المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إباحة الإمام



أبو عبد الله محمد
03-08-2023, 03:06 PM
فصفة الإخلاص ؛ قال تعالي فيها : مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ (20) الشوري

و هذا يكفي في الرد علي إباحة الشافعي ؛ فإباحته عند هي إرادة لعيش الدنيا و لذتها ؛ و العيش محرم لقول الرسول في الحديث الثابت عنه لبيك يا رب لا عيش إلا عيش الأخرة فأصلح الأنصار و المهاجرة ، أما ما أستدل به الشافعي في لفظ أباح ، أجاز لا يستلزم أستواء طرفي الفعل و الترك إنما إرشاد علي عدم التحريم و دفع للعمل ، و بيان للعمل الذي يرجو ثوابه إن أمتثلته.

و لزيادة تثبت للمتشكك الذي لا يعقل إلا بعقل عالم فقد نقل في محيط الزركشي : فَالْمُرَادُ بِالْإِبَاحَةِ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي التَّحْلِيلِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ غَيْرُ مَنْدُوبٍ إلَيْهِ. وَقَدْ يَجْرِي فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ: جَازَ لَهُ أَوْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا وَيُرِيدُونَ بِهِ الْوُجُوبَ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ دَائِرًا بَيْنَ الْحُرْمَةِ وَالْوُجُوبِ فَيَسْتَفِيدُ بِقَوْلِهِمْ: يَجُوزُ نَفْيُ الْحُرْمَةِ فَيَبْقَى الْوُجُوبُ.

محيط الزركشي :
[مَسْأَلَةٌ مِنْ صِيَغِ الْمُبَاحِ]
ِ وَمِنْ صِيَغِهِ أَعْنِي الْمُبَاحَ: رَفْعُ الْحَرَجِ، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلسَّائِلِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» وَمِنْ صِيَغِهِ فِي الْقُرْآنِ: نَفْيُ الْجُنَاحِ، وَمِنْ ثَمَّ صَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ الْقَصْرَ مُبَاحٌ لَا وَاجِبٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: ١٠١] وَالْجُنَاحُ: الْإِثْمُ، وَهَذَا مِنْ صِفَةِ الْمُبَاحِ لَا الْوَاجِبِ. وَأُجِيبُ عَنْ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨] وَالسَّعْيُ وَاجِبٌ بِأَمْرَيْنِ. أَحَدُهُمَا: نُزُولُهَا عَلَى سَبَبٍ وَهُوَ ظَنُّهُمْ أَنَّ السَّعْيَ غَيْرُ جَائِزٍ. وَثَانِيهِمَا: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ وُجُوبِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
[مَسْأَلَةٌ الْإِبَاحَةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ]

ٌّ] الْإِبَاحَةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ يَلْتَفِتُ إلَى تَفْسِيرِ الْمُبَاحِ، إنْ عَرَّفَهُ بِنَفْيِ الْحَرَجِ، وَهُوَ اصْطِلَاحُ الْأَقْدَمِينَ، فَنَفْيُ الْحَرَجِ ثَابِتٌ قَبْلَ الشَّرْعِ، فَلَا يَكُونُ مِنْ الشَّرْعِ، وَمَنْ فَسَّرَهُ بِالْإِعْلَامِ بِنَفْيِ الْحَرَجِ فَالْإِعْلَامُ بِهِ إنَّمَا يُعْلَمُ مِنْ الشَّرْعِ فَيَكُونُ شَرْعِيًّا.

[مَسْأَلَةٌ الْإِبَاحَةُ لَيْسَتْ بِتَكْلِيفٍ]

ٍ] الْإِبَاحَةُ، وَإِنْ كَانَتْ شَرْعِيَّةً لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِتَكْلِيفٍ خِلَافًا لِلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ، فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّهُ تَكْلِيفٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّا كُلِّفْنَا اعْتِقَادَ إبَاحَتِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الِاعْتِقَادَ لِلْإِبَاحَةِ لَيْسَ بِمُبَاحٍ بَلْ وَاجِبٍ، وَكَلَامُنَا فِي الْمُبَاحِ. وَالنِّزَاعُ لَفْظِيٌّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ تَكْلِيفٌ بِمَعْرِفَةِ حُكْمِهِ، لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَحِلُّ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى فِعْلٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، وَقَدْ يَنْفَصِلُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْعِلْمَ بِحُكْمِ الْمُبَاحِ خَارِجٌ عَنْ نَفْسِ الْمُبَاحِ.
قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَقَدْ غَلَّطَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهِ حَيْثُ قَالَ فِي حَدِّ الْفِقْهِ: إنَّهُ الْعِلْمُ بِأَحْكَامِ الْمُكَلَّفِينَ، وَفِي الْفِقْهِ مُبَاحَاتٌ كَثِيرَةٌ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِدُخُولِ الْمُبَاحِ فِي التَّكْلِيفِ هَلْ دَخَلَ فِيهِ بِإِذْنٍ أَوْ أَمْرٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: بِإِذْنٍ لِيَخْرُجَ عَنْ حُكْمِ النَّدْبِ. وَالثَّانِي: بِأَمْرٍ دُونَ أَمْرِ النَّدْبِ، كَمَا أَنَّ أَمْرَ النَّدْبِ دُونَ أَمْرِ الْوَاجِبِ. وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إلَى خُرُوجِهِ مِنْ التَّكْلِيفِ بِإِذْنٍ أَوْ أَمْرٍ، لِاخْتِصَاصِ التَّكْلِيفِ بِمَا تَضَمَّنَهُ ثَوَابٌ أَوْ عِقَابٌ.

[مَسْأَلَةٌ الْمُبَاحُ لَا يُسَمَّى قَبِيحًا]

] أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَ لَا يُسَمَّى قَبِيحًا، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُسَمَّى حَسَنًا أَمْ لَا؟ وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى تَعْرِيفِ الْحَسَنِ، وَقَدْ سَبَقَ.

[مَسْأَلَةٌ الْمُبَاحُ هَلْ هُوَ جِنْسٌ لِلْوَاجِبِ]

ِ؟ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي إذَا نُسِخَ الْوُجُوبُ هَلْ يَبْقَى الْجَوَازُ؟
قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَقَدْ غَلَّطَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهِ حَيْثُ قَالَ فِي حَدِّ الْفِقْهِ: إنَّهُ الْعِلْمُ بِأَحْكَامِ الْمُكَلَّفِينَ، وَفِي الْفِقْهِ مُبَاحَاتٌ كَثِيرَةٌ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِدُخُولِ الْمُبَاحِ فِي التَّكْلِيفِ هَلْ دَخَلَ فِيهِ بِإِذْنٍ أَوْ أَمْرٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: بِإِذْنٍ لِيَخْرُجَ عَنْ حُكْمِ النَّدْبِ. وَالثَّانِي: بِأَمْرٍ دُونَ أَمْرِ النَّدْبِ، كَمَا أَنَّ أَمْرَ النَّدْبِ دُونَ أَمْرِ الْوَاجِبِ. وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إلَى خُرُوجِهِ مِنْ التَّكْلِيفِ بِإِذْنٍ أَوْ أَمْرٍ، لِاخْتِصَاصِ التَّكْلِيفِ بِمَا تَضَمَّنَهُ ثَوَابٌ أَوْ عِقَابٌ.

[مَسْأَلَةٌ الْمُبَاحُ لَا يُسَمَّى قَبِيحًا]

] أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَ لَا يُسَمَّى قَبِيحًا، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُسَمَّى حَسَنًا أَمْ لَا؟ وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى تَعْرِيفِ الْحَسَنِ، وَقَدْ سَبَقَ.

[مَسْأَلَةٌ الْمُبَاحُ هَلْ هُوَ جِنْسٌ لِلْوَاجِبِ]

ِ؟ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي إذَا نُسِخَ الْوُجُوبُ هَلْ يَبْقَى الْجَوَازُ؟
[مَسْأَلَةٌ الْمُبَاحُ هَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ]

ِ] الْمُبَاحُ هَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ؟ خِلَافٌ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ حَقِيقَةٌ فِي مَاذَا؟ هَلْ هُوَ نَفْيُ الْحَرَجِ عَنْ الْفِعْلِ أَوْ حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ أَوْ فِي النَّدْبِ أَوْ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا؟ فَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ بِخِلَافِ الثَّانِي وَالْمُخْتَارُ: أَنَّهُ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ خِلَافًا لِلْكَعْبِيِّ حَيْثُ قَالَ: كُلُّ فِعْلٍ يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُبَاحٌ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ، فَهُوَ وَاجِبٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَرَكَ بِهِ الْحَرَامَ. وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الدَّقَّاقِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِفِعْلِهِ مُطِيعًا بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ: إنَّ الْمُبَاحَ حَسَنٌ، وَصَرَّحَ الْقَاضِي عَنْ الْكَعْبِيِّ فِي " مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ " بِأَنَّ الْمُبَاحَ مَأْمُورٌ بِهِ دُونَ الْأَمْرِ بِالنَّدْبِ، وَالنَّدْبَ دُونَ الْأَمْرِ بِالْإِيجَابِ.

قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْأَمْرَ عَلَى الْمُبَاحِ فَلَا يُسَمَّى الْمُبَاحُ وَاجِبًا، وَلَا الْإِبَاحَةُ إيجَابًا، وَتَبِعَهُ فِي هَذَا الْغَزَالِيُّ فِي " الْمُسْتَصْفَى " وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ فِي أُصُولِهِ " وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُونُ الْكَعْبِيُّ مُفَاجِئًا بِإِنْكَارِ الْمُبَاحِ
وَهُوَ قَضِيَّةُ اسْتِدْلَالِهِ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ عَنْهُ فِي " الْبُرْهَانِ " وَإِلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ: أَنَّهُ بَاحَ بِإِنْكَارِ الْمُبَاحِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَقَالَ: هُوَ وَاجِبٌ، وَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْأَوْسَطِ " وَالْآمِدِيَّ وَغَيْرُهُمْ وَالْأَلْيَقُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَنَسَبَهُ إلَى مُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ، فَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ إذَنْ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ، فَقَدْ قَالَ بِهِ أَبُو الْفَرَجِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: حَكَاهُ عَنْهُ الْبَاجِيُّ، ثُمَّ قَالَ: إنْ كَانَ مُرَادُهُمْ بِكَوْنِ الْمُبَاحِ مَأْمُورًا بِهِ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، فَالْخِلَافُ فِي الْعِبَارَةِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ الْإِبَاحَةَ لِلْفِعْلِ اقْتِضَاءٌ لَهُ عَلَى جِهَةِ الْإِيجَابِ أَوْ النَّدْبِ وَأَنَّ فِعْلَ الْمُبَاحِ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ.

وَقَالَ الْإِبْيَارِيُّ: ذَهَبَ الْكَعْبِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا مُبَاحَ فِي الشَّرِيعَةِ، وَلَهُ مَأْخَذَانِ. أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُبَاحَ مَأْمُورٌ بِهِ وَلَكِنَّهُ دُونَ النَّدْبِ، كَمَا أَنَّ الْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ وَلَكِنْ دُونَ الْوَاجِبِ، وَهَذَا بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَ حَسَنٌ، وَيَحْسُنُ أَنْ يَطْلُبَهُ الطَّالِبُ لِحُسْنِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ فِي الْفَتْوَى، وَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ، فَإِنَّ هَذَا الْمَطْلُوبَ إمَّا أَنْ يَتَرَجَّحَ فِعْلُهُ عَلَى تَرْكِهِ أَوْ لَا: فَإِنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ فَهُوَ الْمُبَاحُ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ تَرَجَّحَ فَإِنْ لَحِقَ الذَّمُّ عَلَى تَرْكِهِ؛ فَهُوَ الْوَاجِبُ، وَإِلَّا فَهُوَ الْمَنْدُوبُ، وَمَنْ تَخَيَّلَ وَاسِطَةً فَلَا عَقْلَ لَهُ. انْتَهَى.

و كذا فإن ضرر المباح واقع و كما قال العلماء فكيف يأمر الله بما يضر ؟

يتبع ، إن أردتم المشاركة قبل الإكمال فلكم.

أبو عبد الله محمد
03-08-2023, 03:29 PM
قال في المحيط : وَأَلْزَمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَصْحَابَنَا الْمَصِيرَ إلَى مَقَالَةِ الْكَعْبِيِّ مِنْ قَوْلِهِمْ: النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِأَحَدِ أَضْدَادِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الزِّنَى لَمَّا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَإِنَّ الْقَوَاطِعَ عَنْهُ بِالِاشْتِغَالِ لَا تَكَادُ تَنْحَصِرُ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا كَوْنِ حُكْمِهَا عِنْدَ الْكَعْبِيِّ أَوْ أَحَدِهَا وَاجِبًا عَلَى الْمُكَلَّفِ الْتَبَسَ بِهِ لِيَكُونَ قَاطِعًا لَهُ عَنْ الزِّنَى، وَيُخَيَّرُ فِي الْأَشْغَالِ الْقَاطِعَةِ، فَمَا اخْتَارَ أَنْ يَتَلَبَّسَ بِهِ مِنْهَا تَعَيَّنَ وُجُوبُهُ كَمَا يَقُولُ أَصْحَابُنَا: إنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ الَّذِي لَهُ أَضْدَادٌ كَثِيرَةٌ أَمْرٌ بِأَحَدِ أَضْدَادِهِ الَّتِي يَكُونُ التَّلَبُّسُ بِهَا يَقْطَعُهُ عَنْ ذَلِكَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَيَكُونُ مُخَيَّرًا فِي التَّلَبُّسِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَيَجْرِي مَجْرَى التَّخْيِيرِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَالْحَقُّ: أَنَّ مَقْصُودَ الشَّارِعِ بِخِطَابِ الْإِبَاحَةِ إنَّمَا هُوَ ذَاتُهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ آخَرَ، فَأَمَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ شَاغِلٌ عَنْ الْمَعَاصِي فَلَيْسَ هَذَا بِمَقْصُودِ الشَّرْعِ، وَلَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْمُكَلَّفِ، وَمَا صَوَّرَهُ الْكَعْبِيُّ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ ذَرِيعَةً وَوَسِيلَةً فَلَا نُنْكِرُهُ، وَلَكِنْ الْمُنْكَرُ قَصْدُ الشَّارِعِ إلَيْهِ، وَلِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْإِبَاحَةَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَأَنَّهُ نَقِيضُ الْوَاجِبِ، وَكَوْنُهَا وُصْلَةً لَا يَغْلِبُ حُكْمُهَا الْمَقْصُودَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ شَرْعًا.

وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ: مَذْهَبُ الْكَعْبِيِّ يَتَّجِهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَلَا طَرِيقَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَخِلَافِ الْكَعْبِيِّ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْوَاجِبَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ خِطَابٌ مَقْصُودٌ، وَالْإِبَاحَةُ مَقْصُودَةٌ فِي الْإِبَاحَاتِ، وَلَمْ يُشْرَعْ لِلنَّهْيِ عَنْ الْمَحْظُورَاتِ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ: " لَا تَزْنِ وَلَا تَسْرِقْ " لَمْ يُطْلَقْ لَهُ الرَّوَاحُ وَالْمَجِيءُ مِنْ غَيْرِ خُطُورِ النَّهْيِ عَنْ السَّرِقَةِ. وَلَيْسَ الْوُجُوبُ وَصْفًا رَاجِعًا إلَى الْعَيْنِ حَتَّى يُقَالَ: لَا أَثَرَ لِقَصْدِ الْمُخَاطَبِ فِيهِ، وَلَعَلَّ الْكَعْبِيَّ يَعْتَقِدُ الْوُجُوبَ وَصْفًا رَاجِعًا إلَى الْعَيْنِ كَمَا قَالُوا فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، أَوْ يُخَالِفُ فِي الْعِبَارَةِ.
وَهُوَ قَضِيَّةُ اسْتِدْلَالِهِ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ عَنْهُ فِي " الْبُرْهَانِ " وَإِلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ: أَنَّهُ بَاحَ بِإِنْكَارِ الْمُبَاحِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَقَالَ: هُوَ وَاجِبٌ، وَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْأَوْسَطِ " وَالْآمِدِيَّ وَغَيْرُهُمْ وَالْأَلْيَقُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَنَسَبَهُ إلَى مُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ، فَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ إذَنْ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ، فَقَدْ قَالَ بِهِ أَبُو الْفَرَجِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: حَكَاهُ عَنْهُ الْبَاجِيُّ، ثُمَّ قَالَ: إنْ كَانَ مُرَادُهُمْ بِكَوْنِ الْمُبَاحِ مَأْمُورًا بِهِ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، فَالْخِلَافُ فِي الْعِبَارَةِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ الْإِبَاحَةَ لِلْفِعْلِ اقْتِضَاءٌ لَهُ عَلَى جِهَةِ الْإِيجَابِ أَوْ النَّدْبِ وَأَنَّ فِعْلَ الْمُبَاحِ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ.

قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَرْجِعُ إلَى عِبَارَةِ " إذْ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ فَائِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَلَا عَقْلِيَّةٌ ".

نَعَمْ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَوَائِدُ شَرْعِيَّةٌ، فَإِنَّ النَّاوِيَ لِلصَّوْمِ لَا يَقْصِدُ الْإِمْسَاكَ لَيْلًا، وَلَا يَنْوِي بِصَوْمِهِ تَقَرُّبًا، وَقَدْ يُقَالُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهُ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مِقْدَارُهُ فَيُقَالُ: الْمَجْهُولُ كَيْفَ يَكُونُ وَاجِبًا وَلَا إمْكَانَ فِيهِ؟ وَالْمُخَالِفُ فِيهِ يَقُولُ: لَا جَرَمَ هَذَا النَّوْعُ وَآخِرُ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ لَا يَتَّصِفَانِ بِالْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهُمَا لَا يَتَبَيَّنُ فَلَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ فَتَبْقَى تَسْمِيَةُ الْوَاجِبِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَإِلَّا فَمَا عَلِمَ الْحَكِيمُ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى أَدَاءُ الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ يَجْعَلُهُ وَاجِبًا. انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ ": بَنَى الْكَعْبِيُّ مَذْهَبَهُ عَلَى أَصْلٍ إذَا سَلِمَ لَهُ فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ، وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ وَالنَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، وَلَا مُخَلِّصَ مِنْ مَذْهَبِهِ إلَّا بِإِنْكَارِ هَذَا الْأَصْلِ. انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ: احْتَجَّ الْكَعْبِيُّ بِأَنَّ فِعْلَ الْمُبَاحِ تَرْكُ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ مُبَاحٍ إلَّا وَهُوَ تَرْكٌ لِمَحْظُورٍ. وَتَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبٌ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الْمُبَاحِ وَاجِبًا مِنْ جِهَةِ وُقُوعِهِ تَرْكًا لِمَحْظُورٍ، وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَمْرَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ لِجَوَازِ تَرْكِهِ بِوَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ، فَلَا يَكُونُ تَرْكًا لِلْحَرَامِ بَلْ يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُهُ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الْمُبَاحُ الَّذِي بِهِ يُتْرَكُ الْحَرَامُ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِيهِ إقْرَارٌ بِأَنَّ بَعْضَ الْمُبَاحِ وَاجِبٌ.
قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَرْجِعُ إلَى عِبَارَةِ " إذْ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ فَائِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَلَا عَقْلِيَّةٌ ".

نَعَمْ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَوَائِدُ شَرْعِيَّةٌ، فَإِنَّ النَّاوِيَ لِلصَّوْمِ لَا يَقْصِدُ الْإِمْسَاكَ لَيْلًا، وَلَا يَنْوِي بِصَوْمِهِ تَقَرُّبًا، وَقَدْ يُقَالُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهُ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مِقْدَارُهُ فَيُقَالُ: الْمَجْهُولُ كَيْفَ يَكُونُ وَاجِبًا وَلَا إمْكَانَ فِيهِ؟ وَالْمُخَالِفُ فِيهِ يَقُولُ: لَا جَرَمَ هَذَا النَّوْعُ وَآخِرُ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ لَا يَتَّصِفَانِ بِالْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهُمَا لَا يَتَبَيَّنُ فَلَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ فَتَبْقَى تَسْمِيَةُ الْوَاجِبِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَإِلَّا فَمَا عَلِمَ الْحَكِيمُ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى أَدَاءُ الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ يَجْعَلُهُ وَاجِبًا. انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ ": بَنَى الْكَعْبِيُّ مَذْهَبَهُ عَلَى أَصْلٍ إذَا سَلِمَ لَهُ فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ، وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ وَالنَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، وَلَا مُخَلِّصَ مِنْ مَذْهَبِهِ إلَّا بِإِنْكَارِ هَذَا الْأَصْلِ. انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ: احْتَجَّ الْكَعْبِيُّ بِأَنَّ فِعْلَ الْمُبَاحِ تَرْكُ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ مُبَاحٍ إلَّا وَهُوَ تَرْكٌ لِمَحْظُورٍ. وَتَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبٌ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الْمُبَاحِ وَاجِبًا مِنْ جِهَةِ وُقُوعِهِ تَرْكًا لِمَحْظُورٍ، وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَمْرَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ لِجَوَازِ تَرْكِهِ بِوَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ، فَلَا يَكُونُ تَرْكًا لِلْحَرَامِ بَلْ يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُهُ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الْمُبَاحُ الَّذِي بِهِ يُتْرَكُ الْحَرَامُ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِيهِ إقْرَارٌ بِأَنَّ بَعْضَ الْمُبَاحِ وَاجِبٌ.
قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَرْجِعُ إلَى عِبَارَةِ " إذْ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ فَائِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَلَا عَقْلِيَّةٌ ".

نَعَمْ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَوَائِدُ شَرْعِيَّةٌ، فَإِنَّ النَّاوِيَ لِلصَّوْمِ لَا يَقْصِدُ الْإِمْسَاكَ لَيْلًا، وَلَا يَنْوِي بِصَوْمِهِ تَقَرُّبًا، وَقَدْ يُقَالُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهُ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مِقْدَارُهُ فَيُقَالُ: الْمَجْهُولُ كَيْفَ يَكُونُ وَاجِبًا وَلَا إمْكَانَ فِيهِ؟ وَالْمُخَالِفُ فِيهِ يَقُولُ: لَا جَرَمَ هَذَا النَّوْعُ وَآخِرُ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ لَا يَتَّصِفَانِ بِالْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهُمَا لَا يَتَبَيَّنُ فَلَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ فَتَبْقَى تَسْمِيَةُ الْوَاجِبِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَإِلَّا فَمَا عَلِمَ الْحَكِيمُ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى أَدَاءُ الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ يَجْعَلُهُ وَاجِبًا. انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ ": بَنَى الْكَعْبِيُّ مَذْهَبَهُ عَلَى أَصْلٍ إذَا سَلِمَ لَهُ فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ، وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ وَالنَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، وَلَا مُخَلِّصَ مِنْ مَذْهَبِهِ إلَّا بِإِنْكَارِ هَذَا الْأَصْلِ. انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ: احْتَجَّ الْكَعْبِيُّ بِأَنَّ فِعْلَ الْمُبَاحِ تَرْكُ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ مُبَاحٍ إلَّا وَهُوَ تَرْكٌ لِمَحْظُورٍ. وَتَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبٌ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الْمُبَاحِ وَاجِبًا مِنْ جِهَةِ وُقُوعِهِ تَرْكًا لِمَحْظُورٍ، وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَمْرَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ لِجَوَازِ تَرْكِهِ بِوَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ، فَلَا يَكُونُ تَرْكًا لِلْحَرَامِ بَلْ يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُهُ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الْمُبَاحُ الَّذِي بِهِ يُتْرَكُ الْحَرَامُ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِيهِ إقْرَارٌ بِأَنَّ بَعْضَ الْمُبَاحِ وَاجِبٌ.
قَالَ الْآمِدِيُّ: هَذَا الْجَوَابُ صَادِرٌ مِمَّنْ لَمْ يَعْلَمْ كَلَامَهُ فَإِنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ تَرْكَ الْحَرَامِ وَاجِبٌ، وَأَنَّهُ لَا يَتِمُّ بِدُونِ التَّلَبُّسِ بِضِدِّهِ مِنْ أَضْدَادِهِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ فَالتَّلَبُّسُ بِضِدٍّ مِنْ أَضْدَادِهِ وَاجِبٌ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُ إذَا تَرَكَ وَاجِبًا مُضَيَّقًا كَإِنْقَاذِ أَعْمَى مِنْ بِئْرٍ وَاشْتَغَلَ بِالصَّلَاةِ أَنَّهُ حَرَامٌ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَهُوَ يَلْتَزِمُهُ. قَالَ: وَلَا مُخَلِّصَ عَنْهُ إلَّا بِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ مِنْ عَقْلِيٍّ أَوْ عَادِيٍّ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي دَعَاهُ إلَى ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ مُقَدِّمَةِ الْوَاجِبِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ اسْتَصْعَبَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَزَعَمُوا أَنَّ كَلَامَ الْكَعْبِيِّ صَحِيحٌ حَتَّى قَالَ الْآمِدِيُّ: عَسَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَ غَيْرِي حَلُّهُ.

وَنَحْنُ نَقُولُ: قَوْلُهُ إنَّ الْحَرَامَ إذَا تُرِكَ بِهِ حَرَامٌ آخَرُ يَكُونُ وَاجِبًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى يُقَالُ عَلَيْهِ: إنَّ التَّفْصِيلَ بِالْجِهَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَقْلِ دُونَ الْخَارِجِ، فَلَيْسَ لَنَا فِي الْخَارِجِ فِعْلٌ وَاحِدٌ يَكُونُ وَاجِبًا حَرَامًا؛ لِاسْتِحَالَةِ تَقَوُّمِ الْمَاهِيَّةِ بِفَصْلَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ، وَهُمَا فَصْلُ الْوُجُوبِ وَفَصْلُ الْحُرْمَةِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا يُقَالُ عَلَى قَوْلِهِ: إنَّ الْمُبَاحَ وَاجِبٌ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْوُجُوبِ وَالْإِبَاحَةِ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ عُلِمَ بِالْبَدِيهَةِ امْتِنَاعُ تَقْوِيمِ الْمَاهِيَّةِ بِفَصْلَيْنِ أَوْ فُصُولٍ مُتَعَانِدَةٍ، وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْءِ مُمَيِّزَانِ ذَاتِيَّانِ بِخِلَافِ الْمُمَيِّزَيْنِ الْعَرَضِيَّيْنِ الْخَاصَّيْنِ وَاللَّازِمَيْنِ. وَأَيْضًا نَقُولُ: قَوْلُهُ " فِعْلُ " الْمُبَاحِ تَرْكُ الْحَرَامِ. قُلْنَا: تَرْكُهُ لَهُ بِخُصُوصِهِ أَوْ تَرْكٌ لَهُ مَعَ غَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ الْفِعْلِ وَاجِبًا، وَأَمَّا ..
يتبع.

أبو عبد الله محمد
03-08-2023, 03:45 PM
الثَّانِي فَلَا نُسَلِّمُ، وَسَنَدُ الْمَنْعِ أَنَّ التَّلَبُّسَ بِالْفِعْلِ الْمُعَيَّنِ تَرْكٌ لِجَمِيعِ الْأَفْعَالِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ وَالْمُحَرَّمَةِ وَالْمَكْرُوهَةِ وَالْمُبَاحَةِ غَيْرَ الْفِعْلِ الْمُتَلَبَّسِ بِهِ، وَتَرْكُ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ لَا يَتَعَيَّنُ بِهِ ضِدٌّ مُعَيَّنٌ عَمَلًا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الْكَافِرِ. فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ مِنْ مَفْهُومِهِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِ، ثُمَّ نَقُولُ: مَا ذَكَرْتُمْ، وَإِنْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ.

قُلْنَا: مَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِ مِنْ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ فِعْلَ الْمُبَاحِ مُسْتَلْزِمٌ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ الَّذِي لَيْسَ بِمُضَيَّقٍ، وَلِتَرْكِ الْحَرَامِ، وَإِذَا تَعَارَضَتْ اللَّوَازِمُ تَسَاقَطَتْ فَيَبْقَى الْمُبَاحُ عَلَى إبَاحَتِهِ. الثَّانِي: أَنَّ فِعْلَ الْمُبَاحِ مُسْتَلْزِمٌ لِتَعَارُضِ اللُّزُومِ الَّذِي اسْتَلْزَمَهُ لَوَازِمُ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ، وَمَتَى تَعَارَضَتْ اللَّوَازِمُ تَسَاقَطَتْ. الثَّالِثِ: أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا جَمِيعَ الْأَفْعَالِ دَائِرَةً أَخَذَتْ الْأَفْعَالُ الْمُبَاحَةُ خُمْسَهَا. فَإِذَا حَصَلَ الْفِعْلُ الْمُتَلَبَّسُ بِهِ فَهُوَ مَرْكَزُ الدَّائِرَةِ، وَإِذَا كَانَ مَثَلًا مُبَاحًا بِالذَّاتِ الَّذِي أَقَرَّ الْكَعْبِيُّ بِهِ حَصَلَ لِلْفِعْلِ الْمَذْكُورِ نِسْبَةٌ إلَى كُلِّ خُمْسٍ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّائِرَةِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ مُبَاحٌ فَتَسَاقَطَتْ النِّسَبُ الْخَمْسُ، وَتَبْقَى الْإِبَاحَةُ الذَّاتِيَّةُ. الثَّانِي: مِنْ أَدِلَّةِ الدَّائِرَةِ إذَا تَلَبَّسَ الْمُتَلَبِّسُ حَصَلَتْ لَهُ الْإِبَاحَةُ بِالذَّاتِ وَبِالنِّسْبَةِ حَصَلَ مِنْهُ الْوُجُوبُ نَاشِئًا عَنْ النِّسْبَةِ، وَكُلُّ مَا كَانَ فِيهِ أَمْرَانِ يَقْتَضِيَانِ حُكْمَيْنِ عَارَضَهُمَا أَمْرٌ مُسَاوٍ لِأَحَدِهِمَا يَقْتَضِي نَفْيَ ذَلِكَ الْحُكْمِ، فَإِنَّهُ مُرَجِّحٌ وُقُوعَ نَقِيضِ الْأَمْرَيْنِ، فَيَرْجَحُ الْقَوْلُ بِإِبَاحَةِ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ. الثَّالِثِ: أَنْ تَقُولَ: هَذَا الْفِعْلُ فِيهِ إبَاحَةٌ ذَاتِيَّةٌ، وَإِبَاحَةٌ نِسْبِيَّةٌ، وَفِيهِ وُجُوبٌ نِسْبِيٌّ مُعَارِضٌ لِلْإِبَاحَةِ فَيَتَسَاقَطَانِ وَتَبْقَى الْإِبَاحَةُ الذَّاتِيَّةُ. الرَّابِعِ: أَنْ تَقُولَ: الْإِبَاحَةُ النِّسْبِيَّةُ تُرَجَّحُ بِانْفِرَادِهَا عَلَى الْوُجُوبِ
النِّسْبِيِّ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ النِّسْبِيَّةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى النِّسْبَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْوُجُوبُ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَرْكِ الْحَرَامِ، وَالْحَرَامُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى النِّسْبَةِ الْمَذْكُورَةِ فَتَرْجَحُ الْإِبَاحَةُ، وَقَدْ رُدَّ مَذْهَبُ الْكَعْبِيِّ أَيْضًا بِاسْتِلْزَامِ كَوْنِ الْمَنْدُوبِ وَاجِبًا، إذْ يُتْرَكُ بِهِ الْحَرَامُ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَقْسَامِ مَعَ نَقَائِضِهَا، وَلَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنَّ كُلَّ انْتِقَالٍ عَنْ تَحْرِيمٍ مِنْ قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ أَوْ نَوْمٍ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا، وَهُوَ خَرْقُ الْإِجْمَاعِ، وَيَلْزَمُ فِيمَا إذَا اشْتَغَلَ عَنْ الْقَتْلِ بِالزِّنَى أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا، فَيَجْمَعُ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَهُوَ مُحَالٌ؛ وَلِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، فَمَنْ سُبِقَ بِالْإِجْمَاعِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُبَاحُ أَحَدُ أَضْدَادِ الْمُحَرَّمِ، وَالتَّلَبُّسُ بِأَحَدِهَا وَاجِبٌ، وَيَتَعَيَّنُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ، فَيَصِحُّ وَصْفُهُ بِالْوُجُوبِ، كَالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ، وَهُوَ قَوِيُّ الْإِشْكَالِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ الْوَاصِفِينَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ التَّخْيِيرِ بِالْوُجُوبِ، لَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: الْوَاجِبُ الْمُسَمَّى فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَصْفُ أَحَدِ الْمُبَاحَاتِ عَلَى التَّعْبِيرِ بِالْوُجُوبِ.

أي شبهة أنا موجود.