ابن القيم
01-02-2005, 02:04 AM
بسم الله الرحمن الرحيم ...
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الآية الكريمة ( لا إكراه في الدين ) وقام البعض بتفسيرها تفسيراً خاطئاً يتفق وهوى أنفسهم وما تمليه عليهم شياطين الانس ..هم يخلطون بين تفسير نصوصهم الحداثية حين يسكبون على ثوبها نظرية موت المؤلف وانتقال ملكية النص من المؤلف للمتلقى وبين تفسير القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ..
هؤلاء الجهلة يُبررون للمرتدين فعلهم بأنه حرية شخصية كفلها الإسلام حين قال ( لا إكراه في الدين ) ولو سلمنا جدلاً بهذا الأمر لكان هناك تناقض بين هذه الآية وبين الردة وحدها الشرعي (من بدل دينه فاقتلوه )
نعود للآية الكريمة لنغرف معناها الصحيح من منابعه الحقيقية ..
___________
د. فضل الهي ..كتاب (شبهات حول الأمر بالعروف والنهي عن المنكر )..وهذه قبسات من الكتاب ..
يقول بعض الناس :
يجب علينا أن نترك الناس وشأنهم ولا نتدخل في شؤونهم الخاصة بأمرهم بالمعروف الذي لا يرغبون في فعله ، ونهيهم عن المنكر الذي يرغبون فيه ، لأن هذا يتعارض مع الحرية الشخصية الثابتة في الإسلام " .
ويستدلّ هؤلاء على صحة رأيهم بقوله عز وجل (( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع
عليم )) ..
_______
المفهوم الإسلامي للحرية الشخصية :
الحرية الشخصية التي منحها الإسلام للعباد هي أنه أخرج العباد من عبودية العباد ، ولا يعني هذا إخراجهم من عبودية رب العباد ، ما أحسن ما عبر القرآن الكريم عن هذا : ((ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون )) .
فالمطلوب في الإسلام أن يتحرر العبد من كل من سوى الله ويصير عبداً منقاداً مطيعاً مستسلماً لله الواحد الخالق المالك المدبر . وهذا ما عبّر عنه سيدنا ربعي بن عامر ( مجيباً على سؤال رستم بقوله : (( الله ابتعثنا ، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله )).
ومن النصوص التي تدلّ على أن المؤمنين مطالبون بالاستسلام لله تعالى والعمل بجميع أوامره وترك جميع نواهيه قوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة )).
يقول الحافظ ابن كثير في تفسير الآية : (( يقول الله تعالى آمراً عباده المؤمنين به المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه ، والعمل بجميع أوامره ، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك )).
وبيّن المولى عز وجل أنه لا يبقى لمؤمن ولا مؤمنه أدنى خيار بعد مجيء أمر الله تعالى و أمر رسوله ، قال تعالى: (( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً )).
وصوّر لنا السميع البصير مبادرة المؤمنين إلى امتثال أوامره وأوامر رسوله حيث يقول عز من قائل (( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا و أولئك هم المفلحون )).
فأين أصحاب (( الحرية الشخصية )) المزعومة من أولئك؟.
______
: الخطأ في فهم الآية : (( لا إكراه في الدين )) :
ليس معنى الآية بأن للناس كلهم فعل ما يشاؤون وترك ما يشاؤون ، وليس لأحد إلزامهم على فعل الخير الذي تركوه أو اجتناب الشر الذي فعلوه ، بل المراد بالآية – والله أعلم بالصواب – كما يقول الحافظ ابن كثير : (( أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في الإسلام)).
وحتى هذا ليس لغير المسلمين كلّهم بل رجّح كثير من المفسرين بأن هذا الحكم خاص بأهل الكتاب ومن شابههم. وأما عبدة الأوثان من مشركي العرب ومن شابههم فلا يُقبَل منهم إلاّ الإسلام أو القتال معهم . وفي هذا يقول الإمام ابن جرير الطبري بعد نقله أقوالاً مختلفة في تفسير الآية : (( وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : نزلت هذه الآية في خاص من الناس ، وقال : عني بقوله تعالى ذكره : (( لا إكراه في الدين )) أهل الكتاب والمجوس وكل من جاء إقراره على دينه المخالف دين الحق ، وأخذ الجزية منه )).
ثم يقول مبيّناً سبب ترجيح هذا القول : (( وكان المسلمون جميعاً قد نقلوا عن نبيّهم ( أنه أكره على الإسلام قوماً فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام ، وحكم بقتلهم أن امتنعوا منه، وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب ، وكالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر ومن أشبههم ، وأنه ترك إكراه آخرين على الإسلام بقبوله الجزية منه ، وإقراره على دينه الباطل ، وذلك كأهل الكتابين ومن أشبههم )).
________
________
وهذا قول الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى ...
س : مذكور في القرآن الكريم : لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فما معنى هذا؟
ج : قد ذكر أهل العلم رحمهم الله في تفسير هذه الآية ما معناه : أن هذه الآية خبر معناه : النهي ، أي : لا تكرهوا على الدين الإسلامي من لم يرد الدخول فيه ، فإنه قد تبين الرشد ، وهو دين محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعهم بإحسان ، وهو توحيد الله بعبادته وطاعة أوامره وترك نواهيه مِنَ الْغَيِّ وهو : دين أبي جهل وأشباهه من المشركين الذين يعبدون غير الله من الأصنام والأولياء والملائكة والأنبياء وغيرهم ، وكان هذا قبل أن يشرع الله سبحانه الجهاد بالسيف لجميع المشركين إلا من بذل الجزية من أهل الكتاب والمجوس ، وعلى هذا تكون هذه الآية خاصة لأهل الكتاب ، والمجوس إذا بذلوا الجزية والتزموا الصغار فإنهم لا يكرهون على الإسلام؛ لهذه الآية الكريمة ، ولقوله سبحانه في سورة التوبة : قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فرفع سبحانه عن أهل الكتاب القتال إذا أعطوا الجزية والتزموا الصغار . وثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ الجزية من مجوس هجر ، أما من سوى أهل الكتاب والمجوس من الكفرة
والمشركين والملاحدة فإن الواجب مع القدرة دعوتهم إلى الإسلام فإن أجابوا فالحمد لله ، وإن لم يجيبوا وجل جهادهم ، حتى يدخلوا في الإسلام ، ولا تقبل منهم الجزية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطلبها من كفار العرب ، ولم يقبلها منهم ، ولأن أصحابه رضي الله عنهم لما جاهدوا الكفار بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لم يقبلوا الجزية إلا من أهل الكتاب والمجوس ، ومن الأدلة على ذلك قوله سبحانه : فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فلم يخيرهم سبحانه بين الإسلام وبين البقاء على دينهم ، ولم يطالبهم بجزية ، بل أمر بقتالهم ، حتى يتوبوا من الشرك ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فدل ذلك على أنه لا يقبل من جميع المشركين ما عدا أهل الكتاب والمجوس إلا الإسلام ، وهذا مع القدرة . والآيات في هذا المعنى كثيرة .
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تدل على هذا المعنى منها : قول النبي صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل متفق على صحته ، فلم يخيرهم النبي صلى الله عليه وسلم بين الإسلام وبين البقاء على دينهم الباطل ، ولم يطلب منهم الجزية . فدل ذلك : أن الواجب إكراه الكفار على الإسلام ، حتى يدخلوا فيه ما عدا أهل الكتاب والمجوس؛ لما في ذلك من سعادتهم ونجاتهم
في الدنيا والآخرة ، وهذا من محاسن الإسلام ، فإنه جاء بإنقاذ الكفرة من أسباب هلاكهم وذلهم وهوانهم وعذابهم في الدنيا والآخرة ، إلى أسباب النجاة ، والعزة والكرامة والسعادة في الدنيا والآخرة ، وهذا قول أكثر أهل العلم في تفسير الآية المسئول عنها ، أما أهل الكتاب والمجوس فخصوا بقبول الجزية والكف عن قتالهم إذا بذلوها لأسباب اقتضت ذلك ، وفي إلزامهم بالجزية إذلال وصغار لهم ، وإعانة للمسلمين على جهادهم وغيرهم ، وعلى تنفيذ أمور الشريعة ونشر الدعوة الإسلامية في سائر المعمورة ، كما أن في إلزام أهل الكتاب والمجوس بالجزية؛ حملا لهم على الدخول في الإسلام ، وترك ما هم عليه من الباطل والذل والصغار؛ ليفوزوا بالسعادة والنجاة والعزة في الدنيا والآخرة ، وأرجو أن يكون فيما ذكرنا كفاية وإيضاح لما أشكل عليكم .
وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين للفقه في الدين والثبات عليه ، إنه خير مسئول . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الآية الكريمة ( لا إكراه في الدين ) وقام البعض بتفسيرها تفسيراً خاطئاً يتفق وهوى أنفسهم وما تمليه عليهم شياطين الانس ..هم يخلطون بين تفسير نصوصهم الحداثية حين يسكبون على ثوبها نظرية موت المؤلف وانتقال ملكية النص من المؤلف للمتلقى وبين تفسير القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ..
هؤلاء الجهلة يُبررون للمرتدين فعلهم بأنه حرية شخصية كفلها الإسلام حين قال ( لا إكراه في الدين ) ولو سلمنا جدلاً بهذا الأمر لكان هناك تناقض بين هذه الآية وبين الردة وحدها الشرعي (من بدل دينه فاقتلوه )
نعود للآية الكريمة لنغرف معناها الصحيح من منابعه الحقيقية ..
___________
د. فضل الهي ..كتاب (شبهات حول الأمر بالعروف والنهي عن المنكر )..وهذه قبسات من الكتاب ..
يقول بعض الناس :
يجب علينا أن نترك الناس وشأنهم ولا نتدخل في شؤونهم الخاصة بأمرهم بالمعروف الذي لا يرغبون في فعله ، ونهيهم عن المنكر الذي يرغبون فيه ، لأن هذا يتعارض مع الحرية الشخصية الثابتة في الإسلام " .
ويستدلّ هؤلاء على صحة رأيهم بقوله عز وجل (( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع
عليم )) ..
_______
المفهوم الإسلامي للحرية الشخصية :
الحرية الشخصية التي منحها الإسلام للعباد هي أنه أخرج العباد من عبودية العباد ، ولا يعني هذا إخراجهم من عبودية رب العباد ، ما أحسن ما عبر القرآن الكريم عن هذا : ((ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون )) .
فالمطلوب في الإسلام أن يتحرر العبد من كل من سوى الله ويصير عبداً منقاداً مطيعاً مستسلماً لله الواحد الخالق المالك المدبر . وهذا ما عبّر عنه سيدنا ربعي بن عامر ( مجيباً على سؤال رستم بقوله : (( الله ابتعثنا ، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله )).
ومن النصوص التي تدلّ على أن المؤمنين مطالبون بالاستسلام لله تعالى والعمل بجميع أوامره وترك جميع نواهيه قوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة )).
يقول الحافظ ابن كثير في تفسير الآية : (( يقول الله تعالى آمراً عباده المؤمنين به المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه ، والعمل بجميع أوامره ، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك )).
وبيّن المولى عز وجل أنه لا يبقى لمؤمن ولا مؤمنه أدنى خيار بعد مجيء أمر الله تعالى و أمر رسوله ، قال تعالى: (( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً )).
وصوّر لنا السميع البصير مبادرة المؤمنين إلى امتثال أوامره وأوامر رسوله حيث يقول عز من قائل (( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا و أولئك هم المفلحون )).
فأين أصحاب (( الحرية الشخصية )) المزعومة من أولئك؟.
______
: الخطأ في فهم الآية : (( لا إكراه في الدين )) :
ليس معنى الآية بأن للناس كلهم فعل ما يشاؤون وترك ما يشاؤون ، وليس لأحد إلزامهم على فعل الخير الذي تركوه أو اجتناب الشر الذي فعلوه ، بل المراد بالآية – والله أعلم بالصواب – كما يقول الحافظ ابن كثير : (( أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في الإسلام)).
وحتى هذا ليس لغير المسلمين كلّهم بل رجّح كثير من المفسرين بأن هذا الحكم خاص بأهل الكتاب ومن شابههم. وأما عبدة الأوثان من مشركي العرب ومن شابههم فلا يُقبَل منهم إلاّ الإسلام أو القتال معهم . وفي هذا يقول الإمام ابن جرير الطبري بعد نقله أقوالاً مختلفة في تفسير الآية : (( وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : نزلت هذه الآية في خاص من الناس ، وقال : عني بقوله تعالى ذكره : (( لا إكراه في الدين )) أهل الكتاب والمجوس وكل من جاء إقراره على دينه المخالف دين الحق ، وأخذ الجزية منه )).
ثم يقول مبيّناً سبب ترجيح هذا القول : (( وكان المسلمون جميعاً قد نقلوا عن نبيّهم ( أنه أكره على الإسلام قوماً فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام ، وحكم بقتلهم أن امتنعوا منه، وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب ، وكالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر ومن أشبههم ، وأنه ترك إكراه آخرين على الإسلام بقبوله الجزية منه ، وإقراره على دينه الباطل ، وذلك كأهل الكتابين ومن أشبههم )).
________
________
وهذا قول الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى ...
س : مذكور في القرآن الكريم : لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فما معنى هذا؟
ج : قد ذكر أهل العلم رحمهم الله في تفسير هذه الآية ما معناه : أن هذه الآية خبر معناه : النهي ، أي : لا تكرهوا على الدين الإسلامي من لم يرد الدخول فيه ، فإنه قد تبين الرشد ، وهو دين محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعهم بإحسان ، وهو توحيد الله بعبادته وطاعة أوامره وترك نواهيه مِنَ الْغَيِّ وهو : دين أبي جهل وأشباهه من المشركين الذين يعبدون غير الله من الأصنام والأولياء والملائكة والأنبياء وغيرهم ، وكان هذا قبل أن يشرع الله سبحانه الجهاد بالسيف لجميع المشركين إلا من بذل الجزية من أهل الكتاب والمجوس ، وعلى هذا تكون هذه الآية خاصة لأهل الكتاب ، والمجوس إذا بذلوا الجزية والتزموا الصغار فإنهم لا يكرهون على الإسلام؛ لهذه الآية الكريمة ، ولقوله سبحانه في سورة التوبة : قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فرفع سبحانه عن أهل الكتاب القتال إذا أعطوا الجزية والتزموا الصغار . وثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ الجزية من مجوس هجر ، أما من سوى أهل الكتاب والمجوس من الكفرة
والمشركين والملاحدة فإن الواجب مع القدرة دعوتهم إلى الإسلام فإن أجابوا فالحمد لله ، وإن لم يجيبوا وجل جهادهم ، حتى يدخلوا في الإسلام ، ولا تقبل منهم الجزية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطلبها من كفار العرب ، ولم يقبلها منهم ، ولأن أصحابه رضي الله عنهم لما جاهدوا الكفار بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لم يقبلوا الجزية إلا من أهل الكتاب والمجوس ، ومن الأدلة على ذلك قوله سبحانه : فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فلم يخيرهم سبحانه بين الإسلام وبين البقاء على دينهم ، ولم يطالبهم بجزية ، بل أمر بقتالهم ، حتى يتوبوا من الشرك ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فدل ذلك على أنه لا يقبل من جميع المشركين ما عدا أهل الكتاب والمجوس إلا الإسلام ، وهذا مع القدرة . والآيات في هذا المعنى كثيرة .
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تدل على هذا المعنى منها : قول النبي صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل متفق على صحته ، فلم يخيرهم النبي صلى الله عليه وسلم بين الإسلام وبين البقاء على دينهم الباطل ، ولم يطلب منهم الجزية . فدل ذلك : أن الواجب إكراه الكفار على الإسلام ، حتى يدخلوا فيه ما عدا أهل الكتاب والمجوس؛ لما في ذلك من سعادتهم ونجاتهم
في الدنيا والآخرة ، وهذا من محاسن الإسلام ، فإنه جاء بإنقاذ الكفرة من أسباب هلاكهم وذلهم وهوانهم وعذابهم في الدنيا والآخرة ، إلى أسباب النجاة ، والعزة والكرامة والسعادة في الدنيا والآخرة ، وهذا قول أكثر أهل العلم في تفسير الآية المسئول عنها ، أما أهل الكتاب والمجوس فخصوا بقبول الجزية والكف عن قتالهم إذا بذلوها لأسباب اقتضت ذلك ، وفي إلزامهم بالجزية إذلال وصغار لهم ، وإعانة للمسلمين على جهادهم وغيرهم ، وعلى تنفيذ أمور الشريعة ونشر الدعوة الإسلامية في سائر المعمورة ، كما أن في إلزام أهل الكتاب والمجوس بالجزية؛ حملا لهم على الدخول في الإسلام ، وترك ما هم عليه من الباطل والذل والصغار؛ ليفوزوا بالسعادة والنجاة والعزة في الدنيا والآخرة ، وأرجو أن يكون فيما ذكرنا كفاية وإيضاح لما أشكل عليكم .
وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين للفقه في الدين والثبات عليه ، إنه خير مسئول . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .