المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عندما تتبرقعُ القـِرْدة (زوجة القرد) !!



الفارس مفروس
09-15-2006, 12:30 PM
كنت بحاجة للضحك أول أمس ، حين سمعت اعترافات الرئيس بوش عن استئجاره لمجموعة من السجون "السرية" فى بلادٍ صديقة وحليفة ، تتولى فيها المخابرات الأمريكية بطريقة أشبه بالجريمة المنظمة ، انتزاع المزيد من كرامة البشر لأغراضٍ إنتخابية بحتة ، أو إعلاميةٍ محضة ، قد تعود بالنفع على شعبية سيادة الرئيس المتدهورة فى بلاده ، فلم يجد أىُّ أحدٍ غصةً فى حلقه من اقتراف شئٍ ولو يسيرٍ من "ثقافة" التعذيب المتحضر ، وربما ما يحمد لهم فى هذا الصدد أن تلك الممارسة كانت سرية للغاية ، وموضع تخفٍ وخجل ، حفاظاً على أحاسيس العالم الحر ، وحماية له من خدش كبريائه الزجاجى ، حتى جاء الزمان والمكان إلى حيز الواقع ، وفضفض بها الرئيس الملهم على أعين الجوقة فى سوق العالم .

العملية "السرية" ليست فى محتواها "التقنى" إلا تكراراً لمسلسل التعذيب للبشرية المسلمة ، وهى السلالة المتهمة عن بكرة أبيها واللى خلفوها بدور الإرهاب ، وتعد تلك العملية النوعية إضافة حضارية جديدة لمنبع الثقافة المهذبة ، المعنية بحماية الحدود الجغرافية للأمريكيين ، المبنية على فتات الكرامة البشرية ، إنها عودة حميدة لانتهاك حقوق الإنسان والحيوان والصخور ، وهى الممارسة التى يبيعها الأمريكيون "إعلامياً" على أنها محاولة للتخلص من نفايات الكوكب ، ويشاطرهم فى هذا الإحساس اللطيف بكثير من التهليل والتصفيق ، أولئك الذين تقاطعت مصالحهم عند رقبة الإسلام وأهله ، وتواطأت مع الأمريكيين نياتهم فى كراهية العودة للإسلام كوسيلة صالحة للمنافسة على هداية البشرية إلى الخير والعدل ، باعتباره "آخر" من جملة الآخرين الذين نقدسهم فى كل محفل ، فبعد أن كان الرفض لأهلية الإسلام السياسى وأحقيته فى المنافسة قائماً على مجرد الكلام والعويل ، انتقل الآن لمرحلة النفى والمصادرة الجسدية ، وهى مرحلة تميزت بحقارة منقطعة النظير التاريخى على أقل تقدير. فالسر الخفى فى حقيقته ليس إلا عملية "فرز" جسدى عقدى لبعض المسحولين ، والذين قضت المخابرات الأمريكية بكونهم مؤهلين لتلقى "كورس" ثقافى مركز فى معهدها الدولى لحماية حقوق الإنسان !

وفى زمن ليس بالبعيد ، تحدثت التقارير الموثقة عن مجموعة من المطارات السرية (أيضاً) فى بعض الدول الحليفة للأمريكيين فى المنطقة ، والتى تألو على نفسها جهد السؤال عن طبيعة الطرود البشرية التى تنقلها تلك الطائرات المخابراتية عبر الحدود ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ، الأردن والسعودية ومصر وباكستان ، فكانت تلك المطارات تقوم باستقبال طائرات التعذيب المتخصصة فى خطف البنى آدمين من أماكن متفرقة فى العالم ، وتعذيبهم (أى تهيأتهم وتسخينهم لتحقيق متحضر) ، ثم إعادة شحنهم فى طرود أخرى -أو توابيت.. لا فرق- لكى يستكمل العالم المتحضر عملية التنفيس عن سمومه وأحقاده فى أجساد هؤلاء الأبرياء !!

تحدثت التقارير من قبل (بسرية أيضاً) عن قيام الأمريكيين بعقد إتفاقية "تعذيب بالوكالة" بينها وبين بعض الدول الصديقة ، والمعروف عنها فجورها وغيّها المفرط فى ثقافة التعذيب ، وريادتها فى مجال تلفيق التهم وانتزاع الإعترافات المزورة تحت وطأة التنكيل والتهديد الجنسى ، لتقوم بالوكالة باستقبال بعض "النسانيس" البشرية الخاضعة للتجارب الحربية دون أهلية أو حقوق ، ولا يكون الإستقبال بكل تأكيد إلا بترحيب لائق ، تمارس فيه أقصى حالات البذخ البدنى والصعق النفسى. فالدور الأمريكى مقتصر على وظيفة "الحداية" التى تقوم بقنص الضحايا من بيوتهم أو مزارعهم أو مكاتبهم ، ليفجرَ بهم بعد ذلك فى وكالات الأصدقاء مخبرٌ حقير ..أو شرطىٌ معبأ بالأمراض والجهل ، ينتزع من بين اللحم والعصب اعترافاً بأنهم ربما ليسوا كويسين من وجهة النظر الأمريكية !!

وقد لا يعلم الذى يتلقى هذا الكرم الحاتمى طبيعة المطلوب منه على وجه التحديد ، وما هو الشئ الذى يتوجب عليه الإعتراف به ، فالفرار من زبانية الحضارة هو أقصى ما يمكنه التفكير فيه تحت وطأة الإسراف المتبذخ للضيافة ، بعد أن كتبوا حقوقه الإنسانية كاملة على قفاه بالمكواه ، أو حفرها على خلاياه المخية بسلك كهربى قصير !! فالأمر المطلوب انتزاعه من أنفاس هذا المسكين متغيرٌ حد الجنون ، يتراوح بين إرتكاب الجرائم ، والتخطيط لعمليات إرهابية ، وربما محاول نسف البيت الأمريكى بالبمب !

محاولة تسويق الخجل فى طيات الإعتراف المهين لمستر بوش ، كى يظهر -على استحياء- بأنه يقوم بفشخ بعض المواطنين -مضطراً- فى سجون "سرية" ، لم تلق أى قبول لدى حاقد مثلى ، فما حاجتهم إلى إضافة مفردة ساذجة عبيطة كـ "سرية" لمفهوم الثقافة الجسدية المتحضرة الذى تتبناه الإدارة الأمريكية ؟! دلونا على الفائدة بحق آلهة البقر التى يعبدها العالم المتحضر ؟! .. هل محل الإشكال هنا يكمن فى كونها سرية .. أم لأن هذه الأمور المشينة يقوم بها دعاة الإنسانية وحراس الحقوق الآدمية لفصيلة دون جنس الكلاب فى تصانيف المجتمع الدولى ؟! .. الأمريكيون يمرمطون قرابة الأربعمائة بنى آدم فى الفناء الخلفى للعالم المتحضر ، والمسمى جوانتانامو ، ويمسحون بكرامتهم وما تبقى من كرامة أوطانهم بلاط المعتقل ، دون الحاجة لأى سرية أو خجل ، فهم يحتجزون الأفراد بتهمة وحيدة مفهومة لنا على الأقل ، وهى كونهم مسلمين لا يحبون الأمريكين !! فما هى حاجتهم للسرية .. ومن ثم الوقوع فى إثم الإعتراف ، وتأثيره الحرج على شخص بالغٍ غير عاقل كمستر بوش ، يعانى من احساس زائف بالأهمية القصوى فى إعادة ترتيب التاريخ البشرى !؟

حين افتتح الأمريكيون جوانتانامو لم يعترض أحد !
وحين زجوا بمئات المسلمين فيه دون جريمة أو اتهام أو دليل أو حتى أثر لشبهة ، ليذيقوا الأبرياء ألوان العذاب دون أى غطاء شرعى أو تفويض من الأسرة الدولية المنحلة ، لم يكن ذلك من قبيل الصدفة أو الاضطرار الذى يدفع صاحبه لإحتراف الهبل ساعة يأس أو قنوط ، بل هو لون منظم محترف من تدوين الكراهية على صدور الأبرياء ، ووشم كل ألون الحقد العقدى والبغض الدينى على نفوسهم الجريحة ، والمتتبع لسيرة الأمريكيين فى هذا اللون المتحضر من رعاية حقوق الإنسان يجد أنهم محترفون كابراً عن كابر ، وخطف المتهمين وتعذيبهم ليست إلا امتداداً طبيعياً للفكر الصهيونى المجرم فى سياسات الإدارات الأمريكية المتلاحقة ، فالذى يقتل شيخاً قعيداً بصاروخ .. لا يجد غضاضة فى قصف الأطفال بالقنابل العنقودية ، وبين هذا وذاك تجد دائماً التبرير المجرم جاهزاً على ألسنتهم .. أنهم يقومون بخدمة جليلة للبشرية ويدافعون عن عالمهم الحر .. بتحرير الآخرين من ديوان الحياة !

ثم يأتى دور الوكلاء الحصريين للإجرام الأمريكى فى المنطقة ، ولست بصدد الحديث عن دور بولندا أو بلغاريا.. أو بقايا وليمة الحكم الشيوعى فى شرق أوروبا ، فهى دول تبحث لها عن علاقة وثيقة مع الأمريكيين حتى ولو كان الثمن رفع سراويل الحضارة على المشانق ! .. أضف إلى ذلك أن هذه الدول لا تجرؤ على القيام بهذه العلميات القذرة لحساب الأمريكيين إن كان مواطنوها هم المستهدفون ، أو من بين المهدورة كرامتهم مواطناً أوروبياً بشكل عام.

فقط أريد لفت الإنتباه هنا للدور العربى فى هذه الصفقات المنتنة ، فبلادنا بكل شنار وحقار لا تجد أى إشكالية خلقية أو دينية فى فتح أبواب سجونها .. وخوازيق محققيها .. وشلاليط مخبريها .. وهوسها الأمنى المريض ، لأى عابر سبيل يلفظه الأمريكيون فى جوال مغلق أو طرد مغلف ، حتى وإن كان هذا البنى آدم مجرد عربى مسلم ، لا يحمل بين كتفيه أى تهمة ، ولم يعلق الأمريكيون فى أذنيه أى قرط يفيد شبهة أو ربع جرم ، ولم يحاول هذا البلد الصديق (الكويس) أن يفهم ولو على سبيل التغيير ما الدافع وراء هذا التعذيب المباشر ، بل هى مجرد قرارات سادية تتحكم فى مصائر الناس بشكل هوائى عشوائى ، لا يخضع لأى قانون أو مرجعية فى التجريم ، فى زمن صار الجميع مجرمون إلا من رضيت عنه أمريكا ومن غرز فى مغزلها !

فمن المحزن أن نعلم أن البريطانيين يرفضون إتفاقية تبادل السجناء (الإرهابيين) والسياسيين مع دولة كمصر لسبب بسيط جداً ، إلا أنه وجيه فى ذاته ، فهم على يقين أن المحققين المصريين يملكون تدريباً فطرياً طبيعياً فى فن تعذيب المواطنين ، واستحداث الطرق الإجرامية المناسبة لنوع الضحية ، وهذا الكلام ليس من بنات أفكارى ولا من بنينها ، بل هو من الأسباب التى يدرجها القضاة البريطانيون فى حيثيات رفض الترحيل إلى مصر إلا بعد تلقى الضمانات "السياسية" -وليس المهنية أو الأخلاقية- بعدم اخضاعهم للتعذيب بعد عودتهم لبلادهم ، بل إن أقصى ما يتمناه المعتقل المصرى أو العربى بشكل عام فى سجون الأوروبيين ، حتى وإنا كانت التهمة ترقى لخطيئة الإرهاب ، هو أن يتلقى عقوبة مغلظة تحترم آدميته فى سجن لا يعرف فيه أحد ، ولا يبقى يوماً واحداً مع مخبر عربى وكتيبة الموت من ضباط أمن الدولة الأشاوس !!

نعود فنقول أن الأمريكين ليسوا بحاجة للـ "تبرقع" فى تلك القضية تحديداً ، ولا حاجة لمستر بوش أن يعترف بشئ من أسراره الخاصة على ملأ من الرعاع الدوليين المطبلين ، فمن العجيب أيضاً أن نسمع مَن يستخلص من هكذا اعترافٍ شيئاً من "العظمة" للممارسات الأمريكية ، فيثنى على كونهم "يعترفون" ويواجهون الناس "بشجاعة" ولا يكذبون عليهم ، وكأن الخلل الكائن فى هذا المشهد المزرى قد تم حصره بشئ من التزوير المتقن فى شفافية الإعتراف ، دون ربط هذا الإعتراف الشيك بمحتواه المقرف ، مع غض النظر عن كونه فى حقيقة الأمر -أى مستر بوش- يقر بعضمة لسانه أنه قد أضاف لممارسات بلاده الإجرامية المعلنة ، لوناً جديداً غير معلن ، سرى جداً هذه المرة ، يضاف لسجل المنجزات الحضارية لإدارته فى رعاية حقوق الإنسان !!


مفروس

د. أحمد إدريس الطعان
09-23-2006, 06:48 AM
أخي الفارس
إنك تعبر عن ضمير كل مسلم شريف والمسلم ما ينبغي أن يكون إلا شريفاً ..
جزاك الله خيراً ... لا تدع قلمك ينشف ...
ومبارك عليكم وعلينا شهر رمضان ..وكل عام وأنتم بخير