المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موقف الإلحاد وتناقضه مع مبادئ العقل



أبو مريم
01-20-2007, 07:05 PM
الراقصون على النار

تحت عنوان الرقص على النار قرأت فى جريدة الأهرام قصة طريفة وقعت فى بعض الأسواق بمصر منذ حوالى عشر سنوات :
اخترق الشاويش حلق الجموع وركل الصفيحة بقدمة فى وجه النصاب ليظهر الموقد الكحولى و ليكتشف الجميع حقيقته الكتكوت التركى الرقاص الذى كان ينادى عليه ويبيعه بخمس جنيهات فى أحد الأسواق !!
لا بد لكل فكر من موقف يرتكز عليه إن أراد صاحبه أن يجعل له البقاء ضمن زمرة العقائد والمذاهب الفكرية لكن هل يمكن أن يوصف الإلحاد بأنه فكر له موقف ؟
لندع صغار الملاحدة وهباشيهم ممن يستدل على إنكار وجود الله واليوم الآخر بزواج النبى صلى الله عليه وسلم بالسيدة عائشة ، أو أن المتدينين أشكالهم غير عاطفية !! فهؤلاء مثلهم كمثل من يستدل على أن زيدا ليس موجودا بأن النملة تسير على ستة أرجل ، وأن المش حلو المذاق لأن العسل قىء حشرة شبيه بالصديد !!كل ما فى الأمر وما يمكن أن نستنبطه من فعل هؤلاء الهباشين أن الإسلام من وجهة نظرهم هو البديل الوحيد عن الإلحاد .. لنترك ذلك ولننتقل مباشرة إلى أدلة بعض ملاحدة الغرب المتمرسين يقول رسل: (( لا يوجد دليل على وجود إله أو عدم وجوده غير أننى على يقين من أنه غير موجود )) منتهى الدقة فى وصف موقف الإلحاد ؛ ففضلا عن إلغائه لكل أدلة السابقين له واللاحقين ومن لا علم له بأدلتهم بجرة قلم كنوع من وضع الرأس العنيد فى الرمال فهو يعترف بجلاء أن ليس للملحد دليل وأنه فى أحسن الأحوال يتبع انعدام الدليل لكنه مع ذلك موقن فبماذا نفسر ذلك إلا إذا كان نوعا من الكذب بدوافع الكبر أو أن الله تعالى قد طبع على قلبه وإلا فما الذى يمنعه من سوق ما تحصل له به ذلك اليقين (حاول رسل فى بعض كتبه تبرير إلحاده ولكنه لم يخرج فيه عن تبرير رفضه لدين النصارى ووقع فيه فى الكثير من الأخطاء المنهجية لا تليق برجل مثله ).

لندع الآن مسألة الكذب بدوافع الكبر أو الطبع على القلب نتيجة لارتكاب جريمة الكفران وإنكار الحقيقة الكبرى ودعونا نسأل الملحد هذا السؤال : هل أنت موقن بإلحادك أم شاك فيه ؟
وقبل أن يتسرع ويقول إننى لا أعترف بوجود اليقين أصلا ولا عقيدة لى ولا مذهب على طريقة الملاحدة فى التهويش والسفسطة سنقول له إن من يعادى أحد المرشحيْن للرئاسة ويسبه ليل نهار ويؤلب الناس عليه ويسعى لتصفية أوليائه وموالاة أعدائه... لمجازف بكل ما تحمله كلمة المجازفة من معنى فكيف بمن يجازف بمصيرة وبالخلود فى نار لا يموت فيها ولا يحيا ومن لا محيص له حينئذ ولا مفر ولا منجى ولا نصير مع عدم وجود الدافع فليست تكاليف الإيمان ولا ثمرات الإلحاد حتى عند أشد الناس انحرافا عن الفطرة بتلك التى تجعل الإنسان يجازف بكل ذلك ولا حتى بلحظة واحدة فى نار جهنم .. هذا طبعا مع التسليم بأننا نتحدث عن أناس عقلاء يدرون لكلمهم معنى وأسوياء لا يسعون عامدين لتدمير أنفسهم .
فلم يبق إذن إلا أن يكون الملحد موقنا ، وعليه أن يكون كذلك، لكن اليقين ليس بالتمنى وله ثمن هو الدليل ولا دليل لدى الملحد ؛ فأى موقف هذا الذى يقفه الملحد لا يقين والشك يأباه !! إنه أشبه بالكتكوت التركى الرقاص الذى يرقص على النار لا قدم له تستطيع الوقف لا قدم اليقين ولا قدم الظن لا لشىء سوى أنه اختار تلك الأرض المصطنعة التى أرادها له النخاسون الخناسون من شياطين الإنس والجن .

أبو مريم
01-20-2007, 07:06 PM
عذرا أيتها النعامة

ذكر لى بعض أصدقائى ويعمل فى أحد مراكز البحوث الزراعية إن النعامة ليست بهذا الغباء الذى توصف به فهى تتحسس وقع أقدام السباع عن طريق وضع رأسها فى الرمال وتستشعر مدى اقتراب الخطر كما يضع البدوى أذنه على الأرض ليتحسس اقتراب جيش الأعداء ولوأنها كانت بهذا الغباء الذى توصف به لانقرضت منذ زمن بعيد ..
كيف لم أنتبه لذلك وكيف كنت أصف الملحدين والماديين عموما واللادينيين بأنهم يضعون رؤوسهم فى الرمال كالنعامة ؟! وحتى وقت قريب عندما أقرأ شخصا ملحدا يستدل على إلحاده بعبارات لأوجست كونت وتلاميذه من قبيل : ((لا يوجد خالق للكون لأن ذلك لن يعود على بفائدة )) أصفه بأنه يضع رأسه فى الرمال كالنعامة ؟!
لكن وحتى قبل أن تنكشف لى الحقيقة ما كان لى أن أسارع وألحقها بهم فهم لم ينزلوا عن النعامة دركة بل دركات ؛ أحدها :حيث النعامة غير مصادرة ولا تبنى مذهبها على المصادرات ولا تدعى أن الأسود ليست موجودة أو غير قادرة على إهلاكها ، أما هم فيقولون لا وجود غير المحسوس ويبنون على ذلك مذاهبهم دون أى دليل .

والثانية : من خلال تصرفات النعامة نستطيع أن ندرك أن الأصل عندها هو إخراج الرأس من الرمال وليس دفنها، أما الماديون فعلى العكس من ذلك إذ يرون الفكر لا ينبغى أن يطلق إلا حيث توجد المنفعة وقد صرح بعضهم بأن ((الفكر ليس سوى ذريعة لخدمة الحياة بالمعنى الذى يراه صاحبه)) ؛ فالفكر المادى إذن لا يخرج رأسه من الرمال إلا لفائدة فالأصل فيه هو دفن الرأس إلا لمرجح الفائدة ، والواقع أن العقل ما خلق إلا لاكتشاف الحقائق بغض النظر عما يستتبعها من نتائج تترتب على الإيمان بها فلو شاهدت أخى يسرق فعلى أن أبلغ عنه لا أن ألعن اليوم الذى رأيته فيه وأضع على عينى نظارة وأسأل أولا هل أنت أخى أم شخص آخر وهل ترتكب جريمة لا يحسن السكوت عليها أم لا !!

والثالثة عندما يقول أوجست كونت (( إن الأفكار تكون صادقة إذا أنتجت نتائج مرضة )) بينما يرى العقلاء أن فائدة العقل هى التوصل إلى الحقائق بغض النظر عن كونها مرضية أو غير مرضية محققة لرغبات وملذات شخص صاحبه أو غير محققة لأننا لو تهربنا من الحقيقة فلن تتركنا، لكن الفلسفة المادية قد عكست القاعدة فبدلا من أن تقول: إن هذه المعرفة ترضينى لأنها حقيقة ، أصبحت تردد : هذه المعرفة حقيقة لأنها ترضينى ؛ فرفضت الحقيقة ثم دلستها وباعتها باللذة الوقتية ولمن يدفع من ذلك الثمن أكثر ؛ فإن نجحت المعرفة فى تحقيق الأغراض كانت صوابا وإن لم تنجح كانت خطأ ، وجعلت من شخص صاحبها صرافا وحكما ، ولا يستحى هؤلاء من ترديد عبارة ويليم جيمس ((إن الفكرة الواحدة تكون صادقة فى وقت ما حين تحقق نفعا وتكون خطأ فى وقت آخر حينما تفشل فى تحقيق ذلك أوتكون صحيحة بالنسبة لشخص ما وخاطئة بالنسبة لشخص آخر )) ومسايرة هذا الاتجاه تقتضى أن تكون الفاشية حق وباطل، والأرض مسطحة وأسطوانية وكروية ..
وخلاصة القول أن المذاهب المادية التى يستند إليها الملاحدة اضطرارا وغيرهم اضطرابا سواء الوضعية أو البارجماتية أو الوجودية أو الماركسية قد تراجعت عن فكرة معقولية العالم وانتهجت مناهج السفسطة فى أحط صورها فى الوقت الذى يتقدم فيه العالم اعتمادا على تحرير البحثى العلمى من الغايات ويرى فى معقولية العالم أجلى البديهيات على الإطلاق .

ودركة رابعة : عندما نكتشف حقيقة المحك والميزان الذى اختاروه لأن يكون علَما على الحقيقة ونقارنه بما لدى النعامة حيث إن الفائدة لدى النعامة فائدة حقيقية مطلقة تقتضيها الفطرة والحفاظ على النفس والنوع ، أما لدى الملحد فليست هذه وحدها بل تتضاءل دوافع حب البقاء لديه إذا ما قورنت بدوافع اللذة من أجل اللذة لأسباب منها معرفته بتفاهة وجوده وأنه آيل إلى الفناء والعدم كما نرى ذلك فى الفكر الوجودى المادى ، وتتضاءل أمام شهوة إفناء بنى جنسه بدوافع مذهبية كما هو الحال لدى الماركسية الليننية .
وأخيرا فإن النعامة لم تصادر على المؤمنين ولم تقل إنه لا فائدة من الاعتراف بوجود الله تعالى وأن الفائدة فى ترك العنان للنفس الأمارة ونحن لن نصادر ولن نطيل ولن نقول إن الفائدة أعظم أو أقل فالغرض هنا فقط هو بيان أن الملحد لا موقف له وأنه كالذى يلقى بنفسه من شاهق مدعيا أنه يستطيع أن يقف فى الهواء بجذبه شعره بيده لأعلى .
لهذه الأسباب كلها أقدم اعتذارى لك أيتها النعامة .

أبو مريم
01-20-2007, 07:08 PM
القرد شاعرا
جلس قرد أمام لوحة المفاتيح وظل يضرب بأصابعة عليها فإذا به يخرج لنا ديوان شعر عمودى موزون ومقفى تفاعلت فيه المعانى والألفاظ مع التجربة الشعرية لا تكلف فيه لسجع ولا تعقيد للفظ وقد تلقاه النقاد بالقبول ورشحوة لعدة جوائز وتمت ترجمته لعدة لغات ووزع منه ملايين النسخ !!
دعونا نتكلم بلغة الأرقام ولنأخذ مثالا واحدا فقط لا غير:
قام العالم الرياضى السويسرى (تشارلز يوجين جاى) بحساب الفرصة التى يمكن أن يتكون فيها جزىء بروتين واحد عن طريق المصادفة وفقا للمعطيات العلمية فوجدها بنسبة 1 إلى 10 أس 1600 وهذا يعنى أن الفترة اللازمة لوقوع هذا الحدث تستغرق وقتا قدره عشرة مضروبة فى نفسها 243 مرة من السنين).وهذا يعنى أن عمر الكون كله لا يكفى لتكوين بروتين واحد فقط عن طريق المصادفة بالحسابات الرياضية !!
دعنا نتعرف على موقف الملحد الآن إنه يفترض وقوع احتمال من واحد وعلى يمينه ألف وستمائة صفر ( ومعلوم أن النسبة لو قلت عن واحد إلى 10 أس 50 تعتبر عمليا مساوية للصفر ) هذا عن بروتين واحد فكيف بالخلية (وغض الطرف عن الخلية الحية الآن فإنها لا يمكن أن تفسر ماديا دعنا فى الخلية الميتة التى لا حياة فيها )..
إن التمسك باحتمال كهذا ضرب من الجنون والخبال لكن هناك من الملاحدة من شلت عقولهم وألسنتهم يدعى أن ذلك بل ما هو أعقد منه بما لا يحصى من ملايين المرات ليس ممكنا فحسب بل هو ما وقع بالفعل على وجه اليقين !!! يقول رسل :
((ليس وراء نشأة الإنسان غاية أو تدبير، إن نشأته وحياته و آماله ومخاوفه وعواطفه وعقائده، ليست إلا نتيجة لاجتماع ذرات جسمه عن طريق المصادفة))
يعنى لو افترضنا أن ملاكما استطاع أن يفوز على كل الملاكمين دون أن يكون متميزا عنهم فى شىء أضف إليه أن يتحول كل سكان الأرض إلى ملاكمين ويفوز عليهم واحدا تلو الآخر هذا ما يقامر عليه الملحد بل وبما يفوقه بما لا يمكن تصوره بلايين المرات ، وبماذا ؟ بجنيه أو بعدة دولارات ؟
لا والله بل بمصيره !! فأى موقف هذا الذى يقفه الملحد ؟!!!

لكن من الملاحدة من لا يقنع بذلك ويجادل ويمارى فيقول ((إن احتمال أن ينشأ كون بخصائص كوننا ، وفيه كوكب مثل كوكبنا وعليه بشر مثلنا؟الاحتمال طبعا هو 100%، فهو قدحصل ولو لم يحصل لما كان هناك أحد ليسأل عن سبب ذلك ))
سلمنا أننا سألنا لأنه وقع وأنه إذا لم يقع لما سألنا لأنه لم يكون ليوجد من يسأل فما الذى جعله يستمر بعد أن سألنا ؟!
والواقع هذه من المغالطات التى يرددها الملحدة ويخدعون بها الناس فالحديث ليس عن الكون بعد حدوثة لأنه من المعلوم أنه حينئذ لا معنى للحديث عن الاحتمالات ومثله مثل من يقول ما احتمال أن يتم اختيار شخص من بين عشرة أشخاص بعد اختياره ؟!!
كلام بلا معنى وبلا مضمون بل الأصل أن يقال ما هو احتمال حدوث هذا الكون بكل ما فيه أو حتى خلية واحدة قبل أن يحدث؟
فإذا كان الجواب أن الاحتمال سيكون ضعيفا جدا أو يؤول إلى الصفر فلا شك أن المتمسك بحدوثه عن غير قصد وتدبير متمسك بالسراب ويتوجه على صاحبه السؤال الذى لا مفر منه : ما الذى جعل هذا الاحتمال يتحقق ويسير الأمر فى اتجاه واحد طوال الوقت نحو تحقيق هدف معين لا يستطيع المشاهد العاقل إنكاره ؛ فلو اختل تركيب بروتين واحد ما تكونت الخلية ولتكون شىء آخر مختلف تماما لا يمت إلى النظام بصلة مع أنه قبل هذا الاختلال كان يسير فى طريق الاكتمال والنظام؟؟ وهذه مجرد نقطة فى بحر فكيف بسائر هذا الكون المعقد المحكم غاية الإحكام .

فضلا عن كون الصدفة فى حد ذاتها ليست مقابلة للفاعل بل صفة للفعل مقابلة للقصد فمثلا أنت تقول هذا الحدث قد وقع من المحدث عن طريق القصد أو عن غير قصد أى صدفة لكنه فى جميع الأحوال لا بد وأن يسند إلى محدث وفاعل سواء وقع منه عن طريق القصد أو عن طريق المصادفة فحتى لو سلمنا جدلا بأن الكون قد خلق صدفة فهذا لا ينفى أنه مخلوق ولا ينفى أن له خالقا بل الحديث عن الصدفة ودورها سيظل من الناحية سيظل مجرد تشكيك متهافت فى صفة الحكمة لا يستحق جوابا ؛ لأنه يقوم على مبدأ انتفاء المدلول لانتفاء الدليل وهو مبدأ باطل فكيف إذا اعتمد على الاحتمالات الواهية والتى تؤول إلى التمسك بالسراب .

إننا لو سلمنا بتكون البروتين والخلية ، وغضضنا الطرف عن المادة الحية ، وسلمنا بما لا يحصى من فروض وبديوان القرد وبطائرة البوينج التى تكونت إثر هبوب عاصفة شديدة على مقلب للخردة ... لكن كيف تستدلون بذلك على أنه لا يوجد خالق للكون أليست الصدفة مجرد صفة للفعل أم أنها صارت فاعلا بديلا عن الله تعالى .
أعتقد أنه لا بد علينا إذا أردنا أن نعترف بأن للملحد موقفا أن نسلم بأن الكون قد وجد وحده بدون شىء من لا شىء بطريق تخبط اللاشىء مع لاشىء آخر .

أبو مريم
01-20-2007, 07:10 PM
المنطق الجحوى
عندما تقول إن للقضية الكلية (( كل أ هى ب )) خمسة عشر معنى فقد بدأت تتحدث عن المنطق الجهوى ، لكن هناك منطقا جحويا تصبح فيه تلك القضية وغيرها بلا معنى وبلا مدلول مجرد أضغاث أحلام أونوادر كالتى تروى عن الحمقى والمغفلين ..
قال ابن الجوزى فى أخبار الحمقى والمغفلين :
((وذكر أنه اجتمع على باب دار أبي جحا تراب كثير من هدم وغيره، فقال أبوه: الآن يلزمني الجيران برمي هذا التراب وأحتاج إلى مؤنة وما هو بالذي يصلح لضرب اللبن فما أدري ما أعمل به، فقال له جحا: إذا ذهب عنك هذا المقدار فليت شعري أي شيء تحسن؟، فقال أبوه: فعلمنا أنت ما تصنع به. فقال: يحفر له آبار ونكبسه فيها.))
عندما تجد ملحدا عاطفيا أو سفيها مثله الأعلى بروتوغوراس الذى زعم أن الإنسان هو معيار الحقيقة وأنه لا توجد حقيقة أصلا سوى ما يفترضه المفترضون كل بحسب هواه - فلا تتعجب ولا تقل إنه أوضح مثال على من يريد التخلص من التراب بدفنه لأنه أبطل مذهبه بمذهبه فلو كان ما يقوله حق فهو باطل بمضمون كلامه وإن كان كلامه باطلا فهو كذلك ، فهناك ما هو أعجب :
هناك أصحاب مصانع المعلبات من مرضى الفصام يضعون كل قانون أو حقيقة يواجهون بها فى علبة محكمة، ويقذفون بها فى وجه صاحبها ، دون تأمل ، وباقتناع تام أشبه ما يكون بذلك المنظر الذى شاهدناه على بعض مرضى الفصام حين يقسم لك جاهدا أنه لم يفعل الشىء حالة تلبسه بفعله !! ولا تشك لحظة أنه يصدق نفسه ، وأنه قد خدعها بالفعل !! تسمع من بعض هؤلاء عبارة من قبيل (( قانون العلية هذا الذى تستدلون به يتناقض مع العلم وقد أكل عليه الزمان وشرب )) !!وهو لا يدرى فى الحقيقة أنه ما استطاع أن ينطق بتلك العبارة إلا استنادا لهذا القانون ، ولولا أنه يعلم يقينا أن كل شىء لا بد له من سبب كاف يبين كيف كان هذا الشىء على هذا النحو دون غيره لما استطاع أن يتأكد أنك تحاوره وتناقضه فى إلحاده وأن عليه أن يرد عن نفسه التهم ، وأن تلك العبارات الخاصة يمكن أن تكون سببا فى مجادلتك ؛ لأنه ببساطة لو لم يكن كذلك لكان من الممكن أن يكون ما أدركه بحواسة من تأثرات لم ينشأ عن شىء أصلا ، أو نشأ عن شىء آخر بعيد كل البعد عن الصوت الذى صدر عنك وأن تلك المعانى التى تحصلت له ليست ناتجة عن ذلك الصوت وتلك الكلمات بل لعلها نشأت وحدها ، وكذلك كل هذه المدركات التى يدركها لم تنشأ عن أسباب تتناسب معها بل لعلها نشأت عن أشياء أخرى لا تتناسب معها بل تتنافى وتتعارض أو ليس لها أى علاقة بها يمكن استنتاجها ؛ فالذى يدركه صوتا قد يكون نشأ عن لون أو عن لون مرة ورائحة مرة أخرى أو نشأ عن لا شىء أصلا ، وأنه لا يوجد أى شىء خارج ذهن صاحبه ، أو توجد أشياء خارج الذهن لا علاقة لها بما فى داخله ، وعليه فكل تصرفاته التى بناها على تلك المعارف والإدراكات ضرب من السفاهة لأنها مبنية على محض الجنون والخبال !!
وهكذا ينهار كل شىء ويصبح الإنسان أحط درجة من الدودة ووحيد الخلية .

أقول حتى ولو شاهدت هذه الأصناف فلا تتعجل ولا تصفها بالذى يدفن التراب ليتخلص منه فهم ليسوا فى حقيقة الامر سوى الجوقة المهرجة المستهترة أما الكبار فلهم شأن آخر يقول رسل:


There is no reason why the world could not have come into being without a cause; nor, on the other hand, is there any reason why it should not have always existed. There is no reason to suppose that the world had a beginning at all. The idea that things must have a beginning is really due to the poverty of our imagination. Therefore, perhaps, I need not waste any more time upon the argument about the First Cause

بغض النظر عن مسألة تضييع الوقت والتى لا يقول بها عاقل لأنه لا يوجد أعظم قدرا وخطرا من مصير الإنسان حتى يفنى فيه وقته وجهده .. بغض النظر عن تلك العبارة فإن راسل كما هو متوقع لا يمكنه أن يردد عبارة (( قانون الهوية أكل عليه الزمان وشرب أو قانون العلية يتناقض مع العلم )) ويضعه فى علبة ويلقى به فى وجه صاحبه دون تأمل فى تفاصيل لأنه يعرف جيدا أنه فى تلك الحالة ستسقط قيمته ويصبح فى عداد السفهاء، لكنه يدعى ببساطة أن قانون كهذا صالح فقط للتطبيق على جزئيات هذا الكون المادى دون ما يمكن أن يطلب من قضايا غير مادية أو يكون موضوعها الكون بمعناه الكلى .
لكن كيف عرف ذلك وما هو الدليل هل مبدأ الهوية أو أن الشىء هو ذاته لا ينطبق إلا على الماديات ؟ هل قولنا إن الشىء ونقيضه لا يجتمعان ولا يرتفعان ينطبق فقط على الماديات بحيث يمكن أن يصدق القول بأن الملائكة موجوة وليست موجودة فى نفس الوقت وبنفس المعنى ؟ وحتى هل قولنا الكل أعظم من الجزء أو الممكن يفتقر إلى مرجح لا ينطبق إلا على شىء مادى ؟!!
إذن لماذا نقبل تطبيق ((قوانين الفكر الرئيسية)) على المادة فقط ؟ وهل لديهم حد يطرد بين ما يصلح للتطبيق على المادة وغيرها وبين ما لا يصلح إلا للمادة ؟ أم أنهم يستثنون منها قانونا واحدا فقط وفى حالة واحدة فقط لأداء غرض واحد فقط وهو تبرير الإلحاد؟!
فماذا لو كنا أصلا نطبق هذا القانون على الكون المادى لنستنتج أن له موجدا وسببا كافيا ؟ وماذا لو كنا أصلا لا نستطيع أن ننفى اطراد هذا القانون أصلا لأننا لا ننفى شىئا ولا نثبته إلا بقولنا :
ثابت لعلة كذا، أو منتف لعله كذا ، ولا يمكن للقانون أن يقيد نفسه بنفسه أو يعود على نفسه بالإبطال !!.
لقد رفض راسل أن يقيد القانون بقانون آخر هو قانون بطلان التسلسل ، وقبل بدلا من ذلك خرقه وضحى به استنادا إليه كالذى حفر الحفرة ليضع فيها التراب !! ما أشبهه بقول جحا وإن كنا نلتمس عذرا للأخير ونرى أنه لن يخسر سوى حجب الضوء عن بيته ، أما الملحد فسيحجب عن الله تعالى ويخسر نفسه ويجازف بمصيره ؛ فأى موقف هذا الذى يقفه الملاحدة .