عن اضطهاد الإسلام للمرأة وشجع الدعوات إلى التحرير المزعوم للمرأة التي ظهرت في كتابات قاسم أمين والطاهر الحداد ونوال السعداوي وهدى الشعراوي وغيرهم.

ويرى الدكتور محمد خليفة أن موقف الاستشراق من المرأة المسلمة نابع من وقوعه "تحت تـأثير وضع المرأة الغربية أنها نموذج يجب أن يحتذى به، وان ما حققته من مساواة وحقوق، في نظرهم، يجب أن يتسع ليشمل المرأة المسلمة والمرأة الشرقية العامة. …ويضيف خليفة بأن الاستشراق يسعى "إلى تقويض وضع المرأة المسلمة داخل الأسرة على التمرد على النظام والخروج باسم الحرية وتصوير وضع المرأة المسلمة تصويراً مزيفاً لا يعكس الحقيقة".([6])

وقد أنشئت رابطة دراسات المرأة في الشرق الأوسط ضمن تنظيم رابطة دراسات الشرق الأوسط الأمريكية وهي التي تهتم بأوضاع المرأة المسلمة وتشجع اتجاهات التغريب من خلال مجلتها ربع السنوية واجتماعاتها في إطار المؤتمر السنوي لرابطة دراسات الشرق الأوسط وذلك بدعوة الباحثات المسلمات اللاتي يتبنين الأفكار الغربية من أمثال نوال السعداوي، وفاطمة المرنيسي وحنان الشيخ وغيرهن، ومن خلال تنظيم الندوات حول وضع المرأة المسلمة في المجتمعات الإسلامية.

ويقوم الاستشراق الإعلامي بدور بارز في الترويج للفكر الغربي في مجال المرأة ومن ذلك الصحافة الغربية والإذاعات الموجهة، فمن الكتب التي قدمت هيئة الإذاعة البريطانية عروضاً لها كتـاب (ثمن الشرف) للكاتبة البريطانية الأصل جان جودون Jan Goodwin التي تناولت فيه دراسة أوضاع المرأة في خمس دول إسـلامية هي الباكستان وأفغانستان والكويت ومصر والمملكة العربية السعودية. وقد خلطت الكاتبة فيه بين موقف الإسلام من المرأة وبعض التطبيقات الخاطئة في هذه الدول، ومن المعروف أن الإسلام حَكَمٌ على أهله وليس سلوك المسلمين حجة على الإسلام.

وقد قدمت إذاعة لندن في شهر جمادى الأولى تقريراً عن ندوة تعقد في إحدى الدول العـربية حول موضوع المرأة وقدمت تصريحاً لمسؤول في تلك الدولة يزعم فيه أن بلاده وتركيا همـا الدولتان الوحيدتان اللتان أصدرتا قوانين تحرّم تعدد الزوجات وتعطي المرأة كثيراً من الحقـوق لمساواتها بالرجل، وإن التوازن في عرض وجهات النظر يقتضي أن تقدم الإذاعة من يتناول وجهة النظر الأخرى لمثل هذه التصريحات. وكانت الإذاعة قد قدمت تقريراً عن مؤتمر عقد في قطر للمرأة المسلمة وعرضت أخبار هذه الندوة بكثير من السخرية ومن ذلك وصفها لانتقال النساء في حافلات ذات ستائر غامقة اللون حتى لا يراهن أحد، بالإضافة إلى عبارات أخرى مليئة بالاستهزاء من موقف الإسلام من المرأة.

الآثار السياسية والاقتصادية

يزعم الغربيون أن الديموقراطية الغربية هي أفضل نظام توصل إليه البشر حتى الآن، ولذلك فهـم يسعون إلى أن يسود هذا النظام العالم أجمع، ومن بين الدول التي يريدون لنظامهم أن يسودها البلاد الإسلامية، وقد سعوا إلى هذا من خلال عدة سبل وأبرزها هو انتقاد النظام السياسي الإسـلامي. وقد ظهرت كتب كثيرة عن نظام الخلافة الإسلامي وافتروا على الخلفاء الراشدين بزعمهم أن وصول الصديق وعمر بن الخطاب t إلى الخلافة كان نتيجة لمؤامرة بين الاثنين([7]). وكـتب مستشرقون آخرون زاعمين أن النظام السياسي الإسلامي نظام قائم على الاستبداد وفرض الخضوع والمذلة على الشعوب الإسلامية([8]). بل بالغ لويس في جعل النظام السياسي الإسلامي يشبه النظام الشيوعي في استبداده وطغيانه([9]).

وقد تأثرت بعض الدول العربية التي خضعت للاستعمار الغربي بالفكر السياسي الغربي بأن قامت باستيراد النظام البرلماني دون أن يتم إعداد الشعوب العربية لمثل هذه الأنظمة فكانت كما قال أحد المستشرقين بأن العرب استوردوا برلمانات معلبّة دون ورقة التعليمات([10]). وما زالت هـذه البرلمانات في البلاد العربية يتحكم فيها الحزب الحاكم الذي لا بد أن يفوز بأغلبية المقاعد بأية طريقة كانت. ومع ذلك فما زال الغرب حريص على نشر الديموقراطية وقد كانت تصريحات الساسة الغربيين بأن (حرب الخليج الثانية) ستكون مناسبة لفرض الديموقراطية في العالم العربي وستكون البداية في الكويت([11]).

ومن الحقائق المثيرة للانتباه أن تركيا كانت من أقدم الدول الإسلامية تغرباً وتطبيقاً للنظام الديموقراطي ولكن عندما وصل الإسلاميون للحكم وانقلب السحر على الساحر -كما يقال- قلبت الدول الغربية لنظامهم الديموقراطي ظهر المجن وسعوا إلى تأييد العسكر في كبت الحريات ومصادرة الديموقراطية.

أما في المجال الاقتصادي فإن الغرب سعى إلى نشر الفكر الاقتصادي الغربي الاشتراكي والرأسمـالي وذلك بمحاربة النظام الاقتصادي الإسلامي وكما يقول محمد خليفة "إنّ المستشرقين في سعيهم للترويج للفكر الاقتصادي الغربي قاموا ب ’إعادة تفسير التاريخ الاقتصادي الإسلامي من وجهة نظر الرأسمالية والشيوعية’ كنوع من التأصيل للنظريتين وتقديمهما على أنهما لا يمثلان خروجاً عن النظام الاقتصادي الإسلامي".([12])

وكان من نتائج الترويج للاشتراكية والرأسمالية في العالم الإسلامي أن انقسم العالم الإسلامي على نفسه فأصبح قسم منه يدور في الفلك الشيوعي والقسم الآخر في الفلك الرأسمالي، ولعل من طرائف المواقف الاستشراقية أن تسعى الدول الغربية إلى بث النظام الاشتراكي في بعض الدول العربية كما أشار أحد الباحثين بتدريس الاقتصاد الاشتراكي والترويج بأن التنمية الحقيقية في العالم العربي تتطلب تأميم وسائل الإنتاج، وأن الحرية الاقتصادية الغربية لا تناسب مراحل التنمية الأولى([13]).

وكان من تأثير الاستشراق أيضاً تشجيع الصناعة في البلاد الإسلامية دون الاستعداد الكافي لها، وإهمال قطاع الزراعة فقد اقتنع العالم العربي بأن النهضة الحقيقية إنما تكون في الصناعة، ولذلك أهملت الزراعة إهمالاً شبه كلي، مع أن نهضة الغرب الصناعية بدأت بالاهتمام بالزراعة وما زال الغرب يسيطر على إنتاج الحبوب والمواد الغذائية الأساسية في العالم.

الآثار الثقافية والفكرية

حقق الاستشراق نجاحاً كبيراً في التأثير في الحياة الثقافية والفكرية في العالم الإسلامي فبعد أن كـان القرآن الكريم والسنّة المطهرة وتراث علماء الأمة الذين فهموا هذين المصدرين فهماً جيـداً وعاش المسلمون على هدي من هذه المصادر في جميع مجالات الحياة أصبحت المصادر الغربية تدخل في التكـوين الفكري والثقافي لهذه الأمة سواء أكان في نظرتها لكتاب ربها سبحانه وتعالى ولسنة نبيها أو للفقه أو للعلوم الشرعية الأخرى.أو في منهجية فهم هذه المصادر ومنهجية التعامل معها كما أثر الفكر الغربي في المجالات الفكرية الأخرى كالتاريخ أو علم الاجتماع أو علم النفس أو علم الإنسان أو غيره من العلوم.

وقد استطاع الاستشراق تحقيق هذا النجاح بما توفر له من السيطرة على منابر الرأي في العـالم الإسلامي فقد أنشأ الغرب العديد من المدارس كما أن العديد من أبناء الأمة الإسلامية تلقوا تعليمهم على أيدي المستشرقين في الجامعات الغربية (الأوروبية والأمريكية). ولمّا كانت بعض البلاد العربية والإسلامية خاضعة للاحتلال الأجنبي فقد مكّن لهؤلاء الذين تعلموا في مـدارسه. فما زالت الصلة قوية فيما بين الطلبة الذين تخرجوا في كلية فيكتوريا بعد أن تسلم كثير منهم مناصب حساّسة في بلادهم.

ومن المنابر التي استطاع الغرب أن ينشر من خلالها الثقافة والفكر الغربيين وسائل الإعلام المختلفة من صحـافة وإذاعة وتلفاز ونشر بأشكاله المتعددة. فقد أنشئت الصحف والمجلات التي تولى رئـاسة تحريرها أو عملية الكتابة فيها كثير من الذين تشبعوا بالثقافة الغربية. وقد بذلوا جهوداً كبيرة للرفع من شأن تلاميذهم فهذا يطلق عليه ’عميد الأدب العربي‘ وآخر يطلق عليه ’أستاذ الجيل‘ وثالث يطلق عليه ’الزعيم الوطني‘([14]) ومن هذه الصحف الأهرام ومجلات المقتطف وغيرهما من الصحف والمجلات. كما أنشؤوا المسارح والسينما، وأدخلوا إلى حياة الشعوب العربية الإسلامية فنون اللهو غير المباح من مراقص وغناء وغير ذلك.

وكان للاستشراق دوره في مجال الأدب شعراً ونثراً وقصة، فقد استغلت هذه الوسائل في نشر الفكر الغربي العلماني وبخاصة عن طريق ما سمي ’الحداثة‘ التي تدعو إلى تحطيم السائد والموروث، وتفجير اللغة وتجاوز المقدس ونقد النصوص المقدسة. وقد استولى هؤلاء على العديد من المنابر العامة ولم يتيحوا لأحد سواهم أن يقدم وجهة نظر تخالفهم و إلاّ نعتوه بالتخلف والرجعية والتقليدية وغير ذلك من النعوت الجاهزة.

وقد انتشرت في البلاد العربية الإسلامية المذاهب الفكرية الغربية في جميع مجالات الحياة في السياسة والاقتصاد، وفي الأدب وفي الاجتماع، ففي السياسة ظهر من ينادي بالديموقراطية ويحارب الإسلام وفي الاقتصاد ظهر من تبنى الفكر الشيوعي والاشتراكي وفي الأدب ظهر من نادى بالنظريات الغربية في دراسة اللغة وفي الأدب وفي النقد الأدبي؟ وأخذ كثيرون بالنظريات الغربية في علم الاجتماع وفي التاريخ وفي علم النفس وفي علم الإنسان وغير ذلك من العلوم.[15]

----------------------------------------------------------

[1] -محمد الصباغ . الابتعاث ومخاطره. ( دمشق: المكتب الإسلامي ،1398هـ-1978م، ص 29-30.

[2] -Bernard Lewis. “ The Middle East Versus The West.” In Encounter. Vol. Xxi, no.4 October 1963.pp. 21-29.

[3] - محمد محمد حسين . الإسلام والحضارة الغربية. ط5.(بيروت: مؤسسة الرسالة 1402-1982)ص 46.

[4] -محمد السعيد الزاهري. الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير. (الجزائر:دار الكتب الجزائرية، بدون تاريخ)ص108

[5] -مازن مطبقاني . " الحياة الاجتماعية في المغرب العربي بين الاستعمار والاستشراق." في المنهل( جدة) عدد471، م 50 رمضان /شوال 1409، ص 352-362.

[6] -محمد خليفة حسن. آثار الفكر الاستشراقي في المجتمعات الإسلامية . (القاهرة: عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، 1997) ص 64.

[7] -Thomas Arnold. The Caliphate. (Lahore: 1966)p.25

[8] -Bernard Lewis.” On The Quietist and Activist Tradition in Islamic Political Writing. In Bulletin of S. O. A. S Vol. XLIX Part 1, 1986.p.141.

[9] - B. Lewis.” Communism and Islam. “ in International Affairs. Vol. 30, 1954.pp 1-12.

[10] -برنارد لويس . الغرب والشرق الأوسط. ترجمة نبيل صبحي.(القاهرة : المختار) ص79.

[11] - Washington Times, February 2,1991.And Washington Post. February 19,1991.

[12] -حسن ،مرجع سابق ص 79.

[13] - محمد قطب. واقعنا المعاصر. (جدة:مؤسسة المدينة المنورة للنشر والتوزيع، 1407هـ/1987م ) ص.324وما بعدها.

[14] - ناقش الأستاذ محمد قطب في كتابه واقعنا المعاصر مسألة صناعة الزعيم حيث يتحول الكفاح ضد المستعمر الأجنبي قضية وطنية وتراب وتحرر وليس جهاداً إسلامياً كما أراده الله .وقد نجحوا في صناعة الزعيم في العديد من البلاد العربية الإسلامية. كم أسهموا فيما أطلق عليه سرقة الثورات .

[15] -حسن ،مرجع سابق ، الفصل الخامس بعنوان ( الآثار السلبية للفكر الاستشراقي في المجال الثقافي والفكري)ص 87إلى 100.

ابو مارية القرشي
01-07-2005, 11:09 PM
جزاكم الله خيرا على هذا البحث النافع.

بحب دينى
05-20-2013, 09:13 AM
يرفع لأهميته جداً !!..