عبد اللـه
09-12-2004, 10:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
لا بد لمدعي النبوة أن يقيم شاهدا واضحا يدل على صدقه في الدعوى ، ولا يكون هذا الشاهد من الافعال العادية التي يمكن غيره أن يأتي بنظيرها .وإنما يكون الاعجاز دليلا على صدق المدعي ، بان ياتى المدعى للنبوة بشىء يتحدى به الناس ويستشهد به على صدق نبوته , ويظهر عجز الناس عن الاتيان بمثله .
و لو كان مدعي النبوة كاذبا في دعواه ، كان إقداره على هذا المعجز من قبل الله تعالى إغراء بالجهل وإشادة بالباطل ، وذلك محال على الحكيم تعالى
معجزة محمد صلى الله عليه و سلم
قد علم كان عاقل بلغته الدعوة الاسلامية ، أن محمدا - ص - بشر جميع الامم بدعوتهم إلى الاسلام ، وأقام الحجة عليهم بالقرآن ، وتحداهم بإعجازه
و التحدى كان فى مكة على ثلاث مراحل :
المرحلة الاولى -
التحدى بالاتيان بمثل جميع ما نزل من القران :
قال تعالى فى سورة الطور {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ 30 قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ 31 أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ 32 أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ 33 فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ 34 }
و قال تعالى فى سورة الاسراء:
{ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }
المرحلة الثانية - التحدى بالاتيان بعشر سور مثل سور القران :
قال تعالى فى سورة هود {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 13}
المرحلة الثالثة - التحدى بالاتيان بسورة مثل سور القران :
قال تعالى فى سورة يونس {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 38}
و اخيرا قال تعالى فى سورة البقرة :
{وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ 23 فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ }
وكان من الجدير بالعرب - وفيهم الفصحاء النابغون في الفصاحة - أن يجيبوه إلى ما يريد ، ويسقطوا حجته بالمعارضة ، لو كان ذلك ممكنا غير مستحيل .
نعم كان من الجدير بهم أن يعارضوا سورة واحدة من سور القرآن ، ويأتوا بنظيرها في البلاغة ، فيسقطوا حجة هذا المدعي الذي تحداهم في أبرع كمالاتهم ، وأظهر ميزاتهم ، ويسجلوا لانفسهم ظهور الغلبة وخلود الذكر ، وسمو الشرف والمكانة ، ويستريحوا بهذه المعارضة البسيطة من حروب طاحنة ، وبذل أموال ، ومفارقة أوطان ، وتحمل شدائد ومكاره .
ولكن العرب فكرت في بلاغة القرآن فأذعنت لاعجازه ، وعلمت أنها مهزومة إذا أرادت المعارضة ، فصدق منها قوم داعي الحق ، وخضعوا لدعوة القرآن ، وفازوا بشرف الاسلام
وركب آخرون جادة العناد ، فاختاروا المقابلة بالسيوف على المقاومة بالحروف ، وآثروا المبارزة بالسنان على المعارضة في البيان ، فكان هذا العجز والمقاومة أعظم حجة على أن القرآن وحي إلهي خارج عن طوق البشر .
شبهات حول التحدى :
1- قد يدعي جاهل من غير المسلمين : أن العرب قد أتت بمثل القرآن وعارضته بالحجة ، وقد اختفت علينا هذه المعارضة لطول الزمان .
وجواب ذلك :
أن هذه المعارضة لو كانت حاصلة لاعلنتها العرب في أنديتها ، وشهرتها في مواسمها وأسواقها . ولاخذ منه أعداء الاسلام نشيدا يوقعونه في كل مجلس ، وذكرا يرددونه في كل مناسبة ، وللقنه السلف للخلف ، وتحفظوا عليه تحفظ المدعي على حجته ، وكان ذلك أقر لعيونهم من الاحتفاظ بتاريخ السلف ، وأشعار الجاهلية التي ملات كتب التاريخ ، وجوامع الادب .
و لو وقعت معارضة للقران فى حياة النبى صلى الله عليه و سلم لكان لا بد من احد امرين :
- ان يرد محمد-ص- و اصحابه على هذه المعارضة و يبينوا تهافتها
و كان سينقل المسلمون هذا الرد للاجيال التالية اعتزازا و احتجاجا به
- او ان يسكت محمد -ص- و اصحابه و لا يردوا على هذه المعارضة
و هذا اذا وقع لكانت فضيحة كبرى لمحمد صلى الله عليه و سلم , اذ يكون بسكوته على هذه المعارضة قد اعترف بسقوط دعوته و هزيمته فى التحدى الذى واجه به العرب و جعله الحجة على نبوته
و مثل هذا لو وقع لترتب عليه سقوط دعوة محمد و ارتداد كثير من المهاجرين و الانصار عن دينه بعد ظهور هزيمته و انهيار حجته و بطلان معجزته .
و بما ان شيئا من هذا لم يحدث : فاننا على يقين ان احدا من العرب لم يقدم على معارضة القران الكريم مع براعتهم فى البلاغة و مع حرصهم الشديد على ابطال دعوة محمد صلى الله عليه و سلم
2- قيل :قد تكون ايات التحدى أضيفت بعد موت النبى صلى الله عليه و سلم أضافها أبوبكر أو عمر أو كليهما!!
و جواب ذلك :
ان ابا بكر لم يكن ليجرؤ على زيادة عدد من الايات فى القران ,و لو فعل ذلك لعارضه المسلمون ,و كان على الاقل سيصلنا اعتراض بعض المسلمين على ذلك .
بل لو فعل ذلك لكفره المسلمون و قتلوه , و قد قتل بعض المسلمين عثمان لاجل اخطاء اهون من هذا بكثير.
3- قيل : قد تكون ايات التحدى قد تكون أضيفت بعد استتباب الأمر للنبي بعد دخوله مكة ودخول أهل الجزيرة في دينه
و جواب ذلك :
ان هذه دعوى عارية من الدليل , و يدحضها المنطق : فلا شك ان محمدا -ص- كان اعقل من ان يفضح نفسه بان يضيف للقران ايات فيها ذكر تحدى لكفار مكة على ثلاث مراحل و ان الله امره بتحديهم ,و هو يعلم ان الناس يعلمون ان هذا التحدى لم يقع قط !
وقد قيل في المثل : حدث الرجل بما لا يليق ، فإن صدق فهو ليس بعاقل !
4- شكك البعض فى تواتر ان محمدا -ص- بلغ ايات التحدى للناس
و جواب ذلك :
انه لا فرق بين من يشكك فى تواتر تبليغ محمد -ص- ايات القران للناس , و بين من يشكك فى تواتر ادعائه للنبوة
فما الفرق بين تواتر تبليغ محمد -ص- ايات القران للناس , و تواتر ادعائه للنبوة ؟
و من يعجز عن ايجاد تفرقة موضوعية جادة بينهما , فلماذا يشكك فى تواتر التبليغ اذن ؟!
و المنطق يؤكد بطلان هذا التشكيك , فكما سبق لا شك ان محمدا -ص- كان اعقل من ان يفضح نفسه بان يضيف للقران ايات فيها ذكر تحدى لكفار مكة على ثلاث مراحل و ان الله امره بتحديهم ,و هو يعلم ان الناس يعلمون ان هذا التحدى لم يقع قط !
و نضيف الى ذلك :
انه لو فرضنا جدلا انه لم يتواتر بلوغ التحدى للناس فى زمن النبى -ص- و هو فرض باطل بما سبق, فهذا لا اهمية له و لا يؤثر على يقينية الاعجاز القرانى ,فان الشريعة الخالدة يجب أن تكون المعجزة التي تشهد بصدقها خالدة أيضا ، لان المعجزة إذا كانت محدودة قصيرة الامد لم يشاهدها البعيد ، وقد تنقطع أخبارها المتواترة ، فلا يمكن لهذا البعيد أن يحصل له العلم بصدق تلك النبوة , و لذلك كانت معجزة محمد -ص- معجزة خالدة , فالتحدى القرانى موجه الى جميع الاجيال الى يوم الدين
قال سبحانه :
{ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }
و لا شك ان هذا التحدى قد بلغ كافة الناطقين بالعربية الذين عاشوا فى بلاد المسلمين منذ زمن الخلفاء الراشدين و الى يومنا هذا .و فيهم اهل الكتاب الذين كانوا فى جدال دائم مع المسلمين , و القران يامر المسلمين بجدالهم بالتى هى احسن .
و إلى عصرنا هذا، لم يتمكن فرد، ولا لجنة علمية من الإتيان بسورة من مثل القران .
و قد حاول بعض المتاخرين من النصارى و اللادينيين ان يقبلوا التحدى الذى عجز عنه بلغاء العرب طيلة القرون الماضية , و جاءت محاولاتهم على نوعين :
1- محاولات تدل على جهل اصحابها بمعنى المعارضة, كالمحاولات المنشورة فى مواقع مسيحية , و مثلها المحاولات المضحكة التى اتحفنا بها الزميل الختيار فى هذا المنتدى
فمعنى المعارضة أن الرجل إذا أنشأ خطبة أو قال شعرا ، يجي الآخر فيجاريه في لفظه ويباريه في معناه ليوازن بين الكلامين، فيحكم بالفلج على أحد الطرفين.
و هذه المعارضات لم يقصد اصحابها معارضة سورة معينة من القران فى لفظها و معناها حتى يمكن الموازنة بين السورة القرانية و بين السورة التى عارضوا بها السورة القرانية .
2- معارضات التزم اصحابها بمعارضة سورة قرانية معينة فى لفظها و معناها , لكنها كانت معارضات فاضحة تجلى فيها عجز الناس عن الاتيان بسورة من مثل القران الكريم .
و جهل هؤلاء ان المألوف في معارضة كلام بمثله ، أن يأتي الشاعر أو الكاتب بكلام يتحد مع الكلام المعارض في جهة من الجهات ، أو غرض من الاغراض ، ولكنه يأتي بكلام مستقل في ألفاظه وتركيبه واسلوبه ؟
وليس معنى المعارضة أن يقلد الكلام المعارض في تركيبه واسلوبه ، ويتصرف فيه بتبديل بعض ألفاظه ببعض ، وإلا لامكنت معارضة كل كلام بهذا النحو من المعارضة .
وقد كان أيسر شئ لمعاصري النبي صلى الله عليه وسلم من العرب ، ولكنهم لمعرفتهم بمعنى المعارضة الصحيحة ومعرفتهم بوجوه البلاغة في القرآن لم تمكنهم العارضة ، واعترفوا بالعجز فآمن به من آمن منهم وجحد به من جحد : " فقال إن هذا إلا سحر يؤثر " .
و لا زال التحدى القرانى قائما , يسمع الاجيال ويحتج على القرون .
لا بد لمدعي النبوة أن يقيم شاهدا واضحا يدل على صدقه في الدعوى ، ولا يكون هذا الشاهد من الافعال العادية التي يمكن غيره أن يأتي بنظيرها .وإنما يكون الاعجاز دليلا على صدق المدعي ، بان ياتى المدعى للنبوة بشىء يتحدى به الناس ويستشهد به على صدق نبوته , ويظهر عجز الناس عن الاتيان بمثله .
و لو كان مدعي النبوة كاذبا في دعواه ، كان إقداره على هذا المعجز من قبل الله تعالى إغراء بالجهل وإشادة بالباطل ، وذلك محال على الحكيم تعالى
معجزة محمد صلى الله عليه و سلم
قد علم كان عاقل بلغته الدعوة الاسلامية ، أن محمدا - ص - بشر جميع الامم بدعوتهم إلى الاسلام ، وأقام الحجة عليهم بالقرآن ، وتحداهم بإعجازه
و التحدى كان فى مكة على ثلاث مراحل :
المرحلة الاولى -
التحدى بالاتيان بمثل جميع ما نزل من القران :
قال تعالى فى سورة الطور {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ 30 قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ 31 أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ 32 أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ 33 فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ 34 }
و قال تعالى فى سورة الاسراء:
{ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }
المرحلة الثانية - التحدى بالاتيان بعشر سور مثل سور القران :
قال تعالى فى سورة هود {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 13}
المرحلة الثالثة - التحدى بالاتيان بسورة مثل سور القران :
قال تعالى فى سورة يونس {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 38}
و اخيرا قال تعالى فى سورة البقرة :
{وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ 23 فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ }
وكان من الجدير بالعرب - وفيهم الفصحاء النابغون في الفصاحة - أن يجيبوه إلى ما يريد ، ويسقطوا حجته بالمعارضة ، لو كان ذلك ممكنا غير مستحيل .
نعم كان من الجدير بهم أن يعارضوا سورة واحدة من سور القرآن ، ويأتوا بنظيرها في البلاغة ، فيسقطوا حجة هذا المدعي الذي تحداهم في أبرع كمالاتهم ، وأظهر ميزاتهم ، ويسجلوا لانفسهم ظهور الغلبة وخلود الذكر ، وسمو الشرف والمكانة ، ويستريحوا بهذه المعارضة البسيطة من حروب طاحنة ، وبذل أموال ، ومفارقة أوطان ، وتحمل شدائد ومكاره .
ولكن العرب فكرت في بلاغة القرآن فأذعنت لاعجازه ، وعلمت أنها مهزومة إذا أرادت المعارضة ، فصدق منها قوم داعي الحق ، وخضعوا لدعوة القرآن ، وفازوا بشرف الاسلام
وركب آخرون جادة العناد ، فاختاروا المقابلة بالسيوف على المقاومة بالحروف ، وآثروا المبارزة بالسنان على المعارضة في البيان ، فكان هذا العجز والمقاومة أعظم حجة على أن القرآن وحي إلهي خارج عن طوق البشر .
شبهات حول التحدى :
1- قد يدعي جاهل من غير المسلمين : أن العرب قد أتت بمثل القرآن وعارضته بالحجة ، وقد اختفت علينا هذه المعارضة لطول الزمان .
وجواب ذلك :
أن هذه المعارضة لو كانت حاصلة لاعلنتها العرب في أنديتها ، وشهرتها في مواسمها وأسواقها . ولاخذ منه أعداء الاسلام نشيدا يوقعونه في كل مجلس ، وذكرا يرددونه في كل مناسبة ، وللقنه السلف للخلف ، وتحفظوا عليه تحفظ المدعي على حجته ، وكان ذلك أقر لعيونهم من الاحتفاظ بتاريخ السلف ، وأشعار الجاهلية التي ملات كتب التاريخ ، وجوامع الادب .
و لو وقعت معارضة للقران فى حياة النبى صلى الله عليه و سلم لكان لا بد من احد امرين :
- ان يرد محمد-ص- و اصحابه على هذه المعارضة و يبينوا تهافتها
و كان سينقل المسلمون هذا الرد للاجيال التالية اعتزازا و احتجاجا به
- او ان يسكت محمد -ص- و اصحابه و لا يردوا على هذه المعارضة
و هذا اذا وقع لكانت فضيحة كبرى لمحمد صلى الله عليه و سلم , اذ يكون بسكوته على هذه المعارضة قد اعترف بسقوط دعوته و هزيمته فى التحدى الذى واجه به العرب و جعله الحجة على نبوته
و مثل هذا لو وقع لترتب عليه سقوط دعوة محمد و ارتداد كثير من المهاجرين و الانصار عن دينه بعد ظهور هزيمته و انهيار حجته و بطلان معجزته .
و بما ان شيئا من هذا لم يحدث : فاننا على يقين ان احدا من العرب لم يقدم على معارضة القران الكريم مع براعتهم فى البلاغة و مع حرصهم الشديد على ابطال دعوة محمد صلى الله عليه و سلم
2- قيل :قد تكون ايات التحدى أضيفت بعد موت النبى صلى الله عليه و سلم أضافها أبوبكر أو عمر أو كليهما!!
و جواب ذلك :
ان ابا بكر لم يكن ليجرؤ على زيادة عدد من الايات فى القران ,و لو فعل ذلك لعارضه المسلمون ,و كان على الاقل سيصلنا اعتراض بعض المسلمين على ذلك .
بل لو فعل ذلك لكفره المسلمون و قتلوه , و قد قتل بعض المسلمين عثمان لاجل اخطاء اهون من هذا بكثير.
3- قيل : قد تكون ايات التحدى قد تكون أضيفت بعد استتباب الأمر للنبي بعد دخوله مكة ودخول أهل الجزيرة في دينه
و جواب ذلك :
ان هذه دعوى عارية من الدليل , و يدحضها المنطق : فلا شك ان محمدا -ص- كان اعقل من ان يفضح نفسه بان يضيف للقران ايات فيها ذكر تحدى لكفار مكة على ثلاث مراحل و ان الله امره بتحديهم ,و هو يعلم ان الناس يعلمون ان هذا التحدى لم يقع قط !
وقد قيل في المثل : حدث الرجل بما لا يليق ، فإن صدق فهو ليس بعاقل !
4- شكك البعض فى تواتر ان محمدا -ص- بلغ ايات التحدى للناس
و جواب ذلك :
انه لا فرق بين من يشكك فى تواتر تبليغ محمد -ص- ايات القران للناس , و بين من يشكك فى تواتر ادعائه للنبوة
فما الفرق بين تواتر تبليغ محمد -ص- ايات القران للناس , و تواتر ادعائه للنبوة ؟
و من يعجز عن ايجاد تفرقة موضوعية جادة بينهما , فلماذا يشكك فى تواتر التبليغ اذن ؟!
و المنطق يؤكد بطلان هذا التشكيك , فكما سبق لا شك ان محمدا -ص- كان اعقل من ان يفضح نفسه بان يضيف للقران ايات فيها ذكر تحدى لكفار مكة على ثلاث مراحل و ان الله امره بتحديهم ,و هو يعلم ان الناس يعلمون ان هذا التحدى لم يقع قط !
و نضيف الى ذلك :
انه لو فرضنا جدلا انه لم يتواتر بلوغ التحدى للناس فى زمن النبى -ص- و هو فرض باطل بما سبق, فهذا لا اهمية له و لا يؤثر على يقينية الاعجاز القرانى ,فان الشريعة الخالدة يجب أن تكون المعجزة التي تشهد بصدقها خالدة أيضا ، لان المعجزة إذا كانت محدودة قصيرة الامد لم يشاهدها البعيد ، وقد تنقطع أخبارها المتواترة ، فلا يمكن لهذا البعيد أن يحصل له العلم بصدق تلك النبوة , و لذلك كانت معجزة محمد -ص- معجزة خالدة , فالتحدى القرانى موجه الى جميع الاجيال الى يوم الدين
قال سبحانه :
{ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }
و لا شك ان هذا التحدى قد بلغ كافة الناطقين بالعربية الذين عاشوا فى بلاد المسلمين منذ زمن الخلفاء الراشدين و الى يومنا هذا .و فيهم اهل الكتاب الذين كانوا فى جدال دائم مع المسلمين , و القران يامر المسلمين بجدالهم بالتى هى احسن .
و إلى عصرنا هذا، لم يتمكن فرد، ولا لجنة علمية من الإتيان بسورة من مثل القران .
و قد حاول بعض المتاخرين من النصارى و اللادينيين ان يقبلوا التحدى الذى عجز عنه بلغاء العرب طيلة القرون الماضية , و جاءت محاولاتهم على نوعين :
1- محاولات تدل على جهل اصحابها بمعنى المعارضة, كالمحاولات المنشورة فى مواقع مسيحية , و مثلها المحاولات المضحكة التى اتحفنا بها الزميل الختيار فى هذا المنتدى
فمعنى المعارضة أن الرجل إذا أنشأ خطبة أو قال شعرا ، يجي الآخر فيجاريه في لفظه ويباريه في معناه ليوازن بين الكلامين، فيحكم بالفلج على أحد الطرفين.
و هذه المعارضات لم يقصد اصحابها معارضة سورة معينة من القران فى لفظها و معناها حتى يمكن الموازنة بين السورة القرانية و بين السورة التى عارضوا بها السورة القرانية .
2- معارضات التزم اصحابها بمعارضة سورة قرانية معينة فى لفظها و معناها , لكنها كانت معارضات فاضحة تجلى فيها عجز الناس عن الاتيان بسورة من مثل القران الكريم .
و جهل هؤلاء ان المألوف في معارضة كلام بمثله ، أن يأتي الشاعر أو الكاتب بكلام يتحد مع الكلام المعارض في جهة من الجهات ، أو غرض من الاغراض ، ولكنه يأتي بكلام مستقل في ألفاظه وتركيبه واسلوبه ؟
وليس معنى المعارضة أن يقلد الكلام المعارض في تركيبه واسلوبه ، ويتصرف فيه بتبديل بعض ألفاظه ببعض ، وإلا لامكنت معارضة كل كلام بهذا النحو من المعارضة .
وقد كان أيسر شئ لمعاصري النبي صلى الله عليه وسلم من العرب ، ولكنهم لمعرفتهم بمعنى المعارضة الصحيحة ومعرفتهم بوجوه البلاغة في القرآن لم تمكنهم العارضة ، واعترفوا بالعجز فآمن به من آمن منهم وجحد به من جحد : " فقال إن هذا إلا سحر يؤثر " .
و لا زال التحدى القرانى قائما , يسمع الاجيال ويحتج على القرون .