المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أعظم محاكمة سُمع بها على مرّ التاريخ



ياسر فوزى
06-14-2022, 04:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
في عصر عمر بن العزيز رضي الله عنه عند فتح سمرقند على يدِّ قائد عظيم قتيبة بن مسلم. بدأت المحاكمة؟ نادِ الغلام: "ياقتيبة" (هكذا بلا لقب)، فجاء قتيبة وجلس هو وكبير الكهنة أمام القاضي جَميْعُهم. قال القاضي: "ما دعواك يا سمرقندي؟" قال: "اجتاحنا قتيبة بجيشه، ولم يدعنا إلى الإسلام ويُمهِلنا حتى ننظر في أمرنا". التفت القاضي إلى قتيبة وقال: "وما تقول في هذا يا قتيبة؟". قال قتيبة: "الحرب خدعة، وهذا بلد عظيم، وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية". قال القاضي: "يا قتيبة هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب؟" قال قتيبة: "لا إنما باغتناهم لما ذكرت لك". قال القاضي: "أراك قد أقررت. وإذا أقر المدعى عليه انتهت المحاكمة، يا قتيبة ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامة العدل". ثم قال: "قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند من حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء، وأن تُترك الدكاكين والدور، وأنْ لا يبقى في سمرقند أحد، على أنْ يُنذِرهم المسلمون بعد ذلك!" لم يُصدِّق الكهنة ما شاهدوه وسمعوه ؛ فلا شهود ولا أدلة، ولم تدم المحاكمة إلا دقائق معدودة، ولم يشعروا إلا والقاضي والغلام وقتيبة ينصرفون أمامهم. وبعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند بجلبةٍ تعلو وأصوات ترتفع وغبار يعمّ الجنبات، ورايات تلوح خلال الغبار، فسألوا. فقيل لهم: "إنَّ الحكم قد نُفِذَ وأنَّ الجيش قد انسحب"، في مشهدٍ تقشعر منه جلود الذين شاهدوه أو سمعوا به. وما إنْ غرُبت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجوّل بطرق سمرقند الخالية، وصوت بكاءٍ يُسمع في كل بيتٍ على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم، ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم لساعات أكثر، حتى خرجوا أفواجاً، وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين وهم يرددون شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله.

ياسر فوزى
06-14-2022, 11:45 PM
القصة من مصدر ثان
قد كان قتيبة بن مسلم الباهلي يفتح المدن والقرى، ينشر دين الله في شرق الكرة الأرضية، وشاء الله أن يفتح على يديه مدينة سمرقند، سنة 99 هـ، ولكن ثمة أمر اختلف في هذا الفتح،لم يجر على منوال الفتوحات الإسلامية الأخرى، فقد فتحها قتيبة بن مسلم الباهلي من دون أن يدعو أهلها للإسلام أو الجزية، ثم يمهلهم ثلاثاً كعادة المسلمين، ثم يبدأ القتال؛ فلما علم أهل سمرقند بأن هذا الأمر مخالف للإسلام، كتب كهنتها رسالة إلى «سلطان المسلمين»، الذي هو في ذلك الوقت الخليفة عمر بن عبد العزيز، وأرسلوا بهذه الرسالة أحد أهل سمرقند،
ويقول هذا الرسول، حامل رسالة أهل سمرقند:
أخذت أتنقّل من بلد إلى بلد أشهراً، حتى وصلت إلى دمشق، دار الخلافة؛ فلما وصلت، أخذت أتنقل في أحيائها، وأُحدِّث نفسي بأن أسأل عن دار السلطان، فأخذت على نفسي إن نطقت باسم السلطان أن أؤخذ أخذاً، فلما رأيت أعظم بناء في المدينة، دخلت إليه، وإذا أناس يدخلون ويخرجون ويركعون ويسجدون، فسألت أحدهم: أهذه دار الوالي؟
قال: لا، بل هذا هو المسجد.
ثم سأل: صليت؟
قلت: ما صليت.
قال: وما دينك؟
قلت: على دين أهل سمرقند.
فجعل يحدثني عن الإسلام، حتى اعتنقته وشهدت بالشهادتين، ثم قلت له: أنا رجل غريب أريد السلطان دلّني عليه يرحمك الله؟
قال: أتعني أمير المؤمنين؟
قلت: نعم.
قال: اسلك ذلك الطريق حتى تصل إلى تلك الدار.
وأشار إلى دار من طين، فقلت: أتهزأ بي؟
قال: لا ولكن اسلك هذا الطريق فتلك دار أمير المؤمنين إن كنت تريده.
فذهبت واقتربت وإذا برجل يأخذ طيناً ويسدّ به ثُلمة في الدار وامرأة تناوله الطين، فرجعت إلى الذي دلّني وقلت: «أسألك عن دار أمير المؤمنين وتدلّني على طيّان!»، فقال: «هو ذاك أمير المؤمنين»، فعدت وطرقت الباب، وذهبت المرأة، وخرج الرجل، فسلّم عليّ ورحّب بي، وغسّل يديه، وقال: ما تريد؟
قلت: هذه رسالة من كهنة سمرقند.

فقرأها، ثم قلبها، فكتب على ظهرها: «من عبد الله عمر بن عبد العزيز إلى عامله في سمرقند، أن نصِّب قاضياً ينظر في ما ذكروا».

ثم ختمها وناولني إياها، فانطلقت أقول: لولا أن يكذبني أهل سمرقند لألقيتها في الطريق، ماذا تفعل هذه الورقة، وهذه الكلمات في إخراج هذه الجيوش العرمرم، وذلك القائد الذي دوّخ شرق الأرض برمتها- يعني قتيبة بن مسلم- ويتابع رسول أهل سمرقند: عدت، فلما وصلت إلى سمرقند، وقرأ الكهنة الرسالة أظلمت عليهم الأرض، وضاقت عليهم بما رحبت، ولكنهم ذهبوا بها إلى عامل عمر على سمرقند، فنصّب لهم القاضي «جُمَيْع بن حاضر الباجي» لينظر في شكواهم، ثم اجتمعوا في يوم، وسألناه دعوانا، فقلنا اجتاحنا قتيبة، ولم يدعنا إلى الإسلام، ولم يمهلنا لننظر في أمرنا، فقال القاضي: لخليفة قتيبة، الذي كان قد مات وقتها: أنت ما تقول في قولهم؟

قال: لقد كانت أرضهم خصبة وواسعة، فخشي قتيبة إن أذنهم وأمهلهم أن يتحصنوا عليه.

قال القاضي: لقد خرجنا مجاهدين في سبيل الله، وما خرجنا فاتحين للأرض أشراً وبطراً.

ثم قضى بإخراج المسلمين من سمرقند على أن يؤذنهم القائد بعد ذلك، وفقاً للمبادئ الإسلامية، الإسلام أو الجزية أو القتال.

ما ظنّ أهل سمرقند أنّ تلك الكلمات ستفعل فعلها ما غربت شمس ذلك اليوم، ورجل من الجيش الإسلامي في أرض سمرقند، خرج الجيش كله، ودعوهم إلى الإسلام أو الجزية أو القتال، فلما رأى أهل سمرقند ما لا مثيل له في تاريخ البشرية من عدالة تنفذها الدولة على جيشها وقائدها، قالوا: هذه أمة حُكمُها رحمة ونعمة، فدخل أغلبهم في دين الله وفُرضت الجزية على الباقين.

أحمد جميل مسعد
06-15-2022, 12:01 AM
جزاك الله خير الجزاء على هذا الموضوع الرّائع والحمد لله على نعمة الإسلام ..