المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فصل الدين عن الدولة



شريف المنشاوى
09-06-2006, 05:01 AM
فصل الدين عن الدولة
أصبحت قضية فصل الدين عن الدولة ، أو ما يسميه الغربيون فصل الدولة

عن الكنيسة ، من القضايا المسلَّم بها في الفكر الغربي السياسي ، ومن ثم في الفكر

السياسي العالمي الدائر في فلك الحضارة الغربية . ودعاة فصل الدين عن الدولة قد

يعترفون بأن هذا أمر حدث لظروف تاريخية خاصة بالحضارة الغربية ، وبالديانة

النصرانية ؛ لكنهم مع ذلك يرون أنه أصبح أمراً لازماً لكل دولة حديثة ، ويسوِّغون

هذا بأن الأساس في الدولة الحديثة هو المواطنة ، وما دام المواطنون في الدولة

الواحدة لا ينتمون في الغالب إلى دين واحد ، بل تتقاسمهم أديان متعددة ، وقد يكون

بعضهم ملحداً لا يؤمن بدين ؛ ففي التزام الدولة بدين واحد من هذه الأديان افتئات

على حقوق المواطنين المنتمين إلى الأديان الأخرى أو المنكرين لها كلها لأنه :

- يفرض عليهم ديناً لا يؤمنون به .

- ويحرمهم من ممارسة الدين الذي اختاروه إما كله أو بعضه .

- ويحرمهم من حقهم في شغل بعض الوظائف الكبيرة كرئاسة الدولة ، وقد

يكون سبباً لخلافات ونزاعات عميقة تفقد الدولة معها الاستقرار اللازم لتطورها .

ويرون لذلك أن تكون الدولة دولة علمانية محايدة لا تلتزم بالدين ولا تحاربه

ولا تنكره ، بل تترك أمره للمواطنين يختارون ما شاؤوا من عقائد ، ويلتزمون بما

يريدون من قِيَم ، ويمارسون ما يروق لهم من عبادات .

هذه الصورة للعلمانية التي حرصت على أن أجعلها براقة كأشد ما يريد

المدافعون عنها أن تكون ، تنطوي على افتراضات هي أبعد ما تكون عن الحقيقة .

ومن ذلك :

أولاً : أنها تفترض أن العلمانية يمكن أن تكون محايدة بالنسبة لكل الأديان ؛

لكنها لا تكون كذلك إلا إذا كان مجال الدين مختلفاً عن مجال الدولة ، أي إذا كان

الدين والدولة يعيشان في منطقتين مستقلتين لا تماسَّ بينهما ، وأن دعاة الدولة

الدينية يقحمون الدين في مجال غير مجاله ، ولذلك يضرون به وبالدولة .

فهل هذا الافتراض صحيح ؟ إنه لا يكون صحيحاً إلا إذا كان الدين

محصوراً بطبعه في بعض المعتقدات وبعض الشعائر التعبدية ، وبعض أنواع

السلوك الشخصي الذي لا علاقة له بالجماعة ، ولا يدخل لذلك في مجال الدولة ، لكن

الواقع أن هذا الوصف لا ينطبق على أي من الأديان الكبيرة المشهورة :

اليهودية والنصرانية والإسلام ؛ فما منها إلا وله حكم في العلاقات بين الجنسين،

وفي العلاقات الأسرية ، والاجتماعية ، وفيما يحل أكله وشربه ، وما يحرم ،

وهكذا . وكلها أمور تدخل بالضرورة في مجال الدولة .

كيف حل الغربيون هذا الإشكال ؟ حلوه بنوع من المساومة : فهم قد أخذوا

بعض القيم النصرانية وجعلوها قوانين للدولة ، وهم يجعلون اعتباراً كبيراً لقيمهم

الدينية في سياستهم الخارجية ، ولا سيما في معاملة الإسلام . لكنهم في الجانب

الآخر تركوا أشياء من دينهم ، وساعدهم على ذلك تاريخهم المليء بتحريف الدين

إما في نصوصه أو في تأويله ، ثم جاءت في العصور الأخيرة حركات فكرية

تحررية أذاعت القول بأن ما يسمى بالكتاب المقدس ليس كلام الله تعالى ، وأنه من

كتابة بشر عاديين تأثروا بالجو الثقافي في المرحلة التاريخية التي عاشوا فيها ،

ولذلك فإن ما قرره هذا الكتاب في مسائل مثل الشذوذ الجنسي ينبغي ألا ينظر إليها

إلا على أنها قيم مجتمعات سابقة . هذا كلام لا يقوله السياسيون والحكام فحسب ،

وإنما يقوله كثير من رجال الدين ، والمختصين بدراسته ، لكن حتى هؤلاء

المتحررون يشعر الكثيرون منهم الآن أن العلمانية لم تعد محايدة بين الأديان ، بل

صارت هي نفسها ديناً يدافع عنه أصحابه ويحاربون به النصرانية ، وأذكر أن

أحدهم قال لي في أحد المؤتمرات ناصحاً : لا تُخدَعوا كما خُدِعنا ، فتظنوا أن

العلمانية موقف محايد ؛ بل هي الآن دين ، أو كما قال ذاك الناصح .

فكيف تُحَل هذه المشكلة بالنسبة لأناس كالمسلمين يرون أن القرآن كلام الله

تعالى لم يأته الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأن ما صح من سنة رسول الله

صلى الله عليه وسلم هو أيضاً وحي الله ؟

وكيف إذا كان دينهم لا يقتصر على ما ذكرنا من أمور تدخل في نطاق الدولة ،

بل يتعداها إلى أخرى هي من أخص خصائص الدولة ؟

ماذا يفعل هؤلاء ؟ لا خيار لهم بين الحكم بما أنزل الله ورفض العلمانية ، أو

الحكم بالعلمانية والكفر بما أنزل الله تعالى .

إن أكثر ما يتعلل به دعاة العلمانية في بلادنا هو اختلاف الأديان في البلد

الواحد . يقولون : بأي حق تفرض على أناس ديناً غير دينهم ، وقِيَماً ليست قيماً

لهم ؟ ماذا إذا لم يكن في البلد إلا مسلمون ، أو كان غير المسلمين أفراداً قلائل ؟

لماذا يفصل هؤلاء بين دينهم ودولتهم ؟

وحتى لو كان المنتسبون إلى غير الإسلام من أصحاب الديانات الأخرى

يمثلون نسباً كثيرة ، فإن العلمانية ليست هي الحل العادل ؛ لأن أصحاب هذه

الديانات إما أن يكونوا في السياسة علمانيين ، وإما أن يكونوا ممن يريد للدولة أن

تستمسك بعقائده وقيمه وتدافع عنها . فإذا كان من الفريق الأول يكون المسلمون قد

تنازلوا عن دينهم بينما هو لم يتنازل عن شيء ؛ لأن العلمانية هي مبدؤه سواء كان

هنالك مسلمون أو لم يكن . أذكر أنني قلت ذات مرة لبعض الجنوبيين المثقفين عندنا

في السودان : إنكم لا تعترضون على الحكم إذا كان اشتراكياً كما كان الحال في

أوائل حكم الرئيس نميري ، ولا تعترضون عليه إذا أقر الرأسمالية أو الليبرالية ؛

لأنكم تعتقدون أن الدين لا دخل له بهذه المسائل ، فلماذا إذن تعترضون على الحكم

الإسلامي ؟ إن الإسلام لا يفرض عليكم ديناً بالمعنى الذي حصرتم الدين فيه ، أعني

العبادات والأحوال الشخصية ، فلماذا لا تعاملون جانبه السياسي معاملتكم للاشتراكية

والرأسمالية ؛ لأنه يعطيكم أكثر مما تعطيكم إياه العلمانية ؟

يقول أنصار العلمانية في الغرب وفي البلاد الإسلامية : إن هذا قد يكون

صحيحاً ؛ لكنكم في الحكم الإسلامي تفرقون بين الناس بسبب دينهم ، فتمنعون غير

المسلم من أن يكون رأس دولة ، وأقول لهم دائماً : ولكن العلمانية هي الأخرى تفعل

ما نفعل . إنها تشترط على الإنسان أن يكون علمانياً لكي يكون رأس دولة ، تشترط

عليه أن يؤدي القسم للولاء لدستور يفصل الدين عن الدولة ، أي أنها تشترط على

المسلم أن يعلن كفره بجزء من دينه . وإذا فعل هذا عن اعتقاد كان كافراً خارجاً عن

الإسلام ، وإذن فكما أن الإسلام يشترط في رأس الدولة المسلمة أن يكون دائناً بدين

الإسلام ؛ فإن العلمانية تشترط في رئيس دولتها أن يكون دائناً بدينها ، فما الفرق ؟

يقولون : لكن العلمانية ليست ديناً . ونقول هذا في مفهومكم أنتم . أما في لغتنا

العربية ، وديننا الإسلامي ، فإن كل ما يلتزم به الإنسان من عادات وتقاليد ، ومن

باب أوْلى من قيم وعقائد ، هو دينه ، سواء كان مبنياً على إيمان بالله أو كفر به .

ألم تسمع قول الشاعر العربي عن ناقته :

إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين

تقول إذا شددت لها وضيني أهذا دينه أبداً وديني ؟

أكل الدهر حل وارتحال ؟ أما ... أما يقيني ؟

فإذا كان دوام الحل والارتحال ديناً فما بالك باعتياد معتقدات وقيم وسلوك ؟ ألم

يقل الله تعالى عن سيدنا يوسف : ] مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ المَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ

اللَّهُ [ ( يوسف : 76 ) . يعني ما نسميه نحن الآن بقانونه ؟ العلمانية ليست إذن

حلاً لبلد يكون فيه المسلمون أغلبية ، بل ولا حتى أقلية معتبرة ؛ إذ إن ما تطلبه

العلمانية من المسلمين إنما هو التخلي عن دينهم من أجل دين العلمانيين .
[line]
منقول

علي الابنوي
09-11-2006, 12:20 AM
اخي الكريم نسال الله ان يهلك العلمانين