ابن عبد البر الصغير
12-05-2015, 10:09 PM
لماذا ضَللتَ ؟ 2
أبو عبد الرحمن الإدريسي - إسلام ويب -
كثيرةٌ هي الأسباب التي جعلتك تضلُّ أيها المخالف، وقد رأينا بعضاً منها كما عدّدها لي بعض الملاحدة، وفي الجزء الثاني من المقالة نستكمل عرضها والجواب عليها، نستكشف بطلانها، ونبيّنُ تهافت أركانها، ونضع أصبعنا على مكمن الخلل المنهجيّ الذي أدّى إليها :
الحالة الخامسة : لقد أخذتُ إلحادي عن أستاذي في الجامعة !
وهذه حالةٌ أخرى من الحالات التي يفرزها " الفراغ الفكري الثقافي " للإنسان، حيث يستغلّ الأستاذ الملحد جهل طلبته بمختلف العلوم خاصّةً الشرعيّة، ويبدأ في ممارسة نوعٍ من التشريب المنهج للطّلبة، حيث يقوم بإدخال إيديولوجيا الإلحاد للطلبة بشكلٍ مبسّط ومرخرفٍ، يطلق عليه عند المتخصصين بـ L'imprégnation des esprits par la propagande.. ، ومعناه تشريب النفوس بالبروباغاندا -1- حيث يتمّ خداع الطّلبة بمتانة فكرٍ معيّن خاصّةً حينما يكون الأستاذ مقرّباً من الطلبة، فيصبح بشعورٍ أو لا شعورٍ قدوةً كبرة لهؤلاء، فلا يرون إلا ما يراه لهم الأستاذ، وهو نفس أسلوب فرعون مصر لكي يخدع به شعبه ويوهمهم بألوهيّته { قال فرعون ما أُريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } ( غافر : 29).
فيرشدهم الأستاذ إلى كتب أباطرة الإلحاد، المعروفين بسلاسة الطرح وتمّكنٍ في الأدب، وزخرفةٍ للباطل، ويبدأ في كل محاضرةٍ يبدأ بضربٍ لمفاهيم الدين دون أن يكون هناك ندٌّ له ليردّ على باطله، أشبه بمصارعٍ خبيرٍ بفنون القتال يستعرض عضلاته على المبتدئين! وهو إن شئتَ من التّقليد المذموم، فالله خلقك أيها الإنسان بعقلٍ مفكّرٍ وفطرةٍ مرشدةٍ، فلا تقع في فخّ تعطيله من أجل تقليد فلاناً أو علاّناً، فيصبحه عقله هو مرشدك الوحيد، وتصبح مقلّداً له في كلّ شيءٍ ! بل يكفي أن تفتح عقلك وتتحلّى بالإنصاف في رحلة بحثك عن الحقّ، وتصغيَ لنداء الفطرة فتكون إن شاء الله من المُبصرينَ .
الحالة السادسة : لقد استنتجتُ أنه لا يوجد دليل على وجود خالق للكون !
وهذا من غرائب الأمور التي يكرّرها أهل الإلحاد دائماً، فالأصل هو وجودُ الله تعالى وليس العكس ! { أفي الله شكّ فاطر السماوات والأرض } ( إبراهيم : 10 ).
لأننا نرى كلّ يوم في أنفسنا وفي ما حولنا بدائع خلق الله تعالى، ودلائل وجوده، فمن الحمق مثلا أن يقول قائل لا وجود لدليل يثبت بأن السيارة لها صانعٌ ! وهو يرى السيارات صباح مساءٍ مصنوعةٍ يستحيل أن تأتي من نتاج صدفةٍ أو بدون صانع، فما بالك بالذي ينكر خلق الإنسان والحيوان والكون وهو أعقدُ وأحكمُ وأكبر من السيارة ؟
إن الملحد الذي يريد أن يدلّس على المؤمن فيطالبه بالدليل على وجود الله تعالى، نواجهه بالقول أنه هو المطالب بإثبات النقيض، أي إعطاء أدلّةٍ على عدم وجود الله، لأنّ الجائز العقلي لا يُنفى من أجل مستحيلٍ عند أهل الألباب، فإن كان هذا في الجائز، فالواجب العقلي أولى بهذه القاعدة، ووجود الله تعالى واجبٌ عقليٌّ، وعدم وجوده سبحانه مستحيلٌ عقليٌّ، فعلى الملحد أن يعطينا أدلّةً على هذا المستحيلِ وليسَ العكس !
وأئمّة الإلحاد يعترفون بعجزهم عن إعطاء أدلّةٍ تنفي وجود الله تعالى، بل جلّ ما عندهم اعتراضاتٌ على بعض مسائل القضاء والقدر وبعض الحكم من تسيير الله تعالى للكون، حيث لم يفقهوها فجنحوا إلى اعتمادها وهي لا ترتقي إلى مراتب الأدلّة ! فهم أشبه بمعارضين اعترضوا على حكمٍ ملكٍ من الملوكِ لأنّهم لم يفقهوا سياسته التدبيريّة واعتبروا ذلك دليلا على عدمِ وجوده !!
ولهذا نقول لك ولكل ملحدٍ، أن انعدام الدليل عندكم، هو في حدّ ذاته دليلٍ على صدقنا، بمعنى أنّا نقول بأن صدق الدعوى من عدمه مرهونٌ بحجم أدلّتها، مفروضاً بقوّة حججها، فإن انعدمت لهذه الدعوى – أي عدم وجود الخالق – الحجج والبراهين، كانت الدعوى مجرّد سفسطةٍ مرسلةٍ لا شيء يعضدها، فيكون نقيضها أولى بالتسليم وأحقّ بالتصديق، لأن مانع القضيّة السّالبة يسلّم جدلاً بنقيضها ولا دفع لمنعه، ومانع القضيّة العقليّة يسلّم جدلاً بالمقدَّم،وعلى المدّعي دفع المنع بإثبات النّقيض. -2-
هذه الأمور فقهها كثيرٌ من الفلاسفة، حتى جعلت الفيلسوف الانجليزي : جون فوستر يقول : " إذا أقررنا بوجود قوانين للطّبيعة، فإن هذا الانتظام يمكن تفسيره ببساطة وعلى أكمل وجهٍ، بوجود إله قادرٍ حكيم " -3-
ومن درر أقوال الفلاسفة قول الفيلسوف الفرنسي أندريه فروسارد André Frossard: " إن خطأ الإنسان المعاصر هو أنه يعيش وكأن الله غير موجود " -4-
الحالة السابعة : لقد اعتنقتُ المذهب الربوبيّ لرؤيتي الحروب التي تسبّبها الأديان !
المذهب الربوبيّ Le déisme، هو مذهبٌ لادينيّ non religieux، قائمٌ على إثبات وجود الله تعالى، لكن يقولون أنه لم ينزل ديناً .. وهو فكرٌ متهافتٌ بينّا بطلانه على منتدى التوحيد -5- . وسنقفُ معه وقفةً مستقلّةً على الشّبكة الإسلاميّة في حينه.
لكن أن سببَ اعتناقك للمذهب الربوبيّ هو مغالطةٌ علميّةٌ تسحبُ العوامل النفسيّة السيكولجيّة على الأديان، فصراع الثقافات التي تصل حتى إلى المواجهة العسكريّة كان قبل الإسلام، واستمرّ بعده. ومردّه إلى أن النفس البشريّة لها أطماعٌ اقتصاديّةٌ وعسكريّة وحبٌّ في التوسّع، وغريزةٌ تريد فرض معتقدٍ معيّنٍ على الآخر .
فالجهاد في الإسلام على مرّ التاريخ، كان لا يخرج عن حالتَين :
إما جهاد الطّلب : حينما تخرق دولةٌ ميثاقاً مع أهل الإسلام، أو تمنع الدعاة عن بيان الحقّ للنّاس، أو تظلم رعاياها وتقتّلهم، فيأتي الإسلام ويسقط ذلك الحكم الجبريّ العنيف، ويخيّر الناس ما بين أن تبقى على دينها أو تعتنق الدين الجديد !
وإمّا جهاد دفعٍ : حينما تحتلّ دولةٌ أخرى أراضٍ إسلاميّة وتريد غزو المسلمين، فيُعلنَ دفع الصّائل.
ولم يخرج عن هاتين الحالتين في تاريخ الإسلام وغزواته المشهورة، فنظريّة الصراع بين البشر معروفةٌ مشتهرةٌ في علم الاجتماع والنّفس، وليس ذلك مردّه إلى الدّين بل إلى طبيعة الإنسان العنيفة. فالحرب العالمية الأولى والثانية لم يكن أهل الإسلام سببها بل كانت المذاهب الفكريّة هي السبب الرئيسيّ لها، وفي دراسةٍ حديثة جاءت نتائجها أن المذاهب الفكرية من لادينيّة وإلحاد .. تسبّبت في مقتل 153 مليون و 368 ألفا و 610 شخص، في القرن العشرين فقط ومقترفوا هذه الجرائم هم 22 نظاماً معتنقاً لمذهبٍ فكريّ معيّنٍ، وأن مجموع الحروب التاريخيّة بلغت 1763 حرباً، 123 منها فقط كانت ذات أسباب دينيّة، بمعنى أنها لا تساوي إلا حوالي 7 في المائة من مجموع الحروب !! -6-
إذن فلا معنى أن تعتنق المذهب الربوبيّ وتلصق أشياءً لم يكن للإسلام فيها شيءٌ وتساويه بالمحرّف من الأديان والمذاهب الفكريّة، فالإسلام دين الحياة والسعادة وليس هو دين القتل والحرب، إنما يجنح دائما للسّلم ولا يحارب إلا المعتدين : { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } ( البقرة : 190) .. { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم } ( الأنفال : 61) .. { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون } ( الأنفال : 24).
هوامش المقال
-1- وتعريفها هي مجموعة من الأفعال السيكولوجية الممارسة على فكر وأفعال جماعةٍ من الناس، وتستعمل كثيرا عبر وسائل الإعلام السمعية البصرية والمكتوبة .
-2- راجع سلسلة مقالاتنا على إسلام ويب : العنقود في بيان الأدلة على واجب الوجود.
-3- مقتطف عن كتاب : كتاب : The Devine Lawmaker، ص : 32.
-4- عن كتاب : الله موجود، فرنسي .
-5- راجع مقالنا " إفحام اللادينيّة" على منتدى التوحيد لحوار المذاهب الفكريّة .
-6- راجع موسوعة الحروب، تشارلز فيليب وألان إكسيلورد – فرنسي -.
http://articles.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=208108
أبو عبد الرحمن الإدريسي - إسلام ويب -
كثيرةٌ هي الأسباب التي جعلتك تضلُّ أيها المخالف، وقد رأينا بعضاً منها كما عدّدها لي بعض الملاحدة، وفي الجزء الثاني من المقالة نستكمل عرضها والجواب عليها، نستكشف بطلانها، ونبيّنُ تهافت أركانها، ونضع أصبعنا على مكمن الخلل المنهجيّ الذي أدّى إليها :
الحالة الخامسة : لقد أخذتُ إلحادي عن أستاذي في الجامعة !
وهذه حالةٌ أخرى من الحالات التي يفرزها " الفراغ الفكري الثقافي " للإنسان، حيث يستغلّ الأستاذ الملحد جهل طلبته بمختلف العلوم خاصّةً الشرعيّة، ويبدأ في ممارسة نوعٍ من التشريب المنهج للطّلبة، حيث يقوم بإدخال إيديولوجيا الإلحاد للطلبة بشكلٍ مبسّط ومرخرفٍ، يطلق عليه عند المتخصصين بـ L'imprégnation des esprits par la propagande.. ، ومعناه تشريب النفوس بالبروباغاندا -1- حيث يتمّ خداع الطّلبة بمتانة فكرٍ معيّن خاصّةً حينما يكون الأستاذ مقرّباً من الطلبة، فيصبح بشعورٍ أو لا شعورٍ قدوةً كبرة لهؤلاء، فلا يرون إلا ما يراه لهم الأستاذ، وهو نفس أسلوب فرعون مصر لكي يخدع به شعبه ويوهمهم بألوهيّته { قال فرعون ما أُريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } ( غافر : 29).
فيرشدهم الأستاذ إلى كتب أباطرة الإلحاد، المعروفين بسلاسة الطرح وتمّكنٍ في الأدب، وزخرفةٍ للباطل، ويبدأ في كل محاضرةٍ يبدأ بضربٍ لمفاهيم الدين دون أن يكون هناك ندٌّ له ليردّ على باطله، أشبه بمصارعٍ خبيرٍ بفنون القتال يستعرض عضلاته على المبتدئين! وهو إن شئتَ من التّقليد المذموم، فالله خلقك أيها الإنسان بعقلٍ مفكّرٍ وفطرةٍ مرشدةٍ، فلا تقع في فخّ تعطيله من أجل تقليد فلاناً أو علاّناً، فيصبحه عقله هو مرشدك الوحيد، وتصبح مقلّداً له في كلّ شيءٍ ! بل يكفي أن تفتح عقلك وتتحلّى بالإنصاف في رحلة بحثك عن الحقّ، وتصغيَ لنداء الفطرة فتكون إن شاء الله من المُبصرينَ .
الحالة السادسة : لقد استنتجتُ أنه لا يوجد دليل على وجود خالق للكون !
وهذا من غرائب الأمور التي يكرّرها أهل الإلحاد دائماً، فالأصل هو وجودُ الله تعالى وليس العكس ! { أفي الله شكّ فاطر السماوات والأرض } ( إبراهيم : 10 ).
لأننا نرى كلّ يوم في أنفسنا وفي ما حولنا بدائع خلق الله تعالى، ودلائل وجوده، فمن الحمق مثلا أن يقول قائل لا وجود لدليل يثبت بأن السيارة لها صانعٌ ! وهو يرى السيارات صباح مساءٍ مصنوعةٍ يستحيل أن تأتي من نتاج صدفةٍ أو بدون صانع، فما بالك بالذي ينكر خلق الإنسان والحيوان والكون وهو أعقدُ وأحكمُ وأكبر من السيارة ؟
إن الملحد الذي يريد أن يدلّس على المؤمن فيطالبه بالدليل على وجود الله تعالى، نواجهه بالقول أنه هو المطالب بإثبات النقيض، أي إعطاء أدلّةٍ على عدم وجود الله، لأنّ الجائز العقلي لا يُنفى من أجل مستحيلٍ عند أهل الألباب، فإن كان هذا في الجائز، فالواجب العقلي أولى بهذه القاعدة، ووجود الله تعالى واجبٌ عقليٌّ، وعدم وجوده سبحانه مستحيلٌ عقليٌّ، فعلى الملحد أن يعطينا أدلّةً على هذا المستحيلِ وليسَ العكس !
وأئمّة الإلحاد يعترفون بعجزهم عن إعطاء أدلّةٍ تنفي وجود الله تعالى، بل جلّ ما عندهم اعتراضاتٌ على بعض مسائل القضاء والقدر وبعض الحكم من تسيير الله تعالى للكون، حيث لم يفقهوها فجنحوا إلى اعتمادها وهي لا ترتقي إلى مراتب الأدلّة ! فهم أشبه بمعارضين اعترضوا على حكمٍ ملكٍ من الملوكِ لأنّهم لم يفقهوا سياسته التدبيريّة واعتبروا ذلك دليلا على عدمِ وجوده !!
ولهذا نقول لك ولكل ملحدٍ، أن انعدام الدليل عندكم، هو في حدّ ذاته دليلٍ على صدقنا، بمعنى أنّا نقول بأن صدق الدعوى من عدمه مرهونٌ بحجم أدلّتها، مفروضاً بقوّة حججها، فإن انعدمت لهذه الدعوى – أي عدم وجود الخالق – الحجج والبراهين، كانت الدعوى مجرّد سفسطةٍ مرسلةٍ لا شيء يعضدها، فيكون نقيضها أولى بالتسليم وأحقّ بالتصديق، لأن مانع القضيّة السّالبة يسلّم جدلاً بنقيضها ولا دفع لمنعه، ومانع القضيّة العقليّة يسلّم جدلاً بالمقدَّم،وعلى المدّعي دفع المنع بإثبات النّقيض. -2-
هذه الأمور فقهها كثيرٌ من الفلاسفة، حتى جعلت الفيلسوف الانجليزي : جون فوستر يقول : " إذا أقررنا بوجود قوانين للطّبيعة، فإن هذا الانتظام يمكن تفسيره ببساطة وعلى أكمل وجهٍ، بوجود إله قادرٍ حكيم " -3-
ومن درر أقوال الفلاسفة قول الفيلسوف الفرنسي أندريه فروسارد André Frossard: " إن خطأ الإنسان المعاصر هو أنه يعيش وكأن الله غير موجود " -4-
الحالة السابعة : لقد اعتنقتُ المذهب الربوبيّ لرؤيتي الحروب التي تسبّبها الأديان !
المذهب الربوبيّ Le déisme، هو مذهبٌ لادينيّ non religieux، قائمٌ على إثبات وجود الله تعالى، لكن يقولون أنه لم ينزل ديناً .. وهو فكرٌ متهافتٌ بينّا بطلانه على منتدى التوحيد -5- . وسنقفُ معه وقفةً مستقلّةً على الشّبكة الإسلاميّة في حينه.
لكن أن سببَ اعتناقك للمذهب الربوبيّ هو مغالطةٌ علميّةٌ تسحبُ العوامل النفسيّة السيكولجيّة على الأديان، فصراع الثقافات التي تصل حتى إلى المواجهة العسكريّة كان قبل الإسلام، واستمرّ بعده. ومردّه إلى أن النفس البشريّة لها أطماعٌ اقتصاديّةٌ وعسكريّة وحبٌّ في التوسّع، وغريزةٌ تريد فرض معتقدٍ معيّنٍ على الآخر .
فالجهاد في الإسلام على مرّ التاريخ، كان لا يخرج عن حالتَين :
إما جهاد الطّلب : حينما تخرق دولةٌ ميثاقاً مع أهل الإسلام، أو تمنع الدعاة عن بيان الحقّ للنّاس، أو تظلم رعاياها وتقتّلهم، فيأتي الإسلام ويسقط ذلك الحكم الجبريّ العنيف، ويخيّر الناس ما بين أن تبقى على دينها أو تعتنق الدين الجديد !
وإمّا جهاد دفعٍ : حينما تحتلّ دولةٌ أخرى أراضٍ إسلاميّة وتريد غزو المسلمين، فيُعلنَ دفع الصّائل.
ولم يخرج عن هاتين الحالتين في تاريخ الإسلام وغزواته المشهورة، فنظريّة الصراع بين البشر معروفةٌ مشتهرةٌ في علم الاجتماع والنّفس، وليس ذلك مردّه إلى الدّين بل إلى طبيعة الإنسان العنيفة. فالحرب العالمية الأولى والثانية لم يكن أهل الإسلام سببها بل كانت المذاهب الفكريّة هي السبب الرئيسيّ لها، وفي دراسةٍ حديثة جاءت نتائجها أن المذاهب الفكرية من لادينيّة وإلحاد .. تسبّبت في مقتل 153 مليون و 368 ألفا و 610 شخص، في القرن العشرين فقط ومقترفوا هذه الجرائم هم 22 نظاماً معتنقاً لمذهبٍ فكريّ معيّنٍ، وأن مجموع الحروب التاريخيّة بلغت 1763 حرباً، 123 منها فقط كانت ذات أسباب دينيّة، بمعنى أنها لا تساوي إلا حوالي 7 في المائة من مجموع الحروب !! -6-
إذن فلا معنى أن تعتنق المذهب الربوبيّ وتلصق أشياءً لم يكن للإسلام فيها شيءٌ وتساويه بالمحرّف من الأديان والمذاهب الفكريّة، فالإسلام دين الحياة والسعادة وليس هو دين القتل والحرب، إنما يجنح دائما للسّلم ولا يحارب إلا المعتدين : { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } ( البقرة : 190) .. { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم } ( الأنفال : 61) .. { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون } ( الأنفال : 24).
هوامش المقال
-1- وتعريفها هي مجموعة من الأفعال السيكولوجية الممارسة على فكر وأفعال جماعةٍ من الناس، وتستعمل كثيرا عبر وسائل الإعلام السمعية البصرية والمكتوبة .
-2- راجع سلسلة مقالاتنا على إسلام ويب : العنقود في بيان الأدلة على واجب الوجود.
-3- مقتطف عن كتاب : كتاب : The Devine Lawmaker، ص : 32.
-4- عن كتاب : الله موجود، فرنسي .
-5- راجع مقالنا " إفحام اللادينيّة" على منتدى التوحيد لحوار المذاهب الفكريّة .
-6- راجع موسوعة الحروب، تشارلز فيليب وألان إكسيلورد – فرنسي -.
http://articles.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=208108