المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة التوحيد للشيخ الفوزران



يوسف التازي
08-31-2023, 06:36 AM
تفريغ : خطبة الجمعة لشيخنا العلامة /

صالح بن فوزان الفوزان-حفظه الله-


والتي كانت بعنوان " عقيدة التوحيد "


والتي ألقاها في: الثاني عشر من شهر ربيع الآخر 1434 هجرية


في جامع الأمير متعب بمدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية.

الخطبة الأولى :




الحمد لله رب العالمين أغنانا بحلاله عن حرامه وكفانا بفضله عما سواه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه وسلم تسليما كثيراً.

أما بعد,,,,,,,,,,
أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن عقيدة التوحيد هي أساس الإسلام وأساس الدين وهي أول ما أمر الله جل وعلا به عباده وبين سبحانه إنما خلقهم لها قال تعالى:
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)،
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)،
وبها أرسل الله الرسل وأنزل بها الكتب قال تعالى:
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ)،
قال تعالى:
(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ)،
ولذلك كان كل رسول أول ما يخاطب قومه بقوله:
(يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)،
فهم يبدؤون دعوتهم بالدعوة إلى التوحيد ولقد سار على نهجهم الدعاة المصلحون من علماء هذه الأمة فكانوا يدعون الناس إلى التوحيد ويبينونه للناس ويوضحونه ويدرسون الناس هذا التوحيد لأهميته وهو أول أركان الإسلام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وحج البيت إن استطعت إليه سبيلا"،
فجعل الشهادتين هما الركن الأول من أركان الإسلام وقد بقي النبي صلى الله عليه وسلم في مكة قبل الهجرة ثلاثة عشرة سنة يدعو الناس إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة قبل أن تفرض عليه الصلوات الخمس كبقية أركان الإسلام ولما بعث معاذ إلى أهل اليمن قال له: "إنك تأتي قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أجابوك لذلك فأعلم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم"،
هذا مما يبين لنا أهمية التوحيد وأنه ما لم يتحقق التوحيد فلا فائدة في بقية الأعمال مهما كثرت لأن كل شيء يبنى على غير أساس فإنه ينهار ولذلك اهتم العلماء المحققون والدعاة المصلحون بهذه العقيدة دعوة وتعليما وعناية بها قبل غيرها فأي دعوة لا تبنى على عقيدة التوحيد ولا تهتم بها فهي دعوة فاشلة ودعوة باطلة لأنها على غير أساس وإنما تكون لمقاصد أخرى الله أعلم بها فالواجب الاهتمام بهذه العقيدة وتدريسها وتعليمها للناس في المدارس وفي المساجد وفي المجالس وفي وسائل الإعلام حتى تترسخ وتتبين ويتبين للناس شأنها وكيفيتها ليس المقصود أن الإنسان يعبد ويجتهد في العبادة والعمل دون أن يعرف التوحيد ويخلص العبادة لله عز وجل وأعظم ما يخل بالعقيدة الشرك والعياذ بالله،

(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)،
(وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)،
وهذه العقيدة لها خمسة أركان وخمسة أصول بينها الرسول بقوله صلى الله عليه وسلم: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره"، وأول ما يخل بهذه العقيدة هو الشرك إما أن يبطلها إن كان شركا أكبر، وإما أن ينقصها إن كان شركا أصغر، فالشرك الأكبر هو عبادة غير الله بأي نوع من أنواع العبادة من دعاء وذبح ونذرا وخضوع وغير ذلك من أنواع العبادة فكل عبادة لغير الله فهي شرك وإن كانت للأنبياء أو لملائكة أو للأنبياء أو المرسلين أو للصالحين فهي شرك بالله عز وجل لا يصلح معها عمل ولا يستقيم معه دين أبدا فالمشرك لا يقبل له عمل ولو عبد الله الليل والنهار ما دام خلط العبادة بشرك
(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) –يعني بشرك – (أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)،
والشرك الأصغر قد يسلم الإنسان من الشرك الأكبر ويبغضه ويبعد عنه لكن الشرك الأصغر قليل من يعرفه ويتحرز منه قال صلى الله عليه وسلم: "الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة السوداء على صفاة سوداء في ظلمة الليل"،
وذلك هو الشرك الأصغر وأعظمه الرياء والعياذ بالله، الرياء، قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر" فسئل عنه فقال: "الرياء"، أن يقوم الإنسان يصلي ليحسن صلاته لما يرى من نظر رجل إليه،
وكذلك من يتصدق لأجل أن يمدح ويثنى عليه أو يبني المشاريع الخيرية من أجل أن يخلد ذكره كما يقولون كل هذا لا ينفعه عند الله سبحانه فإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم وصواب على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فأعظم ما يخل بالتوحيد هو الشرك وأعظم ما يخل بالعبادة ويبطلها هو البدعة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"،
وقال صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"،
"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، أي مردود عليه لا يقبله الله سبحانه وتعالى فالله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه من الشرك وصوابا على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم خاليا من البدع والمحدثات، فاتقوا الله عباد الله تعلموا عقيدتكم تعلموا التوحيد ولو باختصار لأن من الناس من يزهد في التوحيد ويقول الناس كلهم مسلمون تعلمون المسلمون التوحيد الناس مسلمون وهذا من جهله أو من زيغه والعياذ بالله، نعم المسلم يبين له التوحيد ويدرس التوحيد لأجل أن يصحح عقيدته ويتجنب ما يبطلها أو ينقصها فاتقوا الله عباد الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولي جميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنهُ هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية :

الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكرهُ على توفيقهِ وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابهِ وسلم تسليماً كثيراً.
، أما بعد:أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن هناك كثيرين يتسمون بالإسلام ولكنهم يحاربون عقيدة التوحيد ويحذرون من التوحيد ويقولون لا تفرقوا بين الناس يكفي أنه مسلم ينتسب إلى المسلم والناس أحرار في عقائدهم وفي وفي..،

كأننا همل لم يبعث إلينا رسول ولم ينزل علينا كتاب بل كلا على رأيه وكلا على عقيدته وهذا كلام باطل ومع الأسف ينادي به بعض من يتسمون بالدعوة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،
لا بد من بيان هذا لا بد من معرفة العقيدة الصحيحة لا بد من دراستها ولو بصفة مختصرة وميسرة فعلى المسلم أن يتقي الله، كذلك أيها الأخوة والبلاء العظيم ما يبث في وسائل الاتصالات وفي المواقع وفي الانترنت ما يبث من الدعايات الباطلة والنيل من عقيدة التوحيد ومن أهل التوحيد وإلقاء الشبهات على الناس والخرافات فاتقوا الله واحذروا من هذه الوسائل وجنبوها بيوتكم وابعدوها عن ذراريكم وعن أهل بيوتكم ابعدوا هذه الوسائل عنهم التي تنشر الشر والشرك والبدع والمحدثات وتزهد في التوحيد وفي السنة وتصف متمسكين بالسنة والمحققين بالتوحيد بأنهم تكفيريون وأنهم متشددون إلى آخر ما يقولون فاحذروا من هؤلاء يا عباد الله أقبلوا على عقيدتكم دراسة وتعلما وتعليما وعملا بها،

الذهاب إلى السحرة يخل بالعقيدة أو يبطلها كما قال صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهنا وصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم"، ومن أتى كاهنا فقد أشرك فلا يجوز الذهاب إلى المشعوذين والخرافيين والذين يتسمون بالرقية الشرعية كما يقولون وهم كذبة دجالون متأكلون لا يعرفون الرقية الشرعية وإنما يلبسون على الناس والناس بصفة أنهم مرضى يحتاجون للعلاج فيذهبون إليهم دون أن يعرفون عقيدتهم ودون أن يعرفوا ما يعالجون به فاتقوا الله يا عباد الله يلجؤون من المرض الدنيوي إلى المرض في العقيدة لأن الشعوذة والشرك مرض في العقيدة فهم يعالجون أجسامهم بزعمهم ولا يعالجون عقيدتهم فاتقوا الله عباد الله حافظوا على عقيدتكم فإنها رأس مالكم إنها أساس دينكم فألزموها وتعلموها واحذروا مما يدعوا ضدها أو يزهد فيها ويرخصها على الناس.
واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)،
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مستقرا وسائر بلاد المسلمين عامةً يا ربَّ العالمين، اللَّهُمَّ كف عنا عدوان المعتدين وظلم الظالمين وجور الجائرين،
اللَّهُمَّ كف عنا بأس الذين كفروا فأنت أشد بأسا وأشد تنكيلا،
اللَّهُمَّ من أرد الإسلام والمسلمين بسوء أو أذى فأشغله في نفسه وصرف عنا كيده، وجعل تدميره في تدبيره، وأدر عليه دائرة السوء وأنزل به بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين،
اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا وجهلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مظلين،
اللَّهُمَّ أصلح بطانتهم ورزقهم الجلساء الصالحين الناصحين،
اللَّهُمَّ أنصر بهم دينك وحفظ بهم أمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطاننا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا،
(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).عبادَ الله،
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،
(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)،
فذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

منقول

يوسف التازي
08-31-2023, 07:06 AM
حكم الاستغاثة بغير الله سبحانه
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: نشرت صحيفة المجتمع الكويتية في عددها 15 الصادر في 19/ 4/ 1390هـ. أبياتا تحت عنوان (في ذكرى المولد النبوي الشريف) تتضمن الاستغاثة بالنبيفقد نشرت صحيفة المجتمع الكويتية في عددها 15 الصادر في 19/ 4/ 1390هـ. أبياتا تحت عنوان (في ذكرى المولد النبوي الشريف) تتضمن الاستغاثة بالنبي ﷺ والاستنصار به لإدراك الأمة ونصرها وتخليصها مما وقعت فيه من التفرق والاختلاف بإمضاء من سمت نفسها (آمنة) وهذا نص الأبيات المشار إليها:
يا رسول الله أدرك عالما يشعل الحرب ويصلى من لظاها
يــا رســول الله أدرك أمــة فــي ظـلام الشرك قد طال سراها
يــا رســول الله أدرك أمـة في متاهات الأسى ضاعت رؤاهاإلى أن قالت:
يـــا رســـــول الله أدرك أمــة في ظلام الشك قد طال سراها
عـــجــل الــنصـــر كمـا عجلته يــوم بــــدر حيــن ناديــت الإله
فــاستحــال الذل نصــرا رائعـــا إن لله جـــــنــــودا لا تـــراهـــاهكذا توجه هذه الكاتبة نداءها واستغاثتها إلى الرسول ﷺ طالبة منه إدراك الأمة بتعجيل النصر، ناسية أو جاهلة أن النصر بيد الله وحده ليس ذلك بيد النبي ﷺ ولا غيره من المخلوقات كما قال الله سبحانه في كتابه المبين: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [آل عمران:126] وقال عز وجل: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:160]
وقد علم بالنص والإجماع أن الله سبحانه خلق الخلق ليعبدوه وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيان تلك العبادة والدعوة إليها كما قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُواا الطَّاغُوتَ [النحل:36] وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] وقال عز وجل: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ۝ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ [هود:1، 2]
فأوضح سبحانه في هذه الآيات المحكمات أنه لم يخلق الثقلين إلا ليعبدوه وحده لا شريك له، وبين أنه أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام للأمر بهذه العبادة والنهي عن ضدها، وأخبر عز وجل أنه أحكم آيات كتابه وفصلها لئلا يعبد غيره سبحانه، والعبادة: هي توحيده وطاعته بامتثال أوامره وترك نواهيه، وقد أمر الله بذلك في آيات كثيرات منها، قوله سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] الآية، وقوله عز وجل: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] وقوله سبحانه: فَاعْبُدِ اللَّهََ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ۝ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2، 3] والآيات في هذا المعنى كثيرة، كلها تدل على وجوب إخلاص العبادة لله وحده وترك عبادة ما سواه من الأنبياء وغيرهم.
ولا ريب أن الدعاء من أهم أنواع العبادة وأجمعها فوجب إخلاصه لله وحده، كما قال عز وجل: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر:14] وقال عز وجل: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] وهذا يعم جميع المخلوقات من الأنبياء وغيرهم؛ لأن (أحدا) نكرة في سياق النهي فتعم كل من سوى الله سبحانه. وقال تعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَاا يَضُرُّكَ [يونس:106] وهذا خطاب للنبي ﷺ، ومعلوم أن الله سبحانه قد عصمه من الشرك وإنما المراد من ذلك تحذير غيره.
ثم قال عز وجل: فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106] فإذا كان سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام لو دعا غير الله يكون من الظالمين فكيف بغيره، والظلم إذا أطلق يراد به الشرك الأكبر، كما قال الله سبحانه: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254] وقال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] فعلم بهذه الآيات وغيرها أن دعاء غير الله من الأموات والأشجار والأصنام وغيرها شرك بالله عز وجل، ينافي العبادة التي خلق الله الثقلين من أجلها، وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيانها والدعوة إليها، وهذا هو معنى لا إله إلا الله فإن معناها لا معبود حق إلا الله، فهي تنفي العبادة عن غير الله وتثبتها لله وحده، كما قال الله سبحانه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62] وهذا هو أصل الدين وأساس الملة ولا تصح العبادات إلا بعد صحة هذا الأصل كما قال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ۝ بَلِ اللَّهََ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الزمر:65-66] وقال سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88].
ودين الإسلام مبني على أصلين عظيمين:
أحدهما: أن لا يعبد إلا الله وحده.
والثاني: أن لا يعبد إلا بشريعة نبيه ورسوله محمد ﷺ.
وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فمن دعا الأموات من الأنبياء وغيرهم، أو دعا الأصنام أو الأشجار أو الأحجار، أو غير ذلك من المخلوقات، أو استغاث بهم أو تقرب إليهم بالذبائح والنذور أو صلى لهم أو سجد لهم، فقد اتخذهم أربابا من دون الله وجعلهم أندادا له سبحانه، وهذا يناقض هذا الأصل وينافي معنى لا إله إلا الله، كما أن من ابتدع في الدين ما لم يأذن به الله لم يحقق معنى شهادة أن محمدا رسول الله، وقد قال الله عز وجل: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23] وهذه هي أعمال من مات على الشرك بالله عز وجل، وهكذا الأعمال المبتدعة التي لم يأذن بها الله فإنها تكون يوم القيامة هباء منثورا؛ لكونها لم توافق شرعه المطهر، كما قال النبي ﷺ: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد متفق على صحته.هذه الكاتبة قد وجهت استغاثتها ودعاءها للرسول ﷺ وأعرضت عن رب العالمين الذي بيده النصر والضر والنفع وليس بيد غيره شيء من ذلك، ولا شك أن هذا ظلم عظيم وشرك وخيم
وهذه الكاتبة قد وجهت استغاثتها ودعاءها للرسول ﷺ وأعرضت عن رب العالمين الذي بيده النصر والضر والنفع وليس بيد غيره شيء من ذلك، ولا شك أن هذا ظلم عظيم وشرك وخيم، وقد أمر الله عز وجل بدعائه سبحانه ووعد من يدعوه بالاستجابة وتوعد من استكبر عن ذلك بدخول جهنم، كما قال عز وجل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] أي: صاغرين ذليلين، وقد دلت هذه الآية الكريمة على أن الدعاء عبادة، وعلى أن من استكبر عنه فمأواه جهنم. فإذا كانت هذه حال من استكبر عن دعاء الله فكيف تكون حال من دعا غيره وأعرض عنه وهو سبحانه القريب المجيب، المالك لكل شيء، والقادر على كل شيء، كما قال سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]
وقد أخبر الرسول ﷺ في الحديث الصحيح أن الدعاء: هو العبادة، وقال لابن عمه عبدالله بن عباس رضي الله عنهم احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله أخرجه الترمذي وغيره، وقال ﷺ: من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار رواه البخاري، وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه سئل أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك والند: هو النظير والمثيل لكل من دعا غير الله، أو استغاث به، أو نذر له، أو ذبح له، أو صرف له شيئا من العبادة سوى ما تقدم فقد اتخذه ندا لله سواء كان نبيا أو وليا أو ملكا أو جنيا أو صنما أو غير ذلك من المخلوقات.
أما سؤال الحي الحاضر ما يقدر عليه والاستعانة به في الأمور الحسية التي يقدر عليها، فليس ذلك من الشرك، بل ذلك من الأمور العادية الجائزة بين المسلمين، كما قال تعالى في قصة موسى: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15] وكما قال تعالى في قصة موسى أيضا: فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ [القصص:21] وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب وغيرها من الأمور التي تعرض للناس ويحتاجون فيها إلى أن يستعين بعضهم ببعض، وقد أمر الله نبيه ﷺ أن يبلغ الناس أنه لا يملك لأحد نفعا ولا ضرا فقال في سورة الجن: قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ۝ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا [الجن:20، 21] وقال تعالى في سورة الأعراف: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنََ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188] والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وهو ﷺ لا يدعو إلا ربه ولا يستغيث إلا به، وكان يوم بدر يستغيث بالله ويستنصره على عدوه ويلح في ذلك، ويقول: يا رب انجز لي ما وعدتني حتى قال الصديق الأكبر أبو بكر رضي الله عنه: (حسبك يا رسول الله فإن الله منجز لك ما وعدك) وأنزل الله سبحانه في ذلك قوله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ۝ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:9، 10] فذكرهم سبحانه في هذه الآيات استغاثتهم به وأخبر أنه استجاب لهم بإمدادهم بالملائكة، ثم بين سبحانه أن النصر ليس من الملائكة وإنما أمدهم بهم للتبشير بالنصر والطمأنينة وبين أن النصر من عنده فقال: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [الأنفال:10] وقال عز وجل في سورة آل عمران: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهََ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران:123] فبين في هذه الآية أنه سبحانه هو الناصر لهم يوم بدر فعلم بذلك أن ما أعطاهم من السلاح والقوة، وما أمدهم به من الملائكة كل ذلك من أسباب النصر والتبشير والطمأنينة وليس النصر منها، بل هو من عند الله وحده، فكيف يجوز لهذه الكاتبة أو غيرها أن توجه استغاثتها وطلبها النصر إلى النبي ﷺ وتعرض عن رب العالمين المالك لكل شيء والقادر على كل شيء.
لا شك أن هذا من أقبح الجهل، بل من أعظم الشرك، فالواجب على الكاتبة أن تتوب إلى الله سبحانه توبة نصوحا وذلك بالندم على ما وقع منها والإقلاع منه والعزم على عدم العود إليه، تعظيما لله، سبحانه توبة نصوحا وذلك بالندم على ما وقع منها والإقلاع منه والعزم على عدم العود إليه، تعظيما لله، وإخلاصا له، وامتثالا لأمره، وحذرا مما نهى عنه، هذه هي التوبة النصوح، وإذا كانت من حق المخلوقين وجب في التوبة أمر رابع هو رد الحق إلى مستحقه أو تحلله منه، وقد أمر الله سبحانه عباده بالتوبة ووعدهم قبولها كما قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] وقال في حق النصارى: أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:74] وقال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ۝ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ۝ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكََ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:68-70] وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى:25] وصح عن رسول الله ﷺ أنه قال: الإسلام يهدم ما كان قبله والتوبة تجب ما كان قبلها ولعظم خطر الشرك وكونه أعظم الذنوب وخشية الاغترار بما صدر من هذه الكاتبة، ولوجوب النصح لله ولعباده حررت هذه الكلمة الموجزة.
واسأل الله عز وجل أن ينفع بها، وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين جميعا، وأن يمن علينا جميعا بالفقه في الدين والثبات عليه، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه[1].
نشرت بمجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، العدد الرابع، السنة الثانية في ربيع الثاني سنة 1390هـ كما نشرت ضمن الرسائل الثلاث المطبوعة سنة 1414هـ انظر ج1 ص156- 162، (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 2/ 108).
من موقع الشيح ابن باز رحمه الله وجزاه الله عن الاسلام والمسلمين خير الجزاء وأسكنه فسيح جناته