Mahmoud Muhammad
03-30-2023, 10:43 PM
يتناول سفر صعود موسى Assumption of Mose نبوءات أخبر عنها موسى يوشع بن نون لدى وفاته حيث نصب يوشع خليفة له على بني إسرائيل. وتتناول تلك النبوءات تاريخ بني إسرائل منذ دخولهم الأرض المقدسة وحتى نهاية الزمان. وتضمن ذلك النبوءة بشأن الخراب الأول للهيكل على يد نبوخذ نصر وقد أشار إليه السفر بوصف الملك القادم من الشرق. وكذلك أشار إلى ولاية هيرودس الكبير وأبناءه (والذين قال بشأنهم أنهم حكموا لفترة أقل من أبيهم) وكذلك إلى الحادثة التي حصلت لدى وفاة هيرودس عندما قدم خازن سوريا الذي عينه القيصر أغسطس والذي يدعى سابينوس sabinus لتولى مسئولية تركة هيرودس وما نجم عن ممارساته من تمرد في أورشاليم خلال عيد الأسابيع ونشوب حريق في جانب من الهيكل في غضون ذلك.
وأقدم مخطوطة متاحة للسفر هي باللغة اللاتينية لكن هناك اتفاق على أنها ترجمة عن اليونانية لاعتبارات تتعلق بالصياغة وكثير من الباحثين يرى أن النسخة اليونانية تلك هي بدورها ترجمة عن لغة سامية كالأرامية أوالعبرية.
أما تاريخ تدوينه فقد اختلفوا فيه ما بين قبيل ثورة المكابيين ضد السلوقين عام 167 قبل الميلاد وحتى حكم الإمبراطور الروماني هادريان وثورة باركوخبا عام 132 ميلادية.
ولكن يرى البعض أن تدوينه كان قبل الخراب الثاني للهيكل عام 70 ميلادية على يد الرومان وذلك لاعتبارات منها أنه لم يذكر خراب الهيكل الثاني وكذلك جزئية أن أبناء هيرودس (على تقدير أن المشار إليه في السفر هو بالفعل هيرودس) حكموا لفترة أقصر من أبيهم بالرغم من أنه في واقع الأمر منهم من حكم لفترة أطول. وهذا فسروه بأن السفر كُتب عندما كان لا يزال أبناء هيردوس في الحكم وقبل أن يمكثوا لفترة أطول من أبيهم، وهؤلاء حكموا قبل الخراب الثاني.
لكن يشكل على ذلك الإشارة إلى الاضطهاد الذي سيفرضه عليهم "ملك ملوك الأرض" والذي سيعاقب كل من يختتن بالصلب وسيجبرهم على انتهاك الشريعة. وهذه إشارة واضحة إلى الإمبراطور الروماني إلا أنه لم يعرف عن أحد في التاريخ عاقب على الختان بالصلب إلا الإمبراطور هادريان ولذلك فقد ذهب بعضهم إلى أن تاريخ تدوينه يعود للعام 135 ميلادية.
بطبيعة الحال لا يعتقد هؤلاء الباحثون أن السفر يتنبأ بشىء ولذلك يستخدمون الإشارات في السفر لأحداث تاريخية كدليل على أنه دون بعد تلك الأحداث.
ثم ورد في الفصل التاسع من السفر وصف لرجل من بني لاوي وأبنائه السبعة الذين اختبأوا في كهف وأغلقوا على أنفسهم ذلك الكهف هربا من اضطهاء ملك ملوك الأرض ذلك. ( وقد يكون هؤلاء من يهود الشتات أو من اليهود المتنصرين في الشتات) وقد وقع خلاف حول الطائفة التي ينتمى إليها مؤلف السفر فمنهم من قال يهودي فريسي ومنهم من قال يهودي صدوقي ومنهم من قال مسيحي.
وما ورد بذلك السفر من نبوءات قد يفسر سؤال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم عن فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ، مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ وهو ما رواه ابن إسحاق و الطبري من طريقه. وقد أجاب القرآن على ذلك بأن هؤلاء الفتية هم أصحاب الكهف والذين يعرفون بالنيام السبعة seven sleepers of Ephesus وقد عثر عليهم في منتصف القرن الخامس الميلادي.
وهناك ثلاث أطروحات حول منشأ قصة النيام السبعة
الأولى : أنها كتبت أولا باللاتينية ومنها ترجمت إلى اليونانية ثم لاحقا إلى السريانية وعن الأخيرة ترجم المؤرخ و القديس غريغوريوس التوري. و وفقا لهذه الأطروحة فالنسخة القبطية و الإثيوبية مترجمة عن اليونانية ( الأسطورة الذهبية ليعقوب دي فراغسي)
الثانية: أنها كتب أولا باليونانية وهذا ما ذهب إليه المستشرق الهولندي" ميخيل يوهنا دى خويه" و " إرنست هونيجمان" وآخرون وأن مصدرها هو "ستيفانوس الأفسسى" أسقف أفسس حوالى منتصف القرن الخامس الميلادي (448م) ويؤيد ذلك المصدر المذكور فى الحاشية وأنها ربما نشأت فى "أفسس" بعيد مجمع أفسس الثاني.*
الثالثة: أنها كتبت أولا بالسرياينة و أنها تطورت إلى نسخ يونانية ولاتينية وإلى هذا ذهب " ثيودور نولدكه " و آخرون. وهناك العديد من المؤرخين السريان الذين كتبوا عن القصة منهم زكريا الفصيح و يوحنا الأفسسي. كما دون يعقوب السروجي قصيدة من 72 بيتا عنها.
و يدل تعدد المصادر و تعاصرها على أن للقصة أصل وليس أنها مجرد أسطورة كما يزعم الزاعمون حتى ذهب إرنست هونيجمان بناءا على الأدلة الأدبية و الأثرية أنه في منتصف القرن الخامس لابد وأن مجموعة من الفتية من أهل أفسس كانوا مقتنعين أو أقنعوا أهل أفسس أنهم كانوا نياما بأحد كهوفها لمئات السنين. وتمكن باحثون أثريون من الجمعية النمساوية الأثرية عام 1927 من الكشف عن أطلال كاتدرائية بنيت على الكهف في مدينة أفسس التاريخية على بعد ثلاثة كيلومترات إلى الجنوب الغربي من مدينة سلجوق الحالية في محافظة أزمير بتركيا مصدقا لقول القرآن : فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا.
والرقيم كما في قوله" أصحاب الكهف والرقيم" لغة هو الصحيفة أو الكتاب من رقم أي كتب وقيل أن المقصود به ما ذكره غريغوريوس التوري من أن أحد المؤمنين، لما علم بنية الامبراطور غلق باب الكهف على الفتية بعد علمه بلجوئهم إليه، اتخد لوحا من رصاص نقش فيه أسماءهم ووضعه على باب الكهف قبل أن يتم غلقه بالحجارة ثم بعد مرور عقود بل قرون من الزمن بينما كان يرعى أحدهم الغنم قام بإزلة الحجارة عن باب الكهف ليستخدمها في بعض اغراضه.
وباسط ذراعية بالوصيد أي بفناء الكهف عند مدخله وفي الحديث الذى رواه مسلم:
اعْتَدِلُوا في السُّجُودِ ولا يَبْسُطْ أحَدُكُمْ ذِراعَيْهِ انْبِساطَ الكَلْبِ
الفترة المفترضة لحدوث القصة
وفق يعقوب السروجي فإن الاضطهاد الذى دفع الفتية إلى الاختباء في الكهف هو الاضطهاد الذى وقع في عهد الأمبراطور دقيانوس (ديكيوس) منتصف القرن الثالث (250م) لكن القرآن يذكر أن الفتية لبثوا في الكهف ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا وهذا يرجع الأمر على أقل تقدير إلى الاضطهاد الذي وقع في عصر" هادريان" إذا علمنا أن القصة كانت متداولة منتصف القرن الخامس الميلادي. وهو ما يتماشى مع ما ورد في نبوءة سفر صعود موسى عن ملك ملوك الأرض الذي كان يعاقب على الختان بالصلب ولجوء الرجل اللاوي وأبنائه السبعة إلى الكهف فرارا من الاضطهاد.
كلبهم أم كالئهم؟
قراءة "و كلبهم باسط ذراعيه" هذه قراءة متواترة قرأ بها قراء الأمصار كافة على اختلاف بلدانهم بالأسانيد إلى الصحابة دون تواطؤ منهم ولم يقرأ أحد "كالئهم" على الأطلاق ولا حتى في القراءات الشاذة المسندة المخالفة للرسم العثماني فلا معنى للزعم بأنها تصحيف. أما قراءة جعفر التى أوردها بعض المفسرين فهي" وكالبهم " أى صاحب كلبهم. أما قراءة أبي عمر الزاهد المعروف بغلام ثعلب فهذه ليست قراءة مسندة بل قراءة بحسب الرأي والاجتهاد.
هل الذى صحبهم ملاك أم كلب؟
في قصيدة يعقوب السروجي اكتفى بالقول بأن الرب أخذ أرواحهم إلى السماء وترك "حارسا" ليحرس أطرافهم.
بينما ذكر "ثيودوسيوس" في مطلع القرن السادس و يلقب بالزائر أو الحاج – و قد زار الكهف الذى اختبأ فيه الفتية في سياق رحلة حج ودون تفاصيل الرحلة في كتاب– أن الذى صحبهم كان كلبا وذكر أن إسم الكلب "فيريكانوس". *
وهنا فلا مكان للزعم بأن النبي يمكن أن يكون قد اطلع على ما دونه ثيودوسيوس – بلغته اللاتينية- وما ذكره من اصطحاب الفتية لكلب معهم فقد غابت هذه الجزئية عن الكنيسة نفسها حتى تجد الأيقونات و الرواية المعتمدة لديهم لا ذكر لكلب فيها !
وتكمن أهمية سفر صعود موسى بالنسبة لنا في مضمون الفصلين التاسع و العاشر منه لأنه يشي بعلم يهود المدينة بهذا السفر واعتقادهم بما فيه. حيث ورد في الفصل التاسع من السفر نبوءة بشأن أحد اللاويين كما تقدم (من سبط لاوي أحد أبناء يعقوب )الذى آوى هو و سبعة من أبنائه إلى "كهف" فرارا بدينهم. ويعتبر السفر تحقق هذه النبوءة علامة على المرحلة الأخيرة قبل مجىء "الرسول" و الانتقام من أعداء بني إسرائيل و التي يتناولها في الفصل العاشر.
ويحدد السفر على لسان موسى الفترة بين وفاته ومجىء الرسول بـ 1750 عاما. و الكلمة الواردة في السفر، في النسخة اللاتينية وهي أقدم نسخة متاحة، للتعبير عن هذا الذى يجىء هي كلمة nuntius و التي تعني حرفيا "رسول" أو مبعوث. و كذلك العبارة الواردة في شأن "الرسول" : implebuntur manus تعني حرفيا "تُملأ يده" ويقصد بها : يعطى له منصب الكهانة أي يصير حبرا. و كذلك ورد في وصفه أنه ينصب قائدا.
فإذا علمنا أن موسى كان فى عهد رمسيس الثاني (ت 1213 قبل الميلاد) أو ابنه مرنبتاح (ت 1203 قبل الميلاد) فضلا عن الفترة التى عاشها موسى بعد هلاك فرعون - أقل من 40 عام فترة التيه - و إذا علمنا ان النبى صلى الله عليه وسلم ولد عام 571 ميلادية هذا يجعل وفاة موسى قبل ميلاد النبى بـ 1203 ( هلاك رمسيس الثاني أو فرعون موسى) مطروحا منها أربعون عام (كحد أقصى لوفاة موسى بعد هلاك فرعون) + 571 عام وهو ما يساوي 1734 عام أى تقريبا الفترة التى حددها موسى بحسب النبوءة وربما كانت وفاة موسى قبل انتهاء التيه ببضع سنوات فضلا عن احتمال كون الرقم 1750 هو تقريب.
وقد كان اليهود فى زمان النبوة ينتظرون النبي ( الذى بينه و بين موسى 1750 عام !؟) - الذى كانوا يستفتحون به على الذين كفروا كما ورد فى القرآن و السيرة و يقولون أنهم قد أظلهم زمانه و هذا يشي بأن يهود المدينة كانوا يعرفون ذلك السفر و يعتقدون بما فيه و لذلك سألوا عن أصحاب الكهف المذكورين الوارد فى السفر نبوءة بشأنهم.
* المصدر : ص 496 و 1365 من قاموس :
Oxford dictionary of late antiquity
المصارد
Edna Israeli, "Taxo" and the Origin of the "Assumption of Moses" Journal of Biblical Literature Vol. 128, No. 4
(Winter, 2009), pp. 735-757
Aleksander R. Michalak, Angels as Warriors in Late Second Temple Jewish Literature. p. 118
وأقدم مخطوطة متاحة للسفر هي باللغة اللاتينية لكن هناك اتفاق على أنها ترجمة عن اليونانية لاعتبارات تتعلق بالصياغة وكثير من الباحثين يرى أن النسخة اليونانية تلك هي بدورها ترجمة عن لغة سامية كالأرامية أوالعبرية.
أما تاريخ تدوينه فقد اختلفوا فيه ما بين قبيل ثورة المكابيين ضد السلوقين عام 167 قبل الميلاد وحتى حكم الإمبراطور الروماني هادريان وثورة باركوخبا عام 132 ميلادية.
ولكن يرى البعض أن تدوينه كان قبل الخراب الثاني للهيكل عام 70 ميلادية على يد الرومان وذلك لاعتبارات منها أنه لم يذكر خراب الهيكل الثاني وكذلك جزئية أن أبناء هيرودس (على تقدير أن المشار إليه في السفر هو بالفعل هيرودس) حكموا لفترة أقصر من أبيهم بالرغم من أنه في واقع الأمر منهم من حكم لفترة أطول. وهذا فسروه بأن السفر كُتب عندما كان لا يزال أبناء هيردوس في الحكم وقبل أن يمكثوا لفترة أطول من أبيهم، وهؤلاء حكموا قبل الخراب الثاني.
لكن يشكل على ذلك الإشارة إلى الاضطهاد الذي سيفرضه عليهم "ملك ملوك الأرض" والذي سيعاقب كل من يختتن بالصلب وسيجبرهم على انتهاك الشريعة. وهذه إشارة واضحة إلى الإمبراطور الروماني إلا أنه لم يعرف عن أحد في التاريخ عاقب على الختان بالصلب إلا الإمبراطور هادريان ولذلك فقد ذهب بعضهم إلى أن تاريخ تدوينه يعود للعام 135 ميلادية.
بطبيعة الحال لا يعتقد هؤلاء الباحثون أن السفر يتنبأ بشىء ولذلك يستخدمون الإشارات في السفر لأحداث تاريخية كدليل على أنه دون بعد تلك الأحداث.
ثم ورد في الفصل التاسع من السفر وصف لرجل من بني لاوي وأبنائه السبعة الذين اختبأوا في كهف وأغلقوا على أنفسهم ذلك الكهف هربا من اضطهاء ملك ملوك الأرض ذلك. ( وقد يكون هؤلاء من يهود الشتات أو من اليهود المتنصرين في الشتات) وقد وقع خلاف حول الطائفة التي ينتمى إليها مؤلف السفر فمنهم من قال يهودي فريسي ومنهم من قال يهودي صدوقي ومنهم من قال مسيحي.
وما ورد بذلك السفر من نبوءات قد يفسر سؤال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم عن فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ، مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ وهو ما رواه ابن إسحاق و الطبري من طريقه. وقد أجاب القرآن على ذلك بأن هؤلاء الفتية هم أصحاب الكهف والذين يعرفون بالنيام السبعة seven sleepers of Ephesus وقد عثر عليهم في منتصف القرن الخامس الميلادي.
وهناك ثلاث أطروحات حول منشأ قصة النيام السبعة
الأولى : أنها كتبت أولا باللاتينية ومنها ترجمت إلى اليونانية ثم لاحقا إلى السريانية وعن الأخيرة ترجم المؤرخ و القديس غريغوريوس التوري. و وفقا لهذه الأطروحة فالنسخة القبطية و الإثيوبية مترجمة عن اليونانية ( الأسطورة الذهبية ليعقوب دي فراغسي)
الثانية: أنها كتب أولا باليونانية وهذا ما ذهب إليه المستشرق الهولندي" ميخيل يوهنا دى خويه" و " إرنست هونيجمان" وآخرون وأن مصدرها هو "ستيفانوس الأفسسى" أسقف أفسس حوالى منتصف القرن الخامس الميلادي (448م) ويؤيد ذلك المصدر المذكور فى الحاشية وأنها ربما نشأت فى "أفسس" بعيد مجمع أفسس الثاني.*
الثالثة: أنها كتبت أولا بالسرياينة و أنها تطورت إلى نسخ يونانية ولاتينية وإلى هذا ذهب " ثيودور نولدكه " و آخرون. وهناك العديد من المؤرخين السريان الذين كتبوا عن القصة منهم زكريا الفصيح و يوحنا الأفسسي. كما دون يعقوب السروجي قصيدة من 72 بيتا عنها.
و يدل تعدد المصادر و تعاصرها على أن للقصة أصل وليس أنها مجرد أسطورة كما يزعم الزاعمون حتى ذهب إرنست هونيجمان بناءا على الأدلة الأدبية و الأثرية أنه في منتصف القرن الخامس لابد وأن مجموعة من الفتية من أهل أفسس كانوا مقتنعين أو أقنعوا أهل أفسس أنهم كانوا نياما بأحد كهوفها لمئات السنين. وتمكن باحثون أثريون من الجمعية النمساوية الأثرية عام 1927 من الكشف عن أطلال كاتدرائية بنيت على الكهف في مدينة أفسس التاريخية على بعد ثلاثة كيلومترات إلى الجنوب الغربي من مدينة سلجوق الحالية في محافظة أزمير بتركيا مصدقا لقول القرآن : فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا.
والرقيم كما في قوله" أصحاب الكهف والرقيم" لغة هو الصحيفة أو الكتاب من رقم أي كتب وقيل أن المقصود به ما ذكره غريغوريوس التوري من أن أحد المؤمنين، لما علم بنية الامبراطور غلق باب الكهف على الفتية بعد علمه بلجوئهم إليه، اتخد لوحا من رصاص نقش فيه أسماءهم ووضعه على باب الكهف قبل أن يتم غلقه بالحجارة ثم بعد مرور عقود بل قرون من الزمن بينما كان يرعى أحدهم الغنم قام بإزلة الحجارة عن باب الكهف ليستخدمها في بعض اغراضه.
وباسط ذراعية بالوصيد أي بفناء الكهف عند مدخله وفي الحديث الذى رواه مسلم:
اعْتَدِلُوا في السُّجُودِ ولا يَبْسُطْ أحَدُكُمْ ذِراعَيْهِ انْبِساطَ الكَلْبِ
الفترة المفترضة لحدوث القصة
وفق يعقوب السروجي فإن الاضطهاد الذى دفع الفتية إلى الاختباء في الكهف هو الاضطهاد الذى وقع في عهد الأمبراطور دقيانوس (ديكيوس) منتصف القرن الثالث (250م) لكن القرآن يذكر أن الفتية لبثوا في الكهف ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا وهذا يرجع الأمر على أقل تقدير إلى الاضطهاد الذي وقع في عصر" هادريان" إذا علمنا أن القصة كانت متداولة منتصف القرن الخامس الميلادي. وهو ما يتماشى مع ما ورد في نبوءة سفر صعود موسى عن ملك ملوك الأرض الذي كان يعاقب على الختان بالصلب ولجوء الرجل اللاوي وأبنائه السبعة إلى الكهف فرارا من الاضطهاد.
كلبهم أم كالئهم؟
قراءة "و كلبهم باسط ذراعيه" هذه قراءة متواترة قرأ بها قراء الأمصار كافة على اختلاف بلدانهم بالأسانيد إلى الصحابة دون تواطؤ منهم ولم يقرأ أحد "كالئهم" على الأطلاق ولا حتى في القراءات الشاذة المسندة المخالفة للرسم العثماني فلا معنى للزعم بأنها تصحيف. أما قراءة جعفر التى أوردها بعض المفسرين فهي" وكالبهم " أى صاحب كلبهم. أما قراءة أبي عمر الزاهد المعروف بغلام ثعلب فهذه ليست قراءة مسندة بل قراءة بحسب الرأي والاجتهاد.
هل الذى صحبهم ملاك أم كلب؟
في قصيدة يعقوب السروجي اكتفى بالقول بأن الرب أخذ أرواحهم إلى السماء وترك "حارسا" ليحرس أطرافهم.
بينما ذكر "ثيودوسيوس" في مطلع القرن السادس و يلقب بالزائر أو الحاج – و قد زار الكهف الذى اختبأ فيه الفتية في سياق رحلة حج ودون تفاصيل الرحلة في كتاب– أن الذى صحبهم كان كلبا وذكر أن إسم الكلب "فيريكانوس". *
وهنا فلا مكان للزعم بأن النبي يمكن أن يكون قد اطلع على ما دونه ثيودوسيوس – بلغته اللاتينية- وما ذكره من اصطحاب الفتية لكلب معهم فقد غابت هذه الجزئية عن الكنيسة نفسها حتى تجد الأيقونات و الرواية المعتمدة لديهم لا ذكر لكلب فيها !
وتكمن أهمية سفر صعود موسى بالنسبة لنا في مضمون الفصلين التاسع و العاشر منه لأنه يشي بعلم يهود المدينة بهذا السفر واعتقادهم بما فيه. حيث ورد في الفصل التاسع من السفر نبوءة بشأن أحد اللاويين كما تقدم (من سبط لاوي أحد أبناء يعقوب )الذى آوى هو و سبعة من أبنائه إلى "كهف" فرارا بدينهم. ويعتبر السفر تحقق هذه النبوءة علامة على المرحلة الأخيرة قبل مجىء "الرسول" و الانتقام من أعداء بني إسرائيل و التي يتناولها في الفصل العاشر.
ويحدد السفر على لسان موسى الفترة بين وفاته ومجىء الرسول بـ 1750 عاما. و الكلمة الواردة في السفر، في النسخة اللاتينية وهي أقدم نسخة متاحة، للتعبير عن هذا الذى يجىء هي كلمة nuntius و التي تعني حرفيا "رسول" أو مبعوث. و كذلك العبارة الواردة في شأن "الرسول" : implebuntur manus تعني حرفيا "تُملأ يده" ويقصد بها : يعطى له منصب الكهانة أي يصير حبرا. و كذلك ورد في وصفه أنه ينصب قائدا.
فإذا علمنا أن موسى كان فى عهد رمسيس الثاني (ت 1213 قبل الميلاد) أو ابنه مرنبتاح (ت 1203 قبل الميلاد) فضلا عن الفترة التى عاشها موسى بعد هلاك فرعون - أقل من 40 عام فترة التيه - و إذا علمنا ان النبى صلى الله عليه وسلم ولد عام 571 ميلادية هذا يجعل وفاة موسى قبل ميلاد النبى بـ 1203 ( هلاك رمسيس الثاني أو فرعون موسى) مطروحا منها أربعون عام (كحد أقصى لوفاة موسى بعد هلاك فرعون) + 571 عام وهو ما يساوي 1734 عام أى تقريبا الفترة التى حددها موسى بحسب النبوءة وربما كانت وفاة موسى قبل انتهاء التيه ببضع سنوات فضلا عن احتمال كون الرقم 1750 هو تقريب.
وقد كان اليهود فى زمان النبوة ينتظرون النبي ( الذى بينه و بين موسى 1750 عام !؟) - الذى كانوا يستفتحون به على الذين كفروا كما ورد فى القرآن و السيرة و يقولون أنهم قد أظلهم زمانه و هذا يشي بأن يهود المدينة كانوا يعرفون ذلك السفر و يعتقدون بما فيه و لذلك سألوا عن أصحاب الكهف المذكورين الوارد فى السفر نبوءة بشأنهم.
* المصدر : ص 496 و 1365 من قاموس :
Oxford dictionary of late antiquity
المصارد
Edna Israeli, "Taxo" and the Origin of the "Assumption of Moses" Journal of Biblical Literature Vol. 128, No. 4
(Winter, 2009), pp. 735-757
Aleksander R. Michalak, Angels as Warriors in Late Second Temple Jewish Literature. p. 118