أبو يحيى الموحد
03-27-2015, 12:36 AM
خلود الكافر في النار، لماذا قد تُزعجه في الدّنيا ؟
فكرة هذه المَظلمة التي يدندن حولها التلاحيد المَوتورن عادةً او قد تُخالج نَفس المؤمن بشكلٍ عارض وقتي، الأعتراض عليها غير منطقي ولا معقول من جهة الأول ، لكن سنتعرّضُ لها بنوعٍ من التفصيل بما يَنقضُ وَهم الأول و يُزيل الإشتباه عن الثاني إن شاء تعالى :
1/ إيماننا بهذا الحُكم الإلهي جاء كلازِم عقلي لإيماننا بالله تعالى عن طريق إيماننا بصِدق المُخبِر صلى الله عليه وسلم والأخيرُ بتحقيقٍ و توثيقٍ و برهنة، فالواجب علينا السُمع و الطّاعة و الاستسلام و إلا فإيماننا شَكلي و صوري..
2\ منذ متى كان المقدار الزّمني هو معياراً لعدالة الحُكم؟ أي، ما علاقة العقوبة بمدّة الجريمة؟ القاتل حينَ يقوم بجريمتهِ فإنه يرتكبها في لحظات فيُعاقب بالسجن طوال عمره او كذا من السنين ، فهل يُعقل أن يُسجَن لدقائق، و كذا الذي يَسرق، فلا علاقة زمنية بَينَ الجريمة ومدةّ الحُكم .
3\في جميع المحاكم العالمية، شدة او مدّة العقوبة تزداد كلّما أعاد الجاني جُرمه، فعقوبة السارق الذي يُقبض عليه للمرة الثالثة او الرابعة تكون أشد مما كان في المرة الأولى، و كلّما عاد لجُرمه غُلِّظ عليه الحُكم باطّّراد، و هكذا القياس مع الكافر مع الفارق ، فلو علِمتَ أنه لو أُعيد و أُطلِق سراحه ألف مرة لعاد لما نُهي عنه لما استغرب احدٌ غلاظة الحكم عليه مهما كان.
4\ و هذه لها صِلة بسابقتها، عِلاقة الكافر بكُفره ليست علاقة إمكانٍ و جواز و إنما مُلازمة فلو عُمِّر ألف ألف عامٍ لبقيَ على ما هو عليه من السخريّة و النكران، و لو جُعل مَلاك الأمر بيده لبقي في كُفره خالداً مُخلداً ابد الآبدين فكانت العقوبة من سِنخ نيّته و إصراره، قال تعالى: ((قُل كلٌّ يعمل على شاكِلَته)) قال الحَسن وقتادة :أي على نيّته، قال السيوطي :{{والسّبب في ذلك أنّ المؤمن يَنوي أن يُطيع الله أبداً ، فَجوزي بالخلود جزاءَ نيّته ، والكافر كان عازما وناوياً الكفر أبداً فجوزي بنيّته ، قال تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)}}.
5 \إذا ما علمتَ بأن مصائر الناس في الآخرة من النوع الابدي : فريق في الجنة مُخلّدين الى الأبد و فريق في السعير مُخلَّدين الى الأبد فهل تتصور رجلاً كهتلر و ماو تسي تونغ يتقلّبون يوماً ما في نعيم سرمدي و هُم قد كفروا بهذا النعيم جملةً و تفصيلاً وسخروا منه و من خالقه؟ ستقول أنّهم عوقبوا في النار ازماناً و نالوا جزائهم، يُقال: كلّ تلك الازمان التي مكثوها في النار تُحال لا شيئاً إذا ما وُضعت بإزاء السرمدية اللانهائية فلا شيئ يوازي أو يقابل النّعيم اللانهائي إلا العقاب اللانهائي.
( الاعتراض ببرهان التطابق او الفرق بين السلسلتين في هذه المسألة ليست محل نقاش هنا💐 ،و الفرق مهما اتسع يكون عدماً إذا وضع بإزاء اللانهائية ، و للاختصارنتكلم عن معنى تقريبي لا مطابقيّ).
6\ لو قيل للمُعارض (فرضاً) بأنّ النّار ليست بأبديّة و أنّ اهل النار يُعَذَبون فيها أزمنة و حسب، طالت أم قَصُرت، فهل سيُغيّر موقفه الإيماني؟ هل سيهرع الى السجود لربّه و يذرف دموعهُ ندماً و أسفاً؟ لا والله فإعتراضه لمجرّد الاعتراض و إلا فهو قد حَسَم موقفه مُسبقاً و أضمرَ إصراره عليه و إن زعم و زعم.
7\ يَختلف وَقع الإساءة و تبعاً عقوبتها باختلاف المُساء إليهِ، فلو كُنتَ في مجلسٍ ما و فيه أنفارٌ من صبي صغير، عاميّ غلبان، مدير شركة مغتر، شيخ هرم متسول، وزير للدولة، مُدَرّس بالغ... ثمّ دَخل احدهم و شَتمهم فرداً فرداً بل و تعدى عليهم ضرباً، فهل تتوقع أن يكون وقع الحادثة و تبعاتها متساويةً عند الجميع؟
و مثلُها للتقريب قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر عنه:[ إنَ كذباً عليّ ليس ككذب على غيري، مَن كذب عليّ متعمداً فليتبوَّأ مَقعده من النار ]، فالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ليست ككذب على غيره لأنّ منزلتهُ ليست كمنزلة احد من البشر، فما بالنا بالله تعالى المُطلق؟الأحقُّ و الأعدل أن تكون عقوبة الإساءة للمطلق تعالى بالعذاب المطلق.
8 \ مِن الخطأ إعتبار الحياة فرصةً واحدةً و عليها يُحاسب الإنسان بهذه (القسوة) يوم القيامة! بل الصّحيح أن الحياة حياةٌ واحدة ولكنها تزخرُ بملايين الفُرص، فكلّ لحظةٍ تُمضيها و كلُّ نَفَسٍ تتنفسهُ هو فرصةٌ لك بأن تُعيد نظرك الى ما في السّموات و الارض و تنتزع الِكبر و العناد من دواخلك لترى العالم المُحدث الجميل المُنظّم المُفتقر له سبحانه وتعالى.
9\مسألة كالعدالة الالهية لا يمكن الإحاطة بها تفصيلاً إلا لمن كان له عِلمٌ يوازي الِعلم الإلهي أو يَسبقه و كِلاهما مُحال،بالذات إذا ماعلمنا بأن الرؤية العدلية في هذه الدنيا متفاوتة و هناك أمورٌ تُعتبرُ حكيمة عند البعض و قاسية او ظالمة عند الاخرين و ملاك الأمر و أسّهُ هو العلم، كَبتر ساق المُصاب لمن يَنظرُ لها من غير ان يُعلمه احد تفصيله، او وخزات الابرة التي لا يعلم الطفل لها تعليلاً سوى قسوة اهله عليه، فَمن غاب عنه جزءٌ من العلم اعتلى الضباب رؤيته للاحداث، فما بالك بمن غاب عنه العِلم المطلق.. حتماً سيغيب عنه الكثير من الحِكم.
10\ الآن مكانك..قليلٌ من القسوة.. يا صاحبي التلحود، ما هي معايير العدالة و الظّلم من وجهة نظر مادّية؟ أليست الإنسان حثالة كيميائية لا يتمايز حقيقةً عن الصخرة الصمّاء و النّحل الكرينيولي الفرنسي و الحمار الوَحشي و شجرة الدّردار القصير الورق إلا من جهة الترتيب الذَرّي الكيميائي او البايلوجي، فربّما إذا ما دخل الإنسانُ النارَ كان هو الذي يُعَذب النار و ليس العكس، بل قل ما معنى العذاب إذا ما كانت القضيّة بِرُمّتها مجرّد إعادة تدوير للمادّة الخرقاء تلك!
11\ و لأُذكّرك إن نَسيت، أنت تضيع وقتك في عَبث و هراء و شنشنات مشروخة، اذهب و استمتع بكلّ لحظة من سنونك المحسوبة فكلّ هُنيهة تمضي لن تعود، اضافة الى أنّها تُدنيك من العدم الذي لا تستطيع توصيفه، أمّا الجّحيم و بقيّة التّرهات فهي حكايا قبل النّوم تُحكى للاطفال و انت أعقل من ان تلتفت اليها فضلاً أن تفكّر بمواقعتها.. لا و الخلود فيها.. كَبِّر مخّك و تذكر قول الإمام نيتشة: (الإله مات و نحن قتلناه)، و حتماً مات معه كلّ الاساطير الدينية، اذهب و نَم قرير العين.
12\ مِن هذا الاعتراض تفهم أن النّفس البشريّة دائماً ما تحوم حول قضية الخلود ، تتوق لها مُصرّحةً او مُلمّحةً او مُضمرة ، تخترعها و تتفاوض عنها او بها ، و هذا دأب الإنسان منذ ظهوره على الارض و في جميع العصور و الأزمنة و الُحقب ، في اكثر الاديان الوضعية منها و السماوية ، و حتى المدارس الفلسفية يجب أن تتطرق لهذه المسألة و تتوسع ، ِمِن مُثُل افلاطون العُليا مروراً بالعقل الفعّال عند ارسطو و الفارابي و الافرودوسي و من ثمَّ ثُنائيات ديكارت و اللاهوتيين و بعدها مِثاليّات باركلي ، و تراندستال كانط ،فالقلق الوجودي عند هايدجر ، وليس انتهاءاًعند الوجود المطلق عند كيركرجارد .
13\ {{ملحوظة:هذه النقطة بالذات لا تُناقش هنا}}.
هذا الردّ الاخير تركته (للمؤمن) الذي قد تنقطع به السُبل ، إما كَشُبهةٍ خارجيّة لا تنفك أو يُصرّ بشواهد قرآنية على أن رحمته تعالى لا بُدّ ان تسع جميع خلقه لعِظم رجائه به..
هناك قولٌ مرجوح لعدد من علمائنا في القول بفناء النار و أنها ستخبو بعد آماد بعيدة و احقابٍ عديدة، ففي هذا الباب هناك ثلاثة اقوال :
1 - من قالوا بأبدية النار أبدية مطلقا ( وهو الذي عليه اكثر ائمتنا على مر العصور).
2 - مَن قالوا بفنائها بعد حُقب طويلة.
3 - من علّق ذلك بمشيئة الله تعالى .
و قَد اشتُهر نسبة القول بفناء النار بالخصوص الى الإمامين ابن تيمية و ابن القيّم رحمهم الله و قد سُبقوا بها في العديد من الآثار عن الصحابة و التابعين لكنّهم من اكثرُ الذين توقفوا عندها و فرزوا ادلة الطرفين و بَسطوها فاشتهروا بها، و الصحيح أنهم نقلوا ادلة الطرفين و لم يصرّحوا بالفناء و إنّما تلحظ ميلاً طفيفاً عند ابن القيم بالذات للقول بفنائها في ( حادي الارواح)، ذكر حُججهم يطول و لمن اراد مُطلعتها مراجعة العشر او الخمسة عشر صفحات الاخيرة من الكتاب، الشاهد المهم أنّ المسلم الذي تشتبك عنده المسألة لحدّ التعقّد قد يجد مخرجاً في هذا القول تحديداً أن له شواهداً و اشاراتٍ قرآنية .
تلميحة اخيرة : مِن الغباوة و الحماقة بمكان أن يلعب الإنسانُ لعبة الحياة اعتماداً على القول بفناء النار فيَغتر و يُسرف ، فأولاً هذا القول مرجوح جداً و ادلة الطرف الخر أمتن و أَظْهر ، ثانياً : هل أنت مستعد يا مجنون أن تمكُثَ في النار أحقاباً و دهوراً سحيقة على أمل أن تخرج منها بعد تلك الأمداد الطويلة ؟ هذا إن صحّ الخروج ..
والحمدلله. 🌹
فكرة هذه المَظلمة التي يدندن حولها التلاحيد المَوتورن عادةً او قد تُخالج نَفس المؤمن بشكلٍ عارض وقتي، الأعتراض عليها غير منطقي ولا معقول من جهة الأول ، لكن سنتعرّضُ لها بنوعٍ من التفصيل بما يَنقضُ وَهم الأول و يُزيل الإشتباه عن الثاني إن شاء تعالى :
1/ إيماننا بهذا الحُكم الإلهي جاء كلازِم عقلي لإيماننا بالله تعالى عن طريق إيماننا بصِدق المُخبِر صلى الله عليه وسلم والأخيرُ بتحقيقٍ و توثيقٍ و برهنة، فالواجب علينا السُمع و الطّاعة و الاستسلام و إلا فإيماننا شَكلي و صوري..
2\ منذ متى كان المقدار الزّمني هو معياراً لعدالة الحُكم؟ أي، ما علاقة العقوبة بمدّة الجريمة؟ القاتل حينَ يقوم بجريمتهِ فإنه يرتكبها في لحظات فيُعاقب بالسجن طوال عمره او كذا من السنين ، فهل يُعقل أن يُسجَن لدقائق، و كذا الذي يَسرق، فلا علاقة زمنية بَينَ الجريمة ومدةّ الحُكم .
3\في جميع المحاكم العالمية، شدة او مدّة العقوبة تزداد كلّما أعاد الجاني جُرمه، فعقوبة السارق الذي يُقبض عليه للمرة الثالثة او الرابعة تكون أشد مما كان في المرة الأولى، و كلّما عاد لجُرمه غُلِّظ عليه الحُكم باطّّراد، و هكذا القياس مع الكافر مع الفارق ، فلو علِمتَ أنه لو أُعيد و أُطلِق سراحه ألف مرة لعاد لما نُهي عنه لما استغرب احدٌ غلاظة الحكم عليه مهما كان.
4\ و هذه لها صِلة بسابقتها، عِلاقة الكافر بكُفره ليست علاقة إمكانٍ و جواز و إنما مُلازمة فلو عُمِّر ألف ألف عامٍ لبقيَ على ما هو عليه من السخريّة و النكران، و لو جُعل مَلاك الأمر بيده لبقي في كُفره خالداً مُخلداً ابد الآبدين فكانت العقوبة من سِنخ نيّته و إصراره، قال تعالى: ((قُل كلٌّ يعمل على شاكِلَته)) قال الحَسن وقتادة :أي على نيّته، قال السيوطي :{{والسّبب في ذلك أنّ المؤمن يَنوي أن يُطيع الله أبداً ، فَجوزي بالخلود جزاءَ نيّته ، والكافر كان عازما وناوياً الكفر أبداً فجوزي بنيّته ، قال تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)}}.
5 \إذا ما علمتَ بأن مصائر الناس في الآخرة من النوع الابدي : فريق في الجنة مُخلّدين الى الأبد و فريق في السعير مُخلَّدين الى الأبد فهل تتصور رجلاً كهتلر و ماو تسي تونغ يتقلّبون يوماً ما في نعيم سرمدي و هُم قد كفروا بهذا النعيم جملةً و تفصيلاً وسخروا منه و من خالقه؟ ستقول أنّهم عوقبوا في النار ازماناً و نالوا جزائهم، يُقال: كلّ تلك الازمان التي مكثوها في النار تُحال لا شيئاً إذا ما وُضعت بإزاء السرمدية اللانهائية فلا شيئ يوازي أو يقابل النّعيم اللانهائي إلا العقاب اللانهائي.
( الاعتراض ببرهان التطابق او الفرق بين السلسلتين في هذه المسألة ليست محل نقاش هنا💐 ،و الفرق مهما اتسع يكون عدماً إذا وضع بإزاء اللانهائية ، و للاختصارنتكلم عن معنى تقريبي لا مطابقيّ).
6\ لو قيل للمُعارض (فرضاً) بأنّ النّار ليست بأبديّة و أنّ اهل النار يُعَذَبون فيها أزمنة و حسب، طالت أم قَصُرت، فهل سيُغيّر موقفه الإيماني؟ هل سيهرع الى السجود لربّه و يذرف دموعهُ ندماً و أسفاً؟ لا والله فإعتراضه لمجرّد الاعتراض و إلا فهو قد حَسَم موقفه مُسبقاً و أضمرَ إصراره عليه و إن زعم و زعم.
7\ يَختلف وَقع الإساءة و تبعاً عقوبتها باختلاف المُساء إليهِ، فلو كُنتَ في مجلسٍ ما و فيه أنفارٌ من صبي صغير، عاميّ غلبان، مدير شركة مغتر، شيخ هرم متسول، وزير للدولة، مُدَرّس بالغ... ثمّ دَخل احدهم و شَتمهم فرداً فرداً بل و تعدى عليهم ضرباً، فهل تتوقع أن يكون وقع الحادثة و تبعاتها متساويةً عند الجميع؟
و مثلُها للتقريب قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر عنه:[ إنَ كذباً عليّ ليس ككذب على غيري، مَن كذب عليّ متعمداً فليتبوَّأ مَقعده من النار ]، فالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ليست ككذب على غيره لأنّ منزلتهُ ليست كمنزلة احد من البشر، فما بالنا بالله تعالى المُطلق؟الأحقُّ و الأعدل أن تكون عقوبة الإساءة للمطلق تعالى بالعذاب المطلق.
8 \ مِن الخطأ إعتبار الحياة فرصةً واحدةً و عليها يُحاسب الإنسان بهذه (القسوة) يوم القيامة! بل الصّحيح أن الحياة حياةٌ واحدة ولكنها تزخرُ بملايين الفُرص، فكلّ لحظةٍ تُمضيها و كلُّ نَفَسٍ تتنفسهُ هو فرصةٌ لك بأن تُعيد نظرك الى ما في السّموات و الارض و تنتزع الِكبر و العناد من دواخلك لترى العالم المُحدث الجميل المُنظّم المُفتقر له سبحانه وتعالى.
9\مسألة كالعدالة الالهية لا يمكن الإحاطة بها تفصيلاً إلا لمن كان له عِلمٌ يوازي الِعلم الإلهي أو يَسبقه و كِلاهما مُحال،بالذات إذا ماعلمنا بأن الرؤية العدلية في هذه الدنيا متفاوتة و هناك أمورٌ تُعتبرُ حكيمة عند البعض و قاسية او ظالمة عند الاخرين و ملاك الأمر و أسّهُ هو العلم، كَبتر ساق المُصاب لمن يَنظرُ لها من غير ان يُعلمه احد تفصيله، او وخزات الابرة التي لا يعلم الطفل لها تعليلاً سوى قسوة اهله عليه، فَمن غاب عنه جزءٌ من العلم اعتلى الضباب رؤيته للاحداث، فما بالك بمن غاب عنه العِلم المطلق.. حتماً سيغيب عنه الكثير من الحِكم.
10\ الآن مكانك..قليلٌ من القسوة.. يا صاحبي التلحود، ما هي معايير العدالة و الظّلم من وجهة نظر مادّية؟ أليست الإنسان حثالة كيميائية لا يتمايز حقيقةً عن الصخرة الصمّاء و النّحل الكرينيولي الفرنسي و الحمار الوَحشي و شجرة الدّردار القصير الورق إلا من جهة الترتيب الذَرّي الكيميائي او البايلوجي، فربّما إذا ما دخل الإنسانُ النارَ كان هو الذي يُعَذب النار و ليس العكس، بل قل ما معنى العذاب إذا ما كانت القضيّة بِرُمّتها مجرّد إعادة تدوير للمادّة الخرقاء تلك!
11\ و لأُذكّرك إن نَسيت، أنت تضيع وقتك في عَبث و هراء و شنشنات مشروخة، اذهب و استمتع بكلّ لحظة من سنونك المحسوبة فكلّ هُنيهة تمضي لن تعود، اضافة الى أنّها تُدنيك من العدم الذي لا تستطيع توصيفه، أمّا الجّحيم و بقيّة التّرهات فهي حكايا قبل النّوم تُحكى للاطفال و انت أعقل من ان تلتفت اليها فضلاً أن تفكّر بمواقعتها.. لا و الخلود فيها.. كَبِّر مخّك و تذكر قول الإمام نيتشة: (الإله مات و نحن قتلناه)، و حتماً مات معه كلّ الاساطير الدينية، اذهب و نَم قرير العين.
12\ مِن هذا الاعتراض تفهم أن النّفس البشريّة دائماً ما تحوم حول قضية الخلود ، تتوق لها مُصرّحةً او مُلمّحةً او مُضمرة ، تخترعها و تتفاوض عنها او بها ، و هذا دأب الإنسان منذ ظهوره على الارض و في جميع العصور و الأزمنة و الُحقب ، في اكثر الاديان الوضعية منها و السماوية ، و حتى المدارس الفلسفية يجب أن تتطرق لهذه المسألة و تتوسع ، ِمِن مُثُل افلاطون العُليا مروراً بالعقل الفعّال عند ارسطو و الفارابي و الافرودوسي و من ثمَّ ثُنائيات ديكارت و اللاهوتيين و بعدها مِثاليّات باركلي ، و تراندستال كانط ،فالقلق الوجودي عند هايدجر ، وليس انتهاءاًعند الوجود المطلق عند كيركرجارد .
13\ {{ملحوظة:هذه النقطة بالذات لا تُناقش هنا}}.
هذا الردّ الاخير تركته (للمؤمن) الذي قد تنقطع به السُبل ، إما كَشُبهةٍ خارجيّة لا تنفك أو يُصرّ بشواهد قرآنية على أن رحمته تعالى لا بُدّ ان تسع جميع خلقه لعِظم رجائه به..
هناك قولٌ مرجوح لعدد من علمائنا في القول بفناء النار و أنها ستخبو بعد آماد بعيدة و احقابٍ عديدة، ففي هذا الباب هناك ثلاثة اقوال :
1 - من قالوا بأبدية النار أبدية مطلقا ( وهو الذي عليه اكثر ائمتنا على مر العصور).
2 - مَن قالوا بفنائها بعد حُقب طويلة.
3 - من علّق ذلك بمشيئة الله تعالى .
و قَد اشتُهر نسبة القول بفناء النار بالخصوص الى الإمامين ابن تيمية و ابن القيّم رحمهم الله و قد سُبقوا بها في العديد من الآثار عن الصحابة و التابعين لكنّهم من اكثرُ الذين توقفوا عندها و فرزوا ادلة الطرفين و بَسطوها فاشتهروا بها، و الصحيح أنهم نقلوا ادلة الطرفين و لم يصرّحوا بالفناء و إنّما تلحظ ميلاً طفيفاً عند ابن القيم بالذات للقول بفنائها في ( حادي الارواح)، ذكر حُججهم يطول و لمن اراد مُطلعتها مراجعة العشر او الخمسة عشر صفحات الاخيرة من الكتاب، الشاهد المهم أنّ المسلم الذي تشتبك عنده المسألة لحدّ التعقّد قد يجد مخرجاً في هذا القول تحديداً أن له شواهداً و اشاراتٍ قرآنية .
تلميحة اخيرة : مِن الغباوة و الحماقة بمكان أن يلعب الإنسانُ لعبة الحياة اعتماداً على القول بفناء النار فيَغتر و يُسرف ، فأولاً هذا القول مرجوح جداً و ادلة الطرف الخر أمتن و أَظْهر ، ثانياً : هل أنت مستعد يا مجنون أن تمكُثَ في النار أحقاباً و دهوراً سحيقة على أمل أن تخرج منها بعد تلك الأمداد الطويلة ؟ هذا إن صحّ الخروج ..
والحمدلله. 🌹