المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شروط التكفير و موانعه



الجندى
01-15-2005, 03:00 PM
اعلم أخي الكريم أن التكفير من أخطر الأحكام وأعظمها ، وذلك لما يترتب عليه من الآثار الخطيرة، كإباحة دم المسلم وماله ، وتطليق زوجته ، وقطع التوارث بينه وبين أقربائه ، فضلا عن نظرة المسلمين له واحتقارهم إياه لخروجه عن دينه ، وما إلى ذلك من أحكام تلحق المرتد . لذلك جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ومن رمى مسلما بكفر فهو كقتله ) رواه البخاري ، وقد جاءت الأحكام الشرعية بالتحذير من التسرع في إطلاق الكفر على المسلم ، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ( أيما رجل قال لأخيه : يا كافر فقد باء بها أحدهما ) متفق عليه .

ولما كانت مسألة التكفير ليست بالأمر الهين ، احتاط الشرع في إطلاقها احتياطاً شديداً فأوجب التثبت ، حتى لا يتهم مسلم بكفر ، وحتى لا تستباح أموال الناس وأعراضهم بمجرد الظن والهوى ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } (النساء:94) فحذرهم من التسرع في التكفير ، وأمرهم بالتثبت في حق من ظهرت منه علامات الإسلام في موطن ليس أهله بمسلمين .

ومما يدل على احتياط الشرع في مسألة التكفير ومبالغته في ذلك ، إيجابه التحقق من وجود شروط التكفير وانتفاء موانعه ، فلا يجوز تكفير معين إلا بعد التحقق من ذلك تحققاً شديداً بعيدا عن التعصب والهوى ، وموانع التكفير هي :

1- الجهل : وهو خلو النفس من العلم ، فيقول قولاً أو يعتقد اعتقاداً غير عالم بحرمته ، كمن يعتقد أن الصلاة غير واجبة عليه ، أو أن الله غير قادر على حشر الأجساد إذا تفرقت ، والسبب وراء ذلك جهله بوجوب الصلاة وقدرة الله جلا وعلا ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت ، قال لبنيه : إذا أنا متُّ فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح ، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا ، فلما مات فعل به ذلك فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك منه ، ففعلت ، فإذا هو قائم ، فقال ما حملك على ما صنعت ؟ قال : يا رب خشيتك فغفر له ) رواه البخاري ، فهذا رجل جهل قدرة الله جلا وعلا فظن أنه إذا أحرق ونثر رماده في البر والبحر فإن الله لا يقدر على جمعه ، ولا شك أن الشك في قدرة الله جلا وعلا ، والشك في البعث كفر ، ولكنه لما كان جاهلا غفر الله له .

وفي سنن ابن ماجة عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يدرس الإسلام كما يدرس وشيُ الثوب حتى لا يدرى ما صيام ، ولا صلاة ، ولا نسك ، ولا صدقة ، وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية ، وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون : أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها ، فقال له صلة : ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ، ولا صيام ، ولا نسك ، ولا صدقة ، فأعرض عنه حذيفة ، ثم ردها عليه ثلاثاً ، كل ذلك يعرض عنه حذيفة ، ثم أقبل عليه في الثالثة ، فقال : يا صلة تنجيهم من النار ثلاثا ) فهؤلاء كتب الله لهم النجاة ولم يعرفوا من الإسلام إلا الشهادة ، وجهلوا ما سواها من شعائر الدين وأركانه ، لكن لما كان الجهل هو عذرهم نفعتهم الشهادة التي ينطقون بها .

وليعلم أن العذر بالجهل إنما يقبل في حق من كان في محلٍّ أو حالٍ هو مظنة أن يجهل هذه الأحكام كمن نشأ في بادية بعيدة أو كان حديث عهد بكفر ، أما من عاش بين المسلمين ، يحضر صلواتهم ويسمع خطبهم ، ثم يجهل شيئا من أصول الدين أو أمراً معلوماً منه بالضرورة فلا يعذر بجهله ، لأنه متسبب في وجود جهله وعدم إزالته .

2- الخطأ : وهو أن يقصد بفعله شيئاً فيصادف فعله غيرَ ما قصد ، كمن يريد رمي غزالٍ فيصيب إنساناً ، أو كمن يريد رمي كتاب كفر فيرمي كتاب الله جلَّ وعلا ، والأدلة على العذر بالخطأ كثيرة منها قوله تعالى : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُم } ( الأحزاب :5 ) ومن الأحاديث المشهورة في العذر بالخطأ ، قوله : صلى الله عليه وسلم : ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) رواه ابن ماجة وصححه الألباني .
وهذه الأدلة عامة في العذر من عموم الخطأ وثمة دليل خاص يدل على العذر من الخطأ في مسائل الكفر ، وهو ما رواه مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه ، فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته ، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ) ولا شك أن مخاطبة الله بالعبد كفر ومروق من الدين إن كان عن قصد وتعمد ، ولكن لما كان نطق الرجل لها خطأ كان معذورا بخطئه.

3- الإكراه : وهو إلزام الغير بما لا يريد ، ففي هذه الحالة يكون المكرَه في حلٍّ مما يفعله أو يقوله تلبية لرغبة المكرِه دفعا للأذى عن نفسه أو أهله ، وهذا من رحمة الله عز وجل بعباده ولطفه بهم حيث لم يكلفهم ما يشق عليهم ، قال تعالى : { مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (النحل:106) ، وحتى لا يقع الناس في الكفر ويرتكبوا المحرمات عند وجود أدنى ضغط أو تهديد فقد ذكر العلماء الشروط التي يتحقق بها وجود وصف الإكراه المعتبر شرعاً وهي :

أ- أن يكون التهديد بما يؤذي عادة كالقتل والقطع والحبس والضرب ونحو ذلك .
ب- أن يكون المكرِه قادراً على تحقيق ما هدد به ، لأن الإكراه لا يتحقق إلا بالقدرة ، فإن لم يكن قادرا لم يكن للإكراه اعتبار .
ج - أن يكون المكرَه عاجزاً عن الذب عن نفسه بالهرب أو بالاستغاثة أو المقاومة ونحو ذلك .
د - أن يغلب على ظن المكرَه وقوع الوعيد ، إن لم يفعل ما يطلب منه . فإذا اجتمعت هذه الشروط كان الإكراه معتبراً شرعاً .

4- التأويل : وهذا المانع من التكفير إنما يختص بأهل الاجتهاد دون غيرهم من المتقولين على الله بالجهل والهوى ، وذلك أن المجتهد قد يترك مقتضى نص لنص آخر يراه أقوى منه ، كمن اعتقد من الصحابة حل الخمر مستدلاً بقوله تعالى : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } ( المائدة:93 ) فلما رفع أمرهم إلى عمر بن الخطاب وتشاور الصحابة فيهم ، اتفق عمر وعلي وغيرهما من علماء الصحابة رضي الله عنهم على أنهم إن أقروا بالتحريم جلدوا , وإن أصروا على الاستحلال قتلوا . فلم يكفرهم الصحابة رضي الله عنهم من أول وهلة لتأويلهم ، بل أجمعوا على أن يبينوا لهم خطأ استدلالهم فإن أصروا قتلوا ردة ، فلما استبان للمتأولين خطأ استدلالهم رجعوا وتابوا .
والتأويل المعتبر في هذا المقام هو ما كان له وجه في الشرع واللغة العربية ، أما إن كان لا يعتمد على شيء من القرائن الشرعية أو اللغوية فهو غير معتبر شرعا كتأويلات الباطنية ونحوهم .

تلك هي موانع التكفير ، وهي تدلنا على مبلغ حرص الشرع على وجوب التحقق من وقوع الكفر من فاعله ، حتى لا يسفك دم معصوم بالتهمة والشك ، وفي ذكر هذه الموانع درس لمن يمارسون التكفير دون اعتبار لتوافر شروط التكفير وانتفاء موانعه ، ولا يعني ذكر تلك الموانع أن نتهيب من تكفير من كفره الله ورسوله لثبوت وصف الكفر في حقه بتوافر شروط التكفير وانتفاء موانعه ، فإن كلا طرفي قصد الأمور ذميم ، ولكن الواجب هو التثبت ، نسأل المولى عز وجل أن يحيينا مسلمين ، وأن يميتنا مسلمين ، وأن يبعثنا مسلمين ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، والحمد لله رب

مواضيع أخرى ذات صلة :
تكفير صاحب الكبيرة بدعة في الدين (http://www.islamweb.net/ver2/istisharat/ShowFatwa.php?lang=A&Id=55909&Option=FatwaId)
ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه. ومسائل أخرى (http://www.islamweb.net/ver2/istisharat/ShowFatwa.php?lang=A&Id=53835&Option=FatwaId)
هل يكفر من كفر مسلما (http://www.islamweb.net/ver2/istisharat/ShowFatwa.php?lang=A&Id=52765&Option=FatwaId)
موانع التكفير (http://www.binothaimeen.com/modules.php?name=Newss&file=article&sid=2776)
القول بقول المبتدعة هل يُبدّع قائله ؟ (http://63.175.194.25/index.php?search_text_box_dsn4=9788&lv=browse&formtrans=dgn%3D4%7C&ln=ara&ds=qa&sensitivity=2&searchquestions=1&searchtitles=1&searchanswers=1&searchsources=1&pg=result&offset=0&msubmit=1)

ابو مارية القرشي
01-15-2005, 07:10 PM
بارك الله اخي الكريم الجندي.
لي ملاحظات يرجى ان تقبلها من اخيك:
1-لم تفصل بين المسائل الظاهرة التي لا يعذر فيه الانسان بالجهل الا اذا كان واحدا من ثلاثة (حديث عهد باسلام ، عائشا في بادية بعيدة او ولد و ترعرع في بلد الكفار بعيدا عن المسلمين) و المسائل الخفية(التي يعذر الانسان فيها بالجهل) ولذلك كانت امثلتك خليطا من مسائل ظاهرة ومسائل هي من جزئيات المسائل الظاهرة و مسائل خفية وهذا يورث التباسا عند القارئ.
2-لم تذكر مسالة الشرك الاكبر وهو يختلف عن المسائل الظاهرة في ان من قامت فيه حقيقة الشرك وهو ان يجعل الانسان لله ندا فهو مشرك سواءا قامت عليه الحجة او لم تقم و لا يعذر الانسان فيه بالجهل أبدا ولكن لا تلحقه احكام التعذيب في الدنيا و الاخرة حتى يبعث النبي او توجد الدعوة القائمة.(راجع الحقائق في التوحيد للشيخ علي الخضير في مكتبة منتدانا).
3-التاويل في الشرك و المسائل الظاهرة غير مقبول، فمن اشرك متاولا فهو مشرك ولا يعذر بكونه متاولا.
ولا احب الاطالة عليكم وجزاكم الله خيرا

أبو عـمـر
04-27-2008, 02:25 AM
الجندي ...
هدنا الله واياك
خلطت خلطا رهيبا في حديثك عن الجهل ... فنقلت كلاما في جهل الصفات وانزلته على اصل الدين
وهذا كلام مخالف لنصوص القرآن وكلام علماء السلف ... فشبهة العذر بالجهل في أصل الدين والشرك الاكبر لم تظهر الا عند المعاصرين .. أما السلف فقد ورد العذر بالجهل في المسائل الخفية والصرف والعطف والصفات ... ولم يرد عندهم في اصل الدين كما خلط المعاصرين
واليك قليلا من اقوالهم


- قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في الدرر السنية 8 / 118 : ( أن المرتدين افترقوا في ردتهم ، فمنهم …ومنهم من ثبت على الشهادتين ، ولكن أقرَّ بنبوة مُسيلمه ، ظناً أن النبي صلى الله عليه وسلم أشركه في النبوة ، لأن مُسيلمه أقام شهود زور شهِدوا له بذلك ، فصدقهم كثير من الناس ، ومع هذا أجمع العلماء أنهم مُرتدُّون ولو جهِلوا ذلك ، ومن شك في رِدتهم فهو كافر ) .

_ وقال الشيخ أبو بطين رحمه الله تعالى في الدرر السنية 12 / 69 : (وقد أجمع المسلمون : على كُفر من لم يُكفر اليهود والنصارى ، أو شك في كُفرهم ، ونحنُ نتيقن أن أكثرهم جُهال )

-يقول الإمام ابن القيم الجوزية ؛ أثناء حديثه عن طبقة جهال الكفرة ومقلديهم :
" والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ، والإيمان برسوله وإتباعه فيما جاء به ، فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم وأن لم يكن كافراً معاندا ، فهو كافر جاهل فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفاراً ، فإن الكافر من جحد توحيد الله وكذب رسوله إما عناداً أو جهلا وتقليداً لأهل العناد"

-يذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه الجواب الكافي عن الإمام على ابن أبي طالب رضي الله عنه قال: [ يأتي زمان على الناس لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ، ولا من القرآن إلا رسمه ، مساجدهم يؤمئذ عامرة وهي خراب من الهدى ، علماًئهم أشر من تحت أديم السماء منهم خرجت الفتنة وفيهم تعود ].
- ولقد صدق والله شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب حيث قال في اخر رسالته ستة مواضع في السيرة مجموعة التوحيد ص 28 : وما أحسن ما قال واحد من البوادي لما قدم علينا وسمع شيئاً من الإسلام ، قال : أشهد أننا كفار ، يعني هو وجميع البوادي ، وأشهد أن المطوع(1) الذي يسمينا أهل إسلام أنه كافر..) المطوع : أي المتدين


-كان أبو حنيفة رضي الله عنه يقول : لا عذر لأحد من الخلق في جهله معرفة خالقه لأن الواجب على جميع الخلق معرفة الرب سبحانه وتعالى وتوحيده لما يرى من خلق السموات والأرض وخلق نفسه وسائر ما خلق الله سبحانه وتعالى فأما الفرائض فمن لم يعلمها ولم تبلغه فإن هذا لم تقم عليه حجة حكمية بلفظه

-يقول ابن حزم : (ولا خلاف في أن امرءاً لو أسلم – ولم يعلم شرائع الإسلام- فاعتقد أن الخمر حلال ، وأن ليس على الإنسان صلاة ، وهو لم يبلغه حكم الله تعالى لم يكن كافراً بلا خلاف يعتد به ، حتى إذا قامت عليه الحجة فتمادى حينئذ بإجماع الأمة فهو كافر) ا.هـ المحلى (13/151)

وأختم نقولاتي بكلام السيد قطب _ رحمه الله _ في ظلال القرآن / تفسير سورة يوسف الآية 76 (كذلك كدنا ليوسف . . ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك . . .). .

" ...وبعض المترفقين بالناس اليوم يتلمسون لهم عذرا في أنهم يجهلون مدلول كلمة "دين الله" وهم من ثم لا يصرون ولا يحاولون تحكيم شريعة الله وحدها بوصفها هي "الدين" . وأن جهلهم هذا بمدلول الدين يعفيهم من أن يكونوا جاهليين مشركين !
وأنا لا أتصور كيف أن جهل الناس ابتداء بحقيقة هذا الدين يجعلهم في دائرة هذا الدين !
إن الاعتقاد بحقيقة فرع عن معرفتها . فإذا جهل الناس حقيقة عقيدة فكيف يكونون معتنقين لها ? وكيف يحسبون من أهلها وهم لا يعرفون ابتداء مدلولها ?
إن هذا الجهل قد يعفيهم من حساب الآخرة , أو يخفف عنهم العذاب فيها ; ويلقي بتبعاتهم وأوزارهم على كاهل من لا يعلمونهم حقيقة هذا الدين وهم يعرفونها . . ولكن هذه مسألة غيبية متروك أمرها لله , والجدل في الجزاء الأخروي لأهل الجاهلية عامة ليس وراءه كبير طائل . وليس هو الذي يعنينا نحن البشر الذين ندعو إلى الإسلام في الأرض !
إن الذي يعنينا هو تقرير حقيقة الدين الذي فيه الناس اليوم . . إنه ليس دين الله قطعا . فدين الله هو نظامه وشرعه وفق النصوص القرآنية الصريحة . فمن كان في نظام الله وشرعه فهو في "دين الله" . ومن كان في نظام الملك وشرعه فهو في "دين الملك" . ولا جدال في هذا .
والذين يجهلون مدلول الدين لا يمكن أن يكونوا معتقدين بهذا الدين . لأن الجهل هنا وارد على أصل حقيقة الدين الأساسية . والجاهل بحقيقة هذا الدين الأساسية لا يمكن عقلا وواقعا أن يكون معتقدا به . إذ الاعتقاد فرع عن الإدراك والمعرفة . . وهذه بديهية . .
وخير لنا من أن ندافع عن الناس - وهم في غير دين الله - ونتلمس لهم المعاذير , ونحاول أن نكون أرحم بهم من الله الذي يقرر مدلول دينه وحدوده ! . .
خير لنا من هذا كله أن نشرع في تعريف الناس حقيقة مدلول "دين الله" ليدخلوا فيه . . أو يرفضوه . .
هذا خير لنا وللناس أيضا . . خير لنا لأنه يعفينا من تبعة ضلال هؤلاء الجاهلين بهذا الدين , الذين ينشأ عن جهلهم به عدم اعتناقه في الحقيقة . . وخير للناس لأن مواجهتهم بحقيقة ما هم عليه - وأنهم في دين الملك - لا في دين الله - قد تهزهم هزة تخرجهم من الجاهلية إلى الإسلام , ومن دين الملك إلى دين الله !
كذلك فعل الرسل - عليهم صلوات الله وسلامه - وكذلك ينبغي أن يفعل الدعاة إلى الله في مواجهة الجاهلية في كل زمان ومكان . . "

والأدلة في كتاب الله عز وجل أوضح وأبين من أقول العلماء رحمهم الله ... فقد ورد في أكثر من موضع وصف الجهل ولحوق اسم الشرك معاً ..

نسأل الله الهداية والثبات

عمر الأنصاري
04-27-2008, 09:27 AM
موانع التكفير

الجهل

الأدلة من السنة
• عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: " كان رجل يسرف على نفسه، فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً، فلما مات فعل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب خشيتك، فغفر له" رواه البخاري و مسلم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقاً على هذا الحديث: (فهذا الرجل ظن أن الله لا يقدر عليه إذا تفرق هذا التفرق و كل من أنكر واحد من قدرة الله تعالى فقد كفر ، لكنه كان مع إيمانه بالله وإيمانه بأمره وخشيته منه جاهلاً بذلك، ضالاً في هذا الظن مخطئاً، فغفر الله له ذلك،)(1)
وقال الحافظ ابن عبد البر – رحمه الله-: (… و أما جهل هذا الرجل المذكور في هذا الحديث بصفة من صفات الله في علمه وقدرته، فليس ذلك بمخرجه من الإيمان ….)
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في معرض حديثه عن حكم من جحد فرضاً من فرائض الإسلام: (…. و أما من جحد ذلك جهلاً، أو تأويلاً يعذر فيه صاحبه: فلا يكفر صاحبه به) (2).
وقال الإمام ابن حزم رحمه الله بعدما ذكر الحديث: (…. فهذا إنسان جهل إلى أن مات أن الله عز وجل يقدر على جمع رماده وإحيائه، وقد غفر له لإقراره وخوفه وجهله) (3).

خلاصة : أن عمل هذا الرجل هو كفر لأن فيه إنكاراً لقدرة الله تعالى على إعادته بعدما يحرق، ولكنه عذر بسبب جهله الذي قاده إلى هذا الظن الفاسد.

• ومن ذلك حديث أبي واقد الليثي- رضي الله عنه – قال: خرجنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- إلى حنين ونحن حديثو عهد بكفر – وكانوا أسلموا يوم الفتح- قال: فمررنا بشجرة قلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كمالهم ذات أنواط وكان للكفار سدرة يعفكون حولها ويعلقون بها أسلحتهم يدعونها ذات أنواط فلما قلنا ذلك للنبي – صلى الله عليه وسلم- قال: " الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون} لتركبن سنن من كان قبلكم"(4)واضح من هذه الحادثة أن الذي طلبه الصحابة هو شرك، ولذلك شبهه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بطلب بني إسرائيل لموسى أن يجعل لهم إلهاً بل وأقسم على أنه مثله، ولكنهم لم يكفروا بطلبهم لأنهم حدثاء عهد بكفر(5)،

قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (المسلم أو العالم قد يقع في أنواع من الشرك وهو لا يدري عنها … و المسلم إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فأنه لا يكفر) (6)

• ومن الأحاديث أيضاً ما رواه عبد الله بن أبي أوفى قال: لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي – صلى الله عليه وسلم- قال: " ما هذا يا معاذ؟" قال: أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: " فلا تفعلوا، فإني لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"(7).
قال الإمام الشوكاني – رحمه الله – في تعليقه على هذا الحديث: (وفي هذا الحديث دليل على أن من سجد جاهلاً لغير الله لم يكفر) (8)

وقول الإمام عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب عن بعض من يعمل الشرك إنه لا يكفر (لعدم من يناضل في هذه المسألة في وقته بلسانه، وسيفه وسنانه، فلم تقم عليه الحجة ولا وضحت له المحجة….)(9)

وقول الإمام المجدد: (… و إذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم..) (10)

ويقول الإمام ابن حزم – رحمه الله -: (فهو ما لم تقم الحجة عليه، معذور و إن كان مخطئا، وصفة قيام الحجة عليه أن تبلغه فلا يكون عنده شيء يقاومها وبالله التوفيق) (11).

أقوال أهل العلم
• وقال الإمام الذهبي رحمه الله: (فلا يأثم أحد إلا بعد العلم وبعد قيام الحجة عليه، والله لطيف رءوف بهم، قال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} وقد كان سادة الصحابة بالحبشة ينزل الواجب والتحريم على النبي – صلى الله عليه وسلم – فلا يبلغهم إلا بعد أشهر، فهم في تلك الأمور معذورون بالجهل حتى يبلغهم النص، وكذا يعذر بالجهل من لم يعلم حتى يسمع النص والله أعلم) (12).

• يقول العلامة أبو المعالي محمود شكري الألوسي – رحمه الله-: (أن الغلاة ودعاة غير الله وعبدة القبور إذا كانوا جهلة بحكم ما هم عليه، ولم يكن أحد من أهل العلم قد نبههم على خطئهم فليس لأحد أن يكفرهم)(13).

• قال الإمام الشافعي: رحمه الله – (لله أسماء وصفات لا يسع أحداً ردها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر، و أما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الرؤية والفكر) (14).

• وقال الإمام ابن العربي المالكي – رحمه الله -: (الطاعات كما تسمى إيماناً، كذلك المعاصي تسمى كفراً، لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد عليه الكفر المخرج من الملة، فالجاهل والمخطيء من هذه الأمة ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركاً أو كافراً فإنه يعذر بالجهل والخطأ) (15)

• وقال ابن تيمية رحمه الله :(وإذا عرف هذا فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم بحيث يحكم عليه بأنه مع الكفار لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة بالرسالة التي يبين بها لهم أنهم مخالفون للرسول، وإن كانت مقالتهم هذه لا ريب أنها كفر، وهكذا الكلام في جميع تكفير المعنيين).

• ولما سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن أهل الجمل وصفين: أمشركون هم؟ قال: لا، من الشرك فروا. فقيل: أمنافقون؟ قال: لا، لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً. قيل: له فما حالهم؟ قال: إخواننا بغوا علينا". (16)


------------------------------

(1) مجموع الفتاوى 11/409. بتصرف
(2) مدارج السالكين 1/367.
(3) الفصل 3/252.
(4) رواه أحمد والترمذي وقال حسن صحيح، وابن جرير الطبري وقال الألباني "إسناده حسن".
(5) انظر كلام سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في حاشية فتح المجيد 146.
(6) كشف الشبهات 45،46، وانظر إرشاد المسلمين في الرد على القبوريين الشيخ حمد بن معمر 98، 99. بتصرف شديد
(7)حسنه الألباني (إرواء الغليل 7/56)
(8) نيل الأوطار 6/234.
(9) الهدية السنية 46، 47
(10) مجموعة الشيخ، فتاوى ومسائل 9/11
(11) الإحكام لابن حزم 1/67. بنصرف
(12) الكبائر للذهبي 12، تحقيق محي الدين مستو.
(13) غاية الأماني في الرد على النبهاني 1/36.
(14) فتح الباري 13/418، وانظر الإيمان الأوسط 80.
(15) نقلاً عن محاسن التأويل للقاسمي 5/1307.
(16) الجامع لأحكام القرآن (16/324).

أبو عـمـر
05-03-2008, 03:16 PM
السلام عليكم

بطلان الاستدلال على العذر بالجهل في اصل الدين

رفقاً بنفسك .. الجهل بأصل الدين شيئ ،، والجهل ببعض الاسماء والصفات شيئ آخر ...
والجهل ببعض أمور التشريع لحداثة العهد بالاسلام .. أو عدم وصول الحكم الشرعي ...

إليك ابطال استدلالك ومن ثم الادلة من الكتاب والسنة على عدم العذر بالجهل .. كان عليك أن تأتي بدليل محكم لتسميه دليل وليس شبه تحمل أكثر من تأويل وتؤولها وتصير دليلا ...


حديث الرجل الذي حرق نفسه
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: " كان رجل يسرف على نفسه، فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً، فلما مات فعل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب خشيتك، فغفر له" رواه البخاري و مسلم

للرد على هذه الشبهة ... في رواية اخرى للحديث
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان رجل ممن كان قبلكم لم يعمل خيراً قط إلا التوحيد، فلما احتضر قال لأهله: انظروا إذا أنا مت أن يحرقوه حتى يدعوه حمما، ثم اطحنوه، ثم أذروه في يوم ريحٍ، فلما مات فعلوا ذلك به، فإذا هو في قبضة الله، فقال الله عز وجل: يا ابن آدم ما حملك على ما فعلت؟ قال: أي رب من مخافتك؟ قال: فغفر له بها، ولم يعمل خيراً قط إلا التوحيد".

يثبت أن هذا الرجل كان موحدا في حين منكر قدرة الله جهلا أو عنادا لا يكون موحد بأي حال ..

1 ـ الحديث متعلق بالمغفرة ورفع العذاب وليس متعلقا بإجراء الحكم، بمعنى أن الحديث لم يناقش حكم هذا الرجل في الدنيا لو سمعناه يقول ما قال، ولقد مرّ بك الأدلة الشرعية وكلام أهل العلم الخاص بإمكانية إجراء الحكم مع اعتقاد رفع العذاب على الكفار الجهال بالحجة الرسالية.
2 ـ هذا الرجل ليس جاهلا بالحجة الرسالية (ليس من أهل الفترة، ولا من ذوي الأعذار من أهل الرسالة) بدليلين:
أ ـ أن الله قد غفر له مباشرة دون اختبار آخر.
ب ـ لم يقدم أعذار الجهال (أهل الفترة ـ هرم ـ أحمق ـ مجنون) وإنما قدم عذر الخشية من الله تعالى. إذا الرجل عالم بالحجة الرسالية بلا جدال، فهل تعذرون في الكفر بعد إقامة الحجة الرسالية؟
3 ـ إنكار معاد الأبدان ليس من الكفر بلا إله إلا الله، وإنما هو مخالفة من المخالفات الفرعية، وإن كانت اعتقادية، وليس بضرورة العقل عند من آمن بلا إله إلا الله أنه سبحانه يعيد الأبدان، وإنما ذلك مرتبط بإرادة الله تعالى التي تُعلم إلا بالنص الشرعي، ومن ثم فالجهل بذلك يُعذر المسلم فيه حتى يُعلَّم الحق. أما إنكار قدرة الله تعالى فهي كفر بلا إله إلا الله حتما، فإنكار القدرة كليا إنكار لوجود الله تعالى، و إنكار القدرة جزئيا على شيء من الموجودات يلزم منه أن هذا الموجود إما إله آخر لا يُقدَر عليه، وإما مخلوق خلقه إله آخر لا شأن للإله الأول به ـ وكلتا الحالتين إثبات للشريك مع الله تعالى وهو عين الكفر.
4 ـ إنهم يقولون أن الرجل أنكر قدرة الله تعالى ولكنه كان جاهلا فعذر بالجهل، وبعد أن استبعدنا الجهالة من هذا الرجل، أسأل:هل فعلة الرجل إنكار لقدرة الله تعالى أصلا، أقول جازما دون تردد أنه ليست في الحديث دلالة قطعية على أن الرجل أنكر قدرة الله تعالى.
أ ـ لفظ (قدر) الوارد في الرواية الأخرى للحديث (لئن قدر الله عليا) تحتمل ثلاث معاني وهي:القوة ـ القضاء ـ التضييق، والذي يحدد معنى بعينه هو القرائن المحتفة باللفظ ـ راجع لسان العرب ـ الذي ذكر صاحبه المعاني الثلاثة للفظة، ثم شرح قوله تعالى عن يونس :﴿فظن أن لن نقدر عليه﴾فذكر أن معنى لفظ قدر يحتمل أنه القضاء (فظن أن لن نقدر عليه من العقوبة ما قدرنا، ويحتمل أنه التضييق (فظن أن لن نضيق عليه) ورد معنى القدرة في تلك الحالة وقال:"فأما أن يكون قوله:(لن نقدر عليه) من القدرة فلا يجوز، لأن من ظن هذا كفر، والظن شك، والشك في قدرة الله تعالى كفر، وقد عصم الله أنبياءه عن مثل ما ذهب إليه هذا المتأول، ولا يتـأول مـثله إلا الجـاهل بكـلام العــرب ولغاتها". (أ. هـ).
إذن الثلاثة معاني محتملة، وترجيح معنى علـى آخر لابـد له من برهـان غير ذات اللفظة.


اما استدلالك الثاني ...
ومن ذلك حديث أبي واقد الليثي- رضي الله عنه – قال: خرجنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- إلى حنين ونحن حديثو عهد بكفر – وكانوا أسلموا يوم الفتح- قال: فمررنا بشجرة قلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كمالهم ذات أنواط وكان للكفار سدرة يعفكون حولها ويعلقون بها أسلحتهم يدعونها ذات أنواط فلما قلنا ذلك للنبي – صلى الله عليه وسلم- قال: " الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون} لتركبن سنن من كان قبلكم"(4)واضح من هذه الحادثة أن الذي طلبه الصحابة هو شرك، ولذلك شبهه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بطلب بني إسرائيل لموسى أن يجعل لهم إلهاً بل وأقسم على أنه مثله، ولكنهم لم يكفروا بطلبهم لأنهم حدثاء عهد بكفر(5)،
لا ادري من اين جئت بأن الصحابة طلبوا الشرك والنص واضح في انهم طلبوا التشبه ...

1 ـ هذه الحادثة لها ثلاث احتمالات بضرورة العقل:
(أ) المخالفة هي دون الكفر بلا إله إلا الله.
(ب) المخالفة هي كفر بلا إله إلا الله:والرسول إما كفرهم أو عذرهم بالجهل.
2 ـ اعتمد من ذهب إلى أن المخالفة هي دون الكفر بلا إله إلا الله على ما يلي:
ـ إثبات أن المخالفة هي كفر بلا إله إلا الله يتطلب إثبات اعتقادهم في مخلوق الضر والنفع فيما لا يقدر عليه إلا الله استقلالا عن الله ودون إذنه وسلطانه. فمثلا قال الله تعالى عن مشركـي العرب:﴿واتخذوا مــن دون الله آلهة لعلهم ينصــــرون﴾ (يس 74).
فاعتقادهم في مخلوق (أيا كان) القدرة على نصرهم من دون الله ودون إذنه وسلطانه هو عين الشرك، بينما نعتقد في المسيح  إحياء الموتى بإذن الله ولا يكون هذا شركا:قال تعالى عنه:﴿وأحي الموتى بإذن الله﴾ (آل عمران:49)
وهذا الشرط ممتنع في الحادثة بدليل أنهم طلبوا طلبهم من الله تعالى عن طريق نبيه ، ومن ثم فالإذن موجود، فإذا قلت:(اللهم اجعل في هذه الشجرة بركة ونصرا) لا يكون هذا شركا، لتوفر الاعتقاد الصحيح وهو أن الله هو الفاعل أصلا، ومن البديهي أن الله تعالى قد يستجيب أو لا يستجيب. ويبقى تساؤل وهو أنه إذا كان الاعتقاد صحيحا، فلماذا لا يطلب النصر من الله مباشرة، فيقول اللهم انصرني مثلا؟
تلك هي المشابهة العملية للمشركين دون الاعتقاد بسبب حداثة عهدهم بالإسلام وقرب عهدهم بالشرك، ولا يمنع هذا الموقف مـن أن يعتبـره الرسول خطأ يستحق الزجر.
• قال الشاطبي:فإن اتخاذ ذات أنواط يشبه اتخاذ الآلهة من دون الله لا أنه هو بنفسه (أ. هـ).
• قال ابن:فأنكر النبي  مجرد مشابهتهم للكفار في اتخاذ شجرة يعكفون عليها معلقين عليها سلاحهم، فكيف بما هو أطم من ذلك من مشابهتهم المشركين أو هو الشرك بعينه؟ (أ. هـ).
3 ـ فهم البعض فهما آخر، وهو أن القوم اعتقدوا في الشجرة النفع والضر استقلالا عن الله ودون إذنه وسلطانه. ولكنهم طلبوا من النبي أن يجعل ذلك لهم لألنهم رأوه حسنا لجهلهم بحقيقة الشرك، ومن ثم فقد وقعوا في الشرك أساسا.
(قلت) :هذا الفهم مردود من زاوية تحميل معاني ليست في النص بغير حق، وإنما الثابت في النص هو طلبهم من رسول الله  وحسب، وذلك وحده كاف لثبوت الإذن.
4 ـ فعدم التصريح بالكفر يقابله عدم التصريح بالعذر بالجهل، والتصريح بالعذر بالجهل أشد لزوما من التصريح بالتكفير. وذلك لأن الجريمة كفر بلا إله إلا الله بالاتفاق، فالتكفير متوقع ومنطقي حتى وإن لم يصرح به، أما العذر بالجهل فهو المانع الوحيد من التكفير فلابد من بيانه بيانا واضحا و إلا تنضم الناس إلى جماعات التكفير!! وأيضا إذا كان اقتراف الكفر لحظيا والانتهاء عنه فوريا، فلا يلزم أن يقول لهم:لقد كفرتم بقولكم السابق والحمد لله أنكم تبتم من الكفر؟! هذا كله فضلا عن ثبوت الأصل العام وهو أن مقترف الكفر بلا إله إلا الله يعتبر كافرا مباشرة، دون عذر من جهل أو تأويل.
5 ـ تأيد المصنف بقول الشوكاني رحمه الله تعالى في إثبات مذهبه، في حين أن الشوكاني لم يذكر كلمة واحدة تؤيد العذر بالجهل، بل أثبت أنه كفر بالله العظيم، ولكن المصنف يقلب هذا الكلام رأسا على عقب بكلمتين:هناك فرق بين الكفر والكافر!!
قال الشوكاني:(وإذا علمت هذا فاعلم أن الرزية كل الرزية، والبلية كل البلية أمر غير ما ذكرنا من التوسل المجرد والتشفع بمن له الشفاعة، وذلك ما صار يعتقده الكثير من العوام وبعض الخواص في أهل القبور، وفي المعروفين بالصلاح من الأحياء من أنهم يقدرون على ما يقدر عليه إلا الله جل جلاله، ويفعلون ما لا يفعله إلا الله عز وجل حتى نطقت ألسنتهم بما انطوت عليه قلوبهم، فصاروا يدعونهم تارة مع الله وتارة استقلالا، ويصرخون بأسمائهم ويعظمونهم تعظيم من يملك الضر والنفع ويخضعون لهم خضوعا زائدا على خضوعهم عند وقوفهم بين يدي ربهم في الصلاة والدعاء، وهذا إن لم يكن شركا فلا ندري ما هو الشرك، وإذا لم يكن كفرا فليس في الدنيا كفر. أ. هـ (قلت) :بل الرزية كل الرزية من يقرأ ويأخذ ما يهواه ويدع ما لا يهواه!!


أما نقلك كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب ...
قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (المسلم أو العالم قد يقع في أنواع من الشرك وهو لا يدري عنها … و المسلم إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فأنه لا يكفر) (6)
فهو حق ... فالشيخ محمد بن عبد الوهاب لا يكفر من تلبس بالشرك جهلا .. ولا يسميه مسلما ولكنه يسميه مشركاُ حتى تقوم عليه الحجة فإن تاب والا سمي كافرا

إذا كان يعمل بالكفر والشرك لجهله أو عدم من ينبهه لا نحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة، ولكن لا نحكم بأنه مسلم
وهذا واضح في مذهب الشيخ وأئمة الدعوة النجدية ...


أما الطامة الكبرى فهو رجمك الصحابي الجليل معاذ بن جبل بالشرك ... اتق الله يا رجل ... وماذا ستصنع عندما يحاججك معاذ رضي الله عنه يوم القيامة بأنك اتهمته زورا وافتراءا بأنه ارتكب الشرك ...

ومن الأحاديث أيضاً ما رواه عبد الله بن أبي أوفى قال: لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي – صلى الله عليه وسلم- قال: " ما هذا يا معاذ؟" قال: أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: " فلا تفعلوا، فإني لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"(7).

1 ـ حتى الصحابة رضي الله عنهم لم يسلموا من آثار هذه البدعة الخبيثة. فينسبون الكفر بلا إله إلا الله لمعاذ ابن جبل  ثم يقولون:عذره الرسول بجهله!!
2 ـ هل ما فعله معاذ كفر بلا إله إلا الله أم مخالفة شريعة من شرائع الإسلام؟ومن زعم أن المخالفة من الكفر بلا إله إلا الله يلزمه الدليل.
3 ـ إن السجود من حيث العموم نوعان سجود عبادة وسجود تحية .. فهل سجود معاذ  سجود عبادة أم سجود تحية؟! وأن أقطع بشكل لا لبس فيه أن فعلة معاذ  من قبيل سجود التحية لما يلي:
(أ) انعدام أي قرينة في الحادثة يمكن أن تشير إلى اعتقاد معاذ للربوبية والألوهية في رسول الله .
(ب) ونص الحادثة يروي عن اليهود والنصارى أنهم قالوا:(هذه تحية الأنبياء) فأين تذهبون؟! وأيضا فالواضح أن معاذ  لم يكن يعلم هذا النهي من قبل، فصح أنه لم يرتكب حتى معصية، فكيف تتجرأون وتنسبون إليه اقتراف الكفر!! كل ذلك حتى يسلم لكم مذهبكم الفاسد أفلا تتقون؟!

معاذ بن جبل .. أعلم الناس بالحلال والحرام
معاذ بن جبل الذي أرسله الرسول عليه الصلاة والسلام لدهوة أهل اليمن وحده
تتهمه بجهله التوحيد وانت ومشايخك تعلمون التوحيد ... اتق الله يا رجل



يتبع ....

أبو عـمـر
05-03-2008, 03:25 PM
نقض التوحيد قبل الرسالة وبعدهــا

الثابت المتقرّر في دين الله تعالى أن الناس فيه قسمان من حيث العموم والإجمال ، مؤمن وكافر ، وثمّ دينان لا ثالث لهما ، من خرج من أحدهما وقع في الآخر يقيناً ، وعكس ذلك صحيح ، دين الإسلام ودين الكفر .
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ } التغابن2 .
{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } آل عمران85 .
فالإسلام هو توحيد لله عز و جل وعبادته وحده كما تقرر ذلك في أصول الكتاب والسنة المستفيضة بما يغني عن إعادة البيان ، ودين الكفر هو الشرك بالله تعالى ونقض توحيده بأي صورة من الصور كانت ، فمن دان بتوحيد الله عز جل علمنا يقيناً كونه من المسلمين ، ومن نقض هذا التوحيد وتلبس بالشرك علمنا يقيناً أنه ليس مسلماً بل هو على نقض دين الإسلام أي أنه على دين الكفر ، كافر مشرك بالله العظيم . هذا برهان ضروري أولي لا ينكره إلا مكابر معاند ، فليس بمسلم إلا من وحد الله تعالى ، وكل من ليس بمسلم فهو كافر ضرورة يستوي في ذلك العالم المعاند والجاهل الضال والمقلد المتبع ومن هو قبل الرسول ومن هو بعده ، ومن بلغته الدعوة ومن لم تبلغه ، من حيث الحكم العام الذي يجري في ظاهر الحال ، وبه نميز الناس أمام هذا الدين ( الإسـلام ) أما كونه معذباً يوم القيامة بكفره هذا ، أو معفواً عنه لجهله ، فهذا أمر آخر وقضية أخرى لها كلام أخر يأتي بإذن الله .

البرهان الأول:
قال تعالى : {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ } التوبة6 .
فصح تسميته مشركاً وجعله من المشركين مع أنه لم يسمع كلام الله ، وتصريح الآية بأنه لا يعلم حجة واضحة لا إنفكاك منها ، وهي وما قبلها برهان قطعي على إثبات صفة الكفر وحكمه على كل من تلبس بالشرك علم أولم يعلم ، عاند أو لم يعاند ، قلد أو لم يقلد ، وبهذا علمنا كفر أهل مكة من قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وكفر الأقوام الذين بعث إليهم النبيون والمرسلون قبل بعثتهم ، وكفر من قال أن الله ثالث ثلاثة ، وأن الله هو المسيح أو عزير ابن الله ، ومن قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ، ومن قالوا يد الله مغلولة ، ومن قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ، ومن توجه بعبادته لغير الله ، أو إستشرع غير شرع الله كذلك .

البرهان الثانـي:
قال تعالى : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ * وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون}172 /َ173/174 الأعراف ، وهذه الآيات من أعظم دلائل القرآن المجيد وأجلها ، وذلك أنها أحكمت بيان القضية ثم فصّلته في ذات الوقت ، فبينت إقامة الحجة بالإشهاد وأخذ الميثاق على التوحيد ، ثم فصلت إنقطاع العذر بهذه الحجة ، سواء بالجهل أو التقليد في قوله تعالى : {أن تقولوا يوم القيامة أنا كنا عن هذا غافلين}- أي جاهلين – {أو تقولوا إنما أشرك آبائنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون }- أي كانوا مقلدين .
وحاصل الحالتين الجهل وعدم العلم ، فأثبتت ثبوت الحجة وقيامها على بني آدم بهذا الإشهاد ، و إنقطاع العذر بذلك ، ومن ثم علمنا أن كل بني آدم يولدون على هذه الفطرة وهذا الميثاق وهذا الدين ، فإذا ما بدّلوه ونقضوه علمنا كفرهم يقيناً دونما إلتفات إلى جهل أو تقليد أو عناد أوغير ذلك ، وبهذا التفصيل والبيان قال سيد المرسلين وهو المكلف بالبيان أصلاً لكلام الله لقوله تعالى : {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} النحل44 .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[ كل مولود يولد على الفطرة وفي رواية على هذه الملة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كالبهيمة تنتج بهيمة ...] (متفق عليه) .
فصح كفرهم وإثبات هذا الحكم عليهم مع أنهم مقلدون لا يفقهون ولا يقدرون ولا يعلمون ، كالبهيمة تنتج بهيمة... ونحن نعلم يقيناً أن كفر جماهير اليهود والنصارى والمجوس إنما هو كفر جهل وتقليد ، ولم يعتبر الحكم الشرعي بذلك ، وإنما أثبت حكم الكفر لهم ، ولأن غير ذلك معناه إثبات حكم الإسلام والتوحيد ـ لا محالة ـ وهذا باطل جملة ومن حيث الأصل .
قال صلى الله عليه وسلام : يقول الله تعالى : [ إنّي خلقت عبادي حنفاء ، فجاءتهم الشياطين فإجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ] رواه مسلم .
ولفظ إجتالتهم عن دينهم أي حولتهم عن دينهم كما جاء في لسان العرب لإبن منظور ، في مادة جول ؛ فصح أن من خرج من التوحيد وتلبس بالشرك ، قد خرج من الدين الحق إلى دين الكفر والشرك ، جهل أو علم ، عاند أو لم يعاند ، قلد أو نظر وتأمل .
قال صلى الله عليه وسلم : [ يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة أريت لو كان لك ما على الأرض من شيء أ كنت مفتد به ؟ قال : فيقول : نعم ، فيقول : قد أردت منك ما هو أهون من ذلك ، قد أخذت عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي شيئاً فأبيت ألا أن تشرك بي ] (رواه مسلم ) .
أريد أن أقول : أن فقيها عالماً منصفاً ، لو جال بنظره في جوانب الشريعة كلها ليرى دليلاً من الجلاء والوضوح والبيان في إثبات مدلوله لعزّ عليه أن يجد ما يفوق هذا الدليل الذي قدمناه جلاءً ووضوحاً وبياناً ولن نقبل أن يعارض مثل هذا النور ببعض التفاهات ، أو الخلط في كلام الفقهاء فهذا الدليل حجة قائمة على صدق دعوانا وصحتها ، لا مبطل لها ولا ناقض لقطعيتها .
وبهذا التأويل لآية الأعراف قال ابن عباس وأبي ابن كعب وابن كثير والقرطبي وابن جرير والبيضاوي وابن القيم وصاحب تفسير المنان وهذا الدليل ـ بفضل الله ـ عجز المخالف لنا عن رده بوجه يصح أو يعقل وإنما ذهب كدّه كله في قوله : وهذه الآية مشكلة ، وبعضهم راح يذكر كلام طويل لابن القيم في أن الله لا يعذب إلا من بعد بعثة الرسل ، فخرج عن موطن النزاع كلية ليتلاعب بكلام الأئمة ، وما في أمر العذاب نتكلم ، وإنما نتكلم عن ثبوت الحجة عليهم وثبوت كفرهم وخرقهم التوحيد ، أما كون الله سبحانه وتعالى يعفو عنهم بفضل منه يوم القيامة ، فهذا - لو كان - من خصوصيته سبحانه التي لا تجري بها الأحكام في الدنيا ، فاحفظ هذا جيداً فإنه مما يتخبط فيه المخالفون لنا في هذه النقطة ، وسنتقصى كلام ابن القيم رحمه الله وغيره في بحث ملحق إن شاء الله وقد زعم بعض المخالفين أن الإشهاد يأتي في اللغة بنوعين : إشهاد قولي : مثل قوله تعالى : {وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ} البقرة 272 ، وقوله : {أَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ} البقرة 282 .
إشهاد حالي : مثل قوله تعالى : {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ } التوبة17 .
قالوا : والإشهاد المقصود في آية الأعراف إنما هو الإشهاد الحالي لا القولي . قلت : وصاحب هذا الكلام أتى بعظيمة في الدين لأنه كذّب صريح لفظ القرآن : { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنا} الأعراف 172 .
وإني لأعجب لهذا التجرؤ الفاحش ، يقول الحق سبحانه : {قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا} فيتطاول هذا بقوله : لا لم يقولوا ، وأحرى بهذا أن يستغفر الله ويتوب إليه .
أقول : ومثل هذا التجرؤ على الشريعة سيأتي منه أعاجيب تقشعر منها جلود الذين يخشون ربهم مما نسبوه إلى الشريعة وأئمتها دفعهم لمثلها محض الهوى والإنتصار للرأي .

البرهان الثالث:
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} الحجرات2
فصح بنص الآية الجلي الواضح أن هناك من يقع في الشرك المستوجب إحباط العمل من غير أن يعلم أن ما وقع منه هو الشرك الصريح لقوله تعالى : {وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُون} فهذا برهان واضح جلي لا ينكره إلا مكابر .
وأما من إعترض بأن رفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم ليس شركاً فقد روي أنها نزلت في أبى بكر وعمر فليس إعتراضه بشيء ، لأن الآية تقول : {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} فيدخل في ذلك ما يخشى أن يؤول صاحبه إلى الشرك المحبط للعمل ، بيد أن وجه الدلالة في قوله : {وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُون} مبطل التمويه.
وقد إحتج بهذه الآية أبو محمد ابن حزم على عين ما قلناه فأبى مخالفينا إلا أن يلووا كلام ابن حزم لياً ، ويمزقوه تمزيقاً يمقته كل منصف ، وهذا هو رأيهم ، إذا وجدوا شاردة في كلام إمام توافق مذهبهم طاروا بها كل مطير ، وإذا وجدوا من كلامه ما يخالف مذهبهم صراحة صاروا يؤولونها كما فعلوا مع ابن حزم ، وربما قالوا : إنها زلة عالم كما فعلوا مع الإمام الصنعاني رحمه الله ، وبأذن الله سنتقصى فضائحهم في هذه القضية في بحث منفصل .
أعود فأؤكد أن الآية نصت على عدم إعتبار الجهل بالشرك في الحكم الشرعي وأنه محبط للعمل يقيناً والحمد لله على توفيقه .

البرهان الرابع :
قال تعالى : { وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا} بعض آية آل عمران103 .
فصح بنص الآية أن العرب المشركين قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانوا مستوجبين لعذاب النار أي كافرين مع أنهم كانوا قبل الحجة الرسالة إلا من نجاه الله ببعثة النبي وإتباعه النور الذي أنزل معه . أقول : هذا البرهان ليس هو نص الآية فحسب ، وإنما هذه الآية هي قاعدة شرعية عامة ومضطرة ، فيدرج تحتها كافة النصوص المستفيضة في الكتاب والتي تتحدث عن رحمة الله للناس ببعثة النبي وأنه نجاهم به من الهلاك المبين ، وأنقذهم به من النار ونحو ذلك ، وهذا برهان نظري عقلي شرعي بديهي وذلك أنه إن لم يكن العرب قبل البعثة كفاراً مشركين ، فضلاً عن كونهم معذورين معفى عنهم ما هم فيه ومن عذاب الله هم ناجون ، فأي رحمة جاءت لهم ، وأي نجاة نجوها ، وأي إنقاذ أنقذوا منه ، إلا أن يكونوا كفاراً مشركين مستوجبين لعذاب الله وبطشه ، فرحمهم الله ببعثة النبي ، مذكراً إياهم بالله وهديه وأيامه ، فمن تبعه هدى ونجا ، ومن إستمر على كفره وضلاله خسر وذل ، هذا بيان واضح تدركه كل فطرة مستقيمة .
ولا يعترض علينا هنا بقوله تعالى : {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} الإسراء15 ، لأنها مجملة من حيث الواقع فيما قبل الرسالة ، ومحتملة بالنظر للفظ العذاب على ما سنبينه بتوضيح شديد إن شاء الله فيما بعد ، وعلى وجه العُجالة هنا أقول : إن أقوى تفصيل لإجمال هذه الآية أنها لا تقع في من سقط في الشرك وإستقام لما عليه قومه من الضلال ، هي فيمن رأى ما عليه قومه من الشرك فاجتنبه وتبرأ منه ولكنه عجز عن درك ما يتوب به إلى الله سبحانه من الطاعة والعبادة وهذا التفصيل أحسن بيانه ابن القيم في كتابه " طريق الهجرتين " والإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام ، وليس في قولهما الحجة وإنما الحجة في كون الآية مجملة من حيث واقع ما قبل الرسالة وظنية من حيث إحتمالية لفظ العذاب على ما سيأتي بإذن الله لها من توضيح .
عن مسروق قال : قالت عائشة : [ يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين ، هل ذلك نافعه ؟؟ قال : لا ينفعه إنه لم يقل يوماً رب غفر لي خطيئتي يوم الدين ] (رواه مسلم) فصح يقيناً أنه محاسب بشركه مع أنه لم تمض عليه الحجة الرسالية .
وعن أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال : [ يا رسول الله أين أبي ؟ قال في النار ، فلما قضى الرجل دعاه فقال : إن أبي وأباك في النار ](رواه مسلم ) .
وهذا برهان قطعي الدلالة يؤكد ما دل عليه سابقه مع الآية المباركة التي سقناها مع القاعدة التي قررناها من مستفيض النصوص القرآنية ، وهو يثبت بالقطع صحة مذهب ابن القيم والشاطبي في تقيم أهل الفترة ومن هم قبل الرسالة .
بيد أن هذا الحديث فيه نكتة زائدة رائعة قسمت ظهر المخالف ، وذلك أن بعضهم إعترض على الحديث السابق بقوله : " إنها وقائع فردية لا تتعدى أصحابها " ، ومع ظهور فساد هذا إلا إعتراض وبطلانه إلا أن حديث أنس جاء فيه أن الرجل بعد أن ولّى ناداه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : [ إن أبي وأباك في النار ] فالنبي إذا أراد أن يقرر للرجل ولمن حوله قاعدة عامة ليست فقط مختصة بأبيه وحده وإنما هي عامة في أهل الجاهلية ، وقد صح ذلك في حوادث أخرى كأم النبي صلى الله عليه وسلم وعمر ابن لحي وغيرهما.
ولما ضاق المقام ببعض مخالفينا قالوا : أنهم كانوا على بقية من دين إبراهيم كانت كافية لإقامة الحجة عليهم ، ولو نصح القوم أنفسهم ودينهم لإستحيوا من مثل هذه الإعتراضات ، ولكن أراد الله أن يفضحهم بذات كلامهم ، فأفصحوا عن كونهم لا يدركون حتى حدود القضية التي يتكلمون فيها .
ياقوم .. إذا كان أهل زماننا نحن فيمن توافر في بيت كل امريء منهم أكثر من نسخة لكتاب الله الكريم بنصه وحرفه كما أنزل على النبي المرسل ، وتوافرت عشرات كتب التفسي ،، وكتب السنة والحديث ، وكتب الفقه ، وغيره ، حتى تفشى العلم بما لا يجهله إلا معرض غافل ، بمحض إختياره ورضاه ، وقاسى الدعاة لهذا الأمر في كل جانب وكل يوم في أركان البلاد ، وقتل من قتل منهم وصلب من صلب ، وسجن من سجن ، وذاعت أخبارهم في كل صوب وحدب ، إذا كان هؤلاء كما قلتم أنهم معذورون بجهلهم وقلة العلم بآثار الرسالة وقلة من يقوم بالبيان لهم ، فبربكم أخبروني : كيف كانت الكتب السماوية وصحف إبراهيم وموسى ؟ محضاً لم تشبها شائبة طمس أو تبديل .
فضلاً عن تفسيرات العلماء لهم وشرحها وذيوع من يقوم بالدعوة إليها بحيث أجزتم لأنفسكم أن تقولوا أنهم غير معذورين بجهلهم وقامت عليهم الحجة بما يقطع العذر وينفي الشبه ، بينما أهل زماننا وقد علمت عنهم ما علمت ، أنهم معذورون بجهلهم وقلة العلم بآثار الرسالة فيهم ...نبؤوني بعلم إن كنتم صادقين؟؟؟ ، وإذا كنتم تحتجون على شرط الحجة الرسالية لإنقطاع العذر بقولكم أن الكافرين يحتج عليهم يوم القيامة بقول آخر هو : {...أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ}8 / 9 /الملك .
أفلا ترون معي أيها الصحاب أن عبد الله بن عبد المطلب وآمنة بنت وهب ، وعمرو بن لحي ، وابن جدعان ، وأبو من قال له النبي أبي وأبوك في النار ، ألا ترون أنهم سيحتجون بأنهم ليسوا من أهل هذه الصفة المذكورة ؟ .
أيها الصحاب : هل ترون معي أن أبا النبي صلى الله عليه وسلم وأمه وابن جدعان وغيرهم وعامة مشركي مكة قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، هل ترون أن الحجة الرسالية قد أقيمت عليهم قياماً بيّناً - كما تشترطون - بما يوجب العلم في ذاتهم وإنقطاع الشبه ، وبان ماهو مذهب عمرو بن لحي وأمثاله ، ثم أبى هؤلاء بعد كل هذا البيان إلا الرضا بدين الكفر والشرك بالله وهم يعلمون ؟؟ فما لكم كيف تحكمون ؟؟؟ ولقد حكى القرآن الكريم عن أهل مكة إحتجابهم على النبي صلى الله عليه وسلم بقولهم : {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ } ص7 ، بل كانوا يتعجبون من دعوته ويستغربون منها بقولهم : {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } ص5 .
أيها الناس : إن هذه الدعوة لهي أعظم بياناً على إختلاف المعاني في أذهان وضمائر القائلين بعذر جاهل التوحيد وإضطرابها في أفكارهم ، ثم بعد لا يزالون يفتون الناس ليضلوهم بغير علم .
أقول : وهذه الأحاديث مع الآية السابقة ، مع القاعدة المبنية آنفاً أدلة وبراهين قطعية على معاقبة المشركين بشركهم ، ولو جهلوا أو قلدوا ولم يبعث إليهم رسول ، وهذا هو المذهب الصحيح في هذه القضية كما سنوضح بعد قليل إن شاء الله عند تحقيق الكلام عليها ، بما يزيل الإبهام ويرفع العارض عن آي الكتاب ، قال تعالى : {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} النساء82 .
فالعذاب الذي نفاه في صورة الإسراء ، غير الذي أثبته في البيان السابق أوحال هؤلاء يقيناً ، ما سنبين بإذن الله تعالى .

البرهان الخامس :
قال تعالى : {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ } الأنعام137 ، وهذا برهان جلي لا إنفكاك منه لذي بصيرة ، وفي هذه الآية المباركة دلالتان كلاهما حاسمة في هذا النزاع ... أهل الفترة ، وهذا من أوضح ما تكون الحجج .
الثانية : في قوله : {زَيَّنَ} ، { وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُم} ، فصح أن القوم كانوا يظنون في فعلهم أنه حق وليس من الشرك ، لتضليل سادتهم ، ولم يعتبر الله سبحانه ذلك الجهل منهم والإلتباس الذي وقعوا فيه وهذه النقطة سنتحدث عنها إن شاء الله بإستفاضة في فصل لاحق عند الحديث عن موضوع الإضلال ، ونبين مدى تخبط القوم في فهم هذه القضية بتحديدها الشرعي .
ومثل ما سبق قوله تعالى : {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } الأنعام140 ، وهذا برهان آخر قائم بذاته ، ويزيد فيه قوله تعالى : ( بغير علم ) فصح أن الحجّة العينية التي يتحقق بها العلم وتنتفي معها الشبه لم تكن قائمة ، وإن كان الأمر في ذلك واضحاً إبتداءً إلا أنّ الآية قد أكدت هذا المعنى لتخرس كافة الألسنة فالقوم ما فعلوا فعلهم إلا سفها بغير علم ، وفي هذا البرهان يدخل قوله تعالى : {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ } يونس39 ، وأيضا : {أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} النمل84 ؟؟ فكل ما قدمناه من آيات و دلائل قاطعة حاسمة في إثبات كفر من خرق التوحيد ولو كان جاهلاً لا يعلم .
وهنا تعليق بسيط لإبن عبد الوهاب وابن القيم نسوقه على عُجالة ، مع وعد بتفصيل الكلام الذي ورد عنهم في القضية عامة في بحث لاحق . قال ابن عبد الوهاب : " فأنت إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها لسانه ، وقد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بجهله ". وصدق والله ابن عبد الوهاب وما خرج عن السنة قيد أنملة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[ إن الرجل ليقول الكلمة ما يتبن ما فيها ، يهوي بها في النار سبعين خريفاً ] رواه مسلم .
وقد لخص ابن القيم ما دلت عليه الآيات السابقة ، وما قدمناه في البرهان الأول بكلام جيد في كتاب : ( طريق الهجرتين ) حيث قال : " والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له والإيمان بالله ورسوله وإتباعه فيما جاء به فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم ، وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل ، فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين ، وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفاراً ، فإن الكافر من جحد توحيد الله وكذب رسول إما معانداً أو جاهلاً أو مقلداً لأهل العناد " ، وهذا منه رحمة الله أوضح ما يكون به التفصيل والتحديد ، أقول : وكلام الله أولى ، وكتاب الله أعلى ، وحجة الله أقطع ، وننبه على أن مسألة العلم و شرط تحقيقه لإقامة الحجة سنفصلها أيما تفصيل بإذن الله في فصل لاحق عند الحديث عن صفة الحجة وكيفية إقامتها والشرط فيها ، هل إمكانية العلم أم تحققه فعلاً .

البرهان السادس:
قال تعالى : {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَة ُ * رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ}3،2،1 البينة ، قال قتادة ومجاهد منفكين يعني منتهين حتى يتبين لهم الحق ، فهذا برهان قاطع على صدق دعوانا ، سمى الله من تلبس بالشرك من العرب ـ مشركين ـ ومن أهل الكتاب ـ الذين كفروا ـ مع تصريح الآية ذاتها بأن ذلك قبل أن تأتيهم البينة وهي الحجة الرسالية كما فسرتها الآية ذاتها . فصح يقيناً ما قدمناه ، من أن من تلبس بالشرك حكم بكفره وأنه مشرك كحكم عملي ظاهر في واقع الحال يتميز به الناس في الدنيا ودونما نظر لعلمه وعناده ، أو جهله وتقليده ، وقامت عليه الحجة الرسالية أم لم تقم ، أما مسألة عذابه يوم القيامة بشركه أو العفو عنه بجهله فهي قضية أخرى غير تلك ونتكلم عنها إن شاء الله فيما بعد .
وفي الآية السابقة نكتة رائعة نفصل دلالتها عند الحديث عن مسألة حد الحجة وضابط البينة إن شاء الله تعالى . هذا ما وفق الله إليه من الحجج والبراهين بفضل منه ورحمة ، ونعرض الآن لمجموع شبه المخالفين ، وبيان فساد إحتجاجهم فيها وإظهار مدى تخبطهم في ضرب النصوص بعضها ببعض من غير علم ولا هدى ، وكيف تجرءوا على الشريعة لمحض الإنتصار للرأي .
وبين يدي هذا الجواب أود التنبيه إلى قاعدة جليلة قررها الحق سبحانه في كتابه وإتفق عليها الأصوليون جميعاً وهي من أبسط أسن الفهم : هي ما ثبت بقطع ويقين في دين الله ، لا يجوز إبطاله بالظن والإحتمال ، وأنه إذا ما ثبت حكم شرعي بوجه القطع وعارضه ما هو ظني أو محتمل وجب صرف الظن بما يوافق اليقين وحمل المحتمل على ما لا يحتمل قطعاً . قال تعالى : {إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً } يونس36 .

نسأل الله أن ينير قلوبنا ويهدينا الي سراطه المستقيم ويثبتنا