حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما

[سعد الشهراني]

ان التعبير القرآني عن غروب الشمس في العين الحمئة في قوله تعالى ( حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ) هو تعبيرا مجازيا وليس تعبيرا حقيقيا فالشمس حقيقيا تغرب وراء عين حمئة أو عن عين حمئة . أما ورود حرف ( في ) هنا في قوله تعالى ( في عين حمئة ) فهو ورودا مجازيا ولفظا مستعارا . وهذا الأسلوب من المجاز والاستعارة ورد في كثيرا من الآيات في القرآن الكريم . مثل قوله تعالى في سورة المائدة الآية رقم ( 33 ) ( إنما جزاء اللذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلوا أو تقطع أيديهم وارجلهم من خلاف ) فالمفسدون حقيقة يسعون على ظهر الأرض من الخارج وليس يسعون في باطن الأرض من الداخل كما يدل ظاهر اللفظ في الآية الكريمة . وورود لفظ ( في ) هنا في هذه الآية هو ورودا مجازيا مستعارا كما هو الدارج في لغة العرب في عصر نزول القرآن الكريم كما يتضح ذلك في اشعارهم وخطبهم . وقد ورد هذا الأسلوب المجازي في آيات أخرى مثل قوله تعالى في سورة البقرة ألآية رقم ( 44 ) ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ) فوجه الرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة يتقلب إلى السماء أو إلى جهة السماء وليس يتقلب في وسط السماء نفسها كما يفهم من ظاهر اللفظ في الآية . وانظر معي هنا لم يقول الله تعالى قد نرى تقلب نظرك في السماء .حتى لا يقول قائل أن النظرك يصعد إلى السماء ولكن قال ( قد نرى تقلب وجهك في السماء ) فوصف وجه الرسول صلى الله عليه وسلم هنا وصفا مجازيا وحرف ( في ) الواردة في الآية أعلاه مستعارة مجازا كما ذكرنا في الآيات السابقة . ومثل قوله تعالى عن فرعون عند ما صلب السحرة التائبين ( لاصلبنكم في جذوع النخل ) ففرعون حقيقة صلب السحرة التائبين على جذوع النخل من الخارج وليس في وسط الجذوع نفسها كما يبدو من ظاهر اللفظ في الآية الكريمة . والآيات كثيرة في القرآن الكريم بهذا الأسلوب المجازي . وتعريف المجاز عند أهل اللغة العربية والنحويين . هو كل لفظ استعمل في غيرموضعه الأصلي لاظهار معنا معين وان لايحمل اللفظ على معناه الظاهري . والمجاز هو كل ما تجاوز الحقيقة . والعرب تقول فلان زعيما في قومه ويقصدون بذلك أن فلان زعيما على قومه ويقولون فلان كريما في قومه ويقصد بذلك أن فلان كريما مع قومه فالمجاز معتبرا في لغة العرب قبل الإسلام ونزل القرآن بلغتهم حقيقة ومجاز. ويتضح مما سبق أن وصف غروب الشمس في العين الحمئة في قوله تعالى ( حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ) هوتعبيرا مجازيا وليس وصفا حقيقيا. وإن ورود حرف ( في ) هنا في هذه الآية هو ورودا مجازيا مستعارا. ويصبح المعنى الحقيقي في هذه الآية هو أنه ( وجدها تغرب وراء عين حمئة أو عن عين حمئة ) وليس المعنى أن الشمس تغرب في وسط العين ذاتها كما يفهم من ظاهر اللفظ في الآية . ومن اراد التوسع في هذا المعنى فليقراء كتاب ( مغني اللبيب عن كتب التعاريب ) للإمام ابن هشام الأنصاري الجزء الأول صفحة 191 استخدامات حرف ( في ) المتوفي سنة 761 هجريه . هذا والله اعلم