المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الميكانيزمات النفسية الدفاعية كصوارفَ عن الحق - مقدمة لابدّ منها -



ابن عبد البر الصغير
04-12-2018, 08:32 PM
تسمّى آليات الدفاع النفسيّة Mécanismes de défense psychologiques، أو آليات التكيّف النفسي، وهي مجموع العمليّات اللاشعوريّة التي يستعملها الإنسان " الأنا" le moi ، التي يهدف من خلالها الوعي النفسيّ إنقاص، أو إزالة، أو تغيير كل ما من شأنه أن يمسّ الصحة النفسيّة للإنسان، لتجنب القلق والحيرة والشك ...


هاته الميكانيزمات les mécanismes، كما تستعمل في الخير تستعمل في الشرّ، وغالباً ما تكون في حالات معيّنة تمسّ وضعيات مختلفة في حياة الإنسان، خاصة في مجال النقاش الفكري والمناظرة الثقافية التي تكون بين شخصينِ. وغرضنا هنا أن نبيّن للملاحدة واللادينيين، تلك الآليات، نعرضها لهم ونكشفها أمامهم، حتى يعلموا أن تلك الميكانيزمات قد تكون سبباً رئيساً في إعراضهم عن الحقّ، وعدم اعتناقهم للإسلام العظيم، وانحرافهم عن الصراط المستقيم. ومن جهةٍ أخرى هي سلسلة مقالاتٍ مهمّةٍ للدعاة، المهتمّين بميدان المناظرة والتحاور، حتى يفهموا تلك الآليات ويعملوا على هدمها لأنها تعتبر حائلاً بينهم وبين قلبِ المخالف .


وكلّ آليةٍ من الآليات سوف نستعرضها مع ضرب أمثلةٍ ملموسةٍ لتقريبها، كما إيضاح مفاهيمها، عسى أن تتنبّه أيها الشاكّ إلى ما قد يكون سبباً في هلاكك، وضيمك، وابتعادك عن نور الإله الخالق.


وينبغي الإشارة قبل هذا أن الأسباب التي تدفع الآليات للظهور، فد تكون أسباباً حقيقيّةً أو متوهّمةً، نظراً لأن التداخل بين الوعي النفسي وتمثّلات الشخص حول دينٍ ما أو عقيدةٍ معيّنةٍ أمرٌ مستقرّ في بواطن النّفس، وتشكل رابطاً أساسيّاً بينهما. أما أسباب ظهورها عند الملاحدة فلا يخرج عن أسبابَ معدودةٍ في حالتهم وهي :


- الخوف من الأنا الأعلى La peur du surmoi : والأنا الأعلى كما وصفها عالم النفس سيغموند فرويد Sigmund Freud، هي الضمير الأسمى للإنسان، أي الإنسان في حالته الكماليّة والذي يدعوه إلى القيم الخيّرة ونبذ الشهوات، هذا " الأنا الأعلى" يكون متشبّعاً بما شبّ عليه المرء من ثقافة ودين وعاداتٍ وتقاليدَ أخذها عن والديه كما أصدقائه ومجتمعه بصفةٍ عامّة، شرطَ أن تكون هاته القيم خيّرةً بطبيعتها، فالملحدُ خوفاً من تلك الأنا الأعلى بصفةٍ لا شعوريّة قد يستعمل آليةً من آليات الدفاع النفسي لتبرير معتقده، وتسفيه معتقد الآخر، ومردّ ذلك حسب التحليل النّفسي أن الإنسان في صراعٍ بين " الأنا الأعلى"، و " الهُو" le ça، والذي يمثل مجموع الغرائز التي يصبو الإنسان إلى إشباعها بصفةٍ محرّمةٍ دون ضوابطَ أو قيودٍ، وبهذا الاعتبار إن كان الدين هو المزوّد الأساسي لثقافة " الأنا الأعلى" وهو ممثلّه واقعاً، فإن الإلحادَ هو التمثيل الواقعيّ لـ "الهو" بكافة غرائزه!


فبالتالي حينما يخشى الإنسان أن يعتنق الدين الذي لطالما حاربه ورفضه، وجاءته حجّة ليست قابلةً للرفض أو للنقض، فستنطلق بصفة لاشعوريّة آليةٌ من آليات الدفاع لكي تضمن تبريرا لمعتقد الإلحاد، هروباً من الإلزام ونصرةً للهُو !


- العُجب "بالأنا" Le Moi : والأنا هي الشخصيّة الإنسانية المتوسطة بين " الأنا الأعلى" و "الهو"، فيكون أن الملحد مثلاً درسَ سنواتٍ فكراً معيّنا أو فلسفةً، فكان أثناء حواره مع أحد أهل الإسلام – مثلا- يدخل للحوار واثقاً بنفسه وبمعارفه، معجباً بها مزهوّاً بثقافتها، فإن أعيته حجج محاوره يكون عجبه بنفسه سبباً في اندفاع تلك الآليات الدفاعيّة، فعوض أن يناقش الحجة يقول في نفسه " أنا درستُ وبلغتُ مبلغا من الثقافة بحيث لا يأتي مسلمٌ ويغيّر معتقداتي" فهنا تمّ استعمال آليةٍ من آليات الدفاع -التي سوف نأخذها بالتفصيل في لاحق المقالات-، لكي يبرر استمراره على معتقده، فعوض أن يناقش الحجة استهون من معارف محاوره وأعلى من شأن نفسه !


- النبضات اللاشعوريّة pulsions inconscientes : وهي المحركّ الأساسي لمختلف المشاعر الإنسانيّة، كالغضب، التكبر، السخرية، الدونية، العناد وغيرها .. فحينما تنطلق تلك المشاعر أثناء المناظرة حينها، بصفةٍ لاشعوريّة تنطلق تلك الآليات الدفاعيّة، لكي تحبط من سير المناظرة، فتتحول من مناظرة يرجى فيها الحق إلى مناظرة عنديّةٍ يحاول فيها طرفٌ إلزام آخر عبر شتى الطرق !!


فتلكَ جماع الأسباب التي استقيناها من خلال حواراتنا معهم، وملاحظتنا لهم، وفي لاحق المقالات إن شاء الله تعالى، سنأخذ كل آليةٍ من هاته الآليات الدفاعيّة بالتحليل والبرهنةِ، مع ضربِ مثالٍ لتيسير فهمها، وكيفيّة معرفتها وتجاوزها، سواءٌ بالنسبة للإنسان الملحد أو المسلم، بغيةَ عدم الانجرار وراءها كصارفٍ أساسيٍّ يصرف عن الحق، ويمدّ الشاكّ بالباطل، ويملي له موقفه، ويبرّره له، فما الحياة إلا فرصةٌ ذهبيّة للإنسان لكي يفتح قلبه لنور الله تعالىَ، فرصةٌ تقاس بالسنوات الأرضيّة نعم، لكن يترتّب عليها سنوات لا محدودة من الخلود الأبديّ، وكلّ نفسٍ مخلّدةٍ بعد هاته الحياة، فإما نعيمٌ وإما جحيم !