المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التجريح لمؤتمر التسريح



أحمد بن مسفر العتيبي
08-31-2016, 05:43 PM
هذه سطورٌ وردودٌ مُقتضبة على تَجريح وتَسريح عُلماء ودُعاة غُروزني لأهل التوحيد والسُّنة . نسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق ، ونعوذ بالله من البغي والتمزيق . وقد قال الله تعالى : ” وما اختلف فيه إلا الذين أُوتوه من بعد ما جاءتهم البيَِّنات بغياً بينهم “( البقرة:213 ) .

وقد ثبت عن زياد بن حدير قال، قال لي عمر رضي الله عنه: ” هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ قال: قلت: لا, قال: يهدمه زلة العالِم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين ” . أخرجه الدارمي وصححه الألباني .

هذا التجريح والتسريح نقدته بتوقيع بعض عُلماء الهند وروسيا والعراق والشام ، لدرء شُبهة الإستشهاد برأي عُلماء بلاد الحرمين.

فقد عُقد في غُروزني عاصمة جمهورية الشِّيشان، ولمدّة ثلاثةِ أيَّام مؤتمر عقيم بعنوان : من هُم أهلُ السنَّة والجَماعة ؟ ، بيانٌ وتوصيفٌ لمنهجِ أهل السُّنَّة والجَماعة اعتقادًا وفِقهًا وسلوكًا ، وأثَر الانحرافِ عنه على الواقِع . وقد فرغ المؤتمر من جَلساته وندواته يوم السبت 24 ذو القعدة 1437 الموافق 27 أغسطس 2016 .

يا عُلماء ودعاة غُروزني : قال الإمام الكوفي سفيان الثوري ( ت: 161هـ ) رحمه الله تعالى ” لا يُقبل قول إلا بعمل ولا يستقيم قولٌ وعمل إلا بنية ، ولا يستقيم قولٌ وعملٌ ونية إلا بموافقة السُّنة ” .
نستحلفكم بالله : هل ذلك المؤتمر قام على مقصد خير ، أم لمقصد سوء وتحزيب ؟ ! .
من المحزن أن يقوم ذلك المؤتمر على التجريح والتسريح لسواد عُلماء السنة والجماعة في أنحاء المعمورة من الإمام أحمد بن حنبل (ت: 241هـ ) رحمه الله تعالى إلى عصرنا الحاضر بِعلمائه وأعلامه المغمورين والمعروفين ،ممن يُنافح عن التوحيد وأهله أكثر من مُنافحتهم عن أعراضهم وأنفسهم . فأين العدل والإنصاف ؟! .

وقد ذكر هذه الشهادة عنهم الإمام الذهبي(ت: 748هـ) رحمه الله تعالى في سِّير أعلام النبلاء ، والمحدِّث الألباني(ت: 1420هـ ) رحمه الله تعالى، في مُقِّدمات كتبه السلسلة الضعيفة والموضوعة والصحيحة ، وتحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ، وكثير من القدامى والمحدثين مما لا يتسع المقام لسرد شهاداتهم .

يا عُلماء ودُعاة غُروزني : من المؤسف أن يرعى ذلك المؤتمر جماعة صوفية أشعرية بِدعية تتزعَّم رئاسة غُروزني حالياً .

ومن مثالبهم وطوامِّهم موالاة الروس الملاحدة والتودُّد إليهم ، وتصنيف أهل السنة والجماعة على ميزان أهل البدع لا على ميزان العدل والإتِّباع للحق !. فأين إتباع الدليل والتجرد له ؟! وأين الموحِّدون من مشايخكم عن هذا الخلط والتدليس منكم ؟! .

يا عُلماء ودُعاة غُروزني : من المحزن أن تكون أهم مُخرجات مؤتمر غروزني العقيم : تسريح المتِّبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشارق الأرض ومغاربها ، الداعين لتوحيد الأنبياء ، المُنافحين عن السنة ، المحذرين من البدع : من إستغاثة وتوسل بغير الله وتبرك ممنوع في دين الله ، المعظِّمين لحرمات الله ظاهراً وباطناً . فأين توقير سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومحبته في حُكمكم وتوصيفكم ؟! .

قال الإمام البربهاري (ت: 329 هـ) رحمه الله تعالى : ” واعلم أنَّ العلم ليس بكثرة الرواية والكتب ، ولكن العالِم من اتَّبع الكتاب والسنة وإن كان قليل العلم والكتب . ومن خالف الكتاب والسنة فهو صاحب بدعة وإن كان كثير الرواية والكتب .

واعلم أنه من قال في دين الله برأيه وقياسه وتأوله من غير حجة من السنة والجماعة ، فقد قال
على الله ما لا يعلم ، ومن قال على الله مالا يعلم فهو من المتكلِّفين والحق ما جاء من عند الله عز وجل . ومن اقتصر على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الجماعة فلج – يعني ظفر – على أهل البدعة كلهم ، واستراح بدنه وسلم له دينه إن شاء الله ” أهـ .

يا عُلماء ودُعاة غُروزني : اقرأوا ماذا قال الإمام السمعاني ( ت: 426هـ) رحمه الله تعالى عن
مؤتمركم العقيم وتوصيفكم لأهل السنة الذميم : “من علامات الفرقة الناجية اشتغالهم بالحديث نقلاً وعملاً .

فإن قال قائل إنكم سمَّيتم أنفسكم أهل السنة وما نراكم في ذلك إلا مُدَّعين ، لأنا وجدنا كل فرقة من الفرق تنتحل اتِّباع السنة ، وتنسب من خالفها إلى الهوى وليس على أصحابكم منها سمة وعلامة أنهم أهلها دون من خالفها من سائر الفرق ، فكلها في انتحال هذا اللقب شركاء متكافئون ولستم أولى بهذا اللقب إلا أن تأتوا بدلالة ظاهرة من الكتاب والسنة أو من إجماع أو معقول .

الجواب : قولكم إنه لا يجوز لأحد دعوى إلا ببيِّنة عادلة أو دلالة ظاهرة من الكتاب والسنة ، هما لنا
قائمتان بحمد الله ومنه ،قال الله تعالى ” وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ” ( الحشر: 7 ). فأمرنا باتِّباعه وطاعته فيما سَّن وأمر ونهى وحكم وعلم .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدييِّن من بعدي ” . أخرجه الترمذي بإسناد حسن .
وقال : ” من رغب عن ُسنتي فليس منِّي ” . أخرجه البخاري .
ومن هنا امتاز أهل اتباع السنة عن غيرهم ، لأن صاحب السنة لا يألو أن يتبع من السُّنن أقواها
ومن الشهود عليها أعدلها وأتقاها ، وصاحب الهوى كالغريق يتعلَّق بكل عود ضعيف أو قوي .

فإذا رأيتَ الحاكم لا يقبل من الشهود إلا أعدلها وأتقاها ، كان ذلك منه شاهداً على عدالته ، وإذا
غمض وقنع بأرداها كان ذلك دليلا على جوره ، وكان المتبع لا يتبع من الآثار إلا ما هو عند العلماء أقوى ، وصاحب الهوى لا يتبع إلا ما يهوى وإن كان عند العلماء أوهاها ” أهـ .

يا عُلماء ودُعاة غُروزني : لن نُحيلكم على عُلماء بلاد الحرمين ، لتنصفوا الحق في حُكمكم – مع فضلهم وورعهم – بل نُحيلكم على تلميذين جليلين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهما عبد الله بن مسعود (ت : 32هـ ) رضي الله عنه حيث يقول : ” اتَّبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم” وعلى حُذيفة ابن اليمان (ت: 36 هـ) رضي الله عنه حيث يقول ” يا معشر القراء خُذوا طريق من قبلكم فوالله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقاً بعيداً ، ولئن تركتموه يميناً وشِّمالاً لقد ضللتم ضلالا بعيدا “.

يا عُلماء ودُعاة غُروزني : ليس المقام مقاماً لتفنيد الحجج في الخلط بين منهج أهل السنة والجماعة وبين الأشاعرة والماتريدية ، وبين الصوفية وأهل السنة ؟ ، لكن لعل العقلاء منكم يتأملون في كتابين مهمين هما : ” صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان ” لمحمد بشير السهسواني الهندي( ت: 1326هـ) رحمه الله تعالى ، و” غاية الأماني في الردِّ على النبهاني ” لمحمود شكري الآلوسي العراقي (ت: 1342هـ ) رحمه الله تعالى ، فقد بيَّنا في هذين الكتابين مظاهر الإنحراف العقدي الذي وقع فيه الصوفية ، مما كان لها الأثر السيِّىء في الأمة اليوم . وفيها عِبر لمن اتعظ بما فيها من خَبر .

أما فيما يتعَّلق بمنهج الأشاعرة والماتريدية وأنه هو مذهب أهل السنة في هذا العصر ، فهذه دعوى عريضة لا دليل عليها . فإن منهج الأشاعرة يُخالف منهج أهل السنة والجماعة من أصول كثيرة :

1- مصدر التلقِّي عندهم هو العقل . فقد صرَّح أئمتهم بتقديم المعقول على المنقول ، بينما قدّم السلف المنقول على المعقول، ويرون أن الوحي هو مصدر التلقي .
2-التوحيد عندهم نفي التثنية أو التعُّدد، ونفي التبعيض والتركيب والتجزئة. أما التوحيد وما يقابله من الشرك كما هو الشأن عند السلف الصالح فليس لهم عناية به.
3-الإيمان عندهم هو التصديق، واختلفوا في النطق بالشهادتين ، بينما الإيمان عند السلف : قول واعتقاد وعمل .
4- فرَّقوا بين لفظ القرآن ومعناه، فمعناه قديم واللفظ حادث، ثم أحدثوا ما يُسمَّى بالكلام النفسي، خلافاً لِما عليه أهل السنة القائلين بأن القرآن كلام الله لفظاً ومعنى.
5- الأشاعرة قالوا بالكسب، ومآل القائلين به القول بالجبر، وقد قال به بعضهم. خلافًا لما عليه السلف.
6- أنكر الأشاعرة باء السببية في القرآن.فكل من قال بأن النار تحرق بطبعها، أو هي عِلة الإحراق، فهو كافر عندهم، خلافاً لما عليه السلف.
7- من لوازم التنزيه عند الأشاعرة نفي أن يكون لشيٍء من أفعال الله عِلة مشتملة على حِكمة، حتى أنهم أنكروا كل لام تعليلٍ في القرآن، خلافاً لما عليه السلف.
8- اشتغلوا بتأويل نصوص الإيمان خاصة ما يتعلق بإثبات زيادته ونقصانه ، وعطَّلوا آيات الصفات، ولم يثبتوا سوى سبع صفات، والماتريدية جعلوها ثمانية .
ومن أراد التوسُّع في هذه المسألة المهمة فليراجع كتاب ” الأشاعرة في ميزان أهل ألسنة ” للشيخ فيصل الجاسم ، فإنه نفيسٌ في بابه .

وختاماً لا ريب أن غِنى النفس يكون باتِّباع الدليل، وفقر النفس يكون باتِّباع الهوى . نسأل الله العافية . وقد قال الشاعر :
تضيقُ نفسُ الفتى إذا افتقرت .. ولو تعزَّى بربِّه اتسعا
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

د/ أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بمعاهد القوات البرية

__________________

مؤسِّس مُدوَّنة المتوقِّد التأصيلية
http://ahmad-mosfer.com/