المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرد المفصل على من يكفر عاذر (المشرك الجاهل المنتسب)



أبو ذر التوحيدي
06-04-2023, 10:36 PM
الرد المفصل على من يكفر عاذر (المشرك الجاهل المنتسب)
نقلا من كتاب
(حوار حول حكم الصلاة في مسجد فيه قبر "النسخة 1.68")
(جمع وترتيب أبي ذر التوحيدي)



زيد: الذي يَقولُ أنَّه يُكَفِّرُ القُبورِيَّ التَّكفِيرَ المُطلَقَ، وأنَّه لا يُكَفِّرُه التَّكفِيرَ العَينِيَّ إلَّا بَعْدَ إقامةِ الحُجَّةِ لِوُجود مانِعِ الجَهلِ؛ هَلْ يَكفُرُ هذا القائلُ بِسَبَبِ اِمتِناعِه عنِ التَّكفِيرِ العَينِيِّ إعذارًا لِلْقُبورِيِّ بِالجَهلِ حتى قِيامِ الحُجَّةِ؟.

عمرو: هذا العاذِرُ لا يَكفُرُ إلَّا بَعْدَ إقامةِ الحُجَّةِ، والبَيَانِ الذي تَزُولُ معه الشُّبهةُ؛ وإليك بَيَانُ ذلك مِمَّا يَلِي:

(1)قالَ الشَّيخُ عادل الباشا في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (مُختَصَرٌ في بَيَانِ "أصلِ الدِّينِ") على مَوقِعِه في هذا الرابط (https://basha.one/node/65): ومَعنَى (الكُفرِ بِالطاغوتِ) يَحصُلُ فيه كَثِيرٌ مِنَ الغَبَشِ، إذْ يَشتَرِطُ البَعضُ مَعَانٍ زائدةً عنِ الأصلِ هي في حَقِيقَتِها لَوازِمُ وكَمالاتٌ واجِبةٌ، يُدخِلونها في مَعنَى (الكُفرِ بِالطاغوتِ) ويَجعَلون الإتيانَ بِها مِن أصلِ الدِّينِ -وهذا خَطَأٌ-، ومِن ذلك (تَكفِيرُ الطاغوتِ) و(تَكفِيرُ عابِدِيه)... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: والطاغوتُ في حَقِيقَتِه كُلُّ ما يُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ، سَواءٌ كانَتْ عِبادَتُه بِتَقدِيمِ النُّسُكِ له، أو بِطاعَتِه ومُتابَعَتِه على الباطِلِ، فالطاعةُ في التَّحلِيلِ والتَّحرِيمِ وسائرِ أنواعِ التَّشرِيعِ مِنَ العِبادةِ، لِمَا جاءَ في حَدِيثِ عَدِيِّ [بْنِ حَاتِمٍ] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقَولِ النَّبِيِّ له لَمَّا أنكَرَ عِبادةِ الأحبارِ {أَوَ لَمْ يُحِلُّوا لَكُمُ الحَرامَ وَيَحَرِّمُوا عَلَيْكُمُ الحَلالَ فَأَطَعْتُمُوهُمْ؟، قَالَ (بَلَى)، قَالَ (فَتِلْكَ عِبَادَتُكُمْ إِيَّاهُمْ)}، فَأثبَتَ أنَّ عِبادَتَهم كانَتْ بِمُتابَعَتِهم فِيما شَرَعُوه مِنَ الحَلالِ والحَرامِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: والكُفْرُ بِما يُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ هو مَضمونُ شَهادةِ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ)، فَـ (لَا إلَهَ) نَفيُ العِبادةِ عن غَيرِ اللهِ، و(إلَّا اللَّهُ) إثباتُها له وَحدَهُ، وهذه الصِيغةُ [يَعنِي عِبارةَ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ)] مِن أحكَمِ صِيَغِ الإفرادِ والتَّخصِيصِ، حيث النَّفيُ والإثباتُ، وعلى مِنْوَالِها قَولُ إبراهِيمَ عليه السَّلامُ {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} فَفِيها النَّفيُ والإثباتُ المُتَضَمَّنُ في الشَّهادَتَين، وقَولُه سُبحانَه في صِفةِ الكُفرِ بِالطاغوتِ {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا} فَفِيها نَفسُ المَعْنَى، وقَولُ إبراهِيمَ عليه السَّلامُ {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي} فَفِيها نَفسُ المَعنَى أيضًا مِنَ النَّفيِ والإثباتِ، وكُلُّ ذلك يَدُلُّ على أنَّ أصلَ الدِّينِ قائمٌ على نَفيِ العِبادةِ عن غَيرِ اللهِ وإثباتِها له سُبحانَه [قالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (مُناظَرةٌ في حُكمِ مَن لا يُكَفِّرُ المُشرِكِين) رادًّا على مَن يُكَفِّرُ عاذِرَ المُشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ لِلإسلامِ قَبْلَ أنْ تُقامَ الحُجَّةُ على العاذِرِ: أصلُ الدِّينِ لا يُعذَرُ فيه أحَدٌ بِجَهلٍ أو تَأوِيلٍ، [وأصلُ الدِّينِ] هو ما يَدخُلُ به المَرءُ في الإسلامِ (الشَّهادَتان وما يَدخُلُ في مَعنَى الشَّهادَتَين)، وما لا يَدخُلُ في مَعنَى الشَّهادَتَين لا يَدخُلُ في أصلِ الدِّينِ الذي لا عُذرَ فيه لِأحَدٍ إلَّا بِإكراهٍ أو اِنتِفاءِ قَصدٍ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عادل الباشا في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (بِدعةُ تَكفِيرِ "العاذِرِ بِالجَهلِ") على مَوقِعِه في هذا الرابط (https://basha.one/node/105): أمَّا المَعْنَى المُطابِقُ لـ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) فَهو ما دَلَّتْ عليه ألفاظُها بِالتَّضَمُّنِ والمُطابقةِ. وقالَ الشيخُ عبدُالرحيم السلمي (عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة والأديان والمذاهب المعاصرة بجامعة أم القرى) في (شرح القواعد المثلى): فالدَّلالةُ لَها ثَلاثةُ أنواعٍ، النَّوعُ الأوَّلُ دَلالةُ المُطابَقةِ، والنَّوعُ الثانِي دَلالةُ التَّضَمُّنِ، والنَّوعُ الثالِثُ دَلالةُ الالتِزامِ؛ فَأمَّا دَلالةُ المُطابَقةِ، فَهي دَلالةُ اللَّفظِ على تَمامِ مَعناه الذي وُضِعَ له، مِثلَ دَلالةِ البَيتِ على الجُدرانِ والسَّقْفِ [مَعًا]، فَإذا قُلْنا {بَيْتٌ} فَإنَّه يَدُلُّ على وُجودِ الجُدرانِ والسَّقْفِ [مَعًا]؛ ودَلالةُ التَّضَمُّنِ، هي دَلالةُ اللَّفظِ على جُزءِ مَعْناه الذي وُضِعَ له، كَما لو قُلْنا {البَيْتُ} وأرَدْنا السَّقفَ فَقَطْ، أو قُلْنا {البَيْتُ} وأرَدْنا الجِدارَ فَقَطْ؛ ودَلالةُ الالتِزامِ، هي دَلالةُ اللَّفظِ على مَعْنًى خارِجِ اللَّفظِ يَلزَمُ مِن هذا اللَّفظِ، فَإذا قُلْنا كَلِمةَ {السَّقفُ} مَثلًا، فالسَّقفُ لا يَدخُلُ فيه الحائطُ، فَإنَّ الحائطَ شَيءٌ والسَّقفُ شَيءٌ آخَرُ، لَكِنَّه يَلزَمُ مِنْه [أيْ لَكِنَّ السَّقفَ يَلزَمُ مِنْه الحائطُ]، لِأنَّه [لا] يُتَصَوَّرُ وُجودُ سَقفٍ لا حائطَ له يَحمِلُه، فَهذه هي دَلالةُ الالتِزامِ (أو اللُّزومِ). انتهى باختصار]... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: ... وأمَّا ما ذَكَرَه الشَّيخُ محمدُ بنُ عبدالوهاب في تَعرِيفِ (الكُفرِ بِالطاغوتِ)، حيث قالَ [في (الدُّرَرُ السَّنِيَّةُ في الأَجْوِبةِ النَّجْدِيَّةِ)] {وأمَّا صِفةُ الكُفرِ بِالطاغوتِ، فَأنْ تَعتَقِدَ بُطلانِ عِبادةِ غَيرِ اللهِ وتَتَرُكَها وتُبغِضَها، وتُكَفِّرَ أهلَها وتُعادِيهم}، فَهو مِن بابِ ذِكْرِ الشَّيءِ ولَوازِمِه ومُكَمِّلاتِه وعَدَمِ الاقتِصارِ على أصلِه، كَما يُعرَّفُ الإيمانُ تارةً بِاعتِبارِ أصلِه وتارةً بِاعتِبارِ كَمالِه الواجِبِ، ويُنفَى تارةً بِاعتِبارِ أصلِه وتارةً بِاعتِبار كَمالِه الواجِبِ، وهذا ما دَلَّتْ عليه النُّصوصُ، فَقَدْ قالَ سُبحانَه عن صِفةِ الكُفرِ بِالطاغوتِ {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا}، وقالَ على لِسانِ إبراهِيمَ {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ [وَأَدْعُو رَبِّي]}، وقالَ سُبحانَه عن لِسانِ إبراهِيمَ أيضًا {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي}، فَهذا المَعْنَى هو الْمَعْنَى الْمُطَابِقِيُّ لِـ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) وما زادَ عليه هو مِن مُقتَضَيَاتِه؛ قالَ الشيخُ عبدُالرحمن بنُ حسن آل الشيخ [في (فتح المجيد)] {وقالَ الخَلِيلُ عليه السَّلامُ لِأبِيهِ وَقَوْمِهِ (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ، وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) وهي (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، وقد عَبَّرَ عنها الخَلِيلُ بِمَعناها الذي وُضِعَتْ له ودَلَّتْ عليه، وهو البَراءةُ مِنَ الشِّركِ وإخلاصُ العِبادةِ لِلَّهِ وَحدَهُ لا شَرِيكَ له}؛ وقالَ [أيِ الشيخُ عبدُالرحمن بنُ حسن بن محمد بن عبدالوهاب أيضًا] في كِتابِ (الإيمانُ) {فَدَلَّتْ هذه الكَلِمةُ العَظِيمةُ مُطابَقةً على إخلاصِ العِبادةِ بِجَمِيعِ أفرادِها لِلَّهِ تَعالَى، ونَفْيِ كُلِّ مَعبودٍ سِواه، قال تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ، وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أيْ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، فَأَرجَعَ ضَمِيرَ [يَعنِي الضَّمِيرَ المُتَّصِلَ (هَا) مِنَ اللَّفظِ (وَجَعَلَهَا)] هذه الكَلِمةِ إلى ما سَبَقَ مِن مَدلولِها، وهو قَولُه (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي)، وهذا هو الذي خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ لِأجلِه وافتَرَضَه على عِبادِه، وأَرسَلَ الرُّسُلَ وأنزَلَ الكُتُبَ لِبَيَانِه وتَقرِيرِه، قالَ تَعالَى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، وقال تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)، وقالَ تعالَى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)}؛ وقالَ [في كِتابِ (رسائل وفتاوى عبدالرحمن بن حسن بن محمد عبدالوهاب) أيضًا] {فَعَبَّرَ عن مَعْنَى (لَا إِلَهَ) بِقَولِه (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ)، وعَبَّرَ عن مَعْنَى (إِلَّا اللَّهُ) بِقَولِه (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي)، فَتَبَيَّنَ أنَّ مَعْنَى (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) هو البَراءةُ مِن عِبادةِ كُلِّ ما سِوَى اللهِ، وإخلاصُ العِبادةِ بِجَمِيعِ أنواعِها لِلَّهِ تَعالَى، وهذا واضِحٌ بَيَّنٌ لِمَن جَعَلَ اللهُ له بَصِيرةً ولم تَتَغَيَّرْ فِطرَتُه}... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: فَهذه الآيَاتُ دَلِيلٌ واضِحٌ على مَعْنَى التَّوحِيدِ، وصِفةِ (الكُفرِ بِالطاغوتِ) وأنَّها تَكونُ بِاجتِنابِ عِبادَتِه واعتِزاِل العابِدِ والمَعبودِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: ومَوضِعُ الأُسوةِ [يُشِيرُ إلى قَولِه تَعالَى {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}] يَتَضَمَّنُ تَمامَ الإيمانِ وكَمالَه، لِذا ذُكِرَ فيه إبداءُ العَداوةِ والبَغضاءِ، ومَعلومٌ أنَّ هذا ليس مِن أصلِه [أيْ ليس مِن أصلِ الإيمانِ]، بَلْ مِن تَمامِ التَّوحِيدِ وكَمالِه، فَثَمَّةَ [(ثَمَّةَ) اِسمُ إشارةٍ لِلْمَكانِ البَعِيدِ بِمَعْنَى (هُنَاكَ)]صُوَرٌ ليس فيها إبداءُ العَداوةِ والبَغضاءِ بَلْ فيها المُصاحَبةُ بِالمَعروفِ والإحسانِ، كَحالِ الوالِدَين المُشرِكَين، وكَحال الكُفَّارِ قَبْلَ دَعوَتِهم وقد قالَ سُبحانَه عن فِرعَونَ {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا} [قالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (مِلَّةُ إبراهِيمَ):... وَهَكَذَا مُوسَى مع فِرعَونَ بَعْدَ أنْ أرسَلَه اللهُ إليه وقالَ {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}، فقد بَدَأَ معه بِالقَولِ اللَّيِّنِ اِستِجابةً لِأمرِ اللهِ فَقالَ {هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى، وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} وَأَراه الآيَاتِ والبَيِّناتِ، فَلَمَّا أَظهَرَ فِرعَونُ التَّكذِيبَ والعِنادَ والإصرارَ على الباطِلِ قالَ له مُوسَى كَما أخبَرَ تَعالَى {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا}، بَلْ ويَدعُو عليهم قائلًا {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ، رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ}، فالذِين يُدَندِنون على نُصوصِ الرِّفقِ واللِّينِ والتَّيسِيرِ على إطلاقِها وَيَحْمِلُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَحْمَلِها ويَضَعونها في غَيرِ مَوضِعِها، يَنبَغِي لَهم أنْ يَقِفوا عند هذه القَضِيَّةِ طَوِيلًا ويَتَدَبَّروها ويَفهَموها فَهمًا جَيِّدًا إنْ كانوا مُخلِصِين. انتهى]، فَمَوضِعُ الأُسوةِ يَتَضَمَّنُ الكَمالَ والتَّمامَ، أمَّا مَوضِعُ تَقرِيرِ الأصلِ فَفِيما ذُكِرَ مِن آيَاتٍ وأحادِيثَ مِن اِعتِزالِ عِبادةِ غَيرِ اللهِ والبَراءةِ مِنها ومِن أهلِها [سَبَقَ بَيَانُ أنَّ المُوَالَاةَ قِسْمَانِ؛ (أ)قِسْمٌ يُسَمَّى التَّوَلِّيَ، وأَحْيَانًا يُسَمَّى المُوَالَاةَ الكُبْرَى أو العُظْمَى أو العامَّةَ أو المُطْلَقةَ؛ (ب)مُوالَاةٌ صُغْرَى (أَوْ مُقَيَّدةٌ)؛ وأنَّ المُوَالَاةَ الكُبْرَى كُفْرٌ أكبَرُ؛ وأنَّ المُوَالَاةَ الصُّغرَى هي صُغْرَى بِاعتِبارِ الأُولَى التي هي المُوَالَاةُ الكُبْرَى، وإلَّا فَهي في نَفْسِها أَكْبَرُ الكَبائرِ]. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عادل الباشا أيضًا في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (بِدعةُ تَكفِيرِ "العاذِرِ بِالجَهلِ") على مَوقِعِه في هذا الرابط (https://basha.one/node/105): اِنتَشَرَ مَقالةُ إكفارِ (العاذِرِ بِالجَهلِ) إثرَ تَصرِيحِ الشَّيخِ (الحازمي) بِذلك في دَعْوَى أنَّ تَكفِيرَ المُشرِكِين يَدخُلُ في (أصلِ الدِّينِ وحَقِيقةِ التَّوحِيدِ) الذي لا يُعذَرُ فيه بِجَهلٍ ولا تَأوِيلٍ، وعليه فَمَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكِين وعَذَرَهم بِالجَهلِ فَهو مُشرِكٌ مِثلُهم لم يُحَقِّقْ أصلَ الدِّينِ ولم يَأتِ بِالتَّوحِيدِ!، وقد تَلَقَّفَ هذا القَولَ قَومٌ فَتَشَرَّبوه ونَشَروه، وجَعَلوه عَلامةَ التَّوحِيدِ، فَوالَوْا على التَّكفِيرِ وعادَوْا عليه، فَيَا لِلَّهِ، كَمْ ضَلَّتْ بِهذا القَولِ أقوامٌ، وزاغَتْ أفهامٌ، وتَعَثَّرَتْ أقدامٌ، وشُوِّهَتْ أقلامٌ، وسالَتْ بِسَببِه دِماءٌ، وانتُهكِتْ أعراضٌ، وفَسَدَ جِهادٌ، ونَبَتَتْ أحقادٌ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: وما تَدُلُّ عليه الأدِلَّةُ الشَّرعِيَّةُ [هو] أنَّ تَكفِيرَ المُشرِكِين، أو تَكفِيرَ العاذِرِ لهم [أيْ لِلْمُشرِكِين] بِالجَهلِ، ليس مِن (أصلِ الدِّينِ) ولا مِن (الكُفرِ بِالطاغوتِ) [قالَتِ اللَّجنةُ الشَّرعِيَّةُ في جَماعةِ التَّوحِيدِ والجِهادِ في (تُحفةُ المُوَحِّدِين في أهَمِّ مَسائلِ أُصولِ الدِّينِ، بِتَقدِيمِ الشَّيخِ أبي محمد المقدسي): إنَّ الواجِبَ على الإنسانِ الكُفْرُ بِعُمومِ جِنْسِ الطاغوتِ، لِأنَّ هذا شَرطُ الإسلامِ [قالَ الشيخُ أحمدُ الخالدي في (الإيضاحُ والتَّبيِينُ في حُكمِ مَن شَكَّ أو تَوَقَّفَ في كُفرِ بَعضِ الطَّواغِيتِ والمُرتَدِّين، بِتَقدِيمِ الشيخِ عَلِيِّ بْنِ خضير الخضير): لا يَكونُ المَرءُ مُسلِمًا إلَّا بِالكُفرِ بِعُمومِ جِنْسِ الطاغوتِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الخالدي-: واعلَمْ أنَّ الإنسانَ ما يَصِيرُ مُؤمِنًا إلَّا بِالكُفرِ بِالطاغوتِ. انتهى]، فَلا يُعقَدُ له عَقدُ الإسلامِ، ولا تَتِمُّ له عِصمةُ الدَّمِ والعِرْضِ والمالِ إلَّا بِذلك وإنْ لم يَعرِفْ أفرادَه أو يَرَى أعيَانَه... ثم قالَتْ -أيِ اللَّجنةُ-: لا عُذرَ بِالجَهلِ لِمَن لا يَكفُرُ بِجِنسِ الطاغوتِ [قالَ المَكتَبُ العِلْمِيُّ في هَيئَةِ الشامِ الإسلامِيَّةِ في فَتْوَى بِعُنوانِ (هَلْ مَقولةُ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ فَهو كافِرٌ" صَحِيحةٌ؟) على مَوقِعِ الهَيئَةِ في هذا الرابط (https://islamicsham.org/print/1904): فَإنَّ الكُفرَ بِالطاغوتِ أصلٌ في الإسلامِ كَما قالَ تَعالَى {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا}، لَكِنَّ تَنزِيلَ الطاغوتِ على فَردٍ مُعَيِّنٍ مَحَلُّ اِجتِهادٍ ونَظَرٍ. انتهى]... ثم قالَتْ -أيِ اللَّجنةُ-: أنواعُ الطاغوتِ؛ (أ)طاغوتُ عِبادةٍ، وهو كُلُّ ما عُبِدَ مِن جَمادٍ، وحَيَوانٍ، وبَشَرٍ، [وَ]مَلائكةٍ، وجِنٍّ، ويُشتَرَطُ في (البَشَرِ، والمَلائكةِ، والجِنِّ) الرِّضَا بِالعِبادةِ [أيْ ويُشتَرَطُ في المَعبودِ مِنَ (البَشَرِ، والمَلائكةِ، والجِنِّ) أنْ يَكونَ راضِيًا عنِ اِتِّخاذِه مَعبودًا]؛ (ب)طاغوتُ حُكْمٍ، وهو يَشْمَلُ الحُكَّامَ، والأُمَراءَ، والمُلوكَ، والوُزَراءَ، والنُوَّابَ، ورُؤَساءَ العَشائرِ والقَبائلِ، والقُضاةَ، (كُلَّ هؤلاء إذا لم يَحكُموا بِما أنزَلَ اللهُ)؛ (ت)طاغوتُ طاعةٍ ومُتابَعةٍ، وهو يَشْمَلُ الأحبارَ ([أيِ] العُلَماءَ) والرُّهبانَ ([أيِ] العُبَّادَ) الذِين يُحَلِّلُون الحَرامَ، ويُحَرِّمون الحَلالَ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (الرِّسالةُ الثَّلاثِينِيَّةُ): كُلُّ طاغوتٍ كافِرٌ، وليس كُلُّ كافِرٍ طاغوتًا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: ... والخُلاصةُ أنَّه [أيِ الطاغوتَ] إنَّما يَصِيرُ طاغوتًا إذا اِنطَبَقَ عليه تَعرِيفُ الطاغوتِ المُستَفادُ مِنَ الشَّرعِ، وهو كُلُّ مَن عُبِدَ مِن دُونِ اللهِ بِأيِّ نَوعٍ مِن أنواعِ العِبادةِ التي يَكفُرُ مِن صَرَفَها لِغَيرِ اللهِ وهو راضٍ بِذلك، كَأَنْ يُشَرِّعَ مِن دُونِ اللهِ ما لم يَأْذَنْ به اللهُ، أو يُتَحاكَمَ إليه [أيْ إلى مَن يُشَرِّعُ مِن دُونِ اللهِ] بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ، أو نَحْوَ ذلك مِمَّا يَندَرِجُ تحت هذا التَّعرِيفِ الشَّرعِيِّ [أيْ لِلطَّاغوتِ] لا التَّعرِيفاتِ اللُّغَوِيَّةِ العامَّةِ ولا اِصطِلاحاتِ البَعضِ المَطَّاطةِ التي يُدخِلون تحتها ما يَهوُون ويَشْتَهون، فَمَن كانَ مِنَ الناسِ يتِحاكَمُ إلى عالِمٍ أو كاهِنٍ أو غَيرِه بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ، أو يُتابِعُه على تَشرِيعِ ما لم يَأذَنْ به اللهُ، كَتَحرِيمِ الحَلالِ أو تَحلِيلِ الحَرامِ أوِ اِستِبدالِ أحكامِ اللهِ التي وَضَعَها لِلْخَلقِ أو تَغيِيرِ حُدودِه التي حَدَّها لِلنَّاسِ، فَهذا قدِ اِتَّخَذَه رَبًّا مِن دُونِ اللهِ وطاغوتًا، وهذا هو الذي لا يَصِيرُ مُسلِمًا -وإنْ صَلَّى وصامَ وزَعَمَ أنَّه مُسلِمٌ- حتى يَبْرَأَ مِن طاغوتِه سَواءٌ كانَ يُكَفِّرُه أمْ لم يَكُنْ يُكَفِّرُه. انتهى باختصار]، وإنَّما هو حُكْمٌ شَرعِيٌّ كَغَيرِه مِن أحكامِ الإيمانِ الواجِبِ التي يَجِبُ تَصدِيقُها والتَّسلِيمُ لها، والإقرارُ بِذلك مِن لَوازِمِ أصلِ الدِّينِ ومُقتَضَيَاتِه، ومَن يَدَّعِي أنَّه مِن أصلِ الدِّينِ ليس معه دَلِيلٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، أو قَولُ أحَدٍ مِن سَلَفِ الأُمَّةِ، فَهو قَولٌ مُبتَدَعٌ لا أصلَ له؛ وقدِ اِعتَمَدَ أصحابُ هذه المَقالةِ على بَعضِ أقوالِ الشَّيخِ محمدِ بنِ عبدالوهاب التي ذَكَرَ فيها تَكفِيرَ المُشرِكِين في مَعرِضِ تَعرِيفِه لِأصلِ الدِّينِ فَقالَ [في كِتابِ (أصلُ الدِّينِ وقاعِدَتُه)] {أَصْلُ دِينِ الإسلامِ وقاعِدَتُه أَمْران؛ الأَوَّلُ، الأَمْرُ بعِبادةِ اللهِ وَحْدَه لا شَرِيكَ له، والتَّحرِيضُ على ذلك، والمُوَالَاةُ فيه، وتَكفِيرُ مَن تَرَكَه؛ الثانِي، الإنذارُ عنِ الشِّركِ في عِبادةِ اللهِ، والتَّغْلِيظُ في ذلك، والمُعاداةُ فيه، وتَكفِيرُ مَن فَعَلَه}، وهو تَعرِيفٌ صَحِيحٌ لا إشكالَ فيه، لَكِنَّه كَغَيرِه مِنَ التَّعرِيفاتِ يَتَضَمَّنُ الأركانَ والواجِباتَ واللَّوازِمَ والمُقتَضَيَاتِ، لِأنَّ كُلَّ ما له مُبتَدَأٌ وكَمالٌ يُعَرَّفُ تارةً بِاعتِبارِ حَدِّه وأصلِه، وتارةً بِاعتِبارِ كَمالِه وتَمامِه، ويُنفَى أيضًا بِاعتِبارِ مُبتَدَئه تارةً، وأُخرَى بِاعتِبارِ كَمالِه، فَإذا عُرِّف بِاعتِبارِ أصلِه كانَ التَّعرِيفُ جامِعًا مانِعًا، مُقتَصِرًا على المَعْنَى المُطابِقِ، لا يَدخُلُ فيه غَيرُه، وإذا عُرِّفَ بِاعتِبارِ كَمالِه أُدخِلَ فيه واجِباتُه ولَوازِمُه وشُروطُه المُكَمِّلةُ [أيْ وشُروطُ كَمالِه]
(تابع ما بعده)

أبو ذر التوحيدي
06-04-2023, 10:51 PM
(تابع ما قبله)


... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: ولَوازِمُ الشَّيءِ هي ما لا يَنْفَكُّ عنه بحيث يَدُلُّ اِنتِفاؤها على اِنتِفاءِ ذلك الشَّيءِ، ومَعرِفةُ المَعْنَى اللازِمِ [أيْ لِأصلِ الدِّينِ] يَكونُ بِتَعيِينِ المَعْنَى المُطابِقِ لِـ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ)، فَإذا عُيِّنَ عُرِفَ بَعْدَ ذلك أنَّ ما خَلَاه لَوازِمُ وحُقوقُ هذه الكَلِمةِ [أيْ كَلِمةِ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ)]؛ وقد يَقولُ قائلٌ بِأنَّه {لا فَرْقَ بَيْنَ أنْ يَكونَ تَكفِيرُ المُشرِكِين مِن أصلِ الدِّينِ أو أنْ يَكونَ مِن لَوازِمِه، فَإنَّ اِنتِفاءَ اللازِمِ يَدُلُّ [عَلَى] اِنتِفاءِ المَلزومِ، وإقرارُك بِأنَّ تَكفِيرَ المُشرِكِين لازِمٌ لِأصلِ الدِّينِ يَكفِي لِأنْ نَقولَ {إنَّ عَدَمَ تَكفِيرِ المُشرِكِين كُفْرٌ، لِأنَّه يَلزَمُ مِن عَدَمِه عَدَمُ التَّوحِيدِ وثُبوتُ الكُفرِ والشِّركِ}، وهذا الكَلامُ فيه حَقٌّ وباطِلٌ، فَإنَّنا لا نُخالِفُ في إطلاقِ القَولِ بِأنَّ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ فَهو كافِرٌ} على سَبِيلِ العُمومِ، لَكِنَّا نُخالِفُ في كَونِ ذلك مِن أصلِ الدِّينِ الذي لا عُذرَ فيه بِجَهلٍ ولا تَأْوِيلٍ، فَقَولُنا {إنَّ تَكفِيرَ المُشرِكِين مِن لَوازِمِ أصلِ الدِّينِ} يَعنِي أنَّه حُكْمٌ شَرعِيٌّ مَوقوفٌ على شُروطٍ ومَوانِعَ وأسبابٍ [قالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (مُناظَرةٌ في حُكمِ مَن لا يُكَفِّرُ المُشرِكِين) رادًّا على مَن يُكَفِّرُ عاذِرَ المُشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ لِلإسلامِ قَبْلَ أنْ تُقامَ الحُجَّةُ على العاذِرِ: ونَعتَبِرُ عند التَّكفِيرِ ما يَعتَبِرُه أهلُ العِلْمِ مِنَ الشُّروطِ والمَوانِعِ، كالعَقلِ والاختِيَارِ وقَصدِ الفِعْلِ والتَّمَكُّنِ مِنَ العِلْمِ [فِي الشُّروطِ]، وفي المَوانِعِ الجُنونُ والإكراهُ والخَطَأُ [قالَ الشَّيخُ أبو بكر القحطاني في (شَرحُ قاعِدةِ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ"): فالأصلُ أنَّ الخَطَأَ مانِعٌ -حتى في مَسائلِ أُصولِ الدِّينِ- وهو أنْ يُرِيدَ مَعْنًى صَحِيحًا فَيَقَعُ في مَعْنًى فاسِدٍ لا يَدْرِي عنه. انتهى. قُلْتُ: فَيَكونُ المُرادُ بِـ (الخَطَأِ) هُنا اِنتِفاءُ قَصدِ الفِعْلِ (أوِ القَولِ) المُكَفِّرِ] والجَهلُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: أصلُ الدِّينِ لا يُعذَرُ فيه أحَدٌ بِجَهلٍ أو تَأوِيلٍ، [وأصلُ الدِّينِ] هو ما يَدخُلُ به المَرءُ في الإسلامِ (الشَّهادَتان وما يَدخُلُ في مَعنَى الشَّهادَتَين)، وما لا يَدخُلُ في مَعنَى الشَّهادَتَين لا يَدخُلُ في أصلِ الدِّينِ الذي لا عُذرَ فيه لِأحَدٍ إلَّا بِإكراهٍ أوِ اِنتِفاءِ قَصدٍ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (الجَوابُ المَسبوكُ "المَجموعةُ الأُولَى"): هناك شُروطٌ أجمَعَ الناسُ على مُراعاتِها في بابِ التَّكفِيرِ، وهي العَقلُ، والاختِيارُ (الطَّوعُ)، وقَصدُ الفِعلِ والقَولِ؛ وهناك مَوانِعُ مِن التَّكفِيرِ مُجمَعٌ عليها، وهي عَدَمُ العَقلِ، والإكراهُ، وانتِفاءُ القَصدِ؛ وهناك شُروطٌ اُختُلِفَ في مُراعاتِها، كالبُلوغِ، والصَّحوِ؛ ومَوانِعُ تَنازَعَ الناسُ فيها، كَعَدَمِ البُلوغِ، والسُّكْرِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (الانتصار للأئمة الأبرار): إنَّ الغُلُوَّ في مَعناه اللُّغَوِيِّ يَدورُ حَوْلَ تَجاوُزِ الحَدِّ وتَعَدِّيه، أمَّا الحَقِيقةُ الشَّرعِيَّةُ فَهو مُجاوزةُ الاعتِدالِ الشَّرعِيِّ في الاعتِقادِ والقَولِ والفِعْلِ، وقِيلَ {تَجاوُزُ الحَدِّ الشَّرعِيِّ بِالزِّيادةِ على ما جاءَتْ بِه الشَّرِيعةُ سَواءً في الاعتِقادِ أمْ في العَمَلِ}، يَقولُ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ [في (اِقْتِضَاءُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ)] {الغُلُوُّ مُجاوَزةُ الحَدِّ بِأنْ يُزادَ في الشَّيءِ (في حَمدِه أو ذَمِّه) على ما يَستَحِقُّ}، وقال سليمانُ بنُ عبدالله [بن محمد بن عبدالوهاب في (تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد)] {وضابِطُه تَعَدِّي ما أمَرَ اللهُ به، وهو الطٌّغيَانُ الذي نَهَى اللهُ عنه في قَولِه (وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي)}، ولَه أسبابٌ كَثِيرةٌ يَجمَعُها (الإعراضُ عن دِينِ اللهِ وما جاءَتْ بِه الرُّسُلُ عليهم السَّلامُ)، والمَرجِعُ فِيما يُعَدُّ مِنَ الغُلُوِّ في الدِّينِ وما لا يُعتَبَرُ مِنه كِتابُ رَبِّ العالَمِين وسُنَّةُ سَيِّدِ المُرسَلِين، لِأنَّ الغُلُوَّ مُجاوَزةُ الحَدِّ الشَّرعِيِّ فَلا ُبدَّ مِن مَعرِفةِ حُدودِ الشَّرعِ أوَّلًا، ثم ما خَرَجَ عنه مِنَ الأفعالِ والأقوالِ والاعتِقاداتِ فَهو مِنَ الغُلُوِّ في الدِّينِ، وما لم يَخرُجْ فَلَيْسَ مِنَ الغُلُوِّ في الدِّينِ وإنْ سَمَّاه بَعضُ الناسِ غُلُوًّا، لِأنَّ المُقَصِّرَ في العِبادةِ قد يَرَى السابِقَ غالِيًا بَلِ المُقتَصَدَ، ويَرَى العَلْمَانِيُّ واللِّيبرالِيُّ الإسلامِيَّ غالِيًا، والقاعِدُ المُجاهِدَ غالِيًا، وغَيرُ المُكَفِّرِ مَن كَفَّرَ مَن كَفَّرَه اللهُ ورَسولُه غالِيًا، كَما رَأَى أبو حامد الغَزَالِيُّ [ت505هـ] تَكفِيرَ القائلِين بِخَلقِ القُرآنِ مِنَ التَّسَرُّعِ إلى التَّكفِيرِ، واعتَبَرَ الجُوَيْنِيُّ [ت478هـ] تَكفِيرَ القائلِين بِخَلقِ القُرآنِ زَلَلًا في التَّكفِيرِ وأنَّه لا يُعَدُّ مَذهَبًا في الفِقْهِ رَغْمَ كَونِه مَذهَبَ السَّلَفِ وأنَّ مَن لم يُكَفِّرِ القائلَ بِذلك فَهو كافِرٌ... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ الصومالي-: وقَدِ اِختَلَفَ أهلُ العِلْمِ في تَكفِيرِ تارِكِ الصَّلاةِ، وَ[تارِكِ] الزَّكاةِ، وَ[تارِكِ] الصَّومِ، وَ[تارِكِ] الحَجِّ، والساحِرِ، والسَّكرانِ [جاءَ في الموسوعةِ الفقهيةِ الكُوَيْتِيَّةِ: اِتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ السَّكْرَانَ غَيْرُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ [وهو الذي تَناوَلَ المُسكِرَ اِضْطِرارًا أو إكراهًا] لا يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ إِذَا صَدَرَ مِنْهُ مَا هُوَ مُكَفِّرٌ؛ وَاخْتَلَفُوا فِي السَّكْرَانِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) إِلَى تَكْفِيرِهِ إِذَا صَدَرَ مِنْهُ مَا هُوَ مُكَفِّرٌ. انتهى]، والكاذِبِ على رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، والصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، ومُرجِئةِ الفُقَهاءِ... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ الصومالي-: والضابِطُ [أيْ في التَّكفِيرِ] تَحَقُّقُ السَّبَبِ المُكَفِّرِ مِنَ العاقِلِ المُختارِ، ثم تَختَلِفُ المَذاهِبُ في الشُّروطِ والمَوانِعِ [أيْ في المُتَبَقِّي منها، بَعْدَمَا تَحَقَّقَ منها شَرطَا العَقلِ والاختِيَارِ ومانِعا الجُنونِ والإكراهِ]. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (سِلْسِلَةُ مَقالاتٍ في الرَّدِّ على الدُّكْتُورِ طارق عبدالحليم): فَمَنْ بَدَّعَ أو حَكَمَ بِالغُلُوِّ لِعَدَمِ اِعتِبارٍ لِبَعضِ الشُّروطِ [يَعنِي شُروطَ ومَوانِعَ التَّكفِيرِ] فَهُوَ الغالِي في البابِ، لِأنَّ أهلَ السُّنَّةِ اِختَلَفوا في اِعتِبارِ بَعضِها فَلَمْ يُبَدِّعْ بَعضُهم بَعضًا، ومِن ذلك؛ (أ)أنَّ أكثَرَ عُلَماءِ السَّلَفِ لا يَعتَبِرون البُلوغَ شَرطًا مِن شُروطِ التَّكفِيرِ ولا عَدَمَ البُلوغِ مانِعًا؛ (ب)وكذلك جُمهورُ الحَنَفِيَّةِ والمالِكِيَّةِ لا يَعتَبِرون الجَهْلَ مانِعًا مِنَ التَّكفِيرِ؛ (ت)وتَصِحُّ رِدَّةُ السَّكرانِ عند الجُمهورِ، والسُّكْرُ مانِعٌ مِنَ التَّكفِيرِ عند الحَنَفِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عند الحَنابِلةِ؛ ولا تَراهُمْ يَحكُمون بِالغُلُوِّ على المَذاهِبِ المُخالِفةِ... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ الصومالي-: اِتَّفَقَ الناسُ [يَعنِي في شُروطِ ومَوانِعِ التَّكفِيرِ] على اِعتِبارِ الاختِيارِ والعَقلِ والجُنونِ والإكراهِ، واختَلفوا في غَيرِها. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضا في (سِلْسِلَةُ مَقالاتٍ في الرَّدِّ على الدُّكْتُورِ طارق عبدالحليم): فالعامِّيُّ كالعالِمِ في الضَّرورِيَّاتِ والمَسائلِ الظاهِرةِ، فَيَجوزُ له التَّكفِيرُ فيها، ويَشهَدُ لِهذا قاعِدةُ الأمرِ بِالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ، لِأنَّ شَرْطَ الآمِرِ والناهِي العِلمُ بِما يَأْمُرُ به أو يَنْهَى عنه مِن كَونِه مَعروفًا أو مُنكَرًا، وليس مِن شَرطِه أنْ يَكونَ فَقِيهًا عالِمًا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: لِلتَّكفِيرِ رُكنٌ واحِدٌ، وشَرطان [قالَ الشيخُ تركي البنعلي في (شَرحُ شُروطِ ومَوانِعِ التَّكفِيرِ): إذا كانَ ثُبوتُ أمرٍ مُعَيَّنٍ مانِعًا فانتِفاؤه شَرطٌ وإذا كانَ اِنتِفاؤه مانِعًا فَثُبوتُه شَرطٌ، والعَكسُ بِالعَكسِ، إذَنِ الشُّروطُ في الفاعِلِ هي بِعَكسِ المَوانِعِ، فَمَثَلًا لو تَكَلَّمْنا بِأنَّه مِنَ المَوانِعِ الشَّرعِيَّةِ الإكراهُ فَ[يَكونُ] مِنَ الشُّروطِ في الفاعِلِ الاختِيارُ، أنَّه يَكونُ مُختارًا في فِعْلِه هذا الفِعلَ -أو قَولِه هذا القَولَ- المُكَفِّرَ، أمَّا إنْ كانَ مُكرَهًا فَهذا مانِعٌ مِن مَوانِعِ التَّكفِيرِ. انتهى] عند أكثَرِ العُلَماءِ؛ أمَّا الرُّكنُ فَجَرَيانُ السَّبَبِ [أَيْ سَبَبِ الكُفرِ] مِنَ العاقِلِ، والفَرْضُ [أَيْ (والمُقَدَّرُ) أو (والمُتَصَوَّرُ)] أنَّه [أَيِ السَّبَبَ] قَدْ جَرَى مِن فاعِلِه بِالبَيِّنةِ الشَّرعِيَّةِ؛ وأمَّا الشَّرطان فَهُما العَقلُ والاختِيارُ، والأصلُ في الناسِ العَقلُ والاختِيارُ؛ وأمَّا المانِعان فَعَدَمُ العَقلِ، والإكراهُ، والأصلُ عَدَمُهما حتى يَثبُتَ العَكْسُ؛ فَثَبَتَ أنَّ العامِّيَّ يَكفِيه في التَّكفِيرِ في الضَّرورِيَّاتِ العِلمُ بِكَونِ السَّبَبِ كُفرًا مَعلومًا مِنَ الدِّينِ، وعَدَمُ العِلْمِ بِالمانِعِ، وبِهذا تَتِمُّ له شُروطُ التَّكفِيرِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: لا يُتَوَقَّفُ في تَكفِيرِ المُعَيَّنِ عند وُقوعِه في الكُفرِ وثُبوتِه شَرعًا إذا لم يُعلَمْ وُجودُ مانِعٍ، لِأنَّ الحُكمَ يَثبُتُ بِسَبَبِه [أَيْ لِأنَّ الأصلَ تَرَتُّبُ الحُكْمِ على السَبَبِ]، فإذا تَحَقَّقَ [أَيِ السَبَبُ] لم يُترَكْ [أَيِ الحُكْمُ] لِاحتِمالِ المانِعِ، لِأنَّ الأصلَ العَدَمُ [أَيْ عَدَمُ وُجودِ المانِعِ] فَيُكتَفَى بِالأصلِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: لا يَجوزُ تَرْكُ العَمَلِ بِالسَّبَبِ المَعلومِ لِاحتِمالِ المانِعِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الأسبابُ الشَّرعِيَّةُ لا يَجوزُ إهمالُها بِدَعوَى الاحتِمالِ، والدَّلِيلُ أنَّ ما كانَ ثابِتًا بِقَطْعٍ أو بِغَلَبةِ ظَنٍّ لا يُعارَضُ بِوَهمٍ واحتِمالٍ، فَلا عِبرةَ بِالاحتِمالِ في مُقابِلِ المَعلومِ مِنَ الأسبابِ، فالمُحتَمَلُ مَشكوكٌ فيه والمَعلومُ ثابِتٌ، وعند التَّعارُضِ لا يَنبَغِي الالتِفاتُ إلى المَشكوكِ، فالقاعِدةُ الشَّرعِيَّةُ هي إلغاءُ كُلِّ مَشكوكٍ فيه والعَمَلُ بِالمُتَحَقِّقِ مِنَ الأسبابِ [جاءَ في الموسوعةِ الفقهيةِ الكُوَيْتِيَّةِ: فَإِذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي الْمَانِعِ فَهَلْ يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ؟، اِنْعَقَدَ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ {الشَّكَّ فِي الْمَانِعِ لا أَثَرَ لَهُ}. انتهى]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: قالَ الإمامُ شهابُ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ (ت684هـ) [في (نفائس الأصول في شرح المحصول)] {والشَّكُّ في المانِعِ لا يَمنَعُ تَرَتُّبَ الحُكمِ، لِأنَّ القاعِدةَ أنَّ المَشكوكاتِ كالمَعدوماتِ، فَكُلُّ شَيءٍ شَكَكنا في وُجودِه أو عَدَمِه جَعَلناه مَعدومًا}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ المانِعَ يَمنَعُ الحُكمَ بِوُجودِه لا بِاحتِمالِه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ اِحتِمالَ المانِعِ لا يَمنَعُ تَرْتِيبَ الحُكمِ على السَّبَبِ، وإنَّ الأصلَ عَدَمُ المانِعِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: وقالَ تاجُ الدِّينِ السبكِيُّ (ت771هـ) [في (الإبهاج في شرح المنهاج)] {والشَّكُّ في المانِعِ لا يَقتَضِي الشَّكَّ في الحُكمِ، لِأنَّ الأصلَ عَدَمُه [أَيْ عَدَمُ وُجودِ المانِعِ]}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ يُوسُفُ بْنُ الْجَوْزِيِّ (ت656هـ) [في (الإيضاح لقوانين الاصطلاح)] {الشُّبهةُ إنَّما تُسقِطُ الحُدودَ إذا كانَتْ مُتَحَقِّقةَ الوُجودِ لا مُتَوَهَّمةً}، وقَالَ في المانِعِ {الأصلُ عَدَمُ المانِعِ، فَمَنِ اِدَّعَى وُجودَه كانَ عليه البَيانُ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: قالَ أبو الفضل الجيزاوي [شيخ الأزهر] (ت1346هـ) [في (حاشية الجيزاوي على شرح العضد لمختصر ابن الحاجب)] {العُلَماءُ والعُقَلاءُ على أنَّه إذا تَمَّ المُقتَضِي [أَيْ سَبَبُ الحُكمِ] لا يَتَوَقَّفون إلى أنْ يَظُنُّوا [أَيْ يَغْلِبَ على ظَنِّهم] عَدَمَ المانِعِ، بَلِ المَدارُ على عَدَمِ ظُهورِ المانِعِ} [قالَ صالح بن مهدي المقبلي (ت1108هـ) في (نجاح الطالب على مختصر ابن الحاجب، بعناية الشيخ وليد بن عبدالرحمن الربيعي): وهذه اِستِدلالاتُ العُلَماءِ والعُقَلاءِ، إذا تَمَّ المُقتَضِي لا يَتَوَقَّفون إلى أنْ يَظهَرَ لهم عَدَمُ المانِعِ، بَلْ يَكفِيهم أنْ لا يَظهَرَ المانِعُ. انتهى]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ المانِعَ الأصلُ فيه العَدَمُ، وإنَّ السَّبَبَ يَستَقِلُّ بِالحُكمِ، ولا أثَرَ لِلمانِعِ حتى يُعلَمَ يَقِينًا أو يُظَنُّ [أَيْ يَغْلِبَ على الظَّنِّ وُجودُه] بِأمارةٍ شَرعِيَّةٍ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ عَدَمَ المانِعِ ليس جُزْءًا مِنَ المُقتَضِي، بِل وُجودُه [أَيِ المانِعِ] مانِعٌ لِلحُكمِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ الحُكمَ يَثبُتُ بِسَبَبِه [لِأنَّ الأصلَ تَرَتُّبُ الحُكْمِ على السَبَبِ]، ووُجودَ المانَعِ يَدفَعُه [أَيْ يَدفَعُ الحُكْمَ]، فإذا لم يُعلَمْ [أَيِ المانَعُ] اِستَقَلَّ السَّبَبُ بِالحُكمِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: مُرادُ الفُقَهاءِ بِانتِفاءِ المانِعِ عَدَمُ العِلْمِ بِوُجودِ المانِعِ عند الحُكمِ، ولا يَعنون بِانتِفاءِ المانِعِ العِلمَ بِانتِفائه حَقِيقةً، بَلِ المَقصودُ أنْ لا يَظهَرَ المانِعُ أو يُظَنَّ [أَيْ أنْ لا يَظهَرَ المانِعُ ولا يَغْلِبَ على الظَّنِّ وُجودُه] في المَحِلِّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الأصلُ تَرَتُّبُ الحُكمِ على سَبَبِه، وهذا مَذهَبُ السَّلَفِ الصالِحِ، بينما يَرَى آخَرون في عَصرِنا عَدَمَ الاعتِمادِ على السَّبَبِ لِاحتِمالِ المانِعِ، فَيُوجِبون البَحْثَ عنه [أَيْ عنِ المانِعِ]، ثم بَعْدَ التَّحَقُّقِ مِن عَدَمِه [أَيْ مِن عَدَمِ وُجودِ المانِعِ] يَأْتِي الحُكْمُ، وحَقِيقةُ مَذهَبِهم (رَبطُ عَدَمِ الحُكمِ بِاحتِمالِ المانِعِ)، وهذا خُروجٌ مِن مَذاهِبِ أهلِ العِلْمِ، ولا دَلِيلَ إلَّا الهَوَى، لِأنَّ مانِعِيَّةَ المانِعِ [عند أهلِ العِلْمِ] رَبْطُ عَدَمِ الحُكمِ بِوُجودِ المانِعِ لا بِاحتِمالِه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: ويَلزَمُ المانِعِين مِنَ الحُكمِ لِمُجَرَّدِ اِحتِمالِ المانِعِ الخُروجُ مِنَ الدِّينِ، لِأنَّ حَقِيقةَ مَذهَبِهم رَدُّ العَمَلِ بِالظَّواهِرِ مِن عُمومِ الكِتابِ، وأخبارِ الآحادِ، وشَهادةِ العُدولِ، وأخبارِ الثِّقاتِ، لِاحتِمالِ النَّسخِ والتَّخصِيصِ، و[احتِمالِ] الفِسقِ المانِعِ مِن قَبُولِ الشَّهادةِ، واحتِمالِ الكَذِبِ والكُفرِ والفِسقِ المانِعِ مِن قَبُولِ الأخبارِ، بَلْ يَلزَمُهم أنْ لا يُصَحِّحوا نِكَاحَ اِمرَأَةٍ ولا حِلَّ ذَبِيحةِ مُسلِمٍ، لِاحتِمالِ أنْ تَكونَ المَرأةُ مَحْرَمًا له أو مُعْتَدَّةً مِنْ غَيْرِهِ أو كافِرةً، و[احتِمالِ] أنْ يَكونَ الذَّابِحُ مُشرِكًا أو مُرتَدًّا... إلى آخِرِ القائمةِ. انتهى باختصار]، ويُعذَرُ فيه بِالجَهلِ والتَّأْوِيلِ والخَطَأِ، وكَونُه لازِمًا لِأصلِ الدِّينِ لا يَمنَعُ تَعَلُّقَ هذه الأحكامِ [أيِ التَّوَقُّفِ على الشُّروطِ والمَوانعِ والأسبابِ، والإعذارِ بِالجَهلِ والتَّأوِيلِ والخَطَأِ] به، فَقَدْ يَتَخَلَّفُ اللازِمُ لِعَدَمِ وُجودِ سَبَبِه أو عَدَمِ تَوَفُّرِ شَرطِه أو وُجودِ مانِعِه، ولا يَلْزَمُ مِنه اِنتفاءُ أصلِ الدِّينِ ولا انفِكاكُ التَّلازُمِ [أيْ بَيْنَ أصلِ الدينِ ولازِمِه]، فَإذا سَلَّمْنا بِأنَّ أصلَ الدِّينِ لا عُذَرَ فيه بِالجَهلِ والتَّأوِيلِ، فَإنَّ هذا الحُكمَ لا يَنسَحِبُ على لَوازِمِه [أيْ لَوازِمِ أصلِ الدِّينِ] الخارِجةِ عنه أو حُقوقِه التي يَقتَضِيها؛ فاللازِمُ يَتَخَلَّفُ تارةً مع وُجودِ مُقتَضاه فَيَدُلُّ اِنتِفاؤه على اِنتِفاءِ مَلزومِه، ويَتَخَلَّفُ تارةً لِتَخَلُّفِ سَبَبِ وُجودِه المُقتَضِي له أو [لِ]فَقْدِ شَرْطِه أو لِوُجودِ مانِعٍ يَمنَعُ منه، فَلا يَدُلُّ اِنتِفاؤه حِينَئذٍ على اِنتِفاءِ مَلزومِه، بِخِلافِ أصلِ الدِّينِ، فَإنَّه لا يَتَخَلَّفُ مُطلَقًا، ولا يَتَوَقَّفُ وُجودُه على وُجودِ غَيرِه، فَهو العِبادةُ الدائمةُ التي لا تَنقَطِعُ؛ وهو كَقَولِنا {إنَّ الأعمالَ الظاهِرةَ مِن لَوازِمِ إيمانِ القَلبِ الباطِنِ، وإنَّ اِنتِفاءَها بِالكُلِّيَّةِ يَلزَمُ منه اِنتِفاءُ إيمانِ القَلبِ وثُبوتُ الكُفرِ الأكبَرِ}، فَهنا (لازِمٌ ومَلزومٌ)، اللازِمُ هو الأعمالُ الظاهِرةُ، والمَلزومُ هو أصلُ الإيمانِ الباطِنِ، وانتِفاءُ اللازِمِ (الذي هو الأعمالُ الظاهِرةُ) يَلزَمُ مِنه اِنتِفاءُ المَلزومِ (الذي هو أصلُ الدِّينِ)، لِذا كانَ مَذهَبُ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ أنَّ تَرْكَ الأعمالِ بِالكُلِّيَّةِ كُفْرٌ مُخرِجٌ مِنَ المِلَّةِ؛ ولَكِنْ قد تَنْتَفِي الأعمالُ الظاهِرةُ في حالاتٍ لا يَلزَمُ فيها اِنتِفاءُ أصلِ الإيمانِ، فَتَنْتَفِي مَثَلًا لِجَهلِ المُكَلَّفِ بِها جَهلًا يُعذَرُ به، أو لِعَجزِه عنِ القِيَامِ بِها، وهنا تَنْتَفِي الأعمالُ الظاهِرةُ ولا يَنْتَفِي مَلزومُها الباطِنُ، فالتَّلازُمُ قائمٌ بَيْنَ الظاهِرِ والباطِنِ، والعُذْرُ ثابِتٌ؛ وكذلك تَكفِيرُ المُشركِين فَإنَّه مِن لَوازِمِ أصلِ الدِّينِ وتَصدِيقِ خَبَرِ الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ والانقِيَادِ لِأمْرِه الذي حَكَمَ بِكُفرِ الكافِرِين وشِرْكِ المُشرِكِين، لَكِنْ قد يَنتَفِي تَكفِيرُ المُشرِكِين في حَقِّ المُكَلَّفِ ولا يَنتَفِي أصلُ الدِّينِ، وذلك يَكونُ لِعَدَمِ وُجودِ المُشرِكِين أصلًا، أو لِعَدَمِ عِلْمِ المُكَلَّفِ بِهم أو بِحالِهم، أو لِخَطَأٍ في تَحقِيقِ المَناطِ، أو [لِ]تَأوِيلٍ مُستَساغٍ، وفي هذه الحالاتِ يَنتَفِي التَّكفِيرُ ولا يَنتَفِي أصلُ الدِّينِ لِعَدَمِ اِكتِمالِ أسبابِه [أيْ أسبابِ التَّكفِيرِ] وشُروطِه... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: والحُكْمُ بِالكُفرِ مِنَ الشارِعِ يَأتِي على وَجهَين؛ (أ)الأوَّلُ، يُعَيَّنُ فيه الشَّخصَ بِالكُفرِ، كالحُكْمِ في أبِي لَهَبٍ مَثَلًا، كَما في قَولَه تَعالَى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ...} الآيَاتِ، وكَحُكْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أبِيه وأُمِّه وعَمِّه أبِي طالِبٍ، وكَحُكْمِه سُبحانَه على اليَهودِ والنَّصارَى وغَيرِهم، فَهذا كُلُّه حُكْمٌ على الأعيَانِ أوِ الطَّوائفِ [قالَ الشَّيخُ أبو سلمان الصومالي في (إسعافُ السائلِ بِأَجوِبةِ المَسائلِ): واعلَمْ أنَّ إطلاقَ الكُفرِ على مَراتِبَ ثَلاثٍ؛ (أ)تَكفِيرُ النَّوعِ، كالقَولِ مَثَلًا {مَن فَعَلَ كَذا فَهو كافِرٌ}؛ (ب)وتَكفِيرُ الطائفةِ كالقَولِ {إنَّ الطائفةَ الفُلانِيَّةَ كافِرةٌ مُرتَدَّةٌ، والحُكومةَ الفُلانِيَّةَ كافِرةٌ}، فَإنَّه قد يَلْزَمُ تَكفِيرُ الطائفةِ ولا يَلْزَمُ تَكفِيرُ كُلِّ واحِدٍ مِنها بِعَينِه؛ (ت)وتَكفِيرُ الشَّخصِ المُعَيَّنِ كَفُلانٍ... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ الصومالي-: وقد يُفَرَّقُ في بَعضِ الأحيانِ بَيْنَ تَكفِيرِ الطائفةِ بِعُمومِها وبَيْنَ تَكفِيرِ أعيَانِها؛ قالَ الشَّيخان (حُسَينٌ وعبدُاللهِ) اِبْنا شَيخِ الإسلامِ محمدِ بنِ عبدالوهاب [في (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)] {وقد يُحْكَمُ بِأَنَّ هذه القَرْيةَ كافِرةٌ وأَهْلَها كُفَّارٌ، حُكْمُهم حُكْمُ الكُفَّارِ، ولا يُحْكَمُ بِأَنَّ كُلَّ فَردٍ مِنهم كافِرٌ بِعَيْنِه، لِأنَّه يُحتَمَلُ أنْ يَكونَ مِنهم مَن هو على الإسلامِ، مَعذورٌ في تَرْكِ الهِجرةِ، أو يُظْهِرُ دِينَه ولا يَعْلَمُه المُسلِمون}. انتهى باختصار. وقالَ الشَّيخُ أبو بكر القحطاني في (شَرحُ قاعِدةِ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ"): إنَّه مِن حيث الطائفةُ، يُمكِنُ أنْ يُقالَ {إنَّها طائفةُ كُفرٍ} [أي] مِن حيث أقوالُهم، ولَكِنْ لا يَستَلزِمُ [ذلك] نُزولَ هذا الحُكمِ على جَمِيعِ أعيَانِهم، فَحِينَما أقولُ {هذه طائفةُ كُفرٍ} لا يَعنِي أنْ أُكَفِّرَ جَمِيعَ أعيَانِها. انتهى باختصار]، فَإذا حَكَمَ الشارِعُ بِالكُفرِ على شَخصٍ بِعَينِه، لَزِمَ تَكفِيرُه عَينًا والبَراءةُ مِنه ولا مَجالَ لِلاجتِهادِ في تَأوِيلِ هذه النُّصوصِ، ويَكونُ عَدَمُ التَّكفِيرُ في هذا الحالة راجِعًا إلى تَكذِيبِ النُّصوصِ ورَدِّها؛ (ب)الثانِي، يُناطُ الكُفْرُ بِوَصفٍ أو فِعْلٍ إذا قامَ بِالمُكَلَّفِ اِقتَضَى تَكفِيرُه، كَقَولِه سُبحانَه {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ [فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ]}، فَإذا ما أُنِيطَ حُكْمُ الكُفرِ بِوَصفٍ أو فِعْلٍ، فَهُنا يَجتَهِدُ العالِمُ في التَّحَقُّقِ مِن ثُبوتِ هذا الوَصفِ في حَقِّ المُعَيَّنِ، وخُلُوِّه [أيْ خُلُوِّ المُعَيَّنِ] مِنَ العَوارِضِ، ثم يُنَزِّلُ حُكمَ الكُفرِ عليه، وهو ما يُسَمَّى بِـ (تَحقِيقِ المَناطِ) [قالَ الشيخُ خبَّاب بن مروان الحمد (المراقب الشرعي على البرامج الإعلامية في قناة المجد الفضائية) في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (الفَرقُ بَيْنَ تَخرِيجِ المَناطِ وتَنقِيحِ المَناطِ وتَحقِيقِ المَناطِ) على هذا الرابط (http://saaid.org/Doat/khabab/f7.htm): المَناطُ هو الوَصفُ الذي يُناطُ به الحُكْمُ ومِن مَعانِيه (العِلَّةُ)، ومِنَ المَعروفِ أنَّ الحُكمَ يَدورُ مع عِلَّتِه وُجودًا وعَدَمًا. انتهى باختصار. وقالَ الشيخِ عبدالرزاق عفيفي (نائبِ مفتي المملكة العربية السعودية، وعضوِ هيئة كبار العلماء، ونائبِ رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في تَعلِيقِه على (الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي الْمُتَوَفَّى عامَ 631هـ): مَنَاطُ الْحُكْمِ يَكُونُ عِلَّةً مَنْصُوصَةً أَوْ مُسْتَنْبَطَةً، [وَ]يَكُونُ قَاعِدَةً كُلِّيَّةً مَنْصُوصَةً أَوْ مُجْمَعًا عَلَيْهَا [قُلْتُ: وهذا يَعنِي أنَّ (المَناطَ) أعَم ُّمِنَ (العِلَّةِ)]. انتهى باختصار. وجاءَ في مجلة البحوث الإسلامية التابعة للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في هذا الرابط (https://www.alifta.gov.sa/Ar/Magazine/Pages/issues.aspx?cultStr=ar&View=Page&PageID=1484&PageNo=1&BookID=2): إنَّ (تَنقِيحَ المَناطِ) هو اِجتِهادُ المُجتَهِدِ في تَعرِيفِ الأوصافِ المُختَلِفةِ لِمَحَلِّ الحُكمِ، لِتَحدِيدِ ما يَصلُحُ منها مَناطًا لِلْحُكمِ، واستِبعادِ ما عَداه بَعْدَ أنْ يَكونَ قد عَلِمَ مَناطَ الحُكمِ على الجُملةِ [قالَ الشيخُ خبَّاب بن مروان الحمد في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (الفَرقُ بَيْنَ تَخرِيجِ المَناطِ وتَنقِيحِ المَناطِ وتَحقِيقِ المَناطِ) على هذا الرابط (http://saaid.org/Doat/khabab/f7.htm): تَنقِيحُ المَناطِ [هو] وُجودُ أوصافٍ لا يُمكِنُ تَعلِيلُ الحُكمِ بِها لِأنَّها أوصافٌ غَيرُ مُؤَثِّرةٍ، واستِبقاءُ الوَصفِ المُؤَثِّرِ لِتَعلِيلِ الحُكمِ، وذلك تَخلِيصًا لِمَناطِ الحُكمِ مِمَّا ليس بِمَناطٍ له. انتهى]؛ وأمَّا (تَحقِيقُ المَناطِ) فَهو إقامةُ الدَّلِيلِ على أنَّ عِلَّةَ الأصلِ [الْمَقِيسِ عَلَيْهِ] مَوجودةٌ في الفَرعِ [الْمَقِيسِ]، سَواءٌ كانَتِ العِلَّةُ في الأصْلِ مَنصوصةً أو مُستَنبَطةً؛ وأمَّا (تَخرِيجُ المَناطِ) فَهو اِستِخراجُ عِلَّةٍ مُعَيَّنةٍ لِلْحُكمِ [قالَ الشيخُ خبَّاب بن مروان الحمد في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (الفَرقُ بَيْنَ تَخرِيجِ المَناطِ وتَنقِيحِ المَناطِ وتَحقِيقِ المَناطِ) على هذا الرابط (http://saaid.org/Doat/khabab/f7.htm): تَخرِيجُ المَناطِ [هو] وُجودُ حُكمٍ شَرعِيٍّ مَنصوصٍ عليه، دُونَ بَيَانِ العِلَّةِ منه، فَيُحاوِلُ طالِبُ العِلْمِ الاجتِهادَ في التَّعَرُّفِ على عِلَّةِ الحُكمِ الشَّرعِيِّ واستِخراجَه لها. انتهى]. انتهى باختصار. وقالَ الشَّيخُ أبو بكر القحطاني في (شَرحُ قاعِدةِ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ"): هناك آلِيَّةٌ وَضَعَها الأُصولِيُّون، وهي مَوضوعٌ مَعروفٌ، وهي قَضِيَّةُ تَخرِيجِ المَناطِ، يَعْنِي أنَا أُظهِرُ هذه المَناطاتِ وأُخرِجُها، ثم أُنقِّحُها (وهو [ما] يُسَمَّى "تَنقِيحُ المَناطِ"، أيْ آخُذُ المَناطَ الصالِحَ وأُبْعِدُ ما يَشوبُها مِنَ المَناطاتِ غَيرِ الصالِحةِ)، ثم بَعْدَ ذلك أُحَقِّقُه [أيِ المَناطَ] وبِالتالِي أُرَتِّبُ الحُكمَ عليه؛ يُسَمِّيه [أيْ يُسَمِّي هذا المَوضوعَ] بَعضُ العُلَماءِ (السَّبْرُ والتَّقسِيمُ) لاستِخراجِ المَناطِ وبِناءِ الحُكمِ عليه. انتهى]، وهنا لا يَلزَمُ مِن عَدَمِ التَّكفِيرِ زَوالُ أصلِ الدِّينِ، لِأنَّ السَّبَبَ [والذي هو تَكذِيبُ النُّصوصِ ورَدُّها] المُقتَضِي لِلتَّكفِيرِ [قد يَكونُ] مُنتَفٍ في حَقِّ مَن لم يُكَفِّرْ لإمكانِ وُرودِ الخَطَأِ أو الجَهلِ أو التَّأوِيلِ في تَنزِيلِ الحُكمِ أو فَهْمِ دَلالَتِه


(تابع ما بعده)

أبو ذر التوحيدي
06-04-2023, 10:57 PM
(تابع ما قبله)



... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: ... ومِثالٌ آخَرُ، وهو اِعتِقادُ حُرمةِ الخَمرِ ووُجوبِ الصَّلاةِ، فَإنَّ هذا الاعتِقادَ لازِمٌ لِتَصدِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيما أخبَرَ وطاعَتِه فِيما أمَرَ، وتَصدِيقُ النَّبِيِّ وطاعَتُه مِن أصلِ الدِّينِ بِلا شَكٍّ [قُلْتُ: الحَقِيقةُ أنَّ (شَهادةَ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ) هي التي مِن أصلِ الدِّينِ، وأمَّا تَصدِيقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وطاعَتُه فَهُما مِن لَوازِمِ أصلِ الدِّينِ. وقد قالَ الشيخُ عبدالعزيز الداخل المطيري (المشرف العام على معهد آفاق التيسير "للتعليم عن بعد") في (شرح ثلاثة الأصول وأدلتها): فَشَهادةُ (أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ) أصلٌ من أصول الدين، لا يَدخُلُ عَبْدٌ في الإسلامِ حتى يَشهَدَ هذه الشَّهادةَ، وهذه الشَّهادةُ العَظِيمةُ يَنبَنِي عليها مَنهَجُ الإنسانِ وعَمَلُه، ونَجاتُه وسَعادَتُه، إذْ عليها مَدارُ المُتابَعةِ، واللهُ تَعالَى لا يَقبَلُ مِن عَبْدٍ عَمَلًا ما لم يَكُنْ خالِصًا له جَلَّ وعَلا، وعلى سُنَّةِ رَسولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالإخلاصُ هو مُقتَضَى شَهادةِ أنْ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ)، والمُتابَعةُ هي مُقتَضَى شَهادةِ أنَّ (مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ)، ولَمَّا كانَتِ الأعمالُ لا بُدَّ فيها مِن قَصدٍ وطَرِيقةٍ تُؤَدَّى عليها عُدَّتِ الشَّهادَتان رُكنًا واحِدًا؛ وشَهادةُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ تَستَلزِمُ أُمورًا عَظِيمةً يُمكِنُ إجمالُها في ثَلاثةِ أُمورٍ كِبارٍ مَن لم يَقُمْ بِها لم يَكُنْ مُؤمِنًا بِالرَّسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ الأمرُ الأوَّلُ، تَصدِيقُ خَبَرِه؛ الأمرُ الثانِي، اِمتِثالُ أمرِه؛ الأمرُ الثالِثُ، مَحَبَّتُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وما يَعودُ على أحَدِ هذه الأُمورِ الثَّلاثةِ بِالبُطلانِ فَهو ناقِضٌ لِشَهادةِ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، وإذا اِنتَقَضَتْ هذه الشَّهادةُ اِنتَقَضَ إسلامُ العَبدِ، فالإسلامُ لا بُدَّ فيه مِن إخلاصٍ وانقِيادٍ. انتهى باختصار]، لَكِنَّ اِعتِقادَ حُرمةِ الخَمرِ ووُجوبِ الصَّلاةِ مَوقوفٌ على تَشرِيعِ هذه الأحكامِ اِبتِداءً وعلى عِلْمِ المُكَلَّفِ بِها بَعْدَ تَشرِيعِها وتَحَقُّقِ ذلك عنده، فَلَوْ أنكَرَ المُكَلَّفُ حُرمةَ الخَمرِ أو جَحَدَ وُجوبَ الصَّلاةِ كَفَرَ، لَكِنْ إنْ لم يَثبُتْ عنده الحُكْمُ لِجَهلٍ يُعذَرُ به أو تَأوِيلٍ يُقبَلُ منه فَهو في هاتَين الحالَتَين مَعذورٌ مع أنَّ هذا الاعتِقادَ والإقرارَ به لازِمٌ لِأصلِ الدِّينِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: ... أمَّا المَعْنَى المُطابِقُ لِـ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) فَهو ما دَلَّتْ عليه ألفاظُها بِالتَّضَمُّنِ والمُطابَقةِ [قالَ الشيخُ عبدالرحيم السلمي (عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة والأديان والمذاهب المعاصرة بجامعة أم القرى) في (شَرحُ "القَواعِدِ المُثلَى"): فالدَّلالةُ لَها ثَلاثةُ أنواعٍ، النَّوعُ الأوَّلُ دَلالةُ المُطابَقةِ، والنَّوعُ الثانِي دَلالةُ التَّضَمُّنِ، والنَوعُ الثالِثُ دَلالةُ الالتِزامِ؛ فَأَمَّا دَلالةُ المُطابَقةِ، فَهي دَلالةُ اللَّفظِ على تَمامِ مَعناه الذي وُضِعَ له، مِثلَ دَلالةِ البَيتِ على الجُدرانِ والسَّقفِ [مَعًا]، فَإذا قُلْنا {بَيْتٌ} فَإنَّه يَدُلُّ على وُجودِ الجُدرانِ والسَّقفِ [مَعًا]؛ ودَلالةُ التَّضَمُّنِ، هي دَلالةُ اللَّفظِ على جُزءِ مَعناه الذي وُضِعَ له، كَما لو قُلْنا {البَيْتُ} وأرَدْنا السَّقفَ فَقَطْ، أو قُلْنا {البَيْتُ} وأرَدْنا الجِدارَ فَقَطَ؛ ودَلالةُ الالتِزامِ، هي دَلالةُ اللَّفظِ على مَعْنًى خارِجِ اللَّفظِ يَلزَمُ مِن هذا اللَّفظِ، فَإذا قُلْنا كَلِمةَ {السَّقفِ} مَثَلًا، فالسَّقفُ لا يَدخُلُ فيه الحائطُ، فَإنَّ الحائطَ شَيءٌ والسَّقفُ شَيءٌ آخَرُ، لَكِنَّه يَلزَمُ منه [أيْ لَكِنَّ السَّقفَ يَلزَمُ منه الحائطُ]، لِأنَّه [لا] يُتَصَوَّرُ وُجودُ سَقفٍ لا حائطَ له يَحمِلُه، فَهذه هي دَلالةُ الالتِزامِ (أوِ اللُّزومِ). انتهى باختصار]، وهو الإقرارُ بِأنَّه لا مَعبودَ بِحَقٍّ إلَّا اللهُ، وفيه نَفيُ العِبادةِ عن غَيرِ اللهِ، والكُفرُ بِكُلِّ ما يُعبَدُ مِن دُونِه [أيْ والبَراءةُ مِن كُلِّ ما يُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ، ويَدُلُّ على ذلك قَولُه تَعالَى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ}. وقد قالتِ الموسوعةِ الحَدِيثِيَّةِ (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ عَلوي بن عبدالقادر السَّقَّاف) في شَرحِ حَدِيثِ (مَن قالَ "لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" وَكَفَرَ بِما يُعْبَدُ مِن دُونِ اللهِ، حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ): في هذا الحَدِيثِ يُخبِرُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ مَن قالَ وشَهِدَ بِلِسانِه أنَّه {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} أيْ لا مَعبودَ بِحَقٍّ إلَّا اللهُ، {وكَفَرَ بِما يُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ} فَيَكونُ بِذلكَ قد تَبَرَّأَ مِن كُلِّ الأديَانِ سِوَى الإسلامِ، {حَرُمَ مالُه ودمُه} على المُسلِمِينَ، فَلا يُسلَبُ مالُه ولا يُسفَكُ دمُه. انتهى] وهو حَقِيقةُ الكُفرِ بِالطاغوتِ [ويَدُلُّ على ذلك قَولُه تَعالَى {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا}]، و[فيه] إثباتُ أحَقِّيَّتِه سُبحانَه لِلْعبادةِ؛ قالَ سُبحانَه {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ، فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}، فَهذه هي الكَلِمةُ التي اِتَّفَقَ عليها جَمِيعُ الأنبِياءِ، وهي كَلِمةُ التَّوحِيدِ والإسلامِ العامِّ، وهي {مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، وقالَ تَعالَى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ، وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، والكَلِمةُ هي (لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، فَعَبَّرَ عنها الخَلِيلُ بِمَعناها، فَنَفَى ما نَفَتْه هذه الكَلِمةُ مِنَ الشِّركِ في العِبادةِ، بِالبَراءةِ مِن كُلِّ ما يُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ، واستَثنَى الذي فَطَرَه (وهو اللهُ سُبحانَه) الذي لا يَصلُحُ مِنَ العِبادةِ شَيءٌ لِغَيرِه، فَهذا [هو] المَعنَى المُطابِقُ لِهذه الكَلِمةِ وهو ما نَصَّ عليه أهلُ العِلْمِ، قالَ شَيخُ الإسلامِ [في (مَجموعُ الفَتَاوَى)] {وَلِهَذَا كَانَ رَأْسُ الإسلَامِ شَهَادَةَ أَنْ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ)، وَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ عِبَادَةَ اللَّهِ وَحْدَهُ وَتَرْكَ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ، وَهُوَ الإسلَامُ الْعَامُّ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ الأوَّلِينَ والآخِرِين [دِينًا سِوَاهُ]}، وقالَ الشَّيخُ عبدُالرحمن بنُ حسن آل الشيخ [في (فَتحُ المَجِيدِ)]{... ولِمَا دَلَّتْ عليه هذه الكَلِمةُ [أيْ كَلِمةُ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ)] مُطابَقةً، فَإنَّها دَلَّتْ على نَفْيِ الشِّركِ والبَراءةِ منه والإخلاصِ لِلَّهِ وَحدَهُ لا شَرِيكَ له مُطابَقةً}، فَإذا ثَبَتَ ذلك بِالكِتابِ والسُّنَّةِ وكَلامِ أهلِ العِلْمِ تَبَيَّنَ أنَّ ما خَلا المَعْنَى المُطابِقَ مِمَّا ذَكَرَه الشَّيخُ محمدُ بنُ عبدالوهاب هو مِن لَوازِمِ ذلك ومُقتَضاه، وبِهذا يَبطُلُ القَولُ أنَّ تَكفِيرَ المُشرِكِين مِن أصلِ الدِّينِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: فَكَونُ تَكفِيرِ المُشرِكِين مِن لَوازِمِ أصلِ الدِّينِ يَقتَضِي أنَّه مَوقوفٌ على (أسبابٍ وشُروطٍ) يَلزَمُ مِن عَدَمِها عَدَمُه، ولا يَتَرَتَّبُ [عَلَى] تَخَلُّفِهِ في حَقِّ المُكَلَّفِ كُفْرٌ ولا شِركٌ، ومِن هذه الأسبابِ عَدَمُ تَحَقُّقِ كُفرِ المُشرِكِين لَدَى المُكَلَّفِ أوِ اِشتِباهُ حالِهم عنده، لِذا وَجَبَ في حَقِّه إقامةُ الحُجَّةِ والبَيَانُ الذي يَزولُ معه الشُّبْهةُ قَبْلَ القَولِ بِكُفرِه. انتهى باختصار.

(2)وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (مُناظَرةٌ في حُكمِ مَن لا يُكَفِّرُ المُشرِكِين) رادًّا على مَن يُكَفِّرُ عاذِرَ المُشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ لِلإسلام قَبْلَ أنْ تُقامَ الحُجَّةُ على العاذِرِ: النِّزاعُ ليس في تَكفِيرِ العابِدِين لِغَيرِ اللهِ والمُشرِكِين به، وإنَّما في تَكفِيرِ الذي لم يُكَفِّرْهم لِقِيَامِ مانِعٍ أوِ اِنتِفاءِ شَرطٍ عنده مع تَقرِيرِه أنَّ {هذا الفِعلَ شِركٌ أكبَرُ، ومَن يَفعَلُه فَهو كافِرٌ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: تَكفِيرُ الأعيانِ يَحتاجُ إلى شُروطٍ ومَوانِعَ، وإلى الآنَ لم تُقِيموا دَلِيلًا على (أنَّ تَكفِيرَ المُنتَسِبِ [يَعنِي الجاهِلَ مُرتَكِبَ الشِّركِ المُنتَسِبَ لِلْإسلامِ] مِن أصلِ الدِّينِ الذي لا عُذرَ فيه لِأحَدٍ بِجَهلٍ أو تَأوِيلٍ، وأنَّ مَن خالَفَكم فيه فَهو كافِرٌ ناقِضٌ لِأصلِ الدِّينِ)، ولا أظُنُّ أنَّكم تَقْدِرون إقامةَ الدَّلِيلِ على هذا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: وأمَّا ما ذَكَرْتُم مِن أنَّه [أيِ العاذِرَ] لا يَعرِفُ الكُفرَ ولا يَعرِفُ التَّوحِيدَ، فَدَعوَى عارِيَةٌ عنِ الدَّلِيلِ وأنتم مُطالَبون قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ بِتَصحِيحِ الدَّعوَى، لِأنَّ هذا [أيِ العاذِرَ] يُقِرُّ أنَّ {ما تَفعَلُه القُبورِيَّةُ وأمثالُهم كُفْرٌ وشِركٌ، وفاعِلُه مِن غَيرِ عُذرٍ مُشرِكٌ كافِرٌ بِاللَّهِ العَظِيمِ}، ولَكِنْ يَقولُ {إنَّ هذا مع تَلَبُّسِه بِالشِّركِ يُعذَرُ بِالجَهلِ، ولا يُكَفَّرُ، ولا يُعامَلُ مُعامَلةُ الكافِرِين}، وظَنَّ [أيِ العاذِرُ] أنَّ الجَهْلَ [أيْ في مَسائلِ الشِّرْكِ الأكْبَرِ] قد جَعَلَه اللهُ عُذرًا ومانِعًا مِنَ التَّكفِيرِ كَما جَعَلْتُم [أنْتُم] الإكراهَ وانتِفاءَ القَصدِ عُذرًا [أيْ في مَسائلِ الشِّرْكِ الأكْبَرِ]، لِاختِلاطِ الأدِلَّةِ عنده وتَضارُبِها، أو لَعَلَّه يَقِيسُ الشِّركَ [الأكْبَرَ] على الكُفرِ الأكبَرِ، هذا هو مِحوَرُ المَسألةِ وقُطْبُ رَحَاها، فَهَلْ هذا الرَّجُلُ يُكَفِّرُ المُشرِكِين؟ الجَوابُ {نَعَمْ}، وهَلِ اِمتِناعُه عنِ التَّكفِيرِ هو في عُمومِ مَن يَفْعَلُ الشِّركَ أمْ في بَعضِ الأعيَانِ؟ الجَوابُ {في بَعضِ الأعيَانِ}، وهَلْ عِلَّةُ اِمتِناعِه عنِ التَّكفِيرِ هو اِعتِقادُه أنَّ مَن عَبَدَ غَيْرَ اللهِ مُسلِمٌ؟ الجَوابُ {لا، إنَّما لِأنَّه يَظُنُّ أنَّ اللهَ تَعالَى يَعذُرُ مِثلَ هذا بِالجَهلِ، كَما يَعذُرُه بِالإكراهِ أوِ اِنتِفاءِ القَصدِ، فَهو لا يَرَى الشِّركَ إسلامًا، ولا يَرَى المُشرِكَ مُسلِمًا، إنَّما يَرَى أنَّ حُكمَ الشِّركِ يُرفَعُ عن مَن وَقَعَ فيه إنْ كانَ جاهِلًا كَما يُرفَعُ عنِ المُكرَهِ والمُخطِئِ، فَهذا الرَّجُلُ يَقولُ (أنَا أعلَمُ أنَّ هذا الفِعلَ شِركٌ أكبَرُ، وأنَّ عابِدَ غَيرِ اللهِ كافِرٌ مُشرِكٌ، ولَكِنْ عندي دَلِيلٌ مِنَ القُرآنِ والسُّنَّةِ أنَّ اللهَ لا يُؤاخِذُ الجاهِلَ، فَأَنَا أتَّبِعُ هذا الدَّلِيلَ كَما أمَرَ اللهُ ولا أُكَفِّرُه حتى تَقومَ عليه الحُجَّةُ الشَّرعِيَّةُ)}، هَلْ تَصَوُّرُ هذا الرَّجُلِ صَحِيحٌ أمْ أنَّ لَدَيْهِ قُصورًا في التَّصَوُّرِ؟ الجَوابُ {لَدَيْهِ قُصورٌ، ولا يُمكِنُ تَكفِيرُه حتى يُبَيَّنَ له وَجْهُ خَطَئِه، كَأيِّ صاحِبِ خَطَأٍ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: وهذا الرَّجُلُ [أيِ العاذِرُ] كَيْفَ يُكَفَّرُ وخِلافُنا معه في تَنزِيلِ الحُكمِ الشَّرعِيِّ لا أكثَرَ؟ أعنِي تَنزِيلَ الحُكمِ على الأعيَانِ لا في تَوصِيفِ الفِعْلِ والحُكمِ عليه بِالكُفرِ والشِّركِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: والمَسألةُ تَحتاجُ مِنكم إلى تَحرِيرٍ ونَظَرٍ ثاقِبٍ ووَرَعٍ شَدِيدٍ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: ... وأمَّا مَسأَلَتُنا فَإنَّ هذا الرَّجُلَ الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكَ المُنتَسبَ يَعرِفُ حالَهم ويُحَذِّرُ منهم ومِن شِركِيَّاتِهم ويُشَدِّدُ عليهم حَسَبَ المُستَطاعِ ويَعرِفُ أنَّ أفعالَهم وأقوالَهم كُفْرٌ وشِركٌ بِاللَّهِ، لَكِنَّه ظَنَّ أنَّه لا يَجوزُ تَكفِيرُ (الجاهِلِ أوِ المُتَأَوِّلِ) [أيْ في مَسائلِ الشِّرْكِ الأكْبَرِ] حتى تُقامَ عليه الحُجَّةُ، فامتَنَعَ عن تَكفِيرِهم عَيْنًا لِقِيَامِ المانِعِ عنده، وهذا يَدُلُّ على أنَّه عَرَفَ حَقِيقةَ حالِهم وعَرَفَ الحُكمَ الشَّرعِيَّ لِـ (الفِعْلِ والقَولِ [اللَّذَين بِهما كانَ المُشرِكُ الجاهِلُ المُنتَسِبُ لِلإسلامِ مُقارِفًا لِلشِّركِ])، لَكِنِ اِمتَنَعَ عن تَنزِيلِ الحُكمِ على الفاعِلِ لِلشُّبهةِ القائمةِ عنده، وبِذلك تَرجِعُ المَسألةُ عنده إلى شُروطِ التَّكفِيرِ وانتِفاءِ المَوانعِ. انتهى باختصار.

(3)وقالَ الشيخُ أبو مالك التميمي (المُتَخَرِّجُ مِن قسم الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بتقدير امتياز، والحاصل على الماجستير من المعهد العالي للقضاء في الفقه المقارن، وتَمَّ تَرشِيحُه لِلْعَمَلِ قاضِيًا في المحاكمِ التابعةِ لوزارةِ العدلِ السعوديةِ ولَكِنَّه رَفَضَ) في (شَرحُ قاعِدةِ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ"): قاعِدةٌ مِن قَواعِدِ الشَّرعِ قَرَّرَها أهلُ العِلْمِ، ألا وهي قاعِدةُ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ أو شَكَّ في كُفرِه أو صَحَّحَ مَذهَبَه فَقَدْ كَفَرَ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: قاعِدةُ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ} هي قاعِدةٌ مُجمَعٌ عليها بَيْنَ سَلَفِ الأُمَّةِ وكِبارِ الأئمَّةِ، وهذا الإجماعُ إجماعٌ عليها في الجُملةِ، وهناك دَقائقُ -سَنُبَيِّنُها إنْ شاءَ اللهُ تَعالَى- فيها تَفصِيلٌ وبَيَانٌ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: إنَّ أهلَ العِلْمِ يُقَرِّرون أنَّ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ يَكفُرْ}، لَكِنْ لَيسَتْ هذه القاعِدةُ على ذاك الإطلاقِ الذي يَظُنُّه البَعضُ، بَلْ هناك ضَوابِطُ وقُيودٌ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: إنَّ هذه القاعِدةَ مُقَرَّرةٌ عند أهلِ العِلْمِ، والذي يَستَقرِئُ ويَتَتَبَّعُ أقوالَ أهلِ العِلْمِ يَجِدُ أنَّ هذه القاعِدةَ ظاهِرةٌ في تَأصِيلاتِهم، لِذلك حُكِيَتْ هذه القاعِدةُ عن سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وكذلك الإمامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وأَبِي زُرْعَةَ ومُحَمَّدِ بْنِ سُحْنُونٍ وكذلك أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ ويَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وجَمْعٍ مِن أئمَّةِ السَّلَفِ وكذلك شَيخِ الإسلامِ اِبْنِ تَيْمِيَّةَ والقاضِي عِيَاضٍ وأئمَّةِ الدَّعوةِ [النَّجدِيَّةِ] وغَيرِهم؛ هذه القاعِدةُ تَحَدَّثَ عنها سَلَفُ الأُمَّةِ، والذي يَتَتَبَّعُ أقاوِيلَهم والنُّقولاتِ الوارِدةَ عنهم يَجِدُ ذلك ظاهِرًا جَلِيًّا في ثَنايَا هذه النُّقولاتِ المَحكِيَّةِ عنهم... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: إنَّ المُقارِفَ لِهذا الناقِضِ [وهو المٌتَمَثِّلُ في قاعِدةِ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ أو شَكَّ في كُفرِه أو صَحَّحَ مَذهَبَه فَقَدْ كَفَرَ}] مُرتَكِبٌ لِلْكُفرِ بِإجماعِ أهلِ العِلْمِ، والكُفْرُ يَلحَقُه اِبتِداءً في مَواضِعَ وبَعْدَ إقامةِ الحُجَّةِ في مَواضِعَ كَما سَيَأْتِي بَيَانُه وتَفصِيلُه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: وهذه القاعِدةُ مُجمَعٌ عليها في الجُملةِ، وهناك تَفاصِيلُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: إنَّ مَناطَ الكُفرِ في هذا الناقِضِ هو الرَّدُّ لِحُكمِ اللهِ بَعْدَ مَعرِفَتِه [قالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (الرِّسالةُ الثلاثِينِيَّةُ): فَإنَّ أصلَ هذه القاعِدةِ ودَلِيلَها الذي تَرتَكِزُ وتَقومُ عليه هو قَولَه تَعالَى {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ} وقَولُه سُبحانَه {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ، أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} ونَحوُها مِن الأدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ الدالَّةِ على كُفرِ مَن كَذَّبَ بِشَيءٍ ثابِتٍ مِن أخبارِ الشَّرعِ وأحكامِه... ثم قالَ -أيِ الشيخُ المقدسي-: إنَّ حَقِيقةَ هذه القاعِدةِ وتَفسِيرَها على النَّحوِ التالِي {مَن لم يُكَفِّرْ كافِرًا بَلَغَه [أيْ بَلَغَ مَن لم يُكَفِّرْ] نَصُّ اللهِ تَعالَى القَطعِيُّ الدَّلالةِ على تَكفِيرِه [أيْ تَكفِيرِ مُرتَكِبِ الكُفرِ] في الكِتابِ، أو ثَبَتَ لَدَيْهِ نَصُّ الرَّسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تَكفِيرِه بِخَبَرٍ قَطعِيِّ الدَّلالةِ، رَغْمَ تَوَفُّرِ شُروطِ التَّكفِيرِ وانتِفاءِ مَوانِعِه [أيْ في حَقِّ مُرتَكِبِ الكُفرِ] عنده، فَقَدْ كَذَّبَ بِنَصِّ الكِتابِ أو السُّنَّةِ الثابِتةِ، ومَن كَذَّبَ بذلك فَقَدْ كَفَرَ بِالإجماعِ}؛ هذه هي حَقِيقةُ هذه القاعِدةِ وهذا هو تَفسِيرُها بَعْدَ النَّظَرِ في أدِلَّتِها واستِقراءِ اِستِعمالِ العُلَماءِ لَها. انتهى. وقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ (ت544هـ) في (الشِّفَا بِتَعْرِيفِ حُقُوقِ الْمُصْطَفَى): الإجْمَاعُ عَلَى كُفْرِ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ أَحَدًا مِنَ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَكُلِّ مَنْ فَارَقَ دِينَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ وَقَفَ فِي تَكْفِيرِهِمْ أَوْ شَكَّ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ [الْبَاقِلَّانِيُّ] {لِأنَّ التَّوقِيفَ [أيِ النَّصَّ] والإجماعَ اِتَّفَقا عَلَى كُفْرِهِمْ [أيْ كُفْرِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَكُلِّ مَنْ فَارَقَ دِينَ الْمُسْلِمِينَ]، فَمَنْ وَقَفَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ كَذَّبَ النَّصَّ أَوْ شَكَّ فِيهِ، وَالتَّكْذِيبُ أَوِ الشَّكُّ فِيهِ [أيْ في النَّصِّ] لَا يَقَعُ إِلَّا مِن كافِرٍ}. انتهى باختصار. وقد عَلَّقَ الشيخُ أبو مالك التميمي في (شَرحُ قاعِدةِ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ") على قَولِ الْقَاضِي عِيَاضٍ هذا قائلًا: مِن هذا النَّقلِ عَلِمْنا المَناطَ التَّكفِيريَّ في هذا الناقِضِ، وهو جُحودُ ورَدُّ حُكمِ اللهِ أو تَكذِيبُ النَّصِّ الشَّرعِيِّ.انتهى باختصار]، وهذا المَناطُ، الأدِلَّةُ كَثِيرةٌ عليه في كِتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، يَقولُ تَعالَى {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} وكذلك يَقولُ سُبحانَه {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} ويَقولُ تَعالَى {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: يَخرُجُ مِن عُمومِ هذه القاعِدةِ المَسائلُ الخِلافِيَّةُ الاجتِهادِيَّةُ التي اِختَلَفَ [أيْ في التَّكفِيرِ] فيها أهلُ العِلْمِ، وهي على سَبِيلِ المِثالِ كَحُكمِ تارِكِ الصَّلاةِ [قالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (الرِّسالةُ الثَّلاثِينِيَّةُ): ... كَتارِكِ الصَّلاةِ، فَإنَّ مَن لم يُكَفِّرْه، وإنْ كانَ مُخطِئًا، إلَّا أنَّه [أيْ مَن لم يُكَفِّرْ تارِكَ الصَّلاةِ] لا يَجحَدُ الأدِلَّةَ الصَّحِيحةَ القاضِيَةَ بِكُفرِه [أيْ بِكُفرِ تارِكِ الصَّلاةِ]، بَلْ يُؤمِنُ بِها ويُصَدِّقُ، ولَكِنْ يُؤَوِّلُها بِالكُفرِ الأصغَرِ، أو يُخَصِّصُها فِيمَن جَحَدَ الصَّلاةَ دُونَ مَن تَرَكَها تَكاسُلًا، لِتَعارُضِ ظاهِرِ بَعضِ النُّصوصِ الأُخرَى معها [أيْ مع الأدِلَّةِ الصَّحِيحةِ القاضِيَةِ بِكُفرِ تارِكِ الصَّلاةِ]، كَحَدِيثِ (خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ) وفِيه قَولُه [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] {وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ} رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وغَيرُهم، ونَحوِ ذلك مِن حُجَجِ القائلِين بِذلك، وَهُمْ كَثِيرٌ، ومِنهم أَئمَّةٌ جِبَالٌ كَمالِكٍ والشافِعِيِّ وغَيرِهم مِمَّن لم يُكَفِّرْ مَن تَرَكَها تَكاسُلًا، فَلَمْ نَسمَعْ أنَّ أحَدًا مِنَ المُخالِفِين لَهم القائلِين بِكُفرِه [أيْ بِكُفرِ تارِكِ الصَّلاةِ] كالإمامِ أَحْمَدَ في إحدَى الرِّوايَتَين عنه، وعبدِاللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وغَيرِهم قالوا بِكُفرِهم [أيْ بِكُفرِ الذِين لم يُكَفِّروا تارِكَ الصَّلاةِ] أو طَبَّقوا قاعِدةَ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ فَهو كافِرٌ} عليهم [قالَ الشَّيخُ يزن الغانم في هذا الرابط (https://www.alukah.net/sharia/0/138065): يَجِبُ أنْ نُفَرِّقَ بَيْنَ مَن وَقَعَ في بِدعةٍ أو أَخْطَأَ مِن عُلَماءِ السَّلَفِ -أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ- الذِين يَنطَلِقون في اِستِدلالِهم مِنَ الحَدِيثِ والأثَرِ، وبَيْنَ مَن وَقَعَ في بِدعةٍ مِن أهلِ الأهواءِ والبِدَعِ الذِين يِنطَلِقون مِن أُصولٍ وقَواعِدَ مُبتَدَعةٍ، أو مَنْهَجٍ غَيرِ مَنْهَجِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ. انتهى]. انتهى] وتارِكِ الصَّومِ وتارِكِ الزَّكاةِ وتارِكِ الحَجِّ، وحَدِيثُنا هنا عن خِلافِ أهلِ العِلْمِ في التَّركِ لا الجُحودِ، فَإنَّ الجُحودَ مُتَّفَقٌ عليه [أيْ مُتَّفَقٌ على التَّكفِيرِ به]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: يَخرُجُ مِن عُمومِ هذا الناقِضِ مَوانِعُ اِختَلَفَ أهلُ العِلْمِ في جُزئيَّاتِها؛ مَثَلًا اِشتِراطُ البُلوغِ لِصحَّةِ وُقوعِ الرِّدَّةِ، اِتَّفَقَ أهلُ العِلْمِ على أنَّ البالِغَ تَقَعُ منه الرِّدَّةُ وتَصِحُّ ويُؤاخَذُ ويُحاسَبُ ويُعاقَبُ، واتَّفَقَ أهلُ العِلْمِ على أنَّ الصَّبِيَّ دُونَ سِنِّ التَّميِيزِ لا تَقَعُ [يَعنِي لا تَصِحُّ] منه الرِّدَّةُ، بَقِيَ عندنا المَرحَلةُ التي هي بَيْنَ هَذَين العُمُرَين (سِنِّ البُلوغِ، وفَوْقَ سِنِّ التَّميِيزِ)، فَسِنُّ التَّميِيزِ هنا اِختَلَفَ أهلُ العِلْمِ في حَدِّهِ، [كَما اِختَلَفوا أيضًا في] اِشتِراطِ البُلوغِ في ثُبوتِ الرِّدَّةِ أو صِحَّةِ الرِّدَّةِ، [فَقَدْ] رَأَى أبُو حَنِيفَةَ وصاحِبُه مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وكذلك أحمَدُ في رِوايَةٍ أنَّ البُلوغَ ليس شَرطًا لِصِحَّةِ وثُبوتِ الرِّدَّةِ [يَعنِي أنَّه يَكفِي تَحَقَّقُ (التَّميِيزِ) والذي هو أيضًا مُختَلَفٌ في حَدِّهِ]، وقالَ أبو يُوسُفَ مِن أصحابِ أبِي حَنِيفَةَ والشافِعِيَّةُ وأحمَدُ في أظهَرِ الرِّوايَتَين عنه أنَّ الرِّدَّةَ لا تَثبُتُ ولا تَصِحُّ مِنَ المُمَيِّزِ الذي دُون سِنِّ البُلوغِ؛ وقُلْ بِمِثْلِ ذلك في حَقِّ السَّكرانِ، [فَ]إِن زَوالَ العَقلِ يُقَسِّمُه أهلُ العِلْمِ إلى زَوالٍ بِسَبَبٍ مُباحٍ [كَما في الإغماءِ أو الصَّرْعِ أو إجراءِ عَمَلِيَّةٍ جِراحِيَّةٍ، وقَدِ اِتَّفَقَ أهلُ العِلْمِ على أنَّ الرِّدَّةَ الناتِجةَ عن زَوالِ العَقلِ بِسَبَبٍ مُباحٍ لا تَصِحُّ]، وزَوالٌ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ [وَ]يَكونُ بشُرْبِ الخَمْرِ، هنا [أيْ في زَوالِ العَقلِ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ] اِختَلَفَ أهلُ العِلْمِ [أيْ في صِحَّةِ الرِّدَّةِ]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: هَلْ هذه الصُورةُ [يَعنِي تَكفِيرَ السَّكرانِ الذي وَقَعَتْ منه الرِّدَّةُ بِسَبَبِ زَوالِ عَقلِه بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ، وقد عَرَفْنا اِختِلافَ العُلَماءِ في صِحَّةِ رِدَّتِه] داخِلةٌ تَحْتَ هذه القاعِدةِ؟، هَلِ الصُّورةُ في التَّميِيزِ [يَعنِي تَكفِيرَ الصَّبِيِّ المُمَيِّزِ الذي وَقَعَتْ منه الرِّدَّةُ، وقد عَرَفْنا اِختِلافَ العُلَماءِ في اِشتِراطِ البُلوغِ، وعَرَفْنا أنَّ الذِين اِكتَفَوْا منهم بِالتَّمْيِيزِ اِختَلَفوا أيضًا في سِنِّ التَّمْيِيزِ] داخِلةٌ تَحْتَ هذه القاعِدةِ؟، نَقولُ، لا، لِأنَّنا قَرَّرنا أنَّ مَسائلَ الخِلافِ التي هي مَحَلُّ اِجتِهادٍ بَيْنَ أهلِ العِلْمِ خارِجةٌ مِن هذه القاعِدةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: كذلك مِنَ المَسائلِ المُهِمَّةِ مانِعُ الإكراهِ، مانِعُ الإكراهِ هو مانِعٌ مُتَّفَقٌ عليه في الجُملةِ ولَكِنِ اِختَلَفَ أهلُ العِلْمِ في بَعضِ جُزئيَّاتِه، فَإنَّ أهلَ العِلْمِ قالوا {هَلْ يَكفِي في الإكراهِ التَّهدِيدُ أو لا بُدَّ أنْ يُمَسُّ بِعَذابٍ؟}، جُمهورُ العُلَماءِ خِلافًا لِأحمَدَ قالوا {نَعَمْ، يَكفِي التَّهدِيدُ}، وأحمَدُ قالَ {لا، حتى يُمَسُّ بِعَذابٍ} [قالَ مركزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوِزَارةِ الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط (https://www.islamweb.net/ar/fatwa/24683): وقد وَقَعَ الخِلاُف بَيْنَ أهلِ العِلْمِ في التَّسوِيَةِ بَيْنَ الأقوالِ والأفعالِ [أيْ مِن جِهةِ المُكرَهِ، وهي الأقوالُ والأفعالُ التي يُكرَهُ عليها] في الإكراهِ، فَذَهَبَ بَعضُهم وهُمُ الجُمهورُ إلى أنَّ المُكرَهَ يَحِلُّ له الإقدامُ على ما أُكرِهَ عليه، سَواءٌ أُكرِهَ على قَولٍ أو عَمَلٍ، وذَهَبَ بَعضُهم إلى التَّفرِيقِ بَيْنَ الأقوالِ والأفعالِ [يَعنِي أنَّ بَعْضَ العُلَماءِ ذَهَبَ إلى صِحَّةِ الإكراهِ (إذا كانَ الإكراهُ على قَولٍ) وعَدَمِ صِحَّتِه (إذا كانَ على فِعْلٍ)]. انتهى باختصار. وقالَ مركزُ الفتوى أيضًا في هذا الرابط (https://www.islamweb.net/ar/fatwa/195055): قالَ اِبنُ رَجَبٍ [في (جامع العلوم والحكم)] {وَأَمَّا الإكرَاهُ عَلَى الأقْوَالِ، فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى قَوْلٍ مُحَرَّمٍ إِكْرَاهًا مُعْتَبَرًا أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْتَدِيَ نَفْسَهُ بِهِ، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَسَائِرُ الأقْوَالِ يُتَصَوَّرُ عَلَيْهَا الإكْرَاهُ، فَإِذَا أُكْرِهَ بِغَيْرِ حَقٍّ عَلَى قَوْلٍ مِنَ الأقْوَالِ، لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنَ الأحْكَامِ، وَكَانَ لَغْوًا، فَإِنَّ كَلَامَ الْمُكْرَهِ صَدَرَ مِنْهُ وَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ بِهِ، فَلِذَلِكَ عُفِيَ عَنْهُ، وَلَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}؛ أمَّا مَن أُكرِهَ على فِعْلٍ مِن أفعالِ الكُفرِ كالسُّجودِ لِغَيرِ اللهِ، فَقَدِ اُختُلِفَ (هَلْ يُقبَلُ إكراهُه أو لا يُقبَلُ؟)، قالَ اِبْنُ بَطَّالٍ [في (شرح صحيح البخاري)] {وَأَمَّا فِي الْفِعْلِ فَلَا رُخْصَةَ فِيهِ، مِثْلَ أَنْ يُكْرِهُوه عَلَى السُّجُودِ لِغَيْرِ اللَّهِ أَوِ الصَّلَاةِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ... وَقَالَتْ طَائِفَةٌ (الإكْرَاهُ فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ سَوَاءٌ إِذَا أَسَرَّ الإيمَانَ)}. انتهى باختصار]، هذا خِلافٌ، نَقولُ، لا تَدخُلُ هذه المَسأَلةُ تحت قاعِدةِ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ أو شَكَّ في كُفرِه أو صَحَّحَ مَذهَبَه فَقَدْ كَفَرَ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: قد يَأتِي آتٍ ويُقحِمُ مَسائلَ الاجتِهادِ الخِلافِيَّةِ تحت هذه القاعِدةِ، فَنَقولُ له، لا، ومازالَ أهلُ العِلْمِ يَختَلِفون في مَسائلَ كَهذه المَسائلِ ولم يُكَفِّرْ بَعضُهم بَعضًا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: المَسائلُ الظاهِرةُ [هي] كُلُّ مَسأَلةٍ ظَهَرَتْ أدِلَّتُها وأجمَعَتِ الأُمَّةُ عليها وظَهَرَ عِلمُها لِلْعامِّ والخاصِّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: المَسائلُ الخَفِيَّةُ هي كُلُّ مَسأَلةٍ يَعلَمُها الخاصَّةُ دُونَ العامَّةِ لِخَفائها وعَدَمِ اِشتِهارِها... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: أهلُ العِلْمِ يُقَسِّمون هذه القاعِدةَ إلى أقسامٍ؛ (أ)القِسمُ الأوَّلُ، أُناسٌ جاءَ النَّصُّ صَراحةً بِتَكفِيرِهم بِأعيانِهم وهُمْ على قِسمَين (طَوائفُ، وأفرادٌ)، الطَّوائفُ -مَثَلًا- اليَهودِيَّةُ والنَّصرانِيَّةُ والمَجُوسُ والبُوذِيَّةُ، والأفرادُ كَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ وإبلِيسَ وأبِي لَهَبٍ، فحكم هذا القسم [وهَمُ الذِين جاءَ النَّصُّ صَراحةً بِتَكفِيرِهم بِأعيانِهم مِنَ الطوائفِ أو الأفرادِ] مَن لم يُكَفِّرْهم بِأعيانِهم فَهو كافِرٌ، وأهلُ العِلْمِ حَكَوْا الإجماعَ على كُفرِ مَن لم يُكَفِّرْ هذا القِسمَ أو الصِّنفَ مِنَ الناسِ، والمَناطُ التَّكفِيرِيُّ في هذا الناقِضِ هو جُحودُ ورَدُّ حُكمِ اللهِ أو تَكذِيبُ النَّصِّ الشَّرعِيِّ، [وَ]هذه مَسأَلةٌ ظاهِرةٌ، مُجمَعٌ عليها والنَّصُّ فيها قَطعِيٌّ فَلَمْ يَعُدْ هناك سَبِيلٌ لِلْخَفاءِ، وإنَّ عاذِرَ هؤلاء دَلَّ الَّنصُّ على كُفرِه [كَما في قَولِه تَعالَى {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ}] وهو داخِلٌ أصالةً تحت هذا الناقِضِ أو هذه القاعِدةِ


(تابع ما بعده)

أبو ذر التوحيدي
06-04-2023, 11:02 PM
(تابع ما قبله)


... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: القِسمُ الثانِي [أيْ مِن أقسامِ قاعِدةِ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ أو شَكَّ في كُفرِه أو صَحَّحَ مَذهَبَه فَقَدْ كَفَرَ}]، أقوالٌ وأفعالٌ جاءَ النَّصُّ بِتَكفِيرِ أصحابِها أو فاعِلِيها، كالاستِغاثةِ بِغَيرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ والذَّبحِ لِغَيرِ اللهِ والسُّجودِ لِغَيرِ اللهِ والحُكمِ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ [قالَ الشيخُ حمودٌ الشعيبي (الأستاذ بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في فَتْوَى له على هذا الرابط (http://saaid.org/Warathah/hmood/h31.htm): قالَ شَيخُنا الشَّيخُ محمد الأمين الشنقيطي [في (أضواء البيان)] بَعْدَ أنْ ذَكَرَ النُّصوصَ الدالَّةَ على كُفرِ مُحَكِّمِي القَوانِينِ {وَبِهَذِهِ النُّصُوصِ السَّمَاوِيَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا يَظْهَرُ غَايَةَ الظُّهُورِ أَنَّ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الْقَوَانِينَ الْوَضْعِيَّةَ الَّتِي شَرَعَهَا الشَّيْطَانُ عَلَى أَلْسِنَةِ أَوْلِيَائِهِ مُخَالَفَةً لِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ لَا يَشُكُّ فِي كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ إِلَّا مَنْ طَمَسَ اللَّهُ بَصِيرَتَهُ وَأَعْمَاهُ عَنْ نُورِ الْوَحْيِ مِثْلَهُمْ}. انتهى] والاستِهزاءِ بِاللَّهِ أو بِالدِّينِ أو بِالرَّسولِ الأمِينِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، نَقُولُ، مَن تَوَقَّفَ أو شَكَّ في كُفرِ مُرتَكِبِ أحَدِ هذه النَّواقِضِ، فَإنَّه لا يَخلُو مِن حالاتِ؛ (أ)الحالةُ الأُولَى، أنْ يَمتَنِعَ عن تَكفِيرِه لِكَونِ ما وَقَعَ فيه ليس بِكُفرٍ، يَعنِي يَقولُ لك {الذَّبحُ لِغَيرِ اللهِ جائزٌ ليس كُفرًا}، هذا أصلًا كافِرٌ أصالةً، تَوَقَّفَ في كُفرِ هذا [المُعَيَّنِ] أو لم يَتَوَقَّفُ، لِأنَّه رَأَى أنَّ هذه الأفعالَ التي دَلَّ النَّصُّ صَراحةً على كُفرِ فاعِلِها أنَّها لَيسَتْ بِكُفرٍ، وهذا رَدٌّ وتَكذِيبٌ لِلنَّصِّ الشَّرعِيِّ أنْ يَمتَنِعَ عن تَكفِيرِه لِكَونِ ما وَقَعَ [أيِ المُعَيَّنُ] فيه ليس بِكُفرٍ، كَأَنْ يَقولَ {الذَّبحُ لِغَيرِ اللهِ، أوِ الحُكمُ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ، أوِ الاستِغاثةُ بِغَيرِ اللهِ، أنَّها لَيسَتْ بِكُفرٍ، وأنَّها مِمَّا أباحَه اللهُ سُبحانَه وتَعالَى}، فَهذا نَسأَلُ اللهَ السَّلامةَ والعافِيَةَ يَلحَقُه الكُفْرُ؛ (ب)الحالةُ الثانِيَةُ، أنْ يَمتَنِعَ عن تَكفِيرِه مع إقرارِه بِأنَّ ما وَقَعَ فيه المُعَيَّنُ كُفْرٌ، حَكَمَ [أيِ المُعَيَّنُ] بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ، يَقولُ [أيِ العاذِرُ] {الحُكْمُ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ، ما عِنْدِي أدنَى شَكٍّ أنَّه كُفْرٌ}، ذَبَحَ [أيِ المُعَيَّنُ] لِغَيرِ اللهِ، يَقولُ [أيِ العاذِرُ] {ما عِنْدِي أدنَى شَكٍّ أنَّ هذا الفِعلَ كُفْرٌ}، لَكِنْ يَمتَنِعُ عن تَكفِيرِه [أيْ يَمتَنِعُ العاذِرُ عن تَكفِيرِ المُعَيَّنِ] لِوُجودِ مانِعٍ مَنَعَ مِن نُزولِ الحُكمِ على [المُعَيَّنِ] مُرتَكِبِ الكُفرِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: والمَوانِعُ منها ما هو مُعتَبَرٌ في كُلِّ مَسائلِ الإيمانِ والكُفرِ، كالإكراهِ مَثَلًا، ومنها ما هو مُعتَبَرٌ في مَسائلَ غَيرُ مُعتَبَرٍ في أُخرَى، وهنا يَحصُلُ الخَلَلَ ([وهو] التَّعمِيمُ)، تَأْتِي إلى مانِعٍ اِعتَبَرَه أهلُ العِلْمِ في بابٍ فَتُعَمِّمُه على أبوابٍ أُخرَى؛ الجَهلُ -مَثَلًا- أهلُ العِلْمِ يَعتَبِرونه في المَسائلِ الخَفِيَّةِ، إذا كانَ جاهِلًا فَيُعذَرُ فَلا يَلحَقُه الكُفْرُ حتى تُقامَ عليه الحُجَّةُ ويَفهَمَها؛ اِشتِراطُ الفَهمِ -مَثَلًا- يَجِدُ أنَّ أهلَ العِلْمِ يُقَرِّرونه في المَسائلِ الخَفِيَّةِ [قالَ الشيخُ عبدُالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): فاشتِراطُ فَهْمِ الحُجَّةِ دائمًا مِن أقوالِ المُرجِئةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الغليفي-: لا يُشتَرَطُ الفَهمُ في المَسائلِ الظاهِرةِ الجَلِيَّةِ ولَكِنْ يُشتَرَطُ في المَسائلِ الخَفِيَّةِ، كَما قالَ العُلَماءُ. انتهى]، فَيُعَمِّمُ هذا الاشتِراطَ؛ حتى خَرَجَ عندنا مَن يَقولُ بِأنَّ الطَّواغِيتَ الذِين عُلِمَ كُفْرُهم وأصبَحَ كُفْرُهم مَعلومًا لَدَى الصَّغِيرِ والكَبِيرِ، يَقولُ {لا يَلحَقُه الكُفْرُ حتى تُقِيمَ عليه الحُجَّةَ}، ومَفهومُ الحُجَّةِ أصلًا عنده مُختَلٌّ، يَعنِي لا بُدَّ أنْ تَأْتِيَ وتَجلِسَ معه ثم بَعْدَ ذلك تَعرِضُ عليه الدَّلِيلَ وتُناقِشُه عند كُلِّ دَلِيلٍ {فَهِمْتَ؟، أو ما فَهِمْتَ؟}، فَهِمْتَ نَنتَقِلْ لِلْآخَرِ، ما فَهِمْتَ نَبْقَى عند الأوَّلِ إلى أبَدِ الآبادِ!... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: هذا المُمتَنِعُ [يَعنِي في الحالةِ الثانِيَةِ مِن حالاتِ الامتِناعِ عن تَكفِيرِ مُرتَكِبِ أحَدِ النَّواقِضِ المُتَمَثِّلةِ في أقوالٍ وأفعالٍ جاءَ النَّصُّ بِتَكفِيرِ فاعِلِيها، كالاستِغاثةِ بِغَيرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ والذَّبحِ لِغَيرِ اللهِ والسُّجودِ لِغَيرِ اللهِ، وهي الحالةُ التي يَمتَنِعُ فيها العاذِرُ عن تَكفِيرِ المُعَيَّنِ مع إقرارِه بِأنَّ ما وَقَعَ فيه المُعَيَّنُ كُفْرٌ] مع إقرارِه بِأنَّ ما وَقَعَ فيه المُعَيَّنُ كُفْرٌ، له حالاتٌ؛ (أ)الحالةُ الأُولَى، أنْ يَكونَ المانِعُ الذي أَورَدَه مُعتَبَرًا والتَّنزِيلُ صَحِيحٌ، فَهذا لا يَدخُلُ معنا في القاعِدةِ أصلًا [أيْ لا يَكفُرُ العاذِرُ، لِأنَّه أَنزَلَ مانِعًا مُعتَبَرًا في مَسأَلةٍ يَصِحُّ إنزالُه فيها، كَأَنْ يُنَزِّلَ مانِعَ الإكراهِ على مُرتَكِبِ الشِّركِ الأكبَرِ]؛ (ب)الحالةُ الثانِيَةُ، أنْ يَكونَ المانِعُ غَيْرَ مُعتَبَرٍ [يَعنِي لم يَأْتِ دَلِيلٌ على اِعتِبارِه مانِعًا]، أو أنَّه مُعتَبَرٌ والتَّنزِيلُ غَيرُ صَحِيحٍ، مِثالٌ على مانِعٍ غَيرِ مُعتَبَرٍ، رَجُلٌ تَقولُ له {لِماذا دَخَلْتَ في جَيشِ الطاغوتِ؟}، فَجاءَ شَخصٌ [يَعنِي العاذِرَ] فَقالَ {يا رَجُلُ، هذا مِسكِينٌ ضَعِيفٌ، عنده أولادٌ يَصرِفُ عليهم}، الآنَ هو يُورِدُ مانِعا غَيْرَ مُعتَبَرٍ،[مِثالٌ على] مانِعٍ مُعتَبَرٍ والتَّنزِيلُ غَيرُ صَحِيحٍ [أيْ مانِعٍ مُعتَبَرٍ في مَسائلَ دُونَ مَسائلَ، فَيَقومُ العاذِرُ بِإنزالِه في مَسأَلةٍ لا يَصِحُّ إنزالُه فيها]، قد تَأْتِي مَثَلًا بِـ (الجَهلِ) وتَجعَلُه مانِعًا في الشِّركِ الأكبَرِ، نَقولُ لك {مانِعٌ مُعتَبَرٌ والتَّنزِيلُ غَيرُ صَحِيحٍ، لِأنَّه [أيِ الجَهْلَ] مُعتَبَرٌ في مَسائلَ دُونَ مَسائلَ}، فَما الحُكْمُ [أيْ فَما حُكْمُ العاذِرِ عندئذٍ]؟، نَقولُ، هذا لا يَلحَقُه الحُكْمُ اِبتِداءً إلَّا بَعْدَ المُحاجَّةِ والمُكاشَفةِ، لِماذا لم نَقُلْ هنا أنَّه تَحَقَّقَ فيه المَناطُ؟ [لِأنَّه] لم يَجحَدْ [سَبَقَ بَيَانُ أنَّ مَناطَ الكُفرِ في قاعِدةِ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ أو شَكَّ في كُفرِه أو صَحَّحَ مَذهَبَه فَقَدْ كَفَرَ} هو الرَّدُّ لِحُكمِ اللهِ بَعْدَ مَعرِفَتِه]، هو يُقِرُّ أنَّ هذا الفِعلَ كُفْرٌ، لَكِنْ يَقولُ {وٌجِدَ مانِعٌ مَنَعَ مِن لِحاقِ الكُفرِ بِفاعِلِه} [مُرادُ الشَّيخِ مِمَّا ذَكَرَه أنَّ هذا العاذِرَ الذي جَعَلَ الجَهْلَ مانِعًا في الشِّركِ الأكبَرِ لا نُكَفِّرُه اِبتِداءً (أيْ لا نُكَفِّرُه قَبْلَ أنْ نُحاجَّه ونُكاشِفَه)، فَإنِ اِتَّبَعَ الحَقَّ بَعْدَ تلك المُحاجَّةِ فَكَفَّرَ المُعَيَّنَ مُرتَكِبَ الشِّركِ الأكبَرِ فَلا يَكفُرُ، وإلَّا فَإنَّه يَكفُرُ بَعْدَ تلك المُحاجَّةِ]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: (مَن يَعذُرُ مُرتَكِبَ الشِّركِ)، هذا ما نحن بِصَدَدِ الحَدِيثِ عنه [هنا يُنَبِّهُ الشَّيخُ أنَّ الكَلامَ عن (عاذِرِ مُرتَكِبِ الشِّركِ الأكبَرِ) لا (مُرتَكِبِ الشِّركِ الأكبَرِ نَفْسِه)]، فَلا يَحصُلْ تَداخُلٌ في أذهانِ البَعضِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: مِنَ المَسائلِ التي أُشكِلَتْ على كَثِيرٍ مِنَ الناسِ في فَهمِ هذه القاعِدةِ ما نُقِلَ ورُوِيَ عن أهلِ العِلْمِ، حيث أنَّ ما يُنقَلُ عن أهلِ العِلْمِ في هذه المَسأَلةِ لا يَخلُو مِن حالَين، الحالةُ الأُولَى (أنْ يَكونَ النَّقلُ ظاهِرُه تَكفِيرُ العاذِرِ اِبتِداءً)، الحالةُ الثانِيَةُ (هناك نُقولاتٌ أُخرَى ظاهِرُها عَدَمُ تَكفِيرُ العاذِرِ اِبتِداءً وإنَّما بَعْدَ إقامةِ الحُجَّةِ أو بَعْدَ المُحاجَّةِ والمُكاشَفةِ)، فَحَصَلَ خَلَلٌ عند البَعضِ؛ فَمَثَلًا يَشْهَدُ لِلْأمرِ الأوَّلِ [يَعنِي الحالةَ الأُولَى] ما قالَه سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ {الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ عز وجل، مَنْ قَالَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ فَهُوَ كَافِرٌ}، ظاهِرُ النَّقلِ يُفِيدُ تَكفِيرَه [يَعنِي تَكفِيرَ مَن لم يُكَفِّرْ] اِبتِداءً، وكذلك قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي عَقِيدَتِه لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ مَن قَالَ بِخَلقِ الْقُرْآنِ فَهُوَ جَهمِيٌّ كَافِرٌ، قَالَ [كَما جاءَ في كِتابِ (الجامع لعلوم الإمام أحمد "العقيدة")] {وَمَن لم يُكَفِّرْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فَهُوَ مِثلُهم}، هذا النَّقلُ ظاهِرُه التَّكفِيرُ اِبتِداءً؛ ويَشْهَدُ لِلثَّانِي [يَعنِي الحالةَ الثانِيَةَ] ما قالَه أبو زُرْعَةَ {مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ، وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ مِمَّنْ يَفْهَمُ وَلَا يَجْهَلُ فَهُوَ كَافِرٌ}، هنا ظَهَرَ قَيْدٌ جَدِيدٌ، في النَّقلِ الأوَّلِ [يَعنِي الحالةَ الأُولَى] إطلاقٌ، في النَّقلِ الثانِي [يَعنِي الحالةَ الثانِيَةَ] تَقيِيدٌ؛ على العُمومِ، النُّقولاتُ هنا كَثِيرةٌ حُكِيَتْ عن أهلِ العِلْمِ في هذه المَسأَلةِ، وهي بَيْنَ هَذَين الحالَين، نُقولٌ ظاهِرُها أنَّها تُفِيدُ كُفرَ العاذِرِ اِبتِداءً بِدونِ تَفصِيلٍ وتَقيِيدٍ، وهناك نُقولٌ أُخرَى تُفِيدُ أنَّ العاذِرَ يَكفُرُ بَعْدَ المُحاجَّةِ والمُكاشَفةِ أو بَعْدَ إقامةِ الحُجَّةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: قد يَستَشكِلُ البَعضُ أنَّ هناك نُقولًا تُحكَى وتُنقَلُ عن أهلِ العِلْمِ مَفادُها أو ظاهِرُها يَدُلُّ على أنَّ عاذِرَ مُرتَكِبِ الشِّركِ يَكفُرُ اِبتِداءً، وهناك نُقولٌ أُخرَى ظاهِرُها أنَّه لا يَكفُرُ اِبتِداءً وإنَّما بَعْدَ المُحاجَّةِ والمُكاشَفةِ؛ فالبَعضُ حَمَلَ هذه المَسأَلةَ [دائمًا] على النَّقلِ المُطلَقِ، وبَعضُهم حَمَلَها [دائمًا] على النَّقلِ المُقَيَّدِ، والحَقُّ وَسَطٌ بَيْنَ طَرَفَين، وهناك عِدَّةُ أَجوِبةٍ يُمكِنُ أنْ نُورِدَها تحت هذا الإشكالِ؛ (أ)الجَوابُ الأوَّلُ، أنْ نَحمِلَ ما أطلَقوه في مَواضِعَ على ما قَيَّدوه في مَواضِعَ أُخرَى إعمالًا لِقاعِدةٍ أُصولِيَّةٍ مُتَقَرِّرةٍ عند أهلِ العِلْمِ أنَّ {المُطلَقَ يُحمَلُ على المُقَيَّدِ}، وهذا دارِجٌ عند أهلِ العِلْمِ، فَهُمْ يُجمِلون في مَواضِعَ ويُفَصِّلون في أُخرَى، وقد أشارَ شَيخُ الإسلامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ على أنَّ مِن أبرَزِ أسبابِ الخَطَأِ عند أتباعِ المَذاهِبِ أنَّهم لم يُفَرِّقوا بَيْنَ ما أطلَقَه أئمَتُهم في مَواضِعَ وقَيَّدوهُ في مَواضِعَ أُخرَى، لِذلك أهلُ العِلْمِ يَقولون -هذا بِالنِّسبةِ لِنُصوصِ الشَّرعِ- يَقولون {أنَّهُ إذا اِتَحَدَّ السَّبَبُ والحُكْمُ يُحمَلُ المُطلَقُ على المُقَيَّدُ [قُلْتُ: المُرادُ هنا أنَّه إذا وَرَدَ نَصَّان وكانَ السَّبَبُ فيهما مُتَطابِقًا، وجاءَ الحُكْمُ أيضًا فيهما مُتَطابِقًا بِاستِثناءِ الإطلاقِ والتَّقيِيدِ إِذْ جاءَ (أيِ الحُكْمُ) في أحَدِهما مُطلَقًا وفي الآخَرِ مُقَيَّدًا، فَعِندَئذٍ يُحمَلُ الحُكْمُ المُطلَقُ على الحُكْمِ المُقَيَّدِ]}، ما المُرادُ [أيْ في مَسأَلَتِنا] بِالحُكمِ وما المُرادُ بِالسَّبَبِ؟، السَّبَبُ هو عَدَمُ تَكفِيرِ الكافِرِ، والحُكْمُ هو كُفْرُ العاذِرِ، نَنظُرُ إلى السَّبَبِ والحُكمِ في النُّصوصِ المُطلَقةِ، ونَنظُرُ إلى السَّبَبِ والحُكمِ في النُّصوصِ المُقَيَّدةِ، فَفِي النُّصوصِ المُطلَقةِ نَجِدُ أنَّ السَّبَبَ فيها هُوَ العُذرُ ([أَوْ] عَدَمُ تَكفِيرِ الكافِرِ)، والحُكْمُ فيها هُوَ الحُكْمُ عليه [أيْ على مَن لم يُكَفِّرْ] بِكُفرِه، وفي النُّصوصِ المُقَيَّدةِ [نَجِدُ أنَّ] السَّبَبَ فيها عَدَمُ تَكفِيرِ الكافِرِ، والحُكْمُ فيها الكُفْرُ [أيْ كُفْرُ مَن لم يُكَفِّرْ] ولَكِنْ بَعْدَ إقامةِ الحُجَّةِ، وهذا بِاتِّفاقِ أهلِ العِلْمِ أنَّ المُطلَقَ يُحمَلُ على المُقَيَّدِ إذا اِتَّفَقَ الحُكْمُ والسَّبَبُ، وإذا اِتَّحَدَ الحُكْمُ واختَلَفَ السَّبَبُ يُحمَلُ المُطلَقُ على المُقَيَّدِ على رَأْيِ جَماهِيرِ العُلَماءِ خِلافًا لِأبِي حَنِيفةَ، مِثالُ ذلك [أيْ حالةِ اِتَّحَادِ الحُكْمِ واختِلافِ السَّبَبِ]، في مَسأَلةِ الظِّهارِ، قالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ فيها {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا}، وقالَ عَزَّ وجَلَّ في كَفَّارةِ القَتلِ {[وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً] فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ}، نَنظُرُ إلى آيَةِ الظِّهارِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا}، ما السَّبَبُ هنا؟ الظِّهارُ، ما هو الحُكْمُ؟ تَحرِيرُ رَقَبةٍ، وفي آيَةِ القَتلِ ما هو السَّبَبُ؟ القَتلُ، وما هو الحُكْمُ؟ تَحرِيرُ رَقَبةٍ، هنا السَّبَبُ اِختَلَفَ، والحُكْمُ اِتَّحَدَ [إلَّا أَّنه وَرَدَ مُطلَقًا في القَتلِ الخَطَأِ، ووَرَدَ مُقَيَّدًا في الظِّهارِ]، فَيُحمَلُ المُطلَقُ على المُقَيَّدِ على رَأْيِ جَماهِيرِ العُلَماءِ خِلافًا لِأبِي حَنِيفةَ، لِذلك تَجِدُ أنَّ أبا حَنِيفةَ يُجَوِّزُ إعتاقَ الرَّقَبةِ الغَيرِ مُؤْمِنةِ في الظِّهارِ، بينما جَماهِيرُ العُلَماءِ يَشتَرِطون الإيمانَ بِالإعتاقِ، والأرجَحُ هو رَأْيُ الجُمهورِ، هذا هو الجَوابُ الأوَّلُ؛ (ب)الجَوابُ الثانِي، أنَّ هذا مِن قَبِيلِ إطلاقِ القَولِ في كُفرِ النَّوعِ [أيْ نَحمِلُ ما أطلَقوه على أنَّ المُرادَ منه تَكفِيرُ العاذِرِ التَّكفِيرَ النَّوعِيَّ (وهو التَّكفِيرُ المُطلَقُ)]، وأمَّا كُفْرُ العَينِ فَيُراعَى فيه ثُبوتُ الشُّروطِ وانتِفاءُ المَوانِعِ [قالَ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ في (مَجموعُ الفَتَاوَى): ... كُلَّمَا رَأَوْهُمْ [أيْ كُلَّمَا رَأَوْا الأئمَّةَ] قَالُوا {مَنْ قَالَ كَذَا فَهُوَ كَافِر} اِعْتَقَدَ الْمُسْتَمِعُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ شَامِلٌ لِكُلِّ مَنْ قَالَهُ، وَلَمْ يَتَدَبَّرُوا أَنَّ التَّكْفِيرَ لَهُ شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ قَدْ تَنْتَقِي فِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ، وَأَنَّ تَكْفِيرَ الْمُطْلَقِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَكْفِيرَ الْمُعَيَّنِ إلَّا إذَا وُجِدَتِ الشُّرُوطُ وَانْتَفَتِ الْمَوَانِعُ. انتهى]، هذا جَوابٌ، ويَشهَدُ لِذلك ما قالَه شَيخُ الإسلامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ، حيث قالَ [في (مَجموعُ الفَتَاوَى)] {إنَّ التَّكْفِيرَ الْعَامَّ يَجِبُ الْقَوْلُ بِإِطْلَاقِهِ وَعُمُومِهِ، وَأَمَّا الْحُكْمُ عَلَى الْمُعَيَّنِ بِأَنَّهُ كَافِرٌ أَوْ مَشْهُودٌ لَهُ بِالنَّارِ فَهَذَا الْحُكْمَ يَقِفُ عَلَى ثُبُوتِ شُرُوطِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ}، هذا هو الجَوابُ الثانِي، نَقولُ، أنَّ سَبَبَ الإطلاقِ في هذه المَسأَلةِ -فيما يُحكَى ويُروَى عن أهلِ العِلْمِ- في مَواضِعَ هو مِن قَبِيلِ كُفرِ النَّوعِ، لِأنَّ أهلَ العِلْمِ دائمًا يَقولون {مَن قالَ كَذا فَهُوَ كافِرٌ}، ويُطلِقون القَولَ في ذلك، ولَكِنْ إذا جاءُوا إلى التَّنزِيلِ على المُعَيَّنِ تَجِدُ أنَّهم يُفَصِّلون أكثَرَ وتَجِدُ أنَّ هناك مَزِيدًا مِن تَفصِيلٍ وبَيَانٍ، وقد بَيَّنَ شَيخُ الإسلامِ كَما سَمِعتُم، حيثُ أنَّ الأصلَ أنَّ التَّكفِيرَ العامَّ يَجِبُ القَولُ بِإطلاقِه وعُمومِه، وأمَّا التَّنزِيلُ فَهذه مَسأَلةٌ أُخرَى، لِذلك تَجِدُ أنّهم أطلَقوا [أيِ التَّكفِيرَ] في مَوضِعٍ وقَيَّدوه في مَوضِعٍ، فَتَجِدُ أنَّ الإطلاقَ في مَوضِعِ الإطلاقِ إنَّما هو (تَأصِيلٌ)، والتَّقيِيدُ إنَّما هو (تَنزِيلٌ)؛ (ت)الجَوابُ الثالِثُ، أنْ نَحمِلَ ما أطلَقوهُ على ظُهورِ الدَّلِيلِ ووُضوحِ الحالِ لَدَى الخاصَّةِ والعامَّةِ [أيْ ظُهورِ الدَلِيلِ الشَّرعِيِّ على كُفرِ المُعَيَّنِ لَدَى الخاصَّةِ والعامَّةِ، وأيضًا وُضوحِ حالِ المُعَيَّنِ وذلك بِاشتِهاره لَدَى الخاصَّةِ والعامَّةِ بِارتِكابِ الكُفرِ. وقد قالَ الشيخُ أحمدُ الحازمي في (شرح تحفة الطالب والجليس): المَسائلُ الخَفِيَّةُ التي هي كُفْرِيَّاتٌ، لا بُدَّ مِن إقامةِ الحُجَّةِ، صَحِيحٌ أو لا؟، لا يُحْكَمُ[أَيْ بِالكُفْرِ]على فاعِلِها، لَكِنْ هَلْ تَبْقَى خَفِيَّةً في كُلِّ زَمانٍ؟، أو في كُلِّ بَلَدٍ؟، لا، تَختَلِفُ، قد تَكونُ خَفِيَّةً في زَمَنٍ، وتَكونُ ظاهِرةً -بَلْ مِن أَظْهَرِ الظاهِرِ- في زَمَنٍ آخَرَ، يَخْتَلِفُ الحُكْمُ؟، يَخْتَلِفُ الحُكْمُ؛ إذَنْ، كانَتْ خَفِيَّةً ولا بُدَّ مِن إقامةِ الحُجَّةِ، وحِينَئذٍ إذا صارَتْ ظاهِرةً أو واضِحةً بَيِّنةً، حِينَئذٍ مَن تَلَبَّسَ بِها لا يُقالُ لا بُدَّ مِن إقامةِ الحُجَّةِ،كَوْنُها خَفِيَّةً في زَمَنٍ لا يَسْتَلزِمُ ماذا؟ أنْ تَبْقَى خَفِيَّةً إلى آخِرِ الزَّمانِ، إلى آخِرِ الدَّهرِ، واضِحٌ هذا؟؛ كذلك المَسائلُ الظاهِرةُ قد تَكونُ ظاهِرةً في زَمَنٍ دُونَ زَمَنٍ، فَيُنْظَرُ فيها بِهذا الاعتِبارِ؛ إذَنْ، ما ذُكِرَ مِن بِدَعٍ مُكَفِّرةٍ في الزَّمَنِ الأَوَّلِ ولم يُكَفِّرْهُمُ السَّلَفُ،لا يَلْزَمُ مِن ذلك أنْ لا يُكَفَّروا بَعْدَ ذلك، لِأنَّ الحُكْمَ هنا مُعَلَّقٌ بِماذا؟ بِكَونِها ظاهِرةً[أو] لَيسَتْ بِظاهِرةٍ،[فإذا كانَتْ غَيْرَ ظاهِرةٍ، فَنَسْأَلُ]هلْ قامَتِ الحُجَّةُ أو لم تَقُمِ الحُجَّةُ، ليس[الحُكْمُ مُعَلَّقًا]بِذَاتِ البِدعةِ،البِدعةُ المُكَفِّرةُ لِذاتِها هي مُكَفِّرةٌ كَاسْمِها، هذا الأَصْلُ، لَكِنِ اِمتَنَعَ تَنزِيلُ الحُكْمِ لِمانِعٍ، هذا المانِعُ لا يَسْتَلزِمُ أنْ يَكُونَ مُطَّرِدًا في كُلِّ زَمَنٍ، بَلْ قد يَخْتلِفُ مِن زَمَنٍ إلى زَمَنٍ[قُلْتُ: تَنَبَّهْ إلى أنَّ الشيخَ الحازمي تَكَلَّمَ هنا عنِ الكُفْرِيَّاتِ (الظاهِرةِ والخَفِيَّةِ) التي ليستْ ضِمْنَ مَسائلِ الشِّرْكِ الأكْبَرِ]. انتهى]، بحيث يُقال {إنَّ الحُجَّةَ قد بَلَغَتْ وظَهَرَتْ ظُهورًا ليس بَعْدَه إلَّا المُكابَرةُ أو العِنادُ}، نَقولُ، إنَّ ما نُقِلَ عن أهلِ العِلْمِ، وظاهِرُ هذا النَّقلِ يُفِيدُ تَكفِيرَ العاذِرِ اِبتِداءً، فَهو مَحمولٌ على ظُهورِ الدَّلِيلِ [أيْ على كُفرِ المُعَيَّنِ] وظُهورِ كذلك الحالِ، وما قَيَّدوا فيه كُفرَ العاذِرِ بِإقامةِ الحُجَّةِ وبَيَانِ المَحَجَّةِ [الْمَحَجَّةُ هي جَادَّةُ الطَّرِيقِ (أَيْ وَسَطُهَا)، والمُرادُ بها الطَّرِيقُ المُستَقِيمُ]، هذا يكونُ في حالةِ عَدَمِ ظُهورِ الدَّلِيلِ أو عَدَمِ وُضوحِ الحالِ [وهناك مِثالٌ على ظُهورِ الدَّلِيلِ مع عَدَمِ وُضوحِ الحالِ ذَكَرَه الشيخُ أحمدُ الخالدي في (الإيضاحُ والتَّبيِينُ في حُكمِ مَن شَكَّ أو تَوَقَّفَ في كُفرِ بَعضِ الطَّواغِيتِ والمُرتَدِّين، بِتَقدِيمِ الشيخِ عَلِيِّ بْنِ خضير الخضير) حيث قالَ الشَّيخُ: ... مَن لا يَعرِفُ حَقِيقةَ حالِهم (أيْ يَجهَلُ حالَ هؤلاء الطَّواغِيتِ وما وَقَعوا فيه مِنَ الكُفرِ)، ولَكِنَّه لا يَجهَلُ حُكمَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ في أمثالِهم، فَهذا سَلِيمُ الاعتِقادِ ولا شَيْءَ عليه، وهذا هو الجَهلُ البَسيِطُ، ومِثالُه، فُلانٌ يَعتَقِدُ أنَّ كُلَّ مُدَّعٍ لِلْغَيبِ كافِرٌ، ولَكِنْ لا يَعرِفُ فُلانًا مُدَّعٍ لِلْغَيبِ بِعَينِه ولم يَطَّلِعْ على حَقِيقةِ أَمْرِه، فَلا يَضُرُّه ذلك ولا يَقدَحُ في إيمانِه. انتهى]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: مُرتَكِبُ الشِّركِ المُنتَسِبِ لِلْإسلامِ كافِرٌ مُرتَدٌّ جاهِلًا كانَ أو مُتَأَوِّلًا. انتهى باختصار.

(4)وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (الرِّسالةُ الثَّلاثِينِيَّةُ): ... ومِن أمثِلةِ هذا البابِ في واقِعِ اليَومِ بَيْنَ بَعضِ الشَّبابِ، زَعْمُ بَعضِهم أنَّ {عَدَمَ تَكِفيرِ المُشرِكِين أو الطَّواغِيتِ وأنصارِهم، يَلْزَمُ منه مُوالاتُهم وعَدَمُ البَراءةِ مِنهم، ومِن ثَمَّ فَكُلُّ مَن لم يُكَفِّرْهم فَهو كافِرٌ لِقَولِه تَعالَى (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)، إذْ عَدَمُ تَكفِيرِهم وعَدُّهم مِنَ المُسلِمِين يَجْعَلُ لَهم نَصِيبًا مِنَ المُوالاةِ الإيمانِيَّةِ ولا يُخرِجُهم مِن دائرَتِها لِأنَّ المُسلِمَ لا تَجُوزُ البَراءةُ الكُلِّيَّةُ منه}، وهذا أحَدُ تَخرِيجاتِهم لِقاعِدةِ (مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ فَهو كافِرٌ)، وبَعضُهم يُوَجِّهُ ذلك تَوجِيهًا آخَرَ فَيَقولُ {مادامَ الكُفْرُ بِالطاغوتِ شَطْرَ التَّوحِيدِ وشَرْطِه، فَمَن لم يُكَفِّرِ الطَّواغِيتِ لم يَكفُرْ بِالطاغوتِ، ومِن ثَمَّ فَهو لم يُحَقِّقِ التَّوحِيدَ الذي هو حَقُّ اللهِ على العَبِيدِ، والذي جَعَلَه اللهُ تَعالَى الْعُرْوَةَ الْوُثْقَى وعَلَّقَ سُبحانَه النَّجاةَ بِها حيث قالَ (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا)، فَمَن لم يَكفُرْ بِالطاغوتِ ويَبْرَأْ مِنه لم يُحَقِّقِ التَّوحِيدَ ولم يَستَمسِكْ بِعُرْوَةِ النَّجاةِ الْوُثْقَى، ومِن ثَمَّ فَهو مِنَ الهالِكِين}، والتَّوجِيهان في حَقِيقَتِهما يَرجِعان إلى شَيءٍ واحِدٍ، وهو إلزامُ المُخالِفِ بِعَدَمِ البَراءةِ مِنَ الطاغوتِ وبِمُوالاتِه مادامَ عنده [أيِ الطاغوتُ] مُسلِمًا، وبِالطَّبعِ فَتَكفِيرُهم بِهذا اللازِمِ جَعَلَهم يُخرِجون مِنَ الإسلامِ خَواصَّهم مِنَ المُجاهِدِين والدُّعاةِ وطَلَبةِ العِلْمِ والعُلَماءِ، بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَكفِيرِهم [أيْ عَدَمِ تَكفِيرِ الخَواصِّ المَذكورِين] لِبَعضِ المَشايِخ الذِين لَهم اِتِّصالٌ بِالحُكوماتِ، وذلك تَبَعًا لِتَوسِيعِهم [أيْ لِتَوسِيعِ الشَّبابِ المَذكورِين] لِمُصطَلَحِ الطاغوتِ الواجِبِ الكُفْرُ به كَشَرطٍ لِتَحقِيقِ التَّوحِيدِ، فالشَّيخُ الفُلَانِيُّ أوِ الْعِلَّانِيُّ المُتَّصِلُ بِالحُكومةِ الطاغوتِيَّةِ ولا يُكَفِّرُها، قد صَنَّفوه مِنَ الأحبارِ والرُهبانِ فَهو إذَنْ طاغوتٌ، ومِن ثَمَّ فَمَن لم يُكَفِّرْه لم يَكفُرْ بِالطاغوتِ ولم يُحَقِّقِ التَّوحِيدَ، وذلك اِستِدلالًا بِقَولِه تَعالَى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ}، والصَّحِيحِ أنَّ الأحبارَ والرُّهبانَ والعُلَماءَ شَأْنُهم شَأْنُ النُّوابِ المُشَّرِعِين والأُمَراءِ والرُّؤَساءِ والمُلُوكِ، لا يُعتَبَرون أربابًا لِكُلِّ مَن لم يُكَفِّرْهم، وإنَّما يَصِيرون أربابًا وطَواغِيتَ مُعبودِين لِمَن تابَعَهم على كُفرِهم وأطاعَهم في تَشرِيعاتِهم، وهذا هو اِتِّخاذُهم أربابًا وعِبادَتُهم كَطَواغِيتَ، كَما جاءَ مُفَسَّرًا في حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ {أَلَيْسَ يُحَرِّمُون ما أَحَلَّ اللهُ فَتُحَرِّمُونه، ويُحِلُّون ما حَرَّمَ اللهُ فَتُحِلُّونه؟}، ولِذلك ذَكَرَه [أيْ ذَكَرَ حَدِيثَ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ] الشَّيخُ محمدُ بنُ عبدالوهاب في كِتابِ التَّوحِيدِ في بابِ (مَن أطاعَ العُلَماءَ والأُمَراءَ في تَحرِيمِ ما أحَلَّ اللهُ أو تَحلِيلِ ما حَرَّمَ اللهُ فَقَدِ اِتَّخَذَهم أربابًا مِن دُونِ اللهِ)، فَلا يَكونُ اِتِّخاذُهم أربابًا وطَواغِيتَ مَعبودِين بِمُجَرَّدِ عَدَمِ تَكفِيرِهم دُونَ اِقتِرافِ ذلك [أيِ اِقتِرافِ طاعَتِهم ومُتابَعَتِهم] أوِ التِزامِه [أيِ الإقرارِ بِأَنَّ عَدَمَ تَكفِيرِهم يَلْزَمُ مِنه طاعَتُهم ومُتابَعَتُهم]، وذلك إذا كانَ عَدَمُ تَكفِيرِهم لِشُبهةِ قِيَامِ مانِعٍ مِن مَوانِعِ التَّكفِيرِ، أو جَهلِ نَصٍّ أو عَدَمِ بُلُوغِه، أو خَفاءِ دَلالةِ النُّصوصِ أو تَعارُضِها في أذهانِ الضُّعفاءِ في العِلْمِ الشَّرعِيِّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: بَلْ إنَّ بَعْضَ الناسِ يَرَى جَوازَ قِتالِ الحُكَّامِ والخُروجِ عليهم ومُنازَعَتِهم مع كَونِه لا يُكَفِّرُهم، فَكَيْفَ يُمكِنُ إلزامُ أمثالِ هؤلاء بِتَوَلِّي الحُكَّامِ [سَبَقَ بَيَانُ أنَّ المُوَالَاةَ قِسْمَانِ؛ (أ)قِسْمٌ يُسَمَّى التَّوَلِّيَ، وأَحْيَانًا يُسَمَّى المُوَالَاةَ الكُبْرَى أو العُظْمَى أو العامَّةَ أو المُطْلَقةَ؛ (ب)مُوالَاةٌ صُغْرَى (أَوْ مُقَيَّدةٌ)؛ وأنَّ المُوَالَاةَ الكُبْرَى كُفْرٌ أكبَرُ؛ وأنَّ المُوَالَاةَ الصُّغرَى هي صُغْرَى بِاعتِبارِ الأُولَى التي هي المُوَالَاةُ الكُبْرَى، وإلَّا فَهي في نَفْسِها أَكْبَرُ الكَبائرِ] كَلازِمٍ مِن لَوازِمِ عَدَمِ تَكفِيرِهم؟، ومِن الأمثِلَةِ العَمَلِيَّةِ الصارِخةِ على هذا، (جُهَيْمانُ) رَحِمَه اللهُ ومَن كانوا معه، فَقَدْ خالَطْتُ جَماعَتَه مُدَّةً، وقَرَأْتُ كُتُبَهم كُلَّها، وعِشْتُ معهم وعَرَفْتُهم عن قُربٍ، فَـ (جُهَيْمانُ) رَحِمَه اللهُ لم يَكُنْ يُكَفِّرْ حُكَّامَ اليَومِ لِقِلَّةِ بَصِيرَتِه في واقِعِ قَوانِينِهم وكُفرِيَّاتِهم، وكذلك كانَ أَمْرُ الحُكَّامِ السُّعودِيِّين عنده، وقد صَرَّحَ بِذلك في كِتاباتِه، ولَكِنَّه كانَ بِالفِعْلِ سَخْطَةً عليهم وغُصَّةً في حُلُوقِهم وأشَدَّ عليهم مِن كَثِيرٍ مِمَّن يُكَفِّرونهم، فَكانَ يَطْعَنُ في بَيْعَتِهم ويُبطِلُها، ولا يَسكُتُ عن شَيءٍ مِن مُنكَراتِهم التي يَعرِفُها، حتى خَرَجَ في آخِرِ أَمْرِه عليهم وقاتَلَهم هو ومَن كانوا معه في عامِ 1400هـ، والذي أُرِيدُ قَولَه هنا، أنَّ الرَّجُلَ مع أنَّه لم يَكُنْ يُكَفِّرُهم، فَهو لم يَكُنْ يُوالِيهم أو يُحِبُّهم، بَلْ كانَ يُعادِيهم ويُبغِضُهم ويُنازِعُهم ويَطعَنُ في بَيْعَتِهم، ويَعتَزِلُ هو وجَماعَتُه وظائفَهم الحُكومِيَّةَ كُلَّها، كَما اِعتَزَلوا مَدارِسَهم وجامِعاتِهم، ثم قاتَلوهم في آخِرِ الأَمْرِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: وأيضًا فَمَعلومٌ أنَّ التَّوَلِّيَ المُكَفِّرَ هو نُصْرةُ الكُفَّارِ على المُوَحِّدِين، أو نُصْرةُ الكُفرِ نَفسِه، سَواءً بِاللسانِ أو السِّنَانِ، أيْ بِأَنْ يُظهِرَه المَرءُ كَسَبَبٍ مِن أسبابِ الكُفرِ القَولِيَّةِ أو العَمَلِيَّةِ الظاهِرةِ، فَهذا هو الذي يُمكِنُ التَّكفِيرُ به في أحكامِ الدُّنيَا، أمَّا ما بَطَنَ وخَفِيَ مِن ذلك كَدَعْوَى أنَّ مَن لا يُكَفِّرُهم لا بُدَّ وأنَّه يَتَوَلَّاهم، وإنْ لم يَظْهَرْ مِنه شَيءٌ بِلِسانِه أو فِعالِه، فَهذا لا أَثَرَ له في أحكامِ الدُّنيَا، ولا يَصلُحُ التَّكفِيرُ به. انتهى باختصار.

(5)وقالَ المَكتَبُ العِلْمِيُّ في هَيئَةِ الشامِ الإسلامِيَّةِ في فَتْوَى بِعُنوانِ (هَلْ مَقولةُ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ فَهو كافِرٌ" صَحِيحةٌ؟) على مَوقِعِ الهَيئَةِ في هذا الرابط (https://islamicsham.org/print/1904): قاعِدةُ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ فَهو كافِرٌ} هي قاعِدةٌ صَحِيحةٌ في أصلِها تَتَعَلَّقُ بِرَدِّ النُّصوصِ الشَّرعِيَّةِ وتَكذِيبِها... ثم قالَ -أيِ المَكتَبُ العِلْمِيُّ-: قاعِدةُ {مَن لم يُكَفِّرِ الكُفَّارَ أو شَكَّ في كُفرِهم أو صَحَّحَ مَذهَبَهم فَهو كافِرٌ} قاعِدةٌ صَحِيحةٌ، أجمَعَ عليها عُلَماءُ المُسلِمِين قَدِيمًا وحَدِيثًا، لِأنَّ مَن لم يُكَفِّرِ الكُفَّارَ المَقطوعَ بِكُفرِهم بِنَصِّ القُرآنِ والإجماعِ فهو مُكَذِّبٌ لِلْقُرآنِ والسُّنَّةِ؛ قالَ القَاضِي عِيَاضٌ [ت544هـ] في كِتابِه (الشِّفَا) {وَلِهَذَا نُكَفِّرُ مَن لم يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمِلَلِ، أَوْ وَقَفَ فِيهِمْ أَوْ شَكَّ، أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ، وَإِنْ أَظْهَرَ مَعَ ذَلِكَ الإسْلَامَ وَاعْتَقَدَهُ وَاعْتَقَدَ إِبْطَالَ كُلِّ مَذْهَبٍ سِوَاهُ فَهُوَ كَافِرٌ بِإِظْهَارِهِ مَا أَظْهَرَ مِنْ خِلَافِ ذَلِكَ}، ثم بَيَّنَ [أيِ القاضِي عِيَاضٌ] السَّبَبَ بِقَولِه {لِقِيَامِ النَّصِّ والإجْمَاعِ عَلَى كُفْرِهِمْ، فَمَنْ وَقَفَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ كَذَّبَ النَّصَّ}، وقالَ البُهُوتِيُّ [ت1051هـ] في (كَشَّافُ الْقِنَاعِ) {فهُوَ كَافِرٌ، لِأنَّهُ مُكَذِّبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، فَهِيَ مِن قَواعِدِ التَّكفِيرِ المُتَعَلِّقةِ بِرَدِّ النُّصوصِ الشَّرعِيَّةِ وتَكذِيبِها، لِذا لا تُطَبَّقُ هذه القاعِدةُ إلَّا إنْ كانَ الخَبَرُ الوارِدُ في التَّكفِيرِ صَحِيحًا مُتَّفَقًا عليه، وبِالتَّالِي يَكونُ مَن تَرَكَ تَكفِيرَ مُرتَكِبِها رادًّا لِهذه الأخبارِ مُكَذِّبًا لَها... ثم قالَ -أيِ المَكتَبُ العِلْمِيُّ-: هذه القاعِدةُ تَشمَلُ ثَلاثةَ أُمورٍ؛ الأوَّلُ، وُجوبُ القَطعِ بِكُفرِ كُلِّ مَن دانَ بِغَيرِ دِينِ الإسلامِ مِنَ اليَهودِ والنَّصارَى والوَثَنِيِّين وغَيرِهم على اِختِلافِ مِلَلِهم وشَرائعِهم، إذْ إنَّ كُفرَ هؤلاء ثابِتٌ بِنُصوصٍ عامَّةٍ وخاصَّةٍ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، فَمَن لم يُكَفِّرْ هؤلاء أو شَكَّ في كُفرِهم أو صَحَّحَ دِينَهم وعَقائدَهم فَقَدْ كَذَّبَ اللهُ تَعالَى ورَسولَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورَدَّ حُكمَهما؛ الأمْرُ الثانِي الذي تَشمَلُه القاعِدةُ، وُجوبُ القَطعِ بِكُفرِ طَوائفِ ومَذاهِبِ الرِّدَّةِ المُجمَعِ على كُفرِهم ورِدَّتِهم، كالباطِنِيَّةِ مِنَ القَرَامِطَةِ والإسْمَاعِيلِيَّةِ وَالنُّصَيْرِيَّةِ والدُّرُوزِ، وَالْبَابِيَّةِ وَالْبَهَائِيَّةِ وَالْقَادَيَانِيَّةِ، فَقَدْ حَكَمَ أهلُ العِلْمِ على هذه الطَّوائفِ بِالكُفرِ والرِّدَّةِ لاعتِقاداتِهم المُنافِيَةِ لأُصولِ الإسلامِ مِن كُلِّ وَجهٍ، فَمَن لم يُكَفِّرْ هؤلاء أو شَكَّ في كُفرِهم بَعْدَ العِلْمِ بِحَقِيقةِ حالِهم، فَقَدْ صَحَّحَ مَذهَبَهم وعَقائدَهم الكُفرِيَّةَ، وطَعَنَ في دِينِ الإسلامِ، فَيَكونُ كافِرًا مِثلَهم، قالَ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ في ([مَجموعُ] الفَتَاوَى) عنِ الدُّرُوزِ {كُفْرُ هَؤُلَاءِ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمُسْلِمُون، بَلْ مَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ فَهُوَ كَافِرٌ مِثْلُهُمْ}؛ الأَمْرُ الثالِثُ الذي تَشمَلُه القاعِدةُ، مَنِ اِرتَكَبَ ناقِضًا مِن نَواقِضِ الإسلامِ المُجمَعِ عليها بَيْنَ العُلَماءِ، كالاستِهزاءِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو سَبِّهِ، أو جَحْدِ ما هو مَعلومٌ بِالضَّرورةِ مِن دِينِ الإسلامِ، فَمَن لم يُكَفِّرْ مَنِ اِرتَكَبَ هذا النَّوعَ مِنَ النَّواقِضِ، لِإنكارِه [أيْ لِإنكارِ مَن لم يُكَفِّرْ] أنْ يَكونَ ما قالَه [أيْ مُرتَكِبُ الكُفْرِ] أو فَعَلَه كُفْرًا، فَهو كافِرٌ مِثلُه... ثم قالَ -أيِ المَكتَبُ العِلْمِيُّ-: قاعِدةُ (مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ فَهو كافِرٌ) لا تَشْمَلُ؛ (أ)ما اختَلَفَ العُلَماءُ في عَدِّه مِنَ المُكَفِّراتِ، كاختِلافِهم في تارِكِ الصَّلاةِ تَكاسُلًا، فَمِنهم مَن عَدَّه كُفرًا مُخرِجًا مِنَ المِلَّةِ، ومِنهم مَن لم يُوصِلُه إلى ذلك، فَلا يُقالُ فِيمَن لم يُكَفِّرْ تارِكَ الصَّلاةِ كَسَلًا {إنَّه كاِفرٌ}؛ (ب)مَنِ اِمتَنَعَ مِن تَكفِيرِ مُسلِمٍ مُعَيَّنٍ اِرتَكَبَ ناقِضًا مِن نَواقِضِ الإسلامِ، فَمِثلُ هذا لا يُحكَمُ بِكُفرِه، لِأنَّ تَنزِيلَ حُكمِ الكُفرِ على شَخصٍ بِعَينِه قد يَكونُ التَّوَقُّفُ فيه لِوُجودِ مانِعٍ أو عَدَمِ تَوَفُّرِ شَرطٍ. انتهى باختصار.


(تابع ما بعده)

أبو ذر التوحيدي
06-04-2023, 11:04 PM
(تابع ما قبله)


(6)وقالَ الشيخُ صالحٌ آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (إتحافُ السائلِ بِما في الطَّحَاوِيَّةِ مِن مَسائلَ): مِن أُصولِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ في بابِ الإيمانِ والتَّكفِيرِ أَنَّهُم فَرَّقُوا بَيْنَ التَّكفِيرِ المُطلَقِ وتَكفِيرِ المُعَيَّنِ [قُلْتُ: وهذه التَّفرِقةُ في حَقِّ المُنتَسِبِين لِلْإسلامِ، لا في حَقِّ الكُفَّارِ الأصلِيِّين]، أو ما بَيْنَ تَكفِيرِ المُطلَقِ مِنَ الناسِ دُونَ تَحدِيدٍ وتَكفِيرِ المُعَيَّن؛ فَأهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ أصْلُهُمْ أنَّهم يُكَفِّرُونَ مَن كَفَّرَهُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ وكَفَّرَهُ رَسولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [أيْ بِأعيَانِهم] مِنَ الطَّوائفِ أو مِنَ الأفرادِ، فَيُكَفِّرُونَ اليَهودَ ويُكَفِّرُونَ النّصارَى ويُكَفِّرُونَ المَجوسَ ويُكَفِّرُونَ أهلَ الأوثانِ، مِنَ الكُفَّارِ الأصلِيِّين، لِأنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ شَهِدَ بِكُفرِهم، فَنَقولُ {اليَهودُ كُفَّارٌ، والنَّصارَى كُفَّارٌ، وأهلُ الشِّركِ كُفَّارٌ (يَعنِي أهلَ الأوثانِ، عُبَّادَ الكَواكِبِ، عُبَّادَ النارِ... إلى آخِرِه)} هؤلاء كُفَّارٌ أصلِيُّون نَزَلَ القُرآنُ بِتَكفِيرِهم؛ كذلك نَقولُ بِإطلاقِ القَولِ في تَكفِيرِ مَن حَكَمَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ بِكُفرِه في القُرآنِ [أيْ مِنَ المُنتَسِبِين لِلْإسلامِ] مِمَّن أنْكَرَ شَيْئًا في القُرآنِ، فَنَقولُ {مَن أنَكَرَ آيَةً مِنَ القُرآنِ أو حَرْفًا فَإنَّه يَكْفُرُ}، نَقولُ {مَنِ اِسْتَحَلَّ الرِّبا المُجْمَعَ على تَحرِيمِه فَإنَّه يَكفُرُ، مَنِ اِسْتَحَلَّ الخَمْرَ فَإنَّه يَكْفُرُ، مَن بَدَّلَ شَرْعَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ فَإنَّه يَكْفُرُ}، وهكذا، فَيُطلِقون [أيْ أهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ] القاعِدةَ؛ وأمَّا إذا جاءَ التَّشخِيصُ على مُعَيِّنٍ [أيْ مِنَ المُنتَسِبِين لِلْإسلامِ] فَإنَّهم يَعتَبِرون هذا مِن بابِ الحُكمِ على المُعَيَّنِ [المُنتَسِبِ لِلْإسلامِ]؛ فالأوَّلُ وهو التَّكفِيرُ المُطلَقُ (أو تَكفِيرُ المُطلَقِ دُونَ تَحدِيدٍ) هذا مِمَّا يَلْزَمُ المُؤمِنَ أنْ يَتَعَلَّمَه لِيُسَلِّمَ لِأمرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وأمرِ رَسولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويَعتَقِدَ ما أمَرَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ به وما أخبَرَ به، فَإنَّ تَكفِيرَ مَن كَفَّرَهُ اللهُ -عَزَّ وجَلَّ- بِالنَّوعِ واجِبٌ، والامتِناعُ عن ذلك مِنَ الامتِناعِ عن شَرعِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ؛ وأمَّا المُعَيَّنُ [المُنتَسِبُ لِلْإسلامِ] فإنَّهم لا يُكَفِّرُونَه إلَّا إذا اِجتَمَعَتِ الشُّروطُ وانتَفَتِ المَوانِعُ؛ فإذَنْ مِن أُصولِهم [أيْ أُصولِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ] التَّفرِيقُ بَيْنَ الحُكْمِ على المُعَيَّنِ والقَولِ المُطلَقِ [وذلك في حَقِّ المُنتَسِبِين لِلْإسلامِ]، وهذا الأصلُ دَلَّتْ عليه أدِلَّةٌ مِن فِعْلِ أئمَّةِ السَّلَفِ ومِن أقوالِهم، كَما يَقولُ شَيخُ الإسلامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ أنَّ إطلاقَ الكُفرِ غَيرُ تَعيِينِ الكافِرِ، ووَجْهُ ذلك أنَّ التَّعيِين [أيْ في حَقِّ المُنتَسِبِين لِلْإسلامِ] يَحتاجُ إلى أُمورٍ، لِأنَّه إخراجٌ مِنَ الدِّينِ، والإخراجُ له شُروطُه وله مَوانِعُه. انتهى باختصار.

(7)وقالَ الشَّيخُ أبو بكر القحطاني في (مُناظَرةٌ حَوْلَ العُذرِ بِالجَهلِ): هناك مَناطاتٌ مُحتَمَلةٌ لِهذا الحُكمِ [يَعنِي حُكمَ البَعضِ بِأنَّ (مَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكَ الجاهِلَ المُنتَسِبَ لِلإسلامِ فَهو كافِرٌ)]، مِنهم مَن يَقولُ {مَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكَ فَهو كافِرٌ}، لِماذا؟، قالَ {لِأنَّه لم يَكفُرْ بِالطاغوتِ، ومَن لم يَكفُرْ بِالطاغوتِ لم يَصِحَّ إسلامًه، لِأنَّه شَرطٌ في صِحَّةِ الإسلامِ}، هذا مَناطٌ مُحتَمَلٌ؛ [وَ]بَعضُهم يَأتِي بِمَناطٍ آخَرَ، يَقولُ {لِأنَّ الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكَ لم يَفهَمِ التَّوحِيدَ، [وَ]جاهِلُ التَّوحِيدِ لم يَدخُلْ في الإسلامِ ولم يَعرِفِ الدِّينَ، فَكَيْفَ يَدخُلُ فيه!}؛ [وَهناك] مَناطٌ ثالِثٌ مُحتَمَلٌ يَقولُ {الذي يَقولُ (أنَّ هذا مُسلِمٌ)، هو يُسَمِّي المُشرِكَ مُسلِمًا، فَفِي هذا تَغيِيرٌ لِلأوضاعِ الشَّرعِيَّةِ، اللهُ سَمَّى هذا مُشرِكًا، أنتَ تُسَمِّيه مُسلِمًا، فَهذا كُفْرٌ}، هذا مَناطٌ ثالِثٌ مُحتَمَلٌ، كُلُّها مَناطاتٌ مُحتَمَلةٌ، يَعنِي تَحتَمِلُ أنْ تَكونَ دَلِيلًا لِهذا الحُكمِ؛ [وَهناك] مَناطٌ رابِعٌ يَقولُ {إنَّ الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكَ هو كافِرٌ لِأنَّه يَرُدُّ حُكمَ اللهِ، اللهُ حَكَمَ بِكُفرِ المُشرِكِ، وهو يَعرِفُ حُكمَ اللهِ ثم يَرُدُّه}، هذا مَناطٌ رابِعٌ مُحتَمَلٌ؛ طَيِّبٌ، أيُّ هذه المَناطاتِ أصَحُّ؟، هذا الذي يَجِبُ علينا شَرعًا تَحقِيقُه، بِطَرِيقةِ ماذا؟ السَّبْرِ والتَّقسِيمِ، أهلُ العِلْمِ يَقولون ما هو السَّبْرُ والتَّقسِيمُ؟، قالوا {هو حَصرُ العِلَلِ واختِبارُها}، التَّقسِيمُ هو أنْ تُجمَعَ وتُحصَرَ الأوصافُ والعِلَلُ المُناسِبةُ، ثم سَبْرُها، فاستِعمالُ الصالِحِ مِنها وإلغاءُ الغَيرِ صالِحٍ [قالَ الشيخُ عبدُالله الجديعُ (رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث) في (تيسير علم أصول الفقه): السَّبْرُ هو الاختِبارُ، والتَّقسِيمُ [هو] حَصْرُ الأوصافِ المُحتَمَلَةِ الَّتي يَظُنُّها المُجتَهِدُ صالِحةً لِأنْ تَكونَ عِلَّةً لِلْحُكمِ. انتهى. وقالَ نجم الدين الطوفي الحنبلي في (شرح مختصر الروضة): قَالَ الْقَرَافِيُّ {والأصْلُ أَنْ يُقَالَ {التَّقْسِيمُ وَالسَّبْرُ}، لِأنَّا نُقَسِّمُ أَوَّلًا، فَنَقُولُ {الْعِلَّةُ إِمَّا كَذَا، أَوْ كَذَا}، ثُمَّ نَسْبُرُ (أَيْ نَخْتَبِرُ تِلْكَ الأوْصَافَ أَيُّهَا يَصْلُحُ عِلَّةً)، لَكِنْ لَمَّا كَانَ التَّقْسِيمُ وَسِيلَةَ السَّبْرِ الَّذِي هُوَ الاخْتِبَارُ أُخِّرَ عَنْهُ تَأْخِيرَ الْوَسَائِلِ، وَقُدِّمَ السَّبْرُ تَقْدِيمَ الْمَقَاصِدِ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي تَقْدِيمِ الأهَمِّ فَالأهَمِّ}. انتهى]، طَيِّبٌ، نَبْدَأُ بِهذا واحِدةً واحِدةً... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: أوَّلًا، مَسأَلةُ (أنَّ الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكَ هو كافِرٌ لِأنَّه لم يَكفُرْ بِالطاغوتِ)، هَلْ يَصلُحُ أنْ يَكونَ هذا دَلِيلًا؟، نَقولُ، ما صِفةُ الكُفرِ بِالطاغوتِ التي لا يَصِحُّ الكُفْرُ بِالطاغوتِ إلَّا بِها؟ يَعنِي (مَتَى يُقالُ أنَّ فُلانًا كَفَرَ بِالطاغوتِ كُفْرًا صَحَّ به إسلامُه)، فَلا بُدَّ مِن تَحدِيدِ هذا المَفهومِ لِأنَّه اِسمٌ شَرعِيٌّ، فالكُفْرُ بِالطاغوتِ اِسمٌ شَرعِيٌّ له حَدَّه، ما هو حَدَّه؟، اللهُ يَقولُ {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}، إذَنْ ما هو اِجتِنابُ الطاغوتِ؟، عامَّةُ الإخوةِ يَقولون {قالَ الشَّيخُ محمدُ بنُ عبدالوهاب (وأمَّا صِفةُ الكُفرِ بِالطاغوتِ، اِعتِقادُ بُطلانِ عِبادةِ غَيرِ اللهِ والبَراءةِ مِنها وتَكفِيرِ أهلِها ومُعاداتِهم)}، طَيِّبٌ، ما دَلِيلُ هذا [أيْ (ما دَلِيلُ صِحَّةِ هذا التَّعرِيفِ)]؟ وما هو الواجِبُ مِنه [الشَّيخُ يُشِيرُ هنا إلى أنَّ هذا التَّعرِيفَ دَخَلَه مِنَ الواجِباتِ مِمَّا هو ليس مِن أصلِ الكُفرِ بِالطاغوتِ (أيْ مِمَّا هو خارِجٌ عنِ المَعْنَى الْمُطَابِقِيِّ لِلْكُفرِ بِالطاغوتِ)]؟ وما هو الشَّرطُ الذي لا يَصِحُّ إلَّا به [الشَّيخُ يَتَساءَلُ هنا عَمَّا يُمَثِّلُ أصلَ الكُفرِ بِالطاغوتِ (أيْ عَمَّا يُمَثِّلُ المَعْنَى الْمُطَابِقِيَّ لِلْكُفرِ بِالطاغوتِ) في هذا التَّعرِيفِ]؟... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: طَيِّبٌ، هذا الاسمُ الشَّرعِيُّ ما تَفسِيرُه في القُرآنِ؟، اِجتِنابُ الطاغوتِ (الكُفْرُ بِالطاغوتِ) ما تَفسِيرُه في القُرآنِ؟، اللهُ ذَكَرَ صِفةَ (الكُفرِ بِالطاغوتِ) في سُورَةِ الزُّمَرِ، اللهُ تَبارَكَ وتَعالَى قالَ {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ}، فَجاءَ التَّفسِيرُ القُرآنِيُّ بَعْدَها مُباشَرةً {أَن يَعْبُدُوهَا}، الذِين اِجتَنَبوا الطاغوتَ، كَيْفَ اِجتَنَبوه؟ {أَن يَعْبُدُوهَا}، لاحِظْ {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا} هنا مامَعنَى (يَعبُدُها)؟ أنْ يَصرِفَ إليها شَيئًا مِن أنواعِ العِبادةِ، كَأَنْ يَتَحاكَمَ إلى الطاغُوتِ، [فَ]هذه عِبادةٌ صِرْفٌ [أيْ مَحضةٌ (أو خالِصةٌ)]، عِبادةٌ كَأَنْ يَعبُدَه، يُعظِمَّه، كَأَنْ يُناصِرَه؛ فَهُنا [أيْ في قَولِه تَعالَى {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا}] هَلْ ذُكِرَ [أنَّ] تَكفِيرَ عَينِ المُشرِكِين شَرطٌ في الكُفرِ بِالطاغوتِ؟!... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: قالوا [أيِ الذِين يُكَفِّرون عاذِرَ مُرتَكِبِ الشِّركِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ لِلْإسلامِ] {الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكِين هو كافِرٌ}، لِماذا؟ {لِأنَّه لم يَكفُرْ بِالطاغوتِ}، ما الذي جَعَلَ عَدَمَ تَكفِيرِ المُشرِكِين هو مِنَ الكُفرِ بِالطاغوتِ الذي لا يَصِحُّ [أيِ الكُفْرُ بِالطاغوتِ] إلَّا بِه؟! أَعْطُونَا دَلِيلًا... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: الآنَ اِستَفَدْنا أنَّه لم يَأْتِ دَلِيلٌ يُبَيِّنُ أنَّ تَكفِيرَ عَينِ المُشرِكِين شَرطٌ في صِحَّةِ الكُفرِ بِالطاغوتِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: نحن نَتَحَدَّثُ عن عَيْنٍ، أمَّا الكُفْرُ بِجِنْسِ الطاغوتِ هذا شَرطٌ، {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ} جِنسُه شَرطٌ، الذي يَقولُ {عِبادةُ الصَّنَمِ لَيسَتْ بِشِركٍ} هذا كافِرٌ مُباشَرةً لِأنَّ هذا هو جِنسُ الطاغوتِ، لَكِنَّ الحَدِيثَ عن أعيَانٍ... فَرَدَّ أحدُ الإِخْوَةِ قائلًا: أصلًا [مَسأَلةُ] المُشرِكِين ليس فيها خِلافُ الأعيَانِ والنَّوعِ، هي أصلًا أعيَانٌ}... فقالَ الشيخُ: يُوجَدُ فِعلٌ وفاعِلٌ، شِركٌ ومُشرِكٌ، بِدلِيلِ أنَّه إذا فَعَلَ الشِّركَ مُكرَها هَلْ يَصدُرُ عليه الحُكْمُ بِعَينِه؟!... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: واقِعًا، الحُكْمُ على الشِّركِ أوِ الحُكْمُ على الكُفرِ بِكَونِه كُفرًا أظهَرُ مِنَ الحُكمِ على الكافِرِ بِكَونِه كافِرًا، هذا قَطْعًا... فَرَدَّ أحَدُ الإِخْوَةِ قائلًا: ليس فيها [أيْ في مَسأَلةِ تَكفِيرِ المُشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ] نَوعٌ، هي أعيَانٌ كُلُّها}... فقالَ الشيخُ: لا يُقالُ هكذا، بِدَلِيلِ أنَّك تُفَرِّقُ بينهما في [بَعضِ] المَسائلِ، كالإكراهِ، كالخَطَأِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: الوَصفُ الثانِي [يَعنِي المَناطَ الثانِي مِنَ المَناطاتِ الأربَعةِ المُحتَمَلةِ]، قالوا {إنَّ الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكِين هو لم يَفهَمِ التَّوحِيدَ، والذي لا يَفهَمُ التَّوحِيدَ كافِرٌ ليس بِمُسلِمٍ}، الآنَ، (عَدَمُ فَهمِ التَّوحِيدِ) هَلْ هو سَبَبٌ شَرعِيٌّ تَرَتَّبَ عليه حُكْمُ الكُفرِ [أيْ في مَسأَلةِ تَكفِيرِ عاذِرِ المُشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ]؟، (الذي لا يَفهَمُ التَّوحِيدَ) هَلْ يَصلُحُ أنْ يَكونَ سَبَبًا؟، (الذي لا يَفهَمُ التَّوحِيدَ هو كافِرٌ) هَلْ هذا الآنَ وَصفٌ يَصلُحُ أنْ يَتَرَتَّبَ عليه حُكْمٌ، وما دَلِيلُ هذا؟، هو [أيْ عاذِرُ المُشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ] لا يَقولُ {انَّ التَّوحِيدَ هو صَرفُ العِبادةِ لغير الله}، لَكِنْ يَقولُ {كُلُّ مَن عَبَدَ غَيْرَ اللهِ فَهو كافِرٌ مُشرِكٌ، والذي يَسجُدُ لِصَنَمٍ هو كافِرٌ مُشرِكٌ، ولَكِنَّ هذه الصُّورةَ [أيْ صورةَ المُشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ]، لِأنَّه جاهِلٌ أو مُتَأَوِّلٌ لا أُكَفِّرُه، لِأنَّه جاهِلٌ، والجَهلُ مانِعٌ شَرعِيٌّ كَما أنَّكم اِعتَبَرْتُم الإكراهَ والخَطَأَ مانِعًا شَرعِيًّا}، هو [أيِ العاذِرُ] قالَ طَبعًا ضَلالًا، قالَ {مِثلُ الإكراهِ، مِثلُ الخَطَأِ، الجَهلُ مانِعٌ شَرعِيٌّ}، طَبعًا هذا ضالٌّ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: الذِين يُكَفِّرونه [أيْ يُكَفِّرون عاذِرَ المُشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ] يَقولون {إنَّه لم يَفهَمِ التَّوحِيدَ، وبِالتالِي يَلْزَمُ مِنه أنَّه كافِرٌ}، هذا خَطَأٌ، نَقولُ {في الشَّرعِ، (عَدَمُ فَهمِ التَّوحِيدِ) سَبَبٌ أو نَوعٌ؟}، هناك يا إخوةُ قاعِدةٌ في التَّكفِيرِ تُفَرِّقُ بَيْنَ الأسبابِ والأنواعِ [قالَ الشَّيخان هيثم فهيم أحمد مجاهد (أستاذ العقيدة المساعد بجامعة أم القرى) وإبراهيم القبلاوي (الأستاذ المشارك بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى) في (المَدخَلُ لِدِراسةِ العَقِيدةِ): والكُفرُ نَوعان، كُفْرٌ أكبَرُ مُخرِجٌ مِنَ المِلَّةِ ويُوجِبُ الخُلودَ في النارِ، وكُفْرٌ أصغَرِ لا يُخرِجُ مِنَ المِلَّةِ ولا يُوجِبُ الخُلودَ في النارِ، النَّوعُ الأوَّلُ، كُفْرٌ أكَبَرُ يُخرِجُ مِنَ المِلَّةِ وهو يُناقِضُ الإيمانَ، ويُخرِجُ صاحِبَه مِنَ الإسلامِ ويُوجِبُ الخُلودَ في النارِ ولا تَنالُه شَفاعةُ الشافِعِين، ويَكونُ [أيِ الكُفرُ الأكبَرُ] بِالاعتِقادِ، وبِالقَولِ، وبِالفِعلِ، وبِالشَّكِّ والرِّيبِ، وبِالتَّركِ، وبِالإعراضِ، وبِالاستِكبارِ، ولِهذا [فَإنَّ] الكُفْرَ أنواعٌ كَثِيرةٌ، مَن لَقِيَ اللهُ تَعالَى بِواحِدٍ منها لا يُغفَرُ له ولا تَنفَعُه الشَّفاعةُ يَوْمَ القِيَامةِ، ومِن أهَمِّها؛ (أ)الأوَّلُ، كُفْرُ التَّكذِيبِ، وهو ما كانَ ظاهِرًا وباطِنا [قالَ الشَّيخُ سيد إمام في (الجامِعُ في طَلَبِ العِلْمِ الشَّرِيفِ): الجَحدُ اِعتِقادُ صِدقِ المُخبِرِ مع تَكذِيبِه في الظاهِرِ، ودَلِيلُه قَولُه تَعالَى {فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}، فَكَفَروا بِالإنكارِ الظاهِرِ مع وُجودِ المَعرِفةِ القَلبِيَّةِ؛ أمَّا كُفْرُ التَّكذِيبِ فَهو التَّكذِيبُ ظاهِرًا وباطِنًا، أيِ اِعتِقادُ كَذِبِ المُخبِرِ، مع تَكذِيبِه في الظاهِرِ؛ فالجاحِدُ والمُكَذِّبُ كِلاهُما مُكَذِّبٌ في الظاهِرِ، ويَفتَرِقان في أنَّ الجاحِدَ مُصَدِّقٌ بِقَلبِه والمُكَذِّبَ مُكَذِّبٌ بِقَلبِه. انتهى باختصار]، وهو تَكذِيبُ الرُّسُلِ وَ[ادِّعاءُ] أنَّ إخبارَهم عنِ الحَقِّ بِخِلافِ الواقِعِ؛ (ب)الثانِي، كُفْرُ الجُحودِ، وهو كِتمانُ الحَقِّ وعدم الإذعانِ لِرَسولِ اللهِ ظاهِرًا، مع العِلْمِ به [أيْ بِالحَقِّ] ومَعرِفَتِه باطِنًا؛ (ت)الثالِثُ، كُفْرُ الاستِكبارِ، وهو كُفْرُ إبلِيسَ لَعَنَه اللهُ، والدَّلِيلُ قَولُه [تَعالَى] {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}، فَإنَّه لم يَجحَدْ أمْرَ اللهِ، ولا قابَلَه بِالإنكارِ، وإنِّما تَلَقَّاه بِالاستِكبارِ؛ (ث)الرابِعُ، كُفْرُ الشَّكِّ، وهو كُفْرُ الظَّنِّ والرِّيبِ، بِأَنْ لا يَجزِمَ بِصِدقِ النَّبِيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] ولا كَذِبِه، بَلْ يَشُكُّ في أمْرِه، ويَتَرَدَّدُ في اِتِّباعِه، إذِ المَطلوبُ هو اليَقِينُ بِأنَّ ما جاءَ بِه الرَّسولُ مِن رَبِّه حَقٌّ لا مِريَةَ فيه، فَمَن شَكَّ في الاتِّباعِ لِمَا جاءَ بِه الرَّسولُ، أو جَوَّزَ أنْ يَكونَ الحَقُّ خِلافَه، فَقَدْ كَفَرَ كُفْرَ شَكٍّ؛ (ج)الخامِسُ، كُفْرُ الإعراضِ، والمُرادُ بِه أنْ يُعرِضَ بِسَمعِه وقَلبِه عَمَّا جاءَ بِه الرَّسولُ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]، فَلا يُوالِي الرَّسولَ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] ولا يُعادِيه، ولا يُصغِي إلى ما جاءَ بِه، ويَترُكُ الحَقَّ لا يَتَعَلَّمُه ولا يَعْمَلُ بِه، ويَهْرَبُ مِنَ الأماكِنِ التي يُذكَرُ فِيها الحَقُّ، فَهو كافِرٌ كُفْرَ إعراضٍ، وهو أنواعٌ، النَّوعُ الأوَّلُ أنْ يُعرِضَ عن هذا الدِّينِ كُلِّه لا يَهتَمُّ بِالإسلامِ ولا بِالواجِبِ ولا بِالمُحَرَّمِ ولا تَدخُلُ في اِهتِماماتِه وهذا أغلَظُ الأنواعِ، النَّوعُ الثانِي أنْ يُعرِضَ عن أصلِ الدِّينِ لا يَتَعَلَّمُه ولا يَعْمَلُ بِه مِثلَ إعراضِ مَن يَدَّعِي القِبلةَ [أيِ الانتِسابَ لِلإسلامِ] وهو يَفْعَلُ الشِّركَ الأكبَرَ جَهْلًا أو تَأْوِيلًا، النَّوعُ الثالِثُ أنْ يُعرِضَ عنِ الأركانِ الأربَعةِ [أيِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ] فَلا يَتَعَلَّمُها ولا يَعْمَلُ بِها وهو عائشٌ بَيْنَ المُسلِمِين وهذا كُفْرٌ، النَّوعُ الرابِعُ أنْ يُعرِضَ عنِ المَسائلِ الظاهِرةِ لا يَتَعَلَّمُها ولا يَعْمَلُ بِها وهو عائشٌ بَيْنَ المُسلِمِين، وَ[مِن] كُفرِ الإعراضِ إعراضُ القُبورِيَّةِ عن تَعَلُّمِ التَّوحِيدِ والعَمَلِ بِه، وإعراضُ الحُكَّامِ عن سُؤالِ العُلَماءِ في الأُمورِ العامَّةِ (كَتَنظِيمِ الناحِيَةِ الاجتِماعِيَّةِ، والناحِيَةِ الاقتِصادِيَّةِ، والسِّيَاسةِ، فَيُعرِضون عنِ الاستِفتاءِ فيها ويَنتَهِجون العَلْمانِيَّةَ، أو يُعرِضون عن تَطبِيقِ الشَّرِيعةِ في النَّواحِي السِّيَاسِيَّةِ ونَحوِها)، والدَّلِيلُ قَولُه [تَعالَى] {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ}، وقَولُه [تَعالَى] {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا، إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ}، وقَولُه [تَعالَى] {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ}، وقَولُه {وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ}، وقَولُه {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ، إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا، وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}، وقَولُه {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً، قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ، هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ، فَهُم مُّعْرِضُونَ}؛ (ح)السادِسُ، كُفْرُ النِّفاقِ، [وَ]هو إظهارُ الإسلامِ وإبطانُ الكُفرِ، وهو مُخالَفةُ الباطِنِ لِلظَّاهِرِ، وإظهارُ القَولِ بِاللِّسانِ أو الفِعْلِ بِخِلافِ ما في القَلبِ مِنَ الاعتِقادِ، والمُنافِقُ يُخالِفُ قَولَه فِعلُه، وسِرَّه عَلانِيَتُه، فَهو يَدخُلُ الإسلامَ مِن بابٍ ويَخرُجُ مِن بابٍ آخَرَ، ويَدخُلُ في الإيمانِ ظاهِرًا ويَخرُجُ منه باطِنًا؛ (خ)السابِعُ، كُفْرُ السَّبِّ والاستِهزاءِ؛ (د)الثامِنُ، كُفْرُ البُغضِ، وهو كُرْهُ دِينِ الإسلامِ، أو شَيئًا مِن أحكامِه، أو كُرْهُ نَبِيِّ الإسلامِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]، لِأنَّ مِن تَعظِيمِ هذا الدِّينِ العَظِيمِ مَحَبَّةَ اللهِ تَعالَى ورَسولِه الأمِينِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] وما أنزَلَ اللهُ مِنَ الشَّرعِ مِن أوامِرِه ونَواهِيه، ومَحَبَّةَ أَولِيَائه، والمَحَبَّةُ شَرطٌ مِن شُروطِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، والبُغضُ يُناقِضُ المَحَبَّةَ؛ (ذ)التاسِعُ، كُفْرُ الجَهلِ، [وَ]هو ما كانَ ظاهِرا وباطِنًا كَغالِبِ الكُفَّارِ مِن قُرَيشٍ ومَن قَبْلَهم مِنَ الأُمَمِ الذِين قالَ اللهُ تَعالَى فيهم {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ، حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا}، وقالَ تَعالَى {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ [كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ]}؛ (ر)العاشِرُ، كُفْرُ التَّقلِيدِ، [وَ]هو كَقَولِه تَعالَى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا، أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [قالَ الشَّيخُ سيد إمام في (الجامِعُ في طَلَبِ العِلْمِ الشَّرِيفِ): وأنواعُ الكُفرِ هذه هى البَواعِثُ الباطِنةُ الحامِلةُ لِصاحِبِها على الكُفرِ الظاهِرِ، أيْ على الإتيَانِ بِأسبابِ الكُفرِ القَولِيَّةِ والفِعْلِيَّةِ، وهذه البَواعِثُ الباطِنةُ هى أعمالٌ قَلبِيَّةٌ يُضَادُّ كُلٌّ مِنها عَمَلًا مِن أعمالِ القَلبِ الداخِلةِ في أصلِ الإيمانِ؛ فَمَعرِفةُ القَلبِ بِاللَّهِ تَعالَى وبِالرَّسولِ وبِما جاءَ به إجمالًا يُضَادُّها كُفْرُ الجَهلِ، وتَصدِيقُ القَلبِ بِما جاءَ بِه الرَّسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إجمالًا يُضَادُّه كُفْرُ التَّكذِيبِ، ويَقِينُ القَلبِ بِصِدقِ الرَّسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيما أخبَرَ بِه يُضَادُّه كُفْرُ الشَّكِّ والرِّيبِ، وانقِيَادُ القَلبِ لِمَا أمَرَ بِه الرَّسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَادُّه كُفْرُ الاستِكبارِ وكُفْرُ الإعراضِ، ومَحَبَّةُ القَلبِ لِلَّهِ ولِرَسولِه ولِشَرِيعَتِه يُضَادُّها كُفْرُ البُغضِ والحَسَدِ، وتَعظِيمُ القَلبِ وتَوقِيرُه لِلَّهِ ولِلرَّسولِ ولِلشَّرِيعةِ يُضَادُّه كُفْرُ الاستِهزاءِ؛ فَأنواعُ الكُفرِ هى بَواعِثُ باطِنةٌ مُضادَّةٌ لِأعمالِ القَلبِ الواجِبةِ الداخِلةِ في أصلِ الإيمانِ. انتهى]. انتهى باختصار. وقالَ الشَّيخُ سيد إمام في (الجامِعُ في طَلَبِ العِلْمِ الشَّرِيفِ): أمَّا أسبابُ الكُفرِ فَهي الأُمورُ التي إذا فَعَلَها الإنسانُ حُكِمَ عليه بِأنَّه كافِرٌ، وهي في أحكامِ الدُّنيَا أمران لا ثالِثَ لَهما، قَولٌ مُكَفِّرٌ، أو فِعلٌ مُكَفِّرٌ (ومِنه التَّركُ والامتِناعُ)، وإنْ كانَ العَبدُ يَكفُرُ أيضًا على الحَقِيقةِ بِالاعتِقادِ المُكَفِّرِ المُنعَقِدِ بِالقَلبِ إلَّا أنَّه لا يُؤاخَذُ بِه في أحكامِ الدُّنيَا إلَّا إذا ظَهَرَ هذا الاعتِقادُ القَلبِيُّ في قَولٍ أو فِعْلٍ يُمكِنُ إثباتُه على صاحِبِه بِطُرُقِ الثُّبوتِ الشَّرعِيَّةِ [قالَ الشيخُ عبدُالله الطيار (وكيلُ وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد) في (الفقه الميسر): تَثبُتُ الرِّدَّةُ بِأَحَدِ أَمْرَين؛ (أ)الإقرارُ، وذلك بِأَنْ يُقِرُّ بِما يُوجِبُ الرِّدَّةَ؛ (ب)شَهادةُ رَجُلَين عَدْلَين، ويَجِبُ التَّفصِيلُ في الشَّهادةِ على الرِّدَّة بِأَنْ يُبَيِّنَ وَجْهَ كُفرِه لِاختِلافِ العُلَماءِ فِيما يُوجِبُها. انتهى] لإجماعِ أهلِ السُّنَّةِ وسائرِ الطَّوائفِ على أنَّ أحكامَ الدُّنيَا تَجرِي على الظاهِرِ، والظاهِرُ الذي يُمكِنُ إثباتُه على صاحِبِه هو قَولُه أو فِعلُه لا ما في قَلبِه، لِقَولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أُنَقِّبَ قُلُوبَ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ}، فَفِعلُ القَلبِ لا يُؤاخَذُ بِه في أحكامِ الدُّنيَا، إلَّا إذا ظَهَرَ في قَولٍ أو فِعْلٍ، قالَ اِبْنُ حَجَرٍ [فِي (فَتْحُ البارِي)] {وَكُلُّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ الدُّنْيَا عَلَى الظَّاهِرِ، وَاللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ}، وضابِطُ القَولِ والفِعْلِ المُكَفِّرَين هو الأقوالُ والأفعالُ التي نَصَّ الشارِعُ على كُفرِ مَن أتَى بِها... ثم قالَ -أيِ الشيخُ سيد-: ولِتُدرِكَ الفَرْقَ بَيْنَ أسبابِ الكُفرِ (التي عليها مَدارُ الحُكمِ بِالكُفرِ في الدُّنيَا)، وأنواعِ الكُفرِ (وهى البَواعِثُ الحامِلةُ لِصاحِبِها على الإتيَانِ بِأسبابِ الكُفرِ)، نَضرِبُ عِدَّةَ أمثِلةٍ لِذلك؛ (أ)فَإبلِيسُ سَبَبُ كفره تَرْكُ السُّجودِ لِآدَمَ عليه السَّلامُ (والتَّركُ فِعلٌ)، أمَّا نَوعُ كُفرِه فَكُفرِ اِستِكبارٍ وهذا هو الباعِثُ لَه على تَرْكِ السُّجودِ؛ (ب)وقد يَتَّحِدُ السَّبَبُ ويَختَلِفُ النوَّعُ الباعِثُ، فَلَوْ أنَّ رَجُلَين (أحَدُهما مُسلِمٌ والآخَرُ نَصرانِيٌّ) قالا {المَسِيحُ اِبنُ اللهِ}، فَقَدِ اِتَّحَدَ السَّبَبُ وهو هذا القَولُ المُكَفِّرُ، واختَلَفَ نَوعُ الكُفرِ فِيهما، فَهو في المُسلِمِ (كُفْرُ تَكذِيبٍ) لِتَكذِيبِه بِنَصِّ القُرآنِ الدالِّ على أنَّ اللهَ {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}، أمَّا في النَّصرانِيِّ فَكُفْرُه كُفْرُ تَقلِيدٍ لِآبائه ولِرُهبانِهم، فاتِّحادُ السَّبَبِ واختِلافُ النَّوعِ مِمَّا يُبَيِّنُ لك الفَرْقَ بَيْنَهما؛ (ت)ومِنِ اِتِّحادِ السَّبَبِ واختِلافِ النَّوعِ [أيضًا] كُفْرُ كُفَّارِ مَكَّةَ، واليَهودِ، وهِرَقْلَ (قَيْصَرِ الرُّومِ)، اِتَّحَدَ سَبَبُ الكُفرِ فِيهم وهو تَركُ الإقرارِ بِالشَّهادَتَين، واختَلَفَ النَّوعُ، فَهو في كُفَّارِ مَكَّةَ واليَهودِ كُفْرُ جُحودٍ واستِكبارٍ وحَسَدٍ، فَفِي كُفَّارِ مَكَّةَ قالَ تَعالَى {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} فَهذا كُفْرُ الجُحودِ، وقالَ تَعالَى {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} فَهذا كُفْرُ الاستِكبارِ، وفي اليَهودِ قالَ تَعالَى {فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} فَهذا كُفْرُ الجُحودِ، وقالَ تَعالَى {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ} فَهذا كُفْرُ الاستِكبارِ، وقالَ تَعالَى {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} فَهذا كُفْرُ الحَسَدِ، وهو [أيْ نَوعُ الكُفرِ] في هِرَقْلَ الحِرصُ على المُلكِ (وهو مِنِ اِتِّباعِ الهَوَى الصارِفِ عنِ الإيمانِ)؛ والأمثِلةُ السابِقةُ تُبَيِّنُ أنَّه قد يَتَّحِدُ سَبَبُ الكُفرِ عند عِدَّةِ أفرادٍ ويَختَلِفُ النَّوعُ الباعِثُ لَدَى كُلٍّ مِنهم عنِ الآخَرَ، كَما بَيَّنَتْ هذه الأمثِلةُ أنَّه قد يَجتَمِعُ لِلسَّبَبِ الواحِدِ أكثَرُ مِن باعِثٍ في الشَّخصِ الواحِدِ، كَما في قَولِه تَعالَى {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} فاجتَمَعَ لِهذا كُفْرُ التَّكذِيبِ وكُفْرُ الاستِكبارِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ سيد-: ولَمَّا كانَتْ أنواعُ الكُفرِ هى أُمورٌ باطِنةٌ خَفِيَّةٌ، فَإنَّ أحكامَ الدُّنيَا لم تُرَتَّبْ عليها، وإنَّما رُتِّبَتْ أحكامُ الدُّنيَا على الأسبابِ الظاهِرةِ مِنَ الأقوالِ والأفعالِ المُكَفرةِ التي يُمكِنُ إثباتُها على فاعِلِها، ولا يَلْزَمُ في أحكامِ الدُّنيَا أنْ نَتَكَلَّفَ في حَملِ أسبابِ الكُفرِ على أنواعِه، فَمَن سَبَّ الرَّسولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمْنا بِكُفرِه لِأنَّه أتَى بِسَبَبِ الكُفرِ وهو القَولُ المُكَفِّرُ، ولا يَلْزَمُ أنْ نَتَكَلَّفَ في مَعرِفةِ نَوعِ كُفرِه (هَلْ سَبَّه لِتَكذِيبِه بِه أَمْ لِبُغضِه وحَسَدِه له أَمْ لِاستِهزائه بِه؟)، فَهذا لا يُمكِنُ الجَزمُ بِه ولا يَلْزَمُ البَحثُ عنه في أحكامِ الدُّنيَا... ثم قالَ -أيِ الشيخُ سيد-: أمَّا أسبابُ الكُفرِ فَهِيَ على الحَقِيقةِ أربَعةُ أسبابٍ، قَولٌ مُكَفِّرٌ أو فِعلٌ مُكَفِّرٌ أوِ اِعتِقادٌ مُكَفِّرٌ أو شك مُكَفِّرٌ، أمَّا في أحكامِ الدُّنيَا فَأسبابُ الكُفرِ اِثْنَانِ لا ثالِثَ لَهما، قَولٌ مُكَفِّرٌ أو فِعلٌ مُكَفِّرٌ، والقَولُ هو عَمَلُ اللِّسانِ، والفِعلُ عَمَلُ الجَوارِحِ، أمَّا الاعتِقادُ والشك فهما من أعمال القلب. انتهى باختصار. وقالَ الشَّيخُ أبو عبدِاللهِ الخطيب في (التَّكفِيرُ"أخطارُه وضَوابِطُه"، بِإشرافِ الشَّيخِ عمر أسيف) الذي نَشَرَتْه (الكُلِّيَّةُ الأُورُوبِّيَّةُ للدراسات الإسلامية) بفرنسا: إنَّ عَدَمَ التَّفرِيقِ بَيْنَ ما هو نَوعٌ لِلْكُفرِ وبَيْنَ ما هو سَبَبٌ لِلْكُفرِ، يُوقِعُ في أخطاءٍ. انتهى. وقالَ الشَّيخُ أوَّلُ الدِّينِ يحيى الإنْدُونِيسِيُّ في (آياتُ الكُفرِ في القُرآنِ الكَرِيمِ، بِإشرافِ الشَّيخِ خالد نبوي سليمان حجاج "الأستاذ المشارك بقسم التفسير وعلوم القرآن بكلية العلوم الإسلامية بجامعة المدينة العالمية بِمَالِيزْيَا"): أنواعُ الكُفرِ هى البَواعِثُ الحامِلةُ لِصاحِبِها على الإتيَانِ بِأسبابِ الكُفرِ؛ فَإبلِيسُ سَبَبُ كُفرِه تَرْكُ السُّجودِ لِآدَمَ بَعْدَ الأمْرِ مِنَ اللهِ، ونَوعُ كُفرِه الاستِكبارُ وهذا هو الباعِثُ له على تَرْكِ السُّجودِ؛ وأهلُ مَكَّةَ واليَهودِ سَبَبُ كُفرِهم تَرْكُ الإقرارِ بِالشَّهادَتَين، ونَوعُ كُفرِهم الجُحودُ والاستِكبارُ والحَسَدُ. انتهى باختصار. قُلْتُ: لَمَّا كانَ كُلٌّ مِن كُفرِ التَّكذِيبِ وكُفرِ الجُحودِ يَشتَمِلُ على مَعْنًى ظاهِرٍ (وهو رَدُّ حُكمِ الشَّرعِ الثابِتِ بِالقُرآنِ والسُّنَّةِ بَعْدَ بُلوغِه)، وقد سَبَقَ بَيَانُ أنَّ الجاحِدَ والمُكَذِّبَ كِلَيْهِمَا مُكَذِّبٌ في الظاهِرِ، ويَفتَرِقان في أنَّ الجاحِدَ مُصَدِّقٌ بِقَلبِه والمُكَذِّبَ مُكَذِّبٌ بِقَلبِه، فَلِأجلِ وُجودِ المَعْنَى الظاهِرِ (وهو رَدُّ حُكمِ الشَّرعِ الثابِتِ بِالقُرآنِ والسُّنَّةِ بَعْدَ بُلوغِه) في كُفرِ التَّكذِيبِ وكُفرِ الجُحودِ فَإنَّك تَرَى العالِمَ يُنِيطُ الكُفرَ أحيانًا بِالتَّكذِيبِ وأحيانًا بِالجُحودِ]، إبلِيسُ كافِرٌ، ما سَبَبُ كُفرِه؟ تَرْكُ السُّجودِ، ما نَوعُ هذا الكُفرِ؟ هو الكِبرُ، طَيِّبٌ، الحُكْمُ الشَّرعِيُّ على كِبرٍ أو على سَبَبٍ؟... فَرَدَّ الإخوةُ قائلِين: على السَّبَبِ... فَقالَ الشَّيخُ: مِثالٌ، رَجُلٌ يُظاهِرُ أعداءَ اللهِ على المُسلِمِين، وهو جاهِلٌ بِهذا الحُكمِ الشَّرعِيِّ، فَهو كافِرٌ، لِماذا؟ ما هو السَّبَبُ؟ لِأنَّه ظاهَرَ أو لِأنَّه جاهِلٌ؟... فَرَدَّ الإخوةُ قائلِين: لِأنَّه ظاهَرَ... فَقالَ الشَّيخُ: لَكِنْ ما نوَعُ كُفرِه؟ الجَهلُ، الحُكْمُ هَلْ يَتَرَتَّبُ على النَّوعِ أو على السَّبَبِ؟ على السَّبَبِ، ما يَتَرَتَّبُ على النَّوعِ؛ قالَ العُلَماءُ {[أنواعُ الكُفرِ] هي كُفْرُ جَهلٍ، كُفْرُ كِبرٍ، و[كُفْرُ] إعراضٍ}، لَكِنْ أنَا ما يُمكِنُ أنْ أقولَ هذه أسبابٌ، لِأنَّها قَلبِيَّةٌ لا يَنبَنِي عليها الحُكْمُ الشَّرعِيُّ، الحُكْمُ الشَّرعِيُّ يَنبَنِي على السَّبَبِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: مَثَلًا، ما سَبَبُ كُفرِ أبِي طالِبٍ؟... فَرَدَّ أحَدُ الإِخْوَةِ قائلًا: ما أرادَ أنْ يَرغَبَ عن مِلَّةِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ... فَقالَ الشَّيخُ: لا، هذا نَوعٌ... فَرَدَّ أحَدُ الإِخْوَةِ قائلًا: السَّبَبُ عَدَمُ قَولِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)... فَقالَ الشَّيخُ: نَعَمْ، تَرْكُه الإسلامَ... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: الآنَ، رَجُلٌ سَجَدَ لِصَنَمٍ، جاهِلٌ، حُكْمُه كافِرٌ، ما سَبَبُ كُفرِه؟ السُّجودُ لِلصَّنَمِ؛ ونَوعُ كُفرِه؟ الجَهلُ؛ الحُكْمُ هَلْ يَنبَنِي على الجَهلِ أَمْ يَنبَنِي على السُّجودِ؟... فَرَدَّ الإخوةُ قائلِين: على السُّجودِ


(تابع ما بعده)

أبو ذر التوحيدي
06-04-2023, 11:09 PM
(تابع ما قبله)


... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: الذي يَقولُ {إنَّ الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكَ [هو كافِرٌ] لِأنَّه لم يَفْهَمِ التَّوحِيدَ}، هذا ما يَصلُحُ أنْ يَكونَ سَبَبًا، لِأنَّ هذا نَوعٌ، لا يَصلُحُ أنْ يَكونَ سَبَبًا يَتَرَتَّبُ عليه الحُكْمُ، فَهذا خَلْطٌ بَيْنَ (الأنواعِ) و(الأسبابِ)، وهذا الخَلْطُ يُؤَدِّي إلى نَتائجَ خَطِيرةٍ، {فُلانٌ ما يَعرِفُ التَّوحِيدَ}! خَطَأٌ، لا بُدَّ [مِن] كُفرٍ ظاهِرٍ، سَبَبٍ يَنبَنِي عليه مَعرِفةُ النَّوعِ، نَقولُ {إنَّ تَكفِيرَك لَه لِأنَّه لم يَفْهَمِ التَّوحِيدَ، هذا خَطَأٌ}، لِماذا أنتَ أخطَأْتَ؟، لِأنَّك كَفَّرْتَه بِالنَّوعِ، ولا يَسُوغُ هذا شَرعًا، {لِأنَّه لم يَفْهَمِ التَّوحِيدَ} {لِأنَّه جاهِلٌ بِالتَّوحِيدِ} لا يَصلُحُ أنْ يَكونَ سَبَبًا... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: رَجُلٌ يَجهَلُ التَّوحِيدَ، ولَكِنَّه يَعبُدُ اللهَ مع المُسلِمِين، أنتَ [بِ]ماذا تَحكُمُ عليه؟ بِالظاهِرِ، رَغْمَ أنَّه يَجْهَلُ التَّوحِيدَ، [لِأنَّ] الكُفرَ يَنبَنِي على أسبابٍ، لا بُدَّ أنْ يَكونَ هناك شَيءٌ ظاهِرٌ، لاحِظْ [أنَّ] الأحكامَ الشَّرعِيَّةَ مَبنِيَّةٌ كَما يَقولُ أهلُ العِلْمِ {الأحكامُ الشَّرعِيَّةُ تَنبَنِي على أسبابٍ ظاهِرةٍ مُنضَبِطةٍ}... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: فالذِين يَقولون {إنَّ الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكَ هو كافِرٌ، لِأنَّه لم يَفْهَمِ التَّوحِيدَ}، نَقولُ، هذا ليس سَبَبًا، هذا لا يَصلُحُ أنْ يَكونَ سَبَبًا وبِالتالِي لا يَصلُحُ التَّكفِيرُ بِه، طَيِّبٌ، هَلْ يُمكِنُ أنْ يَكونَ كافِرًا؟ نَعَمْ، يُمكِنُ، لَكِنْ ليس هذا [أيْ وَصفُه بِأنَّه لم يَفهَمِ التَّوحِيدَ] سَبَبَه؛ إذَنْ نُلغِي تَمامًا هذا المَناطَ، فَنَقولُ، إنَّ (تَكفِيرَ الذي لم يَفْهَمِ التَّوحِيدَ) هذا غَيرُ صَحِيحٍ هذا ليس مَناطًا... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: (جاهِلُ التَّوحِيدِ) هذا ليس سَبَبًا ولا يَصلُحُ أنْ يَكونَ مَناطًا، هو نَوعُ كُفرٍ، الذي يَجْهَلُ التَّوحِيدَ كافِرٌ في الحَقِيقةِ، لَكِنْ ظاهِرًا لا يَستَطِيعُ [أحَدٌ تَكفِيرَه] حتى يُظهِرَ سَبَبًا مُعَيَّنًا، [كَ]أَنْ يَعبُدَ صَنَمًا... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: الآنَ، هذا (جاهِلُ التَّوحِيدِ) حَكَمَ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ، أنَا أُكَفِّرُه، لِماذا؟ لِأنَّه حَكَمَ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ؛ رَجُلٌ (جاهِلُ التَّوحِيدِ) ظاهَرَ أعداءَ اللهِ، أنَا أُكَفِّرُه، لِماذا؟ لِأنَّه ظاهَرَ أعداءَ اللهِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: وَصفٌ ثالِثٌ [يَعنِي المَناطَ الثالِثَ مِنَ المَناطاتِ الأربَعةِ المُحتَمَلةِ]، قالوا أنَّه [أيِ العاذِرَ] إذا قالَ [أنَّه] لم يُكَفِّرِ المُشرِكَ [الجاهِلَ المُنتَسِبَ] فَقَدْ سَمَّاه مُسلِمًا... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: رَجُلٌ [يَعنِي العاذِرَ] يَقولُ {التَّوحِيدُ هو إفرادُ اللهِ بِالعِبادةِ، وكُلُّ مَن عَبَدَ غَيْرَ اللهِ فَهو كافِرٌ مُشرِكٌ، إلَّا مَن تَوَفَّرَ فيه مانِعٌ شَرعِيٌّ}، ما هو المانِعُ عندك يا فُلانُ؟، قالَ {إذا أُكرِهَ، إذا أخطَأَ، إذا جَهِلَ}، هو [أيِ العاذِرُ] اِجتَهَدَ في ماذا؟، ليس [في] أنَّ هذا شِركٌ، وإنَّما [في أنْ] يُقالَ فيه [أيْ في مُرتَكِبِ الشِّركِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ لِلْإسلامِ] مُشرِكٌ، اِجتَهَدَ [أيِ العاذِرُ] في مَبحَثٍ أُصولِيٍّ، هذا هو الخِلافُ، هَلْ هو خِلافٌ في مَبحَثٍ أُصولِيٍّ (وهو أنْ يَعُدَّ هذا [أيِ الجَهْلَ] مانِعًا)، أو هو خِلافٌ في الشِّركِ بِاللَّهِ وحَقِيقةِ التَّوحِيدِ؟، الآنَ، أَيْنَ مَوطِنُ اِجتِهادِه؟، مَوطِنُ اِجتِهادِه في تَحدِيدِ مَوانِعِ الأهلِيَّةِ [قالَ الشَّيخُ أبو بكر القحطاني في (شَرحُ قاعِدةِ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ"): العاذِرُ بِالجَهلِ يَقولُ {والجَهلُ -عندي- مانِعٌ مِن مَوانِعِ الأهلِيَّةِ أو مِن مَوانِعِ التَّكلِيفِ، فَإذا وَقَعَ بِالشِّركِ جاهِلًا فَإنِّي لا أُكَفِّرُه}. انتهى] لِهذا الرَّجُلِ [مُرتَكِبِ الشِّركِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ لِلْإسلامِ]، لا اِجتِهادًا في أنَّ ليس يُقالُ {هذا كُفْرٌ} و{هذا ليس بِشِركٍ}، قالَ [أيِ العاذِرُ] {بِما أنَّ التَّكفِيرَ مَبناه على الشَّرعِ، والشَّرعُ لم يُكَفِّرِ المُكرَهَ ولم يُكَفِّرِ المُخطِئَ، فَكذلك الشَّرعُ لم يُكَفِّرِ الجاهِلَ}، اِستَدَلَ [أيِ العاذِرُ] بِمَعلوماتٍ... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: الآنَ، الإكراهُ مانِعٌ، الآنَ، العُلَماءُ [بِـ]ماذا فَسَّروا الإكراهَ، هَلِ العُلَماءُ كُلُّهم مُجمِعون على تَحدِيدِ مَعْنَى الإكراهِ [سَبَقَ بَيَانُ اِختِلافِ أهلِ العِلْمِ في صِحَّةِ الإكراهِ بِالتَّهدِيدِ دُونَ أنْ يُمَسُّ المُكرَهُ بِعَذابٍ، وأيضًا اِختِلافِهم في صِحَّةِ الإكراهِ إذا كانَ الإكراهُ على فِعْلٍ وليس قَولٍ]، إذا أنتَ قُلْتَ {إنَّ الاكراهَ هو إنَّما بِالقَولِ [يَعنِي لا يَصِحُّ الإكراهُ إذا كانَ على فِعْلٍ]} هَلْ تُكَفِّرُ الذِين قالوا {إنَّ الاكراهَ بِالفِعْلِ [يَعنِي يَصِحُّ الإكراهُ إذا كانَ على فِعْلٍ]}؟!، الخِلافُ [أيْ مع العاذِرِ] في اِعتِبارِ المانِعِ [أيْ مانِعِ الجَهلِ]، ليس في تَحدِيدِ مَعْنَى الشِّركِ، لِهذا لا يَصِحُّ أنْ تَقولَ {هذا [أيِ العاذِرُ] لم يَفْهَمِ التَّوحِيدَ}، سَيقولُ لك {أنَا أفهَمُ التَّوحِيدَ أكثَرَ مِنك، وهذا [أيِ الذي اِرتَكَبَه المُشرِكُ الجاهِلُ] كُفْرٌ، لَكِنَّ الذي يَمْنَعُ [أيْ مِن تَنْزِيلِ الحُكمِ عليه] هو الجَهلُ}... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: (رَجُلٌ يَسجُدُ لِصَنَمٍ مُكرَهًا)، مِنَ العُلَماءِ مَن يُكَفِّرُه، يَقولُ {هذا مُشرِكٌ، لِأنَّ الإكراهَ بِالفِعْلِ [يَعنِي الإكراهَ على فِعْلٍ] غَيرُ مُعتَبَرٍ}، ومِنَ العُلَماءِ مَن يَقولُ {ليس مُشرِكًا}، أنتَ تَقولُ {لا، لِأنَّه خِلافٌ مَبنِيٌّ على النَّصِّ [أيْ لا يَصِحُّ إلحاقُ حُكمِ العاذِرِ المُخالِفِ في مَسألةِ الإعذارِ بالإكراهِ، بِالعاذِرِ المُخالِفِ في مَسألةِ الإعذارِ بِالجَهلِ، لِأنَّ العاذِرَ المُخالِفَ في مَسألةِ الإعذارِ بالإكراهِ مُستَنِدٌ إلى نَصٍّ]}، أنَا أَقولُ {الذي يَعتَبِرُ (الجَهْلَ) [أيضًا] يَستَنِدُ إلى نَصٍّ}... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: إذا رَجَّحْتَ أنتَ وقُلْتَ {إنَّه فَقَطِ القَولُ، ومَن أشرَكَ بِاللَّهِ في فِعْلِه فَهذا كافِرٌ، لِأنَّ الآيَةَ [يَعنِي قَولَه تَعالَى {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ}. وقد قالَ الشيخُ عليُّ بنُ نايف الشحود في (مَوسوعةُ فِقْهِ الابتِلاءِ): وقد ذَكَرَ جُمهورُ المُفَسِّرِين أنَّ سَبَبَ نُزولِ قَولِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ {مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} أنَّها نَزَلَتْ في عَمَّارٍ، لِأنَّهم عَذَّبوه حتى اِنتَهَى صَبرُه، ثم قالوا لَه {واللهِ لَا نَتْرُكُكَ مِن هذا العَذابِ حَتَّى تَسُبَّ مُحَمَّدًا، وتَكفُرَ بِمُحَمِّدٍ}، فَقالَ كَلِمةَ الكُفرِ مُضْطَرًا. انتهى. وقالَ الْقُرْطُبِيُّ في (الجامع لأحكام القرآن): قَوْلُهُ تَعَالَى {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ}، هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي (عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ) فِي قَوْلِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ... ثم قالَ -أيِ الْقُرْطُبِيُّ-: ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الرُّخْصَةَ إِنَّمَا جَاءَتْ فِي الْقَوْلِ، وَأَمَّا فِي الْفِعْلِ فَلَا رُخْصَةَ فِيهِ (مِثْلَ أَنْ يُكْرَهُوا عَلَى السُّجُودِ لِغَيْرِ اللَّهِ، أَوِ الصَّلَاةِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، أَوِ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الرِّبَا)... ثم قالَ -أيِ الْقُرْطُبِيُّ-: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ فَاخْتَارَ الْقَتْلَ أَنَّهُ أَعْظَمُ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ مِمَّنِ اِخْتَارَ الرُّخْصَةَ. انتهى باختصار] إنَّما جاءَتْ في القَولِ}، وجاءَك رَجُلٌ وقالَ {لا، إنَّ الذي نَفهَمُ مِنَ النَّصِّ أنَّه [أيِ النَّصَّ] أيضًا يَشمَلُه [أيْ يَشمَلُ الإكراهَ على الفِعْلِ]}، هَلْ تَقولُ [أيْ لِهذا الرَّجُلِ] {أنتَ لم تَفْهَمِ التَّوحِيدَ، لِأنَّك سَمَّيتَ المُشرِكَ [الذي أُكْرِهَ على فِعْلٍ] مُسلِمًا}؟! هَلْ يَصِحُّ هذا؟!... فَرَدَّ أحَدُ الإِخْوَةِ قائلًا: لا يا شَيخَنا ما يَصِحُّ... فَقالَ الشَّيخُ: لِأنَّ القَضِيَّةَ هي مَحَلُّ خِلافٍ في (هَلْ هذه الصِّفةُ مانِعٌ شَرعِيٌّ أو غَيرُ مانِعٍ، مانِعٌ مِن مَوانِعِ الأهلِيَّةِ أو ليست مانِعًا)، لا خِلافَ في (تَحدِيدِ مَعْنَى التَّوحِيدِ أو تَحدِيدِ مَعْنَى الشِّركِ)... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: هذا [أيِ الذي يُكَفِّرُ (العاذِرَ بِالجَهلِ)] يَقولُ {هو [أيِ العاذِرُ بِالجَهلِ)] يُسَمِّي الشِّركَ تَوحِيدًا}، هذا خَطَأٌ، هو [أيْ قَولُ العاذِرِ بِالجَهلِ] قَولٌ ضالٌّ مُضِلٌّ، لَكِنْ هو [أيِ العاذِرُ بِالجَهلِ)] ما يُسَمِّي الشِّركَ تَوحِيدًا... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: رَجُلٌ قالَ [عَنْ] مُشرِكٍ {هذا، الذي لا يُكَفِّرُه كافِرٌ}، لِماذا؟، {لِأنَّه سَمَّاه (مُسلِمًا)}، نَقولُ، هذا لا يَصلُحُ أنْ يَكونَ سَبَبًا لِتَكفِيرِ (العاذِرِ بِالجَهلِ) وذلك لِمَا يَلْزَمُه [أيْ مِن باطِلٍ، وهو ما سَيُوَضِّحُه الشَّيخُ لاحِقًا]... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: إذا قُلْنا لِلْمُسلِمِ {يا كافِرُ} فَهَلْ هذا كُفْرٌ؟، ليس بِكُفرٍ [يَعنِي إذا كُنَّا مُتَأَوِّلِين]، طَيِّبٌ، هذا تَغيِيرُ اِسمٍ شَرعِيٍّ؛ هذا رَجُلٌ مُسلِمٌ، أنتَ تَقولُ {كافِرٌ}... فَرَدَّ أحَدُ الإِخْوَةِ قائلًا: حَدِيثَ الرَّسولِ {مَنْ قَالَ لِأخِيهِ (يَا كَافِرُ) فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا}... فَقالَ الشَّيخُ: طَيِّبٌ، ما مَعْنَى هذا النَّصِّ؟، إجماعُ العُلَماءِ على أنَّه ليس على ظاهِرِه، لو قُلْنا بِهذا القَولِ لَكَفَّرنا عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، طَبْعًا هو [أيْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ] غَيَّرَ الاسمَ الشَّرعِيَّ، ما الذي جَعَلَنا لا نُكَفِّرُه؟، لِأنَّه كَفَّرَه [أيْ كَفَّرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ] بِتَأْوِيلٍ، عُمَرُ كَفَّرَ حاطِبًا، حاطِبٌ لم يَكفُرْ، لِمَ لَمْ يُكَفِّرْه النَّبِيُّ [أيْ لِمَ لَمْ يُكَفِّرِ النَّبِيُّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ]؟، لِأنَّه أكفَرَه بِتَأْوِيلٍ، طَيِّبٌ، مِثلُ هذا، الذي يَقولُ (يَعنِي العاذِرَ بِالجَهلِ) لِلْكافِرِ {هذا مُسلِمٌ} بِتَأْوِيلٍ، هَلْ يَكونُ كافِرًا؟، هو نَفسُ الشَّيءِ، نَفسُ الحُكمِ، [فَ]إذا قُلْنا أنَّ هذا التَّأْوِيلَ تَغيِيرٌ لِلأسماءِ الشَّرعِيَّةِ [يَعنِي أنَّ مَن سَمَّى تَأَوُّلًا الكافرَ مُسلِمًا قد غَيَّرَ الاسمَ الشَّرعِيَّ، وأنَّ مَن غَيَّرَ الاسمَ الشَّرعِيَّ صارَ كافِرًا]، إذَنْ يَلْزَمُ مِنه [أيْ مِن قَولِنا هذا] أنْ يُكَفَّرَ مَن قالَ [أيْ تَأَوُّلًا] لِلْمُسلِمِ {يا كافِرُ}، ولا يَقولُ بِهذا أحَدٌ مِن أهلِ السُّنَّةِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: مَن وَقَعَ في الشِّركِ ما عندي فيه تَأْوِيلٌ، جاهِلٌ، مُتَأَوِّلٌ، هذا كُلُّه كافِرٌ بِالإجماعِ؛ لَكِنَّ الذي لم يُكَفِّرْه بِتَأْوِيلٍ هذا مَحَلُّ نَظَرٍ آخَرَ، فِيه [أيْ يُوجَدُ] تَفصِيلٌ؛ الأوَّلُ كافِرٌ بِالإجماعِ حتى لو كانَ مُتَأَوِّلًا (وهو الذي وَقَعَ في الشِّركِ)؛ لَكِنَّ الثانِيَ [أيِ العاذِرَ بِالجَهلِ)] الذي لم يُكَفِّرْه، أنَا الآنَ وأنتَ نَبْحَثُ في سَبَبِ كُفرِه، نحن اِتَّفَقْنا أنَّها لَيسَتْ قَضِيَّةً تَدخُلُ ضِمْنَ (الكُفرِ بِالطاغوتِ)، ولا أنَّه يُقالُ {لم يَفْهَمْ [أيِ العاذِرُ بِالجَهلِ)] التَّوحِيدَ}، وقَضِيَّةُ (تَغيِيرِ الأسماءِ الشَّرعِيَّةِ) أيضًا لم يَرِدْ فيها ما يُمكِنُ أنْ يُكَفِّرَ [أيِ العاذِرَ بِالجَهلِ)]... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: المَناطُ الثالِثُ [مِنَ المَناطاتِ الأربَعةِ المُحتَمَلةِ] (وهو تَسمِيَةُ المُشرِكِ مُسلِمًا [أيْ تَأَوُّلًا]) لا يَصلُحُ أنْ يَكونَ سَبَبًا يَتَرَتَّبُ عليه الحُكْمُ بِالكُفرِ، هذا واضِحٌ وليس فيه خِلافٌ... ثم بَدَأَ الشَّيخُ القحطاني الكَلامَ عنِ المَناطِ الأخِيرِ مِنَ المَناطاتِ الأربَعةِ المُحتَمَلةِ، مُوَضِّحًا أنَّه هو المَناطُ الصَّحِيحُ الوَحِيدُ، وهو المَناطُ الرابِعُ الذي يَقولُ (إنَّ الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكَ هو كافِرٌ لِأنَّه يَرُدُّ حُكمَ اللهِ، اللهُ حَكَمَ بِكُفرِ المُشرِكِ، وهو يَعرِفُ حُكمَ اللهِ ثم يَرُدُّه)، فَقالَ: الآنَ، هذا الناقِضُ [وهو المٌتَمَثِّلُ في قاعِدةِ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ أو شَكَّ في كُفرِه أو صَحَّحَ مَذهَبَه فَقَدْ كَفَرَ}]، ما دَلِيلُه الآنَ، قُلْنا {دَلِيلُ (الكُفرِ بِالطاغوتِ) لم يَصِحَّ، ودَلِيلُ (جاهِلِ التَّوحِيدِ) لم يَصِحَّ، ودَلِيلُ (تَغيِيرِ الأسماءِ الشَّرعِيَّةِ) لم يَصِحَّ}، طَيِّبٌ، هَلْ هو ناقِضٌ أصلًا (مَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكِين)؟، قَطْعًا هو ناقِضٌ بِالإجماعِ، وهَلْ نَصَّ عليه أهلُ العِلْمِ؟، نَعَمْ، نَصُّوا عليه... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: بِالنَّظَرِ إلى اِستِعمالاتِ أهلِ العِلْمِ لِهذا الناقِضِ، إضافةً إلى أقوالِهم، نَعرِفُ أنْ نُحَدِّدَ الصُّورةَ واضِحةً، الإمامُ الشَّاطِبِيُّ يَذكُرُ فِي (الْمُوَافَقَاتِ) أنَّ العِلمَ يُؤْخَذُ مِن نُقولِ أهلِ العِلْمِ وتَصَرُّفاتِهم، فَنحن إذا قُلْنا {أكثَرُ عِلْمِ الصَّحابةِ، ما هو؟}، مِن تَصَرُّفاتِهم [وَ]سِيرَتِهم وأفعالِهم وجِهادِهم، هنا نَأخُذُ العِلمَ، كَذلك العُلَماءُ الذِين اِستَعمَلوا ذلك الناقِضَ، لا بُدَّ [مِن] نَظَرٍ واعتِبارٍ لاستِعمالاتِهم وتَصَرُّفاتِهم، لِأنَّ هذا مَصدَرُ عِلْمٍ غَزِيرٍ، لَكِنَّ الذي يَقتَصِرُ على مُجَرَّدِ نَقلٍ ولا يَنظُرُ إلى الاستِعمالاتِ ولا طُرُقِ التَّعامُلِ مع هذه النَّواقِضِ سَيُخطِئُ كَثِيرًا... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: الْقَاضِي عِيَاضٌ [(ت544هـ)] فَصَّلَ في هذا الناقِضِ، وذَكَرَ له مَناطًا، فَقالَ في كِتابِه [(الشِّفَا بِتَعْرِيفِ حُقُوقِ الْمُصْطَفَى)] {فَإنَّ التَّوقِيفَ [أيِ النَّصَّ] قد جاءَ بِكُفرِ مَن لم يَدِنْ بِدِينِ الإسلامِ، والذي لا يُكَفِّرُهم هو كافِرٌ، لِتَكذِيبِه بِالنَّصِّ، فَإنَّ مَن لم يُكَفِّرْهم أو شَكَّ في كُفرهِم، فَهو مُكَذِّبٌ بِالنَّصِّ، فَهو كافِرٌ بذلك}؛ الآنَ، الْقَاضِي عِيَاضٌ ذَكَرَ الناقِضَ وذَكَرَ مَناطَه، وهو المَناطُ الذي لا يَصلُحُ بَعْدَ السَّبرِ والتَّقسِيمِ -كَسَبَبٍ ظاهِرٍ مُنضَبِطٍ لِكُفرِ مَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكِين- إلَّا هو، وبِمَعرِفةِ هذا المَناطِ أنَا أعرِفُ كَيْفَ أتَعامَلُ بِهذا الناقِضِ، العِلَّةُ، ما هي؟، قالَ [أيِ الْقَاضِي عِيَاضٌ] {التَّكذِيبُ} بِمَعْنَى رَدِّ الحُكمِ الثابِتِ في القُرآنِ والسُّنَّةِ بَعْدَ بُلوغِه، [فَ]إذا كانَ كَذلك، فَدَلِيلُ هذا الناقِضِ ما هو؟، كُلُّ آيَةٍ أو حَدِيثٍ دَلَّ على كُفرِ مَن رَدَّ حُكمَ اللهِ بَعْدَ بُلوغِه، مِثالٌ، قالَ اللهُ {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ} هذا دَلِيلُ هذا الناقِضِ، قالَ اللهُ {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ، أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ}، فَهذا الدَّلِيلُ [يَعنِي (المَناطَ) والذي هو رَدُّ الحُكمِ الثابِتِ في القُرآنِ والسُّنَّةِ بَعْدَ بُلوغِه] هو الذي يَصلُحُ بِطَرِيقةِ السَّبرِ والتَّقسِيمِ أنْ يَكونَ مَناطًا ووَصفًا مُؤَثِّرًا لِهذا الحُكمِ وهذا الناقِضِ... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: مَن عَبَدَ صَنَمًا، هَلْ يُعذَرُ بِتَأْوِيلٍ؟ هَلْ يُعذَرُ بِجَهلٍ؟، كُلُّنا نَقولُ {لا}، لِماذا؟، هذا أصلُ الدِّينِ، وسَبَبُ كُفرِه هو صَرفُ العِبادةِ لِغَيرِ اللهِ؛ الثانِي [يَعنِي العاذِرَ بِالجَهلِ] ما سَبَبُ كُفرِه؟، (مَن عَبَدَ الصَّنَمَ) و(مَن لم يُكَفِّرْه) بَيْنَهما فَرْقٌ، أنَا أقُولُ {الأوَّلُ كافِرٌ مُتَأَوِّلٌ جاهِلٌ}، كافِرٌ لِماذا؟، لِأنَّه وَقَعَ في سَبَبِ الكُفرِ (المَناطِ المُكَفِّرِ)، والذي هو عِبادةُ غَيرِ اللهِ، الثانِي [وهو العاذِرُ بِالجَهلِ]، أنَا أقُولُ {ما سَبَبُ كُفرِه؟}، هَلْ وَقَعَ في سَبَبٍ مُكَفِّرٍ (والذي هو عندي رَدُّ الحُكمِ الشَّرعِيِّ [بَعْدَ] أنْ يَعرِفَ أنَّ حُكمَ اللهِ فيه [أيْ في مُرتَكِبِ الشِّركِ] كُفْرٌ)، هذا هو دَلِيلُ الناقِضِ [يَعْنِي أنَّ هذا هو مَناطُ قاعِدةِ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ أو شَكَّ في كُفرِه أو صَحَّحَ مَذهَبَه فَقَدْ كَفَرَ}]، وكُلُّ مَن تَكَلَّمَ مِنَ الأوائلِ بِهذا [الناقِضِ] جَعَلوا هذا هو دَلِيلَهم [يَعنِي (هذا هو مَناطُ القاعِدةِ المَذكورةِ)]... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: نَقولُ {الذي يَسجُدُ لِصَنَمٍ ويَعبُدُ غَيْرَ اللهِ فَهو كافِرٌ مُشرِكٌ، جاهِلٌ أو مُتَأَوِّلٌ ما يُعذَرُ}، [وأمَّا] مَن لا يُكَفِّرُه نَقولُ {هُنا يُوجَدُ تَفصِيلٌ}، نحن نَقولُ ماذا؟، مَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكِين فَهو كافِرٌ، وهذا بِالإجماعُ، لِأنَّه رَدَّ حُكمَ اللهِ، لَكِنْ سَأُنزِلُ هذا الحُكمَ على الأعيانِ، لا بُدَّ مِنَ التَّبَيُّنِ في حالِه [قالَ الشيخُ أحمدُ الحازمي في (شرح تحفة الطالب والجليس): المَسائلُ الخَفِيَّةُ التي هي كُفْرِيَّاتٌ، لا بُدَّ مِن إقامةِ الحُجَّةِ. انتهى]، هَلْ وَقَعَ في المَناطِ المُكَفِّرِ؟، يَعنِي هَلْ عَرَفَ [أيِ العاذِرُ بِالجَهلِ] أنَّ هذا [أيْ مُرتَكِبَ الشِّركِ الجاهِلَ المُنتَسِبَ لِلْإسلامِ] وَقَعَ في الكُفرِ، ثم عَرَفَ أنَّ حُكمَ اللهِ فيه الكُفرُ؟، إذا وَقَعَ في هذا المَناطِ يَتَرَتَّبُ عليه الكُفرُ، [لَكِنْ] إذا قالَ {لا، يا أخِي، الجَهلُ مانِعٌ شَرعِيٌّ، نَصَّ الشَّرعُ على أنَّه مانِعٌ}، قُلْنا، لا، لا بُدَّ [أيْ قَبْلَ تَكفِيرِه] مِن إقامةِ الحُجَّةِ وإزالةِ اللَّبْسِ، [وعلى ذلك] فَمِنَ الخَطَأِ أنْ يُقالَ أنَّه [أيِ العاذِرَ بِالجَهلِ] كافِرٌ مُطلَقًا، ومِثلُه [أيْ في الخَطَأِ] أنْ يُقالَ أنَّه لا يَكفُرُ مُطلَقًا، هو [أيِ العاذِرُ بِالجَهلِ] يَقولُ {اللهُ كَفَّرَ المُشرِكِين، هذا الرَّجُلُ وِقَعَ في الشِّركِ، لَكِنْ لِمانِعٍ شَرعِيٍ مَنَعَ مِن لُحوقِ الحُكمِ}، هو لا يَرُدُّ الحُكمَ الشَّرعِيَّ الذي هو تَكفِيرُ المُشرِكِين، هو أورَدَ مانِعًا يَستَنِدُ إلى شُبهةِ دَلِيلٍ، فَهذا يَحتاجُ إلى كَشفِ الشُّبهةِ وإزالةِ اللَّبْسِ... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: هو [أيِ العاذِرُ بِالجَهلِ] الآنَ يَقولُ {كَما يُعذَرُ بِالإكراهِ، مِثلَما يُعذَرُ بِالخَطَأِ، هو [أيْ مُرتَكِبُ الشِّركِ الجاهِلُ المُنتَسِبُ لِلْإسلامِ] مَعذورٌ بِالجَهلِ}، فالشُّبهةُ عنده في هذا البابِ في كَونِه [أيِ الجَهلِ] مانِعًا مِن مَوانعِ الأهلِيَّةِ، طَبْعًا هذا باطِلٌ، [ولَكِنَّ] هذه الشُّبهةَ تَجعَلُ المَناطَ غَيْرَ مُتَحقِّقٍ فِيه [أيْ في العاذِرِ] (وهو أنْ يَعرِفَ أنَّ حُكمَ اللهِ فِيه [أيْ في مُرتَكِبِ الشِّركِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ لِلْإسلامِ] كُفْرٌ، ويَمنَعُ منه)... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: مَن بَلَغَنا أنَّه يَعْذُرُ بِالجَهلِ في (أصلِ الدِّينِ)، فَهذا مُبتَدِعٌ ضالٌّ... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: نحن نَظَرْنا في المَناطاتِ [الأربَعةِ المُحتَمَلةِ]، ما وَجَدْنا فِيها شَيئًا مُنضَبِطًا إلَّا المَناطَ الأخِيرَ، [وَ]هو الذي أعمَلَه شَيخُ الإسلامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ، وقَبْلَه القاضِي عِيَاضٌ، وقَبْلَه أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ، ومعه الإمامُ الْبُخَارِيُّ، ومعه الإمامُ أحمَدُ... فَرَدَّ أحَدُ الإِخْوَةِ قائلًا: لو نحن أَقَمْنا الحُجَّةَ على (س) مِنَ الناسِ، كانَ يَعذُرُ بِالجَهلِ [أيْ في مَسائلِ الشِّركِ الأكبَرِ]، هذا الرَّجُلُ أُقِيمَتْ عليه الحُجَّةُ وأُزِيلَتْ عنه الشُّبَهُ، ثم أَصَّرَ على قَولِه، فَبِالإجماعِ يَكفُرُ، صَحِيحٌ؟... فَقالَ الشَّيخُ: نَعَمْ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: هُنا مَسأَلةٌ مُهِمةٌ، قَضِيَّةُ كَيفِيَّةِ إقامةِ الحُجَّةِ، العُلَماءُ ذَكَروا هذه القَضِيَّةَ، إقامةُ الحُجَّةِ تَكونُ بِإزالة اللَّبْسِ وكَشفِ الشُّبهةِ، هَلْ يُمكِنُ أنْ تَظَلَّ هناك شُبْهةٌ قائمةٌ؟، نَعَمْ، يُمكِنُ أنْ تَظَلَّ هناك شُبْهةٌ قائمةٌ... فَرَدَّ أحَدُ الإِخْوَةِ قائلًا: وإذا ظَلَّتْ؟... فَقالَ الشَّيخُ: هنا يُرجَعُ إلى نَظَرِ المُفتِي، لا بُدَّ أنْ أنظُرَ في المُرَجِّحاتِ، هَلْ يَدُلُّ هذا على الإعراضِ؟، هَلْ يَظهَرُ منه حُكْمُ اللهِ فِيه ورَدُّه [أيْ هَلْ يَظهَرُ مِنَ العاذِرِ أنَّه (عَرَفَ حُكْمَ اللهِ في مُرتَكِبِ الشِّركِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ لِلْإسلامِ، ثم رَدَّه)]، ولِهذا الأئمَّةُ يَتَفاوَتون في تَكفِيرِ أعيَانِ مَن يَشتَرِطون إقامةَ الحُجَّةِ عليه، مِنهم مَن يَظهَرُ له أنَّ الحُجَّةَ فِيه (أيْ في المُعَيَّنِ) قائمةٌ، ومِنهم مَن لا يَظهَرُ [قالَ الشَّيخُ أبو بكر القحطاني في (شَرحُ قاعِدةِ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ"): لا بُدَّ أنْ تُقامَ الحُجَّةُ [أَيْ على عاذِرِ (المشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ)] ويُزالَ اللَّبسُ، تُكْشَفَ الشُّبهةُ حتى يَظْهَرَ المَناطُ فيه [أيْ في العاذِرِ]، ما هو المَناطُ؟، يَعنِي أنْ يَتَبَيَّنَ [أيْ للعاذِرِ] الحُكمُ الشَّرعِيُّ فيه [أَيْ في المشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ] ويَرُدَّه، أمَّا إذا ما يَزالُ هو يَرَى الحُكمَ الشَّرعِيَّ فيه هو عَدَمَ كُفرِه، فَهذا [العاذِرُ] لا يُكَفَّرُ إلَّا إذا ظَهَرَتْ عَلاماتٌ وسِيمَا وأحوالٌ تَدُلُّ على أنَّه مُعانِدٌ مُصِرٌّ مُستَكبِرٌ... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني: وهناك بَعضُ المَسائلِ، الحُجَّةُ فيها لا تَقومُ إلَّا بِمَجالِسَ طَوِيلةٍ وبِمُناظَراتٍ وبِكَشفِ شُبهةٍ وإزالةِ لَبسٍ. انتهى]... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: الذي عليه طَلَبةُ العِلْمِ الكِبارُ في هذه المَسأَلةِ [أيْ في حُكْمِ عاذِرِ المُشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ لِلْإسلامِ] يَرَوْنَ أنَّها مَسأَلةٌ مِمَّا يَخْفَى... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: الآنَ، المَسأَلةُ وَصَلَتْ [أيْ بِسَبَبِ خَفائها والجَهلِ بها] إلى أنَّ الإِخْوَةَ المُوَحِّدِين لا يُصَلِّي بَعضُهم خَلْفَ بَعضٍ، الإِخْوَةُ المُوَحِّدون يُكَفِّرُ بَعضُهم بَعضًا، المَسأَلةُ خَطِيرةٌ. انتهى باختصار. وقالَ الشَّيخُ أبو بكر القحطاني أيضًا في (شَرحُ قاعِدةِ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ"): {مَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكِين أو شَكَّ في كُفرِهم أو صَحَّحَ مَذهَبَهم}، هذا ناقِضٌ مُجمَعٌ عليه في الجُملةِ، الآنَ نُرِيدُ أنْ نَعرِفَ (ما هو دَلِيلُ هذا الناقِضِ)، إنَّ هناك أدِلَّةً مُحتَمَلةً أنْ تَكونَ دَلِيلًا عليه، وقالَ بِها أُناسٌ؛ (أ)مِنهم مَن يَقولُ {إنَّ دَلِيلَ هذا الناقِضِ أنَّ مَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكِين لم يَكفُرْ بِالطَّاغوتِ، ومَن لم يَكفُرْ بِالطَّاغوتِ لم يَصِحَّ إسلامُه، واللهُ عَزَّ وجَلَّ يَقولُ (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ)، وصِفةُ الكُفرِ بِالطَّاغوتِ هي تَكفِيرُ المُشرِكِين، وإذا لم يُكَفِّرِ المُشرِكِين لم يَكفُرْ بِالطَّاغوتِ}، مِنَ النَّاسِ مَن يَجعَلُ هذا دَلِيلًا، وهو مُحتَمَلٌ؛ (ب)مِنهم مَن يَقولُ {لا، بَلْ له مَناطٌ آخَرُ، وهو أنَّ هذا الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكَ هو جاهِلٌ بِالتَّوحِيدِ، والذي يَجْهَلُ التَّوحِيدَ لم يَدخُلِ الإسلامَ أصلًا}، هذا مَناطٌ آخَرُ وهو مُحتَمَلٌ؛ (ت)مَناطٌ ثالِثٌ، مِنهم مَن يَقولُ {إنَّ هذا الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكَ يَعتَقِدُه مُسلِمًا، ولا شَكَّ أنَّه إذا كانَ يَعتَقِدُه مُسلِمًا فَإنَّه يُوالِيه فَيَدخُلُ في كُفرِ المُوالاةِ، لِأنَّه لا شَكَّ أنَّ أيَّ مُسلِمٍ لا بُدَّ أنْ يُوالِيَ المُسلِمَ ولو بِأدنَى صُوَرِ المُوالاةِ وبِأدنَى شُعَبِها، فَإذا كانَ يُوالِي هذا الكافِرَ فَإنَّه يَدخُلُ في قَولِ اللهِ (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)}، هذا مَناطٌ ثالِثٌ مُحتَمَلٌ؛ (ث)الرابِعُ، مِنهم مَن يَقولُ {إنَّ هذا تَسمِيَةٌ لِلشِّركِ إسلامًا، وهذا مُخالِفٌ لِوَضعِ الشَّرِيعةِ وتَسمِيَتِه، يَعنِي اللهُ يُسَمِّيه كَذا وأنتَ تُسَمِّيه بِخِلافِ اِسْمِه، فَإنَّك تَكفُرُ بِذلك}؛ (ج)المَناطُ الخامِسُ المُحتَمَلُ هو أنَّ الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكِين هو رادٌّ لِحُكمِ اللهِ فِيهم وجاحِدٌ له، وإذا كانَ رادًّا وجاحِدًا فَإنَّه يَكفُرُ؛ إذًا معنا الآنَ خَمسُ مَناطاتٍ، مِن أينَ أتَيتُ بِهذه المَناطاتِ؟، نحن حِينَما نَظَرْنا لِكُلِّ ما يَحتَجُّ بِه المُخالِفُ ما وجَدْناهم [أيِ الذِين يُكَفِّرون عاذِرَ المُشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ قَبْلَ إقامةِ الحُجَّةِ، والبَيَانِ الذي تَزُولُ معه الشُّبهةُ] يَخرُجون عن هذه الأوصافِ [وهي المَناطاتُ الخَمسُ السابِقُ بَيَانُها]، قالَ أهلُ العِلْمِ {ويَكفِي في الاستِقراءِ غَلَبةُ الظَّنِّ}، [ونحن] ما نَعرِفُ أنَّ هناك مَناطًا يَبنون عليه حُكمًا [يَعنِي الحُكمَ بِتَكفِيرِ العاذِرِ] غَيْرَ هذه المَناطاتِ التي أورَدْناها، ومِن خِلالِ المُشاهَدةِ والتَّجرُبةِ والمُحاوَرةِ والمُناظَرةِ خَلَصْنا إلى هذا... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: الذي يَصرِفُ عِبادةً مِن أنواعِ العِباداتِ لِلطَّاغوتِ، كَأَنْ يَدعُوَه أو يَستَغِيثُ بِه، هَلْ دَلَّتِ الأدِلَّةُ على كُفرِ هذا؟، القُرآنُ كُلُّه أتَى بِهذا {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ، إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} وغَيرُها مِنَ الآيَاتِ التي تُبَيِّنُ كُفرَ وشِركَ مَن يَصرِفُ عِبادةً إلى الطاغوتِ، فَهذا يَدُلُّ على أنَّ الذي يَصرِفُ له نَوعًا مِن أنواعِ العِبادةِ لم يَجتَنِبْه ولم يَكفُرْ بِه... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: الذي يَتَحاكَمُ إليه [أيْ إلى الطَّاغوتِ]، هَلِ اِجتَنَبَ الطَّاغوتَ؟، لم يَجتَنِبِ الطَّاغوتَ، وجاءَتِ النُّصوصُ القُرآنِيَّةُ طافِحةً بِهذا {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ}، إذًا التَّحاكُمُ إلى الطَّاغوتِ هو ضِدُّ الكُفرِ بِه، ثم اِستَدِلَّ بِما شِئتَ مِنَ الآيَاتِ الوارِدةِ في كُفرِ المُتَحاكِمِ إلى غَيرِ شَرِيعةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ [وهي] كَثِيرةٌ {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، الآيَاتُ واضِحةٌ ظاهِرةٌ، الذي يَتَوَجَّهُ [أيْ إلى الطَّاغوتِ] بِعِبادةٍ، والذي يَتَحاكَمُ إلى الطَّاغوتِ، لم يَكفُرْ بِه [أيْ بِالطَّاغوتِ] بِنَصِّ القُرآنِ... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: والذي يُناصِرُ الطَّاغوتَ {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ}؟، هذا الذي يُقاتِلُ في سَبِيلِه [أيْ في سَبِيلِ الطَّاغوتِ] وفي نُصرَتِه، هَلْ كَفَرَ بِالطَّاغوتِ؟، لم يَكفُرْ بِالطَّاغوتِ، لِأنَّه مُقاتِلٌ في نُصرَتِه وفي سَبِيلِه، إذًا الذي يَصرِفُ لَه [أيْ لِلطَّاغوتِ] عِبادةً، الذي يَتَحاكَمُ إليه، الذي يُناصِرُه، كُلُّ هؤلاء نَصَّ اللهُ عَزَّ وجلَّ عليهم في الكُفرِ، لِماذا؟، لِأنَّهم لم يَجتَنِبوا عِبادتَه [أيْ عِبادةَ الطَّاغوتِ]، فَهو لم يَدخُلْ في مَعْنَى {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا}... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: اِجتِنابُ الطَّاغوتِ التي نَصَّ الشَّرعُ عليها هي قَضِيَّةُ (العِبادةِ، التَّحاكُمِ، النُّصرةِ)... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: إنَّ تَكفِيرَ أعيَانِ المُشرِكِين ليس رُكنًا في الكُفرِ بِالطَّاغوتِ أو شَرطًا له، ولَكِنَّه مِن لَوازِمِه وواجِباتِه كَما حَكَى اللهُ عَزَّ وجَلَّ عن أنبِيائه، ورَسولِه وأصحابِه، تَكفِيرَهم [أيْ تَكفِيرَ أعيَانِ المُشرِكِين] والبَراءةَ مِنهم ومُعاداتَهم، لا شكَّ أنَّه [أيْ تَكفِيرَ أعيَانِ المُشرِكِين] مِن تَمامِ الكُفرِ بِالطَّاغوتِ. انتهى باختصار.


(تابع ما بعده)

أبو ذر التوحيدي
06-04-2023, 11:12 PM
(تابع ما قبله)


(8)وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): ... والصَّوابُ أنَّ كُفرَ الثانِي [يَعنِي المُشرِكَ الجاهِلَ المُنتَسِبَ لِلإسلامِ] نَقضٌ لِأصلِ الدِّينِ الذي هو إفرادُ اللهِ بِالأُلوهِيَّةِ والكُفرُ بِما سِوَاه، ولا عُذرَ لِأحَدٍ فِيه، فَمَن عَبَدَ مَخلوقًا فَهو كافِرٌ جاهِلًا كانَ أو مُعانِدًا؛ أمَّا كُفْرُ العاذِرِ فَمِن بابِ كُفرِ التَّكذِيبِ أو الجُحودِ، لِأنَّ تَكفِيرَ المُشرِكِ مَعلومٌ مِنَ الدِّينِ ضَرورةً، والمُمتَنِعُ مِنَ الإكفارِ مُكَذِّبٌ لِأخبارِ الشارِعِ؛ وعلى هذا التَّفرِيقِ بَيْنَ الأمْرَين جَرَى أهلُ العِلْمِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: أمَا نَوعُ كُفرِ مَن لم يُكَفِّرْهم [أيْ لم يُكَفِّرِ المُشرِكِين الجاهِلِين المُنتَسِبِين لِلإسلامِ] فَهو مِن بابِ التَّكذِيبِ لِأخبارِ اللهِ ورُسُلِه، لِأنَّ مِن حَكَمَ بِأَسلَمةِ عُبَّادِ الأوثانِ فَهو مُكَذِّبٌ لِخَبَرِ اللهِ ورُسُلِه في تَكفِيرِ المُشرِكِين، ومَن كَذَّبَ أخبارَ اللهِ والرُّسُلِ فَهو كافِرٌ قَطعًا، والعُلَماءُ رَدُّوا هذا الكُفرَ إلى نَوعِ التَّكذِيبِ لِأخبارِ اللهِ ورُسُلِه. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (الجَوابُ المَسبوكُ "المَجموعةُ الأُولَى"): تَكفِيرُ المُشرِكِين ليس شَرطًا لِصِحَّةِ الإيمانِ والإسلامِ، بَلْ هو مِنَ الواجِباتِ الضَّرورِيَّةِ بَعْدَ ثُبوتِ أصلِ الإسلامِ لِلْمُكَلَّفِ، وإلَّا لَبَيَّنَه الرَّسولُ عليه السَّلامُ كَشَرطٍ لِصِحَّةِ الإيمانِ في أَوَّلِ عَرضِ الدَّعوةِ المُحَمَّدِيَّةِ على الناسِ وعندما كانَ يُنادِي بِأعلَى صَوتِه {أَيُّهَا النَّاسُ، قُولُوا (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) تُفْلِحُوا}، فَمَن أتَى بِهذه الكَلِمةِ [أيْ بِقَولِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)،] فَقَدْ أفلَحَ إلَّا أْن يَظْهَرَ مِنه خِلافُ ذلك، نَعَمْ، تَكفِيرُ المُشرِكِين مِن حيث الجُملةُ واجِبٌ مَعلومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرورةِ، وليس مِن أصلِ الدِّينِ [الذي] لا يَصِحُّ الإسلامُ إلَّا بِه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: وفي المَسائلِ المَعلومةِ بِالضَّرورةِ (المَسائلِ الظاهِرةِ)، كَوُجوبِ الصَّلاةِ والزَّكاةِ والصَّومِ والحَجِّ والجِهادِ والأمْرِ بِالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ، ووُجوبِ تَكفِيرِ المُشرِكِين [أيْ مِن حيث الجُملةُ]، وتَحرِيمِ الخَمرِ والرِّبا والزِّنَا، يُكَفَّرُ المُتَمَكِّنُ مِنَ العِلْمِ، ولا يُكَفَّرُ الجاهِلُ غَيرُ المُقَصِّرِ؛ وأمَّا أصلُ الدِّينِ (الذي هو إفرادُ اللهِ بِالأُلوهِيَّةِ والكُفْرُ بِما يُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ) فَلا عُذرَ فِيه لِأحَدٍ مِنَ الناسِ، فَمَن عَبَدَ غَيْرَ اللهِ فَهو كافِرٌ جاهِلًا كانَ أو مُعانِدًا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: أمَّا نَوعُ هذا الكُفرِ [أيْ كُفرِ مَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكَ] فَهو مِن بابِ التَّكذِيبِ بِاللَّهِ وبِرُسُلِه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الحُكْمُ بِالإيمانِ والكُفرِ على الشَّخصِ بِظاهِرِ فِعْلِه وقَولِه أمْرٌ مَقطوعٌ بِه في الكِتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ العُلَماءِ، قالَ أبو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ [فِي (الْمُوَافَقَاتِ)] {أَصْلَ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ مَقْطُوعٌ بِهِ فِي الاعْتِقَادِ فِي الْغَيْرِ، فَإِنَّ سَيِّدَ الْبَشَرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ إِعْلَامِهِ بِالْوَحْيِ يُجْرِي الأُمُورَ عَلَى ظَوَاهِرِهَا فِي الْمُنَافِقِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ عَلِمَ بَوَاطِنَ أَحْوَالِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ [أيِ العِلمُ بِبَوَاطِنِ الْمُنَافِقِينَ بِواسِطةِ الوَحْيِ] بِمُخْرِجِهِ عَنْ جَرَيَانِ الظَّوَاهِرِ عَلَى مَا جَرَتْ عَلَيْهِ}، وأعمالُ الجوارِحِ تُعرِبُ عَمَّا في الضَّمائرِ، والأصلُ مُطابَقةُ الظاهِرِ لِلْباطِنِ، ولم نُؤْمَرْ أنْ نُنَقِّبَ عنِ القُلوبِ ولا أنْ نَشُقَّ البُطونَ، لا في بابِ الإيمانِ ولا في بابِ الكُفرِ، بَلْ نَكِلُ ما غابَ عَنَّا إلى عَلَّامِ الغُيوبِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ قَصْدَ اللَّفظِ الظاهِرِ يَتَضَمَّنُ قَصْدَ مَعْنَى اللَّفظِ وحَقِيقَتِه، إلَّا أنْ يُعارِضَه قَصدٌ آخَرُ مُعتَبَرٌ شَرعًا كالإكراهِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: أجمَعَ العُلَماءُ على أنَّ الأصلَ في الكَلامِ حَمْلُه على ظاهِرِ مَعناه ما لم يَتَعَذَّرِ الحَمْلُ لِدَلِيلٍ يُوجِبُ الصَّرْفَ، لِأنَّنا مُتَعَبَّدون بِاعتِقادِ الظاهِرِ مِن كَلامِ اللهِ وكَلامِ رَسولِه وكَلامِ الناسِ؛ قالَ أمِيرُ المُؤمِنِين عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ {إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدِ اِنْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ [أَيْ أَصْبَحَ في أَمَانٍ، وصارَ عندنا أَمِينًا] وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ} وفي رِوايَةٍ {أَلَا وَإِنَّ النَّبِيَّ قَدِ انْطَلَقَ، وَقَدِ انْقَطَعَ الْوَحْيُ، وَإِنَّمَا نَعْرِفُكُمْ بِمَا نَقُولُ لَكُمْ (مَنْ أَظْهَرَ مِنْكُمْ خَيْرًا ظَنَنَّا بِهِ خَيْرًا وَأَحْبَبْنَاهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا شَرًّا ظَنَنَّا بِهِ شَرًّا، وَأَبْغَضْنَاهُ عَلَيْهِ، سَرَائِرُكُمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ)}؛ وقالَ الإمامُ اِبْنُ الْقَيِّمِ [في (إعْلَامُ الْمُوَقِّعِينَ)] {هَذَا شَأْنُ عَامَّةِ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَفْهُومِ مِنْهُ عِنْدَ الإطْلَاقِ، لَا سِيَّمَا الأحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي عَلَّقَ الشَّارِعُ بِهَا أَحْكَامَهَا، فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْصِدَ بِتِلْكَ الألْفَاظِ مَعَانِيَهَا، وَالْمُسْتَمِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَهَا عَلَى تِلْكَ الْمَعَانِي، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ مَعَانِيَهَا بَلْ تَكَلَّمَ بِهَا غَيْرَ قَاصِدٍ لِمَعَانِيهَا أَوْ قَاصِدًا لِغَيْرِهَا أَبْطَلَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ قَصْدَهُ، فَإِنْ كَانَ هَازِلًا أَوْ لَاعِبًا لَمْ يَقْصِدِ الْمَعْنَى أَلْزَمَهُ الشَّارِعُ الْمَعْنَى كَمَنْ هَزَلَ بِالْكُفْرِ وَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ، بَلْ لَوْ تَكَلَّمَ الْكَافِرُ بِكَلِمَةِ الإسْلَامِ هَازِلًا أُلْزِمَ بِهِ وَجَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامه ظَاهِرًا}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الأصلُ فِيمن أظهَرَ الكُفرَ أنَّه كافِرٌ رَبْطًا لِلْحُكمِ بِسَبَبِه وهو أصلٌ مُتَّفَقٌ عليه، قالَ الإمامُ الْقَرَافِيُّ (ت684هـ) [في (شرح تنقيح الفصول)] {القاعِدةُ أنَّ النِّيَّةَ إنَّما يُحتاجُ إليها إذا كانَ اللَّفظُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الإفادةِ وعَدَمِها، أمَّا ما يُفِيدُ مَعْناه أو مُقتَضاه -قَطعًا أو ظاهِرًا- فَلا يُحتاجُ لِلنِّيَّةِ، ولِذلك أجمَعَ الفُقَهاءُ على أنَّ صَرائحَ الألفاظِ لا تَحتاجُ إلى نِيَّةٍ لِدَلالَتِها إمَّا قَطعًا، أو ظاهِرًا (وهو الأكثَرُ)... والمُعتَمَدُ في ذلك كُلِّه أنَّ الظُّهورَ مُغْنٍ عنِ القَصدِ والتَّعيِينِ}، وقالَ اِبْنُ حَجَرٍ الفَقِيهُ [يَعنِي (الْهَيْتَمِيَّ) في (الإعلام بقواطع الإسلام)] {... هذا اللَّفظُ ظاهِرٌ في الكُفرِ، وعند ظُهورِ اللَّفظ فِيه [أيْ في الكُفرِ] لا يُحتاجُ إلى نِيَّةٍ، كَما عُلِمَ مِن فُروعٍ كَثِيرةٍ مَرَّتْ وتَأْتِي}، إذْ مَناطُ الحُكمِ هُنا قَصدُ فِعْلِ السَّبَبِ وتَرَتُّبُ الحُكمِ على سَبَبِه، فَإذا أتَى المُكَلَّفُ بِالسَّبَبِ قَصدًا [فَخَرَجَ بِذلك ما كانَ مِن سَبْقِ لِسَانٍ] واختِيَارًا [فَخَرَجَ بِذلك المُكْرَهُ] لَزِمَه حُكْمُه شاءَ أَمْ أَبَى... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الأصلُ تَرَتُّبُ المُسَبَّبِ على سَبَبِه، وتَرتِيبُ الأحكامِ على الأسبابِ لِلشَّارِعِ لا لِلْمُكَلَّفِ، فَإذا أتَى المُكَلَّفُ بِالسَّبَبِ لَزِمَه حُكْمُه شاءَ أَمْ أَبَى، قالَ الإمامُ الْقَرَافِيُّ [في (الذَّخِيرَةُ في فُروعِ المالِكِيَّةِ)] {وَلَيْسَ لِلْمُكَلَّفِ خِيَرَةٌ فِي إِبْطَالِ الأسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَا فِي اِقْتِطَاعِ مُسَبَّبَاتِهَا [أيْ أحكامِها]}، وقالَ شَيخُ الإسلامِ [في (الفتاوى الكبرى)] في تَكفِيرِ الهازِلِ {وَتَرَتُّبُ الأحْكَامِ عَلَى الأسْبَابِ لِلشَّارِع}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: هناك شُروطٌ أجمَعَ الناسُ على مُراعاتِها في بابِ التَّكفِيرِ، وهي العَقلُ، والاختِيارُ (الطَّوعُ)، وقَصدُ الفِعلِ والقَولِ؛ وهناك مَوانِعُ مِن التَّكفِيرِ مُجمَعٌ عليها، وهي عَدَمُ العَقلِ، والإكراهُ، وانتِفاءُ القَصدِ؛ وهناك شُروطٌ اُختُلِفَ في مُراعاتِها، كالبُلوغِ، والصَّحوِ؛ ومَوانِعُ تَنازَعَ الناسُ فيها، كَعَدَمِ البُلوغِ، والسُّكْرِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: قالَ [النَّوَوِيُّ في (رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ)] {لَا تُقْبَلُ دَعْوَى سَبْقِ اللِّسَانِ فِي الظَّاهِرِ إِلَّا إِذَا وُجِدَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ}، والمَذاهِبُ الأُخرَى لا تُخالِفُ في قُبولِ دَعْوَى السَّبْقِ عند وُجودِ القَرائنِ. انتهى باختصار. وقالَ الشَّيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (إسعافُ السائلِ بِأَجوِبةِ المَسائلِ): إنَّ مَسأَلةَ الحُكمِ على الأعيَانِ والطَّوائفِ تَقبَلُ الخِلافَ السائغَ بَعْدَ الاتِّفاقِ على مَأْخَذِ التَّكفِيرِ، خِلافًا لِمَا يَظهَرُ مِن مَقالِ وحالِ شُيوخِ مُكافَحةِ الإرهابِ... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ الصومالي-: إنَّ الحُكمَ على الأعيَانِ مِن مَوارِدِ الاجتِهادِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ الحُكمَ على الأشخاصِ مَسأَلةُ اِجتِهادٍ تَعتَمِدُ على المَعلوماتِ المُتَوِّفَّرةِ لَدَى المُكَفِّرِ، أخطَأَ أمْ أصابَ، فَقَدْ حَكَم عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ بِكُفرِ حاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، ومُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِنِفاقِ الأنصارِيِّ الذي قَطَعَ صَلاتَه [جاءَ في المَوسوعةِ الحَدِيثِيَّةِ (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ عَلوي بن عبدالقادر السَّقَّاف): يُخبِرُ جابِرُ بنُ عَبدِاللهِ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ مُعاذًا رَضِيَ اللهُ عنه صَلَّى بِهم يَومًا، فَقَرَأَ بِهِم سُورةَ البَقَرةِ، فتَجَوَّزَ رَجُلٌ -قِيلَ {هو حَزْمُ بْنُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ}، وقِيلَ غَيرُ ذلك- فَصَلَّى مُنفرِدًا صَلاةً خَفِيفةً (بِأَنْ قَطَعَ الصَّلاةَ، أو قَطَعَ القُدوةَ بِمُعاذٍ رضِيَ اللهُ عنه وأكمَلَ مُنفَرِدًا)، فَبَلَغَ ذلك مُعاذًا رَضِيَ اللهُ عنه، فَقالَ {إنَّهُ مُنافِقٌ}. انتهى] لَمَّا أطالَ عليه، وأُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ بِنِفاقِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وقَتَلَ أُسامةُ [بنُ زَيدٍ] الرَّجُلَ الذي أسلَمَ مُتَأَوِّلًا، وكَفَّرَ جَماعةٌ مِنَ التابِعِين الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ مِثلُ طَاوُسِ بْنِ كِيسَانَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ والشَّعْبِيِّ ومُجَاهِدٍ وغَيرِهم، وحَكَمَ جُمهورُ المالِكِيَّةِ بِكُفرِ المَلِكِ الْمُعْتَمِدِ بْنِ عَبَّادٍ آخِرِ مُلوكِ الدَّولةِ العَبَّادِيَّةِ، وكَفَّرَ الشَّيخُ عَبدُالرحمن بْنُ حسن [هو الشَّيخُ عبدُالرحمن بنُ حسن بن محمد بن عبدالوهاب، المُلَقَّبُ بِـ (المُجَدِّدِ الثانِي)] الطائفةَ الأشعَرِيَّةَ في عَهدِه، وكَفَّرَ أئمَّةُ الدَّعوةِ النَّجدِيَّةِ الدَّولةَ العُثمانِيَّةَ في عَهدِها الأخِيرِ، وحَكَمَ الشَّيخُ عُثْمَانُ بْنُ فُودُي [ت1232هـ] بِكُفرِ مُلوكِ هَوْسَا [بِلادُ الهَوْسَا تَشمَلُ ما يُعرَفُ الآنَ بِشَمالِ نَيْجِيرْيَا وجُزْءًا مِن جُمهورِيَّةِ النَّيجَرِ]، وحَكَمَ أئمَّةُ الدَّعوةِ النَّجدِيَّةِ بِكُفرِ القَبائلِ التي لم تَقبَلْ دَعوةَ التَّوحِيدِ (إمَّا بِكُفرٍ أصلِيٍّ أو بِرِدَّةٍ، على خِلافٍ بَيْنَهم)، وقَضَى كَثيِرٌ مِن أهل العِلْمِ بِكُفرِ الدُّوَلِ المُحَكِّمةِ لِلْقَوانِينِ الوَضعِيَّةِ وإنْ كانَتْ مُنتَسبةً لِلإسلامِ، وحَكَمَ العُلَماءُ بِكُفرِ الحبيب بورقيبة [الذي حَكَمَ تُونِسَ] وجمال عبدالناصر [الذي حَكَمَ مِصْرَ] والنميري [الذي حَكَمَ السُّودانَ] وحافظ الأسد [الذي حَكَمَ سُورِيَا] وصَدَّام حسين [الذي حَكَمَ العراقَ] ومعمر القذافي [الذي حَكَمَ لِيبْيَا]، وحُكومةِ عَدَنَ اليَمَنِيَّةِ، وحَكَمَ الشَّيخُ اِبنُ باز بِكُفرِ روجي جارودي الفَرَنْسِيِّ، إلى أمثِلةٍ لا يَحصُرُها العَدُّ والإحصاءُ، فَلَمْ أرَ مَن يَنسِبُ المُكَفِّرُ إلى بِدعةِ الغُلُوِّ مِمَّن يُعتَدُّ بِقَولِه بِسَبَبِ الخِلافِ في الحُكمِ على الأعيَانِ، كَما هي قاعِدةُ شُيوخِ مُكافَحةِ الإرهابِ فَتَراهم يَقولون {فُلانُ بنُ فُلانٍ تَكفِيرِيٌّ، لِأنَّه كَفَّرَ الشَّيخَ الفُلانِيَّ} و{هذا تَكفِيرِيٌّ لِأنَّه كَفَّرَ الطائفةَ الفُلانِيَّةَ}، رَغْمَ مَعرِفَتِهم بِأَنَّ التَّكفِيرَ حُكْمٌ شَرعِيٌّ يَعودُ إلى مَناطِه لا إلى الأشخاصِ والطَّوائفِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: والمَقصودُ هنا أنَّ اِختِلافَ الناسِ في الحُكمِ على الأعيَانِ بَعْدَ الاتِّفاقِ على الأُصولِ في الكُفرِ والتَّكفِيرِ سائغٌ، فَلا يَنبَغِي التَّجَنِّي على الغَيرِ بِسَبَبِه، نَظَرًا لِاختِلافِهم في بَعضِ مَوانعِ التَّكفِيرِ؛ هذا، وقد تَختَلِفُ الأنظارُ في تَحقِيقِ مَناطِ التَّكفِيرِ في المُعَيَّنِ؛ وعَهدِي بِشُيوخِ مُكافَحةِ الإرهابِ الرَّمْيُ بِبِدعةِ التَّكفِيرِ كُلَّما خُولِفوا في التَّطبِيقِ لا في التَّأصِيلِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (التنبيهاتُ على ما في الإشارات والدلائل من الأغلوطات): ضابِطُ قِيامِ الحُجَّةِ على المُكَلَّفِ هو تَمَكُّنُه مِنَ العِلْمِ لا حَقِيقةُ بُلوغِ العِلْمِ، وجَمِيعُ النُّصوصِ الدَّالةِ على الأحوالِ التي يُعذَرُ فيها بِالجَهلِ والتي لا يُعذَرُ فيها، كُلُّ هذه يَجمَعُها ضابِطٌ واحِدٌ، وهو التَّمَكُّنُ مِنَ العِلْمِ أو عَدَمُه، لَكِنَّه [أيْ لَكِنَّ هذا الضابِطَ] لَمَّا كانَ في الغالِبِ غَيرَ مُنضَبِطٍ أو خَفِيًّا بِالنِّسبةِ لِلأعيانِ [أيْ بِالنِّسبةِ لِمَعرِفةِ تَحَقُّقِه في الأعيانِ] أناطَ الفُقَهاءُ الحُكمَ بِمَناطاتٍ ظاهِرةٍ مُنضَبِطةٍ في الأغلَبِ مِثْلِ {قِدَمُ الإسلامِ في دارِ إسلامٍ في المَسائلِ الظاهِرةِ مَظَنَّةٌ لِقِيامِ الحُجَّةِ وتَحَقُّقِ المَناطِ}، ولِهذا يَقولُ العُلَماءُ {إنَّه لا عُذرَ بِالجَهلِ لِلمُقِيمِ في دارِ الإسلامِ لِأنَّها مَظَنَّةٌ لِانتِشارِ العِلْمِ وأنَّ المُكَلَّفَ يَتَمَكَّنُ مِن عِلْمِ ما يَجِبُ عليه فيها}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: حَداثةُ الإسلامِ أو عَدَمُ مُخالَطةِ المُسلِمِين (مِثْلُ مَن نَشَأَ في بادِيَةٍ بَعِيدةٍ أو في شاهِقِ جَبَلٍ أو في دارِ كُفرٍ) مَظَنَّةٌ لِعَدَمِ قِيامِ الحُجَّةِ وتَحَقُّقِ المَناطِ في المَسائلِ الظاهِرةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ مِن أُصولِ الشَّرِيعةِ الإسلامِيَّةِ أنَّ الحِكمةَ إذا كانَتْ خَفِيَّةً أو مُنتَشِرةً [أيْ غَيرَ مُنضَبِطةٍ] يُناطُ الحُكْمُ بِالوَصفِ الظاهِرِ المُنضَبِطِ، والضابِطُ الذي يَحكُمُ كُلَّ الصُّوَرِ [المُتَعَلِّقةِ بِقِيامِ الحُجَّةِ على المُكَلَّفِ] هو التَّمَكُّنُ مِنَ العِلْمِ أو عَدَمُه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: المَسائلُ الخَفِيَّةُ التي يَخفَى عِلْمُها على كَثِيرٍ مِنَ المُسلِمِين لا يَكفُرُ فيها إلَّا المُعانِدُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: وقد تَختَلِفُ أنظارُ الباحِثِين في تَقيِيمِ بَلَدٍ أو طائفةٍ بِالنِّسبةِ لِهذا المَناطِ [وهو التَّمَكُّنُ مِنَ العِلْمِ أو عَدَمُه]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: ومِمَّا يَنبَغِي التَّنبِيهُ عليه أنَّ هذا المَناطَ إذا تَحَقَّقَ [يَعنِي (إذا تَحَقَّقَ التَّمَكُّنُ مِنَ العِلْمِ)] لا يَتَأثَّرُ بِحُكمِ الدارِ كُفرًا أو إسلامًا، لِأنَّ مَناطَ الحُكمِ على الدَّارِ راجِعٌ عند الجَمهورِ إلى الأحكامِ المُطَبَّقةِ فيها والمُنَفِّذِ لها، بينما يَعودُ مَناطُ العُذرِ بِالجَهلِ وعَدَمِ العُذرِ إلى التَّمَكُّنِ مِنَ العِلْمِ أو العَجزِ عنه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ لِلنَّاسِ في التَّكفِيرِ مَذاهِبَ وطَرائقَ مُختَلِفةً، وكُلٌّ يَعزُو نِحْلَتَه إلى السَّلَفِ كَيْ لا يُنسَبَ إلى الإحداثِ والبِدعةِ، فَعَلَى الطالِبِ أنْ يَأْخُذَ حَذَرَه مِن تلك المَذاهِبِ المَعزُوَّةِ إلى السَّلَفِ الصالِحِ في مَسائلِ الكُفرِ والإيمانِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ الاتِّفاقَ على مَأْخَذِ التَّكفِيرِ يَمنَعُ رَمْيَ المُخالِفِ بِبِدعةِ التَّكفِيرِ مِن أجلِ الاختِلافِ في الفَرعِ ([أَعْنِي] الحُكمَ على الأعيَانِ)... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ الاختِلافَ في الأحكامِ مع الاتِّفاقِ على مَأْخَذِ التَّكفِيرِ لا يُسَوِّغُ رَمْيَ المُخالِفِ بِبِدعةِ التَّكفِيرِ. انتهى باختصار.

(9)وجاءَ في كِتابِ (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) أنَّ اللَّجنةَ (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود) قالَتْ: ومَن نَظَرَ في البِلادِ التي اِنتَشَرَ فيها الإسلامُ وَجَدَ مَن يَعيِشُ فيها يَتَجاذَبُه فَرِيقان، فَرِيقٌ يَدعو إلى البِدَعِ على اِختِلافِ أنواعِها (شِركِيَّةٍ وغَيرِ شِركِيَّةٍ)، ويُلَبِّسُ على الناسِ ويُزَيِّنُ لَهم بِدعَتَه بِما اِستَطاعَ مِن أحادِيثَ لا تَصِحُّ وقِصَصٍ عَجِيبةٍ غَرِيبةٍ، يُورِدُها بِأُسلوبٍ شَيِّقٍ جَذَّابٍ، وفَرِيقٌ يَدعو إلى الحَقِّ والهُدَى، ويُقِيمُ على ذلك الأدِلَّةَ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، ويُبَيِّنُ بُطلانَ ما دَعا إليه الفَرِيقُ الآخَرُ وما فيه مِن زَيفٍ، فَكانَ في بَلاغِ هذا الفَرِيقِ وبَيَانِه الكِفايَةُ في إقامةِ الحُجَّةِ، وإنْ قَلَّ عدَدُهم فَإنَّ العِبرةَ بِبِيَانِ الحَقِّ بِدَلِيلِه لا بِكَثرةِ العَدَدِ، فَمَن كانَ عاقِلًا وعاشَ في مِثْلِ هذه البِلادِ واستَطاعَ أنْ يَعرِفَ الحَقَّ مِن أهلِه إذا جَدَّ في طَلَبِه وسَلِمَ مِنَ الهَوَى والعَصَبِيَّةِ، ولم يَغتَرَّ بِغِنَى الأغنِيَاءِ ولا بِسِيَادةِ الزُّعَماءِ ولا بِوَجاهةِ الوُجَهاءِ، ولا اِختَلَّ مِيزانُ تَفكِيرِه، [لم يَكُنْ] مِنَ الذِين قالَ اللهُ فيهم {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا، يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا، وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا، رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}... ثم قالَتْ -أيِ اللَّجنةُ-: لا يَجوزُ لِطائفةِ المُوَحِّدِين الذِين يَعتَقِدون كُفرَ عُبَّادِ القُبورِ أنْ يُكَفِّروا إخوانَهم المُوَحِّدِين الذِين تَوَقَّفوا في كُفرِهم [أيْ في كُفرِ عُبَّادِ القُبورِ] حتى تُقامَ عليهم [أيْ على عُبَّادِ القُبورِ] الحُجَّةُ، لِأنَّ تَوَقُّفَهم عن تَكفِيرِهم له شُبْهةٌ وهي اِعتِقادُهم أنَّه لا بُدَّ مِن إقامةِ الحُجَّةِ على أُولَئك القُبورِيِّين قَبْلَ تَكفِيرِهم، بِخِلافِ مَن لا شُبْهةَ في كُفرِه كاليَهودِ والنَّصارَى والشُّيوعِيِّين وأشباهِهم فَهؤلاء لا شُبْهةَ في كُفرِهم ولا في كُفرِ مَن لم يُكَفِّرْهم. انتهى باختصار. وجاءَ أيضًا في كِتابِ (فتاوى اللجنة الدائمة) أنَّ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء ((عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود) سُئلَتْ {نُرِيدُ مَعرِفةَ حُكمَ مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ؟}، فأجابَتِ اللَّجنةُ: مَن ثَبَتَ كُفرُه وَجَبَ اِعتِقادُ كُفرِه والحُكْمُ عليه به، وإقامةُ وَلِيِّ الأمرِ حَدَّ الرِّدَّةِ عليه إنْ لم يَتُبْ، ومَن لم يُكَفِّرْ مَن ثَبَتَ كُفْرُه فَهو كافِرٌ إلَّا أنْ تَكونَ له شُبهةٌ في ذلك فَلا بُدَّ مِن كَشفِها. انتهى.


(تم بحمد الله)



ويمكنك تحميل الكتاب الذي نُقِلَ منه الموضوع من خلال الدخول على أَيٍّ من الروابط التالية:
(https://archive.org/details/@user_43918?&sort=-addeddate)https://archive.org/details/@user_43918?&sort=-addeddate
(https://www.mediafire.com/folder/cck743bqrv6t5)https://www.mediafire.com/folder/cck743bqrv6t5
(https://hewar111.weebly.com)https://hewar111.weebly.com
(https://hewar111.wixsite.com/hewar)https://hewar111.wixsite.com/hewar
(https://hewar111.yolasite.com)https://hewar111.yolasite.com
(https://hewar111.medium.com/حوار-حول-حكم-الصلاة-في-مسجد-فيه-قبر-c120926d4218)https://hewar111.medium.com/حوار-حول-حكم-الصلاة-في-مسجد-فيه-قبر-c120926d4218


كما يمكنك تَصَفُّحُ الكتاب أونلاين من خلال الدخول على أَيٍّ من الروابط التالية:
(https://hewar.neocities.org)https://hewar.neocities.org
(http://hewar.orgfree.com)http://hewar.orgfree.com
(http://hewar.infinityfreeapp.com)http://hewar.infinityfreeapp.com
(http://hewar.hyperphp.com)http://hewar.hyperphp.com
(http://hewar.byethost7.com)http://hewar.byethost7.com
(http://hywar.atwebpages.com)http://hywar.atwebpages.com

أبو ذر التوحيدي
09-07-2023, 07:11 PM
أود التنبيه على أن الكتاب المنقول منه الموضوع، هو كتاب يشتمل على الكثير من مسائل العقيدة والمنهج التي يحتاج إلى معرفتها كل موحد، ولذلك احرص أخي الموحد على تحميل الكتاب وقراءته بالكامل، فستجد فيه إن شاء الله خيرا كثيرا