المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خَلْقُ الله عز وجل لأفعال العباد



الفرصة الأخيرة
07-21-2006, 06:22 PM
((خَلْقُ الله عز وجل لأفعال العباد))

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله .. وبعد؛

أجمع أهلُ السنة والجماعة على ما دلَّتْ عليه آياتُ القرآن الكريم .. وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على أن الله عز وجل هو خالقُ أفعال العباد .. وهذا هو الحق الذي يتمشى مع إفراد الله عز وجل بالخلق والأمر .. فلا خالق سواه .. ولا رب غيره سبحانه وتعالى.

فإِنْ قيل: وكيف يكتب الله عز وجل على الناس الشر والمعصية؟ أليس هذا جبرًا لهم على ما لا يريدون؟ ثم كيف يعذبهم على ما أراده بهم؟
فالجواب على ذلك: بأن هذا القول هو قول الجبريَّة الضُّلال .. الذين يعتقدون أن الله عز وجل قد جبر عباده وأرغمهم على أفعالهم وأن العباد لا إرادة لهم في أفعالهم .. يريدون أن الله قد سلب إرادتهم وجبرهم على ما يشاء هو سبحانه وتعالى..

وقول الجبرية هذا كلامٌ مغلوطٌ .. وسوء ظنٍّ بالله عز وجل ..
وحاشى لله من هذا القول الشنيع

وقد تواترت الآيات والأحاديث .. وتواطأت النصوص الشرعية .. والبراهين العقلية على أنه سبحانه أعدل الخلق وأحكم الخلق .. إذا أراد شيئًا إنما يقول له كن فيكون .. لا رادَّ لقضائه .. ولا شريك له في حكمه.
وأنه سبحانه وتعالى لا يجبر أحدًا من خلقه على معصيةٍ .. ولا يريدها من عباده .. وإنما خلق الشر والمعاصي ليتم الابتلاء .. ويُعْلم الصادق من الكاذب .. المطيع من العاصي.. فيجزي الله عز وجل المطيع على اختياره الطاعة خير الثواب .. كما يجازي العاصي على اختياره المعصية.

فالخلق غير الإرادة.
الخلق شيءٌ والإرادة شيءٌ آخر.
وإنما ضلَّتِ الجبرية حين خلطتْ بين الأمرين.
ولو كان مجرد الخلق كافيا للدلالة على الإرادة لم يكن للرسل فائدة.
وإنما جاءت الرسل لتبلغ للناس إرادة الله عز وجل بهم .. وما يريده منهم .. ولهذا لم يكن الحساب على مجرد الخلق.
فلا يحاسب الله عز وجل الإنسان بمجرد خلقه له وكفى .. وإنما حاسبه بناءً على إرادته منه الطاعة وابتلائه بإيجاد الشيء ونقيضه .. الخير والشر .. ثم أمر الله عز وجل الإنسان وأراد منه أن يتبع الخير.
ولو لم يخلق سوى الخير وفقط لم تكن ثمة فائدة من إرسال الرسل وإنزال الكتب وخلق الجنة والنار وخلق إبليس والشيطان.
وهذا لا يليق أبدا بعدل الله وقضائه وتفريقه بين عباده بناءً على اختياراتهم هم وإرادتهم هم لا بناء على مجرد خلقه لهم.
ونحن نرى جميع الطلاب في المدارس توفر لهم المدرسة كافة ما يلزم من كتب وأماكن دراسة ومدرسين وشروحات ولا تكتفي بهذا .. ولا تجعل من هذا التوفير سبيلا لإسعاد بعضهم بتعيينه في وظيفة كذا أو سبيلا لعقاب آخرين بطردهم من المدرسة مثلا.
وإنما تضع الاختبارات النهائية في آخر العام أو غيره بحيث يظهر من هذه الاختبارات التي هي بمثابة ابتلاء (اختبار) للطلبة جميعا ليظهر منها الجاد الذكي النابه المستحق للنجاح .. كما يظهر الفاشل الغبي المستحق للطرد من المدرسة ليوفر مكانه لغيره من الجادين.
مجرد توفير المدرسة بمحتوياتها لم يكفِ لمعرفة الذكي من الغبي أو الجاد من الفاشل.
كذلك الحال فإن قضية خلق الله عز وجل للخير والشر تنتهي عند خلقهما ولا يُبْنَى عليها ثوابٌ أو عقابٌ.. وإنما الثواب والعقاب يأتي بعد الابتلاء الذي هو الاختبار للناس كافة.
ولا يكون الاختبار والابتلاء إلا بعد إقامة الحجة كما قال الله عز وجل: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِيْنَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}.
فيرسل الله رسله وينزل كتبه لإبلاغ الناس بإرادته منهم .. أن اعملوا صالحًا أيها الناس .. اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت .. اتبعوا ما أنزل الله ولا تتبعوا سبل الشيطان ووعوده الكاذبة.
هذه هي إرادة الله عز وجل من عباده .. وهي كما نرى قضية أخرى تماما غير قضية الخلق المجرد (وهذا ما لم تفهمه الجبرية والقدرية الضالة).
وهنا يأتي الثواب والعقاب .. من أطاع فلنفسه .. ومن عصى فعليها .. بناءً على اختيار العبد لنفسه .. بعد أن يأمره الله عز وجل وينهاه .. ويبلغه إرادته منه عن طريق رسل الله وكتبه.

فإن قيل: نفهم من كلامك أن للعبد اختيار وإرادة من كسبه هو؟
فالجواب: نعم للعبد اختيار وإرادة من كسبه هو .. وهل محل الثواب والعقاب.. وعليها يكون الجزاء .. إن خيرا فخير .. وإن شرًّا فشر.. وقد سبق أن الله عز وجل لا يعذب أحدا إلا بعد إقامة الحجة عليه .. وإقامة الحجة تستلزم وجود إرادة لدى الإنسان يختار بها هذه الحجة .. وقد قرر سبحانه وتعالى هذا المعنى في آياتٍ كثيراتٍ .. كما قررته السنة النبوية .. وتواطأت النصوص كلها على إضافة إرادة العبد وكسبه لنفسه .. وأنه يجازى على اختياره هو .. ولو لم يكن العبد مختارًا لما طلب الله عز وجل منه الطاعة .. ولا نهاه عن المعصية.
ونحن نرى قوانين الدول بأكملها توضع للناس وتنشر فيهم .. من فعل كذا عوقب بكذا .. وللناس أن تختار لأنفسها .. ومن اختار الخروج على القانون وارتكاب الجرائم عوقب بعد ذلك بالعقوبة المقررة بناء على اختياره هو لا بناء على مجرد وجود العقوبة أو القانون.
فالعقوبة موجودة من زمن .. والقانون موجود .. ومع هذا لم تحل العقوبة بفلان من الناس إلا حينما اختار بنفسه ارتكاب جريمة كذا فعوقب بعقوبتها.
فلدينا هنا عقوبة .. وجريمة بأسبابها .. وإرادة.
والعقوبة لا تأتِ إلا بعد الإرادة .. ووجود الجريمة لا يستلزم منه العقوبة أبدا كما ترى.
كذلك الحال (ولله المثل الأعلى) عندنا .. خير وشر .. ووجودهم لا يعني الثواب أو العقوبة .. وإنما يأتي الثواب على عمل الخير .. وتأتي العقوبة على عمل الشر .. بناء على إرادة الإنسان لعمل هذا أو ذاك.

فإن قيل: فهل يعني وجود الإرادة في الإنسان أنه هو الذي خلقها في نفسه؟
فالجواب على ذلك: أن هذا هو قول القدرية الضلال الذين جعلوا مع الله إلهًا آخر فخالفوا الجبرية الضلال أيضًا فقالت الجبرية: الإنسان مجبر ومسلوب الإرادة .. فخالفتهم القدرية فقالت: بل الإنسان مريد ولكن القدرية زادت على ذلك فجعلت الإنسان هو خالق إرادته .. فجعلته بهذا شريكا لله عز وجل في الخلق.
وقول الجبرية والقدرية هو أفسد الأقوال ولا يمت للصواب بصلة .. وقد ذكرنا الصواب في ذلك آنفًا ولنذكر هنا الجواب على السؤال الحالي وهو: هل يعني وجود الإرادة في الإنسان أنه هو الذي خلقها في نفسه؟
والجواب على ذلك بالنفي لأن الإنسان مخلوقٌ كله .. روحه وجسمه وإرادته وأفعاله .. ولا يمكن للمخلوق أن يكون خالقًا أبدا .. فلا يمكن أن يقال: إن بعض الإنسان بشر وبعضه إله .. فهذا هو قول النصارى في عيسى عليه السلام .. وهو قولٌ باطلٌ وزور.
وقد دلَّتِ الآيات والأحاديث على أن الله عز وجل هو خالق كل شيء .. وأنه لا يقع في ملكه إلا ما يشاء سبحانه وتعالى .. والإنسان كله من مُلْكِ الله عز وجل .. روح الإنسان وجسمه وأفعاله وإرادته كلها من مُلْك الله .. فإرادة الإنسان مخلوقة .. خلقها الله فيه .. وجعله الله قادرًا على إرادة الأشياء .. ثم أعطاه سبحانه وتعالى القدرة على فعل الأشياء التي يريدها .. كل هذا أوجده الله عز وجل في الإنسان وخلقه فيه.. ولكن لا يلزم من وجود ذلك وخلقه في الإنسان أن يعاقب أو يجازى عليه.
وإنما يجازى الإنسان بناء على استخدامه هذه الإرادة وهذه القدرة التي وهبها الله له .. فإن أراد الإنسان الخير واستخدام ما وهبه الله له من قدرة على فعله في عمل الخير .. أثابه الله على ذلك .. وإن أراد الشر وفعله باختياره هو عاقبه الله عز وجل على اختياره هذا.
فالثواب والعقاب كما نرى ليسا على وجود القدرة لدى الإنسان على إرادة الأشياء وفعلها .. وإنما هي على كسبه واختياره هو في توجيه هذه الإرادة وهذه القدرة على عمل الخير أو الشر.
ومن هنا نفهم مسألة كون مشيئة العبد وإرادته وأنها تحت مشيئة الله عز وجل وإرادته .. فلا يشاء العبد شيئًا ولا يريد أمرًا إلا بعد أن يخلق الله عز وجل له المشيئة والإرادة التي من خلالها يقدر العبد على أن يشاء أو يريد أمرا ما .. ويترك الله عز وجل له حرية الإرادة والمشيئة هنا يختار ويشاء ما يريد .. من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .. كما قررت النصوص القرآنية والنبوية في هذا الموضوع.
ولهذا يقول سبحانه وتعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} [الإِنسان: 30].

فإن قيل: ولكن الله عز وجل كتب على بعض الناس النار وعلى آخرين الجنة قبل موتهم كما ورد ذلك في بعض النصوص؟ فأين الاختيار الذي تتحدث عنه؟
فالجواب على هذا: أن الله عز وجل كتب الجنة والنار على الناس بناءً على سابق علمه لا بناء على جبره لهم أو تقديره ذلك عليهم حتمًا منه بغير اختيار منهم .. وإنما كتبه سبحانه بناء على أنه يعلم ما في كونه .. لأنه ما يكون في كون الله عز وجل من شيءٍ إلا وهو يعلمه قبل أن يكون .. وبناء على هذا كتب الله عز وجل ما عَلِمَ أن العباد سيختارونه برغبتهم .. فكتب عليهم أعمالهم التي سيختارونها هم بناء على علمه بما سيفعلونه باختيارهم.
وهذا معنى أنه لم يكن ولن يكون في الكون إلا ما يعلمه الله عز وجل .. وأنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة ..
وقد تبرأ الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما من هؤلاء القدرية الذين يقولون: إن الأمر أُنُف .. يعني أن الله عز وجل لا يعلم ما يحدث إلا بعد حدوثه .. فتبرأ منهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في قصته التي في أوائل ((صحيح الإمام مسلم رحمه الله)) ..
وحَقٌّ على كل مسلمٍ أن يتبرأ من قول القدرية الشنيع في أن الله عز وجل لا يعلم الأمور إلا بعد حدوثها بل الله عز وجل يعلم ما كان وما يكون الآن وما سيكون في غدٍ إلى أن يشاء الله عز وجل بطلاقة علمه الذي لا يغيب عنه مثقال ذرةٍ.
وهذا هو سبب خلط القدرية في هذا الباب .. وقد تشابهت بعض أقوالهم مع النصارى .. كما تشابهت بعض أقوالهم مع المجوس لعنة الله عليهم.

وأختم كلامي بما ذكره الإمام البيهقي في كتاب ((الاعتقاد)) (237) قال: ((وإنما سموا قدرية لأنهم أثبتوا القدر لأنفسهم ونفوه عن الله سبحانه وتعالى ونفوا عنه خلق أفعالهم وأثبتوه لأنفسهم فصاروا بإضافة بعض الخلق إليه دون بعض مضاهين للمجوس في قولهم بالأصلين النور والظلمة وأن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة)).

وما ذكره العلامة ابن باديس في كتاب ((العقائد الإسلامية)) قال: ((53 - ومن توحيده تعالى في ربوبيته
اعتقاد ان العبد لا يخلق أفعال نفسه فهو كما لم يخلق ذاته ولم يخلق صفات ذاته كذلك لم يخلق أفعاله فهو كله مخلوق لله ذاته وصفاته وأفعاله غير انه له مباشرة لأفعاله باختياره فبذلك كانت أعمالا له وكان مسؤلا عنها ومجازى عليها وتلك المباشرة هي كسبه واكتسابه
فيسمى العبد عاملا وكاسبا ومكتسبا ولا يسمى خالقا
لعموم قوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} {لها ما كسبت وما عليها ما اكتسبت} {فمَن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}.
54 - ومن توحيده تعالى في ربوبيته
اعتقاد ان العبد لا يخرج في جميع تصرفاته عن مشيئة الله غير انه له اختيارا يجده بالضرورة من نفسه ومشيئة يجدها كذلك فيما يمكنه من أفعاله كان بهما مكلفا ثم هو لا يخرج بها عن مشيئة الله
لقوله تعالى: { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما} {وما تشاؤون الا ان يشاء الله رب العالمين}
وقوله تعالى: {ولو اننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله} {ولو شاء ربك ما فعلوه} {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا} {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر})).


ونسأل الله السلامة من الخذلان.

قرآن الفجر
07-28-2006, 09:51 PM
هؤلاء ينطبق عليهم قول الله تعالى: "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ"
جزاك الله خيراً

الفرصة الأخيرة
08-23-2006, 05:00 PM
وجزاكم الله خيرا وشكرا على المرور والإفادة
ودمتم سعداء :emrose:

حيادي
10-03-2010, 12:56 PM
قلت:


روح الإنسان وجسمه وأفعاله وإرادته كلها من مُلْك الله .. فإرادة الإنسان مخلوقة .. خلقها الله فيه .. وجعله الله قادرًا على إرادة الأشياء .. ثم أعطاه سبحانه وتعالى القدرة على فعل الأشياء التي يريدها .. كل هذا أوجده الله عز وجل في الإنسان وخلقه فيه.. ولكن لا يلزم من وجود ذلك وخلقه في الإنسان أن يعاقب أو يجازى عليه.


ثم قلت:


وإنما يجازى الإنسان بناء على استخدامه هذه الإرادة وهذه القدرة التي وهبها الله له .. فإن أراد الإنسان الخير واستخدام ما وهبه الله له من قدرة على فعله في عمل الخير .. أثابه الله على ذلك .. وإن أراد الشر وفعله باختياره هو عاقبه الله عز وجل على اختياره هذا.

تلخيصي:

(1) الله تعالى خلق إرادة للعبد يستطيع بها إرادة الأشياء ، وخلق له قدرة يستطيع بها فعل الأشياء. وليس العقاب والجزاء على هذا.

(2) الإنسان يستخدم هذه الإرادة والقدرة في الخير أو الشر، وعليه يكون الجزاء والعقاب .

السؤال:
هذا الاستخدام طبعاً هو ليس خلقاً ، , وإنما يسمى اختيار أو ميل فيما أعتقد.
إذن هذا الاستخدام هل العبد مستقل به أم لا، هل الله خلق للعبد إرادة وقدرة والعبد مال بهما أو اختار بهما شيئاً ( خير أو شر ) فخلق الله ذلك الشيء، فكان الأمر كالتالي:
- الإرادة والقدرة مخلوقة لله .
- الميل والاختيار بهما مختص بالعبد فقط.
- الفعل الناتج عن ميل العبد واختياره مخلوق لله.

هل هذا صحيح أم أن ميل العبد واختياره أيضاً مخلوق لله ؟

أمَة الرحمن
10-03-2010, 01:26 PM
أخي حيادي،

فضلاً لا أمراً اقرأ هذا الموضوع المهم بتركيز و تأنّ لأنك بإذن الله ستجد فيه الإجابة الشافية الكافية لأسئلتك:

درء تعارض الخلق و التخيير

http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=6205

أمَة الرحمن
10-03-2010, 01:30 PM
اقرأ هذه الجزئية:

وأشهر سفسطاتهم قولهم : (إذا اختارت النفس أمراً هذا لأنها تميل إليه. فهل اختارت ميلانها ورجحانها هذا؟ وان كانت قد اختارته فهل سبقه رجحان آخر, وهذا الأخير هل سبقه آخر ... وهكذا إلى ما لانهاية؟)

ثم يستنتجون ( إن اختيار النفس للكفر والإيمان يتوقف على أصل طبيعتها التي خلقها الله, وهذا إجبار. )

أين الخطأ في هذا التحليل؟

هل خالف ظاهرياً القواعد التي يستعملها العقل؟

لا. إذاً أين الخطأ؟

الخطأ ثلاثي:

1- كذب على نفسه إذ ادعى ما يناقض حقيقته كعاقل حر.

2- ثم افترض أن الله غير قادر على خلق قوة حرة.

3- ثم شطح بعقله، وكما سبق ذكره [u]العقل مجاله التحليل الجبري وهو حبيسه، لأنه لا توجد قاعدة عقلية تنقلك من مقدمة إلى نتيجة حتمية دون استعمال أدوات جبرية. وكل من يحاول تحليل ظاهرة التخيير ليس أمامه سوى طريقين: إما أن يخرج بعقله عن حدوده باستغنائه عن التحليل الجبري, ومتى فعل ذلك لا يؤخذ بكلامه (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ). أو يُدخل ظاهرة التخيير في عالم الجبر وبالتالي - من حيث لا يدري - يفترض في المقدمة ما يحاول إثباته في النتيجة بأن النفس مُسيرة. وهذا خطأ منطقي وهنا أيضاً لا يؤخذ بكلامه.

أمَة الرحمن
10-03-2010, 01:38 PM
و هذه:

كل من يقول ( لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا) يدعي انه مسير بحجة خلق الله لحريته أو بحجة القدر (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا) ولو كان لهم علم لأخبرونا على الأقل بحقيقة ظاهرة التخيير.

وهذا محال لان التحليل العقلي مُقتصر فقط على قواعد جبرية، فهي لا تطال سوى الجواهر الخاضعة لنظام جبري.

وسمي علم الجبر جبراً لأنه خال من الظن، ولأن به نتتبع حتمية تسلسل الاستدلال إلى أن نصل إلى النتيجة الحتمية - وكل ذلك دون استشارة الجوهر محل الدراسة - وهذا يعني انك وصلت إلى نتيجة حتمية متعلقة بأفعال جوهر لم تُخيره.

فان حاولت استعمال علم الكلام مثلاً لتحليل كيفية رجحان النفس إلى ما تختار, بذلك تنفي ضمناً حرية النفس لأنك أدخلتها في نظام جبري ليس فيه تخيير.

وهذا هو الخطأ الفادح الذي يسقط فيه الكثير، لأن العقل متى تخطى حدود الجبر أصبح كلامه ظناً ( إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ).

إذاً الإنسان بعقله وإدراكه يمكنه فقط إدراك وجود ظاهرة التخيير لكنه عاجز عن إدراك حقيقتها وكيفية عملها, فوجد البعض حلاً سفسطائياً: أدخلوا ظاهرة التخيير في عالم الجبر ثم صاحوا قائلين انظروا : (التخيير أصبح جبراً ولذلك فالإنسان مسير)!!!

حيادي
10-03-2010, 03:33 PM
أشكرك أختي .

قرأت الجميع وبتأمل . لا أستبعد أن تكون إجابة أسئلتي في هذا الكلام الطيب.
لكن لأكون صادقاً معك فإنني لم أطمئن إلى جواب كاف.
لعل في الإجابة المباشرة على أسئلتي تجلية للصورة بشكل واضح بالنسبة لي.
أرجو أن لا أكون ثقيلاً لكن من يصبر معي فهو يهديني وينقذني .

أنا مؤمن بأن الإنسان مختار وليس مجبراً.
لكن أعتقد أن هناك تناقض عندما نؤمن بأن الإنسان مختار ثم نعتقد أن الله هو من يخلق اختياره ثم يخلق فعله ( إذا كان الاختيار غير الفعل )
لا أخفيك والقراء أنني قد أستوعب بشكل كبير أن يكون للعبد إرادة وقدرة مخلوقة
وهذه القدرة لها أثر معين في فعل العبد ثم الله هو من يوجد الفعل ويخلقه.
لكن ما هو هذا الأثر المعين؟
هل هو الميل والاختيار لفعل الشيء أو تركه؟ جيد
فهل هذا الميل والاختيار هو خلق الله أيضاً بدون تأثير من العبد أم كيف ؟
أم هو فعل العبد فقط ؟

أرجو من كل من وهبه الله العلم أن ينير بصيرتي في هذه المسألة.

أمَة الرحمن
10-03-2010, 03:54 PM
لا عليك، أخي الكريم.

أبشر، فبإذن الله ستجد الإجابة، و بإمكانك إعادة قراءة المشاركة رقم 6 حتى تتضح الصورة في ذهنك.

لو بقي في ذهنك سؤال بعد قراءة المقال بتركيز وتأنّ فحاول مراسلة كاتب المقال الأخ عبد الواحد، فهو خير طالب علم ينفعك في هذه المسألة.

مجرّد إنسان
10-03-2010, 05:58 PM
أحسب أن إجابة سؤالك ستجده في كلام الأستاذ ناصر الشريعة:




اقتباس:
ما معنى أن الله تعالى يشاء المعصية من العباد؟

معناه أن الله يريدها كونا، فيخلقها، فلا خالق إلا الله، ولا يوجد في ملك الله ما هو خارج عن خلق الله ومشيئته الكونية.



اقتباس:
وهل مشيئته للمعصية من العبد نافذة أم لا؟

المشيئة الكونية يلزم منها وجود المراد سواء كان خيرا أو شرا، ولكن وجود الخير والشر في أفعال العباد لا ينفي اختيارهم لها.



اقتباس:
وهل لمشيئته تعالى للمعصية من العبد أثر على حرية العبد في الاختيار؟

مشيئة الله تعالى لا تنفي حرية العبد، لأن الله شاء أن يجعل للعبد مشيئة يختار بها أفعاله، ولهذا كان القدر من سر القدرة، فإن الله بكمال قدرته جعل للعبد مشيئة وإرادة حرة مع ثبوت مشيئة الله تعالى لكل ما في الكون.



اقتباس:
ولماذا احتج الكفار بأن الله تعالى لو شاء ما أشركوا لو كانت مشيئة الله تتعلق بالمعاصي والشرك فعلاً؟

الكفار احتجوا على الاستمرار في المعصية بالقدر الذي هو مغيب عليهم، والاحتجاج بالقدر إنما يكون في الصبر عند المصائب لا في الاستمرار على المعاصي والمعايب التي لم يتب منها الإنسان، وهذا فرق مهم جدا، فالقدر يحتج به في المصائب لا المعايب، كما احتج آدم على موسى بأن الله قد قدر عليه الخروج من الجنة، وتلك مصيبة، كما أن آدم قد تاب من مخالفة النهي.
بينما المشركون يحتجون بقدر مغيب عليهم ليكفروا بالله تعالى، ولهذا أنكر الله عليهم قولهم فقال تعالى: { قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}

ولهذا لو قتل قاتل ثم احتج بأن الله قدر عليه ذلك، فلا ننكر أن كل ذلك قدر من الله، ولكن القدر لا ينافي حرية العبد في اختياره، ولهذا لا يتنافى القدر مع إثابة الطائع ومعاقبة العاصي.


اقتباس:
وما الذي أخطأ فيه المعتزلة عندما نفوا أن يكون الله تعالى لا يشاء المعصية ؟ مع أنهم يقولون أنه شاء للعبد أن يكون مريداً مختاراً للمعصية أو الطاعة؟ هل ثمّت فرق جوهري بين الرأيين؟

نعم هناك فرق جوهري، وهو أن المعتزلة لم يفرقوا بين الإرادة الشرعية والكونية، فجعلوا المعاصي والكفر حاصلة بغير مشيئة الله تعالى، وجعلوا العاصي خالقا لفعله، فأنكروا أمران:
الأول: مشيئة الله الكونية
الثاني: خلق الله لأفعال العباد.
فلزمهم على ذلك أن الله يعصى قهرا، وأنه يوجد في ملكه ما لا يملكه ولا يشاؤه ولا يخلقه!!!



اقتباس:
وإذا كان للعبد مشيئة واختيار، أفليس تلك المشيئة والاختيار هي تابعة لمشيئة الله واختياره، فما الذي استقل به العبد حتى استوجب الثواب والعقاب؟

تبعية مشيئة العبد لمشيئة الله تعالى ليست تبعية إكراه، وإنما شاء الله بقدرته أن يجعل حرية العبد في اختياره تابعا لمشيئته سبحانه، ولا يلزم على ذلك أن يفعل العبد ما لا يريده، بل إذا انتفى الاختيار عند العبد سقط الثواب والعقاب.
وأما كيفية قدرة الله تعالى على جعل مشيئة العبد غير خارجة عن مشيئة الله تعالى فهي كيفية لا نعلمها، وهي من كمال قدرة الله تعالى، ولهذا كان هناك فرق بين دراسة موضوع القدر، وبين الخوض البدعي في القدر الذي منه طلب تكييف قدرة الله تعالى ومشيئته في قدره وقضائه.

وكما لا يجوز تكييف ذات الله تعالى أو صفة من صفاته أو فعل من أفعاله، فكذلك لا يجوز تكييف قدرة الله تعالى في جعل مشيئة العبد تابعة لمشيئة الرب مع عدم انتفاء اختيار العبد لأفعاله، فإننا نعلم قدرة الله على ذلك، ولكن السؤال عن كيف يكون ذلك سؤال عن غيب وعن تكييف صفة، وما الفائدة من هذا السؤال وما الحاجة إليه بعد أن علمنا يقينا أن الله قادر عليه.

ويكفينا أن نعلم أن الله عز وجل خلق الإنسان وخلق إرادته وقدرته وإدراكه ودواعي الخير والشر، وخلق له ملكا يأمره بالخير، وقرينا من الجن يوسوس له، وأرسل الرسل وأنزل الكتب، فعدل الله بين الناس، ووفق من شاء بفضله إلى طاعته، وخذل من شاء من عباده فوكلهم إلى أنفسهم وما اختاروه من العصيان.

وهذا يدعو العبد إلى أن يقابل نعم الله عليه بالطاعة والشكر، وأن يتبع المعصية بالاستغفار والتوبة، وهذا هو ثمرة البحث في هذه المسائل، فمن لم يستفدها فقد هلك وخسر والعياذ بالله تعالى.

ابو علي الفلسطيني
10-03-2010, 06:06 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرحه على العقيدة الطحاوية:

وهذه المسألة متعلقة بمعنى خلق الله - عز وجل - لفعل العبد، وتحقيق مذهب أهل السنة والجماعة في ذلك.
فقد قلنا: إنَّ الإنسان عَمَلُهُ من خير أو شر يضاف إليه حقيقة، فهو الذي عَمِلَ الخير حقيقة وهو الذي عَمِلَ الشر حقيقة.
ومع ذلك لا يقال: إنه خَلَقَ فعله، بل هو عَمِلَهُ ويُضَافُ إليه لأنه كَسَبَهُ وعَمِلَه.
وأما خَلْقُ الفِعْلِ فالله - عز وجل - هو الذي خَلَقَ سبحانه وتعالى.
وبيان ذلك في الفَرْقْ ما بين أهل السنة والجماعة وما بين مذهب القدرية و المعتزلة وأشباه هؤلاء:
أنَّ العبد كَسَبَ العمل وعَمِلَ العمل حقيقة؛ لأنَّ ذلك العمل نتج عن شيئين فيه من الصفات لا يمكن له أن يُحْدِثَ العَمَلْ إلا بوجود هاتين الصفتين:
فالصّفة الأولى: هي صفة القدرة التامة.
والصّفة الثانية: هي الإرادة الجازمة.
فإذا كان عند العبد قدرة تامة وإرادة جازمة حَصَلَ له الفعل.
تَوَجَّهَتْ قدرته التامة -يعني ليس بعاجز- وإرادته الجازمة -يعني ليس بمتردد- تَوَجَّهَتْ للشيء فعمله.
فيكون الفعل حدث: بقدرة العبد وبإرادته.
1 - بقدرته التامة.
2 - وبإرادته الجازمة.
فالذي تكون قدرته ناقصة لا يُحْدِثْ الفعل.
والذي تكون إرادته مترددة لا يُحْدِثْ الفعل.
مثلاً الإتيان إلى المسجد للصلاة: شخص لا يستطيع أن يأتي إمَّا لمرض أو لغير ذلك فهذا ربما عنده إرادة لكن ليس عنده قدرة، ولذلك لا يحصل منه (الفعل-العمل-الكسب) وهو إتيان المسجد.
آخر عنده قدرة تامة ولكن ليس عنده إرادة البتة ليس عنده إرادة لإتيان المسجد فلا يمكن بالقدرة أن يُحْدِثْ الإتيان.
وقد يكون عنده إرادة لكن عنده تردد، ما جَزَمَ على الإتيان فلا تتحرك جوارحه وآلاته؛ لأنَّ إرادته ليست جازمة.
فإذاً العمل -فعل العبد- عند أهل السنة والجماعة لا يمكن أن يحدث إلا بقدرة تامة وإرادة جازمة.
وقدرة العبد صفة من صفاته لم يُقْدِرْ هو نفسه باتفاق الناس.
وإرادة العبد صفة من صفاته لم يُحْدِثْ- إرادة نفسه ويختار الإرادة يعني أن يكون مريدا بنفسه-، وإنما الله - عز وجل - هو الذي خَلَقَ فيه القدرة وآلات القدرة وخلق فيه الإرادة وله الإرادة ومقتضيات الإرادة.
فإذاً ما نَتَجَ عن خلق الله - عز وجل - في الأمرين فهو مخلوق لله - عز وجل -.
ففعل العبد نتج عن الإرادة والقدرة وهما مخلوقان.
فنتج شيء عن خلق الله - عز وجل -، فإذاً هو مخلوق لله - عز وجل - لأنَّ الله سبحانه وتعالى جعل العمل نتيجة للقدرة والإرادة.
مثل النبات: أنزل الله - عز وجل - من السماء ماءً فأنْبَتَ به أزواجاً من نبات شتى.
الماء نَزَلْ، والأرض موجودة، فبِسَبَبِ الماء وبسبب الأرض خرج النبات.
فهل يقال: إنَّ النبات خلقه الماء والأرض؟
ليس كذلك باتفاق المسلمين، باتفاق الناس، لم؟
لأنَّه نتيجة لنزول الماء الذي هو مخلوق باتفاق القدرية وأهل السنة، ونتيجة لنزول الماء على الأرض والتراب، والتراب والأرض مخلوق باتفاق أهل السنة والجماعة والقدرية والناس جميعاً.
فإذا كان كذلك كان ما ينتج عنهما وهو النبات مخلوق؛ لأنه نتج عن شيئين اجتمعا (الماء والتراب) وما نتج عن مخلوقين فإذاً له نفس الحكم.
إذا تبين ذلك فإذاً نقول أهل السنة والجماعة في تقريرهم في خلق أفعال العباد استدلوا بالآية كما ذكرنا لكم من قبل {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الزمر:62]، وبقوله تعالى {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات:96]، وأيضاً استدلوا بهذه القاعدة وهو أنَّ عمل العبد لا ينتج إلا عن هاتين الصفتين.
لهذا إذا لم يعط الله - عز وجل - العبد القدرة فإنه يرفع عنه التكليف «صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعداً»(1) {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}[النور:61].
وإذا لم يُعْطِهِ الإرادة كأن يكون مجنوناً لا يريد، أو كان صغيراً إرادته لا تتوجه إلى شيءٍ بِجَزْمْ مع عقل فإنه أيضاً يكون التكليف مرفوعاً عنه لأنَّ الفعل لا يتوجه إليه.
الحقيقة إذاً أنَّ العبد ابْتُلِيَ بهذه الصفات التي فيه.
ابتلي بالصفات الجسمانية هذه كلها ومنها صفة القدرة وصفة الإرادة.
إذاً فَتَحَصَّلَ لك أَنَّ معنى خلق أفعال العباد والدليل عليها هو ما ذكرنا من الأدلة من القرآن.
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم «إن الله صانع كل صانع وصنعتِه»(2) يعني صَنَعْ الناس وصَنَعَ أيضاً ما يصنعون.
ولهذا نقول إنَّ الدليل على خلق أفعال العباد واضح من الكتاب والسنة، وأيضاً مما قرّرنا لك من صفات الإنسان وما ينتج عن ذلك من الدليل العقلي.
وثَمَّ بسط كثير في الاستلال على هذه المسألة محله المطولات.
هذه ألفاظ ترد معك في مباحث القدر لا بد أن تعرفها بوضوح ثم بعد ذلك إذا قرأت ما شئت من الكتب في باب القدر ستكون واضحة إن شاء الله تعالى لك. ا.هـ

د. هشام عزمي
10-03-2010, 07:56 PM
سأضرب لك مثالاً يقرب لك المعضلة :
عندما تلد المرأة طفلاً ، فهو ابنها لكنه مخلوقٌ لله تعالى ..
ولا يصح ان يقال إنه ليس ابنها لأنها لم تخلقه ..
بل هو ابنها على وجه الحقيقة ، وهذا الابن مخلوقٌ لله كذلك ..
فلا تعارض بين كونه ابنها ومخلوقٌ في نفس الوقت ..
كذلك فعل العبد الاختياري ، هو فعل العبد حقيقةً ..
لكنه مخلوقٌ لله كذلك ، ولا تعارض ..
وسر عدم التعارض هنا هو انفكاك الجهة ..
بمعنى أنه إذا شرب زيد ففعل الشرب هو من زيد أما خلق الشرب فهو من الله ..
فالله خلق فعل الشرب لكنه لم يشرب ..
وزيد شرب لكنه لم يخلق فعل الشرب ..
فهذه جهة وهذه جهة أخرى ، فلا تعارض ..
والله أعلم وأحكم .

حيادي
10-04-2010, 07:56 AM
بارك الله فيكم
الله المستعان أرجو أن تسامحونني


العبد اختار أن يصلي

عندنا اختيار ، وعندنا صلاة .

الصلاة فعل العبد، وخلق الله تعالى . مفهوم.

لكن ما معنى أنه ( اختار ) ؟
هل الاختيار فعل غير فعل الصلاة ؟
هذا الظاهر والله أعلم.

طيب.

للعبد قدرة مؤثرة في الفعل.
ما هي قدرة العبد التي أثرت في فعل الصلاة؟
هل هي الاختيار والميل لفعل الصلاة أو هي شيء آخر ؟

والاختيار لفعل الصلاة - على فرض انه غير فعل الصلاة نفسه - هل هو خلق الله أيضاً؟
أم هو خلق العبد فقط؟
أم هو خلق الله وللعبد فيه أثر كما له أثر في الفعل ( الصلاة )؟


هل ممكن أجوبة مباشرة على هذا ؟

إلى حب الله
10-04-2010, 09:19 AM
الأخ الحبيب حيادي ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

نحن عندما نقول أن الله تعالى : قادر على خلق أي شيء ..
فنحن لا نعني بذلك فقط : الأشياء المادية !!!..
ولكننا نعني : الأشياء المعنوية أيضا ً!!!..
ودليل ذلك من القرآن كثير : ومنه : الحول بين المرء وقلبه :
" واعلموا أن الله : يحول بين المرء وقلبه " الأنفال 24 ..
----
ومن هنا : فنحن نقول أخي الكريم أن الله عز وجل : قد خلق (حرية الاختيار)
في الجن والإنس : ليكونا بذلك : المخلوقان الوحيدان في الكون الذان باستطاعتهما
العبادة والطاعة : أو العصيان !!.. الكفر والشرك : أو الإيمان !!..
----
وهذا هو سر المنزلة العالية التي وعدها الله تعالى لعباده الصالحين المؤمنين المسلمين !
لأنهم بطاعتهم وإيمانهم وعبادتهم بمحض اختيارهم : تميزوا عن سائر مخلوقات الله عز
وجل : بما فيها حتى الملائكة المجبولين أصلا ًعلى الطاعة وعدم المعصية !!..
ولكن الإنسان مثلا ً:
وبرغم ضعف قدراته الجسمية .. وغلبة النفس والشهوة .. وتعرضه لوسوسة الشيطان :
فقد استطاع ان يستسلم لله عز وجل ...
مع ملاحظة هامة جدا ًأخي الكريم ..
ألا وهي :
أن الله تعالى : لا يزيد في ملكه ان يؤمن الجن والإنس جميعا ً!!.. ولا ينقص كفرهم به
جميعا ًمن ملكه شيء !!!..
فهو العزيز الغني عن خلقه .............
وهو لا ينتظر منهم مدحا ً: فهو الممدوح في ذاته من غير أن يمدحه أحد (ولهذا سمى نفسه
الحميد) .. كما انه المجيد في ذاته : لا ينتظر أن يُمجده أحد (ولهذا سمى نفسه المجيد وهكذا)
-----
وهنا أيضا ً:
يجب الإشارة إلى شيءٍ هام جدا ً.. ألا وهو :
عندما خلق الله تعالى للجن والإنس حرية الاختيار : علِم مُسبقا ًبمَن سيكفر فيهم وبمَن سيؤمن !
" هو الذي خلقكم : فمنكم كافر .. ومنكم مؤمن " التغابن 2 ..
وذلك لأن علمه عز وجل : يتخطى مكنونات النفس وما تخفي الصدور !!..
" يعلم خائنة الأعين : وما تخفي الصدور " غافر 19 ...
ونتيجة هذا العلم المُسبق : كان من المفترض أن يدخل اهل الكفر النار .. وأهل الإيمان الجنة ..
ولكن ذلك :
سيكون فيه قدحا ًلعدل الله عز وجل (وحاشاه) !!..
إذ : كيف يُدخل أ ُناسا ًالنار : بغير عمل ٍاقترفوه بعد !!..
وكيف يُدخل أ ُناسا ًالجنة : بغير عمل ٍاقترفوه بعد !!..
-----
وبرغم ان الله تعالى هو كامل العلم والحكمة والعدل : وأنه :
" لا يُسأل عما يفعل : وهم يُسألون " الانبياء 23 ..
إلا أن كمال عدله : قضى بخلق هذه الحياة الدنيا : ليعمل فيها
كلٌ من المُختارين : بعمله الذي علمه الله مُسبقا ً!!!..
" قـُـل : كلٌ يعمل على شاكلته " الإسراء 84 ..
----
إذا ً: فمعرفة الله تعالى للأشياء مُسبقا ً: وتقديره التام لوقوعها وفق علمه وقدرته :
لا ينفي اختيارية العبد في العمل !!!!..
لأننا نعمل : فيما نجهل !!!..
تماما ًمثلما تخرج من بيتك وتتوقع (وأنت خارج البيت) : بتفاصيل كل ما سيفعله
أبناءك : فيقع تماما ًكما توقعت !!!..
فهل يُقال هنا أنك : أجبرتهم على فعل ما فعلوا ؟!!!...... لا بالطبع ..!
بل : هل يُقال أنك أنت الذي أخبرتهم بان يفعلوا ما فعلوا ؟!!.. أيضا ً: لا بالطبع !
فغاية ما هنالك هو : أنك (علمت بخبرتك) : مكنونات وميول كل ٍمنهم !!!..
ولله المثل الأعلى ...
فإذا كنت أنت أيها الإنسان المحدود الإرادة والعلم : قد أصبت في توقعك (وقد تخطيء أحيانا ً)
فكيف بالله عليك لا يُصيب تقدير الله عز وجل للأشياء في هذا الكون ؟!..
وهو وحده مالك كل شيء !!!..
-----
إذا ً: علم الله تعالى المُسبق : لا ينفي اختيارية العباد في أفعالهم ...
وأما القول بان الله تعالى هو خالق الأفعال : فنعم ..
لانه هو خالق مكونات هذه الافعال كلها ..
بدءا ًمن خلق الغنسان مثلا ًوإرادته الحرة : ومرورا ًبالمواقف التي سيقضي الله
تعالى بها في حياته ولا دخل للإنسان فيها (كالمرض والموت ومحل وزمن الولادة
وشكل الجسد .... إلخ) .. وانتهاءً بتقديرات الامور التي سيتعرض لها الإنسان في
حياته تبعا ًلكل تلك المعطيات !!!..
-----
ومن هنا نفهم الحديث الصحيح التالي للنبي :
فعن (علي) رضي الله عنه قال :
" كنا في جنازة في بقيع الغرقد : فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم .. فقعد وقعدنا
حوله : ومعه مخصرة (عصا) فنكس فجعل ينكت بمخصرته (أي في الأرض)
ثم قال : ما منكم مِن أحد .. ما مِن نفس منفوسة : إلا كــُـتب مكانها من الجنة
والنار !!.. وإلا قد كــُـتب شقية أو سعيدة !!.. فقال رجل : يا رسول الله : أفلا
نتكل على كتابنا : وندع العمل ؟!!.. فمَن كان مِنا من أهل السعادة : فسيصير
إلى عمل أهل السعادة !.. وأما مَن كان منا من أهل الشقاوة : فسيصير إلى عمل
أهل الشقاوة !!.. قال : أما أهل السعادة : فييُسرون لعمل السعادة !!.. وأما أهل
الشقاوة : فييُسرون لعمل الشقاوة : ثم قرأ :
(فأما مَن أعطى واتقى : وصدق بالحسنى : فسنيسره لليسرى .. وأما مَن بخل
واستغنى : وكذب بالحسنى : فسنيسره للعسرى) " ...
رواه البخاري ومسلم وغيرهما ...
-----
وعلى هذا : يجب أن نفهم أن حياة الإنسان وكل ما يمر به منذ ولادته :
هو ورقة امتحان كبيرة : أعدها الله تعالى له : لإظهار مكنون نفسه (كما أعد
الله تعالى لإبليس مثلا ًالأمر بالسجود لآدم : لإظهار مكنون نفسه من المعصية
والكبر والكفر) ....
فميلادك في مجتمع معين .. وفي زمن معين .. وفي دين معين .. وبتكوين جسدي
معين .. ولأب وأم لم تخترهما .... إلخ ..
فكل هذه هي أسئلة قد أعدها الله تعالى لك لتجيب عليها !!!..
فهو سبحانه يعلم الإجابة مسبقا ً(بعلمه وتقديره) ..
في حين أنك لا تعلم الإجابة !!.. ومن هنا كان لزوم العمل !!!...
وأعطاك الله تعالى العقل : الذي تميز به بين الخير والشر .. وبين الصدق
والكذب .. وتحكم به على سائر الأمور .. كما أعطى البشر جميعا ًالفطرة
التي تــُعرفهم التقوى والفجور .. والحسن والقبيح !..
" ونفس وما سواها : فألهمها فجورها : وتقواها " !!.. وعلى هذا :
لا يتبقى لك إلا العمل بكل هذه المعطيات التي يتساوى فيها البشر جميعا ً!
" قد أفلح مَن زكاها .. وقد خاب مَن دساها " !!!...
الشمس 7 : 10 ...
----
وكان يُمكن لأحد الناس أن يصف الله تعالى بالظلم (وحاشاه) : أن خلقه مثلا ً
يهوديا ًأو نصرانيا ًأو بوذيا ً... إلخ ..
وأقول :
كان يُمكن لاعتراضه هذا أن يكون له وجه منطقي (وتعالى الله عن ذلك) :
إذا : إذا رأينا أن (((كل))) مَن ولد يهوديا ً: مات يهودي .. والنصراني :
مات نصراني .. والبوذي : مات بوذيا ً!!!.. وهكذا ...
ولكن المُشاهد هو :
أن عددٌ دائما ًمن كل هذه الاديان والمذاهب وغيرها : يتحولون في كل زمان
ومكان إلى الإسلام !!!!...
إذا ً:
دل ذلك على أن الله تعالى بالفعل : يعرف كيف يُزع الاسئلة على عباده !
حيث علم مثلا ًأن هذا المؤمن : لن يضره أبدا ًأن يولد على غير الإسلام :
فسوف يدخل في الإسلام عاجلا ًاو آجلا ً!!!...
كما انه اختبر أيضا ًأهل الإسلام في إيمانهم ..
فالصالحين منهم : أمامهم العديد من أسئلة الدعوة وتطبيق شرع الله والامر
بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح بين الناس والتعلم والتعليم .... إلى
آخر ذلك من الاسئلة العديدة المُفترض أن يُجيبوا عليها !!!..
وأما الغير صالحين مِن المسلمين : فلهم اسئلتهم العديدة أيضا ً: مثل :
هل سيستمرون على المعاصي : أم سيُـقلعون عنها !.. هل سيتعلمون امر
دينهم : أم لن يهتموا به !.. هل سيُـقيمون على طاعة ربهم من الصلاة والصوم
والزكاة والحج عند القدرة .. إلخ : ام لن يستطيعوا القيام عليها !!!..
هل سيتبعون العلماء الربانيين الحق : أم سيسخرون منهم !.. أم سيستبدلونهم
باتباع كل ناهق جاهل متعالم ؟!!... إلى آخر ذلك من الاسئلة أخي الكريم ...
----

والآن ...
وفي أمر الصلاة الذي ذكرته أنت بالاعلى : وفي ضوء ما قلته لك الآن :

فإن أمر صلاتك مِن عدمها : راجع ٌلاختيارك أنت الذي خلقه الله فيك : وهو الذي
ستحاسب عليه !!!..
وأما كونك ستصلي أم لن تصلي : فهو معلومٌ عند الله تعالى من قبل :
علم إحاطة وتقدير : وليس علم جبر وقسر !!!...
وإلا :
فكان تلازما ًلكل مَن يصف الله تعالى بجبر عباده على شيء :
أنه يصف الله تعالى بالظلم !!!..
وحاشاه سبحانه ...

أعتذر عن الإطالة اخي الحبيب ..
وادعو الله تعالى أن يفتح عليك بالعلم والبصيرة ..
وأن يزيدك إيمانا ًويقينا ًوتقى ً...
وأن يُبعدك عن هذه الشبهات الفكرية التي الاستدراك والاسترسال معها :
يوقف العمل (وهذا هو هدف الشيطان الرئيسي من الوسوسة بها في رأس
المؤمنين) ....
أرجو ان أكون قد استطعت إفادتك بشيء ...
فما كان من صواب : فمن توفيق الله وحده لي .. وما كان من خطأ :
فمن نفسي وزيغي والشيطان والجهل والهوى ...

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

حيادي
10-04-2010, 12:50 PM
بارك الله فيك أخي وجزاك الله خيرا

كلامك جميل، وأنا مؤمن به ومتيقن عليه . مؤمن ومتيقن أنني مختار غير مجبر لكن الذي يحيرني هو في تقرير بعض المسائل التي أراها نوعاً ما متناقضة مع قولنا بالاختيار، والتي أظن أننا لو قررناها بشكل آخر فقد يكون ذلك متوافق بشكل واضح مع القول بالاختيار .

أطلت بكلام طيب لكنك عندما وصلت إلى المحل الذي أريدك أن تطيل فيه فقد اختصرت الكلام عنه.. لماذا أخي .
مثال الصلاة الذي ذكرته لكم أريدكم أن تفصلوا لي الكلام عنه بأجوبة مباشرة لنفس تساؤلاتي فيه..

د. هشام عزمي
10-04-2010, 03:37 PM
الله هو الذي خلق القدرة والاختيار والإرادة والعزم والفعل ..
كل هذا من خلق الله تعالى ..
لكن هذا لا يعني أن الله هو الذي قدر واختار وأراد وعزم وفعل ..
بل هذه كلها للعبد لا للرب ..
فالعبد هو الذي فيه القدرة على الفعل والاختيار والإرادة والعزم ثم الفعل حقًا ..
وهذه كلها في العبد على وجه الحقيقة ..
لكنها كلها مخلوقةٌ لله تعالى ..
ولا ثمة تعارض لانفكاك الجهة كما ذكرت في المشاركة الماضية ..
أما ما نذكره عن إرادة الله ومشيئته في سياق أفعال العباد فالمقصود منها إرادة الخلق لا إرادة الفعل ..
والله أعلم .

إلى حب الله
10-04-2010, 06:31 PM
أخي الحبيب حيادي ..

أرجو لو تكرمت بإعادة كتابة أسئلتك واستفساراتك عن الصلاة : ولكن :
بصورة أكثر وضوحا ً....
فاعذرني أخي الحبيب : فأخوك أبو حب الله هو الآخر : قد تختلط عليه
بعض العبارات والامور أيضا ً!!!..

وإليك ما قلته أنت :

-----
للعبد قدرة مؤثرة في الفعل.
ما هي قدرة العبد التي أثرت في فعل الصلاة؟
هل هي الاختيار والميل لفعل الصلاة أو هي شيء آخر ؟

والاختيار لفعل الصلاة - على فرض انه غير فعل الصلاة نفسه - هل هو خلق الله أيضاً؟
أم هو خلق العبد فقط؟
أم هو خلق الله وللعبد فيه أثر كما له أثر في الفعل ( الصلاة )؟
-----

فأرجو أن تعيد صياغته في عبارات اكثر وضوحا ًلإسعافي في الرد ...
وشكرا ًعلى شكرك ..
فنحن هنا اخي الحبيب إخوة في الله .. نتعاون على الخير كلٌ حسب
استطاعته ...

هات ما عنك وأنا في انتظارك أخي ....

إلى حب الله
10-04-2010, 07:00 PM
وهذه محاولة مِني مبدأية للإجابة على تساؤلاتك : وفق ما فهمت
(ويُمكنك أنت أن تصحح لي : هل ما فهمته أنا صح أم خطأ ؟!!)

------
تقول :
للعبد قدرة مؤثرة في الفعل.
أقول : نعم : وإلا : ما حاسبه الله عليها !!!..
------
تقول :
ما هي قدرة العبد التي أثرت في فعل الصلاة ؟
هل هي الاختيار والميل لفعل الصلاة ؟ أو هي شيء آخر ؟
أقول :
هي اختياره وميله لفعل الصلاة ...
وفي نفس الوقت : توفيق الله تعالى له في فعل الصلاة !!..
مثل : أن أعطاه جسدا ً.. أو رزقه طريقا ًللمسجد بلا عوائق .. إلخ
وذلك كله من التيسير أو التعسير الذي يختبر الله به الإنسان :
وارجع في ذلك لمشاركتي الاولى ....
حيث لو أراد الله أن يؤمن الناس جميعا ًبه ويُطيعوه : لفعل :
" ولو شاء ربك : لآمن مَن في الأرض : كلهم جميعا ً!!.. أفأنت تكره
الناس : حتى يكونوا مؤمنين ؟!! " يونس 99 ..
ومِن هنا : فلا معنى لهذه الآية : إن كان اختيار الإنسان وميوله لفعل
معين : هي من الله !!.. وإلا : فعلام الثواب والعقاب ؟!!!..
لقد خلقنا الله تعالى لكي : نعبده عن اقتناع طواعية : ونحن في مقدورنا
وفي اختيارنا أن نعصيه !!!.. وهذا هو تميز الإنسان !!..
------
تقول :
والاختيار لفعل الصلاة - على فرض انه غير فعل الصلاة نفسه - هل هو خلق الله أيضاً؟
أعتقد هنا أنك تقصد باختيار فعل الصلاة : أي الخاص بالعبد ..
وأنك تقصد بفعل الصلاة : أي وقوعها : أي حدوثها : وهذا خاصُ بالله عز وجل !!!..
فما أراده الله أن يقع من خير أو شر : فلن يمنعه أحد !!!..
وما أراد الله تعالى له ألا يقع من خير أو شر : فلن يستطيعه أحد !!!..
" ما يفتح الله للناس من رحمة : فلا مُمسك لها .. وما يُمسك : فلا مُرسل له من بعده :
وهو العزيز الحكيم " فاطر 2 ..
فكم من خير وددت فعله : ثم حالت أقدار الله تعالى بيني وبينه !!..
وكم من شر عملت جاهدا ًعلى اجتناب وقوعه : فأوقعه الله عز وجل !!!..
وله في كل ذلك حكمة !!!..
فانهزام المسلمين مثلا ًفي أ ُحد : كان له أكبر الفضل بعد ذلك في ملازمة طاعة النبي !!..
فليس كل خير : هو في حقيقته خير .. وليس كل شر : هو في حقيقته شر !!..
ولكن : كلٌ يجري وفق مشيئة وحكمة الله تعالى الكاملة :
" وعسى أن تكرهوا شيئا ً: وهو خيرٌ لكم !.. وعسى أن تحبوا شيئا ً: وهو شرٌ لكم :
والله يعلمُ وأنتم لا تعلمون " البقرة 216 ..
وعلى هذا :
فالإنسان لا يحزن على موت أو مرض أو مصيبة وقعت له : لأنها من قضاء الله لاختبار
عباده : ولا يد له فيها !!!....
ولكن يحزن الغنسان على المصائب التي له يد فيها وفي وقوعها !!!.. مثل : تركه للصلاة
مثلا ً!!.. أو تسببه في مصيبة لنفسه أو لغيره ..... إلخ
------
تقول :
أم هو خلق العبد فقط ؟
أم هو خلق الله .. وللعبد فيه أثر كما له أثر في الفعل ( الصلاة )؟
أقول :
من المفترض أنك إذا وصلت معي أخي الحبيب إلى تلك النقطة من مشاركتي :
أن تكون الغجابة واضحة لك الآن !!!..
ولا بأس من قولها مجددا ً...
نعم .. فخلق أي فعل من أفعال العبد الاختيارية (كالصلاة) :
فهي من العبد اختيارا ًوسعيا ًوقدرة ...
ومن الله تعالى خالق القدرة على الاختيار ومُيسر السعي ومُهيء القدرة !!..
وأما خلق الأفعال التي لا اختيار للإنسان فيها (كضربات القلب وهضم الطعام
والموت والمرض الذي لم يتعمده الإنسان ... إلخ) :
فلا اختيار للإنسان فيه ...
ولكن الله تعالى يخلق تلك الأفعال : بإيجادها وتيسيرها وتهييئها وتقديرها !!..

أرجو أن يكون قد وفقني الله لفهم مرادك من أسئلتك أخي الحبيب ..
ثم أرجو منه إن كنت فهمتها : أن يكون أقدرني على إجابتها إجابة ًصحيحة :
يَرضَى بها قلبك وإيمانك وعقلك ...

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

حيادي
10-07-2010, 09:20 AM
بارك الله فيك أخي ، يبدو أن بعض كلامي غير واضح فعلا .

إجابتك عن بعضها كان موافقا لمطلوبي لكن بعض الأجوبة لم تكن كذلك.

دعنا نرمي بمذهب الجبرية والأشاعرة .
ونبقى على مذهب اهل السنة والمعتزلة .

الأفعال الصادرة من العبد اختيارية ولا اختيارية
البحث عن الاختيارية فقط.

الاختيارية مثل : أن يصلي العبد

المعتزلة يرون أن الله خلق للعبد إرادة وقدرة مطلقة يستطيع أن يفعل بهما الأشياء
يستطيع أن يصلي ويستطيع أن لا يصلي

عندما يقوم العبد بالفعل فإن الله يتركه يحدث فعله بنفسه فيختار العبد مثلا أن يصلي ثم يحدث الصلاة ويفعلها.
ولأن العبد مستقل في اختيار فعله وفي إحداثه فإن الله سيحاسبه عليه

أهل السنة يرون أن الله خلق للعبد
إرادة وقدرة مطلقة يستطيع أن يفعل بهما الأشياء
يستطيع أن يصلي ويستطيع أن لا يصلي

لكن عندما يقوم بالفعل فإنه لا يستطيع أن يحدثه بتلك الإرادة والقدرة
سيكون لها أثر معين بلا شك
ولأجل أن لقدرة العبد أثر في فعله فإن الله تعالى سيحاسبه على ذلك الفعل .

المطلوب:

الذي يتعلق بالعبد شيئان:
1- اختيار الفعل ( يختار أن يصلي )
2- وقوع الفعل وحدوثه ( حصول الصلاة ووقوعها )

على مذهب أهل السنة

لقدرة العبد أثر في وقوع الفعل ( حصول الصلاة ووقوعها ) ولله تعالى أثر أيضاً، وهو الأثر التام ( الخلق )
ما هو أثر قدرة العبد في وقوع الصلاة ؟

بقي عندنا شيء آخر وهو الاختيار السابق لوقوع الفعل
هل للعبد فيه أثر ولله أثر
أم أن الاختيار هو للعبد فقط.

من إجابتك السابقة أستخلص الآتي:

- فعلاً للعبد أثر في حدوث الفعل ( الصلاة )
- هذا الأثر هو ميل العبد واختياره للفعل .

المتبقي عليك :

- هذا الميل والاختيار السابق لفعل الصلاة كيف حصل للعبد ؟
- هل هو بتأثير العبد فقط أم لله فيه تأثير ؟

إلى حب الله
10-08-2010, 01:33 AM
أخي الحبيب حيادي ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

للإجابة على سؤاليك : يجب أن نتفق على شيئين أولا ً:
1...
أن الله تعالى كامل في عدله .. كامل في حكمته في وضع كل شيء في موضعه الذي يستحق ..
2...
أنه لو لم يكن اختيار الإنسان نابعا ًمنه قبل أي فعل : فعلام يكون الثواب والعقاب إذا ً؟!!..

وعلى هذا أقول :
إن قرار الصلاة : يتأتى من طريقين ..
الأول : أن يكون أنت مصدره ..
الثاني : أن يوفقك الله تعالى للتفكير فيه !!!..
(لاحظ كلمة يوفقك هذه : لأنها مهمة جدا ًجدا ً) .........

بمعنى :
أن الله تعالى (يوفق) عباده الصالحين للأصلح ..
ويُنسي عباده المُعرضين عن الأصلح !..

" لا تكونوا كالذين نسوا الله : فأنساهم أنفسهم !.. أولئك هم الفاسقون (ولو لم يكونوا فاسقين : ما فعل معهم ربهم ذلك)" الحشر 19 !!!!!...
والمعنى أي أن الله تعالى : أنساهم اختيار الأصلح لأنفسهم : كالعبادة والطاعة والصلاة ... إلخ : والتي لن تنفعهم في الدنيا فقط بل : وبعد الممات أيضا ً!..
ولا يظنن ظان أن في ذلك ظلم من الله تعالى لهم !... كلا : بل يُقابل الله تعالى كلا ًمن الفريقين وفق ما قدم لنفسه : إن شرا ًفشر ! وإن خيرا ًفخير !
" المنافقون والمنافقات : بعضهم من بعض : يأمرون بالمنكر ! وينهون عن المعروف ! ويقبضون أيديهم !
نسوا الله : فنسيهم !!.. إن المنافقين هم الفاسقون " التوبة 67 ..

وفي هذا المعنى : كنت كتبت لك في مشاركتي الاولى أيات مثل :
" من كان في الضلالة : فليمدد له الرحمن مدا ً"
" والذين اهتدوا : زادهم هدىً : وآتاهم تقواهم "
وهكذا ...
--------
فإذا فهمت ذلك أخي الحبيب ..
فستدرك معنى قول الله تعالى عن الصالح : " فسنيُسره لليُسرى " .. أي جزاء ما قدم من تصديق وإيمان وتقوى وعطاء ..
وقوله عن الطالح : " فسنيُسره للعسرى " .. أي جزاء ما قدم من تكذيب وكفر وبخل ...

وعلى هذا :
فليس كل أحدٍ يستطيع الصلاة أخي الحبيب : حتى ولو امتلك جميع مقوماتها !!..
إذ :
ربما صرفه الله تعالى عنها : جزاء ما قدم من سوء : وجزاء ما انطوت عليه سريرته !
مثال :

أحد العاصين الذين لا يستحيون من الله ويستحيون من الناس : عرض عليه أحد أقاربه الذين يزورونهم في منزلهم الصلاة .. فاستحى ذاك الشاب العاصي من قريبه أن يرفض (ولم يستحي من الله كما قلنا) !!..
ومن هنا : ففي طرقهما للمسجد (وكل الظروف مُهيأة للوصول للمسجد والصلاة) :
فجأة :
انقطع حذاءه !!..
فانشغل به على جانب الطريق يُعالجه .. وطلب من قريبه أن يسبق هو للمسجد للصلاة ..
وظل ذاك الشاب العاصي يُعالج الحذاء إلى ما بعد انتهاء الصلاة ..
فلبسه وقفل عائدا ًإلى بيته ولم يُصل !!..
والسؤال :
هل ما قدّره الله تعالى هنا على هذا الشاب : يُنافي عدل الله تعالى ؟..
الجواب : لا .. وإنما عامله بما يُخفيه في قلبه من كره الدين والشرع والصلاة : فلم يُمكنه من أداء الصلاة برغم ذهابه وعزمه على أدائها بالفعل لو كان وصل للمسجد !!..

إذا فهمت هذا المثال أيضا ًأخي الكريم :
ستفهم الكثير من أمور الحياة من حولك بإذن الله تعالى ..........
فقط اعلم :
أن الله تعالى الكامل العدل .. الكامل الحكمة ...

وأنه لن يُحاسب محسنا ًبسوء أبدا ً.......
وعلى هذا : أ ُجيب على سؤاليك باختصار كالتالي :

1)) هذا الميل والاختيار السابق لفعل الصلاة كيف حصل للعبد ؟
هو من عند نفسه .. وبما هيأه له ربه من ظروف دفعته للتفكير في ذلك والهم به .. إذ لو شاء الله تعالى : لدفع بالظروف والهموم العبد : حتى يُنسيه ما شاء وفق عدله وحكمته ..

3)) هل هو بتأثير العبد فقط أم لله فيه تأثير ؟
وإجابته في 1)) ..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...

شرف الدين الصافي
10-08-2010, 01:49 AM
- هذا الميل والاختيار السابق لفعل الصلاة كيف حصل للعبد ؟
- هل هو بتأثير العبد فقط أم لله فيه تأثير ؟

نقول انطلاقا من قول الله تعالى (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) وقوله (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ )
أن كل ما ينسب إلى الإنسان من قول أو فعل أو اختيار هو من خلق الله عز وجل ، ولا يصح إطلاقا أن ننسب لأي مخلوق قدرة أو اختياراً بمعزل عن قدرة الله لأن ذلك سيؤول إلى إثبات شريك للخالق جل جلاله .
فمثلا قيامك إلى الصلاة يمر بمرحلتين اثنتين :
- عقد العزم أو الميل أو الاختيار لأداء الصلاة ( الانبعاث النفسي )
- تجسد هذا الانبعاث بمظاهر أفعال الصلاة ( كالركوع والسجود )
وكلاهما من خلق الله .
لكن السؤال الذي يبدو مشكلا هو ، ما مصير إرادة الإنسان أما خلق الله لها ، فإنّ تصور خلق الله لإراداة الإنسان يوهم سلبها عنه (بما أنها ليست من إيجاد الإنسان ولا من خلقه على الحقيقة ) .
الجواب عن ذلك أن إرادة الله تعلقت بخلق سر الإرادة في كيان الإنسان ، أي أن الله تعلقت إرادته بأن تكون مختاراً ، فكنت مختاراً بالسر الذي بثه الله فيك للانبعاث للفعل لا أنك موجد لهذا الفعل ، ولا يلزم من إرادة الله أن تكون مختاراً بخلق سر الاختيار فيك أن تكون مجبراً ، وإلا لكان تناقضا بين قولنا أرادك مختاراً وقولنا أنت مجبر لأن اختيارك مخلوق .

حيادي
10-10-2010, 01:26 PM
الأخ الفاضل أبو حب الله

أشكرك على شرحك ومجهودك، والذي فهمته منك بأن اختيار العبد للفعل ناتج عن أمرين أحدهما فعل العبد نفسه ( تفكيره واختياره )، وفعل الله تعالى ( توفيقه وتهيئة الظروف وفقاً لعدله وحكمته) .
وهذا في حد ذاته ما نفسي تميل إليه وأشعر أنه هو الكلام المنطقي ، لكن ما يشكل عليه هو أننا أثبتنا للعبد شيئاً مستقلاً عن الله تعالى، قد يعارضنا البعض كما أفهم من كلام الأخ شرف الدين حيث جعل الجميع مخلوقاً لله تعالى .

حيادي
10-10-2010, 01:31 PM
الأخ الفاضل شرف الدين

الذي فهمت من كلامك أن اختيار العبد ( عقد العزم والميل .. الانبعاث النفسي ) هو مخلوق لله تعالى أيضاً.
وأن الذي جعل العبد مختاراً ليس هو ذلك العقد والميل والانبعاث فإن ذلك مخلوق لله، وإنما الذي جعل العبد مختاراً هو سر بثه الله في العبد فكان مختاراً .

حقيقة أخي لا أستطيع تقبل مثل هذا، فما هو الدليل على وجود ذلك السر؟
ولماذا نلجأ إلى أن نقول بأن هناك سر ولا نقول بأن الاختيار فعل يحدثه العبد بالإرادة والقدرة المخلوقة التي فيه والله تعالى يعينه ويوفقه أو يخذله ويثبطه بحسب حكمته وعدله ؟