المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مادة شعرية حول عصور الشعر العربي



عاشق اللغة العربية
10-04-2006, 05:56 PM
الشعر الجاهلي

عرف الشعر الجاهلي بأنه ديوان العرب لاشتماله على أخبارهم وسائر أحوالهم .

وللشعر الجاهلي أبواب رئيسة مستقلة وهي الفخر والحماسة والمدح والهجاء والرثاء ، وأغراض إضافية غير مستقلة مثل الغزل والطبيعة والخمريات والحكم والمواعظ .

أولا : الوصف :
الوصف أعظم ركن يعتمد عليه شاعرهم في مختلف أبوابه وأغراضه ، لما له من عين نافذة حديدة اللحظ دقيقة المراقبة ، تتنبه لكل ما يحيط بها من الموصوفات ، وهي محدودة في البادية ، فإذا أراد أن يصف شيئا ، لا يصف إلا ما يؤثر في نفسه مما يعايشه ويسمعه ويراه ، أو مما يتوهمه فيحسه وتنطبع له صورة بليغة في خياله ، أحاط بالموصوف من أظهر نواحيه ، أو أحاط بناحية منه يطلبها دون غيرها ، مشبعا موصوفه على الحالين ، مخرجا عنه صورا حسية رابية الملمس ، تنقله أحيانا نقلا آليا مهذبا ، وتخلقه حينا خلقا شعريا زكيا .

ويخرج من الوصف إلى قصص قصيرة يحدث بها عن مغامراته الغرامية ، او معاركه وغزواته ، أو يروي شيئا من الأخبار مما انتقل إليهم .

على أن خيال الجاهليين لم يتسع للملاحم والقصص الطويلة لانحصاره على بادية متشابهة الصور ، ثم لماديتهم وكثافة روحانيتهم ، ثم لفرديتهم وضعف الروح القومية فيهم ، ثم لقلة خطر الدين في قلوبهم وقصر نظرهم عما بعد الطبيعة .

ولهذه الأسباب اقتصر شعرهم على أغراض وجدانية تغمرها الذكريات ، مبتورة القصص ، يتواطأون عليها بأسلوب متشابه الاتجاه ، فيستهلون على الغالب ولا سيما القصائد الطوال بذكر الديار الخالية والوقوف عليها للبكاء أو التحية والسؤال ، متشوقين إلى أحبتهم ، ثم يرحلون على ناقتهم مفرجين بها همهم ، قاصدين الحبيبة أو الممدوح ، فيصفونها ويصورون سرعتها ونشاطها ، ثم ينتقلون إلى المدح أو الفخر أو غير ذلك ، فيجتمع لهم في قصيدة واحدة عدة أغراض .

ومعاني الشعر الجاهلي لا تخلو من الغموض وذلك لغرابة الألفاظ ، وما فيها من ايجاز وحذف ، او على ما تتضمنه من تلميحات إلى حوادث تاريخية ، أو إلى عقائدهم وعاداتهم .

ومنظومهم قصيد ورجز ، وأرجيزهم في الغالب قصيرة ، وهي مثل قصائدهم تجري على قافية واحدة ووزن واحد ، ويستحسن عندهم تصريع المطلع أو تقفيته ، ولهم من سلامة الطبع ما يرشدهم إلى اختيار القافية الملائمة للبيت .

ثانيا : الفخر والحماسة :
اتفق مؤرخو الأدب أن يجعلوا الفخر والحماسة بابا واحدا لما بينهما من الاتصال الوثيق ، لأن الحماسة ليست سوى فخر الفارس ببطولته وذكر وقائعه .

وباب الفخر في الجاهلية وإن اتسع إلى موضوعات غير الفروسية كالنسب والسيادة ، لا يخلو من المباهاة بالشجاعة والاقدام ، ويحسن بالفروسية أن يرافقها شرف المحتد ومكارم الأخلاق ، حتى إن المضعوفين في نسبهم يدافعون عنه أنبل دفاع ، كما دافع عنترة عن نسبه لأمه ، ولا يرضى أحد الصعاليك كالشنفري والسليك أن يغمز في حميد صفاته .

وشعر الفرسان يشتمل على جميع الفضائل الجاهلية ، حيث ينصرف الشاعر إلى ذكر حروبه مبالغا في وصف البطل الذي يبارزه ، أو وصف المعركة التي يخوض غمارها .

ويحدث عن القتلى والأسرى والسبايا والغنائم ، فلا يخلو حديثه عن تكثر أو غلو وهما من خصائص شعر الفروسية ، على أن غلوهم لم يأت مستقبحا ، وهو وليد العاطفة المتحمسة تجعله قريبا إلى النفس .

والشعر الحماسي كسائر الشعر الجاهلي يعتمد على الأكثر على الوصف ، وفي الأقل على القصص ، وهو في كلا الحالين يؤثر الايجاز على التطويل ، ويتعلق بالمادة أكثر من الروح ، ويلمح الجزئيات دون الكليات ، فيعطينا المعركة على الاجمال تهاويل مقطعة الخطوط والأوصال لا يتألف من أجزائها وحدة موضوعية متلاحمة .

والوصف عنده لا يتعدى الطبيعة ومرئياتها ، فجواد عنترة في شكواه وتألمه ، صورة تكاد تكون فريدة في روحانيتها وارتفاع الحيوان بها إلى درجة الإنسانية ، وليس له اليد الطولى في استجلاء أسرار النفس ، فبراعته في الوصف لا تجاوز النقل عن الطبيعة على شيء من الاحكام والتهذيب ، لأن البدوي له عين متنبهة لالتقاط المرئيات ، وليس له قوة الخيال المبدع فيخترع صورا جديدة أو يخلقها خلقا مبتكرا إلا في القليل المحدود .

ومع ذلك فإنه يجيد الوصف ويتقنه أكثر مما يجيد القصص ، فإن القصة في الشعر الجاهلي ضعيفة الفن لاقتصارها على الخبر البسيط والسرد السريع كما يفعل عنترة في كلامه على مبارزاته ، وتأبط شرا في حكاياته عن الغيلان .

ولا جرم أن الايجاز الذي اعتاد عليه الجاهلي يحول بينه وبين الاسهاب في أخباره ، فلم يتوفر له عمل الملاحم والقصص الطويلة .


يتبع ..

شريف المنشاوى
10-04-2006, 06:53 PM
فى انتظارك مشتاقين ، و مرحبا بك بيننا اخى الكريم ، و كل عام و انتم بخير