المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرد على موضوع - عرِّف الكفر شرعا ؟ - للعضوالصيلد - لأنه مغلق



ابوالمنذر
03-30-2007, 07:00 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا شك أن أعظم ما يجتهد الإنسان في معرفته معرفته ربه ودينه ونبيه

وإن أعظم هذه الأمور خطرا ، وأجلها ذكرا ، هي مسائل الإيمان والكفر

ولدي هاهنا تساؤلان اثنان :
الأول : تعريف الكفر شرعا ؟
الثاني : كيف ينطبق هذا التعريف على نوعي الكفر ؟

كان هذا السؤال ، طرح منذ أسبوعين .

وقد كتبت ردًا عليه ولكن الموضوع مغلق هاهنا ، ووجدت نفس السؤال فى ملتقى أهل الحديث فرددت هناك وها أنا أنقل ما سطرته هناك - لعل الله عز وجل ينفع به .

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

أولاً :ما هو الكفر ؟
لغةً : الكُفْرُ: ضدُّ الإيمان. وقد كَفَرَ بالله كُفْراً. وجمع الكافِرِ كُفَّارٌ وكَفَرَةٌ وكِفارٌ أيضاً. وجمع الكافِرَةِ الكَوافِرُ. والكُفْرُ أيضاً: جُحودُ النعمةِ، وهو ضدُّ الشكر. وقد كَفَرَهُ كُفوراً وكُفْراناً. وقوله تعالى: " إنَّا بكُلٍّ كافِرون " ، أي جاحدون. وقوله عز وجل: " فأبَى الظالمونَ إلا كُفوراً " . قال الأخفش: هو جمع الكُفْرِ، والكَفْرُ بالفتح: التغطيةُ. وقد كفرْتُ الشيءَ أكْفِرُهُ بالكسر كَفْراً، أي سَتَرْتُهُ. ورمادٌ مكفورٌ، إذا سفَت الريحُ الترابَ عليه حتَّى غطته. والكافِرُ: الليل المظلم، لأنه ستر كلَّ شيء بظلمته. والكافِرُ: الذي كَفَرَ درعَه بثوبٍ، أي غطّاه ولبسَه فوقه. وكلُّ شيء غَطَّى شيئاً فقد كَفَرَهُ. قال ابن السكيت: ومنه سمي الكافِرُ، لأنه يستر نِعَمَ الله عليه( الصحاح في اللغة - (ج 2 / ص 118)).
الكُفرُ: نقيض الإيمان. ويقال لأهل دار الحرب: قد كَفَروا، أي: عصوا وامتنعوا.
والكُفرُ: نقيض الشكر. كَفَر النعمة، أي: لم يشكرها.
والكُفرُ أربعة أنحاء:
• كُفرُ الجحود مع معرفة القلب، كقوله عز وجل:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ }(النمل: من الآية14) .
• وكُفْرُ المعاندة: وهو أن يعرف بقلبه، ويأبى بلسانه.
• وكُفْرُ النفاق: وهو أن يؤمن بلسانه والقلب كافر.
• وكُفْرُ الإنكار: وهو كُفْرُ القلب واللسان ( العين - (ج 1 / ص 440)).
شرعًا :
قال ابن حزم رحمه الله(( ((والكفر أصله في اللغة التغطية ،وهو في الدين صفة من جحد شيئا مما افترض الله تعالى الإيمان به بعد قيام الحجة عليه ببلوغ الحق إليه بقلبه دون لسانه أو بلسانه دون قلبه أو بهما معا أو عمل جاء النص بأنه مخرج له بذلك عن اسم الإيمان ( ابن حزم الإحكام لابن حزم [ ج 1- صـ 49 ]) ))
وقال شيخ الإسلام رحمه الله (( الكفر عدم الإيمان بالله ورسله سواء كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب بل شك وريب أو إعراض عن هذا كله حسدا أو كبرا أو إتباعا لبعض الأهواء الصارفة عن إتباع الرسالة ( مجموع الفتاوى [ جـ12- صـ 335 ]). )).
التطبيق على نوعى الكفر:
فائدة :
ليس كل ما جاء فى اللغة بمعنى لابد من أن يأت الشرع به ، بل ربما يزيد عليه أو يأتى بتفصيل يبني على أصله اللغوى ( فهو يتضمنه ويزيد عليه بما يحده الشرع).
كالصلاة مثلا فى اللغة بمعنى مطلق الدعاء ومنه قوله تعالى: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ )(التوبة: من الآية103)} [التوبة: 103] ، أي: ادعُ لهم.
وقوله ((خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ ))(صحيح مسلم) فى شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 328)
مَعْنَى يُصَلُّونَ : أَيْ يَدْعُونَ .

ولا يستطع أحد فى الشرع أن يعرفها بمطلق الدعاء بل هى التعبُّدُ للَّهِ تعالى بأقوال وأفعال معلومة، مفتتَحة بالتَّكبير، مختتَمة بالتَّسليم.
وإن شئت فقل: هي عبادةٌ ذاتُ أقوال وأفعال، مفتتحة بالتَّكبير، مختتمة بالتَّسليم.(الشرح الممتع للشيخ العثيمين).
أو على تعريفات القدماء (( أفعال مخصوصة وأقوال مخصوصة ، من شخص مخصوص ، فى وقت مخصوص ، على وجه التعبد لله تعالى ، مفتتحة بالتكبير، ومختتمة بالتسليم )

المهم أن هناك مبياينة بين التعريف اللغوي والشرعي . هذه أولى





ثانيها :حقيقة الكفر فى ضوء اللغة والشرع :
الكفر سبق بيانه اللغوي والشرع وهو الستر والتغطيةوالجحود .،وهو في الدين صفة من جحد شيئا مما افترض الله تعالى الإيمان به .كما سبق نقله
هذا الستر والتغطية والجحود (وقال (ابن منظور) في اللسان:الجَحْدُ والجُحُود نقيض الإِقرار كالإِنكار والمعرفة ،و الجُحودُ الإِنكار مع العلم. ).
سؤال أولى :ما الذي يعرفه الكافر ثم يجحده؟ وما الذي عنده ثم يغطيه ويستره ؟
إنه إنكار لشيء يعرفه فليس بجديد عليه
إنها تغطية لشيء لديه يستطع تغطيته ويستره
لأن الكفر والإيمان فعل الأشخاص (بتوفيق الله لهذا، وخذلان هذا)
بل إنه يجحد مكون رئيسي لذاته وكونينته لأنه بفقده يكون أقل من الدواب و أشر { إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55)} [الأنفال/55]

{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (النور:35) قال ابن القيم رحمه الله في ( اجتماع الجيوش الإسلامية )
((وقد جعل الله تعالى القلوب كالآنية كما قال بعض السلف القلوب آنية الله في أرضه فأحبها اليه أرقها وأصلبها وأصفاها والمصباح هو نور الإيمان في قلبه والشجرة المباركة هي شجرة الوحي المتضمنة للهدى ودين الحق وهي مادة المصباح التي يتقد منها والنور على النور نور الفطرة الصحيحة والإدراك الصحيح ونور الوحي والكتاب فينضاف أحد النورين إلى الآخر فيزداد العبد نورا على نور ولهذا يكاد ينطق بالحق والحكمة قبل أن يسمع ما فيه بالأثر ثم يبلغه الأثر بمثل ما وقع في قلبه ونطق به فيتفق عنده شاهد العقل والشرع والفطرة والوحي فيريه عقله وفطرته وذوقه الذي جاء به الرسول هو الحق لا يتعارض عنده العقل والنقل البتة بل يتصادقان ويتوافقان فهذا علامة النور على النور عكس من تلاطمت في قلبه أمواج الشبه الباطلة والخيالات الفاسدة من الظنون الجهليات التي يسميها أهلها القواطع العقليات))إ. هـ
وهذا يفسر أيضًا قوله تعالى { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة:257)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ _ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « الْقُلُوبُ أَرْبَعَةٌ قَلْبٌ أجْرَدُ فِيهِ مِثْلُ السِّرَاجِ يُزْهِرُ وَقَلَبٌ أَغْلَفُ مَرْبُوطٌ عَلَى غِلاَفِهِ وَقَلْبٌ مَنْكُوسٌ وَقَلَبٌ مُصْفَحٌ فَأَمَّا الْقَلْبُ الأَجْرَدُ فَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ سِرَاجُهُ فِيهِ نُورُهُ وَأَمَّا الْقَلْبُ الأَغْلَفُ فَقَلْبُ الْكَافِرِ وَأَمَّا الْقَلْبُ المَنْكُوسُ فَقَلْبُ الْمُنَافِقِ عَرَفَ ثُمَّ أَنْكَرَ وَأَمَّا الْقَلْبُ المُصْفَحُ فَقَلْبٌ فِيهِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ فَمَثَلُ الإِيمَانِ فِيهِ كَمَثَلِ الْبَقْلَةِ يَمُدُّهَا الْمَاءُ الطَّيِّبُ وَمَثَلُ النِّفَاقِ فِيهِ كَمَثَلِ الْقُرْحَةِ يَمُدُّهَا الْقَيْحُ وَالدَّمُ فَأَىُّ الْمَدَّتَيْنِ غَلَبَتْ عَلَى الأُخْرَى غَلَبَتْ عَلَيْهِ ».(رواه أحمد وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف لضعف ليث وهو ابن أبي سليم ولانقطاعه أبو البختري لم يدرك أبا سعيد الخدري وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين ... وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 1 / 63 وقال : رواه أحمد والطبراني في الصغير وفي إسناده ليث بن أبي سليم . وأورده ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى " الله نور السماوات والأرض " والسيوطي في الدر عند تفسير قوله تعالى " وقالوا قلوبنا غلف " وجودا إسناده . وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم (5158))).
- وقضية الإشهاد في سورة الأعراف { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)} [الأعراف/172-174]
- ويفسرها الحديث المتفق عليه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ _ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا لَوْ كَانَتْ لَكَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهَا فَيَقُولُ نَعَمْ فَيَقُولُ قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِى صُلْبِ آدَمَ أَنْ لاَ تُشْرِكَ - أَحْسَبُهُ قَالَ - وَلاَ أُدْخِلَكَ النَّارَ فَأَبَيْتَ إِلاَّ الشِّرْكَ ».
- فالكافر كفر( أي ستر وغطى وجحد) شيئين :
الأول : ستر وغطي نور الفطرة .
الثاني : جحد و أنكر نور الوحي.

وثالثها :مسألة نوعي الكفر لغةً وشرعًا
فهو من جهة الشرع :- أكبر مخرج من الملة
- أصغر غير مخرج من الملة

وهو من جهة فاعله (فى الشرع):- اعتقادي.
:- عملي.
- قال الأمام ابن القيم ’ في كتابه ( الصلاة وحكم تاركها )
فصل في نوعي الكفر
وها هنا أصل آخر وهو أن الكفر نوعان كفر عمل وكفر جحود وعناد
الجحود أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحودا وعنادا من اسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه
وأما كفر العمل فينقسم إلى:
- ما يضاد الإيمان وإلى ما لا يضاده فالسجود للضم والاستهانة بالمصحف وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان
- وأما الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة فهو من الكفر العملي قطعا ولا يمكن أن ينفي عنه اسم الكفر بعد أن اطلقه الله ورسوله عليه فالحاكم بغير ما انزل الله كافر وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد ومن الممتنع أن يسمي الله سبحانه الحاكم بغير ما انزل الله كافرا ويسمى رسول الله تارك الصلاة كافرا ولا يطلق عليهما اسم كافر وقد نفى رسول الله الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر وعمن لا يأمن جاره بوائقه وإذا نفي عنه اسم الإيمان فهو كافر من جهة العمل وانتفى عنه كفر الجحود والاعتقاد
وكذلك قوله : (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض))( البخاري رقم 1739 مسلم رقم 1679 فهذا كفر عمل)
وكذلك قوله : ((من أتى كاهنا فصدقه أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد)) (مسند أحمد 2 / 408 الترمذي رقم 135 أبو داود رقم 3904 ابن ماجة رقم )639
وقوله( إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها احدهما )(البخاري رقم 6103 مسلم رقم 60)
وقد سمى الله سبحانه وتعالى من عمل ببعض كتابه وترك العمل ببعضه مؤمنا بما عمل به وكافرا بما ترك العمل به فقال تعالى : ((وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) )[البقرة/84، 85]فاخبر سبحانه أنهم أقروا بميثاقه الذي أمرهم به والتزموه به وهذا يدل على تصديقهم به أنهم لا يقتل بعضهم بعضا ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم ثم أخبر أنهم عصوا امره وقتل فريق منهم فريقا وأخرجوهم من ديارهم فهذا كفرهم بما أخذ عليهم في الكتاب ثم أخبر انهم يفدون من اسر من ذلك الفريق وهذا إيمان منهم بماأخذ عليهم في الكتاب فكانوا مؤمنين بما عملوا به من الميثاق كافرين بما تركوه منه فالإيمان العملي يضاده الكفر العملي والإيمان الاعتقادي يضاده الكفر الاعتقادي
وقد أعلن النبي بما قلناه في قوله في الحديث الصحيح : (( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ))( البخاري رقم 48 مسلم رقم 64) ففرق بين قتاله وسبابه وجعل احدهما فسوقا لا يكفر به والآخر كفر ومعلوم أنه إنما أراد الكفر العلمي لا الاعتقادي وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الأسلامية والملة بالكلية كما لا يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة وإن زال عنه اسم الإيمان
وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم اعلم الأمة بكتاب الله وبالاسلام والكفر ولوازمهما فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم فإن المتأخرين لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين فريقا اخرجوا من الملة بالكبائر وقضوا على اصحابها بالخلود في النار وفريقا جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان فهؤلاء غلوا وهؤلاء جفوا وهدى الله اهل السنة للطريقة المثلى والقول الوسط الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل فها هنا كفر دون كفر ونفاق دون نفاق وشرك دون شرك وفسوق دون فسوق وظلم دون ظلم.
فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 304)

قَوْله ( لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا )
جُمْلَة مَا فِيهِ مِنْ الْأَقْوَال ثَمَانِيَة :
أَحَدهَا قَوْل الْخَوَارِج إِنَّهُ عَلَى ظَاهِره ،
ثَانِيهَا هُوَ فِي الْمُسْتَحِلِّينَ ،
ثَالِثهَا الْمَعْنَى كُفَّارًا بِحُرْمَةِ الدِّمَاء وَحُرْمَة الْمُسْلِمِينَ وَحُقُوق الدِّين ،
رَابِعهَا تَفْعَلُونَ فِعْل الْكُفَّار فِي قَتْل بَعْضهمْ بَعْضًا ،
خَامِسهَا لَابِسِينَ السِّلَاح يُقَال كَفَرَ دِرْعَهُ إِذَا لَبِسَ فَوْقهَا ثَوْبًا ،
سَادِسهَا كُفَّارًا بِنِعْمَةِ اللَّه ،
سَابِعهَا الْمُرَاد الزَّجْر عَنْ الْفِعْل وَلَيْسَ ظَاهِره مُرَادًا ،
ثَامِنهَا لَا يُكَفِّر بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَأَنْ يَقُول أَحَد الْفَرِيقَيْنِ لِلْآخَرِ يَا كَافِر فَيَكْفُر أَحَدهمَا ، ثُمَّ وَجَدْت تَاسِعًا وَعَاشِرًا ذَكَرْتهمَا فِي كِتَاب الْفِتَن ، وَسَيَأْتِي شَرْح الْحَدِيث مُسْتَوْفًى فِي كِتَاب الْفِتَن إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .

قَوْله ( كُفَّارًا )
تَقَدَّمَ بَيَان الْمُرَاد بِهِ ، وَجُمْلَة الْأَقْوَال فِيهِ ثَمَانِيَة ، ثُمَّ وَقَفْت عَلَى
تَاسِع وَهُوَ أَنَّ الْمُرَاد سَتْر الْحَقّ وَالْكُفْر لُغَة السَّتْر ، لِأَنَّ حَقّ الْمُسْلِم عَلَى الْمُسْلِم أَنْ يَنْصُرهُ وَيُعِينهُ ، فَلَمَّا قَاتَلَهُ كَأَنَّهُ غَطَّى عَلَى حَقّه الثَّابِت لَهُ عَلَيْهِ .
وَعَاشِر وَهُوَ أَنَّ الْفِعْل الْمَذْكُور يُفْضِي إِلَى الْكُفْر ، لِأَنَّ مَنْ اِعْتَادَ الْهُجُوم عَلَى كِبَار الْمَعَاصِي جَرَّهُ شُؤْم ذَلِكَ إِلَى أَشَدّ مِنْهَا فَيُخْشَى أَنْ لَا يُخْتَم لَهُ بِخَاتِمَةِ الْإِسْلَام . وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ لُبْس السِّلَاح يَقُول كَفَرَ فَوْقَ دِرْعه إِذَا لَبِسَ فَوْقَهَا ثَوْبًا ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ : مَعْنَاهُ لَا تَفْعَلُوا بِالْمُؤْمِنِينَ مَا تَفْعَلُونَ بِالْكُفَّارِ ، وَلَا تَفْعَلُوا بِهِمْ مَا لَا يَحِلّ وَأَنْتُمْ تَرَوْنَهُ حَرَامًا . قُلْت : وَهُوَ دَاخِل فِي الْمَعَانِي الْمُتَقَدِّمَة . وَاسْتَشْكَلَ بَعْض الشُّرَّاح غَالِب هَذِهِ الْأَجْوِبَة بِأَنَّ رَاوِي الْخَبَر وَهُوَ أَبُو بَكْرَة فَهِمَ خِلَاف ذَلِكَ ، وَالْجَوَاب أَنَّ فَهْمه ذَلِكَ إِنَّمَا يُعْرَف مِنْ تَوَقُّفه عَنْ الْقِتَال وَاحْتِجَاجه بِهَذَا الْحَدِيث ، فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون تَوَقُّفه بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاط لِمَا يَحْتَمِلهُ ظَاهِر اللَّفْظ ، وَلَا يَلْزَم أَنْ يَكُون يَعْتَقِد حَقِيقَة كُفْر مَنْ بَاشَرَ ذَلِكَ ، وَيُؤَيِّدهُ أَنَّهُ لَمْ يَمْتَنِع مِنْ الصَّلَاة خَلْفهمْ وَلَا اِمْتِثَال أَوَامِرهمْ وَلَا غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ يَعْتَقِد فِيهِمْ حَقِيقَته . وَاَللَّه الْمُسْتَعَان .

شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 160)
98 - قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِب بَعْضكُمْ رِقَاب بَعْض )
قِيلَ فِي مَعْنَاهُ سَبْعَة أَقْوَال :
أَحَدهَا : أَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ فِي حَقّ الْمُسْتَحِلِّ بِغَيْرِ حَقٍّ ،
وَالثَّانِي : الْمُرَاد كُفْر النِّعْمَة وَحَقّ الْإِسْلَام ،
وَالثَّالِث : أَنَّهُ يُقَرِّبُ مِنْ الْكُفْر وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ ،
وَالرَّابِع : أَنَّهُ فِعْلٌ كَفِعْلِ الْكُفَّار ،
وَالْخَامِس : الْمُرَاد حَقِيقَة الْكُفْر وَمَعْنَاهُ لَا تَكْفُرُوا بَلْ دُومُوا مُسْلِمِينَ ،
وَالسَّادِس : حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره أَنَّ الْمُرَاد بِالْكُفَّارِ الْمُتَكَفِّرُونَ بِالسِّلَاحِ ، يُقَال تَكَفَّرَ الرَّجُل بِسِلَاحِهِ إِذَا لَبِسَهُ . قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي كِتَابه " تَهْذِيب اللُّغَة " يُقَال لِلَابِسِ السِّلَاح كَافِرٌ ، وَالسَّابِع : قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ لَا يُكَفِّرُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَتَسْتَحِلُّوا قِتَالَ بَعْضِكُمْ بَعْضًا .
وَأَظْهَرُ الْأَقْوَال الرَّابِع وَهُوَ اِخْتِيَار الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه


عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ (متفق عليه)
فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 77)
قَوْله : ( سِبَاب )
هُوَ بِكَسْرِ السِّين وَتَخْفِيف الْمُوَحَّدَة ، وَهُوَ مَصْدَر يُقَال : سَبَّ يَسُبّ سَبًّا وَسِبَابًا ، وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ : السِّبَاب أَشَدّ مِنْ السَّبّ ، وَهُوَ أَنْ يَقُول الرَّجُل مَا فِيهِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ يُرِيد بِذَلِكَ عَيْبه . وَقَالَ غَيْره : السِّبَاب هُنَا مِثْل الْقِتَال فَيَقْتَضِي الْمُفَاعَلَة ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِأَوْضَح مِنْ هَذَا فِي بَاب الْمَعَاصِي مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة .
قَوْله : ( الْمُسْلِم )
كَذَا فِي مُعْظَم الرِّوَايَات ، وَلِأَحْمَد عَنْ غُنْدَر عَنْ شُعْبَة " الْمُؤْمِن " ، فَكَأَنَّهُ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى .
قَوْله : ( فُسُوق )
الْفِسْق فِي اللُّغَة الْخُرُوج ، وَفِي الشَّرْع : الْخُرُوج عَنْ طَاعَة اللَّه وَرَسُوله ، وَهُوَ فِي عُرْف الشَّرْع أَشَدّ مِنْ الْعِصْيَان ، قَالَ اللَّه تَعَالَى ( وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْر وَالْفُسُوق وَالْعِصْيَان ) ، فَفِي الْحَدِيث تَعْظِيم حَقّ الْمُسْلِم وَالْحُكْم عَلَى مَنْ سَبَّهُ بِغَيْرِ حَقّ بِالْفِسْقِ ، وَمُقْتَضَاهُ الرَّدّ عَلَى الْمُرْجِئَة . وَعُرِفَ مِنْ هَذَا مُطَابَقَة جَوَاب أَبِي وَائِل لِلسُّؤَالِ عَنْهُمْ كَأَنَّهُ قَالَ : كَيْف تَكُون مَقَالَتهمْ حَقًّا وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول هَذَا . .
قَوْله : ( وَقِتَاله كُفْر )
إِنْ قِيلَ : هَذَا وَإِنْ تَضَمَّنَ الرَّدّ عَلَى الْمُرْجِئَة لَكِنَّ ظَاهِره يُقَوِّي مَذْهَب الْخَوَارِج الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِالْمَعَاصِي . فَالْجَوَاب : إِنَّ الْمُبَالَغَة فِي الرَّدّ عَلَى الْمُبْتَدِع اِقْتَضَتْ ذَلِكَ ، وَلَا مُتَمَسَّك لِلْخَوَارِجِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ ظَاهِره غَيْر مُرَاد ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْقِتَال أَشَدّ مِنْ السِّبَاب - لِأَنَّهُ مُفْضٍ إِلَى إِزْهَاق الرُّوح - عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ أَشَدّ مِنْ لَفْظ الْفِسْق وَهُوَ الْكُفْر ، وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَة الْكُفْر الَّتِي هِيَ الْخُرُوج عَنْ الْمِلَّة ، بَلْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْكُفْر مُبَالَغَة فِي التَّحْذِير ، مُعْتَمِدًا عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْقَوَاعِد أَنَّ مِثْل ذَلِكَ لَا يُخْرِج عَنْ الْمِلَّةَ ، مِثْل حَدِيث الشَّفَاعَة ، وَمِثْل قَوْله تَعَالَى ( إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرِك بِهِ وَيَغْفِر مَا دُون ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء ) ، وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى ذَلِكَ فِي بَاب الْمَعَاصِي مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة . أَوْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْكُفْر لِشَبَهِهِ بِهِ ؛ لِأَنَّ قِتَال الْمُؤْمِن مِنْ شَأْن الْكَافِر . وَقِيلَ : الْمُرَاد هُنَا الْكُفْر اللُّغَوِيّ وَهُوَ التَّغْطِيَة ؛ لِأَنَّ حَقّ الْمُسْلِم عَلَى الْمُسْلِم أَنْ يُعِينهُ وَيَنْصُرهُ وَيَكُفّ عَنْهُ أَذَاهُ ، فَلَمَّا قَاتَلَهُ كَانَ كَأَنَّهُ غَطَّى عَلَى هَذَا الْحَقّ ، وَالْأَوَّلَانِ أَلْيَق بِمُرَادِ الْمُصَنِّف وَأَوْلَى بِالْمَقْصُودِ مِنْ التَّحْذِير مِنْ فِعْل ذَلِكَ وَالزَّجْر عَنْهُ بِخِلَافِ الثَّالِث . وَقِيلَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ كُفْر أَيْ قَدْ يَئُول هَذَا الْفِعْل بِشُؤْمِهِ إِلَى الْكُفْر ، وَهَذَا بَعِيد ، وَأَبْعَد مِنْهُ حَمْله عَلَى الْمُسْتَحِلّ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُطَابِق التَّرْجَمَة ، وَلَوْ كَانَ مُرَادًا لَمْ يَحْصُل التَّفْرِيق بَيْن السِّبَاب وَالْقِتَال ، فَإِنَّ مُسْتَحِلّ لَعْن الْمُسْلِم بِغَيْرِ تَأْوِيل يَكْفُر أَيْضًا . ثُمَّ ذَلِكَ مَحْمُول عَلَى مَنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ تَأْوِيل . وَقَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّف فِي كِتَاب الْمُحَارِبِينَ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَمِثْل هَذَا الْحَدِيث قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِب بَعْضكُمْ رِقَاب بَعْض " فَفِيهِ هَذِهِ الْأَجْوِبَة ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَاب الْفِتَن ، وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) بَعْد قَوْله : ( ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارهمْ ) الْآيَة . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ بَعْض الْأَعْمَال يُطْلَق عَلَيْهِ الْكُفْر تَغْلِيظًا . وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِم : " لَعْن الْمُسْلِم كَقَتْلِهِ " فَلَا يُخَالِف هَذَا الْحَدِيث ؛ لِأَنَّ الْمُشَبَّه بِهِ فَوْق الْمُشَبَّه ، وَالْقَدْر الَّذِي اِشْتَرَكَا فِيهِ بُلُوغ الْغَايَة فِي التَّأْثِير : هَذَا فِي الْعَرْض ، وَهَذَا فِي النَّفْس . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ وَرَدَ لِهَذَا الْمَتْن سَبَب ذَكَرْته فِي أَوَّل كِتَاب الْفِتَن فِي أَوَاخِر الصَّحِيح .
شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 159)
97 - السَّبُّ فِي اللُّغَة الشَّتْم وَالتَّكَلُّم فِي عِرْض الْإِنْسَان بِمَا يَعِيبهُ . وَالْفِسْق فِي اللُّغَة : الْخُرُوج . وَالْمُرَاد بِهِ فِي الشَّرْع الْخُرُوجُ عَنْ الطَّاعَة .
وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيث فَسَبُّ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقّ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة وَفَاعِلُهُ فَاسِقٌ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَأَمَّا قِتَاله بِغَيْرِ حَقّ فَلَا يَكْفُر بِهِ عِنْد أَهْل الْحَقّ كُفْرًا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْمِلَّة كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَوَاضِع كَثِيرَةٍ إِلَّا إِذَا اِسْتَحَلَّهُ . فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقِيلَ فِي تَأْوِيل الْحَدِيث أَقْوَالٌ .
أَحَدُهَا : أَنَّهُ فِي الْمُسْتَحِلِّ ،
وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَاد كُفْر الْإِحْسَان وَالنِّعْمَة وَأُخُوَّة الْإِسْلَام لَا كُفْر الْجُحُودِ .
وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يَئُول إِلَى الْكُفْر بِشُؤْمِهِ ،
وَالرَّابِع أَنَّهُ كَفِعْلِ الْكُفَّار . وَاَللَّه أَعْلَم .
ثُمَّ إِنَّ الظَّاهِر مِنْ قِتَاله الْمُقَاتَلَة الْمَعْرُوفَة . قَالَ الْقَاضِي : وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمُرَاد الْمُشَارَّة وَالْمُدَافَعَة . وَاَللَّه أَعْلَم .
- اتضح فيما سبق :
- الكفر الأكبر سواء باعتقاد أو بعمل يكون جحد وستر للفطرة الأولى و جحد وإنكار للإيمان المنزل .
- الكفر الأصغر ( عملي ) وهو كفر نعمة الإسلام، وستر محاسنه وفعل فعال أهل الكفر (كما سبق من شرح الأحاديث للنووى وابن حجر وكلام ابن القيم رحمهم الله تعالى ) بعدم أداء حقوقه(كالتهاون بأداء الواجبات من ترك بعض الصلوات مما أطلق عليه الشرع مسمى الكفر(على خلاف بين أهل العلم فهناك من يعتبر تارك الصلاة كافر كفر أكبر ، ومن يعتبره من الكفر الأصغر والله أعلم) ، أو حقوق أهله(كقتال المسلمين كما ورد في الحديث) .
والله تعالى أعلى وأعلم وأعز وأحكم
{ سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}(البقرة: من الآية32)