ابن عبد البر الصغير
01-16-2016, 05:02 AM
معاناة ملحد!!
أبو عبد الرحمن الإدريسي - إسلام ويب -
اسمه أحمدٌ الأندلسي، منحدرٌ من أبوين مسلمَين، له اسمٌ رنّانٌ، يتمنّاه ممثّلٌ أو فنّانٌ، عاشَ طفولةً بسيطةً، مفعمةً بمغامراتٍ شقيّةٍ مع أصدقاء حيّه المتوسّط، تركُ الصّلاة سمته منذ الصغر، يصلّي فتراتٍ قصيرةٍ ويقطع، لم يفتح مصنّفاً إسلاميّاً طول حياته، وحسبه من القرآن ما سمعه في بعض المناسبات، أو في المرّات القليلة التي رافق فيها والده ليصلّي صلاة الجمعة. خاوي الفكر لا إسوة له، مدمنٌ على الأفلام، يحبُّ مصاحبةَ الفتيات، يتمنى أن يجد حبّ حياته وهو لازال مراهقاً في المرحلة الثانويّة !
كان موهوباً في الفلسفة، يحبّ مطالعة كتبها، يقرأ آراء روّادها في مواضيع تهمّه، كالسعادة والحبّ والوعي ...
لم يحسب صاحبنا أن حياته ستنقلبُ رأساً على عقبٍ في مرحلة الجامعة، حيث انخرط في شعبة الفلسفة، وما أدارك ما الفلسفة في جامعاتنا، تجد أساتذتها ما بين مؤمنٍ وملحدٍ، ولادينيٍّ وعَلمانيّ، فكان من حظّه العاثر أنه عاش في أوج انتشار تلك المذاهب في بلداننا العربيّة، حيثُ يصدّر الاتحاد السوفياتي فكرهُ، اشتراكيّةٌ شيوعيّةٌ تجدُ لها ممثّلين في شتّى البلدان، من جهةٍ، والولايات المتّحدة الأمريكيّة تحاول أيضا نشر الليبراليّة كمقاومةٍ للدولة الأخرى!
دائماً ما كان يسمع أن الدين أفيونٌ للشعوب، يقولها فلانٌ بن علاّن، أستاذه المرموق الذي يُحسن فنون الإلقاء ! همسَ الطلبةُ في أذن أحمدٍ يوماً، إن فلاناً رئيس الشّعبة، فإن أردتَ نقطاً متميّزةٍ ورسالةً ناجحة في الإجازة، فعليكَ به، اتّبع سنّته شبراً شبراً فتنجى من ضنك أربع سنواتٍ من الدراسة، فنحنُ في سلك الإجازة، وما أدراك ما الإجازة، إن كانت في جيبك انفتحت لك آفاق الوظائف المرموقة، والرواتب السخيّة، والمكاتب الفخمة!
فكان ذلك، فصاحبَ أحمدٌ أستاذه، يتملّقه في كلّ حينٍ وساعة، حتى من محفظته الثقيلة يحملها عنه تلميذه النّجيب ! رأى فيه الأخير شهادة الإجازة متجسّدةً فيه تحلّق في فضاء الجامعة، ورأى فيه الأستاذ مشروع ملحدٍ يحملُ الرّاية بعده . فمن تناقضات الملاحدة أنهم عوض أن يعيشوا حياتهم في ملاهي الحياةٍ يضيّعون أوقاتهم في محاولة نشر إلحادهم بين المسلمين، فشيطان الملحد موجودٌ يلقي إليه بالوسوسة، هو موجودٌ وإن لم يؤمن الملحدُ بوجوده !
ألقى إليه الأستاذ الشبهات تلو الشبهات، وأرشده إلى كتب الفلاسفة الملحدين، وصاحبنا لا حظّ له من العلم الشرعيّ، فباع عقله بفلسٍ لأستاذه، لا يرى إلا ما يراه أستاذه. وهكذا بعد سنتين أتت لحظة الكفر، فترك الإسلام سرّاً، يزعمه بين ظهراني عائلته الصغيرة وجيرانه، أما ما تُبطن نفسه فشيءٌ آخر.
استحلَى الإلحاد وعشقه، فهو الآن يشربُ الخمر، ويزني مع بنات الهوى، وينساق وراء ما تملي له نفسه دون معاتبة الضمير .. فحياتنا عبثيّةٌ عنده، لا خالق، ولا حساب ولا عقاب، إنّما هي أرحامٌ تدفع، وأرضٌ تبلع .
تخرّج صاحبنا وعُيّن أستاذاً للفلسفة في الثانويّة، فرصةٌ لكي يفرد عضلاته على مراهقي الثانويّة ! تزوّج صاحبنا، وأنجب، بل وأكمل دراسته إلى سلك الدكتوراه وتخصص في فلسفة نتشه، ومن لا يعرفه ؟ ذلك الملحد الذي مات أبشع ميتةً، في عدميّةٍ قاتلةٍ، وضنكٍ مظلمٍ !!
يرى أحمدٌ في نفسه أنَه أتى بما لم يأتِ به الأوائل ! احتقر المجتمع، فالناس عنده ظلاميّون، يمجّد الغربَ أيّما تمجيدٍ، لم يستطع صاحبنا أن يشخّص حالته إلا حينما بدأ يقرأ للفلاسفة المؤمنين، عرف أنه يعاني أزمتين : أزمة معنىً، وأزمة هويّةٍ .
ياولي، يقول صاحبنا في نفسه، لم أقرأ هذا الكلامَ أيّام دراساتي الجامعيّة، حسب المسكين أن الغالبيّة من المفكّرين ملاحدةٌ ! ولم يصطدم بالحقيقة المرّة إلا حينما بدأ يتعمّق في الجانب الآخر !!
كانت الفطرةُ في كلّ مرّةٍ تناديه : ويحك آمن إن الله موجودٌ، كان يحسبها مشاغبةٌ عقليّةٌ تأتيه حينما كان لا يعاقر الخمر لأيّامٍ، وكلّما تأتيه تلك الخطرات يقرر كبتها وقمعها بسهرةٍ في حانةٍ، كان دائمَ الشكّ والحيرة، خاصّةً حينما قرر مرّةً اقتناء ثلاثة كتب لمفكّرٍ إسلاميّ، قرأ بضع صفحاتٍ من الكتاب الأوّل، فوجد الشبهات التي يجيبُ عليها الكتاب هي عينها التي حدّثه بها أستاذه !! لم يكن يعرف أن أهل الإسلام أجابوا عنها، بل كانت في نظره قاصمةً لن يستطيع مسلمٌ تناولها وبيان تهافتها! قرّر التوقّف عن القراءة وتناوُل الكتاب الثاني ! فإذا به ينقض المذاهب الفلسفيّة الإلحاديّة كاملةً !! بعدما أتمّ الصفحة الأولى، راجع الفهرسَ، فوجد أن المؤلّف قد أحاط بما حسبه فوق طاقة المسلمين!
توقّف وقرأ بضع فقرات من الكتاب الثالث، فإذا به خواطر إيمانيّةٌ لقضايا معاصرةٍ، طوىَ الكتاب وأخرج سيجارةً أشعلها وهو يفكّر : ماذا لو كان الإسلام فعلا دينا منزلا من عند الله ؟ ماذا لو كنت على خطأ وهم على صوابٍ ؟
ماذا سأخسر لو كنتُ مؤمناً بالله ؟ وماذا لو كان الله موجوداً ؟
وصلَ صاحبنا لمنزلةٍ في الفلسفةِ عرف فيها أن الإلحادَ في حقيقة أمره ليس بذاك الفكر القويّ ! فهو لم يفهم مطلقاً كيف أن الإلحاد يزعم أنه لا يملك أدلةً تنفي وجود الله، وفي نفس الوقتِ يتخذ موقفا ويقول بعدم وجوده !
أحمدٌ يشارف على دخول الستّين من عمره، يعرف أن سعادته ناقصةٌ، وأن الإلحاد ذو أشواكٍ لا يجعلك تذوق راحة البال، ولا يخفف من وطأته إلا انشغاله بأمور الحياة والتزاماتها! فصاحبنا إن رأيته عرفتَ أنه فعلا يعيش حياةً بائسةً في باطنها، غائر العينين، محمرّ الوجنتين من كثرة إدمانه على الخمر، ضعيف الجسد، يكاد العظم يغلبُ على اللّحم!
مضتِ الأيام وصاحبنا على حاله، كلّ مشكلةٍ في حياته ما تزيده إلا همّاً وحزناً، فكان خبرٌ هزّ كيانه هزّاً، فقد توفي والده الكهل، أحسّ صاحبنا ببردة العرق يتصبب عند سماع الخبر النازل كالصاعقة على رأسه، لكم تمنّى أن يعانق والده في حياته ويشكو له همومه لعلّه يرشده ! لكنه لاشعوريّا كان يعرف جواب والده، هذا الأخير الذي كان بسيطاً في حياته، بشوشاً في وجهه، عاش حياةً سعيدةً لم يعشها ابنه ! شيءٌ طبيعيٌّ فتلك بركات الإيمان !
بكى صاحبنا بحرقةٍ، ليس لوفاة والده فحسب، بل لكلّ ما يعيشه من تعاسةٍ، ما كان يحسب أن حياته ستكون هكذا، تمنّى أنه لم يلتق أستاذه أبداً !! تمنّى فقط أن يعيش حياة سعيدةً كوالده . لكن هيهات هيهات. يا ويلي اليوم أبي وغداً أنا ؟ فكم سأعيش بعد الستّين ؟
جنازة مهيبة مرت، حين الدفنِ بدأ بعض حفظة القرآن بقراءة سورة يس، على عادة ذلك المجتمع في الدفن، منذ زمنٍ لم يسمع القرآن، ولا يؤمن به، ومع ذلك أحبّ سماعه في ذلك الموقف، فقد وجد في تلك الآيات سلواه، لا يعرف لماذا لكنه هكذا شَعر !
قرّر بعد الدفنِ أن يصبح معتنقاً للاأدريّة، فقد ضاق ذرعا بالإلحاد، وبنتشه، وسارتر، وفيورباخ، هو الآن متوقّفٌ في المعتقد لا يدري، ذهب لمكتبه وجلس وأغمض عينيه، ثمّ مسح بكفّيه وجهه. وضع كتاب المفكّر الإسلاميّ أمامه، ولم يفتحه فأشعل سيجارةً، وبدأ يتأمّله!
هل يفتح الكتاب ليقرأه، أم يعيده إلى الرفّ ؟
صاحبنا مرّةً أخرى يقف في مفترق الطّرق، فهل سيقرأ الكتاب ؟ هل سيقتنع به ؟ هل سيؤمن بالإسلام ؟ هل وهل وهل ...
أسئلةٌ تتراكم، لا نملك جوابها، فصاحبنا لازال على قيد الحياة، وإن في القصّة لعبرةً لكل صغار السنّ ممن لازالوا راجلين في الإلحاد، فهل تريد مثل هذا المصير ؟ أم ستتدارك نفسك ؟ فإن كنت تريده فهنيئاً لك الضنك ونشفق عليك منه، لكنك بهذا لن تجني إلا على نفسك .
http://articles.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=208822
أبو عبد الرحمن الإدريسي - إسلام ويب -
اسمه أحمدٌ الأندلسي، منحدرٌ من أبوين مسلمَين، له اسمٌ رنّانٌ، يتمنّاه ممثّلٌ أو فنّانٌ، عاشَ طفولةً بسيطةً، مفعمةً بمغامراتٍ شقيّةٍ مع أصدقاء حيّه المتوسّط، تركُ الصّلاة سمته منذ الصغر، يصلّي فتراتٍ قصيرةٍ ويقطع، لم يفتح مصنّفاً إسلاميّاً طول حياته، وحسبه من القرآن ما سمعه في بعض المناسبات، أو في المرّات القليلة التي رافق فيها والده ليصلّي صلاة الجمعة. خاوي الفكر لا إسوة له، مدمنٌ على الأفلام، يحبُّ مصاحبةَ الفتيات، يتمنى أن يجد حبّ حياته وهو لازال مراهقاً في المرحلة الثانويّة !
كان موهوباً في الفلسفة، يحبّ مطالعة كتبها، يقرأ آراء روّادها في مواضيع تهمّه، كالسعادة والحبّ والوعي ...
لم يحسب صاحبنا أن حياته ستنقلبُ رأساً على عقبٍ في مرحلة الجامعة، حيث انخرط في شعبة الفلسفة، وما أدارك ما الفلسفة في جامعاتنا، تجد أساتذتها ما بين مؤمنٍ وملحدٍ، ولادينيٍّ وعَلمانيّ، فكان من حظّه العاثر أنه عاش في أوج انتشار تلك المذاهب في بلداننا العربيّة، حيثُ يصدّر الاتحاد السوفياتي فكرهُ، اشتراكيّةٌ شيوعيّةٌ تجدُ لها ممثّلين في شتّى البلدان، من جهةٍ، والولايات المتّحدة الأمريكيّة تحاول أيضا نشر الليبراليّة كمقاومةٍ للدولة الأخرى!
دائماً ما كان يسمع أن الدين أفيونٌ للشعوب، يقولها فلانٌ بن علاّن، أستاذه المرموق الذي يُحسن فنون الإلقاء ! همسَ الطلبةُ في أذن أحمدٍ يوماً، إن فلاناً رئيس الشّعبة، فإن أردتَ نقطاً متميّزةٍ ورسالةً ناجحة في الإجازة، فعليكَ به، اتّبع سنّته شبراً شبراً فتنجى من ضنك أربع سنواتٍ من الدراسة، فنحنُ في سلك الإجازة، وما أدراك ما الإجازة، إن كانت في جيبك انفتحت لك آفاق الوظائف المرموقة، والرواتب السخيّة، والمكاتب الفخمة!
فكان ذلك، فصاحبَ أحمدٌ أستاذه، يتملّقه في كلّ حينٍ وساعة، حتى من محفظته الثقيلة يحملها عنه تلميذه النّجيب ! رأى فيه الأخير شهادة الإجازة متجسّدةً فيه تحلّق في فضاء الجامعة، ورأى فيه الأستاذ مشروع ملحدٍ يحملُ الرّاية بعده . فمن تناقضات الملاحدة أنهم عوض أن يعيشوا حياتهم في ملاهي الحياةٍ يضيّعون أوقاتهم في محاولة نشر إلحادهم بين المسلمين، فشيطان الملحد موجودٌ يلقي إليه بالوسوسة، هو موجودٌ وإن لم يؤمن الملحدُ بوجوده !
ألقى إليه الأستاذ الشبهات تلو الشبهات، وأرشده إلى كتب الفلاسفة الملحدين، وصاحبنا لا حظّ له من العلم الشرعيّ، فباع عقله بفلسٍ لأستاذه، لا يرى إلا ما يراه أستاذه. وهكذا بعد سنتين أتت لحظة الكفر، فترك الإسلام سرّاً، يزعمه بين ظهراني عائلته الصغيرة وجيرانه، أما ما تُبطن نفسه فشيءٌ آخر.
استحلَى الإلحاد وعشقه، فهو الآن يشربُ الخمر، ويزني مع بنات الهوى، وينساق وراء ما تملي له نفسه دون معاتبة الضمير .. فحياتنا عبثيّةٌ عنده، لا خالق، ولا حساب ولا عقاب، إنّما هي أرحامٌ تدفع، وأرضٌ تبلع .
تخرّج صاحبنا وعُيّن أستاذاً للفلسفة في الثانويّة، فرصةٌ لكي يفرد عضلاته على مراهقي الثانويّة ! تزوّج صاحبنا، وأنجب، بل وأكمل دراسته إلى سلك الدكتوراه وتخصص في فلسفة نتشه، ومن لا يعرفه ؟ ذلك الملحد الذي مات أبشع ميتةً، في عدميّةٍ قاتلةٍ، وضنكٍ مظلمٍ !!
يرى أحمدٌ في نفسه أنَه أتى بما لم يأتِ به الأوائل ! احتقر المجتمع، فالناس عنده ظلاميّون، يمجّد الغربَ أيّما تمجيدٍ، لم يستطع صاحبنا أن يشخّص حالته إلا حينما بدأ يقرأ للفلاسفة المؤمنين، عرف أنه يعاني أزمتين : أزمة معنىً، وأزمة هويّةٍ .
ياولي، يقول صاحبنا في نفسه، لم أقرأ هذا الكلامَ أيّام دراساتي الجامعيّة، حسب المسكين أن الغالبيّة من المفكّرين ملاحدةٌ ! ولم يصطدم بالحقيقة المرّة إلا حينما بدأ يتعمّق في الجانب الآخر !!
كانت الفطرةُ في كلّ مرّةٍ تناديه : ويحك آمن إن الله موجودٌ، كان يحسبها مشاغبةٌ عقليّةٌ تأتيه حينما كان لا يعاقر الخمر لأيّامٍ، وكلّما تأتيه تلك الخطرات يقرر كبتها وقمعها بسهرةٍ في حانةٍ، كان دائمَ الشكّ والحيرة، خاصّةً حينما قرر مرّةً اقتناء ثلاثة كتب لمفكّرٍ إسلاميّ، قرأ بضع صفحاتٍ من الكتاب الأوّل، فوجد الشبهات التي يجيبُ عليها الكتاب هي عينها التي حدّثه بها أستاذه !! لم يكن يعرف أن أهل الإسلام أجابوا عنها، بل كانت في نظره قاصمةً لن يستطيع مسلمٌ تناولها وبيان تهافتها! قرّر التوقّف عن القراءة وتناوُل الكتاب الثاني ! فإذا به ينقض المذاهب الفلسفيّة الإلحاديّة كاملةً !! بعدما أتمّ الصفحة الأولى، راجع الفهرسَ، فوجد أن المؤلّف قد أحاط بما حسبه فوق طاقة المسلمين!
توقّف وقرأ بضع فقرات من الكتاب الثالث، فإذا به خواطر إيمانيّةٌ لقضايا معاصرةٍ، طوىَ الكتاب وأخرج سيجارةً أشعلها وهو يفكّر : ماذا لو كان الإسلام فعلا دينا منزلا من عند الله ؟ ماذا لو كنت على خطأ وهم على صوابٍ ؟
ماذا سأخسر لو كنتُ مؤمناً بالله ؟ وماذا لو كان الله موجوداً ؟
وصلَ صاحبنا لمنزلةٍ في الفلسفةِ عرف فيها أن الإلحادَ في حقيقة أمره ليس بذاك الفكر القويّ ! فهو لم يفهم مطلقاً كيف أن الإلحاد يزعم أنه لا يملك أدلةً تنفي وجود الله، وفي نفس الوقتِ يتخذ موقفا ويقول بعدم وجوده !
أحمدٌ يشارف على دخول الستّين من عمره، يعرف أن سعادته ناقصةٌ، وأن الإلحاد ذو أشواكٍ لا يجعلك تذوق راحة البال، ولا يخفف من وطأته إلا انشغاله بأمور الحياة والتزاماتها! فصاحبنا إن رأيته عرفتَ أنه فعلا يعيش حياةً بائسةً في باطنها، غائر العينين، محمرّ الوجنتين من كثرة إدمانه على الخمر، ضعيف الجسد، يكاد العظم يغلبُ على اللّحم!
مضتِ الأيام وصاحبنا على حاله، كلّ مشكلةٍ في حياته ما تزيده إلا همّاً وحزناً، فكان خبرٌ هزّ كيانه هزّاً، فقد توفي والده الكهل، أحسّ صاحبنا ببردة العرق يتصبب عند سماع الخبر النازل كالصاعقة على رأسه، لكم تمنّى أن يعانق والده في حياته ويشكو له همومه لعلّه يرشده ! لكنه لاشعوريّا كان يعرف جواب والده، هذا الأخير الذي كان بسيطاً في حياته، بشوشاً في وجهه، عاش حياةً سعيدةً لم يعشها ابنه ! شيءٌ طبيعيٌّ فتلك بركات الإيمان !
بكى صاحبنا بحرقةٍ، ليس لوفاة والده فحسب، بل لكلّ ما يعيشه من تعاسةٍ، ما كان يحسب أن حياته ستكون هكذا، تمنّى أنه لم يلتق أستاذه أبداً !! تمنّى فقط أن يعيش حياة سعيدةً كوالده . لكن هيهات هيهات. يا ويلي اليوم أبي وغداً أنا ؟ فكم سأعيش بعد الستّين ؟
جنازة مهيبة مرت، حين الدفنِ بدأ بعض حفظة القرآن بقراءة سورة يس، على عادة ذلك المجتمع في الدفن، منذ زمنٍ لم يسمع القرآن، ولا يؤمن به، ومع ذلك أحبّ سماعه في ذلك الموقف، فقد وجد في تلك الآيات سلواه، لا يعرف لماذا لكنه هكذا شَعر !
قرّر بعد الدفنِ أن يصبح معتنقاً للاأدريّة، فقد ضاق ذرعا بالإلحاد، وبنتشه، وسارتر، وفيورباخ، هو الآن متوقّفٌ في المعتقد لا يدري، ذهب لمكتبه وجلس وأغمض عينيه، ثمّ مسح بكفّيه وجهه. وضع كتاب المفكّر الإسلاميّ أمامه، ولم يفتحه فأشعل سيجارةً، وبدأ يتأمّله!
هل يفتح الكتاب ليقرأه، أم يعيده إلى الرفّ ؟
صاحبنا مرّةً أخرى يقف في مفترق الطّرق، فهل سيقرأ الكتاب ؟ هل سيقتنع به ؟ هل سيؤمن بالإسلام ؟ هل وهل وهل ...
أسئلةٌ تتراكم، لا نملك جوابها، فصاحبنا لازال على قيد الحياة، وإن في القصّة لعبرةً لكل صغار السنّ ممن لازالوا راجلين في الإلحاد، فهل تريد مثل هذا المصير ؟ أم ستتدارك نفسك ؟ فإن كنت تريده فهنيئاً لك الضنك ونشفق عليك منه، لكنك بهذا لن تجني إلا على نفسك .
http://articles.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=208822