المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حسين مروة و المنهـج المـادي



الطلحاوي
02-04-2015, 01:11 PM
يمثل كتاب حسين مروة (النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية) أحدَ الكتب التي تروم إلى قراءة يسارية للإسلام، فهو كتاب يحاول عبثا اصطناعُ وجود آلية الصراع الطبقي في التاريخ الإسلامي تماشيا مع التحليلات الماركسية التي تضع الصراع الطبقي في مقدمة العوامل المحركة للتاريخ، وهي محاولات استلحاقية تأتي في خِضمّ الهيمنة الإيديولوجية لفلسفة النزعة المادية التي سيطرت على الفكر الغربي قرونا من الزمن، فمروة يحاول أن يقرأ التاريخ بناء على تاريخ آخر لا علاقة له بالوحي وتأثيره في التوجيه ولذالك تجده يتعامل مع الشخصيات الإسلامية في الصدر الإسلامي الأول كما لو أنهم أجساد تتحرك من خلال مطالب الخبز فراح يفسر أحداثا بناء على هذا المنهج العليل فانتهى إلى تشويه حقيقة رجال الإسلام الذين التصقوا بمطالب الإسلام في مقتضيات العدل فلم ينتج لنا إلا أشخاصا يجرون وراء حطام الدنيا مفصولين عن الهموم الإسلامية التي تحركهم ضد أي حدث، ومثل هذا الكتاب مثل كتاب اليمين واليسار في الإسلامي لأحمد عباس صالح ، وكتابات طيب تيزني وفؤاد زكريا وغيرهم ممن يمارسون إسقاطا تاريخيا لتاريخ على تاريخ .

إن هذا النمط من التفكير المادي المتغرب ليس بجديد في ساحة النقاش السياسي، فأصحابه مازالوا يمارسون أسلوب الأدلجة واستيراد النظم المعلَبة في الفكر والسياسة والتحليل التاريخي، ولذلك فهُم لا يشعرون بأي حرج وهم يرددون تحليلات الملاحدة حول التاريخ باعتباره المنهج السليم لقراءته وتحليل تموجاته السياسية والاجتماعية ، والواقع كما يؤكد الأستاذ منير شفيق الماركسي السابق في كتابه الشيق (الدولة والثورة ومقاربات مع الرؤية الإسلامية) أن ماركس ومريديه لم تكن عندهم القدرة العلمية التي تؤهلهم بأن يلموا بالتاريخ من جوانبه المتعددة، فهو كغيره من العاجزين كان يستند إلى نتائج هزيلة من الأنتربولوجيين في دراستهم لبعض المناطق الإفريقية ، و للأسف يحاول الماركسيون المـاديون الاختباء وراء "العلمية" والتحليل العلمي للتاريخ ، و قد غدا واضحا عند المهتمين بالشأن التاريخي أنْ لا العامل الطبقي قادر على تفسير الأحداث التاريخية و لا العامل الإثني وحده قادر على بناء نظريات شاملة حول مسار التطور التاريخي .

لقد بين الشيخ محمد الغزالي في كتابه ( الإسلام في وجه الزحف الأحمر) أن الشيوعية أقبح نظام في العالم بالنظر إلى ما أنتجته الماركسية من بؤس في الواقع والمنهج أبانت عليه مستوى الإنحطاط الاقتصادي الذي وصلت إليه الاتحاد السوفياتي سابقا . إن النهج الذي اعتمده حسين مروة في تحليل نظمنا التاريخية متهافت ولا يستطيع أن يصمد مع معطيات الواقع الإسلامي، فهو منهج إسقاطي متعسف بعيد كل البعد عن آليات التحليل العلمي، و قد أوضح الفيلسوف طه عبد الرحمان في (تجديد المنهج وتقويم التراث) أن هذه الأدوات التحليلية التي يعتمد عليها الماديون والمتأثرون بالمناهج التفكيكية لم تفضِ إلا إلى نتائج كارثية مزقت أوصال التاريخ الإسلامي وشوّهت تلك الشخصيات التي تشربت من مَعين الوحي الرباني واقتبست من أنوار سيدنا محمد عليه السلام ، هذا الأسلوب الإسقاطي على التاريخ إنما جاء نتيجة حالة الهزيمة النفسية لأولئك المثقفين المستَلبين الذين وقعوا فريسةَ الهيمنةِ الإيديولوجية اليسارية في فترة ما و عـادوا فيمـا بعد لتصحيح مساراتهم النـضالية، فالدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي البارز المتأثر باليسار سابقا على رغم كتبه التي أصدرها في وقت التأثر بالتوجه الماركسي مثل (الإسلام و الثورة) و (مسلمون ثوار) نجده الآن من أقوى المفكرين دحضا للفكر المتغرب ومن أشد الناس نقدا لأوهام الماركسية اللينينية –رغم مـا قد يُسجَّل عليه من مؤاخذات شتى - وهو الذي جاء من أجواء هذا التيار وتعرف على بناءاته النظرية عن قرب، ووجدنا المرحوم عادل حسين الماركسي سابقا قد التمسَ طريقا للخلاص من أوهام الفكر الإلحادي الماركسي وانقلب على هذا الاعتقاد ليعتنق التصور الإسلامي فصار من المدافعين عنه رحمه الله .

إن مروة حسين لم يستطع البتة أن يفهم العقلية الإسلامية ولم يستطع إلا أن يرى في هذا الشخص أو ذاك الصفة المُعبِّرة عن الصراع الطبقي ولم يستطع أن يفهم أن صحابة رسول الله والتابعين إنما كانوا يتصرفون من دواعي عقدية وأصول إسلامية بعيدة كل البعد عن المنطلق المادي الصرف، وهكذا نجده يمارس نقدا من خارجٍ أملته الضغوطات المعاصرة وحالة الهزيمة الحضارية التي تعيش فيها أمتنا بعد قرون الجبر والعض ، لم يستطع الرجل أن ينتج معرفة تنتمي إلى المجال التداولي كما بينه طه عبد الرحمان ولم يستطع أن يقرأ الأحداث بموضوعية مستقلة تراعي الاعتبارات القبلية والمادية والسياسية والاجتماعية وإنما أرادها تفسيرا دهريا للتاريخ فأفرز لنا شخصيات أساءت إلى التاريخ و الناس . لقد كان المفكر المصري مصطفى محمود رحمه الله من أشد الناس تعصبا لتك الفلسفة الدهرية و كان لا يستحي أن يجهر بإلحاده و زندقته بتسفيهه الأديان ، و بعدهــا شاءت مقادير العنـاية الإلهـية أن يصنف كتابـه (رحلتـي من الشك إلـى الإيمـان) ليقدمهــا شهـادة لبعض المـاديين الذين انخدعـوا بأوهـام الشعـارات الفارغة .

لقد كان حسين مروة يحاول أن يستنطق التاريخ الإسلامي بناء على الآليات التي وضعها لهم جدهم ماركس و أراد أن يثبت أن تاريخ الحضارة لا يختلف عن التاريخ الآخر في خضوعه لآلية الصراع الطبقي ، أراد أن يثبت ما قرره لهم ماركس و إنجلز في البند الأول من الميثاق الشيوعي من أن التاريخ كل التاريخ عبارة عن صراع طبقي بين المالكين و الخاضعين فتحوّل عنده التاريخ الإسلامي إلـى أجنحة صراع حول من كان يمثل اليمين و بين من كان يمثل الجناح اليساري الطبقة المستغَلَّة ، لماذا لم يستطع حسين مروة أو طيب تيزني أو زكريا فؤاد أن يصلوا إلى التأصيل الحقيقي لقراءة التاريخ ؟ لماذا يلغون في هذا التاريخ أهم ما فيه من القوة الدافعة – الوحي - ، هل كان أبو ذر الغفاري رضي الله عنه رجل يساري يصول و يجول دفاعا عن الخبز للطبقة المحرومة ؟ هل أبو ذر الغفاري يمثل الطبقة العاملة في مقابل الطبقة الحاكمة القابضة على وسائل الإنتاج ؟ كيف لهؤلاء الماركسيين أن يتجاهلوا عامل نداء الله لهم و يختزلوا همومهم في تحقيق الاشتراكية ؟ إن من يريد أن يتحدث عن الموضوعية في كتاب مروة هو كمن يريد أن يقول بموضوعية كتابات برنارد لويس أو أرنست رينان أو موضوعية جولد زيهر في تعاطيهم مع الإسلام .

كان الأولى من حسين مروة أن يلتفت إلى الأبعاد التأسيسية و العوامل التي حركت الفرق الإسلامية و أن يتحرى الصدق في تحليل التاريخ بدل التبسيطية الساذجة التي طبعت كتابه ، و ليس العبرة البتة بحجم الكتاب و إنما في مدى إدراك و إمساك الخيوط المربوطة بالأحداث التاريخية ، و ما فعَـلهُ حسين مروة أنْ قــزّم البعد الديني و الإثني و الاجتماعي و القبلي العصبي و راح يوظف العامل الإقتصادي كطرف وحيد في صناعة التاريخ ، و هذا النمط الأحادي لم يعد الآن يستقطب اهتمام المختصين بفن التاريخ و لم يعد عند الأنتربولوجيين ذو وزن علمي في الدراسة ، و لقد كان الأولى من الماركسيين أن يفسروا لنا كيف ظهر الإسلام في الجاهلية و يوضحوا لنا ما إذا كان ذلك بفعل العامل الاقتصادي أم لا بدل إرسال الكـلام التخميني حول التطور التاريخي ، إن منطق هذا المنهج الأحادي لم يستطع أن يفهم لماذا حقق المسلمون انتصارات ساحقة رغم قلة إمكاناتهم و قلة عددهم فلم يجدوا أنفسهم إلا إنكار المدد الرباني و إبعاد البعد الغيبي في حسم المعارك،ثم إن المسألة عند حسين مروة لا تتعلق فقط بتغييب البعد الغيبي في التحليل و إنما أيضا في العوامل الأخرى التي يسميها ماركس "بالبنية الفوقية" .

قد يُقـال إن حسين مروة لم يهمل الاعتبارات الروحية و الذاتية بدليل أنه رد على المستشرقين الذين اتهموا المسلمون بالمطامع المادية إبان الفتوحات، فنقول : إن هـذا القول متهـافت جدا و لا يستطيع أن يقوى أمام التحليل الخاضع للمادية التاريخية التي نهجها حسين مروة في قراءته للتراث العربي الإسلامي ، و الذي يتضح عبر النظر في مجمل كتابات الشيوعيين أنهم عبثا يحاولون أن يلصقوا العوامل الإثنية و القبلية و الإجتماعية بالتفسيرات المتبعة حتى يعطوا انطباعا بأن ثمة منهج علمي يمارسه أصحاب المادية التاريخية تمـامـا كما زعم لينين أنه لا يلغي الاعتبارات الأخرى في التحليل ، و المحلٍّل الموضوعي لا يلبث أن يلحظ غلبة البعد الاقتصادي كمرتكز محوري في ظهور النظم و تفسير الحركات السياسية و سقوط الأمم ، وهذا الخطأ المنهجي القاتل هو الذي جعل أتباع ماركس أنفسهم يحاولون تبرئته من اعتماد الطرح الاقتصادي في التفسير التاريخي و ووجدنا البنيويين يهاجمونه بسبب التفسير الأحادي و إهمال العوامل الأخرى كالتوسير و جودوليه و غيرهم ، على أن حسين مروة لم يكن استثناء للشيوعيين الذين مارسوا التحليل المادي في تفسير الظواهر الإنسانية و التاريخية لأنه لم يستطع أن يتحرر من قبضة ماركس و لينين في أطروحته حول المادية التاريخية و لم يستطع أن يكون في مستوى المؤرخ الموضوعي الذي يبتعد عن أحكام القيمة فيفسر الأحداث في بنيتها الشمولية و وظيفتها المتكاملة فلم نرهُ إلا مقلِّــدا أمينا لأسلافه الماديين،لا يتعلق الأمر هنا إلا بالإيديولوجيا التي صنعت تحليله، فقد كان بإمكانه أن ينظر إلى الدوافع الإثنية و الاعتبارات النفسية خصوصا و أن المجتمع الإسلامي هو مجتمع يتنـفـس بالإسلام و يتحرك من أجل مطالبه ، و لكن الإديولوجيا و ما تفعله في توجيه البحث الأكاديمي أكبر من أن تصده إدراك الجوانب الأخرى .

إن صاحب "النزعـات المـادية" صاغ نظرياتـه وفق تقليد صارم للمستشرق الألمـاني "هيرمن لاي" في كتابه " تاريخ المـادية في العصر الوسيط " ، أمـا كتاب " مشروع رؤية جديدة ..." فقد جـاء تقليدا لمضامين دراسـة قام بهـا المستشرق الشيوعي السوفياتي "كراتشفوفسكي" .

و إذا كان بعض المتمركسين المعاصرين بدأوا يخجلون من هذا المنهج المؤدلَج الأحادي و ينفونه عن ماركس نفسه فلأنهم وجدوا أنفسهم أمام ضربات النقد العلمي لأطروحاتهم فعادوا القهقرى . و هذا التقهقر المخجل لا يتعلق فقط بهذا المنهج و إنما تعداه إلى مختلف المفردات الماركسية المستعملة في قاموسهم مثل ديكتاتورية البروليتاريا و الشيوعية وتركيز تدمير آلية الدولة و غيرها من المصطلحات التي توارت من قواميس الماركسيين المعاصرين ، و ها نحن نجد فؤاد زكريا في المناظرة الشهيرة بينه و بين محمد عمارة حول موضوع عنوانه "أزمة العقل العربي" نجده كما يتحدث الليبرالي في مفرداتهم السياسية ، خجلوا حتى من استعمـال مفردات مـاركس نفسه !

مستفيد..
02-04-2015, 05:37 PM
مقال نافع جزاك الله خيرا..
أود الإشارة إلى نقطة وهو أن بعض الإسلاميين المنشقين عن التيار اليساري تبقى لديهم في العموم بعض الترسبات المنهجية ذات الصبغة اليسارية في تحليلهم للشأن الإسلامي..تجد مثلا محمد عمارة واضطرابه في قضية التقارب بين الأديان ومرد الإضطراب في رأيي وجود بقايا للمنهجية الديالكتيكية الماركسية في ذهنه ساهمت بشكل واضح في اتخاذه لذلك الموقف..
والله أعلم

الطلحاوي
02-04-2015, 09:55 PM
مقال نافع جزاك الله خيرا..
أود الإشارة إلى نقطة وهو أن بعض الإسلاميين المنشقين عن التيار اليساري تبقى لديهم في العموم بعض الترسبات المنهجية ذات الصبغة اليسارية في تحليلهم للشأن الإسلامي..تجد مثلا محمد عمارة واضطرابه في قضية التقارب بين الأديان ومرد الإضطراب في رأيي وجود بقايا للمنهجية الديالكتيكية الماركسية في ذهنه ساهمت بشكل واضح في اتخاذه لذلك الموقف..
والله أعلم


من الطبيعي أن يكون بعض الإسلاميين الذين عـادوا من مرجعيـات يسارية نـحو الفضـاء الإسلامي متأثرين بالمنـاهـج المـادية في التحليلات و قراءة الواقـع لأن الإنسـان مهمـا عـلا منطقـه لا يمكن أن يتحرر بالمطـلق من رواسب الفكر القديم، و لا يمكن لـه أن يضع قطيعـة معرفيـة علـى مستـوى التعامل مـع القضـايـا الفكريـة و السياسية، فالرواسب الايديولوجية تبـقى شاهـدة علـى التحول القيمـي و دليلا علــى مفارقـة المرجعية الأصلية، فالمفكر البـارز محـمد عمـارة رغـم مجهوده الكبير في التصدي للفكر المتغرب في مصـر و منـاظراتـه و مصنفـاتــه التـي فاقت المـئة إلا أنَّـهُ في نظري تشهـد بعض كتبـه علــى حجم تأثره بالفكر اليسـاري في زمن مضى ( الإسلام و الثورة، مسلمون ثوار..)، و ظـل الفكر "الثوري" سـائدا في العديد من المصنفات التـي انتقلت من بُعدهـا اليسـاري إلـى بُعدهــا الكـلامي . لكن علـى العموم تظل اسهـامـات هـؤلاء العمـالقة مهمة في الفكر الإسلامي لأنهـا وجـهت الحركـات الإسلامية المعـاصرة إلـى ضرورة مواجهـة التيارات التغريبية التــي سيطرت علـى مفاصل الدولة اللائكية ، فمنير شفيق و مصطفـى محمود و عمـارة و عـادل حسين و غيرهم كـان لهم دور كبير في إثراء الفكر الإسلامي و إيقـاظ العقل المسلـم من سُبـات الكسل المعرفي...أمـا في مسألـة "التقارب بين الأديان" فقد اعترف عمـارة بنفسـه في (مأزق المسيحية والعلمانية في أوربا ) بفشـل كـل المسـاعي الرامـية إلـى التقريب بين الأديان
و الله أعلـم
تحياتـي