مشاهدة النسخة كاملة : قيمة العقيدة الاسلامية ومكانتها بين العقائد
بسم الله الرحمن الرحيم
قيمة العقيدة الإسلامية ومكانتها بين العقائد
الحمد لله رب العالمين الواحد الأحد الحي القيوم القادر على كل شيء هادي طالب الهداية إلى الحق بإذنه خالق كل شيء ومبدعه وهو المهيمن على كل شيء وقاهر كل شيء خلق الإنسان ليكرمه وأوجد له ما يناسبه وارسل الرسل يرشدوه لما فيه استقامته ومنفعته حتى انه سبحانه قال : ( وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) سورة الجاثية / 13 وأوجد كل شيء في الوجود لخدمته ومنفعته , وأظهر للإنسان ما يدله على خالقه فكل شيء في الوجود يدل على انه الواحد , وإتقان الصنعة اكبر دليل على أن صانعها حكيم قادر مريد , وصلى الله على سيد الخلق محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء والرسل وعلى اله واصحابه أجمعين . ولقد أهمني من أمر المسلمين أن أكتب لهم وأنبههم الى ما وقع فيه كثير من الناس من اعتقادات باطلة تدخلهم جهنم وان كثيرا منهم ما زال نائما رغم يقظة العدو إبليس وجنده من الإنس والشياطين ونقلت بعض الشواهد التي تيسر على طالب الحق معرفة الحق بسهولة إن شاء الله تبارك وتعالى وإنني أدعو الله عز وجل لكل من لـه أدنى اثر في هذا الموضوع بأن يغفر لـه ولنا معه وأن يجعله في ميزان حسناتنا وحسناتهم , والله أرجو في القبول نافعا بها مريدا في الثواب طامعا , عسى ان ينتبه الغافل ويصحو قبل فوات الأوان , وان الله على نصرنا لقدير انه نعم المولى ونعم النصير ولقد قال الله القوي المتين : ( ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ) سورة المطففين /1- 3 واني أرجو القارئ الكريم أن يزن هذه العقائد وان يضع كل منها في كفته الصحيحة وعسى أن يصل لذهن القارئ أن غير المسلمين هم في الحقيقة فاقدين لأكبر نعمة على الإنسان ألا وهي نعمة الإسلام دين التوحيد المريح للعقل والروح والبدن وللبشرية جميعا ولا راحة لنا بدون عقيدة التوحيد الخالص وعلى كل حال ... التجربة خير وأصدق برهان ولو أن الدين ليس للتجارب بل للتطبيق ومن خلاله يصلح الحال والأحول ...
بدأ الإنسان بالبحث عن القوة المسيطرة على هذا الكون منذ وجوده على الأرض وقد كان السبب وراء هذا البحث هو الشعور الفطري بان هناك قوة مدبرة وراء هذا الكون ذللت له سبل العيش وهي التي تسير حركة الكون من حولـه , فالفطرة هي المحرك الأول لهذا البحث ولأن الإنسان في التعريف المنطقي المشهور ــ بانه مفكر ــ يتميز بتلك الملكة التي يستطيع بها التمييز بين ما هو صواب وما هو خطأ ويختار بين احتمالين أو أكثر ألا وهو العقل . ولهذا بدأ العقل في محاولة الإجابة وإيجاد الحل لهذا الشعور الفطري , والناس وهم في المرحلة البدائية اختلفوا في نظرتهم الى هذه القوة المسيطرة فمنهم من توهمها في الشمس ومنهم من توهمها في الحجارة ومنهم من توهمها في بعض الحيوانات الضخمة وغيرها , والقاسم المشترك بينهم أن أوهامهم الحسية لم تخرج عن دائرة المخلوقات فتوهموا القدرة الخالقة في المخلوقات ولذلك تكرم الله بإرسال الرسل ليدلوا العقل على الخالق وصفاته وماذا يريد وعن ماذا ينهى وبعد ذلك انقسمت عقائد الناس وانحصرت في التقسيم المنطقي إلى أربعة أقسام التالية:1. إما أن يعبد الخالق وحده ( موحد ) 2. واما أن يعبد الخالق والمخلوق ( مشرك ) 3. واما أن يعبد المخلوق وحده ( وثني ) 4. واما ان لا يعبد شيئا ( ملحد ) فعلى هذا الأساس اثبت الإسلام عقيدة التوحيد ورفض العقائد الأخرى لأنها عقائد خاطئة ومنحرفة وبرهن على بطلانها وقد جاء القرآن الكريم ليختتم رسالات التوحيد ويقيم الحجة على البشر جميعا الى قيام الساعة على الأصناف الأخرى ومنه انطلق العلماء المسلمون ليناقشوا الأفكار الشركية والوثنية والإلحادية مستنيرين بالعقل الذي جعله الله سبيلا للهداية فالعقل كالعين والشرع كالشمس . وللنناقش كلا من هذه العقائد لنرى مدى صحة او بطلان هذه العقائد :
..... يتبع
. اللاديني ( الملحد )
الإلحاد فكرة قديمة واجه بها المشركون الأنبياء ومن ذلك ما حكاه الله عن بعض الكفار في قولهم : ( إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ) سورة الجاثية / 24 ويقوم هذا المبدأ بالإجابة على السؤال الذي يفرض نفسه على العقل وهو : ( 1. من أوجد الكون 2. وكيف نشأ هذا النظام المستقر له) باحتمالين : الأول : هذا الكون قديم لا أول لـه ولذلك فهو لا يحتاج إلى خالق . وهو قول مردود ليس فقط من وجهة نظر العقيدة الإسلامية بل من وجهة نظر العلم التجريبي القائل بأن الكون يسير إلى نهاية حتمية حيث يقرر العلماء أن مبدأ الحركة الحرارية وانتقال الطاقة يحتم مجيء اللحظة التي يقف عندها الكون وتنتهي حركته إلى الفناء ويعود العلماء بهذا إلى البحث عن النقطة التي بدأت بها الحركة لأن كل ما لـه نهاية لا بد لـه من بداية لحركته ,ولك ان تتصور مسيرة الكون الآخذ بالاتساع كفيلم قديم ماذا يحدث عندما يظهر هذا الفلم بالعكس رجوعا للوراء؟ سيرجع إلى نقطة البداية الصغيرة جدا ومثال ذلك : الإنسان عندما يصبح في سن الستينات مثلا حاول ( تصوريا ) أن تعود بدورته من النقطة الحالية إلى الوراء فانك ستصل إلى نقطة بداية لـه وهي صغيرة جدا حتى انك لا تستطيع تصورها , فكما أن للإنسان نهاية يصل إليها يوما ما بالموت فان للكون نهاية سيصل إليها يوما ما بقيام الساعة ( يوم القيامة ) اذا للكون بداية وله نهاية , هذه الحقيقة قررها القرآن الكريم في تقريره للنهاية الحتمية بقيام الساعة ولفت النظر إلى أن القديم المطلق وهو الله تبارك وتعالى من صفاته انه لا يموت . ومن الأدلة العقلية لعلمائنا أن الكون محدود لأنه يتألف من أجرام محدودة وكل محدود قابل للزيادة والنقصان فلا بد لـه من محدد ومقدر ( ويسمى مخصص) جعله بهذه الصفة إذا فهو حادث ( مخلوق ) ومحدود خاضع لسيطرة غيره , فمثلا إذا أراد الإنسان أن يشتري كمية من الفاكهة فانه يقول لتاجر الخضار : زن لي رطل بندورة , تفاح , عنب .. فيحدد الكمية بالرطل لكن إذا أراد أن يشتري قماشا لا يقول زن رطل قماش , بل يقول : خمسة أذرع .. عشرة أذرع من القماش , إذن فالقماش محدود والخضار محدود لكن كل شيء يحد بمقياسه , هذا محدود بالرطل وهذا محدود بالذراع .. , ودرجة الحرارة في الغرفة محدودة لا بالرطل ولا بالذراع بل بمقياس آخر , والعطر محدود لكن تقول : هذا العطر قوي وهذا ليس بقوي , فهو محدود بمقياس آخر , والحياء والمروءة عند الناس محدودة لكن بمقايـيس حسية , والدليل على أنها محدودة كونها متعددة فطالما أنها متعددة إذن فهي محدودة فمن الذي حددها ؟ وطالما أن هذه الأشياء حددها الإنسان فمن الذي حدد الكون والإنسان ويسيطر عليه ويسيره بنظام محكم متناسق ؟ وكم هي قوته وعظمته؟ حكّم عقلك قليلا ستجد ان صانع الكون عظيم حكيم والحكيم لا يفعل شيئا عبثا , ومن صفات الكون انه بالغ الإتقان والدقة وفاعل هذا حكيم قادر قوي قاهر ومسيطر , انه الله جل جلاله ولا يستطيع ذلك غير الله .
الثاني : نقر ان الكون حادث ( له بداية ) ولكننا لا نقر بوجود موجد لـه بل هو وجد صدفة من العدم , وهؤلاء يريدون القول ان العدم يمكن ان يخلق وجودا متجاهلين الحقيقة القطعية بان فاقد الشيء لا يعطيه ومن ناحية اخرى فان الامر لا يتوقف على الايجاد فقط فلو سلمنا جدلا ان هذا الكون باجرامه ومخلوقاته العظيمة والدقيقة قد وجدت صدفة مخالفين بذلك ابسط أحكام العقل فان السؤال يبقى مطروحا : هل الصدفة ايضا هي القائمة على هذا النظام البديع المستمر منذ نشوء الكون الى الآن وهل هي التي تحكم انسجام دوران الأفلاك في مسارها وتسوق الغذاء الى المخلوقات الحية ... الى غير ذلك ؟ وما هي الصدفة أصلا وأين وما هي صفاتها ؟ وهنا يصدر العقل حكمه القطعي بان الصدفة ليست حلا علميا ولا اجابة شافية لمبدأ نشوء الكون , بل ان علماء الرياضيات يقرون بانه كلما زاد الأمر تعقيدا قل احتمال المصادفة فإذا بلغ الأمر النهاية في التعقيد بلغ احتمال الصدفة الى الصفر , وكل الناس اليوم يعرفون كم بلغ هذا الكون من التعقيد والدقة ما يعجز العقل عن وصفه. إذن لا بد من التسليم بأحد أمرين إما الإقرار بوجود الخالق او انكار وجود الكون , ومن المؤسف ان بعض الفلاسفة اختار الحل الثاني فقالوا هذا الكون ليس حقيقيا بل هو كذب وأوهام , فهل صحيح أن وجودك يا إنسان وهم وخيال ؟ إذا كنت كذلك فهدر دمك حلال لأنك الان تصنع الآلات القاتلة لتقتل بها الناس وتبقي على حياتك , فقتلك إذن أولى , فأين أوصلك الوهم ؟ نحن نبحث عن حقائق علمية وأنت تقول وهم فلمن الغلبة للوهم ام للعلم والحقائق الثابتة؟ والناس اليوم وصلوا بالعلم الى القمر والمريخ وغيرها وانت ما زلت تقول وهم وخرافات فمن هو الأصدق ؟ انه العلم المدعم بالحقائق الثابتة والقطعية الدالة على الصانع الحكيم الذي احسن كل شيء خلقه . ثبت لنا ان اعتقاد الملحد باطل ولا يستند الى أي حقيقة البتة بل ان عقيدة الملحدين في اسفل سافلين ومصير اهلها النار وبئس المصير.
..... يتبع ان شاء الله
2. المشرك
الشرك هو اعتقاد وجود شبيه لله تعالى في ذاته او صفاته او افعاله , واعظم عقائد الشرك خطرا تلك التي انحرف أصحابها عن رسالة سماوية كاليهود والنصارى لانه ضلال بعد هدى , أما العقائد الشركية الأخرى فهي في الأصل وثنية لا تؤمن بوجود الله بل تتوقف على الظواهر الطبيعية الموجودة كالشمس والقمر وغيرها ولكنها اضطرت للتسليم بوجود اله من خارج هذه المخلوقات بعد ظهور الرسل فدمجت بين الإيمان باله غير مرئي ووجود آلهة من المخلوقات فزعم اتباعها أن روح الإله حلت في هذه المخلوقات وانهم يعبدونها لتقربهم إلى ذلك الإله . ولقد تحدى الله تعالى امثال هؤلاء المشركين بقـوله :
( ايشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون * ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون * وان تدعوهم الى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم انتم صامتون * ان الذين تدعون من دون الله عباد امثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم ان كانوا صادقين * ) سورة الأعراف /191 – 194 .
ويرد على عقائد المشركين عموما ببرهان التمانع المأخوذ من قول الله تعالى : ( لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا ) سورة الأنبياء/ 22 : إذ لو كان للعالم الهان لفسد نظامه غاية الفساد , فان كل اله يطلب مغالبة الآخر والعلو عليه وتفرده دونه بالألوهية إذ الشركة نقص في كمال الألوهية , والإله لا يرضى لنفسه ان يكون الها ناقصا, فان قهر احدهما الآخر كان هو الإله وحده والمقهور ليس بإله وان لم يقهر احدهما الآخر لزم عجزكل منهما ونقصه ولم يكن تام الألوهية فيجب أن يكون فوقهما اله قاهر لهما حاكم عليهما والا ذهب كل منهما بما خلق وطلب كل منهما العلو على الآخر وفي ذلك فساد امر السماوات والأرض ومن فيهما كما هو المعهود من فساد البلد اذا كان فيه ملكان متكافئان وفساد الزوجة اذا كان لها زوجان , واصل فساد العالم انما هو من اختلاف الملوك والخلفاء ولهذا لم يطمع اعداء الاسلام فيه في زمن من الأزمنة إلا في زمن تعدد ملوك المسلمين واختلافهم وانفراد كل منهم ببلاده وطلب بعضهم العلو على بعض , فصلاح السماوات والأرض واستقامتهما وانتظام امر المخلوقات على اتم نظام من اظهر الأدلة على انه لا اله الا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير , وان كل معبود من لدن عرشه الى قرار أرضه باطل إلا وجهه الأعلى قال الله تعالى : ( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله إذا لذهب كل اله بما خلق ولعلى بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون ) سورة المؤمنون /91 , وقال تعالى :( أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون * لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون ) سورة الأنبياء/ 21-22, وقـال تعالى : ( قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا * سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ) سورة الإسراء / 42 , والمعنى لابتغوا السبيل اليه بالمغالبة والقهر كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض او لابتغوا اليه سبيلا بالتقرب اليه وطاعته . فكيف تعبدونهم من دونه وهم لو كانوا الهة كما يقولون لكانوا عبيدا له .
واما عقائد أهل الكتاب لا سيما النصارى فقد ناقشها علماء المسلمين مستنيرين بالقرآن الكريم وهدي العقل السليم من جهتين :
أ. إبطال عقيدة التثليث الشركية بالعقل ب. ابطالها من خلال كتبهم رغم تحريفها .
فمن ناحية العقل يزعم النصارى انهم على ديانة التوحيد ولكن الله تعالى هو اله واحد في ثلاثة اقانيم : اقنوم الآب ( في السماء ) واقنوم الابن ( عيسى عليه السلام ) واقنوم الروح القدس , وهذه الأقانيم كل منها له وجود حقيقي وقد اتحدت مع بعضها اتحادا حقيقيا , ثم يقولون ان الثلاثة هي واحد والواحد ثلاثة , وهذا ينبني عليه الاستحالات التالية :
أ. القول بان الثلاثة ثلث نفسها وان الواحد ثلاثة أضعاف نفسه وهذا مستحيل , فالتثليث إذا غير التوحيد ب. بما ان الاتحاد حقيقي فالله مركب من أجزاء ثلاثة , وكل مركب مفتقر في وجوده الى اجزائه , فالله اذا يكون محتاجا ومفتقرا الى غيره ـ هذا بزعمهم , بينما ثبت لدينا أن المفتقر لغيره يكون محدودا والمحدود محتاج ومفتقر إلى من يحدده , فهل الله محدود ؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا , وغير هذا فان العقل لا يقبل أن يذهب جزء من شيء وبنفس الوقت يبقى يوصف هذا الشيء بالكمال والوحدانية ؟ ان كان عندكم غير هذا فأتوا ببرهان إن كنتم صادقين .
واما كتبهم فإنها مليئة بما يناقض ادعاءاتهم المغلوطة بل انها تناقض بعضها البعض مما يدل دلالة قطعية على بطلان عقيدتهم وما حدث هذا الا بعد تلاعبهم وتحريفهم لكتبهم , اقرأ إن شئت وقل الحق وإلا ــ فماذا بعد الحق إلا الضلال:
القول الأول : ورد في إنجيل يوحنا17/3 قول عيسى عليه السلام في خطاب الله هكذا((وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته)) ونلاحظ من هذا النص أن عيسى عليه السلام بين أن الحياة الأبدية عبارة عن أن يعرف الناس أن الله واحد حقيقي ، وأن عيسى رسوله ، ولم يقل : إن الحياة الأبدية أن يعرفوا أن ذاتك ثلاثة أقانيم ، وأن عيسى إنسان وإله ، أو أن عيسى إله مجسّم.
القول الثاني : ورد في إنجيل مرقس 12/28-34 ((فجاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون فلما رأى أنه أجابهم حسناً سأله :أيّة وصية هي أول الكل فأجابه يسوع : إن أول كل الوصايا هي : اسمع يا إسرائيل .الرب إلهنا رب واحد وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك .. فقال له الكاتب : جيّداً يا معلم بالحق قلت لأن الله واحد وليس له آخر سواه ..... فلما رآه يسوع أنه أجاب بعقل قال له : لست بعيداً عن ملكوت الله )) .
القول الثالث: ورد في إنجيل مرقس 13/32 قول المسيح ((وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بها أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الأب )) وهذا دليل على بطلان التثليث لأن المسيح خصص علم القيامة بالله فقط ، ونفاه عن نفسه كما نفاه عن الآخرين ، وهذا يتعارض مع ما يدعيه المسيحيون من الحلول أو الإنقلاب ، فعلى قولهم كان لا بد أن يعلم الابن ما يعلمه الله ، فظهر أنه ليس إلهاً .
القول الرابع : ورد في إنجيل متى 19/17 ما يقطع ببطلان التثليث وانعدامه من الأساس وهو قول المسيح ((فقال له : لماذا تدعوني صالحاً ليس أحد صالحاً إلا واحداً وهو الله )).
القول الخامس: ومما ينفي ألوهية المسيح رأساً وبخاصة على مذهب القائلين بالحلول أو الانقلاب ما ورد في إنجيل لوقا 23/46 قول المصلوب بزعمهم : ((ونادى يسوعُ بصوت عظيم وقال : يا أبتاه في يديك أستودع روحي ))، وذلك لأن المسيح لو كان إلهاً لما استغاث بإله آخر ، ولامتنع العجز والموت عليه , فالإله الحقيقي هو الذي كان عيسى عليه السلام يستغيث به في هذا الوقت.
القول السادس: ورد في إنجيل يوحنا 14/24 قول المسيح عليه السلام ((والكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب الذي أرسلني)) ففي هذا القول صرح أنه مرسل من الله لتبليغ كلامه.
القول السابع : ورد في إنجيل متى 23/9-10 قول المسيح في خطاب تلاميذه ((ولا تدعوا لكم أباً على الأرض لأن أباكم واحد الذي في السماوات ولا تدعوا معلّمين لأن معلّمكم واحد المسيح)).فهذا يدلنا على أن الله واحد ، وأن المسيح معلّم.
القول الثامن : كان من عادة المسيح عليه السلام أنه إذا أراد أن يعبر عن نفسه كان يعبر بابن الإنسان ، كما لا يخفى على ناظر الأناجيل المشهورة عندهم الآن ، وظاهر أن ابن الإنسان لا يكون إلا إنساناً.
فهذه شهادة كتبهم عليهم ومن كانت هذه شهادة كتبهم عليهم فباي حق يصح اتباعهم ؟ والحال عند اليهود ارذل مما هو عند النصارى وكلاهما دعواه باطلة وهم وأتباعها من اصحاب النار وبئس المصير . وما أجمل قول الله تبارك وتعالى : ( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية * إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية * جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه * ) سورة البينة / 6-8 . يتبع ان شاء الله
3. الوثني
الوثني هو الذي يعبد من دون الله شيئا من مخلوقاته بشرا كان أو حجرا أو غير ذلك , وتتميز المعتقدات الوثنية بالتعددية أي ان اهل هذه الديانات يعتقدون بوجود اله للشر وآخر للخير وآخر للنور وآخر للحرب ... الخ , وفي البداية توهم الانسان القوة المسيطرة عليه في بعض المخلوقات كالشمس والبحر والنار وغير ذلك . وقد ناقش القرآن هؤلاء نقاشا علميا فلفت النظر اولا الى ان توهم القدرة على كل شيء فيما لا يملك شيئا ضلال في التفكير فقد قال الله عز وجل : ( هل يسمعونكم اذ تدعون او ينفعونكم او يضرون ) سورة الشعراء / 72+ 73 , كما لفت النظر الى ان آثار القدرة والحكمة والتدبير والعلم التي تتصف بها ظواهر الكون لا بد لمن أوجدها من أن يتصف بالقدرة والكمال المطلق فأين هي صفات الكمال والقدرة والهيمنة التي تتصف بها هذه المعبودات , ثم قرر القرآن أن الذين يعبدون غير الكامل الصفات سبحانه انما يدفعهم لذلك التقليد الأعمى لأن ادنى إعمال للعقل يسوق العاقل الى نفي الايمان بالوهية اصنام واوثان تحتاج الى من يدبر شأنها , فهي بذلك شريكة لكل المخلوقات في الحدوث والافتقار والنقص والمحدودية , قال الله تبارك وتعـــالى : ( ما كان حجتهم إلا أن قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمّة وإنا على آثارهم مقتدون ) سورة الزخرف / 23 , وهذا هو التقليد الأعمى بعينه.
ونلفت النظر هنا الى ان المعتقدات الوثنية بعد ارسال الرسل دخلت في حيز الشرك , فمثلا لم يكن الكفار من قريش على ايمان بربوبية الله والوهيته وقدرته بل كانوا يتوهمون هذه الصفات في اصنامهم فلما جوبهوا بالحجج العقلية القرآنية اضطروا الى التسليم المراوغ بوجود اله قادر عليم حكيم ثم قالوا : انما نعبد هذه الأصنام لتقربنا الى ذلك الاله الكامل , وقد كذب القرآن ادعاءهم هذا, قال الله تعالى : ( ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ) سورة الزمر/3 , فجواب القرآن كما نرى هو تكذيبهم لأن الذي يؤمن بالشريك لله لا يمكن ان يكون موحدا له في ربوبيته بنفس الوقت بل هي وثنية مطلقة دلت كل الشواهد الكونية على بطلانها, ومن كانت عقيدته باطلة فهو من أصحاب النار وبئس المصير.
......... يتبع ان شاء الله
وأما عقيدة التوحيد
فاساسها شهادة ان لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله , فقد قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم : ( بني الاسلام على خمس : شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة والحج وصوم رمضان ) رواه البخاري , وهذه أعمال الاسلام الظاهرة للناس , ويتبع هذه الشهادة قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الايمان فقال : ( ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ) رواه مسلم , وهذه الثوابت لابد من التصديق والاقرار بها بحيث يطمئن القلب ويثبت على هذا الاعتقاد ولا يشك بشيء من ذلك , فمن عمل بهذا مخلصا صادقا فله السعادة في الدنيا والآخرة ومن كذب فله العذاب والويل يوم الحساب , ومن عصى الله بشيء من المعاصي التي لا تعد كفرا فحسابه على الله اما ان يعذبه واما ان يعفو عنه . وبيان حقيقة التوحيد بكل بساطة ان الله وحده خالق كل شيء, وابسط دليل على هذا ان كل موجود لا بد أن لـه موجدا أوجده وان كل صنعة لا بد أن لها صانعا صنعها , ونحن لا نشك بوجود الكون وصنعه فهو اذن ( موجود , مصنوع , مخلوق .. ) والكون اي ( السماء , الأرض , الكواكب ...وكل شيء سوى الله ) لا يستطيع ان يخلق نفسه ولا ان يخلق غيره لأنه عاجز عن فعل الايجاد من العدم ولا ارادة له تمكنه من ذلك , اذن من اوجد وصنع وخلق هذا الكون ؟ ومن الذي يحرك هذا الكون البديع تحريكا منتظما وبحيث يخدم مصلحة الانسان ؟ لا بد أن له خالقا خلقه وخالقه هو الله الواحد القادر , وإتقان الصنعة دليل على حكمة الصانع وقدرته , وأي صنع اعظم اتقانا من صنع الأرض والسماوات وما بينهما الكواكب والنجوم الجميلة وغيرها, وأي عاقل يصدق بأن بيتا جميلا ومليئا بالمزخرفات بني بدون بان حكيم قدير ولو لم يشاهد ذلك الباني ؟ وهذا الكون الجميل الرائع له بان عظيم هو الذي بناه واتقنه ووضع له سننا يسير عليها لا يخطئها وهذا الباني هو الله الواحد , ومن صفات الله واسمائه : 1. القدم يعني ليس لوجوده بداية لأنه لو كان له بداية لاحتاج الى موجد ولاحتاج موجده الى موجد وهكذا الى ما لا نهاية وهذا باطل لا يقبله العقل السليم قال الله تعالى عن نفسه : ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ) 2. ليس كمثله شيء يعني ان الله لا يشبهه شيء من مخلوقاته وان صفاته لا تشبه صفات المخلوقين , 3. الوحدانية يعني ان الله لا شريك له , ودليل ذلك ان كل من ادعى الألوهية او ادعيت له ـ سوى الله ـ لا توجد فيه صفات الألوهية بل من صفاتها العجز وهي صفة نقص ومن يعجز فليس باله ومن صفات الألوهية الايجاد من العدم والقدرة على كل شيء وهذه الصفات لا توجد الا بالله , قال الله عز وجل : ( هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * انا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ) سورة الانسان /1+2 , ولله تعالى أسماءا وصفاتا كثيرة وردت في القرآن والسنة .
ولله تعالى ملائكة من نور ينفذون أوامره ويبلغونها لرسله وانهم لا يعصونه بشيء , وانه اختار من الناس أنبياءا ورسلا وأيدهم بالمعجزات الدالة على صدقهم فيما يخبرون عنه ــ منها ما حدث اول سنوات الدعوة للاسلام ومنها ما يظهر اليوم للعالم اجمع ــ ليبلغوا الناس رسالات ربهم ـ أوامره ونواهيه ويهدون إلى الحق والطريق المستقيم وكل ما فيه مصلحة الإنسان ومنفعته وسعادته في الدنيا والآخرة , وهذا الخير والحق والطريق المستقيم متمثل في منهاج المسلمين ألا وهو كتاب الله وسنة رسوله ( القرآن والحديث ) وبهما تستقيم حياة المسلم وتصفو روحه وتطمئن نفسه وتسكن جوارحه ويعتدل سلوكه وتحصل له السعادة , ولا راحة للإنسان بغير هذا الطريق , وميزان المسلم الحلال والحرام ومن خلال القرآن والحديث فما كان حلالا فله استعماله وما كان حراما وجب عليه تركه , وليس ميزانه المنفعة ولا المصلحة الفردية ولا جمع المال ولا اشباع البطن والفرج بالحرام . وتاريخ المسلمين الأوائل ومن سار على طريقهم خير دليل وشاهد على نتيجة سلوك هذا الطريق المستقيم .. اقرؤوا تاريخ المسلمين الأوائل تجدون ما يسر البال والخاطر وينشرح له الصدر بينما تاريخ غير المسلمين ( النظم الأخرى ) مليء بالمآسي التي خلفتها النظم والمعتقدات الخاطئة للانسان فعكرت صفوه ومزاجه وشوهت سلوكه وشوشت فطرته وتركته يلهث وراء ما لا تحمد عقباه.
والله سبحانه لم يترك الناس يتصرفون كما يشاءون خيرا وشرا بلا حساب - يأكل قويهم حق ضعيفهم ولا يرجع الحق لأصحابه يوما ما بل جعل للناس يوما يحاسبون فيه على أعمالهم وينصف فيه للمظلوم من الظالم ألا وهو اليوم الآخر ( يوم القيامة ) يوم يبعث الله الناس بعد الموت ليجزي المحسن على إحسانه بإدخاله الجنة ويجزي المسيء على إساءته بإدخاله النار .
والله قدر أفعال الناس ويعلم بعلمه القديم كل ما سيعمله الخلق و جعل للناس عقولا تميز الخير من الشر وأعطاهم القدرة على اختيار الخير والشر , وان الخالق لنا ولأعمالنا هو الله سبحانه وتعالى ، ولكن للإنسان جزء اختياري يحاسب عليه فالله تعالى يقدّر على الإنسان العمل ويخلقه على يديه لكن عندما يقع الجزء الاختياري لذلك الإنسان يخلق الله ذلك العمل وان الجمع بين القدر والتكليف شيء فوق العقل البشري ولا راحة لنا إلا بامتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال : ( وإذا ذكر القدر فأمسكوا ) ولو كان بمقدور العقل البشري أن يتسع لفهم هذا الموضوع لما قال الرسول عليه السلام ( فامسكوا ) . لذلك نحن نؤمن بالقدر لان الله سبحانه اخبرنا به ، نؤمن به كما ورد لكن لا نناقشه لانه ليس من صنعنا ، وهل يستطيع الإنسان أن يصنع قدره بيده ؟ ونلزم أنفسنا بالتكليف ومراقبة أعمالنا لان القدر حق وهو من صنع الله فنكله إلى الله ، والتكليف نحن مطالبون به لذلك نحصر همنا به , والجمع بين القدر والتكليف أمر يقف العقل أمامه ولا عيب في ذلك لان عقل الإنسان يقف أمام أمور كثيرة والعقل جزء من الكون والجزء لا يحيط بالكل فلا عيب على العقل إذا توقف هنا , اذ لم يصنع الإنسان مدفأة تسع بترول العالم وانما تسع ما يقضي الحاجة وهذا مقتضى الحكمة . وكذلك لم يخلق الله سبحانه للإنسان عقلاً يحيط بجميع حكمة الله ولا بجميع علم الله تعالى وانما خلق للإنسان عقلاً يعرف به ربه ويصلح به شأنه . إذا فالعقل محدود لان مدة التفكير محدودة بالحياة ، وعلم الله غير محدود وحكمته غير محدودة بينما عقلنا محدود وليس عيباً على عقل الإنسان المحدود ألا يحيط بعلم الله وليس عيباً على الإنسان أن يعجز عن تفسير الجمع بين القدر والتكليف فلعل الحكمة من إخبارنا بالقدر مع توجيه التكليف إلينا هو الكبح لجماح غرورنا وبياناً لمحدودية وعجز عقولنا وبياناً لسعة علم الله فنعترف لله بالكمال ونعترف على أنفسنا بالنقص والعجز فنتحقق بالعبودية , ونزداد بالله معرفة ولله تعظيماً . وبما ان العقائد السابقة منحرفة وباطلة فلا عذر ولا حجة لتارك عقيدة التوحيد المتمثلة بشهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله بل عليه الانقياد والطاعة لأوامر رب العالمين قبل فوات الأوان .
على ان الذي تمتاز به صورة التوحيد في العقيدة الاسلامية هو تعمقها للحياة كلها وقيام الحياة على اساسها واتخاذها قاعدة للمنهج العملي الواقعي في الحياة ـ تبدو آثاره في التشريع كما تبدو في الاعتقاد سواء وأول هذه الآثار ان تكون شريعة الله وحدها هي التي تحكم الحياة فاذا تخلفت هذه الآثار فان عقيدة التوحيد لا تكون قائمة وانها لا تقوم الا ومعها آثارها محققة في كل ركن من اركان الحياة .
هذا القرآن شريعة الله أمام كل العالم بلا تحريف ولا تغيير حفظه الله من كيد الناس ولن يستطيع تحريفه ولا تغييره أحد والى قيام الساعة, وهذه عقيدتنا واضحة جلية توصل أتباعها دار السعادة في الدنيا والآخرة فما ظنكم برب العالمين الذي اختار لنا هذا التشريع؟ وما ظنكم بهذه العقيدة , هل هي كالعقائد السابقة أم ان كفتها ترجح رجوحا واضحا للعيان عند اولي الألباب ؟ السؤال واضح وجوابه واضح والحمد لله .
وختاما أرى لزاما على كل عاقل يريد الحق أن يتبع الحق قبل أن يأتي يوم الحساب فلا يقبل عذر ولا ينفع ندم وان يعلم أن هذه الحياة إنما هي دار ابتلاء واختبار وان علينا أن نصبر على تعبها فاليوم عمل ولا حساب وغدا ـ يوم القيامة ـ حساب ولا عمل وانتم ترون بأم أعينكم أن الناس يموتون وأننا من الناس الذين سيموتون يوما ما فلا تدعوا الفرصة تفوتكم لخوف من الناس فانهم لن يمنعوكم من النار إن انتم عصيتم الله تعالى وأطعتم الناس ولن يمنعوكم من الجنة إن أطعتم الله تعالى ولو سخط الناس عليكم , فخير للإنسان أن يتبع الخير ويسمع النصيحة فان صاحب الخير الصادق يحب للناس الخير واني اعتبر هذا حجة على كل من قرأه بأن يترك كل اعتقاد باطل وان يتمسك بعقيدة الإسلام قبل فوات الأوان ولا تطيلوا البعد عن الله , اللهم اجعلنا من الصادقين , ولا تنزع منا صالح ما أعطيتنا يا كريم , آمين , والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد نبي الرحمة وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
علي أبو عبد الله
05-15-2005, 08:17 AM
لم أقرأ هذا الموضوع إلا بعد كتابة ( لماذا كان التوحيد أشرف العلوم ) .
ولو استقبلت من أمري ما استدبرت كنت كتبته هنا وأستأذنك أخ عماد في الإحالة عليه للفائدة :
http://70.84.212.52/vb/showthread.php?t=1654
Powered by vBulletin™ Version 4.2.1 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, ENGAGS © 2010