المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نكتةٌ حول الإنتخابات البلدية



أحمد بن مسفر العتيبي
08-20-2015, 01:11 AM
نكتةٌ حول الإنتخابات البلدية
قبل ليالي معدودة قرأتُ مثلاً عربياً بلفظ :” بعدما شيَّب ختنوه “! وتطبيقه على موضوعنا: أن الناس لا يتفطَّنون لمحاسن أُمورهم إلا بعد وقت طويل ، وبعد فوات مصالحهم الدنيوية .

يكثر الجدل حول ممارسة الإنتخابات البلدية والمشاركة فيها لأنها تُفارق المألوف للناس ، فالإنتخابات أسلوب وافد لم يتعارف عليه الناس في بلادنا ، فيستوحشون منها خوفاً من آثارها .

وسواء كانت الانتخابات بالتسجيل أو الترشيح أو التصويت في قيد الناخبين عادة من عادات البلاد الأجنبية إلا أن بعض مظاهرها يمكن تخريجه على كثيرٍ من الأدلة الواردة في الكتاب والسنة الصحيحة .

• وهذه بعض الأسطر التي تبيِّن بعض النكت الشرعية حول الانتخابات البلدية :

أولاً : يوسف عليه السلام طلب الحصول على منزلة الولاية لإقامة دين الله وتحقيق مصلحة الشرع كما في قول الله تعالى : ” قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظٌ عليم ” ( يوسف :55 ) وهذا طلب للولاية من كافر فكيف يكون أجرها إذا طلبها مُسلمٌ من نظيره ؟ .
ففي الآية دليل على جواز الترشيح والتسجيل والتصويت في الإنتخابات بعمومها إذا ترجحت المصلحة ولم تُخالف أصلاً شرعياً .
ويوسف عليه السلام استدَّل على طلبه بالاستصحاب ، وهو النفي الأصلي ، ويسمى العدم الأصلي ، كما هو مقرر عند الأصوليين .

ثانياً : التحايل للحصول على مقعد في الدوئر الإنتخابية لأكل أموال الناس بالإثم من الجرائم الخُلقية التي توجب غضب الله كما في قول الله تعالى : ” ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتُدلوا بها إلى الحُكَّام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ” ( البقرة : 188 ) .
فدلت هذه الآية على أن من يُصوِّت أو يسجِّل أو يُشارك في الدوائر الإنتخابية لغرض فاسد ، فإنه آثم يريد مخادعة الله والله منتقمٌ منه .

ثالثا ً : الإنتخاب وكالة يتم بموجبها اختيار من يقوم بأعمال الشعب ومصالحهم نيابةً عنهم . فهو من حيث الحكم الشرعي جائز إن لم يُخالف أصلا ًشرعياً أو مقصداً من مقاصد الدِّين ، وقد قال الله تعالى : “وافعلوا الخير لعلكم تُرحمون “( الحج:77 ) .

رابعاً : بعض أهل الوجاهة والولاية يدفع الله بهم مكر أهل الفسوق وفسادهم ، كما قال الله تعالى : ” ولولا رهطُك لرجمناك “( هود:91) . ففي الآية دلالة على أن بعض من يتم انتخابهم لخدمة الناس قد يكونون درعاً لدفع المفاسد والبلاء عن الناس ، أو التخفيف منها على أضعف الأحوال .

خامساً : الموازنة بين المصالح والمفاسد في الترشيح للإنتخابات أو التصويت أو المشاركة منوطة بأهل العِلم والعقل . وقد قال الله تعالى “: ” فاتقوا الله ما استطعتم ” ( التغابن:16)، وفي المرفوع : ” أنتم أعلم بأمور دنياكم ” أخرجه مسلم . فإذا اختلف العلماء وجبت الموازنة ووجب الترجيح .
ويلحق بهذا مشاركة المرأة في المجالس البلدية ، فالحكم فيها يتوقف على الموازنة بين مصالحها ومفاسدها بحسب الضوابط الشرعية .

سادساً : ترك المشاركة في الانتخابات البلدية في البلد المسلم – لمن يقدر على ذلك – تفريط في الأمانة وتقصير في الدِّيانة ، لأننا بذلك – في الغالب – نُعين أهل الفساد على فسادهم وأهل الشرِّ على شرِّهم . وفي المرفوع : ” إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ” أخرجه البخاري .

سابعاً : ورد في الحديث : ” إن الله تعالى يحب السماحة ولو على تمرات ، ويحب الشجاعة ولو على قتل حية ، ويحب البصر النافذ عند مجيء الشبهات ، ويحب العقل الكامل عند نزول الشهوات ” أخرجه أبو نعيم بإسناد حسن .
فيه دلالة على أن من كمال البصيرة اليوم عدم ترك الساحة للمنافقين والفاسدين للعبث بأحوال الناس ومصالحهم الخدمية ، بل تجب مزاحمتهم للتصدُّر للولاية وخدمة الناس بما يرضي الله ويكسر شوكة أهل الشر .

ثامناً : ورد في الحديث : ” من استعمل رجلاً من عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه ، فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين ” أخرجه الحاكم بإسناد حسن .
ففيه دلالة على أن من تعمَّد اختيار أهل السُّوء في الإنتخابات بعمومها ، فإنه من الخائنين الخاطئين .

تاسعاً : في قول الله تعالى : ” إنِ الحُكم إلا لله ” ( يوسف : 40 ) فيه ردٌّ على من يقول إن الشعوب تحكم نفسها ، ولهذا فرَّق العلماء بين الشورى والديمقراطية بأن الأُولىى فيما لا نصَّ فيه ، والثانية معناها إلغاء الثوابث والعبث بمصالح الدِّين والدنيا .

عاشراً : يجوز الدعاء على من ضيَّق على المسلمين أحوالهم وأرزاقهم ومصالحهم في المجالس الخدمية وغيرها ، كما في الحديث : ” اللهم من وليَ من أمر أُمتي شيئا فشقَّ عليهم فاشقق عليه ، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به ” أخرجه مسلم .
وهذا يشمل الإنتخابات وغيرها من الأمور العامة . وقد قال الإمام البغوي ( ت: 516هـ ) رحمه الله تعالى : ” يجوز للمظلوم أن يُخبر عن ظلم الظالم وأن يدعو عليه ” .
ويستفاد من الحديث المتقدم أنه ليس كل مجتهد مصيب كما تقوله العامة ، وهذه قاعدة أصولية نبه عليها ابن حجر ( ت : 852هـ ) رحمه الله تعالى في فتح الباري . والله الهادي .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

د/ أحمد بن مسفر العتيبي
عضو هيئة التدريس بمعاهد القوات البرية