المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسألة الحجر الصحي في السنة



Mahmoud Muhammad
06-19-2023, 02:54 PM
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أسامة بن زيد مرفوعا : إذا سَمِعْتُمْ بالطَّاعُونِ بأَرْضٍ فلا تَدْخُلُوها، وإذا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بها فلا تَخْرُجُوا مِنْها فَقُلتُ (أي حبيب بن أبي ثابت): أنْتَ (أي إبراهيم بن سعد) سَمِعْتَهُ يُحَدِّثُ سَعْدًا (ابن أبي وقاص)، ولا يُنْكِرُهُ؟ قالَ: نَعَمْ. وفي رواية :وإذَا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بهَا، فلا تَخْرُجُوا فِرَارًا منه. [وفي رِوايةٍ]: لا يُخْرِجُكُمْ إلَّا فِرَارًا منه.
وكذلك عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّه عَنْهُمَا أنَّ عُمَر بْنِ الْخَطَّابِ خَرَجَ إلَى الشَّامِ حَتَّى إذَا كَانَ بِسَرْغٍ لَقِيَهُ أُمَراءُ الأجْنَادِ أبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ وَأصْحَابُهُ فَأَخْبَرُوهُ أنَّ الْوبَاءَ قَدْ وَقَعَ بالشَّامِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ لي عُمَرُ: ادْعُ لِي المُهاجرِين الأوَّلِينَ فَدَعَوتُهم، فَاسْتَشَارهم، وَأَخْبرَهُم أنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ، فَاخْتلَفوا، فَقَالَ بَعْصُهُمْ: خَرَجْتَ لأَمْرٍ، وَلاَ نَرَى أنْ تَرْجِعَ عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَكَ بَقِيَّة النَّاسِ وَأصْحَابُ رسُولِ اللَّه ﷺ، وَلا نَرَى أنْ تُقْدِمَهُم عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي .. إلى أن قال فجَاءَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَكَانَ مُتَغَيِّبًا في بَعْضِ حَاجَتِهِ، فَقَال: إنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأرْضٍ، فلاَ تَقْدمُوا عَلَيْهِ، وإذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلا تخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ فَحَمِدَ اللَّه تَعَالى عُمَرُ وَانْصَرَفَ، متفقٌ عَلَيْهِ.
وروى البخاري عن عَائِشَة قَالَتْ : " سَأَلْتُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّاعُون فَقَالَ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثهُ اللَّه عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ فَجَعَلَهُ اللَّه رَحْمَة لِلْمُؤْمِنِينَ , مَا مِنْ عَبْد يَكُون فِي بَلَد فَيَكُون فِيهِ فَيَمْكُث لَا يَخْرُج صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَم أَنَّهُ لَا يُصِيبهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّه لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْل أَجْر شَهِيد.
وذهب جمهور العلماء إلى عدم جواز دخول الأرض التي وقع بها الطاعون وكذلك الخروج منها فرارا. لكن لماذا قيد النبي صلى الله عليه وسلم النهي بالخروج فرارا؟ بمعنى أنه يجوز الخروج لمصلحة غير مجرد الفرار من الطاعون.
أما الدخول إليها فنهى عنه لاحتمال انتقال العدوى إلى من يدخل إلى الأرض الموبوءة. أما النهي عن الخروج وتقييده بالخروج فرارا لأن النهي عن الخروج مطلقا من شأنه إيقاع الناس في المشقة لأن أهل الأرض الموبوءة في العادة منهم من يضطر للخروج من الأرض لحاجة وهؤلاء أعدادهم قليلة عادة ولذا يجوز لمن لديه حاجة تضطره للخروج أن يخرج. وفرق بين الدخول والخروج لأن منع الدخول عادة لا يترتب عليه تفويت مصلحة أعظم من المفسدة المقترنة ألا وهي احتمال الإصابة لأن الناس في العادة في غنى عن الدخول لأرض بعينها بخلاف الخروج. أما الفرار تقترن به مفسدة أعظم لأنه يكون عادة بأعداد كبيرة وهو ما يترتب عليه انتشار العدوى انتشارا سريعا ومن هذا الباب على ما ذكره المفسرون عن السلف قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ. الآية. وقيل أنها في شأن الأموات الذين أحياهم النبي حزقيال بإذن من الله في وادي العظام اليابسة (كما في حزقيال37 وذهب بعض الأحبار إلى أنها حقيقة وليست مجرد رؤيا Sanhedrin 92b).ولذا عادة فالدول لا تمنع مطلقا الخروج من الأرض الموبوءة ولا القدوم منها خاصة إذا دعت الحاجة ولم تثبت إصابة الخارج منها أو القادم منها ويقتصر المنع على المصابين. والذي تشير إليه الدراسات أن حظر السفر لا يمنع انتشار الوباء لكنه يؤخره لأسابيع أو شهرين*. ولذا فالعبرة ليس بمنع انتقاله مطلقا ولكن تأخيره وتقليل معدل انتشاره بحيث يمكن استيعاب الإصابات الجديدة.
اما خروج المصابين واختلاطهم بالأصحاء فلا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري: لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ. وفي حالة الطاعون الدملي bubonic plague فالعدوى لا تنتشر بين من ظاهرهم الصحة لان انتقالها عن طريق البراغيث ولا تنتشر من شخص لشخص ويكفي أن يهتموا بنظافة أبدانهم وثيابهم أما الانتقال من شخص لشخص فلا يكون إلا في مرحلة متأخرة من المرض وقطعا بعد ظهور الأعراض عندما ينتقل الميكروب للرئة ويتسبب في الطاعون الرئوي pneumonic plague ولذا لم يكن هناك داع للنهي عن اجتماع الناس لمصلحة دينية أو دنيوية.
------
*على سبيل المثال :
Grépin KA, Ho T, Liu Z, et al
Evidence of the effectiveness of travel-related measures during the early phase of the COVID-19 pandemic: a rapid systematic review
BMJ Global Health 2021;6:e004537.
وكذلك:
https://deohs.washington.edu/edge/blog/are-travel-bans-effective