المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اسم الله الكبير



دكتوره نمارق
10-11-2015, 12:24 PM
العقيدة الإسلامية - اسماء الله الحسنى 1996 - الدرس (30-99) : اسم الله الكبير .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1992-03-02


بسم الله الرحمن الرحيم
مع الاسم الثلاثين من أسماء الله الحسنى والاسم هو " الكبير " وبادئ ذي بدء، أبيّنُ أن من قوانين النفس الإنسانية، وأنها لا تُقبل إلا على كبير، وإلا على عظيم، لا تختار إلا الكبير، لا تُعجَب إلا بالعظيم هذا من خصائص النفس البشرية، لذلك حينما يتعرّف الإنسان إلى الله عزَّ وجل ترتاح نفسه لأنَّ فِطرتها كذلك، اختارت الكبير، اختارت الملك اختارت العظيم، اختارت الرحيم، اختارت القوي، اختارت العليم اختارت السميع، هذا معنى قول الله عزَّ وجل:
﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾
( سورة الأعراف: 180 )
هناك توافق بين خصائص النفس البشرية وبين أسماء الله الحسنى بمعنى أنّ في جِبِلَّتِكَ تعظيماً للكبير، والله هو الكبير، وأنّ في جِبِلَّتِكَ ميلاً للرحيم، والله هو الرحيم، وأنّ في جِبِلَّتِكَ إقبالاً على الكريم والله هو الكريم، يعني كل أنواع الاضطراب وأنواع الضياع وأنواع التشتت تتبددُ إذا تعرفْتَ إلى الله عز وجل وتطمئن بعدها نفسك، هذا معنى قول الله عزَّ وجل:
﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾
( سورة الرعد: 28 )
وإني لأقول دائماً وأُردد، ما من رجل على وجه الأرض إلا ويبحث عن شيئين، عن سلامته، وعن سعادته، ولو عَلِمَ الإنسان أن جِبِلّتَهُ، وطبيعته، وخصائص نفسه، ومبادئ تركيبة، قائمةٌ على حُب الكمال، والله هو الكامل كمالاً مطلقاً، لاتضحت له الحقيقة، وانتهى كل إبهام، فما الذي ينفّر النفس ؟ أن تتوقع الكمال في جهة ثم تفاجأ بأنها ليست كاملة، هؤلاء الذين يتعلقون بأشخاص ادَّعوا الكمال وهم ليسوا كذلك يصابون بنكسة في حياتهم كبيرة جداً، لكن الإنسان إذا تعلّق بالله عز وجل لن يُفاجأ بأن الله ليس كما اعتقد:
﴿وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)﴾
( سورة المدثر: 56 )
أريد قبل أن نتحدث عن اسم الله الكبير، أن أُبيّن للقراء الكرام هذه الحقيقة: وهي: أنّ طبيعة النفس، وخصائص النفس، وجبلّة النفس وفطرة النفس، مفطورةٌ ومجبولة ومصنوعة ومبنية ومخلوقة على حُب العظيم، على حُب الكريم، على حُب القوي، على حُب العليم، على حُب الرحيم، فإذا تيّقنتْ أنَّ الله سبحانه وتعالى أسماؤه كلها حُسنى تعلّقتْ بها، وارتاحتْ نفسك واطمئن قلبك وسَعِدْتَ في دنياك وأخراك، إذا توهمتَ أنه بالإمكان أن تسعد لثانية واحدة بغير الله فأنت واهم، هذا الذي يدعو إليه الدين قال سبحانه:
﴿كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54)﴾
(سورة المدثر: 54 )
الدين يُذكّر بأصول الفطرة ويجليّها، فمثلاً هذه السيارة، مصممة على أن تسير على طرق معبدة، كل شيء فيها ينتظم، وأنت ترتاح في قيادتها، ترتاح في تحريكها، تتملك زمامها، إذا هي سارت على طريق معبدة، فإنها صنعت لهذا الطريق، وصنع هذا الطريق لها، فحينا تخرج عن الطرق المعبدة، تشعر باضطراب، بخلل، باختلال توازن، بأصوات بعثرات، بمتاعب لا حصر لها، يعني أريد أن أقول ؛ إذا عرف الإنسان اللهَ عز وجل اهتدى إلى فطرته، ووجد نفسه وجدتُ نفسي حينما أتعرف إلى ربي، خصائص النفس أساسها أنها تطمئن إذا عرفت العظيم لاحظ نفسك، في مجلس، مع أشخاص متعددين المُتكلم المُتألق الذكي القوي تجد نفسك طوال السهرة متجهاً إليه وأنت لا تدري قد تُغفل كل الحاضرين، قد لا تعبأ بهم، قد لاتنظر إليهم، لأنك مُركّب على حب العظيم، حُب الكبير، فإذا أيقنتَ أن الله هو الكبير وهو العظيم وهو الرحيم، وأن أسماءه كُلُها حُسنى توجهت إليه، ما هو الدين في حقيقته ؛ التفات إلى الله عز وجل، من هو الكافر، الذي أعرض عن الله وتوجّه إلى ما سِواه، هذا متجه إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، أو مالٍ يجمعه، أو منصبٍ يُحَّصله، أو وجاهةٍ يُحققها، وهذا المؤمن مُتجهٌ إلى الله عز وجل.
من الآيات الدالة على هذا الاسم العظيم قوله تعالى:
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)﴾
( سورة الرعد: 9 )
﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ(23)﴾
( سورة سبأ: 23 )
مرةً ثانية: فإذا كُنت في مجلس، وإذا كُنت في ندوة، أو كُنت مع مجموعة من الناس، وأنت لا تدري وأنت لا تشعر تتجه نحو العظيم نحو الأكثر عِلماً والأكثر فصاحة، والأكثر ذكاءً، والأكثر قُدرةً على إقناع الآخرين والأكثر شأناً، والأكثر جمالاً، هكذا، هذه جِبِلُّة النفس وهذه طبيعتها، فإذا عرفت من هو الكبير أقبلت عليه، فكل سعادتك تتحقق إذا عرفت الكبير وأقبلت عليه.
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (21)﴾
( سورة الإسراء: 21 )
الممرض غير الطبيب، والجندي غير اللواء، والبائع المتجول غير التاجر الكبير، فالتجار درجات، أهل العلم درجات، الممرض غير مدير المشفى:
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (21)﴾
عدد الدرجات أكبر، والمسافات بين الدرجات أكبر، نحن في الدنيا يستوي عظيم الشأن مع حقير الشأن في الطعام والشراب، كلنا تُشبِعُهُ لقيمات، كلنا يرتاح إذا دخل غرفة دافئة في الشتاء، هناك قواسم مشتركة كثيرة جداً بين أنواع الناس وأقسامهم، ولكنَّ الله عز وجل يُبيّن أنَّ مراتب الآخرة كثيرة جداً ومتفاوتة جداً، والمشكلة أن مراتب الدنيا لا تعني شيئاً لقرب زوالها وتحولها، وأن مراتب الآخرة تعني كُلَّ شيء لدوامها وبقائها مراتب الدنيا تحول وتزول بالموت، في الموت يستوي الغني والفقير يستوي الصحيح والمريض يستوي الوسيم والدميم، يستوي القوي والضعيف، يستوي كبير القوم وصغيرهم، يستوي سُرات الناس وصعاليكهم عند الموت، إذاً هذه الدرجة التي تبوّأها لا تعني شيئاً لأنها لا تدوم، وقد يكون عظيم الشأن في الدنيا وعند الله فقيراً، وقد يكون عظيم الشأن عند الله حياته خشنة، ودخله محدود بيته صغير، وعياله كُثُر زوجته ليست كما يريد، قد يكون ذلك ولكن علو الدرجات في الآخرة تعني المقام السامي، إنها تعني مرتبته الحقيقية عند الله عز وجل، إنها تعني الخلود في هذه المرتبة إلى أبد الآبدين لذلك قال تعالى:
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (21)﴾
وكان عليه الصلاة والسلام يقول:
((عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنِ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَجِبْتُ لَهَا فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ))
( صحيح مسلم )
هذه الكلمات كلمات الإسلام كلمة أشهد ألاّ إله إلا الله، كلمة سبحان الله، كلمة الله أكبر، كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله، كلمة إن شاء الله هذه الكلمات لها معانٍ عظيمة، لكن الناس مع استخدام هذه الكلمات استخداماً سيئاً أفقدوها معناها، يعني إن شاء الله، إذا أردت أن تخلف وعدك، إذا أردت ألا تُسدد ما عليك، تقول له إن شاء الله، غداً إن شاء الله، ليس هذا معناها إطلاقاً.
كلمة " الله أكبر " تقولها إذا رأيت مثلاً آلة مهولةً صنعها أجنبي الله أكبر، فقد قلتَها في معرض التعجب، هذه ليس من شأنها أنْ تُقال بهذا الموطن، بل إذا رأيت آية من خلق الله عز وجل واستعظمت خالقها تقول الله أكبر، هذه الكلمات التي نرددها الله أكبر، سبحان الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، هذه لو عرفنا معناها حقيقة لكُنا في حال غير هذا الحال لذلك ربنا عز وجل يقول:
﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (46)﴾
( سورة الكهف: 46 )
تساءل العلماء ما هُنَّ الباقيات الصالحات ؟ قال بعضهم ؛ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإذا قرأت الآية شعرت أنّ مَن عنده مالٌ كثير أو جاهٌ عريض أو حياةٌ ناعمة، فكلَّ هذا شيء تافه أمام الله أكبر، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ؟.. نعم لأنك إذا قلت سبحان الله حقيقة فقد سبّحته، وإن قلت الحمد لله حقيقة فقد حمدته، وإن قلت الله أكبر فقد كبَّرته، وإن قلت لا إله إلا الله فقد وحدَّته فإذا سبحته وحمدته ووحدته وكبَّرته فقد عرفته، وإذا عرفته عرفت كل شيء وسعدت بهذه المعرفة إلى الأبد وهذه لا يداينها متاع الدنيا كله ولو كثر، أيها القارئ الكريم، الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)﴾
( سورة الجاثية: 37 )
إنّ الله عز وجل وصف نفسه أنه كبير، وأنه عظيم، وبأن له الكبرياء، وإذا أمرنا أن نُكبّره، وإذا أمرنا أن نُعظّمه، فإنما ذلك لكي نَسعَدَ به ونُقبل عليه، وكي نُحقق الهدف من خلقنا.
أحياناً قد ترى إنساناً يتحدث عن نفسه تيهاً وازدهاءً من أجل أن يفتخر عليهم، من أجل أن يتيه عليهم، لكن الله سبحانه وتعالى إذا قال: وهو الكبير المتعال، وله الكبرياء في السماوات والأرض، وإذا أمرنا أن نُكبّرهُ تكبيرا:
﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)﴾
( سورة المدثر: 3 )
لكي نعرف قدره ومن ثم نسعد بهذه المعرفة وبعد، فلا بد لنا ليكون البحث شافياً من أن نتحدث عن: اشتقاقات هذا الاسم لتكون الإحاطة به احاطة شاملة شافية، هذا الاسم وَرَدَ على صيغ متعددة، وَرَدَ الكبير، وهو العليّ الكبير.. وَوَرَدَ المُتكبر، وثالثها الأكبر وهي صيغة مبالغة، قال تعالى:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)﴾
( سورة التوبة: 72 )
وقال تعالى:
﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾
( سورة العنكبوت: 45 )
فالكبير والمتكبر والأكبر كلها تصب في ناة واحدةٍ، لكن وُجِدَ في الأثر أنه لا يكبر عليكم شيء ما دامت كلمتكم الله أكبر، فأنت قد تكذب لأنك تخاف من إنسان كبير، ففي حياة كل إنسان شخص بإمكانه فيما يبدو أن يفعل وألا يفعل وأن يعطيك أو أن يمنعك، أنت شئت أم أبيت لك حجم محدود، لك حجم مالي محدود، لك حجم في القوة محدود، لك حجم في المراتب الاجتماعية محدود، هناك أقوى منك، هناك أكثر منك مالاً هناك أعظم منك جاهاً، فأنت كلما واجهت من هو أكبر منك، من هو أعظم منك من هو أشد منك قوةً، من هو أبرع منك حيلةً، من هو أسمى منك درجةً في العلم، وقلت الله أكبر فأنت اتجهت إلى من هو أكبر منه.
وقف مرةً رجل بين يدي الحجاج وكان مُقدِماً على قتله، فقال هذا الرجل: أيها الأمير ؛ أسألك بالذي أنت بين يديه أذلَّ مني بين يديك، وهو على عقابك أقدرُ منك على عقابي.
يعني لا يكبر في نفسك شيء مادامت كلمة " الله أكبر " هي الأكبر أحياناً المرض يَكبُر، فإذا قلت الله أكبر، يعني الله قادر على شفائك التام من هذا المرض، أحياناً عدوك يكبر، تقول لا نستطيع مواجهته، فإذا قلت الله أكبر صَغُرَ هذا العدو، وإذا قلت الله أكبر صَغُرَ هذا المرض، وإذا قلت الله أكبر فإن حيلَة خصمك المحكَمة تخفق، لذلك أنت معك سلاح لو عرفت قيمته لكنت في أعلى عليين، ولكن البلاء يكمن في أننا نردد بعض الكلمات، ولسنا في مستوى مضمونها ؛ تقوىً ويقيناً بل لقولها جوفاء مفرغة من مضمونها.
الكبير والمتكبر والأكبر والكبرياء، كل هذه الأسماء وردت مشتقّة من اسم الكبير، المعنى الأول المتبادر لاسم الكبير أنه في مقابلة الصغير هذا شيء صغير وهذا شيء كبير، وهذا أكبر إلى آخره، جبل قاسيون جبل، لكنك إذا وازنته بجبل الشيخ فجبل الشيخ أكبر، وإذا وازنت جبل الشيخ بجبال الألب، فجبال الألب أكبر، وإذا وازنت جبال الألب بجبال الهملايا فجبال الهملايا أكبر.
الكبير يقابله الصغير.. إنسان ضارب آلة كاتبة في دائرة لابأس به فهو موظف، لكن أمام المدير العام هو صغير، والمدير العام أمام الوزير هو صغير، هناك مراتب في السُلطة، يوجد موظف عنده صلاحيات وموظف صلاحياته أكبر، معلم الصف أمام المدير صغير، مدير المدرسة أمام مدير التربية صغير، لأنَّ مدير التربية يُسيطر على محافظة بأكملها ومدير التربية أمام وزير التربية صغير، الكبير ما يُقابل الصغير.
إنسان يملك مائة ألف، أمام صاحب المليون صغير، ومبلغ المليون أمام المائة مليون صغير، ومبلغ مائة المليون أمام الألف مليون صغير، فالكبير ما قابله الصغير، هذا هوالمعنى الأول، لكن لا يستقيم هذا المعنى في ذات الله عز وجل، لأنَّ الله عز وجل تعالى عن المقدار والحجمية، ليس له مقدار وليس له حجم، الله مُنزّه عن أن يكون له حيز أو جهة أو مقدار أو حجم ؛ ليس بمتجزِّئ ولا مُتبعِّض ولا بِمُتناهٍ وكل ما خطر ببالك فالله بِخلاف ذلك.
إذاً: ما معنى الكبير في حق الله عز وجل، قالوا: هناك الكبير في الدرجات العقلية فمثلاً قد تلتقط صورة لمجموعة أشخاص، وقد يكون أقوى إنسان بهذه الدائرة، أو أقوى إنسان بهذه المجموعة، وزنه خمسة وخمسون كيلواً وإلى جانبه معاونه ووزنه مائة وثلاثون كيلواً فأيهما الكبير ؟ الصغير بحجمه هو الكبير، الأقوى يُعين، إذاً عندنا كبير بحسب الحجم وبحسب الوزن وعندنا كبير بحسب القوة وبحسب العلم، فربنا عز وجل إذا قلنا كبير تعالى عن أن يكون له حيز أو حجم أو مقدار، لكنَّ الله سبحانه وتعالى في الدرجات العقلية هو الكبير.
الحق من زاوية هذا الاسم هو أكمل الموجودات وأشرفها، الذات الكاملة هو الكبير، يقول لك قائل: هذا كبير القوم، يعني أوجه شخص في القوم.
المعنى الثاني لكلمة كبير: يعني كبير بمعنى أنه كَبُرَ عن مشابهة المخلوقات، يعني الله عز وجل أكبر من أن يشبه خلقه، وأكبر من أن يشبهه أحد من خَلْقه، كل ما يخطُر ببالك فالله بِخلاف ذلك، كلمة كبير في حق الله عز وجل أنه ليس كمثله شيء، هو أكبر من ذلك.
حينما صوروا بعض قصص الأنبياء لم يتمكنوا من أن يأتوا برجل ويجعلونه نبياً، فليس هناك فتوى أساساً تجيز ذلك، لماذا ؟ لأنَّ النبي عليه الصلاة والسلام أكبر وأعظم من أن يأتي إنسان ويمثل دوره، لذلك لا يمكن أن يظهر النبي في عمل فني، لأنَّ الذي سيُمثلُه إنسان عادي والنبي أكبر من ذلك وأعظم من ذلك، هنا معنى الكبير يعني مُنزّه عن أن يُشبه خلقه.
أما الأكبر ؛ يعني أن الله عز وجل هو أكبر من كل خلقه، وهنا شيءٌ بديهي، لكنَّ الإنسان قد يتجه إلى بعض المخلوقين تعظيماً لهم، فإذا أخبرناهم أن الله أكبر من هذا الذي تعبدونه أو تعظمونه من دون الله فليس القصد أن نقيم موازنة بين الله وبين خلقه، ولكن القصد أن نصرف هذا الإنسان عن الشرك إلى التوحيد، وعن الاتجاه إلى ما سِوى الله ونصرفه فقط إلى الاتجاه إلى الله عزَّ وجل وأن كل مَنْ دونه لا يقارن به فإذا ذكرنا معنى الكبير من هذه الزاوية فلِكيْ نُوحّد الله ولا نُشرك به شيئاً.
لكنَّ المعنى الآخر، كلمة الأكبر، يعني أكبر مما عرفت، مهما تعرّفت إلى الله عز وجل فهو أكبر مما تظن، مهما تخيّلت قدرة الله عز وجل فهي أكبر مما تخيلت، مهما تصورت رحمة الله عز وجل فهو أكبر رحمة مما عرفت، هذه كلمة " الله أكبر ".
لذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم سنَّ للمصلي أن يقول الله أكبر أيْ إذا أردت أن تصلي وساورتك وساوس وانشغلت بها، فإلى أين أنت ذاهب ؟ الله أكبر، فمثلاً إذا الإنسان ـ فرضاً من باب التمثيل ـ دخل إلى غرفة وزير، فإنّ رفعةَ منصبه، وكِبَرَ شأنه يدعو مَن عنده إلى النظر إليه لا إلى سِواه، أي أنه قلَّ ما تجد إنساناً في حضرة عظيم يتشاغل عنه بسبحة أو بجريدة أو بحاجة، أو بنظر إلى أطراف الغرفة، لكنَ الذي هو معروف أنك إذا كنت في حضرة إنسان له قيمة فلا بُدَّ أن تتجه إليه، فهذا معنى القول: " الله أكبر " أي اتجه إلى الله عز وجل، والمعنى الأدق من ذلك أكبر مما عرفت، يعني كلما تعرفّت إلى الله فهو أكبر، وهو أعظم.
قال العلماء: " حظ العبد من هذا الاسم أن يُجالس العلماء، ويُصاحب الحكماء ويُخالط الكبراء ".
هُنا الدِقة، أنت إنسانٌ لك شخصية، هذه الشخصية لها خصائص لك علم، لك مشاعر، لك خبرات، لك ذكريات، لك تجارب فإذا صاحبت من هو دونك فهذا شيء، وإذا صاحبت من هو في مستواك فذاك شيء آخر، وإذا صاحبت من هو فوقك فذلك شيء ثالث.
التوجيه ؛ " جالس العلماء، وصاحب الحكماء، وخالط الكبراء ".
لماذا لتقتبس منهم.. يعني أنت إذا صاحبت من هو في مستواك ليس في إمكانك أن تستفيد منه، وليس في إمكانه أن يستفيد منك، ندٌ لِنِدْ، لذلك ففي البلاغة عندنا دعاءٌ، وعندنا التماس، وعندنا أمرٌ، فالدعاء يأتي بصيغة أمر، والالتماس يأتي بصيغة أمر، والأمر أمر أيضاً، لكن إذا توجه الأمر من صغير إلى كبير فهو الدعاء، وإذا توجه الأمر من شخص إلى نِدّه فهو الالتماس، وإذا توجه الأمر من كبير إلى صغير فهو الأمر، فأنت إذا صاحبت من هو في مستواك يمكن أن تُمضي معه وقتاً ممتعاً ولكن ربما لن تستفيد منه شيئاً، تستمتع في الجلوس معه دون أن تستفيد منه، لأنه في مستواك وأنت في مستواه، خبراتكما مشتركة، معلوماتكما مشتركة لكنك إذا صاحبت مَن هو فوقك في العلم أو في المعرفة أو في القدر أو في الكمال، أو في الخبرة في الحياة، تستفيد منه، ما دام الإنسان مجبولاً على حُب العظيم أو حُب الكبير، إذاً عليك أن تُصاحب من تراه ثقةً وأهلاً لصحبتك فتستفيد من علمه تارةً، ومن أدبه تارةً، ومن خبرته تارةً، ومن أسلوبه في الخطاب تارةً أخرى، هذِهِ بعض التوجيهات بالنسبة لحظ العبد من هذا الاسم.
وقال المحققون: العلماءُ على ثلاثة أقسام ؛ العلماء بأحكام الله فقط فقيه متفوّق بالفِقه، فأيُّ سؤالٍ طرحته عليه، يحبْك لقد ورد في حاشية كذا وفي المصنف الفلاني وفي الكتاب العلاني، مَعَ الحكم الشرعي لهذا السؤال هذا اسمه عالم بأحكام شرع الله فقط، إذاً هؤلاء العُلماء هم أصحاب الفتوى، إذا أردت أن تستفتي في شيء فاذهب إليهم، لأنهم متفوقون في معرفة أحكام الشريعة.
وهناك علماء بذات الله تعالى فقط، يَعرف الله عز وجل ويعرف أسماءه الحُسنى، يعرف صفاته الفُضلى، يعرف عَظَمَةَ الله عزَّ وجل مُستقيمٌ على أمره، مُقبلٌ عليه، فهؤلاء الذين عَلِموا ذات الله فقط هم الحُكماء، إذاً هناك عُلماء وهناك حُكماء، ولقد سبق أن قلت: من ازداد علماً ولم يزدَدْ هُدىً لم يزدد من الله إلا بُعداً، يعني نمى علمه الشرعي ولم تنمُ معرفته بالله عز وجل، ولم تَرقَ عبادته إلى المستوى المطلوب فقصّرَ في معرفة الله، وفي طاعته وتفوق في الأحكام الشرعية، من ازداد علماً ولم يزدد هدىً لم يزدد من الله إلا بُعداً. لابُدَّ من أن تتحرك على خطين اثنين، على خط معرفة الله ومعرفة أمره، وما أكثر ما ذكرت وكررت وأنا أتحدّث أو أكتب في هذا الموضوع، هناك عالِمٌ بالله، وهناك عالِمٌ بأمره، وهناك عالِمٌ بخلقه.
أما العلماء بخلق الله عز وجل فهم العلماء المشهورون في الفيزياء وفي الكيمياء والرياضيات والفلك والتاريخ وعِلم النفس وعِلم الاجتماع وفي هذه العلوم البحتة كالرياضيات التطبيقية كالكيماء العضوية وما إلى ذالك.
العِلمُ بخلق الله شيء، والعِلمُ بالله شيء، والعِلمُ بأمره شيء وعلامة العِلمُ بأمره أنك تُجيب عن أيّ سؤال مُتعلّق بأمره، وأما العِلمُ بذاته فعلامته طاعتك له، حينما تعصي الله عز وجل فأنت لا تعرفه.منقول