المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إما الإسلام وإما عدميّة الإلحاد



ابن عبد البر الصغير
06-16-2017, 06:46 AM
في عالم القرن الواحد والعشرين، حيث سيطرت العولمة la mondialisation بكامل انفتاحها بل وعبثيّتها، ورسخت ميتافيزيقا التقنية Métaphysique technique -1-، في نفوس شعوبٍ وحضاراتٍ لهم ماكيناتٌ إعلاميّةٌ جبّارة، ودولٌ متغطرسةٌ إمبّريالية متأثّرةٌ بالماديّة، ينفثونها في أدبيّاتهم وكتبهم وأفلامهم؛ تحشر أنفها في ثقافاتِ وشعوبِ الدّول المختلفة . وفي ظلّ سطوةٍ ذاتِ أثقال فكريّةٍ، لها جفافاتٌ روحيّةٌ بشعةٌ، يقدّم الإلحاد فيها نفسه في هشاشةٍ عقديّةٍ منقطعة النظير، وإفلاسٍ منطقيٍّ لا إيمان فيها ولا نسمةُ يتنفسُ فيها الإنسان العبير، بعلومٍ لادينيّةٍ، وزخرفاتٍ سحريّةٍ


كسراب الصحراء القاحلة، قضى فيها على مختلف الأديان من مسيحيّةٍ ويهوديّة وهندوسيّةٍ، حتى أعلنت هذه الديانات راياتهم البيضاء مرفرفةً فوق الأفق، يتناقص أتباعهم يوماً عن يومٍ، وتضعف عقيدة الباقين ساعةً بساعةٍ، وقفَ الإنسان حائراً يتفرّج، لا أدريّاً تائهاً جرّاءَ تلك المعركة، فطرته تناديه للإيمان، وعقله يدعوه للتأمل في الخلق، ويحك يوجد خالقٌ أفلاَ تبصر ؟


وفي الجهة المقابلة، يقف الإسلام بازخاً صامداً يتمدّد؛ يعلن للمذاهب الفكريّة كلها أنه ليس كباقي الأديان، يناديهم هل من مُناظرٍ ؟ يكشف زيفها، ويبيّن للنّاس أباطيلها، رغم الهجومات الشرسة عليه من جهةٍ، والحملات العسكريّة على دوله من جهةٍ ثانيةٍ، ومن تصرّفات بعض الجهلة من أتباعه من جهةٍ ثالثةٍ.


هاته أنوار الله فهل من مستقبلٍ لها ؟ ومحتضنٍ لبركاتها ؟ أوسع من أن يحجبها حجاب، وأسطع من أين يغيّبها سحابٌ ! حقيقةٌ ربّانيّةٌ محفوظةٌ عبر الأجيال، تدقُّ كلّ بابٍ . فماذا تنتظر ؟ افتح واستقبل، تدبّر وتأمّل تكن إن شاء الله من المبصرين الفائزين، والعابدين التّائبين، والأولياء المرضيّين.


أمامك خياران لا ثالث لهما : إما الإسلام بروحانيته وطمئنينته، وسعادته، وإما الإلحاد بضنكه، وغبشه وعدميّته Nihilisme .


إما العيشُ في تناغمٍ مع المجتمع والكونِ ونواميسه، تعرف غاياتك من خلقك، وما أهدافك في حياتك، وما ستناله بعد مماتك . أو عيشٌ في جهالة الجهالات، وضلالة الضلالات، عنوانك الشكّ والحيرة، وحياتك العبثيّة والاكتئاب. فمشكلةٌ صغيرةٌ في حياتك قد تلقي بك إلى غياهب الأمراض النّفسيّة، والعقد الظّلاميّة، ثمّ لا قدّر الله إلى الانتحار . -2-


اختر : إما طمئنينةٌ إسلاميّةٌ كبرى، وإما حيرةٌ إلحاديّةٌ عظيمة ؟


وليتَ شعري هل سيأتيك نومٌ، وهل سيرتاحُ لك بالٌ إن اخترتَ الإلحاد ؟


فالإلحاد في حقيقته ماهو إلا خربشةٌ من شيطانٍ، زيّنه للناس ودعا البشريّة إليه ! يلهيهم فيه بالمعاصي كأفيونٍ يخدّر الذّات والعقول، فما يلبث أن يفيق البشر حتى يعيدوا حقن عقولهم به؛ حتّى يتخطّفهم الموت، فتضيع دنيا الملحد وآخرته، فيحقّق الشيطان بذلك مهمّته في الإغواء والتّضليل، مهمّةٌ قطعها على نفسه أوّل الأمر ضدّاً في الملأ الأعلى وتحدّياً لخالق الكون : { قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين } ( ص: 82-83).


وأكبر الخدع التي نجح فيها الشيطان أن أوهم النّاس أنه غير موجودٍ. نعم أيها الإنسان، فإن لك عدوّاً لا تعلمه، يقدّمُ نفسه كحليفٍ، وهو كاذبٌ ومنافقٌ كبيرٌ، يعلم مواطن ضعفك وقوّتك، عدوٌّ في لباس صديقٍ يوسوس لك بالشرّ، ويبعثها لك كخواطر تحسبها عقليّةً من عندك، وهي في حقيقتها رسالةٌ من عنده! { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوّا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير } ( فاطر : 6 ).


إن المجتمع الإنسانيّ قد أثخنته قرونٌ من المذاهب الفكريّة الهدّامة، وأديانٌ شركيّة محرّفة كاذبةٌ؛ حتى أصبح متعباً شديد التّعب، ومحبطاً شديد الإحباط، ليس له إلا أملٌ يدعوه إليه الإسلام عن يقينٍ، فويحك آمن !


قل لي كيف هو شعورك حينما ترى العجم بعوامّهم ومثقّفيهم، وفي المجتمعات بلغت في تحضّرها رقيّاً كبيراً، يُسلمون ويؤمنون، ويتعبون ويكابدون عناء تعلّم العربيّة لتدبّر القرآن، وحفظ سوره، والقيام بفرائضه ؟ وأنت ملحدٌ من بني جلدتنا بلسانٍ عربيٍّ مبين، بين عشيرتك وأهلك المسلمين ؟


أيها الإنسان إني لك ناصحٌ أمينٌ، فمن سباتك فانهض، ومن قيود المذاهب الفكريّة فتحرّر، وأشعل في كيانك شمعة توحيد، تنيرُ لك قلبك، وتُصلح لك سريرتك وعملك، رويداً رويداً تصبح الشّمعة نبراساً، والنبراس نيراناً توحيديّةً ثوريّةً، حتى تصبح شمساً ساطعةً يصل نورها كهوف الظّلمات الإلحاديّة، واللّجج اللاّدينية .


فأنت وحدك من إن أراد استطاع، وإذا نوى فَعَل ! فتسّلم ميراث نبيّ البشريّة، وافتح صدرك لتسطع فيك الأنوار القرآنيّة، فإنّ الإسلام إذا عرفتَه وقعتَ في حبّه، وإن أحببته أحبّك الله، وطوبى لك حينها أيها الإنسان. فانهض وليكن :



أزيز صدرك في جوف الظلام سرى * ودمع عينيك مثل الهاطل العمم -3-


تسير وفق مراد الله في ثقةٍ * ترعاك عين إله حافظ حَكَم -4-
أبو عبد الرحمن الإدريسي

http://articles.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=217426
--------------------------------------------------------
هوامش المقال
-1- الميتافيزيقا هي مطلحٌ في الفلسفة يعنى به ما وراء الطبيعة، ويستعمل هنا كإيديولوجيّةٍ قائمة الذات على أساس الثورة الصّناعية والليبرالية المذهبية .
-2- نحيل القارئ إلى عدد من الدراسات حول الانتحار التي تبين أن نسبة الملحدين فيها مرتفعة مقارنةً بالمتديّنين ومنها :
- دراسة للباحثين خوسيه مانويل José Manoel Betrolote وأليكساندرا فليشمان Alexandra Fleischmann.
- كتاب إيميل دوركايهم حول الانتحار .
- Neeleman J, Wessely S, Lewis G: Suicide acceptability in African- and white Americans: the role of religion.
- Zuckerman, Phil. "Atheism: Contemporary Rates and Patterns", chapter in The Cambridge Companion to Atheism, ed. by Michael Martin, Cambridge University Press: Cambridge,UK (2005).
Stack S: The effect of religious commitment on suicide: a cross-national analysis.
-3- الهاطل العمم معناه المطر الكثير الذي يعم الأرض.
-4- مقتطف من قصيدة د.ناصر الزهراني، قصيدة السراج المنير .