المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب : لماذا رفضت الماركسية ؟



حازم
01-16-2007, 01:56 PM
الفصل الاول

حينما بدات اكتب فى الخمسينيات كانت الماركسية هى موضة الشباب الثائر فى ذلك الوقت وكنا نقرا منشوراتها فى نهم فتحرك مثالياتنا بما تعد به من فردوس ارضى وعدالة ورخاء وغذاء وكساء للعامل والفلاح ومحاربة للاقطاع والاستغلال وتحرير للجماهير الكادحة .

وكانت موسكو تبدو لنا فى ذلك الحين الكعبة الام لهذا الدين الجديد الذى يشع الخير والرفاهية لكل من يدور فى فلكه .

وكانت اول صحوة لنا من ذلك الحلم حينما سافرنا الى الخارج وراينا الخراب والبؤس والوجوه الكئيبة المتجهمة فى المجرورومانيا والمانيا وكافة البلاد الشرقية التى تجرى فى هذا الفلك وبحثنا عن الرخاء والرفاهية والحرية والفردوس الارضى فلم نجد له اثرا .

وكانت الصدمة الثانية الاعظم حينما فتح خرشوف ملف ستالين واعلن على رءوس الاشهاد المظالم التى ارتكبها ستالين والملايين من العمال والفلاحين والمثقفين الذين قتلهم فى السجون والمعتقلات واعدمهم بالرشاشات والقاهم للموت فى جليد سيريا واسلمهم لالات التعذيب بين يدى الجلاد الرهيب بريا .

ويومها قالوا لنا انه التطبيق

الذنب فى التطبيق السيىء ولكن النظرية بريئة مبراة من هذا كله .

واحتاج الامر منى الى سنوات من القراءة والدراسة والعكوف على المجلدات الاصلية للمذهب لكى اكتشف ان الفساد ليس فى التطبيق ولكن الفساد فى المذهب نفسه وان تلك الافكار الثورية لم تكن اكثر من تحشيد وتحريض ودفع لكتل الجماهير نحو ثار تاريخى يخرج العالم من ظلم ليلقى به فى ظلم افدح واشمل واعم .

يقول ماركس بان التاريخ عبارة عن تنازع مصالح مادية ويرى ان التاريخ يتحرك الىالامام بدفع الصراع الطبقى بين السادة والعبيد وكلما تغيرت اساليب الانتاج تغير معها شكل المجتمع وحضارته وفنونه .

جاء المجتمع الزراعى فجاء معه بفنونه وادابه وتقاليده واديانه وكانت وظيفة هذه الاديان هى الحفاظ على مصالح السادة والاقطاعيين . ثم جاء عصرالصناعة والبخار فجاء معه بفنون وافكار واخلاقيات جديدة تحفظ للسادة امتيازاتهم . ثم تطور العلم وتطورت معه اساليب الانتاج وجاء الاوان اخيرا ليقلب العمال نظام العالم وياتون بافكارهم واخلاقياتهم ودينهم (الشيوعية) الذى يكتسحون به الاديان المتخلفة الموجودة ويقودون العالم الى مجتمع لا طبقى يمتاز بالوفرة فى كل شىء ويعمل فيه كل فرد على قدر طاقته وياخذ على قدر حاجته بلا ظلم وبلا استغلال .

وكانت وسيلة ماركس الى ذلك تاميم وسائل الانتاج وانفراد طبقة العمال بالديكتاتورية والسلطة .

ولا يرى ماركس اثرا لاى عوامل او قوى غيبيه او ارادة الهية وراء هذه العوامل المادية تؤثر فى التاريخ . وما الله فى نظر ماركس الا الصنم الذى اقامته البرجوازية لتخدع به الطبقة العاملة وتشغلها بالسجود والركوع بين يديه انتظارا لفردوس وهمى بعد الموت لتخلو لهم الدنيا يستمتعون بثمراتها كما يشاءون دون خوف ان ينازعهم العمال امتيازاتهم . فما الدين فى الحقيقة الا مخدر الفقراء وافيون الشعوب والحشيش الذى يغيبون به العقول كلما اوشكت ان تصحو تنفجر على ثورة .

ولهذا جعل ماركس القضاء على الاديان على راس مخططه وبدات الثورة البلشفية بهدم المساجد والكنائس واحراق الاناجيل والمصاحف واعتقال رجال الدين والغاء التربية الدينية من المدارس وتدريس الالحاد والماركسية كمادة اجبارية للاطفال والكبار .

وقد وقع ماركس فى عدة اخطاء قاتلة كانت كفيلة فى النهاية بالقضاء على نظريته .

اولا : اعتمد ماركس فى استنباط نظريته عن التاريخ على بعض مراحل تاريخية دون الاخرى . فكان ينتقى من التاريخ ما يوافق هواه ويهمل ما يناقض فكره . ومن هنا لا يصح ان تكون للقوانين التى استخرجها صفة الاطلاق على التاريخ كله ولا تصدق عليها صفة القوانين وانما هى فى الحقيقة تلفيقات .

واقوى البراهين على ذلك هى نشاة الاسلام فلم يكن الاسلام قط من افراز النظام الطبقى فى قريش . ولم يكن دينا رجعيا يحفظ للظالمين المستبدين اموالهم وامتيازاتهم . ولم يكن مخدرا للفقراء دافعا لهم على قبول فقرهم . فقد دعا الاسلام الى التمتع بالحياة فى اعتدال ودعا الى قتال الظالمين المستغفلين .

ولم يات الاسلام نتيجة انقلاب مناظر فى نظام الانتاج وعلاقات الانتاج فى قريش وانما جاء كظاهرة فوقية مستقلة عن البيئة .

فقد جاء الاسلام من البداية مقررا المساواة فى الفرص وضمان حق الكفاية للمواطن وتحقيق التوازن الاقتصادى بين الفرد والمجتمع وجاء بمبدا الاقتصاد الحر الموجه .. وجاء بكل ذلك فى الجزيرة العربية فى وقت لم تكن ظروف الانتاج وعلاقات الانتاج تدعو اليه بحيث يمكن ان نقول ان ما حدث كان انبثاقا من واقع اقتصادى . وتحدى بذلك منطق الماركسية التاريخى وحساباتها المادية التى تحتم انبثاق كل انقلاب سياسى من انقلاب مناظر فى الانتاج وعلاقاته .

ثانيا : وقع الفكر الماركسى فى تناقض اساسى بين كونه فكرا يدعو الى التضحية والبذل من اجل الاخرين وبين كونه فكرا محروما من الحافز الدينى والمبدا الروحى . والدين كما هو معلوم يمد الانسان باعظم طاقة ليضحى ويبذل بلا حدود وعن طيب خاطر .

وهكذا اصبحت الماركسية تطالب بالنقاء الثورى والتضحية والولاء ثم تجعل هذه الاخلاقيات مستحيلة بالفكر والنظرية (بحكم مادية النظر الى الاشياء)

وهكذا تصور الماركسيون الماديون ان ثلاث وجبات دسمة يمكن ان تكون عزاء كافيا لانسان يعلم انه ولد ليموت .. انسان كتب عليه ان يتالم وحده يشيخ وحده ويموت وحده وتصوروا ان الولاء يمكن ان يشترى بالمرتب والمكافاة ان لم يشتر بالخوف من قطع العيش وكان هذا وهما كبيرا .

وانها كلمة قديمة جدا (انه ليس بالخبز وحده يحيا الانسان ) واننا اذ كنا نولد لنموت فان الدين الذى يقدم لنا حياة مطلقة وبعثا وخلودا هو امر لا يمكن شطبه بجرة قلم ولا يمكن محاربته بخزعبلات نظرية

وقد وجد ستالين نفسه امام هذا التناقض الذى لا حل له حينما هجم الجيش النازى على روسيا وبلغ ابواب ستالينجراد . فقد راى الفلاح الروسى يقف متخاذلا لا يعرف لماذا يحارب ولماذا يموت ولا بعث بعد الموت ولا جنة ولا تكريم لشهيد .

لقد سلبت منه الشيوعية الجنة وسرقت منه الخلود فلم يعد يتحمس لشىء . ولم يجد ستالين بدا من ان يعود فيبنى الكنائس ويفتح المساجد ليحيى القلوب التى ماتت .

وتغيرت التعليمات لكل الخلايا الشيوعية وجاءت الاوامر الجديدة .

لا تذكروا الدين بسوء ولا تتعرضوا لله ولا تناقشوا فى الغيبيات واذا سئلتم فى ذلك فقولوا ( هى مسائل غير مطروحة وليس هذا اوانها) ولم تنفع هذه الاستراتيجية الجديدة فى علاج الشكوك التى تحركت فى الصدور

وعاد انبياء الكرملين فاجتمعوا وانفضوا ثم عادوا فاصدروا تعليمات جديدة وسمعنا عن بعثات حج روسية تخرج من موسكو الى مكة وسمعنا عن مفت اسلامى يفتى فى روسيا البلشقية .

ولبس بعض الماركسيين طرحة اسلامية ولم ينفع هذا الصلح الانتهازى مع الدين ولكنه كشف للماركسيين انفسهم عن ثغرة فى نظريتهم لا حل لها .

ثالثا : ذلك العامل الاقتصادى الواحد الذى جعل منه ماركس الها تصدر عنه كل الاشياء وسببا وحيدا تتداعى من ورائه كل التغيرات التاريخية والحضارية فيما يسميه بالتفسير المادى للتاريخ .

هذه الفكرة سقطت علميا والراى السائد الان انه فى ميدان الظواهر الاجتماعية لا يوجد سبب واحد مستقل منفصل وفاعل يولد النتائج والظواهر الثانوية ونما هناك عوامل متعددة تؤثر فى بعضها تاثيرات متقابلة فالعامل الجوهرى اليوم يمكن ان يصبح عاملا ثانويا فى الغد .

والعامل الاقتصادى بهذا لا يصلح ان يكون الها تصدر عنه الاشياء وانما هناك العامل القومى والنفسى والعنصرى والعقائدى يمكن ان تشكل التاريخ باقوى مما يشكله العامل الاقتصادى .. وبين الصين وروسيا صراع سوف يشكل التاريخ ومع ذلك فهو ليس صراعا طبقيا ولا اقتصاديا فالدولتان كلتاهما شيوعية وبقيادة البروليتاريا .

رابعا : كانت دكتاتورية البروليتاريا انتقالا بالمجتمع من ظلم طبقى الى ظلمطبقى اخر .. وكانت استبدالا للاستغلال الموجود باستغلال اخر اشمل واسوا واعم .. فقد جاء الحزب الحاكم الجديد وجاء معه بزبانية مراكز القوى ليسجنوا ويعتقلوا ويظلموا ويستبدوا للحفاظ على امتياز الذين تميزوا وسلطان الذين تسلطوا وهكذا نقلوا المجتمع من طغيان الى طغيان افدح واشاعوا مناخا من الرعب والصمت الرهيب والخرس الذى قطعت فيه الالسن وكسرت الاقلام وكممت الافواه .. فالصحف جميعا ملك للسادة الجالسين فى مراكز القوى وسياط الرقابة مسلطة على الجميع وهذه امور جربناها واحترقنا بنارها ونعرف تماما ماذا تعنى .

وكان ماركس مبالغا اشد المبالغة فى تلك الهالة الاسطورية التى اضفاها على البروليتاريا (طبقة العمال) فى كلامه عن نقاء البروليتاريا وطهارة البروليتاريا وكانها شعب الله المختار او جنس اخر قادم من المريخ ونسى ان العامل والمثقف ومالك الارض هم غالبا افراد اسرة واحدة .

وقد اقام ماركس نظريته على ظروف القرن التاسع عشر الصناعية المتخلفة حيث العامل يدوى كادح مطحون مسحوق لا يكاد يجد لقمته .. ولم يتصور ما ستحدثه ثورة العلم والتكنولوجيا فى القرن العشرين حيث العامل رجل مرفه يجلس امام ازرار والات الكترونية ومن ورائه نقابات عمالية وقوانين للتامين ضد العجز والشيوخوخة والمرض تحفظ حقه .

ثم ها نحن اولاء نرى مامنا الطبقة العاملة تنشق الى طبقتين متناقضتين نتيجة تفاوت الدخول هما العمال المؤهلون والعمال غير المؤهلين تنتج عنه فئة ارستقراطية وفئة شعبية من العمال انفسهم .

والنتيجة كانت انفصال الفكر الماركسى عن واقع القرن الذى نعيشه ورجعيته وتخلفه قياسا الى ظروف عصرنا .

خامسا : هذا التعسف المنهجى الذى اتسمت به الماركسية واصرارها على ان تكون فكرا شموليا يجيب عن كل شىء ويبتكر الحل لكل معضلة ويفتح كل باب ويجاوب على كل سؤال . ثم ادعاؤها لحتمية قوانينها مع انه من الامور المعلومة انه لا حتمية فى الامور الانسانية لان الناس ليسوا جمادات مثل كرات البلياردو ولا هم الات صماء كتروس الساعات يمكن حساب حركاتها والقول بحتميتها والتنبؤ بها .

ولهذا اخطا ماركس فى جميع تنبؤاته فقال بخروج الشيوعية من مجتمع صناعى راسمالى متقدم مثل انجلترا والمانيا فكذب التاريخ نبوءته وخرجت الشيوعية من بلد زراعى متخلف كالصين .

وتنبا باتساع هوة الخلاف بين البرجوازية والبروليتاريا فى الدول الراسمالية بشكل مطرد الى ان يتفاقم الوضع الى ثورة تقلب العالم كله ولكن ما حدث فى المجتمعات الراسمالية كان العكس وهو مزيد من التقارب بين الطبقات عقب سلسلة من الاجراءات الاصلاحية والانشطة النقابية فى حين انطلق الصراع وتفاقم بين دول العلامل الاشتراكى نفسه مثل الصراع بين روسيا والصين .

وتنبا ماركس بازدياد تمركز رءوس الاموال فى احتكارات هائلة يزداد معها غنى الاغنياء وفقر الفقراء ولكن الذى حدث كان اتجاها الى تفتيت رءوس الاموال عن طريق الشركات المساهمة وتفتيت الملكيات الزراعية من تلقاء نفسها بالميراث .

وتنبا ماركس بالازمة الاقتصادية الماحقة التى تسحق النظام الراسمالى بسبب ازدياد اجمالى الانتاج عن معدل الطلب والقدرة الشرائية نتيجة فقر العمال المدقع ولكن الملاحظ الى الان ان كل ازمات الراسمالية ذات طابع عرضى

واخطا ماركس فى نظريته عن فائض القسمة وقال بان اجر العامل فى النظام الراسمالى يتحدد على اساس الحد الادنى اللازم لمعيشته ولكن الواقع كذب هذه التقديرات بفضل التشريعات الجيددة والتعديلات التى ادخلها النظام الراسمالى على نفسه فارتفع اجر العامل فى دول اوربية كثيرة الى مستوى رخاء ملحوظ سبق به زميله فى الدول الاشتراكية .

وحاولت الماركسية ان تحمى نفسها بالتعصب واطلاق الشعارات وادعاء العلمية والتقدمية واتهام المخالفين فى اخلاقهم فهم خونة ورجعيون متعفنون فاصبح الشيوعى مثلا للجمود والتزمت وضيق الافق والتبعية فى الراى والصلافة والغلظة .

سادسا : ادى التاميم الشامل حين طبق وفى اى بلد الى هبوط فى الانتاج والى كارثة اقتصادية . وقال خرشوفكلمته الشهيرة ان البقرة التى يملكها صاحبها تدر من اللبن اكثر من البقرة التى نملكها الدولة . هادما بذلك كل فلسفة ماركس فى التاميم والملكية الاشتراكية .

وكان التاميم يجر وراءه اللامبالاة والاهمال والكسل والبيروقراطية وسوء الانتاج . وامام خطر البيروقراطية الذى استشرى فى كل البلاد الاشتراكية راح انبياء الكرملين يجتمعون وينفضون ويقدحون الاذهان ثم خرجوا علينا بفلسفة الحوافز .

ولكن الحوافز لم تفعل شيئا بل كانت نوعا من الرشوة ادت الى طمع من ياخذ وحقد من لا ياخذ ثم الى مزيد من الصراعات واستمرار فى هبوط الانتاج

وراينا روسيا تلى تملك اكبر حقول القمح فى اوكرانيا تطلب القمح من امريكا وتفتح بلادها للمصانع الامريكية ولفروع البنوك الامريكية .

بعد ان نزعوا ملكية المواطن الروسى سمحوا بالملكية والاستثمار لراس المال الامريكى . نهاية اشبه بالنكتة

وقد كان التاميم محكوما عليه بالفشل من البداية وكان الفساد فى المبدا وليس فى التطبيق لانه مضاد للفطرة

والحضارة من فكر وفن وصناعة هى فى النهاية ثمرة ملكات افراد ومواهب وتطلعات افراد واذا حرمنا تلك الملكات مجالها الحر وسجناها فى ديوان موظفين تعمل فى روتين والية بلا طموح انتهت الى العقم والكسل والبلادة

ثم ان نظام التاميم يسد كل ابواب الرزق ولا يبقى للناس الا باب التوظيف بالحكومة وبذلك لا تعود هناك وسيلة لضمان اللقمة سوى النفاق للحاكم والتملق للرؤساء والانتهازيةوالشللية والتبليغ والتخابر والتجسس والعمالة وبذلك يتحول المجتمع تلقائيا الى غابة من الناس ياكل بعضهم بعضا

والعامل وقد راى امامه اباطرة المال وقياصرة الارض يعرون عن املاكمهم بكل سهولة ويطردون اصبح يشعر بان هيبة كل كبير قد سقطت نهائيا فهو يتحول بغريزته دون ان يدرى الى من هو فوقه يحاول ان يسحب منه الكرسى ليقفز مكانه .

والصراع الطبقى بين الفلاح وصاحب الارض وبين العامل وصاحب العمل وقد وجد فرصته – ينتشر كما تنتشر النار فى الهشيم فيتحول الى منطق يحكم المجتمع كله فاذا بكل من هو ادنى ينظر فى تربص الى كل من هو اعلى فيتمزق المجتمع الى ملايين يطعن بعضهم بعضا وينقسم الكل الى جبهات متقاتلة متباغضة سكن واصحاب مساكن محررين ورؤساء تحرير عساكر وضباط موظفين ومديرين خدام ومخدومين كل مرءوس يتحين الفرصة ليطعن رئيسه ويحل محله بحق او بغير حق فان ما حدث فى القمة قد اعطى المثل للقاعدة وتلقفته الاحقاد لينتشر فى حرب داخلية صامتة تستنزف الموارد لاخر مليم فى مكائد ورشاوى وسرقات واختلاسات لا اخر لها .

يقول تروتسكى وهو احد انبياء الاشتراكية : ان بين شكوى الفرد وطموحه وضعا نفسيا فيه الكثير من كوامن الحقد والحقد هو اسهل معاول الصراع الطبقى .

هذا هو كلام تروتسكى وهو اعتراف صريح بشرعية الحقد عند هؤلاء المخربين وشرعية استخدامه لقلب المجتمع .

وهذا هو ما اشار اليه الرئيس السادات فى كلمته التاريخية حينما قال : لقد ترك لى عبد الناصر تركة من الحق لا اجد لها الى الان حلا .

ثم ان التاميم الذى انتزع المصانع من يدخمسة او ستة راسماليين مستغلين قد سلمها الى مائة الف لص فى المؤسسات والجمعيات التعاونية ينهبونها . والمنتج الراسمالى كان على الاقل استاذا فى مهنته وكان بدافع مصلحته يتفنن ويبتكر ويبدع ويعطى المستهلك اقصى اجادة ليحصل على اقصى ربح . اما المائة الف لص فى المؤسسات والجمعيات التعاونية فلا علم لهم بالحرفة وهم لا يبتكرون ولا يبدعون ولا يعملون ولا يعطون وانما كل همهم هو التسابق على النهب والسلب والنتيجة هى الكارثة الاقتصادية التى وقع فيها كل من طبق التاميم على نطاق واسع .

هذه اذن هى الماركسية ولم يكن ما حدث من مظالم فى البلاد الشيوعية سببه عيوب فى التطبيق بل كان العيب فى صلب النظرية ذاتها . وقد انتهت الماركسية من العالم كفكر ولكن الماركسيين فى بلادنا وقد كسدت بضاعتهم عادوا الى التسلل باساليب اخرى . هذه المرة بوجوه اسلامية ولغة اسلامية محاولين ركوب الموجة الدينية وتلفيق حلف بين الماركسيين والاسلام .

وراينا خالد محى الدين يضع نيشان لينين على صدره ومصحف محمد فى يده ويكتب مقالا طويلا غريبا فى روز اليوسف عن الماركسى المسلم يقول فيه بالحرف الواحد :
(ولماذا لا نضيف الى الماركسية بعدا روحيا) ناسيا بذلك انه بفترى على ماركس فى قبره ويفترى على محمد فى مثواه وانه يزيف لنا الاثنين فى نفس الوقت .

وماذا يقول خالد فى كلمة لينين القاطعة
( اننا لا نؤمن بالله ونحن نعرف كل المعرفة ان ارباب الكنيسة والاقطاعيين والبورجوازيين لا يخاطبوننا باسم الله الا استغلالا) لينين
(الدستور والاخلاق والدين خدعة برجوازية تتستر من ورائها البورجوازية من اجل مطامعها) المانفستو الشيوعى
(الفكر لم يخلق المادة وانما المادة هى اتى خلقت الفكر) انجلز
(العالم يتطور تبعا لقوانين المادة وهو ليس بحاجة الى اى عقل كلى) ستالين - المادية الجدلية

كيف سيصنع لنا خالد محى الدين من هذه الماركسية المادية الملحدة ومن الاسلام الصافى العذب المؤمن تركيبا منطقيا وكل من المذهبين رفض الاخر كلية. كيف يصنع من الايمان والانكار رجلا الا ان يكون رجلا متناقضا مصابا بانفصام الشخصية لا يصلح لشىء . واذا سلخ من المذهب ماديته والحاده فانه سيفترى على ماركس اذا سمى ما تبقى فى يده من فكر مسلوخ ماركسية. ثم ما الداعى لكل هذا الاعتساف والافتعال والتمسك بفلسفة هو نفسه يكذبها ويلعنها كل يوم خمس مرات فى صلواته . والف سؤال وسؤال دار فى ذهنى وانا اقرا هذا المقال الغريب .

والظاهر ان الاخ خالد محيى الدين قد خلا الى نفسه واعاد النظر ثم وجد ان الاستمرار فى هذه النغمة لن يجدى فعاد فاعلن انه ليس ماركسيا وانه لا يعتنق الماركسية وانما هو يفكر تفكيرا مستقلا ويحاول ان ينتقى من افكار ماركس وتراثه ما يصلح نابذا ومستبعدا كل ما هو الحادى وكل ما هو فاسد . ولا ادرى ماذا بقى صالحا من افكار ماركس وقد استعرضناها بندا بندا

وقد انتهت الماركسية كفكر من العالم ولم تبق منها الا شعارات تهييج وتحريض يتداولها المخربون فى الدول النامية لاغراض معروفة . والذين يؤمنون بالماركسية فى مصر هم شباب لا يقرءون ولا يتابعون ما يجرى فى الدينا . والقائلون بان الماركسية نجحت وانتشرت اقول لهم نعم ولكن كيف ؟ كتحشيد وتعبئة لثار قديم وغل حمله الاحفاد عن الاباء عن الاجداد يطحنونه تحت اضراسهم حتى وجد من ينظمه ويوزع عليه السلاح . نجحت الفكرة كانتقام وتنفيس عن احقاد مكبوتة ونجحت كتحشيد عسكرى مادى تكنولوجى ولكن الم تنجح اليابان فى الخروج من دمار القنبلة الذرية ومن الهزيمة الكاملة الى ذروة القوة الاقتصادية بفضل نظام راسمالى يرى الماركسيون انفسهم انه نظام خاطئ ؟

ان نجاح فكرة لا يعنى دائما صوابها فقد تنتشر الافكار الخاطئة لمجرد انها تلقى ترحيبا من غرائز الناس واهوائهم وما اسهل تحريض الجياع على الشبعانين .

ثم ان النجاح فى جانب لا يعنى النجاح فى كل جانب فقد تنجح الثورة فى بناء مصنع ثم تفضل فى بناء انسان . ثم ما حاجتنا الى ترقيع حضارتنا وشخصيتنا العربية الاصلية بالاجنبى والمستورد من حضارات عقمت وفشلت وشاخت وهى بعد فى ميلادها . وما معنى هذا المنبر المصنوع من الف رقعة ورقعة ... رقعة اسلامية مع رقعة ماركسية مع رقعة لينينية مع رقعة ناصرية مع رقعة تيتوية. الى متى هذا الضياع

واذا كان خالد مسلما حقا فلماذا لا يصغى الى صوت الاسلام العذب الصافى وياخذ من نبعه ويستمد من مدده الذى لا يكف عن الفيض والعطاء ويصغى الى الرب الكريم الواحد ولا يشرك معه هؤلاء النكرات الذين انكروه وسبوا انبياءه وحرفوا كتبه .

ماذا يقول لنا الاسلام
ان الاسلام لا يتملق الكثرة ولا يحرك كتل الفلاحين ليضرب بها الملاك ولا يحرك كتل العمال ليضرب بها الطلبة واصحاب الاعمال ولا يداهن الاغلبية بل يذمها لانها على جهل .
(أكثر الناس لا يعلمون) يوسف
(أكثر الناس لا يؤمنون) غافر
(بل أكثرهم لا يعقلون) العنكبوت
(إن يتبعون إلا الظن) الانعام
(إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل) الفرقان
(لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون) يس
(فأبى أكثر الناس إلا كفورا) الإسراء
( وما وجدنا لأكثرهم من عهد إن وجدنا أكثرهم لفاسقين) الاعراف
(وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله) الانعام
(وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغنى من الحق شيئا) يونس
(بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون) المؤمنون

الأغلبية دائما عبيد هوى ولذلك فهى اسهل استدراجا الى الباطل ولو ان محمدا صلى الله عليه وسلم بدا الدعوة الى الاسلام باستفتاء شعبى فى مكة .... ايهما تعبدون: الله الواحد ام الاصنام ؟ لجائت النتيجة 99.9% مع الاصنام ولمات الاسلام يوم مولده وقديما اجمعت الاغلبية على اعدام سقراط وحرق برونو وسجن غاليليو

فالاغلبية هى الغوغاء ولا يتملق الغوغاء الا الغوغائيون واهل المذاهب الغوغائية مثل اخواننا الماركسيين الذين يصرخون هاتفين فى الابواق ويرفعون لافتات الشعب والجماهير والكادحين والمطحونين والمسحوقين والجياع والعمال والفلاحين .

وهذا هو الفرق بين الاسلام وبين هذه العقائد الغوغائية فالاسلام يخاطب العقل ويناشد الصفوة ويضع اهل العلم وقادة الثقافة فى مقدمة العربة الاجتماعية (خياركم فى الجاهلية خياركم فى الاسلام اذا فقهوا) حديث شريف ويندب هذه الصفوة المتخبة للقيادة والريادة .

اما الماركسيون فيحركون كتل الغوغاء ويتملقون كثرة العمال والفلاحين وينادونهم بالطليعة وصناع التاريخ وبناة المستقبل لا عن صدق واقتناع ولكن عن انتهازية ليستعملوهم فى عمليات التهييج والتحريض يضربون بهم كتل المجتمع بعضها ببعض ويهددون كل فئة بالاخرى ويشغلون الكل بالصراع الطبقى المدمر ليسلم لهم مربع السلطة الذى يجلسون عليه يديرون منه عمليات المذابح ويملئون المعتقلات باسم الحرية والتقدمية ومصلحة الجماهير ويخفون مخططهم الدموى فى ضوضاء المسيرات الشبابية وطنين الاغانى الشعبية وضجيج الاذاعات وصراخ الشعارات فى محاولة مستمر لاثارة غريزة القطيع وتحشيد الجماهير فى مواجهة اى معارضة .

وهذه هى واجهة العصر السياسى

همجية منظمة وغوغائية ظاهرها علمانى خادع

الصراع الطبقى يسمونه عدالة

والحقد يسمونه انسانية والجهالة يسمونها علما

والرجعية تقدما

والاعتقالات والاساليب البوليسية تحريرا

ثم المثقفون يضربون بالعمال والملاك يضربون بالفلاحين والاغنياء بالفقراء والرءوس الكبيرة بالرءوس الصغيرة ليصفوا الامر فى النهاية لفئة وطبقة جديدة تملك وتحكم وتستبد وتتسلط باسم الحزب والنظرية وتستمتع بما لم يستمتع به راسمالى او اقطاعى وقد صدقت عليهم كلمة المعرى

انما هذه المذاهب اسباب ............ لجلب الدنيا الى الرؤساء

فهى انتهازية جديدة وان لبست مسوح العلم ورفعت شعارات التقدم وتكلمت باسم الكادحين . والاسلام احترم الكادح واحترم الفلاح واشاد بالعامل النخلص . الم يكن داود حدادا ومحمد النبى الخاتم عليه صلوات الله وسلامه راعيا للغنم ؟ والعامل والطالب والمثقف والفلاح يخرجون من اسرة واحدة وهم اب وابن واخ وعم وخال .

والفقر والغنى حالات تتداول على الناس كلهم . غنى اليوم كان فقير الامس او كان ابنا لفقير الامس . فلماذا نضرب الناس بالناس ونحرض الناس على الناس ونشعل الاحقاد ونثير الفتن . اين هذا الحقد الاسود من بساطة الاسلام ونقائه

الاسلام الذى افتتح اياته بالعلم
(اقرأ باسم ربك) العلق

ثم قرن العلم بالعمل
(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم) التوبة

وشرط نجاح العمل بصلاح النية وايمان القلب :
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) البينة

وجعل الوسيلة الى العدل الاجتماعى تراحما وتعاونا وترابطا وليس تصارعا وتناحرا طبقيا
(إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) الحجرات

وجعل حرية الفرد وكرامته وأمنه وحياته حقا اوليا من اغتال هذا الحق فقد اغتال الانسانية كلها
(من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا .. ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) المائدة

وجعل نصيب الفقير فى عنق الغنى حقا لا صدقة
(فى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) المعارج

وجعل من حق الحاكم ان يجبى هذه الاموال زكاة ثم ضرائب اضافية اذا دعت الحاجة دونما مساس بالملكية الفردية ودون مصادرة لنشاط الفرد مادام لا يخالف شرعا ولا يضر بمصلحة .

بهذا الدستور البسيط المحكم سبق الاسلام جميع النظم التى جاءت بعده من راسمالية الى شيوعية الى اشتراكية كما سبق ميثاق حقوق الانسان وكان اول صيحة تحرير متكاملة لروح الانسان وجسده منذ اربعة عشر قرنا

وهذا هو ديننا دين العلم والعدل والحرية فما حاجتنا الى هذا التخليط والترقيع ؟ وكيف تقف ايها الرفيق خالد بين يدى الله فتهتف له وتهتف لاعدائه فى نفس الوقت ؟ ثم ما هذه الحيلة الجديدة التى ترفعون فيها المصاحف على اسنة المانفستو وتطعنون الاسلام وتتاجرون باسمه وتسبحون لله ولمنكريه ؟

ثم نكتة هذا العصر واضحوكة هذا الزمان : المنظمة الاسلامية الماركسية ! ولو كان ماركس حيا لاستلقى على قفاه من الضحك على هذه المنظمة ولبكى غما على ما جرى له ولفلسفته .

الم يعد للماركسية امل فى حياة دون ان تتمسح هذا التمسح الانتهازى بالاسلام ودون ان تتوسل هذا التوسل الذليل باعداء الامس ؟ اليس هذا اكبر دليل على انها ماتت كفكر مع موت صاحبها من امد طويل ؟!