المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فرعون وهامان وقارون



Mahmoud Muhammad
07-13-2023, 12:56 PM
فرعون

لقد ذكر القرآن أن الملك الذي عبد بني إسرائيل بعد دخولهم إلى مصر كان يطلق عليه لفظ "فرعون" وهو تعريب للكلمة الآرامية P'eR'uWN ܦ݁ܶܪܥܽܘܢ المنقولة عن العبرانية par‛ôh פַּרְעֹה والتي بدورها تحوير للفظ per ʿaa في اللغة المصرية القديمة والتي كانت تستخدم في الإشارة لقصر الملك وللملك نفسه من باب المجاز بدءا من عصر الدولة الحديثة. ثم صارت تستخدم بنفس الوتيرة في الإشارة إلى الملك مثل لقب ḥm حم بدءا من عصر الأسرة 19 وهو اللقب الرسمي لملك مصر حصرا بخلاف غيره من الملوك فلم يكن ذلك اللقب يستخدم في الإشارة إليهم. وكان لقب فرعون يستخدم في المكاتبات الرسمية مثل الرسالة التي بعث بها إلى "إخناتون".
وبالرغم من أن لفظ فرعون استخدم في الكتاب العبراني في الإشارة إلى ملك مصر في عهد إبراهيم ويوسف، إلا أن النصوص الإسلامية تجنبت هذا الاستخدام فأشارت لملك مصر في عهد يوسف بوصف الملك. كما أشارات للحاكم الذي أراد أن يغتصب سارة من إبراهيم بوصف الجبار. ففي الحديث أن إبراهيم قَدِمَ أَرْضَ جَبَّارٍ وَمعهُ سَارَةُ. وهذه الأرض يغلب على الظن أنها مصر كما في قول يوسف: قال اجعلني على خزائن الأرض. وكانت مصر تعرف لدى قدماء المصريين باسم kemet والذي يعني الأرض السوداء وهذا إشارة إلى تربتها الطينية الخصبة. ولما ورد أيضا في سفر التكوين من أن الجدب أصاب أرض كنعان فحمل ذلك إبراهيم على الذهاب إلى مصر و الظاهر أن ذلك كان في عصر المملكة الوسطى في مطلع الألفية الثانية قبل الميلاد. والسجل الأثري لمصر في تلك الحقبة يظهر أنه لكون مصر كانت تتمتع بالخصب و النماء فإن الشعوب المحيطة كانت عندما يصيبها الجدب يلجأ إلى النزوح منها إلى مصر مجموعات بحثا عن الأرض الخصبة. ومن جملة هؤلاء مجموعات سامية من كنعان و بلاد الشام بوجه عام. كما كان يدخلها هؤلاء أيضا للإتجار كما يتضح من تصوير مقبرة خنوم حتب الثاني ibscha relief الذي يرجع لعصر سنوسرت الثاني مطلع الألفية الثانية قبل الميلاد.
والجبار المقصود في الحديث يغلب على ظني أنه أحد حكام أقاليم مصر (أحد أقاليم مصر السفلى تحديدا) الذين كان يشار إلى الواحد منهم بـ Ḥaty-a حاتي عا والذين تمتعوا بقدر من الاستقلالية عن الحكومة المركزية حتى أصبحت الولاية في تلك الأقاليم بالوراثة وكان لأحدهم من النفوذ و الولاء في ولايته أحيانا ما يتخطى الطاعة للملك.




هامان
هامان يغلب على الظن أنه تعريب للقب الكاهن الأعلى في عصر الدولة الحديثة ḥm-nṯr tpj بمعنى الكاهن (خادم الإله) الأول. فـكلمة ḥm-nṯr تعنى الكاهن وقد تطور نطقها في عصر الدولة الحديثة إلى ḫa-am-na-ta كما يتضح من نص بالخط المسماري باللغة الآكادية. و nṯr تعني إله وقد تطور لفظها إلى nata في عصر الدولة الحديثة و noute في اللغة القبطية المنحدرة اللغةالمصرية القديمة.**


و الاعتراض بأن ḥm تنطق (حم ) يجاب عنه بأن مخارج الهاء و الحاء متقاربة ولذلك في اللغة القبطية تنطق الكلمة hime- و المنحدرة من ḥmt و التي تعني امرأة والمشتقة بدورها من ḥm بمعنى خادم - بالهاء و الحاء لأن الحرف هوري ϩ ينطق هاء و حاء. وكذلك لفظ الكاهن تطور في القبطية إلى hont ϩONT. وقد كان الكاهن الأعلى في عصر الدولة الحديثة يشغل أحيانا مناصب عليا في البلاط مثل Roma- Roy الذي شغل منصب الكاهن الأعلى في عهد رمسيس الثاني و مرنبتاح كما كان يحمل لقب iry-pat والذي يعني حرفيا "أحد أعضاء النخبة" وهذا اللقب يحمله فقط أرفع المسئولين ممن يصلون إلى أعلى الرتب في البلاط الملكي وكان المشرف على خزائن وصوامع آمون في معبد الكرنك في طيبه أو الأقصر كما كان المشرف على الإنشاءات ỉmy-r kꜣt وسير الأعمال والحرفيين ويصدر إليهم التوجيهات كما يتضح من النقوش هناك.***

وعلى خلاف ما يدعيه سفر استير من أن هامان (ويلقبونه بالأجاجي) كان وزير أحشويروش والذي يقال أنه خشايارشا الأول أو حتى غيره من ملوك الفرس فلم يكن هناك وزير بهذا الاسم وفق الكشوف الأثرية على أقل تقدير. وقصة سفر إستير لا تعدو أن تكون مجرد قصة من نسج الخيال لتسوغ الاحتفال بعيد المساخر purim الذين يزعمون أنه يخلد ذكرى خلاص اليهود ببلاد فارس من مذبحة على يد هامان الوزير الفارسي. فزوجة خشايارشيا الأول كانت تسمى Amēstris أو Amāstrī والتي تعني المرأة القوية في الفارسية القديمة وليس إستير ولم تكن يهودية. وذكر المؤرخون أن خشايارشيا كان يمكنه فقط أن يتزوج بابنة أحد حلفاء أبيه (داريوس الأول) الستة. ^

قارون
دعوى المصادر اليهودية أن بغي قارون كان بعد الخروج من مصر بينما كان بنو إسرائيل في الصحراء هي دعوى تتسم بالغرابة، إذا كيف يخرج إلى الصحراء بكنوز تنوء بحمل مفاتيحها العصبة أولو القوة أو كنوز يحمل مفاتيحها 300 من البغال بحسب تعبير التلمود. وقد كانت تلك الكنوز في الأصل ليوسف وقد خبأها ثم عثر عليها قارون (أو قورح كما يطلقون عليه) وهو لا يزال بمصر (Pesachim 119a).
بينما ذكر القرآن أن قارون هلك بمصر وأنه كان من حاشية فرعون، فقد قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ. ولذلك كانت الدعوة إلى قتل أبناء من آمن معه من بني إسرائيل وليس الجميع. على أن القرآن ذكر أيضا أنه كان من قوم موسى فبغي عليهم. في حين تذكر تلك المصادر أن سبب التمرد هو أن موسى عيَّن ألصافان بن عُزيئيل زعيما لعشيرة القُهاتيين. وقد كان لقُهات (وهو من نسل لاوي) أربعة أبناء أكبرهم عمران والد موسى وهارون وأصغرهم عزيئيل بينما كان قارون ولد الابن الثاني يصهار، وكان يرى في نفسه الأولى برئاسة العشيرة حيث أن أبناء عمران، الابن الأكبر، ذهبوا بالنبوة والكهانة.
ويرى كثير من العلماء الكتابيين أن القصة الواردة بسفر العدد الإصحاح 16 والتي تتكلم عن هلاك قارون وشيعته داثان و أبيرام من بني رأوبين ومعهم 250 رجلا، في الأصل صيغت من روايتين منفصلتين. الأولى تعود للمصدر اليهوي (وفق الفرضية الوثائقية) تتحدث عن تمرد داثان وأبيرام و 250 رجلا على موسى . والرواية الثانية تتحدث عن تمرد قارون وتعود للمصدر الكهنوتي الذي يعود لما بعد السبي البابلي أي فترة الهيكل الثاني. في حين لم يذكر المصدر التثنوي (التثنية 11 الفقرة 6) سوى هلاك داثان وأبيرام وآل بيتهما .وبالرغم من أن سفر العدد الإصحاح 16 الفقرات 31- 34 يشير إلى هلاك بني قارون إلا أن الإصحاح 26 في الفقرة 11 يقول بنجاتهم.
وغرض القصة وفق تلك الرؤية أن تؤصل لتفرد بني هارون بمنصب الكهانة وكأنها تقول أن مصير من ينازعهم في منصب الكهانة الخسف كقارون أو قورح وشيعته. ذلك أنه كانت هناك طائفة يقال لها بني قارون أو قورح كانت تشتغل بوظيفة الانشاد والتسبيح في الهيكل وبعض الوظائف الخدمية الأخرى بحسب سفر أخبار الأيام الأول الإصحاح 9 و الثاني الإصحاح 20 الفقرة 19. وكأن بني قورح أو قارون جزاء تمرد أبيهم وتحديه لهارون وبنيه جُعلوا مجرد منشدين ومشتغلين بالأعمال الخدمية. كما أسفر البحث الأركيولوجي بمنطقة تل عراد عن قطعة فخار أثرية (الشقفة الأثرية رقم 49 من الطبقة الثامنة والتي ترجع لنهاية القرن الثامن قبل الميلاد) تحمل اسم "بني قورح" bny qrḥ ضمن أطلال تعود لاحدى المعابد الإسرائيلية العتيقة. ووجود دولتين مستقلتين في النصف الأول من الألفية الأولى قبل الميلاد ووجود معابد عديدة في كل منهما يدل على أنه لا يمكن لعشيرة واحدة أن تحتكر منصب الكهانة.* والجدير بالذكر أن اسم قارون أو قورح أطلق على أكثر من شخص في الكتاب العبراني ينتمون لسياقات مختلفة في سفر التكوين و العدد وسفر أخبار الأيام الأول والمزامير. وهذا قد يشي بأنه لا صلة في نفس الأمر لبني قورح أو قارون بقورح أو قارون الذي خسف به.
بينما ذكر القرآن أنه بغى عليهم، وبغيه عليهم هو مشاركته في الدعوة لقتل أبناء من آمن مع موسى واستحياء نساءهم . وقد نصحه قومه من بني إسرائيل ألا يفرح بما آتاه الله من الكنوز وأن يحسن إلى قومه كما أحسن الله إليه فقال إِنَّمَا أُوتِيتُ هذا المال عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أي إنما أدركت هذه الأموال بكسبي ومعرفتي بوجوه المكاسب، وحذقي. فلما خرج عليهم ذات يوم في زينة عظيمة ، وتجمل باهر ، من مراكب وملابس عليه وعلى خدمه وحشمه ، و رآه من يريد الحياة الدنيا ويميل إلى زخرفها وزينتها ، تمنوا أن لو كان لهم مثل الذي أعطي، فخسف الله به وبداره الأرض.

-------
المصاردر

Encyclopaedia Judaica, Korah *
Herzog, Z., Aharoni, M., Rainey, A. F., & Moshkovitz, S. (1984). The Israelite Fortress at Arad. Bulletin of the American Schools of Oriental Research, (254), 1.
**Quack, J. F., (2013) “Critical Remarks on a Proposed Etymology of Hebrew נצר and Aramaic Nqr”, Journal of Ancient Egyptian Interconnections 5(2), 29-32
***Graffiti in Antiquity, Peter Keegan, pp. 221, 222.
^
https://en.wikipedia.org/wiki/Roma_called_Roy
https://en.wikipedia.org/wiki/Pharaoh
https://en.wikipedia.org/wiki/Purim