بوودن دحمان
08-05-2020, 09:22 PM
الكلام الساخر والمستفز، طرق التعامل معه وروعة الرد عليه، ستون جواباً مُسْكتاً.
إعداد: بوودن دحمان حذيفة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد:
لا شك أن اتقاء كلام الناس من المقاصد التي جاءت بها الشريعة الإسلامية. ولذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بترك الشبهات وأماكن الريبة خوفا من الوقوع في كلام الناس. كما قال صلى الله عليه وسلم "فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ" - متفق عليه- وقد كان عليه الصلاة والسلام يمتنع أحيانا عن فعل بعض الأشياء اتقاء لكلام الناس، فقد منع عمر رضي الله عنه من قتل المنافق عبد اللَّهِ بن أُبَيٍّ وقال: "دَعْهُ لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ" - متفق عليه- ولما كان الوقوع في كلام الناس أمر لا مناص منه، فإن استخدم مهارة الرد تجعل الإنسان يجد سعادةً في التواصل مع كلِّ من حوله، بل وتكون له شخصية جذابة. فإتقان ذلك من سيمة العظماء، وتقول العرب في الرجل الذي يرد على خصمه رداً يزلزل أوصاله: لقد ألقمه الحجر، أو رماه بثالثة الأثافي، أو ما يعرف اليوم بقصف الجبهة. فكيف نحول المواقف الحرجة لصالحنا ونقلب المشكلات إلى حلول وتصرفات بناءة؟ أو كيف نستطيع التعايش مع من يسيؤن إلينا بالقول دون الاحتكاك بهم أو التشاجر معهم؟
قبل أن نخوض في مضمار هذا البحث يجب أن نعلم أن احترام الناس ومراعاة مشاعرهم أمر واجب. فكما أنه لا يجوز الاعتداء على الإنسان بالقتل أو الضرب أو بسرقة ماله، كذلك لا يجوز خدش عواطفه وجرح مشاعره. فينبغي للإنسان أن لا يقول للآخرين كلمة حتى يستفتي مشاعره هو نحوها، هل يقبل أن تقال له هو أم لا؟. فالإنسان كتلة من العواطف والمشاعر، فحينما ترى إنساناً عليك أن تنفذ إلى ما وراء جسمه وتتعاطى مع أحاسيسه ومشاعره. لكن الكثير منا - للأسف حتى من بعض المتدينين- يحسب ألف حساب قبل أن تمتد يده لخدش جسم إنسان آخر، أو لأخذ فلس واحد من ماله، ولكنه قد لا يتردد كثيراً في جرح مشاعر الآخرين. في حين أنك لو خيّرت أي إنسان بين جرح جسمه أو جرح كرامته، لما أختار الثانية على الأولى إن كان سوّياً. وقديما قيل: طعن اللسان أمضى من طعن السنان. ومن هنا جاءت النصوص الدينية في النهي عن كل ألوان الكلام الجارح من سب أو شتم أو سخرية وتحقير.. قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ" -الحجرات: 11 - وفي تعريف المسلم الحقيقي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" - متفق عليه- ونجد أن الحديث الشريف قدّم الحرمة المعنوية على المادية، حيث قال: من لسانه أولاً، واللسان هو أذاة التجريح المعنوي. وليس هذا مقتصرا على المسلم فقط، بل إن الإسلام يأمر الإنسان بالتزام القول الحسن مع كل الناس، يقول تعالى: "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" -البقرة: 83- بل جعل الاسلام القول السديد من لوازم تقوى الله، يقول تعالى: "يَاأَيُّهَا الذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا" - الأحزاب: 70- وهذه مجموعة من النصائح في التعامل مع الأشخاص المتطفّلين الذين يحشرون أنوفهم بل أجسامهم ويستقصدون الإساءة بالقول أو الفعل:
أ. حسن الفهم: فقبل الرد لابد من فهم الموقف جيداً، فمن المعلوم أنه من أساء سمعاً أساء إجابةً. فالواجب أن تسأل محدثك أن يعيد عليك أجزاء من الحديث لا تفهمها، فقد يكون قوله ليس عن قصد أو أن كلامه عام لا يخصك أنت. ولذلك قيل: أغلب نزاعات الناس سببها إما مفهوم لم يُقصد أو مقصود لم يُفهم. فالعاقل لا يتكلم اعتباطاً وارتجالاً، ولا تستدرجه الإثارات والإنفعالات، بل يتدبر فيما يريد قوله.
ب. إلتزام الصمت: فأنت لست مجبر على الرد على كل كلام يقال لك، فالصمت أو الإبتسامة فقط لها تأثير كبير على موجه الكلام، لأنك إن أجبت السفيه فرجت عنه وإذا تركته يموت غيظاً. وسوف تدرك مع الوقت أن الصمت أفضل رد على أغلب الإهانات. سيكون هذا الأمر صعب في البداية لكن مع التكرار والمتابعة ستعتاد عليه، ورحم الله الإمام الشافعي حيث قال:
يخاطبني السَّفِيهُ بكلِّ قبْحٍ ***فأكرهُ أن أكونَ له مجيبَا
يزيدُ سَفَاهَةً فأزيدُ حلمًا *** كعودٍ زاده الإحراقُ طِيبَا.
ت. تحويل الموقف إلى ممازحة: فيمكنك تجاوز الكلام المستفز بتحويله لموقف فكاهي للخروج من المأزق، وبذلك تقلل من حدة الكلام، ولكن هذا لا يحدث إلا إذا كان المتحدث صديق مقرب وليس شخص غريب. وهذا الأسلوب صعب ويحتاج الى تمرن لكنه قوي، وكمثالا على ذلك: إذا قال لك أحدهم: تستطيع إنقاذ شخص واحد من الغرق أباك، أمك، أو أخوك الصغير؟ فتكون الإجابة بابتسامة: إن نزلت لإنقاذهم سأحتاج لمن ينقذني أيضا.
ث. كتم الغضب: فإن كنت حريصًا على أن تجيب الناس بإجاباتٍ مفحمة؛ فاجتهد أن تتخلص من الغضب قبل أن تفكر في الرد. فكلما كنت أقل تفاعلاً، كلما استطعت استخدام الأسلوب الأفضل للتعامل مع الموقف، فالغضب إن سيطر على الرجل سدَّ عليه كلَّ سُبُل العقل، فلا يملك نفسه ولا لسانه. ولذلك ينصح عند الغضب قبل أن تقول شيئًا أن تأخذ نفسًا عميقًا أو مارس نشاطا مختلفا كالقيام بشرب الماء أو أن تطلب من محدثك أن يكرر كلامه، متحججًا بأنك لم تسمعه وأنت بذلك نعطي لنفسك فرصة أكبر للتفكير في اختيار الرد المناسب وتقلل من حدة توتر الحديث.
ج. . الرد الدبلوماسي: ويكون بعدة طرق منها: إشغال السائل بتفاصيل تمتد إلى مواضيع أخرى، فمثلا عند السؤال عن الراتب نجد الإجابة: الدرجة الأولى مرتبها كذا والثانية كذا.. أو يمكن الرد بشكل عام ومختصر فتقول: الحمد لله، وقد سئل حكيم: كم عمرك فأجاب: صحتي جيدة، وسئل هل معك نقود؟ فأجاب: ليس علي دين، وسئل: هل عندك أعداء، فأجاب: أسكن بعيدا عن أقاربي. ومن الطرق الدبلوماسية الإجابة بالسؤال، وهو أسهل أسلوب، مثل: كم كانت نتيجة اختبارات؟ تقول كم كانت أعلى علامة برأيك؟ ويمكنك إن لم تعرف ما تقوله أن تسأل السائل لماذا تسألني السؤال أو تنظر له وأنت صامت وهو سيواصل الحديث.
ح. المعاملة بالمثل: أي الرد على الاستفزاز بالاستفزاز، وعند اتباع هذه الطريقة يجب ضبط النفس وعدم التسرع والتلفظ بمفردات سيئة، فقط تكون المواجهة بالنقاش الهادئ باستخدام كلمات مهذبة. فبعض الناس يستفزونك ليخرجوا أسوأ ما فيك، ثم يقولون لك: أهكذا أنت؟! فقل: نعم كما تحب أنت. لا تخلط بين شخصيتي وأسلوبي فشخصيتي هي أنا وأسلوبي يعتمد عليك. وإياك أن تجادل السفهاء سينزلونك إلى مستواهم الدنيئ ثم يهزمونك بفارق الخبرة، فهذا النوع من الحلول قادر على إيقاف الاستفزاز فورًا، ووضع الشخص المستفز في مكانه الطبيعي، لكن هذه الطريقة تتطلب أن يكون الإنسان قادر على كبت غضبه والتظاهر بالعكس وقادر على إدارة الحوارات، وإلا فسينجح الشخص المستفز في الاستفزاز أكثر فأكثر.
خ. التجاهل: فهذا الحل يقلب السحر على الساحر ويجعل من يستفزك يستفز في الفراغ بل ويشعر بالاستفزاز، فينسحب حينها من حياتك بهدوء، لأنه سيصاب بالبرود بعد حين من الزمن. ومن البديهي أن تكون الخطوة الأولى في إتقان فن التجاهل هي أن تتفادى الشخص المستهدف، وإذا كنت مضطرا للجلوس معه أو التحدث إليه فاحرص على أن لا تطيل المكوث معه وأن يكون حديثكما مقتضبا. فإذا كان الشخص المستفز ضمن مجموعةٍ من النّاس، يوجّه الكلام للآخرين مع إهمال وجوده. ومقابلة كلامه بعدم الاهتمام، وعدم محاولة الدّفاع عن النّفس، لأن الاستمرار في جداله، يشعره بالبهجة، ويتحقق مطلبه في الإثارة ولفت الأنظار إليه. ولما كان العلم بالتعلم وأول الإبداع محاكاةُ المبدعين، فهذه مجموعة من النماذج التي يمكن الاستفادة منها في تنمية مهارة الرد:
1. مر يهودي معه كلب على إبراهيم بن أدهم فقال له: أيهما أطهر لحيتك أم ذيل كلبي؟! فرد عليه بهدوء: إن كانت لحيتي في الجنة فهي أطهر من ذيل كلبك وإن كانت في النار فذيل كلبك أطهر منها. فأسلم ذلك اليهودي.
2. أنشد الشاعر أبو تمام مادحا الخليفة المتوكل العباسي بحضرة الفيلسوف الكندي قائلا: قدك اتئب أربيت في الغلواء ***كم تعدلون وأنتم سجرائي. فاعترض الكندي قائلا: لماذا لا تقول ما يُفهم؟! فرد عليه أبو تمام: ولماذا لا تفهم ما يُقال؟!
3. ذهب كاتب إلى الروائي المشهور إسكندر ديماس وعرض عليه أن يتعاونا معا في كتابة إحدى القصص التاريخية وفي الحال أجابه ديماس ساخرا: كيف يمكن أن يتعاون حصان وحمار في جر عربة واحدة؟! فرد عليه الكاتب: هذه إهانة يا سيدي كيف تسمح لنفسك أن تصفني بالحصان؟
4. في زمن التمييز العنصري بأمريكا جلس رجل أسود بجانب رجل أبيض على طاولة الغداء، وكان زميله في العمل، فقال الأبيض ساخرا منه: هل يمكن أن يأكل الخنزير والطير على نفس الطاولة؟ فرد الأسود قائلا: حسنا، سأطير بعيدا عنك!
5. أرسل أحد الفساق لإحدى الفاسقات يقول: احذفي صوري لأنني تعرفت على فتاة أجمل منك! فأرسلت إليه خمسون صورة وقالت: خذ صورتك وامسح الباقي فأنا لا أتذكر أين أنت من بينهم!... فقال لها: أنت شيطانة! فقالت له: الله ميز الحمير برؤية الشياطين!.
6. سئل الشعبي عن مسألة فقال: لا علم لي بها. فقيل له: ألا تستحي؟ فقال: ولم أستحي ممّا لا تستح الملائكة منه حين قالت: "سبحانك لا علم لنا"...وسئل المؤرخ العمراني: هل تخرجت من جامعة؟ فرد قائلا: أنا خريج جامع وليس الذكر كالأنثى.
7. سأل أحدهم الأحنف بن قيس: يا أبا بحر! بِمَ سُدتَ قومَك وما أنتَ بأصبحِهِم وجهاً ولا بأشرفِهِم مكانةً؟! فقال الأحنف: بخلافِ ما فيك يا ابن أخي، فقال الرجل: وما ذاك؟! قال الأحنف: بتركي من أمرك ما لم يعنني كما عناك من أمري ما لم تتركه.
8. سأل أحدهم الصحابي الجليل العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأنت أكبر أم رسول الله؟ فقال بحسن أدب: هو أكبر مني وأنا وُلدت قبله...وسأل أحدهم وزيرا: لماذا لم تعد تنتقد الحكومة بعد أن أصبحت وزيرا؟ قال: علمني أبي أنه من سوء الأدب أن تتحدث وأنت تأكل.
9. أكل أعرابي عند أمير وكان شرهاً فقال له: مالك تأكل الخروف كأن أمه نطحتك! فرد اﻷعرابي: ومالك تشفق عليه كأن أمه أرضعتك؟...ومرت جارية وفي يدها طبق مغطى، فسألها أحد المتطفلين: ماذا في الطبق يا جارية؟ قالت: فلما غطيناه إذن؟
10. لما خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ذاهبا إلى بلاد الشام ومعه بعض الصحابة، علم في طريقه الطاعون قد انتشر في الشام، فقرر الرجوع. فقال له أبو عبيدة بن الجراح: أفرارا من قدر الله يا أمير المؤمنين؟ فرد عليه: نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله.
11. قال رجل لزوجته: لماذا خلقت النساء في غاية في الجمال وفي غاية الغباء؟ فقالت: في غاية الجمال لتحبوهن وفي غاية الغباء ليحبوكم...وقال آخر لزوجته: سوف أصبح طبيبا يوما ما، فردت عليه بسخرية: أموت ولن أعالج عندك! فقال لها: عفوا لقد قلت طبيبا وليس بيطريا.
12. رأى رجل امرأة فقال لها: كم أنت جميلة! فقالت له: ليتك جميل ﻷبادلك نفس الكلام! فقال لها: ﻻبأس اكذبي كما كذبت...ورأى آخر زوجته حزينة فقال لها: أنت ثاني أجمل فتاة رأيتها! فقالت: ومن اﻷولى؟! فـقال: أنت حين تبتسمين.
13. رأى خالد بن صفوان رجلًا وهو يكيلُ السبَّ والشتم لعمرو بن عبيد؛ فلما سكت قال له عمرو: آجرك الله على الصواب وغفر لك الخطأ!...وقال رجل للأحنف بن قيس في أحد مجالسه: لئن قلتَ كلمةً أسمعتُك عشرًا؛ فقال الأحنف: إن قلت عشرًا ما سمعت مني كلمة.
14. أراد رجل إحراج المتنبي فقال لـه: رأيتك من بعيد فـظننتك امرأة! فقال المتنبي: وأنا رأيتك من بعيد فظننتك رجلا...وأقبل جحا – وهو من التابعين- على قرية فقال له أحد أفرادها: لم أعرفك يا جحا إﻻ من حمارك! فرد جحا قائلا: الحمير تعرف بعضها!
15. جاء رجل إلى الشعبي وقال: إني تزوجت امرأة وجدتها عرجاء فهل لي أن أردها؟ فقال: إن كنت تريد أن تتسابق بها فردها...وتزوج رجل أعمى امرأة فقالت له: لو رأيت بياضي وحسني لعجبت، فقال: لو كنت كما تقولين ما تركك المبصرون لي.
16. جاء رجل إلى آخر يطلب الأجرة عن دار كان قد أجرها له فقال المستأجر شاكيا: أعطيك الأجرة، ولكن أولاً أصلح هذا السقف فإنه يهتز ويتفرقع، فقال صاحب الدار: لا تـخـف فإنما السقف يسبح لله، فقال المستأجر: نعم لكني أخشى أن يدركه الخشوع فيسجد.
17. قيل لأحدهم: ألست تقول إنه لن يصيبك إلا ما كتبه الله عليك؟ قال نعم، فقال: فارم بنفسك من فوق الجبل فإنه إن يقدر لك السلامة سلمت، قال: يا أبله إن لله أن يختبر عباده وليس للعبد أن يختبر ربه.
18. دخل أبو علقمة النحوي على الطبيب فقال: إني أكلت من لحوم هده الجوازل فطسئت منها طسأة فأصابني وجع بين الوابلة إلى دأية العنق، فلم يزل ينمو ويربو حتى خالط الخلب، فألمت له الشراسف!. فهل عندك دواء؟ فقال الطبيب: خد خربقا وشفلقا وشبرقا فزهزقه وزقزقه واغسله بماء روث واشربه بماء الماء! فقال أبو علقمة: لم أفهمك! فقال الطبيب: لعن الله أقلنا إفهاما لصاحبه.
19. سئل الزمخشري: لماذا يجوز للرجل أن يتزوج بأكثر من امرأة ولا يجوز للمرأة أن تتزوج بأكثر من رجل في نفس الوقت؟! فأجاب: يجوز تعدد المفعول به في اللغة العربية ولا يجوز تعدد الفاعل... ورأى أحدهم نحويا يأكل الطعام بيده والملعقة أمامه، فقال له: لم لا تأكل بالملعقة؟! فرد عليه: إن أمكن الإتيان بالضمير متصلا فلا يجوز الإتيان به منفصلا.
20. قيل لأحدهم أيهما أجمل: أمك أم القمر؟ فقال: إذا رأيت القمر تذكرت أمي وإذا رأيت أمي نسيت القمر... وقيل لزين العابدين: إنك من أبر الناس بأمك ولسنا نراك تأكل معها في صحفة واحدة! فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليها عينها فأكون قد عققتها.
21. تقدم لخطبة فتاة رجلان أحدهما فقير صالح والآخر غني فاسق، فاختارت الغني الفاسق، فلما قيل لها إنه فاسق! قالت: سيهديه الله، فقيل لها: أوليس الهادي هو الرازق؟!...وسأل أحدهم الشيخ ابن عثيمين: أنا متزوج وأريد الزواج بالثانية بنية إعفاف فتاة. فأجاب الشيخ: أعط المال لشاب فقير يتزوجها وتأخذ أجر اثنين.
22. نظر طفيلي إلى قوم ذاهبين فلم يشك في أنهم مدعوون إلى وليمة، فقام وتبعهم. فإذا هم شعراء قصدوا السلطان بمدائح لهم. فلما أنشد كل امرئ منهم شعره، أخد جائزته، فلم يبق إلا الطفيلي. فقال السلطان: أنشد شعرك، فقال الطفيلي: لست شاعرا، وإنما أنا من الغاوين الذين قال الله في حقهم: والشعراء يتبعهم الغاوون. فضحك السلطان وأمر له بجائزة كجائزة الشعراء.
23. سيقَ رجلًا إلى هشام بن عبد الملك لأمرٍ بلغه عنه؛ فلما أقيمَ الرجل بين يدي هشام إذا به يدافعُ عن نفسه؛ فقال الخليفة: وتتكلم بين يدي؟! فقال الرجل من فوره: يا أمير المؤمنين، الله عز وجل يقول: يومَ تأتي كلُّ نفسٍ تُجادِلُ عن نفسِها. أفيجادِلون الله تعالى ولا نتكلم بين يديك؟! قال هشام: بلى! ويحك تكلَّم.
24. دخلت عجوز على السلطان تشكو إليه جنوده الذين سرقوا لها مواشيها بينما كانت نائمة. فقال لها: كان عليك أن تسهري على مواشيك لا أن تنامي! فأجابته: ظننتك أنت الساهر يا سيدي فنمت...ودخلت عزة على عبد الملك بن مروان فقال لها: والله ما أجد فيك مما كان يقول جميلُ شيئا؟ فقالت: يا أمير المؤمنين إنه كان ينظر إلي بعينين ليستا في رأسك.
25. سأل ملحد الشيخ أحمد ديدات: كيف سيكون شعورك بعد الموت إذا اكتشفت أن الآخرة كذب؟ فقال له: لن يكون أسوا من شعورك عند اكتشافك إنها حقيقة... وسئل ملحد أحد المسلمين: ماذا لو لم يكن هناك آخرة؟ فقال له: ماذا لو كان هناك آخرة؟
26. ألح الذباب يوما على الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور في مجلسه حتى أضجره. فقال لحاجبه: انظر من في الباب من العلماء؟ فقال: يوجد مُقاتل بن سليمان. فلما دخل على المنصور سأله: لماذا خلق الله الذباب؟ فأجابه مُقاتل وكان قد عاين تبرم المنصور وضجره: لكي يُذل الله به الجبابرة.
27. قال رجل لزوجته: هل تعلمين أن المرأة تتكلم ثلاثة آلاف كلمة في اليوم بينما يتكلم الرجل ألف كلمة فقط؟ فقالت: صحيح لأننا نضطر إلى تكرار الكلام للأغبياء حتى يستوعبوا. فقال لها مإذا تقولين؟ فقالت: أرأيت سأضطر أن أعيد الكلام مرة أخرى.
28. جاء رجل لخالد بن الوليد فقال له: إن فلان شتمك فقال: تلك صحيفته فليملأها بما شاء. وجاء رجل إلى الشافعي فقال له: فلان يذكرك بسوء. فأجابه: إذا صدقت فأنت نمام وإذا كذبت فأنت فاسق. وقيل للمتنبي فلان يهجوك فرد: هذا صعلوك يريد أن أرُد عليه فيدخل التاريخ.
29. رأى يهودي مسلما يتوضأ وقد رفع قدمه ليغسلها في الحوض، فزجره قائلا: هذا الحوض مخصص لغسل الوجه وليس لغسل القدم. فرد المسلم: كم مرة تغسل وجهك في اليوم؟ قال: مرة أو مرتين، فقال المسلم: وأنا أغسل قدمي في اليوم خمس مرات فأيهما أطهر قدمي أم وجهك؟
30. قالت ممثلة انجليزية مشهورة للأديب الفرنسي هنري جانسون: إنه لأمر مزعج فأنا لا أتمكن من إبقاء أظافري نظيفة في باريس! فرد عليها فورا : ذلك لأنك تحكين نفسك كثيرا... وقالت سيدة غاضبة من الغلاء لرئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل: لو كنت زوجي لقدمت لك فنجان قهوة مسموما فرد على الفور: لو كنت زوجتي لشربت الفنجان فورا.
31. مرَّ أحدُهم على بهلول ويشاع عنه أنه كان مجنوناً أو أنه كان يتماجن ويدّعي الجنون ليظل في مأمنٍ من الشُّرط فخاطبه مستخِفاً به: يا بهلول! إن أمير المؤمنين قد أمر لكل مجنونٍ بدرهمين، فأجابه بهلول على الفور: أفأخذتَ درهميك؟!
32. سأل مسكين أعرابيا أن يعطيه حاجة فقال: ليس عندي ما أعطيه للغير فالذي عندي أنا أحوج الناس إليه، فقال السائل: وأين الذين يؤثرون على أنفسهم؟ فقال الأعرابي: ذهبوا مع الذين لا يسألون الناس إلحافا.
33. دخل أستاذ جامعي إحدى القاعات خطأ، فقال له الطلاب: يا أستاذ لقد أخطأت أنت في القاعة الثانية، فقال بكبرياء: آسف إن البقر تشابه علينا، فرد عليه أحد الطلاب قائلا: كذلك كنتم فمن الله عليكم فتبينوا.
34. أتي إلى الحجاج بامرأة من الخوارج فقال لأصحابه: ما تقولون في هذه؟ قالوا: اقتلها. فتبسمت، فقال لها: لم تبسمت؟ فقالت: لقد كان وزراء أخيك فرعون خيراّ من وزرائك، استشارهم في قتل موسى، فقالوا: "أرجه وأخاه" وهؤلاء يأمرونك بتعجيل قتلي! فضحك الحجاج وأمر بإطلاقها...ووجد الحجاج على منبره مكتوباً: "قل تمتع بكفرك إنك من أصحاب النار" فكتب تحته: "قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور"
35. قالت فتاة متبرجة لأخرى محتشمة: لباسك لباس رجعية وتخلف، فردت عليها: لو كان التحضر بالتعري لكانت القردة أكثر تحضرا منا...وقالت متبرجة لفتاة متجلببة: لباسك عريض لا يصلح للموضة فردت عليها: لباسك ضيق لا يصلح للجنة.
36. قالت امرأة لزوجها: لو تزوجت إبليس لكنت أحسن حالا من زواجي معك! فرد قائلا: شرعا لا يجوز زواج الأخ من أخته...وقالت أخرى لزوجها: انظر إلى جارنا لقد بنى مسجدا لزوجته بعد وفاتها. فرد عليها: أنا أيضا مستعد لأفعل لك مثل ذلك، ولكن التأخير جاء من عندك.
37. وقفت امرأة قبيحة على دكان عطار وكان قبيحا، فلما نظر إليها قال: "وإذا الوحوش حشرت" فقالت له المرأة: "وضرب لنا مثلا ونسي خلقه"...وكان رجل مسن منحني الظهر يسير في الطريق فقال له شاب بسخرية: بكم القوس يا عم؟ قال: إن أطال الله بعمرك سيأتيك بلا ثمن.
38. قال رجل لامرأته: ما خلق الله أحب إلي منك. فقالت: ولا أبغض إلي منك! فقال: الحمد لله الذي أولاني ما أحب وابتلاك بما تكرهين...وقال الحجاج لرجل من الخوارج: والله إني لأبغضك! فرد الرجل: أدخل الله أشدنا بغضا لصاحبه الجنة.
39. قالت مارلين مونرو لاينشتاين: لما لا نتزوج وننجب طفلا ذكيا مثلك وجميلا مثلي؟ فقال: وماذا لو أنجبنا طفلا قبيحا مثلي وغبيا مثلك؟!...وسئلت الكاتبة أغاثا كريستي: لماذا رفضتي الزواج من الأدباء وقبلت برجل آثار؟ فقالت: لأني كلما كبرت في السن ازددت قيمة عنده.
40. كان أبو نواس خارجا من دار الخلافة، فتبعه الرقاشي وقال له: أبشر فإن الخليفة قد ولاك في هده الساعة ولاية، فقال أبو نواس: ما هي؟ فقال الرقاشي مستهزئا: ولاك على القردة والخنازير! فقال أبو نواس: إذن فاسمع وأطع...وكانت امرأة تسوق أربعة حمير وإذا بشابين سائرين بجانبها فقاﻻ لها: صباح الخير يا أم الحمير فأجابتهما على الفور: صباح النور يا أوﻻدي.
41. سأل أحدهم إياس: لم تعجل بالقضاء؟ فقال إياس: كم لكفّك من إصبع؟ قال: خمس. قال: عجلت. قال: لم يعجل من قال بعدما عرف الشيء علما ويقينا؟ قال إياس: فهذا جوابي إليك...وقال رجل لإياس: ما فيك عيب إلاّ كثرة الكلام؟ فقال: أتسمعون صواباّ أم خطاّ ؟ قالوا: لا بل صواباّ. قال : فالزيادة من الخير خير.
42. سأل أحدهم مانديلا: لو وجدت صندوقا فيه كيسين أحدهما مليئ بالحكمة والآخر بالمال، فأيهما تختار؟ فقال: المال، فضحك الرجل وقال: كنت أعلم بأنك ستختار المال أما أنا فلو كنت مكانك لاخترت كيس الحكمة. فتبسم مانديلا وقال: كل شخص يختار ما ينقصه ياسيدي.
43. جلس مغني شهير مع شاعر شهير إلى طاولة، فسأل المغني الشاعر ساخرا منه: ما الفرق بينك وبين الحمار؟ فرد الشاعر: هذه الطاولة...وقال شاب لعامل نظافة مستهزئا به: بكم ثمن كيلو زبالة عندك؟ فرد عليه قائلا: تعالى تذوقها ولن نختلف على السعر.
44. قال وزير بريطانيا السمين تشرشل لبرناردشو وكان نحيفا: من يراك يا شو يظن بأن بريطانيا في أزمة غذاء! فقال: ومن يراك يعرف سبب اﻷزمة...وقال رجل لبرناردشو: أليس الطباخ انفع للأمة من الشاعر والأديب؟ فقال: الكلاب تعتقد ذلك.
45. بعد سنتين من الزواج كانت تنظر إلى نفسها في المرآة وتقول متأسفة: أين ذهب جمالي ورشاقتي؟ ثم ألتفتت إلى زوجها وقالت: هلا قلت كلمة ترفع بها معنوياتي؟ فقال لها: ما شاء الله بصرك بقي عشرة على عشرة... وسأل ثقيل بشار بن برد قائلا: ما أعمى الله رجلا إلا عوضه فبماذا عوضك؟ فقال بشار: بأن لا أرى أمثالك.
46. مر الحافظ ابن حجر يوما بالسوق في موكب عظيم وهيئة جميلة، فهجم عليه يهودي يبيع الزيت وهو في غاية الرثاثة، فقبض على لجام بغلته وقال: تزعم أن نبيكم قال: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فأي سجن أنت فيه وأي جنة أنا فيها؟ فقال: أنا بالنسبة لما أعد الله لي في الآخرة من النعيم كأني الآن في السجن وأنت بالنسبة لما أعد لك في الآخرة من العذاب كأنك في جنة.
47. قال أحد المجادلين للإمام الشافعي:كيف يكون إبليس مخلوقا من النار ويعذبه الله بالنار؟! ففكر قليلاً ثم أحضر قطعة من الطين الجاف وقذف بها الرجل، فظهرت على وجهه علامات الألم. فقال له: هل أوجعتك؟ قال: نعم، فقال الشافعي: كيف تكون مخلوقا من الطين ويوجعك الطين؟!
48. أرسل عثمان بن عفان ألف دينار إلى أبي ذر الغفاري مع أحد عبيده وقال له: إن قبلها منك فأنت حر. وذهب العبد إلى أبي ذر وعرضها عليه قائلا: يا أبا ذر، اقبلها فإن فيها عتقي. فأجابه أبو ذر: إن كان فيها عتقك فإن فيها رقي...وسمع حكيم رجلا من العامة يقول: أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة؟ فقال له: يا هذا اعكس كلامك وستجد ضالتك أينما شئت.
49. يقال أن علي رضي الله عنه سئل: لماذا في عهد صاحبيك كانت الأوضاع آمنة وفي عهدك القتل والفتن؟ فقال علي: لأن رعاتهم من أمثالي ورعاتي من أمثالك...وقيل له: كيف يحاسب الله العباد على كثرة عددهم؟ فقال: كما يرزقهم على كثرة عددهم؟.
50. لما أمر الخليفة هارون الرشيد بضرب عنق زنديق قال: أين أنت من أربعة آلاف حديث وضعتها فيكم أحرم فيها الحلال وأحلل فيها الحرام ما قال نبيكم منها حرفا؟ فرد الخليفة: أين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك؟ ينخلانها نخلا فيخرجانها حرفا حرفا.
51. قال نصراني لأبي بكر البقلاني: أنتم المسلمون عندكم عنصرية! فقال: وما ذاك؟! قال: تبيحون لأنفسكم زواج الكتابية ولا تبيحون لغيركم الزواج من بناتكم؟ فقال: نحن نتزوج اليهودية لأننا آمنا بموسى ونتزوج النصرانية لأننا آمنا بعيسى وأنتم متى ما آمنتم بمحمد زوجناكم بناتنا.
52. جاء رجل متحمس إلى الإمام مالك فقال له: أتناظرني؟ فرد عليه قائلاً: فإن غلبتني؟ قال الرجل: تتبعني، قال: فإن جاء ثالث فغلبنا؟ قال الرجل: نتبعه. فقال الإمام مالك: إذن يصبح ديننا التنقل!...وجاء رجل للشيخ الألباني رحمه الله يدعي علم الغيب يطلب مناظرته، فقال الشيخ: بشرط. فقال الرجل: ما شرطك؟ فقال الشيخ: كيف تعلم الغيب ولا تعلم شرطي؟
53. ركب أبو علقمة النميري بغلا فوقف على أبي عبد الرحمان القرشي، فقال يا أبا علقمة إن لبغلك هذا منظرا، فهل مع حسن هذا المنظر من خير؟ قال: أو ما بلغك خيره؟ قال: لا. قال خرجت عليه مرة من مصر فقفز بي قفزة إلى فلسطين. فقال له أبو عبد الرحمان: أوصي أهلك يدفنوه معك في قبرك فلعله يقفز بك الصراط.
54. مر أبو حنيفة على رجل سرق تفاحة ثم تصدق بها، فسأله عن السبب، فقال: أنا أتاجر مع ربي! قال كيف ذلك؟ فقال: سرقتها فكتبت علي سيئة واحدة وتصدقت بها فكتبت عشر حسنات فبقي لي تسع حسنات. فقال أبو حنيفة: بل سرقتها فكتبت عليك سيئة وتصدقت بها فلم يقبلها الله منك، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.
55. قال رجل للقمان الحكيم: ما أشد سواد بشرتك! فرد عليه: نعم بشرتي سوداء ولكن قلبي أشد بياضا من الثلج... وقال له رجل: ما أشد قبحك! فرد عليه: يا هذا أتعيب على النقش أم على النقاش؟ فأجاب الرجل: لا بل على النقش. فقال لقمان: ومن الذي نقش وصنع وسوى؟.
56. ركبت امرأة بدينة جداً الحافلة فصاح أحد الراكبين متهكماً منها: لم أعلم أن هذه الحافلة مخصصة للفيلة! فردت عليه بهدوء: لا، هذه الحافلة كسفينة نوح تركبها الفيلة والحمير أيضاً.
57. أراد رجل أن يحرج شخص فقير جالس بالحافلة من المدينة للقرية وكان يحمل معه أكياس يوجد بها أحشاء وأرجل ورؤوس دجاج، فقال له: كأنك تحضر وليمة لكلاب القرية! فقال له: نعم ألم تأتي لك دعوة؟
58. ركب شخص سيارة أجرة فوجد السائق يشغل القرآن فسأله: هل مات أحد؟ فقال: نعم ماتت قلوبنا... وسألت عجوز رجلا في تشييع جنازة، فقالت له: من المتوفي؟ فقال لها: المتوفي الله، فقالت العجوز كفرت أيها الشيخ! فقال لها: قولي المتوفى ولا تقولي المتوفي.
59. كان أحد المصليين راجعا إلى بيته بعد أن فرغ من صلاة الجمعة، وفي طريقه لقيه أحد الشباب وسأله باستخفاف: أنهيتم صلاة الجمعة بهذه السرعة؟! فرد عليه قائلا: لا بل أرسلنا الإمام لنتفقد أهلنا ثم نرجع لنكمل الصلاة.
60. كانت فتاة جالسة في الحافلة فدخلت امرأة وجلست بجانبها فاصطدمت بها هي وحقائبها، رأى رجل المنظر فانزعج وسأل الفتاة: لماذا لم تقولي شيئا لهذه المرأة الفوضوية؟ فأجابت الفتاة: ليس من الضروري أن تجادل على شيء تافه فالرحلة قصيرة وأنا سأنزل في المحطة القادمة.
وهكذا فكثير من المواقف والانتقادات لا تستحق الرد، ببساطة لأن رحلة الحياة قصيرة تحتاج منا إلى تجاهل، تجاهل أحداث ومواقف، تجاهل أشخاص وأقوال وأفعال، ولذلك قيل: التجاهل نصف السعادة. فإذا أردت أن تعيش سعيدا فلا تحلل كل شيء ولا تفسر كل شيء ولا تدقق في كل شيء. فمهما فعلت فلن ترضي كل الناس. ومن ظن أنه يسلم من كلام الناس فهو مجنون، فقد قالوا عن الله ثالث ثلاثة وقالوا عن حبيبنا محمد ساحر ومجنون فما الظن بمن هو دونهما؟ فنحن لا نستطيع أن نمنع الناس من الكلام عنا، لكن بكل تأكيد نستطيع أن نمنع أنفسنا من التأثر بما يقولون، لأنّ مفتاح عقلنا بأيدينا لا بأيدهم. ولهذا فكلام الناس مثل الحجارة إما أن تحملها على ظهرك فينكسر أو تبني بها برجا تحت أقدامك فتنتصر. ووجود الإنسان مع رفقة لابد معه من صبر، وإلَّا فلن يبقى له أخٌ ولا صديق، والمؤمن الذي يُخالط ويصبر خيرٌ من الذي لا يُخالط ولا يصبر. فقط نحتاج أن ندرّب أنفسنا على التجاهل، وسيصبح الأشخاص السلبيين لا مكان لهم بين عقارب ساعة حياتنا. فأسأل الله أن يلهمنا رشدنا ويبصرنا بعيوبنا، وأن يوفقنا لصالح القول والعمل وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين.
إعداد: بوودن دحمان حذيفة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد:
لا شك أن اتقاء كلام الناس من المقاصد التي جاءت بها الشريعة الإسلامية. ولذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بترك الشبهات وأماكن الريبة خوفا من الوقوع في كلام الناس. كما قال صلى الله عليه وسلم "فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ" - متفق عليه- وقد كان عليه الصلاة والسلام يمتنع أحيانا عن فعل بعض الأشياء اتقاء لكلام الناس، فقد منع عمر رضي الله عنه من قتل المنافق عبد اللَّهِ بن أُبَيٍّ وقال: "دَعْهُ لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ" - متفق عليه- ولما كان الوقوع في كلام الناس أمر لا مناص منه، فإن استخدم مهارة الرد تجعل الإنسان يجد سعادةً في التواصل مع كلِّ من حوله، بل وتكون له شخصية جذابة. فإتقان ذلك من سيمة العظماء، وتقول العرب في الرجل الذي يرد على خصمه رداً يزلزل أوصاله: لقد ألقمه الحجر، أو رماه بثالثة الأثافي، أو ما يعرف اليوم بقصف الجبهة. فكيف نحول المواقف الحرجة لصالحنا ونقلب المشكلات إلى حلول وتصرفات بناءة؟ أو كيف نستطيع التعايش مع من يسيؤن إلينا بالقول دون الاحتكاك بهم أو التشاجر معهم؟
قبل أن نخوض في مضمار هذا البحث يجب أن نعلم أن احترام الناس ومراعاة مشاعرهم أمر واجب. فكما أنه لا يجوز الاعتداء على الإنسان بالقتل أو الضرب أو بسرقة ماله، كذلك لا يجوز خدش عواطفه وجرح مشاعره. فينبغي للإنسان أن لا يقول للآخرين كلمة حتى يستفتي مشاعره هو نحوها، هل يقبل أن تقال له هو أم لا؟. فالإنسان كتلة من العواطف والمشاعر، فحينما ترى إنساناً عليك أن تنفذ إلى ما وراء جسمه وتتعاطى مع أحاسيسه ومشاعره. لكن الكثير منا - للأسف حتى من بعض المتدينين- يحسب ألف حساب قبل أن تمتد يده لخدش جسم إنسان آخر، أو لأخذ فلس واحد من ماله، ولكنه قد لا يتردد كثيراً في جرح مشاعر الآخرين. في حين أنك لو خيّرت أي إنسان بين جرح جسمه أو جرح كرامته، لما أختار الثانية على الأولى إن كان سوّياً. وقديما قيل: طعن اللسان أمضى من طعن السنان. ومن هنا جاءت النصوص الدينية في النهي عن كل ألوان الكلام الجارح من سب أو شتم أو سخرية وتحقير.. قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ" -الحجرات: 11 - وفي تعريف المسلم الحقيقي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" - متفق عليه- ونجد أن الحديث الشريف قدّم الحرمة المعنوية على المادية، حيث قال: من لسانه أولاً، واللسان هو أذاة التجريح المعنوي. وليس هذا مقتصرا على المسلم فقط، بل إن الإسلام يأمر الإنسان بالتزام القول الحسن مع كل الناس، يقول تعالى: "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" -البقرة: 83- بل جعل الاسلام القول السديد من لوازم تقوى الله، يقول تعالى: "يَاأَيُّهَا الذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا" - الأحزاب: 70- وهذه مجموعة من النصائح في التعامل مع الأشخاص المتطفّلين الذين يحشرون أنوفهم بل أجسامهم ويستقصدون الإساءة بالقول أو الفعل:
أ. حسن الفهم: فقبل الرد لابد من فهم الموقف جيداً، فمن المعلوم أنه من أساء سمعاً أساء إجابةً. فالواجب أن تسأل محدثك أن يعيد عليك أجزاء من الحديث لا تفهمها، فقد يكون قوله ليس عن قصد أو أن كلامه عام لا يخصك أنت. ولذلك قيل: أغلب نزاعات الناس سببها إما مفهوم لم يُقصد أو مقصود لم يُفهم. فالعاقل لا يتكلم اعتباطاً وارتجالاً، ولا تستدرجه الإثارات والإنفعالات، بل يتدبر فيما يريد قوله.
ب. إلتزام الصمت: فأنت لست مجبر على الرد على كل كلام يقال لك، فالصمت أو الإبتسامة فقط لها تأثير كبير على موجه الكلام، لأنك إن أجبت السفيه فرجت عنه وإذا تركته يموت غيظاً. وسوف تدرك مع الوقت أن الصمت أفضل رد على أغلب الإهانات. سيكون هذا الأمر صعب في البداية لكن مع التكرار والمتابعة ستعتاد عليه، ورحم الله الإمام الشافعي حيث قال:
يخاطبني السَّفِيهُ بكلِّ قبْحٍ ***فأكرهُ أن أكونَ له مجيبَا
يزيدُ سَفَاهَةً فأزيدُ حلمًا *** كعودٍ زاده الإحراقُ طِيبَا.
ت. تحويل الموقف إلى ممازحة: فيمكنك تجاوز الكلام المستفز بتحويله لموقف فكاهي للخروج من المأزق، وبذلك تقلل من حدة الكلام، ولكن هذا لا يحدث إلا إذا كان المتحدث صديق مقرب وليس شخص غريب. وهذا الأسلوب صعب ويحتاج الى تمرن لكنه قوي، وكمثالا على ذلك: إذا قال لك أحدهم: تستطيع إنقاذ شخص واحد من الغرق أباك، أمك، أو أخوك الصغير؟ فتكون الإجابة بابتسامة: إن نزلت لإنقاذهم سأحتاج لمن ينقذني أيضا.
ث. كتم الغضب: فإن كنت حريصًا على أن تجيب الناس بإجاباتٍ مفحمة؛ فاجتهد أن تتخلص من الغضب قبل أن تفكر في الرد. فكلما كنت أقل تفاعلاً، كلما استطعت استخدام الأسلوب الأفضل للتعامل مع الموقف، فالغضب إن سيطر على الرجل سدَّ عليه كلَّ سُبُل العقل، فلا يملك نفسه ولا لسانه. ولذلك ينصح عند الغضب قبل أن تقول شيئًا أن تأخذ نفسًا عميقًا أو مارس نشاطا مختلفا كالقيام بشرب الماء أو أن تطلب من محدثك أن يكرر كلامه، متحججًا بأنك لم تسمعه وأنت بذلك نعطي لنفسك فرصة أكبر للتفكير في اختيار الرد المناسب وتقلل من حدة توتر الحديث.
ج. . الرد الدبلوماسي: ويكون بعدة طرق منها: إشغال السائل بتفاصيل تمتد إلى مواضيع أخرى، فمثلا عند السؤال عن الراتب نجد الإجابة: الدرجة الأولى مرتبها كذا والثانية كذا.. أو يمكن الرد بشكل عام ومختصر فتقول: الحمد لله، وقد سئل حكيم: كم عمرك فأجاب: صحتي جيدة، وسئل هل معك نقود؟ فأجاب: ليس علي دين، وسئل: هل عندك أعداء، فأجاب: أسكن بعيدا عن أقاربي. ومن الطرق الدبلوماسية الإجابة بالسؤال، وهو أسهل أسلوب، مثل: كم كانت نتيجة اختبارات؟ تقول كم كانت أعلى علامة برأيك؟ ويمكنك إن لم تعرف ما تقوله أن تسأل السائل لماذا تسألني السؤال أو تنظر له وأنت صامت وهو سيواصل الحديث.
ح. المعاملة بالمثل: أي الرد على الاستفزاز بالاستفزاز، وعند اتباع هذه الطريقة يجب ضبط النفس وعدم التسرع والتلفظ بمفردات سيئة، فقط تكون المواجهة بالنقاش الهادئ باستخدام كلمات مهذبة. فبعض الناس يستفزونك ليخرجوا أسوأ ما فيك، ثم يقولون لك: أهكذا أنت؟! فقل: نعم كما تحب أنت. لا تخلط بين شخصيتي وأسلوبي فشخصيتي هي أنا وأسلوبي يعتمد عليك. وإياك أن تجادل السفهاء سينزلونك إلى مستواهم الدنيئ ثم يهزمونك بفارق الخبرة، فهذا النوع من الحلول قادر على إيقاف الاستفزاز فورًا، ووضع الشخص المستفز في مكانه الطبيعي، لكن هذه الطريقة تتطلب أن يكون الإنسان قادر على كبت غضبه والتظاهر بالعكس وقادر على إدارة الحوارات، وإلا فسينجح الشخص المستفز في الاستفزاز أكثر فأكثر.
خ. التجاهل: فهذا الحل يقلب السحر على الساحر ويجعل من يستفزك يستفز في الفراغ بل ويشعر بالاستفزاز، فينسحب حينها من حياتك بهدوء، لأنه سيصاب بالبرود بعد حين من الزمن. ومن البديهي أن تكون الخطوة الأولى في إتقان فن التجاهل هي أن تتفادى الشخص المستهدف، وإذا كنت مضطرا للجلوس معه أو التحدث إليه فاحرص على أن لا تطيل المكوث معه وأن يكون حديثكما مقتضبا. فإذا كان الشخص المستفز ضمن مجموعةٍ من النّاس، يوجّه الكلام للآخرين مع إهمال وجوده. ومقابلة كلامه بعدم الاهتمام، وعدم محاولة الدّفاع عن النّفس، لأن الاستمرار في جداله، يشعره بالبهجة، ويتحقق مطلبه في الإثارة ولفت الأنظار إليه. ولما كان العلم بالتعلم وأول الإبداع محاكاةُ المبدعين، فهذه مجموعة من النماذج التي يمكن الاستفادة منها في تنمية مهارة الرد:
1. مر يهودي معه كلب على إبراهيم بن أدهم فقال له: أيهما أطهر لحيتك أم ذيل كلبي؟! فرد عليه بهدوء: إن كانت لحيتي في الجنة فهي أطهر من ذيل كلبك وإن كانت في النار فذيل كلبك أطهر منها. فأسلم ذلك اليهودي.
2. أنشد الشاعر أبو تمام مادحا الخليفة المتوكل العباسي بحضرة الفيلسوف الكندي قائلا: قدك اتئب أربيت في الغلواء ***كم تعدلون وأنتم سجرائي. فاعترض الكندي قائلا: لماذا لا تقول ما يُفهم؟! فرد عليه أبو تمام: ولماذا لا تفهم ما يُقال؟!
3. ذهب كاتب إلى الروائي المشهور إسكندر ديماس وعرض عليه أن يتعاونا معا في كتابة إحدى القصص التاريخية وفي الحال أجابه ديماس ساخرا: كيف يمكن أن يتعاون حصان وحمار في جر عربة واحدة؟! فرد عليه الكاتب: هذه إهانة يا سيدي كيف تسمح لنفسك أن تصفني بالحصان؟
4. في زمن التمييز العنصري بأمريكا جلس رجل أسود بجانب رجل أبيض على طاولة الغداء، وكان زميله في العمل، فقال الأبيض ساخرا منه: هل يمكن أن يأكل الخنزير والطير على نفس الطاولة؟ فرد الأسود قائلا: حسنا، سأطير بعيدا عنك!
5. أرسل أحد الفساق لإحدى الفاسقات يقول: احذفي صوري لأنني تعرفت على فتاة أجمل منك! فأرسلت إليه خمسون صورة وقالت: خذ صورتك وامسح الباقي فأنا لا أتذكر أين أنت من بينهم!... فقال لها: أنت شيطانة! فقالت له: الله ميز الحمير برؤية الشياطين!.
6. سئل الشعبي عن مسألة فقال: لا علم لي بها. فقيل له: ألا تستحي؟ فقال: ولم أستحي ممّا لا تستح الملائكة منه حين قالت: "سبحانك لا علم لنا"...وسئل المؤرخ العمراني: هل تخرجت من جامعة؟ فرد قائلا: أنا خريج جامع وليس الذكر كالأنثى.
7. سأل أحدهم الأحنف بن قيس: يا أبا بحر! بِمَ سُدتَ قومَك وما أنتَ بأصبحِهِم وجهاً ولا بأشرفِهِم مكانةً؟! فقال الأحنف: بخلافِ ما فيك يا ابن أخي، فقال الرجل: وما ذاك؟! قال الأحنف: بتركي من أمرك ما لم يعنني كما عناك من أمري ما لم تتركه.
8. سأل أحدهم الصحابي الجليل العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأنت أكبر أم رسول الله؟ فقال بحسن أدب: هو أكبر مني وأنا وُلدت قبله...وسأل أحدهم وزيرا: لماذا لم تعد تنتقد الحكومة بعد أن أصبحت وزيرا؟ قال: علمني أبي أنه من سوء الأدب أن تتحدث وأنت تأكل.
9. أكل أعرابي عند أمير وكان شرهاً فقال له: مالك تأكل الخروف كأن أمه نطحتك! فرد اﻷعرابي: ومالك تشفق عليه كأن أمه أرضعتك؟...ومرت جارية وفي يدها طبق مغطى، فسألها أحد المتطفلين: ماذا في الطبق يا جارية؟ قالت: فلما غطيناه إذن؟
10. لما خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ذاهبا إلى بلاد الشام ومعه بعض الصحابة، علم في طريقه الطاعون قد انتشر في الشام، فقرر الرجوع. فقال له أبو عبيدة بن الجراح: أفرارا من قدر الله يا أمير المؤمنين؟ فرد عليه: نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله.
11. قال رجل لزوجته: لماذا خلقت النساء في غاية في الجمال وفي غاية الغباء؟ فقالت: في غاية الجمال لتحبوهن وفي غاية الغباء ليحبوكم...وقال آخر لزوجته: سوف أصبح طبيبا يوما ما، فردت عليه بسخرية: أموت ولن أعالج عندك! فقال لها: عفوا لقد قلت طبيبا وليس بيطريا.
12. رأى رجل امرأة فقال لها: كم أنت جميلة! فقالت له: ليتك جميل ﻷبادلك نفس الكلام! فقال لها: ﻻبأس اكذبي كما كذبت...ورأى آخر زوجته حزينة فقال لها: أنت ثاني أجمل فتاة رأيتها! فقالت: ومن اﻷولى؟! فـقال: أنت حين تبتسمين.
13. رأى خالد بن صفوان رجلًا وهو يكيلُ السبَّ والشتم لعمرو بن عبيد؛ فلما سكت قال له عمرو: آجرك الله على الصواب وغفر لك الخطأ!...وقال رجل للأحنف بن قيس في أحد مجالسه: لئن قلتَ كلمةً أسمعتُك عشرًا؛ فقال الأحنف: إن قلت عشرًا ما سمعت مني كلمة.
14. أراد رجل إحراج المتنبي فقال لـه: رأيتك من بعيد فـظننتك امرأة! فقال المتنبي: وأنا رأيتك من بعيد فظننتك رجلا...وأقبل جحا – وهو من التابعين- على قرية فقال له أحد أفرادها: لم أعرفك يا جحا إﻻ من حمارك! فرد جحا قائلا: الحمير تعرف بعضها!
15. جاء رجل إلى الشعبي وقال: إني تزوجت امرأة وجدتها عرجاء فهل لي أن أردها؟ فقال: إن كنت تريد أن تتسابق بها فردها...وتزوج رجل أعمى امرأة فقالت له: لو رأيت بياضي وحسني لعجبت، فقال: لو كنت كما تقولين ما تركك المبصرون لي.
16. جاء رجل إلى آخر يطلب الأجرة عن دار كان قد أجرها له فقال المستأجر شاكيا: أعطيك الأجرة، ولكن أولاً أصلح هذا السقف فإنه يهتز ويتفرقع، فقال صاحب الدار: لا تـخـف فإنما السقف يسبح لله، فقال المستأجر: نعم لكني أخشى أن يدركه الخشوع فيسجد.
17. قيل لأحدهم: ألست تقول إنه لن يصيبك إلا ما كتبه الله عليك؟ قال نعم، فقال: فارم بنفسك من فوق الجبل فإنه إن يقدر لك السلامة سلمت، قال: يا أبله إن لله أن يختبر عباده وليس للعبد أن يختبر ربه.
18. دخل أبو علقمة النحوي على الطبيب فقال: إني أكلت من لحوم هده الجوازل فطسئت منها طسأة فأصابني وجع بين الوابلة إلى دأية العنق، فلم يزل ينمو ويربو حتى خالط الخلب، فألمت له الشراسف!. فهل عندك دواء؟ فقال الطبيب: خد خربقا وشفلقا وشبرقا فزهزقه وزقزقه واغسله بماء روث واشربه بماء الماء! فقال أبو علقمة: لم أفهمك! فقال الطبيب: لعن الله أقلنا إفهاما لصاحبه.
19. سئل الزمخشري: لماذا يجوز للرجل أن يتزوج بأكثر من امرأة ولا يجوز للمرأة أن تتزوج بأكثر من رجل في نفس الوقت؟! فأجاب: يجوز تعدد المفعول به في اللغة العربية ولا يجوز تعدد الفاعل... ورأى أحدهم نحويا يأكل الطعام بيده والملعقة أمامه، فقال له: لم لا تأكل بالملعقة؟! فرد عليه: إن أمكن الإتيان بالضمير متصلا فلا يجوز الإتيان به منفصلا.
20. قيل لأحدهم أيهما أجمل: أمك أم القمر؟ فقال: إذا رأيت القمر تذكرت أمي وإذا رأيت أمي نسيت القمر... وقيل لزين العابدين: إنك من أبر الناس بأمك ولسنا نراك تأكل معها في صحفة واحدة! فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليها عينها فأكون قد عققتها.
21. تقدم لخطبة فتاة رجلان أحدهما فقير صالح والآخر غني فاسق، فاختارت الغني الفاسق، فلما قيل لها إنه فاسق! قالت: سيهديه الله، فقيل لها: أوليس الهادي هو الرازق؟!...وسأل أحدهم الشيخ ابن عثيمين: أنا متزوج وأريد الزواج بالثانية بنية إعفاف فتاة. فأجاب الشيخ: أعط المال لشاب فقير يتزوجها وتأخذ أجر اثنين.
22. نظر طفيلي إلى قوم ذاهبين فلم يشك في أنهم مدعوون إلى وليمة، فقام وتبعهم. فإذا هم شعراء قصدوا السلطان بمدائح لهم. فلما أنشد كل امرئ منهم شعره، أخد جائزته، فلم يبق إلا الطفيلي. فقال السلطان: أنشد شعرك، فقال الطفيلي: لست شاعرا، وإنما أنا من الغاوين الذين قال الله في حقهم: والشعراء يتبعهم الغاوون. فضحك السلطان وأمر له بجائزة كجائزة الشعراء.
23. سيقَ رجلًا إلى هشام بن عبد الملك لأمرٍ بلغه عنه؛ فلما أقيمَ الرجل بين يدي هشام إذا به يدافعُ عن نفسه؛ فقال الخليفة: وتتكلم بين يدي؟! فقال الرجل من فوره: يا أمير المؤمنين، الله عز وجل يقول: يومَ تأتي كلُّ نفسٍ تُجادِلُ عن نفسِها. أفيجادِلون الله تعالى ولا نتكلم بين يديك؟! قال هشام: بلى! ويحك تكلَّم.
24. دخلت عجوز على السلطان تشكو إليه جنوده الذين سرقوا لها مواشيها بينما كانت نائمة. فقال لها: كان عليك أن تسهري على مواشيك لا أن تنامي! فأجابته: ظننتك أنت الساهر يا سيدي فنمت...ودخلت عزة على عبد الملك بن مروان فقال لها: والله ما أجد فيك مما كان يقول جميلُ شيئا؟ فقالت: يا أمير المؤمنين إنه كان ينظر إلي بعينين ليستا في رأسك.
25. سأل ملحد الشيخ أحمد ديدات: كيف سيكون شعورك بعد الموت إذا اكتشفت أن الآخرة كذب؟ فقال له: لن يكون أسوا من شعورك عند اكتشافك إنها حقيقة... وسئل ملحد أحد المسلمين: ماذا لو لم يكن هناك آخرة؟ فقال له: ماذا لو كان هناك آخرة؟
26. ألح الذباب يوما على الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور في مجلسه حتى أضجره. فقال لحاجبه: انظر من في الباب من العلماء؟ فقال: يوجد مُقاتل بن سليمان. فلما دخل على المنصور سأله: لماذا خلق الله الذباب؟ فأجابه مُقاتل وكان قد عاين تبرم المنصور وضجره: لكي يُذل الله به الجبابرة.
27. قال رجل لزوجته: هل تعلمين أن المرأة تتكلم ثلاثة آلاف كلمة في اليوم بينما يتكلم الرجل ألف كلمة فقط؟ فقالت: صحيح لأننا نضطر إلى تكرار الكلام للأغبياء حتى يستوعبوا. فقال لها مإذا تقولين؟ فقالت: أرأيت سأضطر أن أعيد الكلام مرة أخرى.
28. جاء رجل لخالد بن الوليد فقال له: إن فلان شتمك فقال: تلك صحيفته فليملأها بما شاء. وجاء رجل إلى الشافعي فقال له: فلان يذكرك بسوء. فأجابه: إذا صدقت فأنت نمام وإذا كذبت فأنت فاسق. وقيل للمتنبي فلان يهجوك فرد: هذا صعلوك يريد أن أرُد عليه فيدخل التاريخ.
29. رأى يهودي مسلما يتوضأ وقد رفع قدمه ليغسلها في الحوض، فزجره قائلا: هذا الحوض مخصص لغسل الوجه وليس لغسل القدم. فرد المسلم: كم مرة تغسل وجهك في اليوم؟ قال: مرة أو مرتين، فقال المسلم: وأنا أغسل قدمي في اليوم خمس مرات فأيهما أطهر قدمي أم وجهك؟
30. قالت ممثلة انجليزية مشهورة للأديب الفرنسي هنري جانسون: إنه لأمر مزعج فأنا لا أتمكن من إبقاء أظافري نظيفة في باريس! فرد عليها فورا : ذلك لأنك تحكين نفسك كثيرا... وقالت سيدة غاضبة من الغلاء لرئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل: لو كنت زوجي لقدمت لك فنجان قهوة مسموما فرد على الفور: لو كنت زوجتي لشربت الفنجان فورا.
31. مرَّ أحدُهم على بهلول ويشاع عنه أنه كان مجنوناً أو أنه كان يتماجن ويدّعي الجنون ليظل في مأمنٍ من الشُّرط فخاطبه مستخِفاً به: يا بهلول! إن أمير المؤمنين قد أمر لكل مجنونٍ بدرهمين، فأجابه بهلول على الفور: أفأخذتَ درهميك؟!
32. سأل مسكين أعرابيا أن يعطيه حاجة فقال: ليس عندي ما أعطيه للغير فالذي عندي أنا أحوج الناس إليه، فقال السائل: وأين الذين يؤثرون على أنفسهم؟ فقال الأعرابي: ذهبوا مع الذين لا يسألون الناس إلحافا.
33. دخل أستاذ جامعي إحدى القاعات خطأ، فقال له الطلاب: يا أستاذ لقد أخطأت أنت في القاعة الثانية، فقال بكبرياء: آسف إن البقر تشابه علينا، فرد عليه أحد الطلاب قائلا: كذلك كنتم فمن الله عليكم فتبينوا.
34. أتي إلى الحجاج بامرأة من الخوارج فقال لأصحابه: ما تقولون في هذه؟ قالوا: اقتلها. فتبسمت، فقال لها: لم تبسمت؟ فقالت: لقد كان وزراء أخيك فرعون خيراّ من وزرائك، استشارهم في قتل موسى، فقالوا: "أرجه وأخاه" وهؤلاء يأمرونك بتعجيل قتلي! فضحك الحجاج وأمر بإطلاقها...ووجد الحجاج على منبره مكتوباً: "قل تمتع بكفرك إنك من أصحاب النار" فكتب تحته: "قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور"
35. قالت فتاة متبرجة لأخرى محتشمة: لباسك لباس رجعية وتخلف، فردت عليها: لو كان التحضر بالتعري لكانت القردة أكثر تحضرا منا...وقالت متبرجة لفتاة متجلببة: لباسك عريض لا يصلح للموضة فردت عليها: لباسك ضيق لا يصلح للجنة.
36. قالت امرأة لزوجها: لو تزوجت إبليس لكنت أحسن حالا من زواجي معك! فرد قائلا: شرعا لا يجوز زواج الأخ من أخته...وقالت أخرى لزوجها: انظر إلى جارنا لقد بنى مسجدا لزوجته بعد وفاتها. فرد عليها: أنا أيضا مستعد لأفعل لك مثل ذلك، ولكن التأخير جاء من عندك.
37. وقفت امرأة قبيحة على دكان عطار وكان قبيحا، فلما نظر إليها قال: "وإذا الوحوش حشرت" فقالت له المرأة: "وضرب لنا مثلا ونسي خلقه"...وكان رجل مسن منحني الظهر يسير في الطريق فقال له شاب بسخرية: بكم القوس يا عم؟ قال: إن أطال الله بعمرك سيأتيك بلا ثمن.
38. قال رجل لامرأته: ما خلق الله أحب إلي منك. فقالت: ولا أبغض إلي منك! فقال: الحمد لله الذي أولاني ما أحب وابتلاك بما تكرهين...وقال الحجاج لرجل من الخوارج: والله إني لأبغضك! فرد الرجل: أدخل الله أشدنا بغضا لصاحبه الجنة.
39. قالت مارلين مونرو لاينشتاين: لما لا نتزوج وننجب طفلا ذكيا مثلك وجميلا مثلي؟ فقال: وماذا لو أنجبنا طفلا قبيحا مثلي وغبيا مثلك؟!...وسئلت الكاتبة أغاثا كريستي: لماذا رفضتي الزواج من الأدباء وقبلت برجل آثار؟ فقالت: لأني كلما كبرت في السن ازددت قيمة عنده.
40. كان أبو نواس خارجا من دار الخلافة، فتبعه الرقاشي وقال له: أبشر فإن الخليفة قد ولاك في هده الساعة ولاية، فقال أبو نواس: ما هي؟ فقال الرقاشي مستهزئا: ولاك على القردة والخنازير! فقال أبو نواس: إذن فاسمع وأطع...وكانت امرأة تسوق أربعة حمير وإذا بشابين سائرين بجانبها فقاﻻ لها: صباح الخير يا أم الحمير فأجابتهما على الفور: صباح النور يا أوﻻدي.
41. سأل أحدهم إياس: لم تعجل بالقضاء؟ فقال إياس: كم لكفّك من إصبع؟ قال: خمس. قال: عجلت. قال: لم يعجل من قال بعدما عرف الشيء علما ويقينا؟ قال إياس: فهذا جوابي إليك...وقال رجل لإياس: ما فيك عيب إلاّ كثرة الكلام؟ فقال: أتسمعون صواباّ أم خطاّ ؟ قالوا: لا بل صواباّ. قال : فالزيادة من الخير خير.
42. سأل أحدهم مانديلا: لو وجدت صندوقا فيه كيسين أحدهما مليئ بالحكمة والآخر بالمال، فأيهما تختار؟ فقال: المال، فضحك الرجل وقال: كنت أعلم بأنك ستختار المال أما أنا فلو كنت مكانك لاخترت كيس الحكمة. فتبسم مانديلا وقال: كل شخص يختار ما ينقصه ياسيدي.
43. جلس مغني شهير مع شاعر شهير إلى طاولة، فسأل المغني الشاعر ساخرا منه: ما الفرق بينك وبين الحمار؟ فرد الشاعر: هذه الطاولة...وقال شاب لعامل نظافة مستهزئا به: بكم ثمن كيلو زبالة عندك؟ فرد عليه قائلا: تعالى تذوقها ولن نختلف على السعر.
44. قال وزير بريطانيا السمين تشرشل لبرناردشو وكان نحيفا: من يراك يا شو يظن بأن بريطانيا في أزمة غذاء! فقال: ومن يراك يعرف سبب اﻷزمة...وقال رجل لبرناردشو: أليس الطباخ انفع للأمة من الشاعر والأديب؟ فقال: الكلاب تعتقد ذلك.
45. بعد سنتين من الزواج كانت تنظر إلى نفسها في المرآة وتقول متأسفة: أين ذهب جمالي ورشاقتي؟ ثم ألتفتت إلى زوجها وقالت: هلا قلت كلمة ترفع بها معنوياتي؟ فقال لها: ما شاء الله بصرك بقي عشرة على عشرة... وسأل ثقيل بشار بن برد قائلا: ما أعمى الله رجلا إلا عوضه فبماذا عوضك؟ فقال بشار: بأن لا أرى أمثالك.
46. مر الحافظ ابن حجر يوما بالسوق في موكب عظيم وهيئة جميلة، فهجم عليه يهودي يبيع الزيت وهو في غاية الرثاثة، فقبض على لجام بغلته وقال: تزعم أن نبيكم قال: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فأي سجن أنت فيه وأي جنة أنا فيها؟ فقال: أنا بالنسبة لما أعد الله لي في الآخرة من النعيم كأني الآن في السجن وأنت بالنسبة لما أعد لك في الآخرة من العذاب كأنك في جنة.
47. قال أحد المجادلين للإمام الشافعي:كيف يكون إبليس مخلوقا من النار ويعذبه الله بالنار؟! ففكر قليلاً ثم أحضر قطعة من الطين الجاف وقذف بها الرجل، فظهرت على وجهه علامات الألم. فقال له: هل أوجعتك؟ قال: نعم، فقال الشافعي: كيف تكون مخلوقا من الطين ويوجعك الطين؟!
48. أرسل عثمان بن عفان ألف دينار إلى أبي ذر الغفاري مع أحد عبيده وقال له: إن قبلها منك فأنت حر. وذهب العبد إلى أبي ذر وعرضها عليه قائلا: يا أبا ذر، اقبلها فإن فيها عتقي. فأجابه أبو ذر: إن كان فيها عتقك فإن فيها رقي...وسمع حكيم رجلا من العامة يقول: أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة؟ فقال له: يا هذا اعكس كلامك وستجد ضالتك أينما شئت.
49. يقال أن علي رضي الله عنه سئل: لماذا في عهد صاحبيك كانت الأوضاع آمنة وفي عهدك القتل والفتن؟ فقال علي: لأن رعاتهم من أمثالي ورعاتي من أمثالك...وقيل له: كيف يحاسب الله العباد على كثرة عددهم؟ فقال: كما يرزقهم على كثرة عددهم؟.
50. لما أمر الخليفة هارون الرشيد بضرب عنق زنديق قال: أين أنت من أربعة آلاف حديث وضعتها فيكم أحرم فيها الحلال وأحلل فيها الحرام ما قال نبيكم منها حرفا؟ فرد الخليفة: أين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك؟ ينخلانها نخلا فيخرجانها حرفا حرفا.
51. قال نصراني لأبي بكر البقلاني: أنتم المسلمون عندكم عنصرية! فقال: وما ذاك؟! قال: تبيحون لأنفسكم زواج الكتابية ولا تبيحون لغيركم الزواج من بناتكم؟ فقال: نحن نتزوج اليهودية لأننا آمنا بموسى ونتزوج النصرانية لأننا آمنا بعيسى وأنتم متى ما آمنتم بمحمد زوجناكم بناتنا.
52. جاء رجل متحمس إلى الإمام مالك فقال له: أتناظرني؟ فرد عليه قائلاً: فإن غلبتني؟ قال الرجل: تتبعني، قال: فإن جاء ثالث فغلبنا؟ قال الرجل: نتبعه. فقال الإمام مالك: إذن يصبح ديننا التنقل!...وجاء رجل للشيخ الألباني رحمه الله يدعي علم الغيب يطلب مناظرته، فقال الشيخ: بشرط. فقال الرجل: ما شرطك؟ فقال الشيخ: كيف تعلم الغيب ولا تعلم شرطي؟
53. ركب أبو علقمة النميري بغلا فوقف على أبي عبد الرحمان القرشي، فقال يا أبا علقمة إن لبغلك هذا منظرا، فهل مع حسن هذا المنظر من خير؟ قال: أو ما بلغك خيره؟ قال: لا. قال خرجت عليه مرة من مصر فقفز بي قفزة إلى فلسطين. فقال له أبو عبد الرحمان: أوصي أهلك يدفنوه معك في قبرك فلعله يقفز بك الصراط.
54. مر أبو حنيفة على رجل سرق تفاحة ثم تصدق بها، فسأله عن السبب، فقال: أنا أتاجر مع ربي! قال كيف ذلك؟ فقال: سرقتها فكتبت علي سيئة واحدة وتصدقت بها فكتبت عشر حسنات فبقي لي تسع حسنات. فقال أبو حنيفة: بل سرقتها فكتبت عليك سيئة وتصدقت بها فلم يقبلها الله منك، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.
55. قال رجل للقمان الحكيم: ما أشد سواد بشرتك! فرد عليه: نعم بشرتي سوداء ولكن قلبي أشد بياضا من الثلج... وقال له رجل: ما أشد قبحك! فرد عليه: يا هذا أتعيب على النقش أم على النقاش؟ فأجاب الرجل: لا بل على النقش. فقال لقمان: ومن الذي نقش وصنع وسوى؟.
56. ركبت امرأة بدينة جداً الحافلة فصاح أحد الراكبين متهكماً منها: لم أعلم أن هذه الحافلة مخصصة للفيلة! فردت عليه بهدوء: لا، هذه الحافلة كسفينة نوح تركبها الفيلة والحمير أيضاً.
57. أراد رجل أن يحرج شخص فقير جالس بالحافلة من المدينة للقرية وكان يحمل معه أكياس يوجد بها أحشاء وأرجل ورؤوس دجاج، فقال له: كأنك تحضر وليمة لكلاب القرية! فقال له: نعم ألم تأتي لك دعوة؟
58. ركب شخص سيارة أجرة فوجد السائق يشغل القرآن فسأله: هل مات أحد؟ فقال: نعم ماتت قلوبنا... وسألت عجوز رجلا في تشييع جنازة، فقالت له: من المتوفي؟ فقال لها: المتوفي الله، فقالت العجوز كفرت أيها الشيخ! فقال لها: قولي المتوفى ولا تقولي المتوفي.
59. كان أحد المصليين راجعا إلى بيته بعد أن فرغ من صلاة الجمعة، وفي طريقه لقيه أحد الشباب وسأله باستخفاف: أنهيتم صلاة الجمعة بهذه السرعة؟! فرد عليه قائلا: لا بل أرسلنا الإمام لنتفقد أهلنا ثم نرجع لنكمل الصلاة.
60. كانت فتاة جالسة في الحافلة فدخلت امرأة وجلست بجانبها فاصطدمت بها هي وحقائبها، رأى رجل المنظر فانزعج وسأل الفتاة: لماذا لم تقولي شيئا لهذه المرأة الفوضوية؟ فأجابت الفتاة: ليس من الضروري أن تجادل على شيء تافه فالرحلة قصيرة وأنا سأنزل في المحطة القادمة.
وهكذا فكثير من المواقف والانتقادات لا تستحق الرد، ببساطة لأن رحلة الحياة قصيرة تحتاج منا إلى تجاهل، تجاهل أحداث ومواقف، تجاهل أشخاص وأقوال وأفعال، ولذلك قيل: التجاهل نصف السعادة. فإذا أردت أن تعيش سعيدا فلا تحلل كل شيء ولا تفسر كل شيء ولا تدقق في كل شيء. فمهما فعلت فلن ترضي كل الناس. ومن ظن أنه يسلم من كلام الناس فهو مجنون، فقد قالوا عن الله ثالث ثلاثة وقالوا عن حبيبنا محمد ساحر ومجنون فما الظن بمن هو دونهما؟ فنحن لا نستطيع أن نمنع الناس من الكلام عنا، لكن بكل تأكيد نستطيع أن نمنع أنفسنا من التأثر بما يقولون، لأنّ مفتاح عقلنا بأيدينا لا بأيدهم. ولهذا فكلام الناس مثل الحجارة إما أن تحملها على ظهرك فينكسر أو تبني بها برجا تحت أقدامك فتنتصر. ووجود الإنسان مع رفقة لابد معه من صبر، وإلَّا فلن يبقى له أخٌ ولا صديق، والمؤمن الذي يُخالط ويصبر خيرٌ من الذي لا يُخالط ولا يصبر. فقط نحتاج أن ندرّب أنفسنا على التجاهل، وسيصبح الأشخاص السلبيين لا مكان لهم بين عقارب ساعة حياتنا. فأسأل الله أن يلهمنا رشدنا ويبصرنا بعيوبنا، وأن يوفقنا لصالح القول والعمل وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين.