Mahmoud Muhammad
06-14-2020, 06:00 PM
البشارة في الإنجيل
ولا أعني بقولي الإنجيل سيرة المسيح التي دونها أتباعه بل ما تم تسجيله في تلك السير من أقواله وأمثاله.
ينظر جمهور المؤرخين وعلماء العهد الجديد للمسيح عليه السلام - باعتبار الشخصية التاريخية Historical Jesus – على أنه يختلف عن مسيح العقيدة المسيحية Christ of Faith . ويرى هذا الجمهور بطلان القول بأن المسيح التاريخى إدعى أنه الله أو " ابن الله " المتجسد الذى صلب لأجل غفران الخطايا.
انقسم المؤرخون فى تصورهم لشخصية المسيح التاريخى إلى اتجاهات متباينة وذهبوا فى ذلك غير مذهب إلا إن هذه التيارات تكاد تجمع على أن المسيح لم يدع الألوهية.
وهذا ما يؤكد عليه اللاهوتى وفيلسوف الأديان جون هيك John Hick بقوله : نقطة أخرى تحظى بالاتفاق العريض من قبل علماء العهد الجديد هى أن يسوع - عيسى - التاريخى لم يدَّعى الألوهية ـ وهو ما نُسب إليه فى الفكر المسيحى اللاحق ـ فهو لم ينظر إلى نفسه على أنه الله او " ابن الله " المتجسد.
وقد قال Gerd Ludemann بنحو هذا الذى ذكره " جون هيك " .
ويقول مايكل رامساى Michael Ramsey أسقف كانتربرى الأسبق : إن يسوع لم يدعى الألوهية لنفسه.
وبنحو ذلك قال كل من اللاهوتى والكاهن الأنجليكانى تشارلز فرانسيس مول C. F. D. Moule ، وبريان هيبلثوايت Brian Hebblethwaite ، و الأسقف جون روبنسون John A. T. Robinson ، وديفيد براون David Brown ، و كذا اللاهوتى جيمز دن James Dunn حيث يقول : لا نستطيع أن ندعى أن المسيح اعتقد أنه " ابن الله " المتجسد .
وكذا أستاذ العهد الجديد لارى هيرتادو Larry Hurtado والذى يصف الزعم بأن عيسى أوضح لتلاميذه أنه الله وأنه المسيا هو زعم ساذج ولا يتمتع بالمصداقية التاريخية .
وفي ضوء ذلك يجب أن يفهم ما ورد في تلك السير على لسان المسيح.
مثل المزارعين في إنجيل متى الإصحاح 21: 33-44.
يضرب المسيح في ذلك الموضع من إنجيل متى مثلا لبني إسرائيل برجل له بستان من أشجار العنب استعمل عليه طائفة من المزارعين ثم لما حان وقت الحصاد أرسل إليهم خدمه ليتسلموا منهم ثمار العنب لكن المزارعين قتلوا بعضهم ورجموا البعض و ضربوا البعض. فأرسل إليهم خدما آخرين أكثر ممن أرسلهم في المرة الأولى ففعلوا بهم كما فعلوا بمن سبقهم من الخدم. ثم أرسل إليهم ابنه قائلا ربما سيهابونه لكنهم قبضوا عليه وطرحوه خارج البستان وقتلوه.
فالبستان مثل مضروب لمملكة الله الأرضية و الخدم مثل مضروب للأنبياء و الابن مثل مضروب للمسيح و المزارعون مثل مضروب لبني إسرائيل و الثمر هو حق الله الذي يجب على من استعملهم في مملكته أن يؤدوه.
فقال لهم المسيح أن هذا الملك سينزع منهم و يمنح لشعب أو لأمة أخرى غيرهم تؤدي حق الله. وظاهر ذلك أن الملك أرضي لأن ملك داود ومن جاء بعده كان ملكا أرضيا وليس كما زعم النصارى فيما بعد أنه أمر مجازي.
وكلمة أمة أو شعب في الأصل اليوناني ἔθνος éthnos في العهد القديم تستخدم للدلالة على شعب من الأمميين أي من غير اليهود (Thayer's Expanded Definition)
و الإشارة للمسيح بكونه ابن الله هو كما في البشارة بالمسيح المنتظر في إشعياء 9:6.
وليس المقصود ابنه بمعنى ولده من جوهره لكن مصطفاه و مختاره أو تربطه به علاقة خاصة و الكلمة في الأصل اليوناني υἱός huiós استعملت هذا الاستعمال كما بحق آدم في لوقا 3:38. كما استعملت بحق اليهود في العهد القديم و النصارى في العهد الجديد وهذا له أمثلة كثيرة.
وقد وردت إشارة المسيح في نفس الإصحاح إلي نبوءة نبوخذ نصر في سفر دنيال التي تناولتها في مقال سابق قائلا : أَلَمْ تَقْرَأُوا فِي الْكِتَابِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبُنَاةُ، هُوَ نَفْسُهُ صَارَ حَجَرَ الزَّاوِيَةِ الأَسَاسَ. وهذا إشارة إلى المزمور 118 والحجر يأوله اليهود مثل "راشي" على أنه بني إسرائيل! ولا أدري على أساس استندوا. لكن قول المسيح يشي بأنه يقصد بالحجر الذي رفضه البناة هم أبناء إسماعيل كما ورد في سفر التكوين (21:10) من أن سارة قالت لإبراهيم: اطْرُدْ هذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، لأَنَّ ابْنَ هذِهِ الْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ.
ثم يتابع: ! لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ سَيُنْزَعُ مِنْ أَيْدِيكُمْ وَيُسَلَّمُ إِلَى شَعْبٍ يُؤَدِّي ثَمَرَهُ. فَأَيُّ مَنْ يَقَعُ عَلَى هَذَا الْحَجَرِ يَتَكَسَّرُ، وَمَنْ يَقَعُ الْحَجَرُ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ سَحْقاً!.
فهذه الأمة ليست هي بنى إسرائيل بل أمة أخرى كما قال المسيح لأن ملكوت الله ينزع منهم و يعطى لأمة أخرى تؤدي ثمره وعلى هذا كان مدار بشارة المسيح بملكوت السماوات كما في غير موضع من الأناجيل كما في متى 4:17 : مِنْ ذلِكَ الزَّمَانِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَكْرِزُ وَيَقُولُ: «تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ.
و المسيحية المبكرة هي تيار ضمن تيارات يهودية ملحمية متعددة في تلك الحقبة تؤمن باقتراب العهد الألفي أو مملكة السماء و إعلان المسيح : تُوبُوا، فَقَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ! (متى 3:2) هو في هذا السياق لكن المسيحيون بشكل متزايد عبر القرون رغبوا عن التصور الدنيوي "لملكوت السماء" إلى تصور رمزى معتبرين أن التفسير الحرفي للحكم الألفى إنما هو تصور دوني يخص اليهود الذين كانوا ينتظرون "مملكة أرضية" وقد بلغ هذا التحول ذروته في كتاب أوغسطين "مدينة الرب" في القرن الخامس الميلادي.
لكن التصور كان لايزال حاضرا عند ظهور الإسلام حتى في أوساط المسيحيين و يشهد لذلك قول المقوقس (سيروس) في رده على كتاب النبي صلى الله عليه وسلم: فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيّا قد بقي وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك. إلخ
وقول المقوقس : كنت أظن أنه يخرج بالشام. هو انعكاس لآراء عدد من آباء الكنيسة في القرون الثلاثة الأولى مثل "يوستينيوس الشهيد" و "ترتليانوس" ممن كانوا يقولون بالحكم الألفي أو ملكوت السماء كمملكة أرضية وأنها تكون في أورشاليم.
ولا أعني بقولي الإنجيل سيرة المسيح التي دونها أتباعه بل ما تم تسجيله في تلك السير من أقواله وأمثاله.
ينظر جمهور المؤرخين وعلماء العهد الجديد للمسيح عليه السلام - باعتبار الشخصية التاريخية Historical Jesus – على أنه يختلف عن مسيح العقيدة المسيحية Christ of Faith . ويرى هذا الجمهور بطلان القول بأن المسيح التاريخى إدعى أنه الله أو " ابن الله " المتجسد الذى صلب لأجل غفران الخطايا.
انقسم المؤرخون فى تصورهم لشخصية المسيح التاريخى إلى اتجاهات متباينة وذهبوا فى ذلك غير مذهب إلا إن هذه التيارات تكاد تجمع على أن المسيح لم يدع الألوهية.
وهذا ما يؤكد عليه اللاهوتى وفيلسوف الأديان جون هيك John Hick بقوله : نقطة أخرى تحظى بالاتفاق العريض من قبل علماء العهد الجديد هى أن يسوع - عيسى - التاريخى لم يدَّعى الألوهية ـ وهو ما نُسب إليه فى الفكر المسيحى اللاحق ـ فهو لم ينظر إلى نفسه على أنه الله او " ابن الله " المتجسد.
وقد قال Gerd Ludemann بنحو هذا الذى ذكره " جون هيك " .
ويقول مايكل رامساى Michael Ramsey أسقف كانتربرى الأسبق : إن يسوع لم يدعى الألوهية لنفسه.
وبنحو ذلك قال كل من اللاهوتى والكاهن الأنجليكانى تشارلز فرانسيس مول C. F. D. Moule ، وبريان هيبلثوايت Brian Hebblethwaite ، و الأسقف جون روبنسون John A. T. Robinson ، وديفيد براون David Brown ، و كذا اللاهوتى جيمز دن James Dunn حيث يقول : لا نستطيع أن ندعى أن المسيح اعتقد أنه " ابن الله " المتجسد .
وكذا أستاذ العهد الجديد لارى هيرتادو Larry Hurtado والذى يصف الزعم بأن عيسى أوضح لتلاميذه أنه الله وأنه المسيا هو زعم ساذج ولا يتمتع بالمصداقية التاريخية .
وفي ضوء ذلك يجب أن يفهم ما ورد في تلك السير على لسان المسيح.
مثل المزارعين في إنجيل متى الإصحاح 21: 33-44.
يضرب المسيح في ذلك الموضع من إنجيل متى مثلا لبني إسرائيل برجل له بستان من أشجار العنب استعمل عليه طائفة من المزارعين ثم لما حان وقت الحصاد أرسل إليهم خدمه ليتسلموا منهم ثمار العنب لكن المزارعين قتلوا بعضهم ورجموا البعض و ضربوا البعض. فأرسل إليهم خدما آخرين أكثر ممن أرسلهم في المرة الأولى ففعلوا بهم كما فعلوا بمن سبقهم من الخدم. ثم أرسل إليهم ابنه قائلا ربما سيهابونه لكنهم قبضوا عليه وطرحوه خارج البستان وقتلوه.
فالبستان مثل مضروب لمملكة الله الأرضية و الخدم مثل مضروب للأنبياء و الابن مثل مضروب للمسيح و المزارعون مثل مضروب لبني إسرائيل و الثمر هو حق الله الذي يجب على من استعملهم في مملكته أن يؤدوه.
فقال لهم المسيح أن هذا الملك سينزع منهم و يمنح لشعب أو لأمة أخرى غيرهم تؤدي حق الله. وظاهر ذلك أن الملك أرضي لأن ملك داود ومن جاء بعده كان ملكا أرضيا وليس كما زعم النصارى فيما بعد أنه أمر مجازي.
وكلمة أمة أو شعب في الأصل اليوناني ἔθνος éthnos في العهد القديم تستخدم للدلالة على شعب من الأمميين أي من غير اليهود (Thayer's Expanded Definition)
و الإشارة للمسيح بكونه ابن الله هو كما في البشارة بالمسيح المنتظر في إشعياء 9:6.
وليس المقصود ابنه بمعنى ولده من جوهره لكن مصطفاه و مختاره أو تربطه به علاقة خاصة و الكلمة في الأصل اليوناني υἱός huiós استعملت هذا الاستعمال كما بحق آدم في لوقا 3:38. كما استعملت بحق اليهود في العهد القديم و النصارى في العهد الجديد وهذا له أمثلة كثيرة.
وقد وردت إشارة المسيح في نفس الإصحاح إلي نبوءة نبوخذ نصر في سفر دنيال التي تناولتها في مقال سابق قائلا : أَلَمْ تَقْرَأُوا فِي الْكِتَابِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبُنَاةُ، هُوَ نَفْسُهُ صَارَ حَجَرَ الزَّاوِيَةِ الأَسَاسَ. وهذا إشارة إلى المزمور 118 والحجر يأوله اليهود مثل "راشي" على أنه بني إسرائيل! ولا أدري على أساس استندوا. لكن قول المسيح يشي بأنه يقصد بالحجر الذي رفضه البناة هم أبناء إسماعيل كما ورد في سفر التكوين (21:10) من أن سارة قالت لإبراهيم: اطْرُدْ هذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، لأَنَّ ابْنَ هذِهِ الْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ.
ثم يتابع: ! لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ سَيُنْزَعُ مِنْ أَيْدِيكُمْ وَيُسَلَّمُ إِلَى شَعْبٍ يُؤَدِّي ثَمَرَهُ. فَأَيُّ مَنْ يَقَعُ عَلَى هَذَا الْحَجَرِ يَتَكَسَّرُ، وَمَنْ يَقَعُ الْحَجَرُ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ سَحْقاً!.
فهذه الأمة ليست هي بنى إسرائيل بل أمة أخرى كما قال المسيح لأن ملكوت الله ينزع منهم و يعطى لأمة أخرى تؤدي ثمره وعلى هذا كان مدار بشارة المسيح بملكوت السماوات كما في غير موضع من الأناجيل كما في متى 4:17 : مِنْ ذلِكَ الزَّمَانِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَكْرِزُ وَيَقُولُ: «تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ.
و المسيحية المبكرة هي تيار ضمن تيارات يهودية ملحمية متعددة في تلك الحقبة تؤمن باقتراب العهد الألفي أو مملكة السماء و إعلان المسيح : تُوبُوا، فَقَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ! (متى 3:2) هو في هذا السياق لكن المسيحيون بشكل متزايد عبر القرون رغبوا عن التصور الدنيوي "لملكوت السماء" إلى تصور رمزى معتبرين أن التفسير الحرفي للحكم الألفى إنما هو تصور دوني يخص اليهود الذين كانوا ينتظرون "مملكة أرضية" وقد بلغ هذا التحول ذروته في كتاب أوغسطين "مدينة الرب" في القرن الخامس الميلادي.
لكن التصور كان لايزال حاضرا عند ظهور الإسلام حتى في أوساط المسيحيين و يشهد لذلك قول المقوقس (سيروس) في رده على كتاب النبي صلى الله عليه وسلم: فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيّا قد بقي وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك. إلخ
وقول المقوقس : كنت أظن أنه يخرج بالشام. هو انعكاس لآراء عدد من آباء الكنيسة في القرون الثلاثة الأولى مثل "يوستينيوس الشهيد" و "ترتليانوس" ممن كانوا يقولون بالحكم الألفي أو ملكوت السماء كمملكة أرضية وأنها تكون في أورشاليم.