المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في معنى الانسان



احمد عبدالقادر حسن
03-15-2016, 03:02 AM
السلام عليكم اخواني واخواتي

سأسرد بعض الآيات الكريمات ثم اطرح تساؤلي

( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) الأحزاب / 72
(وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا) الإسراء (11)
(إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا) المعارج (19)
(قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) عبس (17)
(بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) القيامة (5)
(وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ) الحج (66)
(وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) إبراهيم (34)
(قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا) الإسراء (100)

وصفت هذه الآيات الجنس الانساني او الجبلة او الطبع الانساني بأنه كفور، ظلوم، جهول، فاجر، هلوع، قتور ...

النقطة هي كالتالي: هذه صفات ذكرتها الآيات لطباع الجنس الانساني، بالتالي هي صفات وضعها خالق هذه الخليقة ... ولا يتصور ان يكون زيد او عمر من الناس (حتى وان كان كافرا) هو من جعل الجنس الانساني كفوراً ظلوماً جهولا

اذاً ماهو وجه ذم الخالق لبعض الصفات الجبلية والطباع في تركيبة الجنس الانساني، وهو من خلق الجنس الانساني اصلاً ؟

بوركتم

ابن سلامة القادري
03-15-2016, 12:39 PM
حسنا أخي الكريم أحمد ، بيانه إن شاء الله من وجوه :

الأول : أن القرآن نزل بالحكمة و الموعظة الحسنة ، و هذا ظاهر في سياق الآيات و السور التي وردت فيها كلمة الإنسان و ظروفها و قرائنها ، بحيث ستجد أنها وردت بكثرة في السور المكية أي في بدايات عهد الدعوة و لما يدخل الناس في دين الله أفواجا، و عدد ورودها في القرآن إجمالا 65 مرة ، و في السور المكية وحدها وردت 57 مرة ، أي 8 مرات فقط بعد دخول الناس في دين الله أفواجا و استتبات الإيمان و الأمان !
، و هذا يتجلى فيه بديع مخاطبة الله تعالى للمكيين في بداية الدعوة و للبشر الخاطئين الذين ضلوا السبيل على شاكلتهم عموما و استمالتهم إلى الحق بالحكمة و الموعظة الحسنة و الرجوع بهم إلى الفطرة بالتي هي أحسن و كأنه يجري لهم عملية جراحية أو يعالجهم نفسيا إذ يخاطب فيهم إنسانيتهم و يواجههم بنقائصهم مع الإيعاز إليهم في الآن ذاته بإنهم يستطيعون تحديها و مغالبتها و التخلص منها إن هم جاهدوا أنفسهم و استعانوا بالله خالقهم عليها، و فيه تعليم للنبي صلى الله عليه و سلم بأن يرفق و يتأنى مع القوم الذين بُعث فيهم، فلا يخاطبهم بسبهم بما وقعوا فيه ابتداء بجهلهم و ضعفهم ، لا يخاطبهم بلفظ الكافر أو الفاسق أو الفاجر حال ذكر نقائصهم البشرية ليعطيهم مجالا إلى مغالبتها من باب مغالبة القدر بالقدر كما سنبين في النقطة التالية.

الوجه الثاني : أن الأصل في الإنسان أنه مخلوق من الأرض و جاءت طبائعه باختلاف طبائعها بقدر الله تعالى العليم بأسرار هذا الإنسان من قبل أن يخلقه و ابتلاء منه تعالى و تيسيرا لما سيُخلق له جنة أو نار. ففي الحديث عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ ، مِنْهُمُ الْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ وَالْأَبْيَضُ وَالْأَصْفَرُ، وَبَيْنَ ذَلِكَ ، وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ ، وَالْخَبِيثُ وَالطِّيبُ ) .
أخرجه الترمذي (2955) وابن حبان: ( 6160 ) ، وصحّحه الألباني في" الصحيحة " (1630).

قال الشيخ علي القاري في ''شرح مشكاة المصابيح'' :

''قال الطيبي : ولما كانت الأوصاف الأربعة ظاهرة في الإنسان والأرض أجريت على حقيقتها ، وأولت الأربعة الأخيرة لأنها من الأخلاق الباطنة ، فإن المعني بالسهل الرفق واللين ، وبالحزن الخرق والعنف ، وبالطيب الذي يعني به الأرض العذبة المؤمن الذي هو نفع كله ، بالخبيث الذي يراد به الأرض السبخة الكافر الذي هو ضر كله ، والذي سبق له الحديث هو الأمور الباطنة ؛ لأنها داخلة في حديث القدر بالخير والشر ، وأما الأمور الظاهرة من الألوان ، وإن كانت مقدرة فلا اعتبار لها فيه اهـ .
ويمكن أن يكون لها اعتبار إشارة إلى أن هذه الأوصاف والآثار بمنزلة هذه الألوان في كونها تحت الأقدار غايته أن الأوصاف قابلة للزيادة ، والنقصان بحسب الطاعة والإمكان لمجاهدة الإنسان بخلاف الألوان ، وإن نظرت إلى الحقيقة فلا تبديل ، ولا تغيير لخلق الله ، وهذا معنى قوله : جف القلم على علم الله .''

فالله تعالى خالق الطبائع ومقلب القلوب عالم بالغيب و الشهادة يعلم ما بين أيدينا و ما خلفنا تارة يبتلينا بالخير و الشر و يمحصنا و تارة يمنحنا الخصائص النفسية التي نستحقها جزاء وفاقا بحسب أعمالنا إن خيرا أو شرا و لا يظلم ربك أحدا.

الوجه الثالث : المقابلة بين الصفات الإنسانية و الصفات الإلهية حيث يخبرنا الله جل و علا باتصاف الإنسان بالنقص و حاجته إلى الكمال، و يُعرّفنا بذاته العلية في الآن ذاته و باتصافه تعالى بالكمال المطلق من جميع الوجوه فله المثل الأعلى، كما قال ابن كثير رحمه الله : والله تعالى يصف الإنسان من حيث هو ، إلا من وفقه الله وهداه ؛ فإن البخل والجزع والهلع صفة له ، كما قال تعالى : ( إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين ) [ المعارج : 19 - 22 ] . ولهذا نظائر كثيرة في القرآن العزيز ، ويدل هذا على كرمه وجوده وإحسانه ، وقد جاء في الصحيحين : " يد الله ملأى لا يغيضها نفقة ، سحاء الليل والنهار ، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه " .
و على هذا يتأسس لدينا التوحيد و الإخلاص لله تعالى في الأقوال و الأعمال ظاهرا و باطنا بمقتضى حاجتنا المطلقة إلى الله تعالى فلا نعول على أنفسنا الناقصة المنتقصة.

و الله المستعان عليه توكلنا

مستفيد..
03-15-2016, 03:04 PM
وعليكم السلام أخي أحمد
قد يُذْكَرُ الإنسان أحيانا ويراد به الكافر على وجه التخصيص لا على وجه العموم وعلة التخصيص هنا حاصلة بوجود أعيان في الواقع ليسوا بالظلمة ولا بالجهلة ((من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)) إذن فالمقصود بوصف الكفر والفجور هو الإنسان الكافر والفاجر لا عموم الإنسان ..
وقد تكون صفات الجهل والظلم فطرية كم تفضلت ولكن لا يعني أنها علة ظلمهم وجهلهم نظرا لما أودع الله في النفس من نقيض تلك الصفات ( ونفس وما سواها فألهما فجورها وتقواها ) فكأني بالسائل توقف عند قوله تعالى ( فألهما فجورها )..
وقد تكون تلك الاوصاف استأنافا بيانيا في الآية وليست جملة تعليلية وهو ما يراه بعض أهل العلم كابن عاشور بمعنى أن صفات الظلم والجهل هي بيان لحال الإنسان نتيجة تحمله الأمانة لا أن الظلم والجهل هما علة تحمل الأمانة. هذا بإيجاز

و لابن عاشور تفصيل جميل ذكره في التحرير والتنوير :
(( وجملة إنه كان ظلوما جهولا محلها اعتراض بين جملة وحملها الإنسان والمتعلق بفعلها وهو ليعذب الله المنافقين الخ . ومعناها استئناف بياني لأن السامع خبر أن الإنسان تحمل الأمانة فيترقب معرفة ما كان من حسن قيام الإنسان بما حمله وتحمله وليست الجملة تعليلية لأن تحمل الأمانة لم يكن باختيار الإنسان فكيف يعلل بأن حمله الأمانة من أجل ظلمه وجهله .
فمعنى كان ظلوما جهولا أنه قصر في الوفاء بحق ما تحمله تقصيرا : بعضه من عمد وهو المعبر منه بوصف ظلوم ، وبعضه عن تفريط في الأخذ بأسباب الوفاء وهو المعبر عنه بكونه جهولا ، فظلوم مبالغة في الظلم وكذلك جهول مبالغة في الجهل .
والظلم : الاعتداء على حق الغير وأريد به هنا الاعتداء على حق الله الملتزم له بتحمل الأمانة ، وهو حق الوفاء بالأمانة .
والجهل : انتفاء العلم بما يتعين علمه ، والمراد به هنا انتفاء علم الإنسان بمواقع الصواب فيما تحمل به ، فقوله إنه كان ظلوما جهولا مؤذن بكلام محذوف يدل هو عليه إذ التقدير : وحملها الإنسان فلم يف بها إنه كان ظلوما جهولا ، فكأنه قيل : فكان ظلوما جهولا ، أي ظلوما ، أي في عدم الوفاء بالأمانة ؛ لأنه إجحاف بصاحب الحق في الأمانة أيا كان ، وجهولا في عدم تقدير قدر إضاعة الأمانة من المؤاخذة المتفاوتة المراتب في التبعة بها ، ولولا هذا التقدير لم يلتئم الكلام لأن الإنسان لم يحمل الأمانة باختياره بل فطر على تحملها .
ويجوز أن يراد ظلوما جهولا في فطرته ، أي في طبع الظلم ، والجهل فهو معرض لهما ما لم يعصمه وازع الدين ، فكان من ظلمه وجهله أن أضاع كثير من الناس الأمانة التي حملها .
ولك أن تجعل ضمير ( إنه ) عائدا على الإنسان وتجعل عمومه مخصوصا بالإنسان الكافر تخصيصا بالعقل لظهور أن الظلوم الجهول هو الكافر .
أو تجعل في ضمير ( إنه ) استخداما بأن يعود إلى الإنسان مرادا به الكافر وقد أطلق لفظ الإنسان في مواضع كثيرة من القرآن مرادا به الكافر كما في قوله تعالى ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا الآية ، وقوله يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الآيات .
وفي ذكر فعل ( كان ) إشارة إلى أن ظلمه وجهله وصفان متأصلان فيه لأنهما الغالبان على أفراده الملازمان لها كثرة أو قلة .
فصيغتا المبالغة منظور فيهما إلى الكثرة والشدة في أكثر أفراد النوع الإنساني والحكم الذي يسلط على الأنواع والأجناس والقبائل يراعى فيه الغالب وخاصة في مقام التحذير والترهيب . وهذا الإجمال يبينه قوله عقبه ليعذب الله المنافقين إلى قوله ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات فقد جاء تفصيله بذكر فريقين : أحدهما : مضيع للأمانة والآخرة مراع لها .
ولذلك أثنى الله على الذين وفوا بالعهود والأمانات فقال في هذه السورة وكان عهد الله مسئولا وقال فيها من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وقال واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وقال في ضد ذلك وما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه إلى قوله أولئك هم الخاسرون . )) انتهى كلامه رحمه الله

احمد عبدالقادر حسن
03-15-2016, 05:04 PM
بارك الله فيكم اخواني ابن سلامة ومستفيد على مشاركتكم

اخي الكريم مستفيد بارك الله فيك احسنت واجدت.
غير ان ما ذكرتَهُ كان مركزاً على آية عرض الأمانة، وهو ليس مبحث السؤال على وجه الدقة
بينما السؤال - كما ذكرتُ - متعلق بـــ تضافر العديد من الآيات حول معنى ذم الطبع الإنساني

وقد ذكرتَ من جملة التأويلات ان لفظ (الإنسان) في الآيات مراد به الكافر. وهذا معتبر، غير أني في الحقيقة لا أرى ذلك للسبب التالي:
ما يؤيد ان ذم الانسان المذكور في الآيات هو ذم الانسان بشكل عام هو قوله تعالى: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها)
فقد ذكر هنا صراحة لفظ (نفس)، وهو اعم ودقيق وصريح بأن المراد هي النفس الانسانية ذاتها، وليس الكفار

بالتالي من قوله (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها)، يتضح جلياً ان من الهمها الفجور و الهمها التقوى هو نفس المصدر
فإذا كانت هذه الصفة من نفس المصدر، كيف يستقيم ذمها بعد ذلك؟

بمعنى آخر .. للاختصار:
١. (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها)
٢. (بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ)
في (١) توضيح أن النفس قد الهمها الخالق الفجور .. وفي (٢) ذم للفجور
فكيف يستقيمان؟

بارك الله فيكم وجزاكم خيراً على مجهودكم وتفاعلكم

مستفيد..
03-15-2016, 06:35 PM
جزاكم الله خيرا

ما قيل في آية الأمانة ينسحب على غيرها وإن شئت أخذناها واحدة واحدة..فآية (( بل يريد الإنسان ليفجر أمامه )) عد لما قبلها وما بعدها ستجد تعريف وتقييد لهذا الإنسان فما جاء قبلها قوله تعالى: (( أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ )) ..وما بعدها: (( يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ )) ومن ثم (( يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ )) وثم (( فإذا برق البصر)..من الواضح أن الآيات نزلت في الإنسان الكافر المكذب بالبعث والآية جاءت للتقريع وتحديدا نزلت في عدي بن ربيعة لما جاء النبي وسأله عن القيامة وأحوالها فأخبره النبي بحالها فقال (( لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك يا محمد ولم أومن به أويجمع الله العظام )) فنزلت فيه. كما لا يمكن أن يقال هنا عموم الإنسان لوجود القرينة الصارفة عن هذا العموم وهو وجود الإنسان الغير فاجر المؤمن بالبعث ولو اقتصرنا على الأنبياء والرسل المقربين لكان في ذلك قرينة كافية لصرف اللفظ عن عمومه. ثم لاحظ كيف نسب الله الفجور لإرادة الإنسان (بل يريد الإنسان ) فالأمر متعلق بالإرادة وليس بفطرة فرضت فرضا.
وليس في كلامنا ما يفيد التأويل فأحيانا نستخدم لفظ من قبيل الإنسان يقتل أخيه الإنسان فهل تعني بالضرورة أن كل إنسان يا إما قاتل أو مقتول. مثل هذه الإصطلاحات تفهم من خلال السياق. والآيات تعضد بعضها بعضا والمتشابه يرد إلى المحكم لا العكس.


وآية ( فألهمها فجورها وتقواها ) جميع كتب التفسير تقول أن الإلهام بمعنى التعليم والبيان واللإرشاد وتفصيل الآية جاء في قوله تعالى (( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفروا ))
بل لو بحثنا في فطرة الإنسان وعلى ماذا جبل لوجدناها فطرة سليمة وأن هذا الإنسان خيِّر بالطبع سواء من منطلق إسلامي لقول لنبي (( كل مولود يولد على الفطرة )) أو من منطلق أخلاقي إنساني وهو ما نلمسه في حب الإنسان للفضيلة ونبذه للرذيلة بدليل أن عند سقوطه في ما يخالف أو يناقض تلك الفطرة نجده إما يستتر أو يحاول تبرير موقفه وإلباسها لباس الفضيلة. ومن يقول أن الإنسان شرير وأناني بطبعه أمثال توماس هوبز وغيره فلا شيء يعضد هذ القول من أرض الواقع. ولكانت الأفعال الشريرة هي الأصل تستحسنها النفوس ولا تحتاج لأي تبرير.


ثم لو سلمنا أن التقوى والفجور مغروسة في النفوس غرسا كفطرة فهنا يستوي الأمران وتصير لدينا فطرتان الفجور والتقوى وبالتالي نحتاج لمرجح والمرجح هي إرادة الإنسان وهو ما جاء في الآية اللاحقة (( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها )) فلا معنى إذن للحديث عن دور الفطرة في وجود فطرتان متساويتا الكفة.
ثم لو كان الفجور المذموم هم ذم للفجور الملهم الفطري لكان مدح التقوى بدوره مدح للتقوى الملهمة الفطرية وليس في هذا ما ييستحق المدح أو الذم وليس في هذا ما يستحق العقاب والثواب..وإنما ما يستحق المدح والذم هو الشيء المؤدي لوقوع الفجور أو وقوع التقوى ..هو الشيء المؤدي إلى ترجيح كفة على أخرى ولهذا جاءت الآية (( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ))
إذن حتى لو قلنا أن الفجور فطرة والتقوى فطرة فلا شيء سيتغير لأن كل شيء ما يزال معلقا على إرادة الإنسان الحرة لدورها في الترجيح وكل المدح وكل الذم هو موجه في كل الحالات لتلك الإرادة ولا دخل للذم والمدح بالفجور المجرد أو التقوى المجردة سواء أكانتا فطرة أم لا.

احمد عبدالقادر حسن
03-15-2016, 07:32 PM
بارك الله فيك اخي مستفيد



ثم لو سلمنا أن التقوى والفجور مغروسة في النفوس غرسا كفطرة فهنا يستوي الأمران وتصير لدينا فطرتان الفجور والتقوى وبالتالي نحتاج لمرجح والمرجح هي إرادة الإنسان وهو ما جاء في الآية اللاحقة (( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها )) فلا معنى إذن للحديث عن دور الفطرة في وجود فطرتان متساويتا الكفة.
...
إذن حتى لو قلنا أن الفجور فطرة والتقوى فطرة فلا شيء سيتغير لأن كل شيء ما يزال معلقا على إرادة الإنسان الحرة لدورها في الترجيح وكل المدح وكل الذم هو موجه في كل الحالات لتلك الإرادة ولا دخل للذم والمدح بالفجور المجرد أو التقوى المجردة سواء أكانتا فطرة أم لا.

ممتاز.
اذاً، اتفقنا او سلمنا، من قوله (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها)
ان الله هو من الهم النفس الفجور
وهو من الهمها التقوى

فكيف اذاً نذم فكرة او وجود "الفجور" بحد ذاتها وهي من الهام الله؟ وكذلك نقول في التقوى
نعم .. قد يختار الانسان هذه او تلك ... عندها معنى الذم او الانتقاد يكون على اختيار الانسان
لكن لا نستطيع ان نذم فكرة او ظاهرة او وجود الفجور بحد ذاته، والا كان ذلك ذماً لفعل لله

ابن سلامة القادري
03-15-2016, 07:37 PM
إذا تعديت النقاط التي ذكرنا ستخوض في فلسفة لا طائل من ورائنا و ستتهم القدر، و علم الله محيط، فالزم يا أخي.

مستفيد..
03-15-2016, 08:07 PM
وكأنك تسأل: لماذا خلق الله الشر ؟
ببساطة لو لا وجود الشر لسقط التكليف رأسا فلا قيمة لإرسال الرسل وإنزال الكتب بغياب الشر.
كل شيء في هذا الوجود هو من خلق لله ولا يمكن تصور خلافه إلا بتصور خالقا آخر مع الله وهذا باطل ..لكن إتيان الشرور هو محل البحث هنا فهل إلهام النفس معرفة الشر هو كحث النفس على فعل الشر ؟..لا..هنا يقع الخلط أخي أنت تنظر إليهما كانهما شيء واحد.
من جهة أخرى لا مانع من خلق الشر وذمه لا نرى تعارضا هنا إذا ما نظرتَ إليه من هذا المنظرور: (( ونبلوكم بالشر والخير فتنة )) (( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون..ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين )) فالمحل هو محل اختبار فلا حرج إذن من خلق الشر بل لا بد منه وإلا لما عرفنا معنى الخير ولكان هناك تعارضا مع خلق الإنسان: مخير..حرية الإختيار تستلزم وجود خيارات..فلا بد من خلق الخيارات إذن والتحذير مما لا يرضاه الله وهو عين المطلوب شرعا (( ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ))
من يرى تعارضا بين خلق الشر وذم إتيانه في نفس الوقت هو يطالب ضمنا بخالق يخلق الشر وخالق آخر يذمه ويحذر منه وهنا ندخل في مسألة تعدد الخالقين وهي فكرة باطلة عقلا لا فقط متناقضة..وإما أنه يطالب بعدم خلق الشر من الأساس تجنبا لذمه فنسقط في تناقض برأيه ولكن في ضوء هذه الفكرة هل أبقينا معنى للإختبار والإختيار؟
وكما قلنا لا وجود لأي تعارض في خلق الشرور إن هو إلا توهما نتج عن الخلط بين مفهومين متباينين: خلق الشر والحث على إتيانه. أو الجبر على إتيانه. كان لينهض التعارض أخي أحمد فيما لو أخذنا بالثانية والثالثة في حين أن الإسلام يقول بالأولى.

احمد عبدالقادر حسن
03-16-2016, 01:37 AM
.

جزاك الله خير اخي مستفيد على اضافتك القيمة.
ووالله لقد استفدت كثيراً من هذا الحوار بارك الله فيك على سعة صدرك وكرمك.



وكأنك تسأل: لماذا خلق الله الشر ؟
...
من يرى تعارضا بين خلق الشر وذم إتيانه في نفس الوقت هو يطالب ضمنا بخالق يخلق الشر وخالق آخر يذمه ويحذر منه وهنا ندخل في مسألة تعدد الخالقين وهي فكرة باطلة
ليس السؤال عن لماذا خُلِق الشر، فلنسلم جدلاً بوجود غايات من وجوده.
الموضوع متعلق بمسألة ذم الشر.

فما أريد قوله هو انه لا مشكلة في ذم اختيار او اتيان الانسان للفجور
لكن المشكلة هي في ذم معدن الفجور ذاته!
قد يبدو الفرق اعتباطياً ولكنه ليس كذلك
حيث ان ذم معدن الفجور ذاته، هو ذم لالهام من الهامات الله وذما لحكمته في خلق هذا المعدن
وهذا كان المبحث الاساسي .. فكيف يذم الله هذه المعادن المختلفة من فجور وكفر وغيرها، وهو صانع تلكم المعادن؟

بالاضافة الى ذلك .. التدبر في هذا الكلام ليس مجرد فلسفة، بل له آثره الكبير جداً على اساس مفهوم الاخلاق ومفهوم التربية
فالتصور الذي يوضح ان الفجور والشر معادن خلقها الله، يختار الانسان بينها وبين التقوى
يختلف جوهرياً عن تصور ان الانسان هو ذلك الجاحد مصدر ومنبع الفجور واخترع فكرة الفجور اختراعا
أرى ان التصور الأول صحيح و الثاني خاطئ .. وله تبعاته التربوية والاخلاقية والثقافية العظيمة جداً وفيها خير كثير

مستفيد..
03-16-2016, 02:12 PM
فلنسلم جدلاً بوجود غايات من وجوده.
ولماذا جدلا يا أخي :)


ليس السؤال عن لماذا خُلِق الشر
الموضوع متعلق بمسألة ذم الشر.
أجبتك عن هذا اخي بقولي أن أساس التكليف هو أن يختار الإنسان بين الخير والشر..ولا معنى للتكليف وكون الإنسان خٌلق بإرادة حرة دون ان توفر له خيارات..
إذن وجود الشر هو ضرورة كونية.
لماذا ذم الله الشر؟ هذا مثله ولله المثل الأعلى كأستاذ عرض على تلامذته ورقة إمتحان وحذرهم من اختيار الإجابات الخاطئة. واعتراضاتك هي بالضبط كأن تقول لهذا لأستاذ:
- لماذ توجد في ورقة الإمتحان إجابات خاطئة؟..فيجيبك: الإمتحان يستوجب ذلك وإلا لم يعد إمتحانا ولا معنى بدون إجابات خاطئة لمعاني النجاح والرسوب.
- لا ليس هذا أنا أقصد لماذا قمتَ بذم الإجابات الخاطئة أمام التلاميذ وأنت من وضعها على ورقة الإمتحان أليس هذا تناقضا منك؟ وألا يقدح هذا فيك أنتَ كأستاذ تضع إجابة خاطئة ثم تذمها؟ - فيجيبك: لا وجود لأي تناقض لأن تواجد الإجابات الخاطئة هو ما يستلزمه مسمى الإمتحان (إرادة كونية)..ولا شيء قادح لأن ذمي للإجابات الخاطئة هو توجيه مني للتلاميذ لأن يختاروا الإجابات الصحيحة لأني أريد لهم النجاح والتفوق (إرادة شرعية )
هذه بالضبط اعتراضاتك أخ أحمد


الموضوع متعلق بمسألة ذم الشر.
فما أريد قوله هو انه لا مشكلة في ذم اختيار او اتيان الانسان للفجور
لكن المشكلة هي في ذم معدن الفجور ذاته!
ذم الشر لا يكون إلا باعتبار إضافته للعبد..لأن الشر لا يكون شرا من جهة المقدِّر وإنما يكون شرا من جهة المقدَّر عليه. فالفجور والكفر هي شر باعتبار من نسب إليه الفجور والكفر ( بل يريد الإنسان ليفجر أمامه ) ( قتل الإنسان ما أكفره)..ففعل الشر ينسب للإنسان بينما خلق الشر ينسب لله وهذا طبيعي باعتبار أن كل شيء هو مخلوق لله (( والله خلقكم وما تعملون )) فلا يمكن أن ينسب الشر لله -حشاه سبحانه- إلا في حالة واحدة: أن يكون هذا الإنسان أجبره الله على اختيار الشر. وهذا غير واقع.
فالشر إذن لا يكون شرا من جهة المقدِّر وإنما يكون شرا من جهة المقدَّر عليه ولنأخذ أمثلة أخرى.. لحم الخنزير وصف بأنه رجس..ولكن لحم الخنزير لو نظرنا إليه من منظور التوازن البيئي لوجدنا فيه خير لا شر كأكله لما هو ضار أو دوره في تغذية التربة..إذن وصف الخنزير بالرجس هو ذم متعلق بأكله..ابليس قد تراه أنتَ شر محض وتتعجب لماذا يذمه الله ولكن يكفي ان يكون ابليس سببا في التقرب من الله -بالإستعاذة منه- ليكون في وجوده خير..كما يكفي أن يكون في عدم اتباعه خروج من زمرة الغاوين والدخول في زمرة عباد الله المخلصين..ليكون ابليس سببا في وقوع الخير..وجهنم قد تراها وأراها أنا شر محض لكنها عند الله هي أداة لإقامة أسمى القيم: العدل المطلق. الخمر سمي بأم الخبائث وهي عندك شر محض..ولكنها عند الله هي أداة من يجتنبها يدخل الجنة فيكون في وجودها -لمن اجتنبها- خير. المرض قد تره أنت وأراه شر محض وهو عند الله أداة يتحقق به معنى الصبر (وبشر الصابرين) أو أداة يتحقق به معنى الموت والموت بدوره قدأراه وتراه شر محض ولكنه عند لله أداة به يتحقق معنى البعث ومن دونه تضيق بنا الأرض بما رحبت.. فلا وجود للشر المحض إذا ما نظرنا إليها من جهة المقدِّر سواء علمنا ما وراء خلق الشيء أم جهلنا.


حيث ان ذم معدن الفجور ذاته، هو ذم لالهام من الهامات الله وذما لحكمته في خلق هذا المعدن
ألهمها في جميع كتب التفسير تعني بيَّن لها وأرشدها لمعرفة طريق التقوى من طريق الفجور والإنسان خلقه الله في أحسن تقويم سواء من جهة الخَلقِ أو من جهة الخُلق..وفي الحديث ( كل مولود يولد على الفطرة -أي الإسلام- )..إذن الإلهام هنا ليس كما تفهمه انتَ على أن للفجور فطرة. هناك غريزة صحيح ولكنها غريزة يمكن إشباعها بما هو حلال دون الوقوع في الفسق والفجور. وتسليمنا السابق وحديثنا عن الفطرتين هو من باب التنزل الجدلي لبيان أن المرجح في سلوك الإنسان ينسب في كل الحالات لإرادة الإنسان ولا ينسب لفطرة الفجور -على فرض وجودها-

احمد عبدالقادر حسن
03-16-2016, 03:45 PM
.

جزاك الله كل خير اخي مستفيد. احسنت و أجدت :)
زاد الله من درجاتك في دار الخلود وفتح عليك من رحمته وعلمه.
اسأل الله ان يبارك لنا في هذا التدبر النافع بإذن الله

أجدني متفق معك في عموم ماذكرت، عدا النقطة التالية



ذم الشر لا يكون إلا باعتبار إضافته للعبد..لأن الشر لا يكون شرا من جهة المقدِّر وإنما يكون شرا من جهة المقدَّر عليه. فالفجور والكفر هي شر باعتبار من نسب إليه الفجور والكفر ( بل يريد الإنسان ليفجر أمامه ) ( قتل الإنسان ما أكفره)..ففعل الشر ينسب للإنسان بينما خلق الشر ينسب لله وهذا طبيعي باعتبار أن كل شيء هو مخلوق لله (( والله خلقكم وما تعملون )) فلا يمكن أن ينسب الشر لله -حشاه سبحانه- إلا في حالة واحدة: أن يكون هذا الإنسان أجبره الله على اختيار الشر. وهذا غير واقع.


لهذا وجه آخر، ذلك ان آيات الذم التي كنتُ قد ذكرتُها في بداية هذا الموضوع (أي الآيات التي تصف الانسان بانه كفور ظلوم جهول الخ) كلها بصِيَغ المبالغة، وهذا يفيد ان خروج الشر من حاق الامكان الى حاق الوجود هو ليس ظاهرة فردية، بل هي ظاهرة كثيرة الحدوث، ومن هنا كانت نسبتها الى عموم الجنس الانساني اقرب للحقيقة .. وهذا عليه ادلة كثيرة .. مثل (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) .. وكذلك ((وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا)) .. وآيات اخرى ذُيِّلت باكثر الناس لا يشكرون، لا يعملون، وغير ذلك

فبعد ان خلُصنا الى نسبتها الى عموم الجنس الانسان، ثار السؤال من فوره عن معنى ذم هذه الافعال، فهي عندئذٍ اصبحت (صفة) وليست (فعل)؟ فكيف نذمها؟
كقولنا مثلا: قتل الانسان ما افجره يضطر ان ينام عند التعب ... هنا لا يستقيم ذم الانسان على صفة هي من صفات النوع الانساني ذاته

ولعلنا نجمع الآيات بعضها لبعض ليتضح المعنى ولنقترب من حقيقة الأمر، على الوجه التالي:
(ونفس وسواها فألهمها فجورها وتقواها)
(وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا)
(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)
(اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ)
(وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)

لذلك، يتضح ان الشر والفجور هو ظاهرة انسانية كثيرة الحدوث، عندها لا يستقيم القول بان الفجور و التقوى معدنان متساويان متكافئان يختار الانسان بينهما، بل الآيات تتضافر الى الاشارة بأن وجود الشر هو معنى طاغي وعام على الانسان، بينما كثرة التقوى ليس كذلك ... وهذا يشير الى ان المسألة تتعدى مسألة الاختيار الفردي، وتتجاوز ذلك الى مسألة ظاهرة او صفة او طبع في النوع الانساني ذاته

وقد نعود للمثال الذي ذكَرتَهُ مشكوراً عن المعلم والطالب -مع فرق التشبيه، تعالى الله عن ذلك-
فاذا اعطاهم المعلم دروسا وشرح لهم المنهج وطريقة حل الامتحان بالوجه الصحيح
الآن تأمل في قولان محتملان:

(١) ان يقول لهم: معظمكم واكثركم ياأيها الطلاب سيفشل
(٢) ان يقول لهم: احتمالية النجاح والفشل بينكم متكافئة متوازية

اذا قلنا بالقول الثاني، فهذا يستقيم ولا اشكال فيه ..
اما اذا قلنا بالقول الأول، فهذا يعني ان الفشل على الارجح ليس بسبب من الطالب ذاته، بل لاسباب اخرى كثيرة يطول الحديث فيها

بارك الله فيك على سعة صدرك وعلى صبرك علي :)

مستفيد..
03-16-2016, 06:41 PM
جزاك الله خيرا أخي أحمد ولك بمثل ما دعوت
--

لم يكن اختلافنا في هذا بارك الله فيك..اعتراضك من البداية كان على اعتبار أن الفجور والظلم هي صفات فطرية خلقها الله في الإنسان وعلى هذا بنيت اعتراضك وتساءلت كيف يذم الله الكفر والفجور وهو الذي أودع فيه الكفر والفجور واستدللت بالآيات في غير محلها لكون الظاهر يفيد العموم وقد سقط هذا الإستدلال بإبراز آيات التخصيص وأسباب النزول.

الآن أنت تستدل على نفس الفكرة ولكن بمعطى آخر وهو أن كثرة الداخلين إلى النار دليل على أن الكفر والفجور طبعٌ في غالبية البشر وفي رأيي فكرتك الأولى أقوى في الحجاج لاتكاءك فيها على باب التأويل وإن كان ضعيفا لمعارضته نصوص التخصيص..بينما هذه الفكرة بنيت على مغالطة منطقية لأن كثرة الداخلين إلى النار في الآيات هو من باب الإخبار والتقدير وقد كان في الإمكان أن يدخل جميع المكلفين النار فيما لو كفر جميعهم لا فقط أكثرهم بدليل تخصيص مقعد في النار لكل الخلق كما جاء في الحديث فهل لو أخبرنا الله بأن كل الناس في النار ستتخذها حجة قاطعة على أن الكفر طبع في البشر؟..لا..الجواب الصحيح هو أن جميعهم وقتها قد اختاروا بإرادتهم الحرة الكفر..كما كان في الإمكان أن يختاروا جميعهم الإيمان فيدخل جميعهم الجنة فهل لو وقع وأخبرنا الله بذلك سنحتج عليك نحن بأن الطبع هو الإيمان وليس الكفر؟..نعم في إمكاننا الإحتجاج بذلك لكون كل البشر بالفعل قد خلقوا على الفطرة ولكن الأصح هو القول أن جميعهم نجحوا في الإختبار واختاروا بإرادتهم الحرة الإيمان على الكفر.

المسألة غير متعلقة بالعدد ولو عدتُ بك إلى مثال الأستاذ والتلاميذ لقلنا: معدل النجاح هو 10 نقاط.. ما الاشكال أن يسقط كامل الفصل ؟..ما الإشكال أن ينال ثلثي الفصل معدلات أقل من 10 ؟..هل رسوب ثلثي الفصل يتناقض مع مبدأ تكافئ الفرص..أو يشكك في الشروط الضرورية للإختبار ؟..هل سمعنا يوما وزارة تربية وتعليم تفترض مسبقا نسبة نجاح لا تقل عن النصف كضمان لنزاهة شروط الإختبارات؟
هنا تكمن المغالطة أخي لا يصح أن تجعل من النتيجة مقدمة ومن المقدمة نتيجة..قلبتَ قواعد المنطق يا رجل :)

وما يؤكد قولي ما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا لَهُ مَنْزِلَانِ : مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَإِذَا مَاتَ ، فَدَخَلَ النَّارَ، وَرِثَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْزِلَهُ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ) ).
فكون الله قد جعل لكل مكلف منزلين منزل في الجنة وآخر في النار يعني أن الله قد جعل إمكانية أن يدخل كل المكلفين الجنة أو أن يدخل كل المكلفين النار وأن من دخل النار كان بإمكانه أن يدخل الجنة ومن دخل الجنة كان في الإمكان أن يدخل النار وهذا هو قمة العدل. فالفرص متساوية إذن ولا علاقة للعدد بطبيعة الإنسان أو غريزته.
هي الحرية ولا شيء غيرها (( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ))

احمد عبدالقادر حسن
03-16-2016, 09:02 PM
الآن أنت تستدل على نفس الفكرة ولكن بمعطى آخر

وهو أن كثرة الداخلين إلى النار دليل على أن الكفر والفجور طبعٌ في غالبية البشر ......

...... فهل لو أخبرنا الله بأن كل الناس في النار ستتخذها حجة قاطعة على أن الكفر طبع في البشر؟..لا..الجواب الصحيح هو أن جميعهم وقتها قد اختاروا بإرادتهم الحرة الكفر..
--

لو اتيتك من بلاد الواق واق، وانت لم تزرها و لم تخبر اهلها قط.
ثم اخبرتك اني وجدتهم كلهم عن بكرة ابيهم شعبٌ عبوس،


فأي مما يلي اصدق واقرب للصواب:

(١) ان نقول ان كل واحد منهم، فرداً فرداً،
يختار اختياراً واعياً ارداياً مع بداية كل صباح ان يعبس ويقطب جبينه،
مع قدرته الكاملة ان لا يعبس،
وتكافؤ قدرته على العبوس و قدرته على التبسم؟

(٢) ام نقول ان ذلك على الأرجح من طبع وجبلة اهل هذه البلاد بحكم (على سبيل المثال) صلف الحياة الصحراوية الشاقة في هذه المنطقة التي ترعرعوا و نشؤوا فيها؟

القول الثاني هو الاقرب بلا شك. عندئذٍ هل يستقيم ان نذمهم على عبوسهم؟؟

.

muslim.pure
03-16-2016, 09:37 PM
القول الثاني هو الاقرب بلا شك. عندئذٍ هل يستقيم ان نذمهم على عبوسهم؟؟
جاز ذمهم لاتصافهم بحرية الاختيار فكل من كان مخيرا جاز ذمه و مدحه إلا إن كنت تنفي عنهم حرية الاختيار مثلا

أما عن كثرة أهل النار فلكثرة الشبهات و المكاره و الشهوات لغاية الاختبار
لمَّا خلقَ اللَّهُ الجنَّةَ والنَّارَ أرسلَ جِبريلَ إلى الجنَّةِ ، فقالَ : انظُر إليها وإلى ما أعدَدتُ لأَهْلِها فيها . فنظرَ إليها فرجَعَ ، فقالَ : وعزَّتِكَ لا يسمَعُ بِها أحدٌ إلَّا دَخلَها . فأمرَ بِها فحُفَّتْ بالمَكارِهِ ، فقالَ : اذهَب إليها فانظُر إليها وإلى ما أعددتُ لأَهْلِها فيها . فنَظرَ إليها ، فإذا هيَ قد حُفَّت بالمَكارِهِ ، فقالَ : وعزَّتِكَ لقد خَشيتُ أن لا يدخُلَها أحدٌ . قالَ : اذهَب إلى النَّارِ وإلى ما أعدَدتُ لأَهْلِها فيها . فنظرَ إليها فإذا هيَ يركَبُ بعضُها بَعضًا ، فرجعَ فقالَ : وعزَّتِكَ لا يدخلُها أحدٌ . فأمرَ بِها فحُفَّت بالشَّهواتِ ، فقالَ : ارجِع فانظُر إليها . فنظرَ إليها فإذا هيَ قد حُفَّت بالشَّهواتِ ، فرجعَ وقالَ : وعزَّتِكَ لقد خَشيتُ أن لا ينجُوَ منها أحدٌ إلَّا دَخلَها

الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي

الصفحة أو الرقم: 3772 | خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح

هذا و الله أعلم

مستفيد..
03-16-2016, 09:37 PM
الأخ الفاضل ستكون هذه متابعتي الأخيرة للموضوع ..لا يضيق صدرنا بالأسئلة أبدا كما قد يفهم من تصرفي هذا وإنما لا يخفى على من يقرأ ان الموضوع تحول إلى كشف مغالطات ومع كل مداخلة جديدة مغالطة جديدة. ولا الوقت يسمح بتتبع ومسايرة هذا الأسلوب.
هذه المرة المغالطة في المثال وفي الإسقاط..هل اختيار الكفر أو الإيمان يقاس بصفة مثل "العبوس" والتي هي صفة تخضع لقانون الإنفعال والإنعكاس الشرطي! فلم أسمع أبدا ولا أظن القارئ الكريم سمع يوما أن شخصا ما يختار اليوم أو يوم غد أن يكون عبوسا! وإن قرر خلافه فعل!..وربما في وسعه ان يقسم ساعات يومه ما بين عبوس وغير عبوس!
ثم لماذا اخترت تحديدا البيئة الصحراوية وقمتَ بربطها بالعبوس! هل توجد دراسة تأكد هذا التلازم ؟
عموما الله هو من قال أن الإنسان حر..والله هو من قال أن هذا الإنسان الحر أغلبه سيختار النار والله هو من قال وما ربك بظلام للعبيد.
يعني وقطعا لهذا الجدال على الأخ أن يسأل نفسه: هل أؤمن أن الله حق وأن كلامه حق ؟ هل أؤمن أن الله صادق في كل ما أخبرنا به .؟
إن وجد إجابته نعم فقضي الأمر..وإن لا فناقش الأصول بدل هذا التوهان في فروع تم نقضها شرع وعقلا
رفعت الأقلام مع التحية

احمد عبدالقادر حسن
03-16-2016, 09:49 PM
شكراً جزيلاً
بارك الله فيكم