شريف المنشاوى
09-19-2006, 11:47 AM
المصدر (http://www.geocities.com/nassershamali/new_page_91.htm)
أبعاد الإستهداف الأميركي للعرب والمسلمين! و الاستشراق
بقلم: نصر شمالي
في حديث أجرته مؤخراً صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية قال الرئيس بوش أن الولايات المتحدة "لابد لها من أن تقود العالم وتفرض سيادتها حتى وإن لم يرض البعض"! أما تبريره لذلك فهو حماية الحضارة الديمقراطية الغربية من الأخطار التي تتهددها، وأما مصدر الأخطار المزعومة فهو العرب والمسلمين، وقد أضاف بوش أنه "بفضل إرادة الولايات المتحدة استطعنا مقاومة تنظيم القاعدة، واستطعنا خلق مجتمعات حرة في كل من العراق وفلسطين"! أي أن المجتمعات العربية الحرة هي المجتمعات المستعمرة المستعبدة، والعربي الطيب هو العربي الميت!
ليس من جديد في سياسات الولايات المتحدة وحليفاتها سوى أنها باتت تقرن القول المعلن بالفعل الميداني، وهو ما لم تكن تفعله في الماضي، فهي تؤكد اليوم رسمياً التزامها بتحليلات وتوصيات المستشرقين الأوروبيين الذين قسموا البشرية إلى أمم متفوقة تستحق الحياة وأمم وضيعة لا تستحقها!
ومع أن أعمال المستشرقين التي تعود إلى العام 1800 فقط، والتي تقدّر بستين ألف كتاب حتى عام 1950، قد تناول معظمها المشرق العربي، فإن الكثيرين من المشرقيين يظهرون جهلاً محزناً بهذه الأعمال، وتدهشهم وياللعجب مواقف الإدارة الأميركية التي باتت تتبناها رسمياً وعلناً بعد أن كانت تمارس توجيهاتها ميدانياً وتدّعي العكس لفظياً! وقد طالعت مؤخراً كتاباً هاماً أعدّه الدكتور خلف الجراد، عنوانه "أبعاد الاستهداف الأميركي"، تضمن ثلاثة فصول أحدها عن الاستشراق وصناعة الكراهية، وقد عرض فيه المؤلف بإيجاز خلاصات مكثفة ومقاطع بارزة من الفكر الإستشراقي ما كان يجوز أن تبقى غائبة عن الذهن العربي العام غياباً كبيراً حتى يومنا هذا!
آخر فضائح البحث الإستشراقي!
يقول الإسرائيلي داني روبنشتاين:" في الماضي كان المستشرقون الأوروبيون المسيحيون هم الذين يزوّدون الثقافة الأوروبية بالحجج اللازمة لاستعمار الإسلام وقهره، ولقهر اليهود (أيضاً) وتحضيرهم، أما اليوم فإن الحركة اليهودية هي التي تنتج جهاز المسؤولين الاستعماريين، وطروحات اليهود الأيديولوجية عن الذهن الإسلامي أو العربي هي التي تطبّق في إدارة العرب المسلمين، الأقلية المقهورة ضمن الديمقراطية الأوروبية البيضاء التي تدعى إسرائيل"!
إن الإشارة إلى بدايات النشاط الإستشراقي، منذ القرن السادس عشر حيث بدأت التعبئة المركّزة المدوّنة ضدّ الإسلام والعرب، إنما هي إشارة إلى بدايات نهوض العصر الأوروبي الأميركي العالمي على أنقاض العصر العربي الإسلامي العالمي وبفضله، فقد كان نهوض الثاني يقتضي وراثة الأول، وتدميره أيضاً بسبب الاختلاف الجذري في التوجهات والسياسات، فالعربي الإسلامي قامت عقيدته السياسية العالمية على التكافؤ والمساواة بين البشر، بغض النظر عن المخالفات التي هي استثناء لا قاعدة، بينما العقيدة السياسية للأوروبي الأميركي قامت على التمييز وعدم التكافؤ والاحتكار، ثم بدأت صياغة تلك التوليفة الفظيعة التي اعتبرت تاريخ الحضارات البشرية العام مقتصراً على اليهود والإغريق والأوروبيين المعاصرين، واعتبرت كل من هم خارج ذلك أمماً وضيعة! وهكذا رأينا مونتسكيو وفولتير ورينان وغيرهم من فلاسفة ما يسمى بعصر الأنوار، يضعون الصياغات الحاسمة ضدّ الإسلام والعرب ونبيّهم الكريم وقد امتلأت بأبشع التوصيفات والافتراءات، وهي توصيفات وافتراءات تصبح مفهومة الدوافع فقط عندما ننتبه إلى أن العصر الأوروبي الأميركي نهض على أنقاض العصر العربي الإسلامي!
يقول أرنست رينان (1823 – 1892 م):" إن عقول شعوب الشرق وأفريقية مغلقة أمام العلم، ومستقبل الإنسانية متوقف على الأوروبيين، لكن هناك شرطاً ضرورياً لذلك وهو: تحطيم عناصر الحضارة السامية والقوى الدينية للإسلام"! ويقول المستشرق المعاصر برنارد لويس أن الخطر على الإنسانية سوف يكتمل بحيازة المسلمين للسلاح النووي، حيث حيازة هذا السلاح يجب أن لا تكون بيد متعصب جاهل وغير عقلاني كالمسلم!
لقد وصف إدوارد سعيد أفكار المستشرقين المعاصرين بأنها " آخر فضائح البحث العلمي، والأكثر بعداً عن العلم والموضوعية والنقد"! ويفترض أن إدوارد سعيد يشير بذلك إلى سلسلة فضائح البحث الإستشراقي التي بدأت منذ القرن السادس عشر، ويشير بالتالي إلى اقتران آخرها بنهايات هذا العصر الأوروبي الأميركي الظالم ونظامه العالمي الذي أصبح استمراره خطراً جدّياً يهدّد الجنس البشري وكوكب الأرض!
صراع سياسات وليس صراع حضارات!
وكيف لا يكون الأمر كذلك وقد بلغ الشذوذ الفكري بالمستشرقين المعاصرين حداً جعل بول جونسون يكتب في مجلة نيويورك تايمز (18/4/1993) مايلي:" على الأمم المتحضرة أن تضع نصب أعينها مهمة إعادة استعمار العالم الثالث، حيث انهارت الشروط الأساسية الأدنى للحياة المتحضرة، ويجب القيام بذلك عن طريق نظام الوصاية القسرية، وتطبيق نموذج الاستعمار في القرن التاسع عشر، وفرض الأنظمة السياسية بالقوة"!
من الواضح أنه خطاب سياسي وليس حضاري، وأن الصراع الناشب ليس بين الحضارات كما يزعمون بل بين السياسات، فالأمم تنشأ نتيجة تفاعلاتها الداخلية الاجتماعية وتفاعلاتها الخارجية الأممية، كلتيهما معاً، وهي تفاعلات سلمية وحربية موضوعية، وعندما تسود سياسات أمة ما عالمياً فإن ذلك لا يعني انتفاء خصوصية كل أمة على حدة وإنكار دورها في بناء الحضارة الإنسانية الإجمالية، وبالتالي فهو لا يستدعي صراعاً بين الحضارات، ولا يبرر الدعوة إلى استعباد الأمم الأخرى، بل الدعوة إلى إبادتها! فمثل هذه الدعوات هي الشذوذ والحمق بعينهما، تصدر عن فئات أعمتها مصالحها الضيقة وعنصريتها المقيتة!
إنه لمن الضروري جداً الإطلاع على أفكار المستشرقين عبر القرون الخمسة الماضية، وخاصة المعاصرين منهم، الذين اعتمدت واشنطن اليوم أفكارهم كسياسة علنية رسمية، غير أن الاطلاع على ما ورد في تلك الأفكار من افتراءات شنيعة (عرض منها الدكتور خلف الجراد في كتابه عينات كافية ومعبّرة) لا يعني إصابتنا بالصدمة والذهول والإحباط، فهم في الحقيقة يعبّرون بطروحاتهم الشاذة عن أزمتهم المستعصية التي يريدون معالجتها على حساب العرب والمسلمين والبشرية جمعاء! إنه مأزقهم التاريخي قبل أن يكون مأزقنا! وإذا لم يكن ممكناً التوسع هنا في عرض هذه القضية العويصة فإننا نكتفي بإعادة نشر الرسالتين المتبادلتين بين الملك الإنكليزي جورج الثاني والخليفة الأندلسي هشام الثالث، كما وردتا في كتاب "العرب عنصر السيادة في القرون الوسطى" لمؤلفه المؤرخ الإنكليزي جون دوانبورت، ففي هاتين الرسالتين دحض قاطع لادعاءات وافتراءات المستشرقين وحكوماتهم وتلامذتهم!
رسالة الملك الإنكليزي جورج الثاني
من جورج الثاني ملك إنكلترا والغال والسويد والنروج إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام:
بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرقيّ العظيم الذي تتمتع بفيضه الضافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أربعة أركانها. وقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة دوبانت على رأس بعثة من بنات أشراف الإنكليز، لتتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف، وتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم وفي حماية الحاشية الكريمة، والحدب من قبل اللواتي سوف يقمن على تعليمهن، وقد أرفقت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو التكرم بقبولها، مع التعظيم والحب الخالص.
من خادمكم المطيع
جورج. م . أ
جواب الخليفة الأندلسي هشام الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه سيد المرسلين وبعد:
إلى ملك إنكلترا وايكوسيا واسكندنافيا الأجلّ
اطلعت على التماسكم، فوافقت على طلبكم بعد استشارة من يعنيهم الأمر من أرباب الشأن، وعليه نعلمكم أنه سوف ينفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين، دلالة على مودتنا لشخصكم الملكي. أما هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد، وبالمقابل أبعث إليكم بغالي الطنافس الأندلسية، وهي من صنع أبنائنا، هدية لحضرتكم، وفيها المغزى الكافي للتدليل على التفاتتنا ومحبتنا، والسلام.
خليفة رسول الله في ديار الأندلس
هشام
أبعاد الإستهداف الأميركي للعرب والمسلمين! و الاستشراق
بقلم: نصر شمالي
في حديث أجرته مؤخراً صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية قال الرئيس بوش أن الولايات المتحدة "لابد لها من أن تقود العالم وتفرض سيادتها حتى وإن لم يرض البعض"! أما تبريره لذلك فهو حماية الحضارة الديمقراطية الغربية من الأخطار التي تتهددها، وأما مصدر الأخطار المزعومة فهو العرب والمسلمين، وقد أضاف بوش أنه "بفضل إرادة الولايات المتحدة استطعنا مقاومة تنظيم القاعدة، واستطعنا خلق مجتمعات حرة في كل من العراق وفلسطين"! أي أن المجتمعات العربية الحرة هي المجتمعات المستعمرة المستعبدة، والعربي الطيب هو العربي الميت!
ليس من جديد في سياسات الولايات المتحدة وحليفاتها سوى أنها باتت تقرن القول المعلن بالفعل الميداني، وهو ما لم تكن تفعله في الماضي، فهي تؤكد اليوم رسمياً التزامها بتحليلات وتوصيات المستشرقين الأوروبيين الذين قسموا البشرية إلى أمم متفوقة تستحق الحياة وأمم وضيعة لا تستحقها!
ومع أن أعمال المستشرقين التي تعود إلى العام 1800 فقط، والتي تقدّر بستين ألف كتاب حتى عام 1950، قد تناول معظمها المشرق العربي، فإن الكثيرين من المشرقيين يظهرون جهلاً محزناً بهذه الأعمال، وتدهشهم وياللعجب مواقف الإدارة الأميركية التي باتت تتبناها رسمياً وعلناً بعد أن كانت تمارس توجيهاتها ميدانياً وتدّعي العكس لفظياً! وقد طالعت مؤخراً كتاباً هاماً أعدّه الدكتور خلف الجراد، عنوانه "أبعاد الاستهداف الأميركي"، تضمن ثلاثة فصول أحدها عن الاستشراق وصناعة الكراهية، وقد عرض فيه المؤلف بإيجاز خلاصات مكثفة ومقاطع بارزة من الفكر الإستشراقي ما كان يجوز أن تبقى غائبة عن الذهن العربي العام غياباً كبيراً حتى يومنا هذا!
آخر فضائح البحث الإستشراقي!
يقول الإسرائيلي داني روبنشتاين:" في الماضي كان المستشرقون الأوروبيون المسيحيون هم الذين يزوّدون الثقافة الأوروبية بالحجج اللازمة لاستعمار الإسلام وقهره، ولقهر اليهود (أيضاً) وتحضيرهم، أما اليوم فإن الحركة اليهودية هي التي تنتج جهاز المسؤولين الاستعماريين، وطروحات اليهود الأيديولوجية عن الذهن الإسلامي أو العربي هي التي تطبّق في إدارة العرب المسلمين، الأقلية المقهورة ضمن الديمقراطية الأوروبية البيضاء التي تدعى إسرائيل"!
إن الإشارة إلى بدايات النشاط الإستشراقي، منذ القرن السادس عشر حيث بدأت التعبئة المركّزة المدوّنة ضدّ الإسلام والعرب، إنما هي إشارة إلى بدايات نهوض العصر الأوروبي الأميركي العالمي على أنقاض العصر العربي الإسلامي العالمي وبفضله، فقد كان نهوض الثاني يقتضي وراثة الأول، وتدميره أيضاً بسبب الاختلاف الجذري في التوجهات والسياسات، فالعربي الإسلامي قامت عقيدته السياسية العالمية على التكافؤ والمساواة بين البشر، بغض النظر عن المخالفات التي هي استثناء لا قاعدة، بينما العقيدة السياسية للأوروبي الأميركي قامت على التمييز وعدم التكافؤ والاحتكار، ثم بدأت صياغة تلك التوليفة الفظيعة التي اعتبرت تاريخ الحضارات البشرية العام مقتصراً على اليهود والإغريق والأوروبيين المعاصرين، واعتبرت كل من هم خارج ذلك أمماً وضيعة! وهكذا رأينا مونتسكيو وفولتير ورينان وغيرهم من فلاسفة ما يسمى بعصر الأنوار، يضعون الصياغات الحاسمة ضدّ الإسلام والعرب ونبيّهم الكريم وقد امتلأت بأبشع التوصيفات والافتراءات، وهي توصيفات وافتراءات تصبح مفهومة الدوافع فقط عندما ننتبه إلى أن العصر الأوروبي الأميركي نهض على أنقاض العصر العربي الإسلامي!
يقول أرنست رينان (1823 – 1892 م):" إن عقول شعوب الشرق وأفريقية مغلقة أمام العلم، ومستقبل الإنسانية متوقف على الأوروبيين، لكن هناك شرطاً ضرورياً لذلك وهو: تحطيم عناصر الحضارة السامية والقوى الدينية للإسلام"! ويقول المستشرق المعاصر برنارد لويس أن الخطر على الإنسانية سوف يكتمل بحيازة المسلمين للسلاح النووي، حيث حيازة هذا السلاح يجب أن لا تكون بيد متعصب جاهل وغير عقلاني كالمسلم!
لقد وصف إدوارد سعيد أفكار المستشرقين المعاصرين بأنها " آخر فضائح البحث العلمي، والأكثر بعداً عن العلم والموضوعية والنقد"! ويفترض أن إدوارد سعيد يشير بذلك إلى سلسلة فضائح البحث الإستشراقي التي بدأت منذ القرن السادس عشر، ويشير بالتالي إلى اقتران آخرها بنهايات هذا العصر الأوروبي الأميركي الظالم ونظامه العالمي الذي أصبح استمراره خطراً جدّياً يهدّد الجنس البشري وكوكب الأرض!
صراع سياسات وليس صراع حضارات!
وكيف لا يكون الأمر كذلك وقد بلغ الشذوذ الفكري بالمستشرقين المعاصرين حداً جعل بول جونسون يكتب في مجلة نيويورك تايمز (18/4/1993) مايلي:" على الأمم المتحضرة أن تضع نصب أعينها مهمة إعادة استعمار العالم الثالث، حيث انهارت الشروط الأساسية الأدنى للحياة المتحضرة، ويجب القيام بذلك عن طريق نظام الوصاية القسرية، وتطبيق نموذج الاستعمار في القرن التاسع عشر، وفرض الأنظمة السياسية بالقوة"!
من الواضح أنه خطاب سياسي وليس حضاري، وأن الصراع الناشب ليس بين الحضارات كما يزعمون بل بين السياسات، فالأمم تنشأ نتيجة تفاعلاتها الداخلية الاجتماعية وتفاعلاتها الخارجية الأممية، كلتيهما معاً، وهي تفاعلات سلمية وحربية موضوعية، وعندما تسود سياسات أمة ما عالمياً فإن ذلك لا يعني انتفاء خصوصية كل أمة على حدة وإنكار دورها في بناء الحضارة الإنسانية الإجمالية، وبالتالي فهو لا يستدعي صراعاً بين الحضارات، ولا يبرر الدعوة إلى استعباد الأمم الأخرى، بل الدعوة إلى إبادتها! فمثل هذه الدعوات هي الشذوذ والحمق بعينهما، تصدر عن فئات أعمتها مصالحها الضيقة وعنصريتها المقيتة!
إنه لمن الضروري جداً الإطلاع على أفكار المستشرقين عبر القرون الخمسة الماضية، وخاصة المعاصرين منهم، الذين اعتمدت واشنطن اليوم أفكارهم كسياسة علنية رسمية، غير أن الاطلاع على ما ورد في تلك الأفكار من افتراءات شنيعة (عرض منها الدكتور خلف الجراد في كتابه عينات كافية ومعبّرة) لا يعني إصابتنا بالصدمة والذهول والإحباط، فهم في الحقيقة يعبّرون بطروحاتهم الشاذة عن أزمتهم المستعصية التي يريدون معالجتها على حساب العرب والمسلمين والبشرية جمعاء! إنه مأزقهم التاريخي قبل أن يكون مأزقنا! وإذا لم يكن ممكناً التوسع هنا في عرض هذه القضية العويصة فإننا نكتفي بإعادة نشر الرسالتين المتبادلتين بين الملك الإنكليزي جورج الثاني والخليفة الأندلسي هشام الثالث، كما وردتا في كتاب "العرب عنصر السيادة في القرون الوسطى" لمؤلفه المؤرخ الإنكليزي جون دوانبورت، ففي هاتين الرسالتين دحض قاطع لادعاءات وافتراءات المستشرقين وحكوماتهم وتلامذتهم!
رسالة الملك الإنكليزي جورج الثاني
من جورج الثاني ملك إنكلترا والغال والسويد والنروج إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام:
بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرقيّ العظيم الذي تتمتع بفيضه الضافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أربعة أركانها. وقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة دوبانت على رأس بعثة من بنات أشراف الإنكليز، لتتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف، وتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم وفي حماية الحاشية الكريمة، والحدب من قبل اللواتي سوف يقمن على تعليمهن، وقد أرفقت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو التكرم بقبولها، مع التعظيم والحب الخالص.
من خادمكم المطيع
جورج. م . أ
جواب الخليفة الأندلسي هشام الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه سيد المرسلين وبعد:
إلى ملك إنكلترا وايكوسيا واسكندنافيا الأجلّ
اطلعت على التماسكم، فوافقت على طلبكم بعد استشارة من يعنيهم الأمر من أرباب الشأن، وعليه نعلمكم أنه سوف ينفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين، دلالة على مودتنا لشخصكم الملكي. أما هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد، وبالمقابل أبعث إليكم بغالي الطنافس الأندلسية، وهي من صنع أبنائنا، هدية لحضرتكم، وفيها المغزى الكافي للتدليل على التفاتتنا ومحبتنا، والسلام.
خليفة رسول الله في ديار الأندلس
هشام