المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التسرع فى الحكم على المخالفين



عاتكة
01-10-2005, 03:38 PM
من كتاب : الافـتــراق مفهومه - أسبابه - سبل الوقاية منه
تأليف : د. ناصر بن عبدالكريم العقل

خطأ الذين يجعلون من الاختلاف ذريعة للتسرع في وصف المخالفين بالخروج ، أو المفارقة ، أو المروق من الدين ، وما يستتبع ذلك من الاستعجال في الحكم على المخالفين دون رجوع إلى قواعد الشرع وأصول الحكم ، ومناهج أئمة الدين في ذلك ؛ لأن التكفير له ضوابطه وأصوله ، حتى مع مرتكبي البدع والأهواء ؛ لأن ترتيب الأحكام عليهم بالكفر أو بالبراء والبغض والهجر ، والتحذير من المخالف مطلقًا ، دون التثبت ودون إقامة الحجة لا يجوز ، أعني بذلك أنه لا ينبغي لكل من رأى أي بدعة في شخص أن يصفه بالمفارقة ولا كل من رأى أمرًا مخالفًا للشرع والدين والسنة أن يصفه بالمفارقة ؛ لأن من الناس من يجهل الأحكام ، والجاهل معذور حتى يعلم ، ومن الناس من يكون مكرهًا في بيئة ، أو في مكان ما ، كما يحدث في بعض البلاد الإسلامية التي يُكره فيها المسلمون - مثلاً - على حلق اللحى ، أو على ترك الجماعة ، أو على التلفظ بالكفر ، أو على ممارسة بعض الأعمال التي لا تجوز شرعًا ، ويكرهون على ذلك ، ولو لم يفعلوا لقتلوا ، أو عذبوا ، أو انتهكت أعراضهم ، أو نحو ذلك .
إذًا فإن عارض الإكراه لابد أن يرد في ذهن الحاكم على الناس بأي حكم من الأحكام ، وقد يكون فاعل البدع أو معتقد الضلالة متأولاً ، ولم تقم عليه الحجة ، فلابد من إقامة الحجة على الناس ، فقد يرى أحدنا منا إنسانًا يرتكب بدعة من البدع التي عادة إنما يرتكبها أهل الافتراق - كبدعة المولد مثلاً - فإذا فعلها إنسان عامي جاهل فلا يعني أن يوصف بالضلال ، حتى يُبيّن له الأمر ، وتقام عليه الحجة ، ولا أن يوصف بالافتراق ، أما فعله فيوصف بالابتداع ، لكن لا يوصف بأنه مفارق أو أنه خارج عن الجماعة ، أو أنه من الفرق الهالكة بمجرد رؤية بدعة أظهرها حتى تقام عليه الحجة ، اللهم إلا البدع المكفرة ، وليس المقام هنا يتسع للكلام عنها .
بل اتهام الناس بالمفارقة للدين فيما هو دون الأصول من البدع والمخالفات والمحدثات لا يجوز ، بل هو من التعجل المذموم ، وينبغي على من رأى شيئًا من ذلك أن يتثبت وأن يسأل أهل العلم ويفترض أن المسلم الذي وقع في ذلك جاهل ، أو متأول ، أو مقلد يحتاج إلى نصح ، وبيان ، وإرشاد ، وأن يعامل ابتداءً بإشفاق ورفق ؛ لأن القصد هدايته لا تجريحه .

عاتكة
01-10-2005, 03:41 PM
الجهل بما يسع فيه الخلاف وبما لا يسع ، أي عدم التفريق عند كثير من المنتسبين للإسلام ، بل ومن المنتسبين للدعوة ، بين ما هو من أمور الخلاف ، وما هو من الأمور التي لا يصح فيها خلاف ، وأضرب لذلك أمثلة :
1- من الناس من يعد بعض المسائل الخلافية من القطعية والأصول دون أن يرجع إلى أصول أهل العلم ، وإلى أقوالهم أو دون أن يهتدي بأهل الفقه في الدين ، الذين يبصرونه في هذه الأمور .
2- ومن ذلك عدم التفريق بين الأمور المكفرة وغير المكفرة .
3- عدم التفريق بين البدعيات الكبرى وما دونها والبدعيات المخرجة من الدين أو المكفرة ومـا دونها ، كثيرًا مـن الأخطاء التي تحـدث مـن الأشخـاص ، أو مـن الهيئـات ، أو من الجماعات - ويكفرهم بعض المتعجلين بسببها - هي ليست كذلك ، فإن بعض الناس إذا عرف بأصل من الأصول التي تكفر ، كالقول مثلاً بأن القرآن مخلوق طبَّقه على كل قائل بهذه المقولة دون الأخذ بأحكام التكفير ، وهكذا في بقية المسائل ، وعدم التفريق بين الأصل وبين الحكم على المعين أمر مخالف لأصول السلف وأصول أهل السنة والجماعة .
إن أهل السنة والجماعة يفرِّقون بين الأحكام العامة بالكفر ، وبالفسق ، وبالتبديع على وجه العموم ، وبين الحكم على المعين ، فقد نحكم على عمل أو شيء ما بأنه كفر ، ونحكم على مقولة ما من المقولات بأنها كفر ، وهذا لا يعني أن كل من اعتقد أو فعل هذا الكفر يكفر ، ولا كل من قال بهذا القول يكفر ، هناك كثيرون لا يفرقون في هذه المسائل فيُكفّرون باللوازم ويُكفّرون دون الأخذ بضوابط التكفير ، مع أن الكفر لا يجوز إطلاقه حتى يتم التثبت ، وبيان الحجة وإقامتها ، وبيان الدليل ومعرفة عدم وجود العوارض المانعة من إطلاق التكفير على المعين ، كالجهل وعدم وجود الإكراه ، وعدم وجود التأول . وهذه مسألة تحتاج إلى مقامات طويلة ، وإلى مقابلة للأشخاص ، وإلى الجلوس إليهم ، ونقاشهم ونصيحتهم ، أما أن نرتب أحكام الكفر على كل من ظهرت منه حالة كفر ، أو مقولة كفر ، أو اعتقاد كفر ، فإن هذا لا يجوز إلا في الأمور الكبرى التي تعلم من الدين بالضرورة ، كمن أنكر شهادة ألا إله إلا الله ، فهذا معلوم من الدين بالضرورة كفره ، أو من أنكر شهادة أن محمدًا رسول الله ، فهذا معلوم من الدين بالضرورة كفره ، أو من سب الرسول -  - فهذا معلوم من الدين بالضرورة كفره ، لكن هناك من أصول الدين ما تخفى دقائقه وتفصيلاته ، وألفاظ الاعتقاد به على العامة ، ومن في حكمهم كمسائل الصفات ، ومسائل القدر ، ومسائل الرؤية ، والشفاعة ومسائل الصحابة ، وغير ذلك من الأمور التي لا يعلمها العامة تفصيلاً ، بل تخفى حتى على بعض من ينتسبون إلى العلم ، تخفى عليهم تفاصيلها ، وربما يتلفظ بعضهم بلفظ كفر ، وهو لا يشعر ، أو وهو لم يعتمد أو هو لا يدري ، أو لم يتمعن العبارة ، فهل هذا يحكم بكفره ابتداءً ؟ طبعًا لا .
إن من أشد الأخطاء التي يقع فيها كثيرون من الذين يتعرضون للحكم على الناس - خاصة بعض صغار طلاب العلم والأحداث منهم ، الذين لم يتفقهوا في الدين على أهل العلم ، إنما أخذوا العلوم الشرعية عن الكتب والوسائل دون الاهتداء ، ودون اقتداء ، دون مراعاة للأصول ، ولا معرفة بأصول الاستدلال وأصول الأحكام - هؤلاء يقع بعض منهم في هذه المسائل الخطيرة ، وهي عدم التفريق بيت الأصول وبين تطبيق الأصول على الجزئيات والحوادث والنوازل .
فأحكام الكفر والتكفير وأحواله ، لا تعني تكفير كل شخص يقول بها ، أو يعملها ، أو يعتقدها ، وأحكام الولاء والبراء ، مثل أحكام التكفير ، لا تعني تطبيق هذا الولاء والبراء على كل من يظهر منه موجبه ، حتى يتم التأكد ، أقصد بذلك البراء بخاصة ، أما الولاء فهو الأصل لكل مسلم ، ولا يجوز التوقف والتبين في الولاء إذا الولاء واجب لكل من يظهر منه الإسلام ، حتى يظهر ويتأكد ما يخالفه .
كذلك عدم اعتبار المصالح والمفاسد أو الجهل بقواعد جلب المصالح ودرء المفاسد سبب من أعظم أسباب الوقوع في هذه الأخطاء وأمثالها .

الجندى
01-10-2005, 06:35 PM
أذكر أن للأخ فيصل القلاف مقال يتكلم عن مسألة اطلاق الأحكام فى موضوع اسمه "هل كان ابن حبان مبتدعاً" ، ياليته ينقل كلامه هنا حتى تعم الفائدة .