المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف تثبت أنّ القرآن الكريم كلام الله ؟؟!!



أبو عمر النفيس
09-25-2015, 10:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، و الصلاة و السّلام على من لا نبيّ بعده ، و بعد ...

كلّ مسلم يدعو الآخرين إلى الإسلام ، فهو بالضرورة سيواجَه بسؤال هو الأهم على الإطلاق و هو : أثبت أن القرآن الكريم هو كلام الله !!!!
و تختلف الإجابة من مسلم إلى آخر حسب درجة العلم التي يمتلكها ، وقوّة الحجّة و المنطق التي يستخدمها .. و في بعض الأحيان يقدّم المسلم إجابات يظنّها تحقّق المطلوب ، في حين أنّها بعيدة تماما عن جوهر السؤال ، مما يجعل الآخر يعتقد بأنّ المسلم لا يملك دليلا على كون القرآن كلام الله !!!
و عليه ،، فمن الواجب على كل مسلم لا سيّما المنشغل بالدعوة ، من الواجب عليه دراسة هذا السؤال بتعمّق و معرفة كيفيّة الإجابة الحقيقيّة الصحيحة لهذا السؤال ..
و السؤال يقول : كيف تثبت أنّ القرآن الكريم كلام الله ؟؟!!
في بادئ البدء لابدّ من معرفة أنّ هذا السؤال قد يطرحه إنسان متديّن بديانة أخرى و قد يطرحها إنسان لا يدين بأيّة ديانة . و بالتالي لابدّ من أخذ حالة السّائل في عين الاعتبار ، قبل الشّروع في الإجابة.

السؤال يحتوي على ثلاث مقدّمات أساسيّة :-
المقدّمة الأولى : الله موجود .
المقدّمة الثّانية : الله يتكلّم .
المقدّمة الثالثة : القرآن الكريم كلام .
المطلوب من المسلم هو إثبات النتيجة التالية : كلام القرآن الكريم هو من ضمن كلام الله ، باعتبار أن الله موجود متكلّم .

و بالاعتماد على المنطق فإنّه لا يصحّ الخوض في إجابة السؤال ، إلا إذا تمّ التسليم بالمقدّمات الثلاثة ، فيكون الإشكال محصور فقط في النتيجة التي يتبنّاها المسلم .
و عليه فهناك ثلاثة موانع لطرح هذا السؤال :
المانع الأوّل : لا يجوز أن يطرح هذا السؤال ملحد لا يؤمن بوجود الله . حيث أن عدم وجود الله يلزم عدم وجود كلام له ! و عليه سيتحوّل الحوار مع الملحد إلى قضيّة : هل الله موجود ؟! أو يسلّم الملحد جدلا بوجوده لكي يصحّ منه السؤال عن القرآن ، و إلاّ فطرحه للسؤال مرفوض منطقيا .
المانع الثّاني : لا يجوز أن يطرح هذا السؤال معطّل لا يؤمن بصفات الله ، لا سيّما صفة التكلّم . حيث أن عدم تكلّم الله يلزم عدم وجود كلام له ! و عليه سيتحوّل الحوار مع المعطّل إلى قضيّة : هل الله يتكلّم ؟! أو يسلّم المعطّل جدلا بصفة الكلام لله لكي يصحّ منه السؤال عن القرآن ، و إلاّ فطرحه للسؤال مرفوض منطقيا .
المانع الثّالث : لا يجوز أن يطرح هذا السؤال مخرّف لا يقرّ بأن القرآن الكريم كلام أو كتاب . و طبعا لا أحد يقول بهذا فالقرآن الكريم موجود لدينا و هو كلام من مصدر متكلّم.

و بعد تأصيل الموضوع و حصره في نقطة البحث ، سنخوض في الخطوات المنطقيّة الصحيحة لإثبات أن القرآن الكريم كتاب الله .
يقوم الإثبات على فكرة جوهريّة واحدة و هي : إثبات أنّ القرآن الكريم كلامٌ صدر منذ أكثر من 1400 سنة ، و في مكان يعجز جميع الناس فيه من الإتيان بهذا القرآن . و حيث أنّ الإنسان في ذلك المكان و ذلك الزمان عاجز عن الإتيان بالقرآن ، فقد جاء القرآن من مصدر فوق الإنسان ، من كيان متكلّم فوق الإنسان . و حيث أنّ الكلام نفسه منسوب إلى الله ( و هو كيان موجود متكلّم حسب المقدمات المسلّم بها ) ، فيكون القرآن الكريم كلامه فعلا .

الإشكالات التي تحول دون الإثبات :-
الإشكال الأوّل : عدم الاعتراف بأن القرآن الكريم صدر منذ أكثر من 1400 سنة ، و الزعم بأنه كتاب جديد لا يتجاوز عمره الـ 400 سنة !!!
الإشكال الثّاني : عدم الاعتراف بعجز النّاس عن الاتيان بالقرآن ، و الزّعم بأنّ الرسول محمد و غيره يملكون القدرة على الإتيان بالقرآن !!!

لا شكّ أنّه لا يوجد عاقل يتبنّى الإشكال الأوّل ، فقد ثبت تاريخيّا أن القرآن الكريم كتاب قديم يتجاوز عمره الألف سنة ، و المخطوطات تشهد بذلك . فتبقى المشكلة في الإشكال الثاني فقط و هو نفي الإعجاز عن القرآن .

أوجه الإعجاز في القرآن الكريم خمسة أوجه :-
الوجه الأول : الإعجاز اللغوي ،، و هو صياغة القرآن بطريقة لغويّة تُعجز كلّ الفصحاء و البلغاء .
الوجه الثّاني : الإعجاز المنطقي ،، و هو عدم وجود تناقض في القرآن برغم صدوره بشكل متدرّج في فترة زمنيّة طويلة مع تكرّر مواضيعه .
الوجه الثّالث : الإعجاز المعرفي ،، و هو احتواء القرآن على معلومات يستحيل توفّرها في مكان و زمان الصدور .
الوجه الرابع : إعجاز التحدّي ،، و هو عجز البشر حتّى الآن عن الإتيان بمثل القرآن برغم تحدّي القرآن كلّ النّاس بذلك.
الوجه الخامس : إعجاز النّظير ،، و هو عدم وجود كتاب ديني مقدّس ينافس القرآن في محتواه ، برغم تعدّد الكتب المقدّسة للأديان المختلفة.

هذه هي أوجه الإعجاز في القرآن الكريم ، و كلّ أوجه الإعجاز التي تحتويها الكتب هي تندرج تحت هذه الأوجه الخمسة .
و من الجدير بالذكر التنويه إلى خطأ شائع يقع فيه الكثير من الدعاة بما فيها بعض المشايخ ، و هو القول بأن تواتر القرآن دليل على كونه من الله !! و الصحيح هو أن تواتر القرآن دليل أن القرآن الذي بين يدينا هو نفسه القرآن الذي جاء به الرسول صلى الله عليه و آله و سلم . بمعنى لو شكّك أحدهم في كون القرآن الحالي يختلف عن القرآن في زمن الرسول ، سيكون تواتر القرآن دليل على عدم تحريف القرآن .. و لكن السؤال هو : هل القرآن الحالي الذي هو نفسه قرآن الرسول ، هل هو كلام الله أم لا .. ؟
فهنا ،، نفترض أننا في زمن الرسول و نحاول إثبات ذلك .. و بذلك لا دور للتواتر هنا .. إذ القرآن وقتها نأخذه من الرسول مباشرة.

و عليه ،، فإثبات أنّ القرآن الكريم كلام الله يكمن في إثبات أحد أوجه الإعجاز الخمسة . و المسلم يختار الوجه الأسهل و يحاور المخالف بها ..
ولابدّ من التنويه أن الأوجه الثلاثة الأولى حين ثبوتها يجعل القرآن الكريم كلام الله لذاته ، بينما الوجهين الرابع و الخامس يجعلانه كلام الله لغيره .

في المقابل ، سيحاول المخالف التشكيك في كلّ وجه من الأوجه الثلاثة للإعجاز ، بالقول :
1- لا يوجد إعجاز لغوي ، فشعراء الجاهليّة جاؤوا بأشعار أفصح و أبلغ !
2- لا يوجد إعجاز منطقي ، فهناك آيات متناقضة كثيرة !
3- لا يوجد إعجاز معرفي ، فكل المعلومات الموجودة في القرآن موجودة في كتب أخرى و يعرفها أهل ذلك الزمان !

و حينها سيتحوّل الحوار بين المسلم و غير المسلم إلى نقض ادعاءات غير المسلم ، و محاولة غير المسلم إثبات مزاعمه .. و هكذا يستمرّ الحوار إلى ما شاء الله !
لذا فلا أسهل من استخدام الحجة الرابعة و الخامسة : إذ لا يستطيع أحد الزعم بأنّ هناك كتاب الآن في مثل القرآن .. كما لا يستطيع عاقل الزعم بأن هناك كتاب مقدّس لدينٍ ما ، و يكون ذلك الكتاب أفضل من القرآن .
وباستخدام الحجة الخامسة نخرج بنتيجة أنّه : إذا كان الله موجودا ، وكان الله متكلّما ، و كان له كتاب ، فلا يوجد كتاب في العالم يستحقّ أن يكون كتابه سوى القرآن .. فيكون القرآن كلام الله ؛ لعدم وجود كتاب آخر يستحقّ هذا الوصف !

و لا ريب أنّه يمكن إثبات أنّ القرآن الكريم كلام الله لذاته ، بغضّ النظر عن سوء الكتب المقدّسة الأخرى ،، و لكن هذا يحتاج إلى تعمّق و تفصيل لأوجه الاعجاز الثلاثة .. و المقام هنا لا يتسّع لذلك .. لذا سأقوم بتفصيل أوجه الإعجاز الثلاثة في وقت لاحق بإذن الله تعالى .

ملاحظة : هذا الموضوع في غاية الأهميّة ؛ لذا لا بأس من نشره لكي يصل إلى أكبر عدد ممكن من المسلمين .

)( .... أبو عمر النفيس ... )(

محب الأمل الأحمد
09-26-2015, 11:08 AM
جزاكم الله عنا كل الخير ..

أبو عمر النفيس
09-26-2015, 11:23 AM
بارك الله فيك يا أخي الكريم ،،،

يوسف محمود
09-27-2015, 02:41 AM
موضوع روعه

للنقل بعد اكتماله

أبو عمر النفيس
09-27-2015, 11:32 AM
[CENTER][COLOR="#FF0000"]الوجه الأوّل لإعجاز القرآن الكريم : الإعجاز اللغوي

أبرز و أوضح أوجه الإعجاز في القرآن الكريم هو الإعجاز اللغوي ، و هو الوجه الذي تحدّى به العرب في زمن الرسول صلى الله عليه و آله و سلّم و حتّى الآن . و أكثر ما يلفت انتباه قارئ القرآن هي البنية اللغوية و الأسلوبيّة للقرآن الكريم ...
و لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه و بإلحاح و قوّة : كيف يثبت المسلم لغير المسلم أن القرآن الكريم فيه إعجاز لغوي ؟؟؟!!
قبل الإجابة على هذا السؤال ، لابدّ من الاتفاق على مفهوم الإعجاز اللغوي ،، و يمكن تعريف الاعجاز اللغوي كالتالي :
الاعجاز اللغوي : جمع القرآن الكريم لجمال النظم و دقّة الكلم ، مع الفصاحة و البلاغة و حسن البيان . و تحدّيه العرب على الاتيان بمثله ، و عجزهم عن ذلك .
و من خلال تعريف الاعجاز اللغوي يظهر أنّ له ثلاثة عناصر :
العنصر الأول : الصياغة اللغوية البديعة الفريدة للقرآن الكريم
العنصر الثاني : تحدّي القرآن العرب على الاتيان بمثله
العنصر الثالث : عجز فصحاء العرب و بلاغاؤهم عن مجاراة القرآن

و المسلم إذا أراد إثبات الإعجاز اللغوي للقرآن الكريم ، فهو مطالب بإثبات العناصر الثلاثة معا .. و يفشل الإثبات إذا انتفى أيّ عنصر من العناصر الثلاثة !
و لا ريب أ%u

أبو عمر النفيس
09-27-2015, 12:27 PM
الوجه الأوّل لإعجاز القرآن الكريم : الإعجاز اللغوي

أبرز و أوضح أوجه الإعجاز في القرآن الكريم هو الإعجاز اللغوي ، و هو الوجه الذي تحدّى به العرب في زمن الرسول صلى الله عليه و آله و سلّم و حتّى الآن . و أكثر ما يلفت انتباه قارئ القرآن هي البنية اللغوية و الأسلوبيّة للقرآن الكريم ...
و لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه و بإلحاح و قوّة : كيف يثبت المسلم لغير المسلم أن القرآن الكريم فيه إعجاز لغوي ؟؟؟!!
قبل الإجابة على هذا السؤال ، لابدّ من الاتفاق على مفهوم الإعجاز اللغوي ،، و يمكن تعريف الاعجاز اللغوي كالتالي :
الاعجاز اللغوي : جمع القرآن الكريم لجمال النظم و دقّة الكلم ، مع الفصاحة و البلاغة و حسن البيان . و تحدّيه العرب على الاتيان بمثله ، و عجزهم عن ذلك .
و من خلال تعريف الاعجاز اللغوي يظهر أنّ له ثلاثة عناصر :
العنصر الأول : الصياغة اللغوية البديعة الفريدة للقرآن الكريم
العنصر الثاني : تحدّي القرآن العرب على الاتيان بمثله
العنصر الثالث : عجز فصحاء العرب و بلاغاؤهم عن مجاراة القرآن

و المسلم إذا أراد إثبات الإعجاز اللغوي للقرآن الكريم ، فهو مطالب بإثبات العناصر الثلاثة معا .. و يفشل الإثبات إذا انتفى أيّ عنصر من العناصر الثلاثة !
و لا ريب أن العنصر الثاني متحقّق بالضرورة ؛ لأن القرآن الكريم يحتوي على العديد من الآيات التي يتحدّى فيها النّاس من الاتيان بمثله ،، و على سبيل المثال :
قوله تعالى : (( قل لئن اجتمعت الإنس و الجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا )) ،،، الإسراء : 88
و قوله تعالى : (( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات و ادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين )) ،،، هود : 13
و قوله تعالى : (( و إن كنتم في ريب ممّا نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثله و ادعوا شهداءكم من دون اللّه إن كنتم صادقين. فإن لم تفعلوا و لن تفعلوا فاتّقوا النّار الّتي وقودها النّاس و الحجارة أعدّت للكافرين )) ،،، البقرة :23-24
و هذه الآيات و غيرها واضحات بأنّ القرآن تحدّى الجميع بالإتيان بمثله ... و عليه ،، تحقّق أهمّ شرط لأيّة معجزة و هي أن تكون المعجزة مقرونة بالتّحدّي .. و القرآن الكريم مقرونٌ بالتّحدّي بشكل واضح ساطع !
فيبقى أمام المسلم مهمّتان : الأولى : إثبات بلاغة النظم و الكلم و فصاحة البيان في القرآن . الثانية : إثبات عجز الناس من قديمٍ و حديثٍ عن الاتيان بمثله .
ولا شكّ أنّ إثبات ذلك عند المسلم أشبه بإثبات وجود الشمس في نهارٍ ساطعٍ خالي من كلّ الغيوم !

و لكن في الحقيقة هناك مشكلتان جوهريّتان تواجهان المسلم حين يريد إثبات الإعجاز اللغوي للقرآن الكريم :-
المشكلة الأولى : الإعجاز اللغوي موجّه للعرب فقط ! فليس من المنطقي أن نطالب صينيا بأن يأتي بمثل القرآن ، فهذا تحدّي في غير محلّه !
المشكلة الثانية : لن يتذوّق الإعجاز اللغوي للقرآن إلاّ بلغاء العرب و فصحاؤهم ، أمّا عامّة العرب و ضعافهم في اللغة فلن يشعروا بمدى بلاغته و فصاحته !


و لاشكّ أن حكمة الله أبت إلاّ أن توجد حلولاً جذريّة لهتين المشكلتين ، و الحلّان موجودان في القرآن الكريم :
حلّ المشكلة الأولى : احتوى القرآن الكريم على أوجه إعجاز أخرى ، يستطيع أن يدركها غير العرب .. مثل الإعجاز المنطقي و الإعجاز المعرفي و إعجاز التّحدّي و إعجاز النّظير. فيكفي غير العربي أن يتأمّل أوجه الإعجاز الأخرى في المصحف المترجم للغته ، و سيدرك من خلالها أن القرآن الكريم كلام الله .
حلّ المشكلة الثّانية : نزل القرآن الكريم عند أفصح العرب و أبلغهم ، و في زمنٍ كان النّاس يعتنون فيه باللغة العربيّة و يتحدّون بعضهم فيها . و بالتالي جاء تحدّي القرآن في و قته و محلّه.

و من هنا فإنّ جزءا من إثبات الاعجاز اللغوي للقرآن الكريم ، سيكون باستخدام التاريخ من خلال إثبات أنّ فصحاء العرب و بلغاءهم في زمن نزول القرآن ، اعترفوا بإعجاز القرآن الكريم لغةً . و كذلك إثبات عجزهم عن مجاراته ، و فشلهم أمام ذلك التّحدّي .
و قد قام كثيرٌ من العلماء المسلمين بتأليف الكتب و المجلّدات يبيّنون فيها أوجه الإعجاز اللغوي للقرآن الكريم ، و مدى دقة ألفاظه و معانيه مع جمال نظمه و أسلوبه. و عزّزّوا إثباتهم هذا بنقولات صحيحة عن مجموعة من فصحاء قريش من الكفّار ، يعترفون ببلاغة القرآن و تعجيزه اللغوي . و على رأس هؤلاء الوليد بن المغيرة في قوله : " والله إن لقوله الذي يقول لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلوا وما يعلى وإنه ليحطم ما تحته " .

و مع ذلك كلّه يرفض غير المسلمين الاعتراف بالاعجاز اللغوي للقرآن الكريم ، و يبرّرون كفرهم هذا بالآتي :
التبرير الأوّل : هناك شعراء في الجاهليّة كتبوا قصائد بليغة بديعة تُجاري القرآن الكريم !
التبرير الثّاني : هناك أخطاء لغويّة كثيرة في القرآن الكريم !
التبرير الثّالث : اسلوب القرآن و بلاغته يختلف بين السّور المكيّة القصيرة و السّور المدنيّة الطويلة ، فالأولى أبلغ من الثانية !

هذه خلاصة تبريراتهم ، من خلال قراءتي لمعظم نقودات الكفّار فيما يخصّ رفضهم للإعجاز اللغوي للقرآن الكريم ..
و عليه ،، فإثبات الإعجاز اللغوي لا ينحصر في إثبات العنصر الأول و الثالث ( أي بلاغته و عجز النّاس ) ، بل يجب أن يتضمّن أيضا الردّ على تبريرات المنكرين و إظهار بطلان تبريراتهم .
و خلاصة الردّ على تبريرات المنكرين للإعجاز اللغوي كالتّالي :
الردّ على التبرير الأوّل : القرآن الكريم ليس بشعرٍ ولا بنثر ، بل هو بينما ، و هو بذلك فريدٌ من نوعه لا نظير له في الأدب العربي . كما أنّ أبلغ القصائد الشعريّة لا تخلو من الضرورة الشعريّة التي بمقتضاها يضطرّ الشّاعر للاتيان بكلمة في غير محلّها ؛ ليحافظ على الوزن الشعري أو على القافية ! في حين أنّ القرآن الكريم لم يضطرّ أبدا إلى الاتيان بكلمة في غير محلّها ، للحفاظ على السجع في نهايات الآيات أو جمال النظم ، بل كلّ كلمة في القرآن جاءت في محلّها تماما دون اضطرار .في حين يستحيل الاتيان بقصيدة شعرية بديعة خالية من الضرورات الشعريّة التي تصل في بعض الأحيان إلى تشويه المفردة أو تشويه المعنى .

الردّ على التبرير الثّاني : طبيعي أن يزعم كلّ من ليس بضليع في اللغة العربيّة وجود أخطاء في القرآن ؛ إذ إدراك عدم وجود خطأ رهنٌ على المستوى اللغوي للقارئ . و حيث أنّ معظم المعاصرين ليسوا فصحاء بلغاء كشعراء قريش .. فنطالب الاتيان برواية مسندة إلى أحد كفّار قريش يقول فيها بأنّ هناك أخطاء لغويّة في القرآن الكريم ! و في حال عجز المنكرين عن ذلك ، يصبح زعمهم باطلا في ذاته. و مع ذلك قام المسلمون بالردّ على جميع الآيات التي زُعم بأنّها تحوي أخطاء لغويّة ، و تبيّن أنّها لا تحوي على أخطاء .. و الكتب في ذلك كثيرة.
الردّ على التبرير الثّالث : الإعجاز اللغوي للقرآن هي صفة للقرآن ككل ، وليست صفة لسورةٍ بعينها . و حيث أن أساس التحدّي اللغوي كان في قريش ، كانت السّور المكيّة أظهر في إبراز أوجه الإعجاز اللغوي . أمّا السّور المدنيّة فهي مع وجود الاعجاز اللغوي فيها ، لكنّها أظهر في إظهار أوجه الاعجاز المنطقي و المعرفي . فالقرآن الكريم ليس له وجه واحد للإعجاز لكي نطالب جميع سوره أن تبرز هذا الوجه ، بل له أوجه عديدة ، تتوزّع هذه الأوجه و تتنّوع بتنّوع سوره و آياته .. فنجد سوراً تبرز وجها و سوراً أخرى تبرز وجها آخر .. من أجل ذلك ظهر الفرق بين السور القصيرة و الطويلة أو السور المكيّة و المدنيّة.
و أنصح المسلمين الراغبين في إثبات الاعجاز اللغوي للقرآن الكريم ، أن يكون المخالف ملمّا باللغة العربية فصيحا أديبا . أمّا إن كان المخالف لا يعرف الفرق بين المبتدأ و الخبر و الفاعل و المفعول ، فإنّ إثبات الإعجاز اللغوي للقرآن له أشبه بالحرث في البحر !!!
و في هذه الحالة ،، ينبغي الانتقال إلى الوجه الثاني لإعجاز القرآن الكريم و هو الإعجاز المنطقي ...
و سأتحدّث عن كيفيّة إثبات هذا الإعجاز في مقالة أخرى بإذن الله تعالى ...

)( ... أبو عمر النفيس ... )(

خطاب أسد الدين
09-29-2015, 04:52 AM
تفصيل دقيق وصحيح .

و الناس فى الفكر طبقات وليس بواحد .
ولذلك الادلة التى تقودهم للايمان بالقرآن او الاسلام عموما لم يكون دليلا واحد .

قد يكون لغوى او علمى او منطقى او حتى اخلاقى الخ..وهذا مشاهد بالواقع ,ولو كان صينيا او امريكيا او روسيا او افريقيا .

وما قد يحصل به التصديق لفرد معين لا يحصل به التصديق لأخر.

فالناس اما أهل نظر وتأمل وهؤلاء الحكمة تقودهم للاسلام
واما عوام فالموعظة تنفع معهم
واما وسط بين طرفين فالمجادلة تصلح معهم .

الاعجاز اللغوى تحديدا فى كل القرآن فى جميع اياته وسوره بخلاف الاعجاز العلمى او التاريخى التى يوجد فى مواضع من القرآن.

الكل سيان
09-29-2015, 05:25 AM
ايها الزميل الادلة التي قدمتها ادلة نسقية اي انها من داخل جهة الادعاء،وهي من الناحية المنهجية فاسدة
وهي بالضبط تشبه سلوك الصائغ المزيف الذي يحاول بيعك ذهبه وحينما تسعى للتأكد من حقيقة ذهبه يبادرك بان لديه معياره الخاص الذي من خلاله تستطيع ان تتاكد من حقيقة سلعته ،يعني انه يبيعك ذهبا لكن لا تستطيع ان تتاكد من سلعته الا من خلاله ميزانه الخاص
وهذه الطريقة كما تلاحظ طريقة فاسدة منطقيا
ياعزيزي المطلوب منكم ايها المسلمون ادلة مستقلة وهيهات هيهات ان تجدها
وليس ان تقول ان القران من عند الله والدليل ان القران يقول انكم لن تستطيعوا ان تاتوا بمثله

محب الأمل الأحمد
09-29-2015, 05:45 AM
ايها الزميل الادلة التي قدمتها ادلة نسقية اي انها من داخل جهة الادعاء،وهي من الناحية المنهجية فاسدة
الكلام ليس موجه لك ، فابحث عن موضوع موجه لك لتناقش ما فيه

ياعزيزي المطلوب منكم ايها المسلمون ادلة مستقلة وهيهات هيهات ان تجدها
وكأنك ممن يعقل ان رآها ..

وليس ان تقول ان القران من عند الله والدليل ان القران يقول انكم لن تستطيعوا ان تاتوا بمثله
هذا ربنا الله وهذه قدرته التى جعلكم تتضائلون امامها جميعا بكل انسكم وجنكم وكل شياطينكم ،،
ولو كان لديك بضاعة لعرضتها للناس لتثبت بها صحة كلامك مثلنا ولكن انتم افشل من الفشل ذاته بهذا الصدد ،

ثم انت لا تعرف "الله" كإله اصلا فضلا عن ان تعرف ان كان ارسل شيء ام لا لكي تتنطع -"تتفزلك"- على صحته ،،
اعرف وجود الله اولا ثم ناقش ما يثبت صحة رسالاته تاليا يا هذا

فهذه الطريقة المتخلفة في معالجة المعلومات بشكل عشوائي عند امثالك من الملحدين تعتبر شديدة الفشل والفساد واللاعقلانية
فضلا عن الصدفة التى تقود تحولات الانظمة شديدة التعقيد ومع ذلك انتم تقبلون بها فرحين وكانها نهاية كل علم ،،

ان كنت ترضي بهذا التخلف لاستهلاكك العقلي فلا مشكلة ،، ولكن احصر سلة المهملات هذه لرأسك وحدك وليس لبقية العقلاء ..

هداك الله ،، ومجددا لا تتدخل فيما لا يعنيك .

محب الأمل الأحمد
09-29-2015, 06:01 AM
اعتذر للادارة الكريمة على التفرع عن الموضوع ،،
فلو شاء الضيف اكمال حواره في موضوع آخر خاص به فسأكون ممتنا كثيرا لكم بإذن الله ..

أبو عمر النفيس
09-29-2015, 12:07 PM
ايها الزميل الادلة التي قدمتها ادلة نسقية اي انها من داخل جهة الادعاء،وهي من الناحية المنهجية فاسدة
وهي بالضبط تشبه سلوك الصائغ المزيف الذي يحاول بيعك ذهبه وحينما تسعى للتأكد من حقيقة ذهبه يبادرك بان لديه معياره الخاص الذي من خلاله تستطيع ان تتاكد من حقيقة سلعته ،يعني انه يبيعك ذهبا لكن لا تستطيع ان تتاكد من سلعته الا من خلاله ميزانه الخاص
وهذه الطريقة كما تلاحظ طريقة فاسدة منطقيا
ياعزيزي المطلوب منكم ايها المسلمون ادلة مستقلة وهيهات هيهات ان تجدها
وليس ان تقول ان القران من عند الله والدليل ان القران يقول انكم لن تستطيعوا ان تاتوا بمثله

أولا : كلامك عام غير واضح ، و كأنّك تعترض لمجرّد الاعتراض !!!
ثانيا : ليس الدليل الوحيد على كون القرآن كلام الله هو كونه قال بأن الناس لن تستطيع أن تأتي بمثله !
ثالثا : عندما يأتي رسام و يرسم لوحة ما ، و يتحدّى جميع الفنانين المبدعين أن يرسموا أفضل منها أو مثلها ، و لا يلتفت إلى تحدّيه رسّام .. فهذا دليل واضح على عجزهم عن ذلك التحدّي ! و بالمثل عندما يأتي رافع أثقال و يرفع ثقلا بوزن 500 كيلوجرام ، و يتحدّى جميع الأقوياء أن يرفعوا هذا الثقل ، ولا يقوم بالمحاولة أحد .. فهذا دليل صريح على عجزهم في التّحدي ..!

فهل من العقل القول بأن عدم قيام رافعي الأثقال برفع الثقل ، لا يدل على عجزهم !! فمتى نقول أنهم عجزوا يا زميل ( الكل سيان ) ؟!

memainzin
09-29-2015, 12:19 PM
جزاكم ربى كل الخير ننتظر ما تبقى

أبو عمر النفيس
09-30-2015, 01:23 PM
الوجه الثّاني لإعجاز القرآن الكريم : الاعجاز المنطقي
نحن في عصرٍ ابتعد معظم العرب فيه عن الاهتمام و العناية الحقيقيّة بلغتهم ، و أصبحت اللهجات هي التي تغلب على الألسنة . فأصبحت القلّة القليلة هي التي تتذوّق اللغة العربية الأصيلة و تغوص في بحارها و تنهل من معينها . من أجل ذلك يصبح من الصعوبة بمكان إثبات الإعجاز اللغوي للقرآن الكريم ، لا لشيء في القرآن و العياذ بالله ، بل لضعف مستوى لغة الذين نثبت لهم ذلك . إذ لن يتذّوق البلاغة إلا بليغ ، و لن يدرك الفصاحة إلّا فصيح.
و عليه ،، فأنصح الجميع ممن يتصدّر لدعوة غير المسلمين إلى الإسلام ، أن يركّز على الأوجه الأخرى من أوجه إعجاز القرآن الكريم ؛ فهي أسهل و أوضح و لا تعتمد على المستوى اللغوي للمخالفين . و من أهمّ هذه الأوجه هو الإعجاز المنطقي.

و قد أشار القرآن الكريم إلى الإعجاز المنطقي في القرآن الكريم ، في العديد من الآيات و منها :
قوله تعالى : (( أفلا يتدبّرون القرآن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )) .... النساء : 82
و قوله تعالى : (( لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيلٌ من حكيمٍ حميد )) ...... فصّلت : 42

تقوم فكرة اثبات الاعجاز المنطقي على أهمّ مبدأ عقلي و هو ( عدم التّناقض ) : و هو اثبات خلو القرآن من التناقض ، برغم أنّ كلّ الأسباب المؤدّية إلى وجود تناقض متحقّقة ! و حيث أن أسباب التناقض متحقّقة و لا يوجد تناقض ، فهذا معناه أن القرآن جاء من مصدر منزّه من التّناقض ، و بالتالي هو مصدر فوق الإنسان ، أي من الله عزّ و جلّ .
و بتأمّل القرآن الكريم و بتأمّل صفات الرسول ، سنجد الحقائق الآتية :

الحقيقة الأولى :- جاء الرسول بالقرآن على مدى 23 سنة ، يتلو على النّاس آيات القرآن شيئا فشيئا . و كثيرٌ من الآيات متعلّقة بأحداث تحدث في ذلك الوقت ، فيأتي القرآن ليتحدّث عن تلك الأحداث . ممّا يؤكّد أنّ القرآن الكريم إن جازت التّسمية هو كلام ارتجالي ، يرتجله الرسول عفوياً حسب المواقف و الأحداث ، دون تخطيط مسبق. و الأمثلة على ذلك كثيرة و منها :
قوله تعالى : (( يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس و الحج )) .. البقرة : 189 ، و قوله تعالى : (( و يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النّساء في المحيض )) .. البقرة : 222 و قوله تعالى : (( فلمّا قضى زيدٌ منها وطراً زوّجناكها )) ... الأحزاب : 37 ، و قوله تعالى : (( لقد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها )) .. المجادلة : 1 ، و غيرها الكثير و الكثير من الآيات. و من الواضح جدا لكلّ عاقل أنّ سبب وجود الآية الأولى سؤال النّاس عن الأهلة .. فلم يكن الرسول يعلم أنّ الناس ستسأله عن الأهلة ليقوم بتأليف الآية مسبقا .. بل الآية جاءت بعد السؤال أو أثناءه لا قبله .. و كذا الحال مع السؤال عن المحيض ، و كذا الحال في مسألة زيد ، و كذا الحال مع المرأة المجادلة .. فكلّها آيات يمكن تسميتها ارتجاليّة أثناء مواقف حدثت في أرض الواقع .. و هذه الأسباب تسمّى عند المسلمين بـ " أسباب النزول " .. و لكن غير المسلمين لهم أن يسمّوها بـ " أسباب الارتجال " .. أي : أسباب قيام الرسول بتأليف تلك الآيات ارتجالا .. !؟!
و عليه ،، فخلاصة هذه الحقيقة هي أنّ هناك آيات كثيرة في القرآن جاءت نتيجة لمواقف مفاجئة غير معلومة مسبقا ، أنتجت آيات تعالج تلك المواقف.

الحقيقة الثانية : القرآن الكريم يحتوي العديد من القصص المتكرّرة في سور مختلفة . مع العلم أنّ تلك السّور نزلت في أزمنة مختلفة . و من أكثر القصص ورودا في القرآن قصة موسى عليه السلام . حيث نجد قصة موسى في سورة البقرة ، و سورة آل عمران ، و سورة الصف ، و هي سور مدنيّة . و كذلك نجد القصّة في سورة الأنعام و سورة الأحزاب و سورة القصص و سورة طه و سورة النمل و سورة الشعراء و سورة يونس و سورة غافر و غيرها من السّور و كلّها سور مكيّة . و الأغرب من ذلك هو أنّنا إذا جمعنا جميع الآيات التي تتحدث عن قصة موسى من كلّ تلك السّور سنجد أن القصّة متكاملة منذ ولادة موسى إلى أن عبد قومه العجل ، دون أيّ تناقض في تفاصيل القصّة !!!!! برغم أن الرسول كان يحكي القصة على فترات زمنية متباعدة و على شكل قصاصات و مشاهد مختلفة !! و قد يقول غير المسلم : الرسول كان عنده تصوّر كامل لقصّة موسى على هيئة فلم كامل ، و هو كان يعطي للناس مشاهد من الفلم على مدى 23 سنة ، و عدم التّناقض ناتج عن وجود الفلم الكامل للقصّة في رأسه . فالرسول كان كالمخرج الذي يعرف الفلم الكامل و يحكي للناس بعض المشاهد فيه دون تناقض .. فهذا لا يدلّ أن القصة من الله !
و حينها نقول : من أين للرسول بالقصّة ؟ خاصة أنّ القصة لا تطابق تماما قصّة موسى في سفر الخروج !! فهناك أجزاء من القصّة مختلفة تماما .. أضف إلى ذلك أنّ الرسول بدأ بحكي القصّة و هو في مكّة ، قبل أن يذهب إلى المدينة حيث اليهود .. و بالتالي هو يعرف بالقصّة بكلّ تفاصيلها قبل أن يحتكّ بيهود المدينة !!!
و عليه ،، فخلاصة هذه الحقيقة هي أنّ هناك قصص كثيرة في القرآن متكرّرة في سور مختلفة مكيّة و مدنيّة ، و لا يوجد أيّ تناقض في تفاصيل القصّة الواحد. برغم أنّ معظم تلك القصص تختلف عن القصة المشهورة عند أهل الكتاب في ذلك الوقت ، بمعنى أنّ هناك تصحيح للقصّة و ليس نقلا حرفياً للقصّة كما هي .

الحقيقة الثالثة : هناك مواضيع كثيرة في القرآن الكريم متوزّعة في 114 سورة ، منها عقائد و منها تشريعات و منها قصص و منها توصيف لواقع و منها مبادئ أخلاقيّة . و لم نجد في القرآن عقيدتين متناقضتين أو تشريعين متناقضين أو قصتين متناقضتين أو وصفين متناقضين لواقع أو مدح لخلق و ذمّ له في نفس الوقت !!! برغم أن آيات القرآن غير مرتبة حسب المواضيع ، بل قد نجد في السورة الواحدة أكثر من موضوع ، و بالمثل في سورة أخرى .. و مع ذلك لا نجد تناقض في المحتوى !
و عليه ،، فخلاصة هذه الحقيقة هي أنّ القرآن الكريم يحتوي على قضايا كثيرة و مواضيع متنوّعة في سور مختلفة و في أزمنة مختلفة ، و مع ذلك لا يوجد بين كلّ ذلك اختلاف.

الحقيقة الرابعة : الرسول محمد إنسان ينسى و يمرض و يصيبه الارهاق ، و له مشاعر و انفعالات . فليس من المنطقي أن يرتجل آية و هو في سنّ الـ 45 ، و يكتبها النّاس ، ثمّ في سنّ الـ 55 يحدث له موقف في نفس القضيّة و يرتجل آية أخرى في نفس الموضوع ، و يستحضر نفس الكلام الذي كان قد قاله قبل عشر سنوات .. في حين أن ظروفه النفسية في ذلك الوقت تختلف عن الظروف النفسية في هذا الوقت ! فينبغي أن نجد في كلامه بعض الاختلافات و التناقضات لأنه إنسان ينسى و يسهو ، فقد ينسى تفاصيل قصّة ما كان قد حكاها قبل عشرين سنة ، أو ينسى تشريعا ما كان قد شرعه قبل سبع سنوات .. و مع ذلك لم ينس و لم يناقض نفسه طيلة تلك المدّة !
و عليه ،، فخلاصة هذه الحقيقة هي أنّ الرسول محمد هو إنسان ينسى كباقي البشر و يتناقض كباقي البشر . و مع ذلك لم ينسى و لم يتناقض في آيات القرآن الكريم .

الحقيقة الخامسة : الرسول محمد له كلام خاص به يسمّى بالأحاديث النبويّة تختلف في الاسلوب تماما عن اسلوب القرآن الكريم . و لا يمكن لإنسان أن يجسّد شخصيّتين مختلفتين على مدى 23 سنة دون أن يناقض نفسه . فهناك شخصيّة للرسول حين يتلو آيات القرآن ، يتلوها بأسلوب مختلف و بطريقة مختلفة تُشعر المستمع أنّ الكلام من الخالق .. كما في قوله : " يا أيّها النبيّ قل لأزواجك " .. و قوله : " قل يا أيّها الكافرون " .. و قوله : " فلا تعجل عليهم إنّما نعدّ لهم عدّا " .. و هذه الآيات تشعرنا أنّ هناك من يخاطب النبيّ و يأمره و ينهاه .. ! و هناك شخصيّة أخرى للرسول حين يتكلّم بأحاديثه النبويّة . مثل قوله : " إنّما الأعمال بالنيّات " .. و قوله : " من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّء مقعده من النّار " .. و قوله : " خيركم من تعلّم القرآن و علّمه " .. و هذه الأحاديث تشعرنا أن الرسول هو من يتكلّم و بأسلوب و طريقة مختلفة تماما عن طريقته الأولى .. ! في حين أن الرسول شخصيّة واحدة من الناحية السيكلوجيّة و النفسيّة ، و لا يوجد شخصان اسمهما محمّد ، شخص متخصّص بتلاوة آيات القرآن و شخصٌ متخصّص لقول الأحاديث !
و عليه ،، فخلاصة الحقيقة الخامسة هي أنّ هناك اختلاف واضح بين القرآن الكريم و السنّة النبويّة من حيث الاسلوب و طريقة الصياغة ، في حين أنّ المصدر واحد و هو الرسول محمّد . و هذا لن يكون إلا إذا كان القرآن من مصدر آخر بحيث يكون الرسول مجرّد ناقل للكلام .

إذا جمعنا بين الحقائق الخمسة معاً ، فإننا ننتظر كتابا مليئا بالتناقضات و الاختلافات ، نظراً لأنّه كتاب يتمّ كتابته على مدى 23 سنة بدون تخطيط مسبق ، بل في أكثر الأحيان تأتي الآيات بعد مواقف أحداث و أسئلة من الناس المحيطين بالرسول . مع ذكر قصص بشكل متقطّع ، أحيانا يذكر القصّة في نهايتها ثم في سورة أخرى منتصفها ثم في سورة أخرى بدايتها . إضافة إلى تنوّع المواضيع و اختلافها يسبّب النسيان و السهو و الخلط . إضافة إلى ابتكار طريقتين مختلفتين للتكلّم ، طريقة قرآنية و طريقة نبويّة و هذا يضاعف من احتماليّة التناقض و السهو النسيان و الخلط .. و مع ذلك نتج قرآن مبين لا عوج فيه ولا اختلاف فيه .. فحتما هذا القرآن من عند غير الإنسان ؛ لأنه لو كان من عند انسان لوجدنا فيه اختلافا كثيرا .. (( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )).

و مع وضوح هذه الحجّة لكلّ العقلاء ، لكنّ الكافرين المعاندين يصرّون على الإنكار و الجحد و الكفر ، و يبرّرون كفرهم بهذه الحجّة بالآتي :
التبرير الأوّل : ادّعاء وجود تناقض ، من خلال الاتيان بآيات متشابهات ظاهرها التعارض و التناقض ! كقوله تعالى : (( و إنّ يوماً عند ربّك كألفٍ سنةٍ ممّا تعدّون )) ..الحج :47 ، و قوله تعالى : (( تعرج الملائكة و الرّوح إليه في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة )) ..المعارج:4 . فهناك تناقض بين مقدار اليوم في الآيتين ، فالألف لا تساوي خمسين ألف ! و غيرها من الآيات.
التبرير الثّاني : الرسول كان يسهو و كان ينسى ، و كان يسأله النّاس و لا يجيبهم بسرعة إلا بعد أن يأتيه الوحي أي بعد أن يفكّر بإجابة لا تؤدي إلى أن يناقض كلامه السابق . فهو لايجيب بسرعة بل يطلب مهلة للإجابة !

و لا شكّ أنّ غير المسلم لم يجد من تبريرات حقيقيّة يقدّمها أمام الحقائق الخمسة التي تؤكّد استحالة أن يكون القرآن بشريا . و مع ذلك نورد الرد الموجز على تبريراته :
الردّ على التبرير الأوّل : كلّ الآيات التي زعم فيها غير المسلمين أنّا متناقضة ، تبيّن أنّها ليست متناقضة . و عجبي من أن تكون مجموع الآيات التي ينسب لها التناقض لا تزيد عن 36 آية ، في حين أن مجموع آيات القرآن هو 6236 آية ! و هذا يجعل العاقل يقرّ بأنّ الاعتقاد بوجود تناقض بين تلك الآيات ناتج عن عدم تأمّل القرآن و تدبّره ، خاصّة أنّ القرآن أمر قارءه بالتّدبّر لكي يفهمه بالشكل الصحيح . فإذا لم تتدبّر فلا يصح أن تزعم التّناقض . فعلى سبيل المثال ، فقوله : " و إنّ يوما عند ربّك كألف سنة " يدلّ أنّ مقاييس الزمن مختلفة . فاليوم عند الله تشبه ألف سنة من سنين البشر .. بينما في الآية الثانية : " تعرج الملائكة " يتحدّث الله عن يوم القيامة ، بأنّ يوم القيامة هو يوم مقداره و مدّته خمسين ألف سنة من سنين البشر ، و في يوم القيامة تعرج الملائكة و الروح إليه . فلا تناقض بينها . إضافة إلى كون الآية الأولى استخدمت التشبيه ، للدلالة على أنّ مقياس اليوم عند الله أكبر بكثير من اليوم البشري ، فهو كألف سنة ، و لم يقل هو بالضبط ألف سنة ! و بالمثل ، باقي الآيات ليس فيها تناقض .. فهذه أقواها لذلك أخذتها كمثال.
الردّ على التبرير الثّاني : هناك تناقض في تبرير غير المسلم ، فغير المسلم يزعم بأنّ الرسول ينسى ، و في نفس الوقت يزعم بأنّه كان يطلب مهلة لكي لا يناقض نفسه ! و هذا دليل أنّه كان لا ينسى ، و كان يتذكّر كلّ ماقاله طيلة الـسنين الماضية . و هذا يتناقض مع الطبيعية البشريّة لمحمّد . فلو سألنا أيّ إنسان : ماذا قلت لأخيك قبل خمس سنوات عندما ضربك ؟! قد يجيبنا و لكن لن يتذكّر حرفيّا ماذا قال .. لكن أن يتذكّر حرفيا ما قاله ثم يتذكّر كلّ ماقاله طيلة الـ 23 سنة دون أن يناقض نفسه .. فهذه ليست صفة بشريّة .. و هذا يعني أنّ محمّد لم يكن بشرا ... في حين أنّ الجميع يعترف بأنّه كان بشرا ، وحتّى القرآن يؤكّد ذلك قائلا : " إنّما أنا بشرٌ مثلكم " ... و وضّح القرآن سبب عدم النسيان قائلا : " سنقرئك فلا تنسى " .... فسبب عدم النسيان هو أنّ الله هو من يقرؤ القرآن على محمد ، ولولا ذلك لنسي و تناقض ... ممّا يعني أنّ عدم التناقض برغم وجود أسباب التناقض ، دليل أنّه يوحى إليه من لدن عليم حكيم.

و بذلك يظهر لكل عاقل منصف أنّ القرآن الكريم فيه إعجاز منطقي ، فهو خالي من التناقض ، في حين أنّ أيّ كتاب يتمّ كتابته بهذه الطريقة و عبر الارتجال المعتمد على الأحداث ، سيؤدي بالضرورة إلى التناقضات .
و الغريب و المدهش أنّنا برغم إثباتنا الاعجاز اللغوي و المنطقي للقرآن الكريم ، إلّا أنّنا سنجد كافرين بالقرآن مصرّين على كفرهم .. و حينها سننتقل معهم إلى إثبات الوجه الثالث لإعجاز القرآن الكريم و هو الإعجاز المعرفي ..
و سأتحدّث عن كيفيّة إثبات هذا الإعجاز في مقالة أخرى بإذن الله تعالى ...

)( ... أبو عمر النفيس ... )(

يوسف محمود
10-04-2015, 02:10 AM
متابع................زز

أبو عمر النفيس
10-23-2015, 06:52 AM
يرفع للفائدة ،،،

YaCiine
10-30-2015, 06:48 PM
بارك الله فيك أخي الكريم ، موضوع رائع !
نرجوا الاستمرار

يوسف محمود
11-25-2015, 12:51 AM
للرفع فى انتظار استكمال الموضوع رجاءا

أبو عمر النفيس
11-25-2015, 03:00 PM
الوجه الثّالث لإعجاز القرآن الكريم : الإعجاز المعرفي
يعتبر الإعجاز المعرفي من أهمّ الأوجه التي يمكن استخدامها لإثبات أنّ القرآن الكريم كلام الله . فعندما ننظر إلى الوجه الأوّل من أوجه الإعجاز في القرآن الكريم و هو الإعجاز اللغوي . سنجد أنّ هذا الوجه يعاني من مشاكل جوهريّة واضحة و أهمّها :
1- لا يمكن إثبات الإعجاز اللغوي للقرآن لغير العرب ، و إذا قمنا بتفسير القرآن باللغات الأخرى فإنّنا سنفقد القرآن إعجازه اللغوي . فالترجمة أو التفسير لن يحوي الإعجاز الذي يحويه النص الأصلي العربي. و بالتالي لم يعد من المتاح لغير العرب معرفة إعجاز القرآن من الناحية اللغوية.
2- لا يمكن إدراك الإعجاز اللغوي لمعظم العرب المعاصرين ، و ذلك لأنّ معرفتنا باللغة قاصرة . فقليلٌ من العرب من يستطيع أن يتذوّق اللغة بحيث يفرّق بين الشعر الجاهلي و النص القرآني ، و مدى البلاغة القرآنية التي تفتقر لها النصوص الأدبيّة العربيّة.
و بالمثل ، عندما ننظر إلى الوجه الثاني من أوجه الإعجاز في القرآن الكريم و هو الإعجاز المنطقي . سنجد أنّ هذا الوجه يعاني من مشاكل جوهريّة واضحة و أهمّها :
1- عدم معرفة كثيرٌ من النّاس للمنطق . و عدم التفريق بين الأمرين المتناقضين و الأمرين المتضادين و الأمرين المتضايفين و الأمرين بين الملكة و انعدامها. فكثرٌ من الناس يعتقد بأنّ جميع هذه الأنواع الأربعة هي أمور متناقضة . في حين أنّ التناقض يختلف تماما عن أنواع التقابل الثلاثة الأخرى ، و هذا يحتاج إلى دراسة متخصّصة للمنطق . و هذا ما يفسّر اعتقاد البعض بوجود تناقض في القرآن في حين أنّه ليس هناك تناقض !
2- اعتراف بعض المسلمين بوجود تناقضات في القرآن ، و تبرير ذلك بأنّ الآية الثانية قد نسخت الآية الأولى و بالتالي يزول التناقض ! فيظنّ المسلم أنّ هذا يخدم كتابه في حين أنّه أقرّ ضمنا بوجود تناقض في كتابه ، مما يجعل الادعاء بعدم وجود التناقض هو ادعاء باطل . فأصبح هذا عائقا عن استخدام هذه الحجّة عند البعض.
و حيث أنّه من الممكن أن تواجه المسلم أحد هذه المشكلات حين استخدام وجهي الإعجاز الأساسيّة للقرآن الكريم ، و هما الإعجاز اللغوي و الإعجاز المنطقي . من هنا تأتي أهميّة الوجه الثالث لإعجاز القرآن الكريم وهو الإعجاز المعرفي.

تقوم فكرة إثبات الإعجاز المعرفي على فكرة جوهريّة و هي : أن يتمّ التعريف بمعرفة لا يملك الرسول وسيلة للوصول إليها ، بحيث تدلّ صحة تلك المعرفة على أنّه حصل عليها من مصدر خارجي غير بشري.

و يتميّز الإعجاز المعرفي عن أوجه الإعجاز الأخرى للقرآن الكريم بالآتي :
الميزة الأولى : يمكن أن يكتشف الإعجاز المعرفي الإنسان العربي الذي يقرأ القرآن العربي ، و يستطيع أن يكتشف الإعجاز المعرفي الإنسان غير العربي الذي يقرأ ترجمة القرآن باللغات الأخرى . فالإعجاز المعرفي لا يعتمد على اللغة بل يعتمد على مضمون الكلام و معناه. و بالتالي فهذا الإعجاز له أن يدركه جميع الشعوب بجميع اللغات.
الميزة الثانية : لا يقتصر هذا الإعجاز على زمن دون غيره ، بل هو صالح لجميع العصور و الأزمنة. فإذا قدّم القرآن معرفة معيّنة ، و تأكّد النّاس من صحّتها في زمن ما ، فيكون هذا الأمر دليلا إعجازيا لهم في ذلك الزمن و للأزمنة اللاحقة .
الميزة الثالثة : ليس من الضروري قراءة القرآن الكريم كاملا للوصول إلى الإعجاز المعرفي في القرآن الكريم . فقد يقرأ الإنسان آية قرآنية واحدة تحوي على معرفة معيّنة ، ثمّ يقوم الإنسان بالتحقق من مدى صحّة ذلك الإخبار . فإذا ثبت بشكل قطعي صحة تلك المعرفة ، دلّ بالضرورة أنّ القرآن كتاب من الله ، باعتبار أنّ الرسول لم يكن يملك الوسائل الموصلة لتلك المعرفة. فيصبح هذا الدليل كافيا لإثبات أنّ القرآن الكريم كلام الله ، دون الحاجة إلى قراءة الكتاب كاملا.

و بعد أن اتّضحت لنا أهميّة الإعجاز المعرفي ، نأتي لنبيّن أنواع الإعجاز المعرفي في القرآن الكريم :
النّوع الأوّل : معرفة الغيب . و هو أن يتمّ الإخبار عن شيء ليس من شأن الإنسان أن يعرفه .
النّوع الثّاني : معرفة المستقبل . و هو أن يتمّ الإخبار عن أمر مستقبلي لا يستطيع الإنسان الجزم به أو معرفته بالشكل التفصيلي الدقيق.
النّوع الثّالث : معرفة أسرار الكون . و هو أن يتمّ الإخبار عن أمر لا يعرفه النّاس عن الكون و لا يملكون الوسائل المعرفيّة المؤديّة إلى معرفته و ذلك في زمن الإخبار.
النّوع الرابع : معرفة الماضي . و هو أن يتمّ الإخبار عن أمر قد وقع في الماضي في مكان ليس بينه و بين مكان الإخبار اتصال معرفي ، بحيث يكون المخبر قد تلقّى تلك المعرفة من أشخاص عاشوا في مكان وقوع الخبر .

بالنسبة للنّوع الأوّل : فهناك آيات كثيرة تتحدّث عمّا سيحدث للإنسان بعد موته ، و ما في الجنّة و النّار بتفاصيل كثيرة . و لكن لا يمكن معرفة صحّة هذه الأخبار إلا بعد أن نموت . لذا لا يمكن استخدام هذا النّوع لإثبات إعجاز القرآن الكريم و كونه من الله . لكن يظلّ هذا النّوع هو أوّل نوع يكتشفه الإنسان بعد موته ، حينما ينكشف له بعض الغيب الذي كان غيبا عليه أثناء حياته.
فمثلا قوله تعالى في وصف النّار : " لها سبعة أبواب لكلّ باب منهم جزء مقسوم " الحجر: 44 . فهنا إخبار دقيق بعدد أبواب النّار ، و لكنّه إخبار عن أمر غيبي لا يملك الإنسان التحقّق من صحّة الإخبار إلا بعد أن يموت و تظهر له تلك الحقائق . لذا هذا النّوع لا يمكن استخدامه في الدنيا إلّا في حالات نادرة .

بالنسبة للنّوع الثّاني : فهناك آيات كثيرة تتحدّث عن المستقبل . و على رأس هذه الآيات ، الآيات التي تتحدّث عن نهاية العالم . حيث يقول تعالى : " إذا الشمس كوّرت . و إذا النجوم انكدرت . و إذا الجبال سيّرت " التكوير :1-4 . و قال تعالى : " يوم تبدّل الأرض غير الأرض و السماوات و برزوا لله الواحد القهّار " إبراهيم:48 . و ممّا لا يخفى على أحد أنّه في زمن صدور هذه الآيات ، كان هناك احتمالان متساويان : الاحتمال الأوّل : نهاية العالم. الاحتمال الثاني : بقاء العالم كما هو إلى الأبد. و لم تكن هناك علوم تؤدّي إلى الجزم بأنّ العالم سينتهي ، بل على العكس كانت هناك اطروحات كثيرة تعتقد بقدم العالم و أزليّته ، و أنّ التغيّر حاصل في الكائنات الحيّة تموت و تحيا . بينما القرآن جزم منذ ذلك الوقت بأنّ العالم سينتهي و بأنّ النجوم ستنفجر و الكواكب ستبعثر و الجبال ستسيّر . و هذه المعرفة قد تكون خاطئة لعدم وجود آليّات التّحقق منها في ذلك الوقت . لكنّنا في العلم المعاصر توصّل العلم بما ليس فيه مجال للشكّ أنّ العالم سينتهي تحت عناوين كثيرة ، منها الموت الحراري و نظريّة الانكماش العظيم. فتأكدنا في عصرنا الحالي بأنّ العالم سينتهي ، و بقي معرفة ما سيحدث أثناء نهاية العالم ، هل بالتفاصيل الدقيقة التي ذكرها القرآن أم بطريقة أخرى. فأصبح القرآن معجزا حتى الآن من ناحية جزمه بنهاية العالم في وقت ليس هناك ما يؤكّد علميّا بضرورة نهاية العالم . و يبقى المستقبل هو المنتظر لإثبات صحّة الإخبار القرآني بخصوص تفاصيل النهاية.
و من ضمن الأخبار المستقبليّة في القرآن الكريم ، حديثه عن أمور ستحدث و سيعاصرها النّاس . كحديثه عمّا سيحدث للروم ، في قوله تعالى : " غلبت الرّوم . في أدنى الأرض و هم من بعد غلبهم سيغلبون . في بضع سنين " الروم:2-4 ، و قد يقول قائل بأنّ هذا التنبؤ المستقبلي قابل للتخمين ، فكلّ مغلوب فهو قد يغلب في يوم ما ! لكنّنا نجد أنّ القرآن حدّد المدّة الزمنيّة لتلك الغلبة و حصرها في بضع سنين . و بالتالي لو تمّ النّصر بعد عشرين سنة تكون النبوءة كاذبة . ثمّ التنبؤ بنبوءة تتحقّق في بضع سنين ، فيه خطر كبير على القرآن في حال لم تصدق . و بالتالي فالآية تؤكد ثقة المتكلّم بتحقّق ما يخبر به في المستقبل . و قد شهد التاريخ بتحقّق هذه النبوءة في المدّة القرآنيّة المذكورة .

بالنسبة للنّوع الثّالث : فهناك آيات كثيرة تتحدّث عن أسرار الكون ، و أصبح هذا النّوع يُعرف بـ " الإعجاز العلمي في القرآن الكريم " . فمثلا نجد قوله تعالى : " ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ .ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ . " المؤمنون:14 ، و ممّا لا شكّ فيه هو أنّ الرسول لم يكن طبيبا ، بل إنّ جميع أطبّاء عصره لم يكن لديهم علم بمراحل تكوّن الجنين ، فلم تكن لديهم الأجهزة التي تساعدهم للكشف و معرفة ذلك . و بالتالي فلا شكّ أنّ الرسول تمّ إخباره من قبل خالق الجنين بتلك المراحل ، خاصة بعد أن ثبت علميّا صحّة تلك المراحل بتفاصيلها الدقيقة . و كذلك نجد قوله تعالى : " وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا". الفرقان:53.و لم يكن هناك غوص في أعماق البحار لمعرفة ما بين البحر العذب و البحر المالح ، فصحّة هذه المعرفة كفيلة للجزم بأنّ الخالق هو من أخبر رسوله بهذه المعلومة. و كذلك نجد قوله تعالى : " و السماء بنيناها بأيدٍ و إنّا لموسعون " الذاريات:47 . و لم يكن من المعلوم ولا حتّى المتوقّع أن كون هناك توسّع للسّماء . و قد ثبت علميّا بأنّ الكون يتوسّع ، و هذا كفيل لإثبات الإعجاز المعرفي للقرآن الكريم . و الأمثلة كثيرة و لكن هذه بعض أمثلتها.

بالنسبة للنوع الرابع : فهناك آيات كثيرة تتحدّث عن قصص ، دون أن تكون هذه القصص قد وقعت في شبه الجزيرة العربيّة بحيث يكون أهل قريش توارثوها أبا عن جد . و لا هي قصص في كتب اليهود و النصارى بحيث نقول بأنّ الرسول علمها منهم . و لا هي قصص وقعت في أمكنة زارها النبي بحيث يكون قد صادف فيها أناسا و أخبروه بتلك القصص. و من ضمن هذه القصص ، قوله تعالى : " و يسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا " الكهف:83 و الرسول لم يكن باحثا تاريخيا لعرفة هذه الشخصيات بتفاصيل القصة ، كما أنّها ليست من القصص الواردة في الكتب المقدّسة عند اليهود و النصارى بهذا التفصيل القرآني . و بالتالي ففي حال أكّد الباحثون التاريخيّون وجود شخصيّة تاريخيّة بنفس مواصفات ذي القرنين ، فإنّ هذا كفيل لإثبات أنّ الرسول علم هذه الشخصية من إخبار الله العالم بالتاريخ. و بالمثل في باقي القصص المماثلة.

و عليه ، فالخلاصة تكمن في أنّ القرآن الكريم احتوى على أخبار عن الغيب و عن المستقبل و عن أسرار الكون و عن الماضي ، بحيث لم يكن للرسول مصادر المعرفة التي تؤهّله لمعرفة تلك المعارف ، كما أنّ المحيطين بالرسول لم تكن لديهم أدوات معرفة تلك المعارف . مما تدلّ تلك المعارف على استحالة الوصول إليها بالحدس و التخمين . مما يؤكّد أنّ هذه المعارف جاءت بإخبار إلهي من الله العليم بالغيب و بالمستقبل و بأسرار الكون و بماضي البشريّة.

و سيحاول غير المسلمين إنكار الإعجاز المعرفي من خلال المبرّرات الآتية :
التبرير الأوّل : إنكار صحّة الأخبار التي تتحدّث عن أسرار الكون أو الماضي . كالقول بأنّ مراحل الجنين في القرآن تخالف مراحل الجنين في العلم ! أو القول بأنّ شخصيّة ذي القرنين تختلف عن شخصيّة الاسكندر العظيم التاريخيّة ! و بالتالي بطلان الخبر و بالتالي عدم وجود إعجاز معرفي !
التبرير الثاني : الزعم بأنّ الأخبار المستقبليّة جاءت من قبيل التخمين و الصدفة . كاعتبار أنّ معرفة انتصار الروم على الفرس يمكن بالتخمين ، و معرفة نهاية العالم يمكن بالتخمين ، إلى غير ذلك من المبرّرات.
التبرير الثالث : الزعم بأنّ المعارف الصحيحة في القرآن هي المعارف التي كانت سائدة في ذلك الوقت ، و علمها الرسول من معاصريه أو قرأها في كتب الآخرين !

و من الواضح جدا أنّ كلّ هذه التبريرات هي تبريرات واهية لا يقول بها إلاّ من لا يريد الإيمان بالقرآن الكريم. إذ هي مبرّرات قائمة على رغبة في الإنكار فحسب.
و الردّ على هذه التبريرات سهل يسير على النحو الآتي :
الردّ على التبرير الأوّل : أثبتوا بطلان الأخبار القرآنيّة و معارضتها للعلم القطعي المثبت. و لن نجد من المخالفين إلاّ ادعاءات فقط دون حجّة دامغة !
الردّ على التبريرالثّاني : و لماذا لم يخطئ الرسول في أيّ تخمين من تخميناته في القرآن الكريم ؟ و كيف تبثون من خلال علم الاحتمالات في الرياضيّات احتماليّة إصابة خمسة تخمينات مختلفة بحيث يكون لكلّ تخمين خمسمة احتمالات مختلفة ؟
الردّ على التبرير الثّالث : أثبتوا من خلال الأدب الجاهلي أو الفارسي أو غيرها من الأدب المعاصر لنزول القرآن ، أنّ أدبيّاتهم احتوت على المعارف القرآنية الصحيحة بحيث تكون تلك المعارف سائدة في ذلك الوقت !

و لن نجد من أهل الكفر و الإنكار ردا على هذه المطالب ، بل سنجد منهم الصدّ و الكفر و الإصرار . و برغم أنّ أيّ وجه من أوجه الإعجاز الثلاثة كفيل لإثبات أنّ القرآن الكريم كلام الله . فالإعجاز اللغوي لوحده كاف ، و الإعجاز المنطقي لوحده كاف ، و الإعجاز المعرفي لوحده كاف ، فضلا على اجتماع الإعجازات الثلاثة و ثبوتها معا ...
و مع ذلك سوف نستمرّ في بيان أوجه إعجاز القرآن الكريم ، و سأنتقل إلى الوجه الرابع من أوجه الاعجاز القرآني و هو إعجاز التّحدّي.
و سأتحدّث عن كيفيّة إثبات هذا الإعجاز في مقالة أخرى بإذن الله تعالى ...

)( ... أبو عمر النفيس ... )(