المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العقل يحكمه الشرع لأبي إسحاق الحويني



ابن سلامة القادري
11-30-2015, 05:57 PM
نقلا عن مادة صوتية للشيخ أبي إسحاق :

امرأة لبنانية تنشر كتاباً تنتقد فيه السنة الصحيحة بالعقل
وهذه امرأة لبنانية نشرت كتاباً، والله فوضى لا عمر لها! نحن نحتاج إلى رجل مثل عمر ، من أجل أن يجلد هؤلاء المفترين على الله ورسوله، وعلى أئمة العلم، هؤلاء ينبغي أن يحجروا حفاظاً للديانة، وحجرهم أولى من حجر الذين يستحقون الحجر الصحي، حجر هؤلاء عن المسلمين ديانة ينبغي أن يكون واجباً في عنق أولياء الأمور.
امرأة كتبت كتاباً: هل النساء أكثر أهل النار؟ فمعترضة, تقول: لا.
ليس النساء أكثر أهل النار، هي تدافع عن حرية المرأة وحقوقها، فمن ضمن حقوق المرأة أنها تدخل الجنة حتماً.
من الذي صنع القنبلة الذرية في هيروشيما؟ ومن يصنع الأسلحة الفتاكة، وأسلحة الدمار الشامل، وصواريخ عابرات القارات، والذي يدمر الدنيا؟ ومن الذي أقام الحروب وحرق إلخ أليس الرجال؟ هم الذي ينبغي أن يكونوا أكثر أهل النار، لا اللاتي يقطعن الثوم والبصل، وهن مساكين ومكسورات الجناح، فلا يجتمع عليهن عذاب في الدنيا والآخرة! الذي يدخل النار هو الذي أفسد فقتل العباد وخرب البلاد.
يا امرأة! ماذا تفعلين بحديث البخاري ؟ قالت لك: ابن الجوزي قال: صحة السند لا تستلزم صحة المتن، أنت أيضاً تقولين الكلام هذا؟! صحة السند لا تستلزم صحة المتن؟! سبحان الله! يعني: لو كان سهماً واحداً لاتقيته ولكنه سهم وثان وثالث

العقل يحكمه الشرع

ثم تنقد الرواية فتقول لك: الرواية هذه لا يمكن للعقل أن يقبلها، والله عز وجل لم يشرع شيئاً يخالف العقل، أي شيء يرفضه العقل السوي المستوي فليس من الممكن أن ينزل في الشرع شيء يخالفه ويضاده.
نقول: نعم.
لكن عقلك أو عقل فلان أو عقل أبي إردان الذي نحن نرد عليه الآن.
لكن عندما تختلف كل هذه العقول أليس من اللازم وجود حاكم يرجعون إليه عند التنازع، أليس كذلك؟ ألا يكون هذا العقل الحاكم هو عقل الرسول عليه الصلاة والسلام؟! لو نحن تكلمنا بهذا المستوى، أليس هو الذي ينبغي أن نرجع إليه في التحاكم؟ هذا اختلف! وهذا اختلف! وهذا اختلف! وكقضبان القطار خطان متوازيان، إذاً ماذا نفعل؟ أليس يوجد عقل ثالث يحكم بينهم؟ حتى في القضاء والقوانين يقولون: السلطة القضائية للفصل بين السلطات، السلطة هذه اختلفت وهذه اختلفت وهذه اختلفت، يقول لك: القضاء لا يعرف لمن يحكم، لا بد أن يرجع إلى عقل في النهاية تجتمع عليه كل هذه العقول.
فهي تقول: هذا الحديث مخالف للعقل، طيب أين الخلاف فيه؟ تقول لك: إن حديث البخاري و مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء في يوم عيد، فذكر النساء ووعظهن، وقال: ( يا معشر النساء! تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقامت امرأة من سطة النساء، فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: إنكن تكثرن اللعن، وتكفرن، فقلن: نكفر بالله؟ قال: لا.
تكفرن العشير -أي الزوج- وتكفرن الإحسان، وإذا أحسن الرجل إليكن الدهر، لقلتن: ما رأينا منك خيراً قط ).
ما هو المنافي للعقل هنا؟ تقول لك: الرسول عليه الصلاة والسلام صاحب الأخلاق، يأتي في يوم عيد بدلاً من أن يقول: (كل سنة وأنتم طيبون) يقول: أنتن في جهنم وبئس المصير! أهذا الكلام يعقل!! من صاحب الأخلاق.
رأيت العقل المستوي!! فتقول لك: لا.
وصحة السند لا تستلزم صحة المتن.
ليس أضر على العلوم من دخول غير أهلها فيها، روي أن خالد بن صفوان الخطيب البليغ المشهور، وهذا الرجل كان من أبلغ الناس، فدخل يوماً الحمام، وكانت الحمامات عامة، فجاء رجل من غبراء الناس بابنه إلى الحمام، فرأى ابن صفوان ، فيريد أن يبين لـ ابن صفوان أنه ليس هو وحده البليغ، فأنا أيضاً بليغ أتكلم العربية بالسليقة، قال: (يا بني! ابدأ بيداك ورجلاك) الباء هذه تجر بلداً، لأنها حرف جر والأصل أن يقول: (يا بني! ابدأ بيديك ورجليك)؛ لكنه يريد يعرفه أنه ليس أنت لوحدك المتفرد بالبلاغة في الدنيا، أنا كذلك موجود: (يا بني! ابدأ بيداك ورجلاك)، ثم التفت إلى خالد كالمتباهي، وقال: يا ابن صفوان هذا كلام قد ذهب أهله، فقال له ابن صفوان : هذا كلام لم يخلق الله له أهلاً قط.
فعندما يدخل من هؤلاء على سيبويه يريد يتلاحن عليه، فأعظم ضرر على العلوم أن يدخل غير أهلها فيها.
شخص قابل رجلاً وكان لحاناً كلما ينطق جملة يقول له: يا أخي! هذا مرفوع، وهذا مكسور، وهذا منصوب، لا يستطيع التكلم معه، كلما تكلم عدله، فجاء الرجل العالم، وطرق عليه الباب وقال: أخوك هنا؟ قال له: لا، لي، لو! أنا لو قلت: لا، ستقول: لي، لو، خذ الثلاثة واختر أحدها.
لا لي لو! وقابل رجل لحان رجلاً آخر لحاناً فقال له: من أين أتيت؟ قال: أتيت من عند (أهلونا)، فقام اللحان الآخر فقال: قاتلك الله ما أفصحك! أنا أعلم من أين أخذتها: (شغلتنا أموالنا وأهلونا)، الرجل يتكلم بالقرآن.
فعندما يدخل هؤلاء في العربية كم من الفساد يحصل أو عندما يدخل هذا البيطري في علوم الدين والحديث والفقه والاستنباط وهو ضعيف الملكة، متخلف النظر فيها، كم يكون من الجناية إذا ترك أمثال هؤلاء؟!

معنى قاعدة: صحة السند لا تستلزم صحة المتن

صحة السند لا تستلزم صحة المتن، قالها العلماء لطبقة معينة من علماء الحديث، وهم العلماء الذين تمرسوا على هذه الصناعة حتى اختلطت بشحمهم ولحمهم وصار لهم ملكة فيها، حتى إن العالم من هؤلاء إذا سمع متناً بغير سند يحكم عليه بالبطلان، ثم تكتشف أنه باطل بعد ذلك، كيف حكمت عليه بالبطلان بغير سند؟ بالدربة والممارسة, ولا زالت الممارسة شيئاً أكيداً يعترف الكل به في كل الصناعات والفنون، ليس في العلم الشرعي فقط.
مثلاً الطبيب الذي مر عليه أربعون سنة في المهنة يختلف عن الطبيب الذي معه أعلى دكتوراه في الدنيا ومر عليه عشر سنين فقط، لأن هذا ممارس وعنده من الخبرة أكثر من الذي معه دكتوراه، أحياناً الطبيب ينظر إلى رجل يقول هذا مريض بكذا، أأنت منجم؟ يقول لك: لا.
لكن من دربته وممارسته أن لون العين تغير! أن لون الوجه تغير! أن لون الجلد تغير! يقول: هذا عنده المرض الفلاني، ويسلمون له، يسلمون لكل واحد في فنه إلا للشيخ، إذا الشيخ تكلم في الطب يقولون: أنت ما لك والطب؟ وإذا هم دخلوا يهجمون على الشيخ قال: لماذا تهجمون عليّ؟ يقولون: هذا الدين ليس لك، الكهنوتية هذه ليست في الإسلام، الدين للكل.
نعم.
الدين للكل اعتقاداً، لكن العلم لطائفة معينة فقط, كما أنك تنكر أن يتكلم غير الأطباء في الطب، أيضاً لابد أن ننكر أن يتكلم غير العلماء في العلم، لكن جدار المشايخ قصير والكل يتسلق عليه ولا صريخ لهم.

نماذج من الاعتراضات على السنة

نماذج من الاعتراضات التي أوردها وزعم أن علماء المسلمين جميعاً لم يفهموها وهو الذي فهمها.

حديث طواف سليمان عليه السلام على مائة امرأة في ليلة

حديث آخر: الذي هو شتم الإمام البخاري فيه، واتهمه أنه جاهل بعلم الحديث مع أنه رجل طيب، وقال: هذه هي المصيبة في أمتنا، تنساق وراء الأسماء اللامعة، يعني: أول ما يقول له: رواه البخاري ، يثق به لأنه رواه البخاري : ليس بعد البخاري للمرء مذهب قال لك: هذه هي المشكلة عند المسلمين، يلغي المسلم عقله عند الأسماء اللامعة، ما الحديث الذي كان سبباً في تطاول هذا الغلام على الإمام البخاري ؟ حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي رواه أبو هريرة ، قال: ( قال سليمان عليه السلام: لأطوفن الليلة على مائة امرأة -أو قال تسعة وتسعين امرأة- كلهن تلد غلاماً يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله، فلم يقلها، فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة، ولدت نصف إنسان، قال صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده لو قالها -يعني لو قال: إن شاء الله- لكان دركاً لحاجته، ولأخرج الله عز وجل من صلبه مائة فارس يجاهدون في سبيل الله جميعاً ).
ما المشكلة إذاً في هذا الحديث؟! يقول لك: (انتبه!) ويضعها بين قوسين، -انتبه من الذي سيأتي- ليلة واحدة تكفي لمجامعة مائة امرأة، (وانتبه جيداً)، ووضعها لك بين قوسين، ثم: هل سليمان يقدر؟ انظر إلى هذا العنين، يظن أن الناس مثله كلهم، انظر الإسفاف في رد كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، ويتهم أبا هريرة أنه كذب على النبي صلى الله عليه وسلم (بحسن نية) بين قوسين، هذا رقم واحد.
رقم اثنين: يقول لك: وهل يليق بنبي أن يتحدث بمثل هذه المسائل المحرجة على الملأ، وهم كانوا أشد خلق الله حياءً؟! ثالثاً: هل يجوز أن يفتات على الله؟ يعرف أن النساء يخلفن ذكراناً وإناثاً، ويقول: يا ربنا سآتيهن بشرط أني أريد ذكوراً فقط، مائة ذكر يجاهدون، فهذا افتيات على الله، يعني: الأنبياء الذين أدبهم الله يعملون هذه العملية؟ ولا أريد أن أكثر.
يعني: يكفي أدلة على بطلان الحديث.
فأنتم ترون -أيها الإخوة الكرام- أن هذا الذي ذكره معترض لا يجوز أن يذكره رجل عاقل، ولا يجوز أكثر وأكثر أن يعد دليلاً في الاعتراض، ومعلوم عند العلماء أن الكلام إذا كان له مخرج ومحمل مقبول ينبغي حمله عليه، وإلا فإننا سنرد آيات القرآن الكريم بهذا المنطق، وبهذا الأسلوب، فهذا الاعتراض يرد على كلام الله عز وجل أيضاً، لا يرد على كلام النبي صلى الله عليه وسلم فقط، ولا على كلام أي أحد، لماذا تجتهدون إذاً في التوفيق ما بين الآيات التي ظاهرها التعارض، فهذا الحديث لا إشكال فيه، لكن أتي الرجل من سوء فهمه، وصدق المتنبي عندما قال: ومن يك ذا فم مر مريض يجد مراً به الماء الزلالا وللرد عليه نقول: أولاً: مسألة أن يأتي نبي مائة امرأة أو ألف امرأة في يوم واحد هذه قضية ما فيها أي إشكال، إذا سلمنا أن النبي معان من الله، وقد ثبت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: ( أوتي النبي صلى الله عليه وسلم قدرة أربعين رجلاً في الجماع )، ثم هل اليوم هو يومنا هذا، ولا زالت كما في الأحاديث الصحيحة الأيام تتناقص، والأحاديث المعروفة بينت أن السنة ستكون كيوم، فهل عنده دليل أن يوم سليمان عليه السلام كان بهذا القصر، ثم إن إتيان المرأة كم يأخذ من الوقت؟ دقيقة، دقيقتين، ثلاث دقائق، أنا أشعر بكثير من الحرج وأنا أتكلم بهذا الكلام؛ لكن اضطررت إلى قوله رفعاً لهذه المغالطة التي ما يكاد يتردى فيها إنسان عاقل، حتى يقول: (انتبه!) ويضعها بين قوسين، إنه هام؛ يقول هذا الكلام السخيف! لو أن رجلاً عنده القدرة فعلاً على إتيان ألف امرأة لاستطاع أن يأتي ألف امرأة في زماننا هذا، وما يكون عليه أي إشكال فيها.
ثانياً: هل في الحديث أن سليمان عليه السلام جمع الناس وذكر لهم تفاصيل العملية: وأنا سأفعل وسأفعل؟! ليس في الحديث شيء من ذلك، في الحديث أنه قال: (فقال له صاحبه)، فليس في المجلس إلا رجل واحد.
وقد ثبت في البخاري أيضاً أن هذا الصاحب كان ملكاً ولم يكن رجلاً من الإنس.
ثم لو قال لي قائل في هذا المسجد: يا فلان! لماذا تزوجت بامرأتين، وتنوي أن تتزوج الثالثة والرابعة؟ فأقول له: والله يا أخي نحن في حاجة إلى رجال، تزوجت لأنجب من كل امرأة مجموعة يدافعون عن دين الله، أكنت أنا مفتئتاً على الله متألياً عليه؟ لو قلت: أتمنى أن يخرج من صلبي مائة رجل؛ ولأن الدعوة تناط بالرجال، وما تناط الدعوة وجهاد الدعوة بالنساء: { أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } [الزخرف:18] وهن النساء، المرأة في الجدل والمناظرة لا تستطيع أن تبين ولا تقيم حجة على أحد، ما يقيم الحجة إلا الرجال، لذلك كان منهم العلماء وكان منهم الرسل، وما نعلم أن الله عز وجل أرسل امرأة إلى أهل الأرض، إنما أرسل الرجال، لأنهم أقدر على ذلك، لذلك جعل الله للرجال على النساء درجة، بما فضل الله بعضهم على بعض، وكان هذا من جملة ما فضل الله به الرجال على النساء.
ولو قال لي رجل: لماذا تزوجت؟ قلت: والله أنا أتمنى أن يكون الصف الأول في المسجد أولادي، أأنا إذا قلت هذا أكون افتأت على الله وقلت: يا رب أنا لا أريد إناثاً، إما أن تعطيني رجالاً وإلا فلا، هل أنا قلت هذا الكلام؟ وهل يفهم ذلك من قولي؟ كان له نية صالحة طيبة، يريد مائة فارس يجاهدون في سبيل الله، فقام ذاك النبي الكريم بهذه النية وأتى النساء، وينبغي أن يكون لنا هذه النية في إتيان النساء، وقد روى ابن أبي الدنيا في كتاب العيال ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (إني لأكره نفسي على مجامعة النساء، رجاء أن يخرج الله نسمة توحده)، يعني: قد لا يكون له رغبة أن يأتي المرأة، لكن يأتيها بهذه النية، رجاء أن يخرج الله عز وجل من صلبها ومن صلبه نسمة توحد الله عز وجل، ألئن قال هذا النبي الكريم ما قال يقال له: أنت تفتات على الله؟ وأين الافتيات على الله عز وجل في هذا؟ نلعب بأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام بمثل هذا الهراء، وهذا السخف، إذا كنا سنتخذ هذا منهجاً علمياً فلن يسلم كتاب الله من ذلك، في كتاب الله آيات أشد إشكالاً من هذا الحديث.

حديث: (أمرت أن أقاتل الناس)

حديث ابن عمر و أبي هريرة و أنس و ابن مسعود و عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو حديث متواتر عند علماء الاختصاص وهم علماء الحديث، هذا الحديث أنتم كلكم تحفظونه: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني ودماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله ).
يقول فض فوه: هذا الحديث مكذوب بلا شك، ولم يقله النبي صلى الله عليه وسلم أبداً، لأنه يعارض القرآن، وأتى بآيات: { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } [الكهف:29] { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [الكافرون:6] { لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا } [الرعد:31] { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [القصص:56] { إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ } [الشورى:48] { لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ } [الغاشية:22].
طالما أنك لست عليهم بمصيطر لماذا تقاتله؟ أيؤمن غصباً؟ طالما أنك لا تهدي من أحببت أتريد أن تدخله بالغصب؟! { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } [يونس:99] لماذا تقاتله؟! لو قدر الله عليه الهداية لاهتدى: { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } [الكهف:29]، إذاً: ( أمرت أن أقاتل الناس ) حديث مكذوب، لماذا تقاتلهم وقد كفل الله حرية العقيدة للناس؟ هل أحد يجيب؟ السواد الأعظم يقف محتاراً يعانون من أمية علمية.
صدق عمر بن الخطاب المحدَّث الملهم قال: ( إن القرآن حمال ذو وجوه، فخذوا أعداء الله بالسنن ) لذلك أرادوا أن يلعبوا في هذا الصرح، لأن الحجة إنما تقوم عليهم بهذا الصرح، فإذا جاز له أن يلعب به ضاعت الحجة، القرآن حمال ذو وجوه، إنما السنة يصعب اللعب فيها.
رجل لم يتكلم إلا ثلاث أو أربع ورقات يقول لك: كما هو مقرر في الأصول! أنا أحس أنه ماسك أعصابه.
سأبين لكم الآن أنه لا يفقه شيئاً في الأصول، وهذا الإشكال هو شبه فقط، والشبه تزول بالبيان، لأنها لا يصح أن تكون دليلاً، إنما هي شبهة.
الناس: لفظ عام يدخل فيه كل الخلق، إن أسماء الجنس المحلاة بالألف واللام تفيد الاستغراق، والاستغراق يفيد العموم، كما لو قلت: حيوان، هذا اسم جنس، تدخل عليه الألف واللام فتكون (الحيوان)، فالألف واللام إما أن تفيد العهد أو تفيد الاستغراق، العهد الذي هو التخصيص، كما لو قلت: يا أيها الرجل قف، يبقى أنت قصدت رجلاً بعينه، فالألف واللام هنا رغم أنها دخلت على كلمة رجل وهي من أسماء الجنس إلا أنها تفيد العهد، لأنك قصدت رجلاً بعينه ولم تقصد كل الرجال.
يا أيها الرجال! هذا يفيد العهد بالنسبة للنساء؛ لأنه خرج منه النساء والحيوانات والأشجار والرمال فصار يفيد العهد على جنس الرجال فقط، ويفيد الاستغراق على جنس الرجال الذكور، الألف واللام إما تفيد العهد أو الاستغراق.
لكن كيف أعرف أنها تفيد العهد والاستغراق؟ قال: السياق من المقيدات، فلفظة الناس رغم أنها تفيد العموم إلا أنها مرة تفيد الخصوص ومرة تفيد العموم، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( تجدون الناس كالإبل المائة، لا ترى فيها راحلة )، يعني أن الناس مثل مائة ناقة، لكن التي تستطيع أن تركبها واحدة فقط، فالناس كثير، لكن الذين تنتفع بهم من الناس أقل القليل، هذا معنى الحديث، فالناس هنا لفظ عام يراد به الخصوص.
كما قال الطحاوي في مشكل الآثار.
{ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ } [الحج:27] الناس هنا تفيد الخصوص أم العموم؟ تفيد الخصوص، لأن اليهود من الناس والآية لا تخاطبهم، والنصارى من الناس والآية لا تخاطبهم، المجوس بقية الخلق، الآية تخاطب المسلمين فقط، وليس كل المسلمين، فهي لا تخاطب الأطفال ولا المجانين، ولا تخاطب الذين لم يجب عليهم الحج، ومع ذلك فالآية لا تتناولهم: { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا } [الحج:27] فهذا الصبي الصغير ابن ثلاث سنوات لا يدخل في الآية مع أنه من الناس، إذاً: لفظ الناس وإن كان عاماً لكن يراد به الخصوص.
ما الذي أعلمنا أنه يراد به الخصوص؟ السياق، والسياق من المقيدات.
وقوله تعالى: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } [الأعراف:158] لفظ عام يفيد العموم أم يفيد الخصوص؟ يفيد العموم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى كل الخلق، ويدل على ذلك استخدام لفظة: (جميع) وهي من ألفاظ العموم، { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } [الأعراف:158] مثل لفظة: كل، ومثل لفظة: معاشر, ( إنا معاشر الأنبياء ) وهذه تفيد العموم.
بعد هذا البيان نأتي إلى هذا الحديث: ( أمرت أن أقاتل الناس ) فيدخل فيه المسلمون دخولاً أولياً، لأن الأصل في الأدلة العموم -كما يقول الشاطبي - وليس الخصوص، والأصل في الأدلة الإطلاق وليس التقييد، والأصل في الأدلة عدم النسخ وليس النسخ، يبقى الأصل في الأدلة العموم، فنحن نتعامل مع لفظة (الناس) على أنها من العموم حتى نصل ونرى هذا الرجل كيف فهم هذا الحديث.
( أمرت أن أقاتل الناس ) يدخل في الناس المسلمون، هل المسلمون مقصودون بالحديث أن الرسول سيقاتلهم؟ لا.
لأنهم مؤمنون، إذاً المسلمون خرجوا من الحديث، فالناس مؤمن وكافر، والمؤمن غير مراد من الحديث لأنه آمن، بل أنت تقاتل به، وهو من جنودك، إذاً ما بقي إلا الكافرون، الكافرون قسمان: { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } [التوبة:29] كلمة (حتى) لفظ لانتهاء الغاية، يعني: سنقاتلكم حتى تدفعوا الجزية، فإذا دفعتم الجزية فلا نقاتلكم.
إذاً: الكافرون قسمان: قسم دفع الجزية وهو صاغر، إذاً هل هو داخل تحت الحديث؟ لا.
ليس داخلاً تحت الحديث؛ لأن ربنا سبحانه وتعالى قال: قاتلوا حتى فإذا دفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فلا يحل لنا قتالهم.
القسم الثاني: المناوئ للدعوة، الذي لا يريد أن يدفع الجزية والذي لا يريدك أن تنشر الإسلام، هذا هو المعني بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ) وهذا الكلام ليس فيه غموض، ولا يوجد فيه أي إشكال.
ولو أتى الأمر من بابه! لكن علامة أهل البدع أن يحطم كل الرءوس أمامه حتى يبقى هو الوحيد الذي يرجع إليه، يعني: جماعة التكفير قبل أن يكسر الله عز وجل شوكتهم، أول أصل من أصولهم: هم رجال ونحن رجال، وثاني أصل قولهم: هذه طواغيت، أي: لا تحتج بـ الشافعي وعندك القرآن والسنة، ربنا سبحانه وتعالى قال: { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } [النحل:43] يقول: يا أخي! أنا من أهل الذكر اسألني، لماذا حجرت أهل الذكر عليك أنت، وجعلت نفسك في موضع الحجة؟! لأني سأعارضه بأقوال الآخرين فيضيع بيانه، وتضيع حجته، فحتى لا أحتج بقول الآخرين فيضيعهم لك الكل، ويدمرهم جميعاً، حتى لا يبقى في الساحة إلا هو.
فأنت إذا أردت أن تحتج بقولهم يقول لك: لا.
اجعل من نفسك رجلاً يبحث عن الحق، أنت تعتقد شيئاً ناقشني يا أخي! رأساً برأس، فإن كنت أنا رجلاً عامياً، ما عندي أسلوب في إقامة الحجة، ولا درست.
والله عز وجل لما قال: { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } [النحل:43] أعلمنا أن الناس عالم وجاهل، ولو كان كل الناس علماء فمن يسألون؟ فمعنى: (اسألوا أهل الذكر) أي: أيها الجهلاء اسألوا من هم أعلم منكم، فهذه الآية أثبتت أن هناك عالماً وجاهلاً، فأنا رجل جاهل، يقول لك: لا، لابد أن تستدل بالقرآن والسنة، وإلا فأنت على ضلال.
هذه أول درجة في سلم المبتدعة: أنه لا حجة لأحد، فهو عندما يأتي يناقش يضيع كل العلماء، نقول: العلماء جمعوا بين هذه الأحاديث، فهل من العقل أن هذه الشبهة مرت على علماء المسلمين، وهم كانوا يأتون بشبه لا تخطر على باله ويحلونها؛ خشية أن يتطاول على الناس زمان فتصير الشبهة دليلاً؟! كانوا يقترضون اقتراضات ويقوم العالم فيحل هذه الافتراضات ويرد عليها خشية أن يأتي زمان مع ضعف العلم فيتصورونها أدلة.
ما بقي من الناس إلا صنف واحد من المشركين، الناس إما مؤمن وكافر، فلا خلاف أن المؤمن لا يتناوله الحديث، فما بقي إلا الكافر.
الكافر قسمان: قسم يدفع الجزية وهو صاغر، إذاً هذا لا يحل لنا أن نقاتله بنص الآية، ما بقي إلا الصنف الثاني من الكفار، وهو الذي لا يريد أن يدفع الجزية، ثم هو يناوئني ولا يمكنني من نشر ديني في ربوع بلاده، هذا هو الذي عناه النبي عليه الصلاة والسلام بهذا الحديث.
ومما يدل على ذلك دلالة أكيدة قوية ما رواه النسائي رحمه الله و أحمد وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أمرت أن أقاتل المشركين حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله )، فلفظة (المشركين) دلتنا على أن لفظة (الناس) خرجت مخرج العموم لكن يراد بها الخصوص، وأفضل ما فسر به الحديث، الحديث نفسه، وأفضل ما فسر به القرآن، القرآن نفسه، وهذا معروف، وإذا لم تجمع ألفاظ الباب لم يظهر لك فقهه، وهذا معروف عند العلماء.
فأي غرابة حتى نعارض بين الآية والحديث: { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } [الكهف:29].

الكتاب : دروس للشيخ أبو إسحاق الحويني
المؤلف : أبو إسحاق الحويني الأثري حجازي محمد شريف
مصدر الكتاب : دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية


الرد على القائلين برد السنة لمخالفتها العقل (ملتقى أهل الحديث) :

وأعظم شاهد على هذا حديث الذبابه فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ، فإن في أحد جناحيه داء ، وفي الاخر شفاء "أخرجه البخاري وأبو داود ، وزاد " وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء "
هذا من قبيل الاحاديث التي تستعصي على ضعاف الايمان وانصار العقول أن يقبلوه بدواعي مختلفه وحجج عقليه باطلة
وكحديث شرب بول الابل وغيره ولم يزل الجدل قائما رغم أن العلم قد انتصر للسنة فاثبت هذه الحقيقة والحمد لله
قال الشيخ ناصر الدين الالباني
{ ومع ذلك فإن النفس تزداد إيمانا حين ترى الحديث الصحيح يوافقه العلم الصحيح فلا يخلو من فائدة ان انقل الى القراء خلاصة محاضرة القاها احد الاطباء في جمعية الهداية الاسلامية بمصر حول هذا الحديث :
تجدونها في تحقيق عصام الصبابطي وعماد السيد لكتاب سبل السلام شرح بلوغ المرام الطبعة الخامسه دار الحديث ص 36