المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل للأمة المسلمة جوابها على أسئلة هذا الزمان؟ طه عبد الرحمان لكل مسلم



rajamaroc
04-08-2007, 09:41 PM
أنظر كيف أن المتفلسفة العرب المعاصرين "يؤولون" إذا أول غيرهم، ويحفرون" إذا حفر، و"يفككون" إذا فكك، سواء أصاب في ذلك أم أخطأ؟... كما لو أن أرض الفكر لم تكن واسعة، فيفسحوا فيها.
طه عبد الرحمان

يجد الكثيرون في أسلوب الدكتور طه وطريقته في الكتابة وحتى في المواضيع المطروقة من قبله "نشازا" فيما يسمى بالمشهد الثقافي المغربي، بل ويمتد هذا النشاز إلى لائحة مراجعه ومحاوَريه (بفتح الواو) الذين يكونون الخلفية الحوارية لخطابه. فما الذي يبرر هذا "النشاز" في كتابات الفيلسوف؟


اللغة ليست مجرد قناة لتوصيل الفكر بل تكاد تكون جزء من ماهية الفكر، فلسان قوم، هو الذي يحدد شكل توسلهم للمعنى ومنطق صياغتهم للخطاب بما يلزم به من أبنية نحوية ونصية وتركيبية
أريد أن أمهد لدراستي هذه للأستاذ طه عبد الرحمان بجواب على هذا السؤال:

- لضرورته المقامية أولا: فلابد لدراسة أي فكر من تحليل لخطابه ومن ثم لأسلوبه في الكتابة تخّيرا للكلمات وبناء للجمل وتوسلا بفنون البيان.

- وثانيا لما يسببه ذلك " النشاز " من عنت لصاحبه ابتداء متمثلا في التهميش الذي لحق ويلحق كتاباته، ولقارئه انتهاء لفرادة أسلوبه في الكتابة من جهة وجدة المناهج التي يعتمد في كتاباته من جهة أخرى.

1. 1 في طبيعة اللغة والخطاب

تحدث الأستاذ في غير واحد من كتبه عن طبيعة اللغة وعن كونها ليست مجرد قناة لتوصيل الفكر المحض وأنها عكس ذلك تكاد تكون جزء من ماهية الفكر، باصطلاح الأصوليين، فلسان قوم، كما وعى ذلك المتقدمون وبينته دراسات الغربيين الحديثة في فلسفة اللغة وتحليل الخطاب، هو الذي يحدد شكل توسلهم للمعنى ومنطق صياغتهم للخطاب بما يلزم به من أبنية نحوية ونصية وتركيبية(1) من جهة كونه آلة لبناء المضامين وبما يحمل من ملامح تشكل خصوصية الأمة الناطقة به من جهة كونه "حامل" خطابهم و"أداة" إبداعهم وتواصلهم. كما أن الخطاب ليس مضمونا فكريا خالصا يمكن إدراكه في استقلال عن كل ما له صلة بمنشإه، فلا وجود لخطاب أول(2) يؤسس لكل شيء ولا يتأسس على شيء، وحتى النظريات الرياضية والأنساق المنطقية تستند إلى مسلمات وتسن آليات وتضع القواعد للعمليات، بل وتستند في بيان بعض خصائص الأنساق إلى تأويلات(3) قبل بناء النظرية وإقامة البرهان. وإذا كان من فرق بين الرياضيات أو المنطق وبين الخطاب الطبيعي فهو أن الأخير يستدعي زيادة على ما يستند إليه الأول، ما يجعل منه خطابا اي انبثاقه من سياق وافتراضه مخاطبا (بفتح الطاء) واستهدافه إقناعا بآليات الحجاج وسحر البلاغة وقوة العرف، وملامحه تلك تسلخ عنه صفة النداء الأول والتأمل الخالص وتغرسه في واقع منتجيه. إن خطابية (بكسر الخاء) كل خطاب تتوارى في ثناياه وتتخفى في زواياه تاركة "ظاهر" الخطاب في وجه المعقولية، مستنكفة عن الخضوع لهذه الأخيرة أو مؤسسة لها. ومن مهمة المتلقي أن يتلمس ملامح هذه الخطابية في مسلمات القول واقتضاءاته وحواريته، التي نجد آثارها في الاستعمال المتكرر لآليات النفي والاستدراك أو في إيراد تعابير مخصوصة تستدعي وتحيل تصريحا أو تلميحا.



ولما كان الخطاب وسيلة كل نظر والحجاج لازم كل خطاب(4) كان في تصور الاستاذ واجبا على كل من توسل الخطاب نافدة له على المجتمع أن يتمكن من "آلة" هذا الإنتاج ولا سبيل إلى ذلك بغير دراسة جدية لمجالات اللغة الثلاثة: التركيب والدلالة والتداول، ولآليات الاستدلال الحجاجية والمنطقية.

وقد أخد الأستاذ على عاتقه تحويل النظر إلى هذه المجالات في "الوطن العربي" وجعل من ذلك موضوعا للعديد من كتبه بعد أن هاله ما تعج به الساحة الثقافية عندنا من إنتاج فكري يفتقر إلى أدنى درجات التماسك والانسجام ويستند إلى أوهى طرق الحجاج وأوهن آليات البناء(5).

وقد بين الأستاذ في "تجديد المنهج في تقويم التراث " كيف يؤدي عدم احترام أبنية اللغة ومقولات المنطق إلى بناء استدلالات ناقصة واستخلاص نتائج متهافتة كما بين في "أصول الحوار وتجديد علم الكلام" أن الخطاب بما هو صناعة لسان يحكمه ما يحكم هذا الأخير من جهة وما يستقل به من آليات وقوانين تحكم إنتاجه بما يستدعي ويقتضي من معارف مشتركة وآليات لبناء المضامين والاستدلالات تقليدية أو على مقتضى اللسان مبتكرة. وأجمل القول في كل ذلك في كتابه "فقه الفلسفة: الفلسفة والترجمة " عندما أخضع اللفظ والمعنى والخطاب للتحليل وبين علاقتهما ببناء المعرفة وترجمة الخطاب.

1. 2 في الرسالة

إن وعي الأستاذ بطبيعة اللغة وإدراكه أسباب اهتمام المتقدمين من علمائنا بها وبالخطاب ودراساته للمدارس الحديثة في اللغة: علما وفلسفة وتحليلا ومنطقا، جعله " يخرج " باكرا من دائرة التصور القديم للغة والذي يفترضها "قناة" لتوصيل الفكر المحض محايدة تماما ومفارقة، وألزمه ذلك تحري الدقة في الكتابة ونشدان الدليل على مقتضى المنطق والحجاج. وإخاله لم يستطع إلى ذلك سبيلا إلا بتوسل أسلوب المتقدمين من علمائنا وحدو طريقتهم في التعبير ومنهجهم في البيان، لخلو تاريخنا القريب من تقليد في الكتابة في مستوى كتابات المتقدمين دراية بالآلة وإبداعا في الفكر وعلى مقتضى مطالب العصر وتقلبات النظر. كما أن الاستاذ طه يعتقد أن النقص الحاصل عندنا في الإلما بعلوم الآلة ونتائج المنطق الحديث(6) كان له الأثر الكبير على قدرتنا الإبداعية، وآية ذلك العقم الذي لحق ويلحق الفكر العربي بعد أن سلك طريقا في تلقي الفكر الغربي دونما إقامة وزن للسان ولا للمجال التداولي العربيين، فأنتج هذا الضرب من التعاطي عندنا فكرا شائها ولغة لا تستقيم على قالب ولا يقبلها وزن.

ومن هنا كانت كتابات طه عبد الرحمان دعوة إلى اللسان العربي بدلا عن هذا الهجين المعدل جينيا والذي يكتب بحروف عربية، وأملا في استعادة الأمة لعافيتها الإبداعية بدل الاشتغال بالتعليق على النصوص والترجمة الآلية للفكر(7)، ورسالة في كيفية التعامل مع كتاب الله وأشكال تجليه المفترضة في خطاب المسلمين.


افتتح طه عبد الرحمن كتاباته بالتنظير في حقل الخطاب وأتبع ذلك بالنظر في العقل ثم أعمل الإثنين في النقد أولا ثم التأسيس تاليا لإبداع فلسفي على مقتضى اللسان والميزان
افتتح الأستاذ كتاباته بالتنظير في حقل الخطاب وأتبع ذلك بالنظر في العقل ثم أعمل الإثنين في النقد أولا ثم التأسيس تاليا لإبداع فلسفي على مقتضى اللسان والميزان ويأتي كتابه الأخير صدورا: "الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري" خطوة أولى في ميدان الكتابة التحليلية للواقع فنجد فيه مفردات الوقت من مثل: الحكومة – الإرهاب – 11 شتنبر – الإستهلاك – أمريكا...إلخ، كما أنه جاء تأسيسا نظريا قويا لخطاب إسلامي في مستوى "تحديات" العصر: لغة ومفهوما وحجاجا وآليات، في وقت يشهد فيه الفكر الإسلامي ضحالة في المضمون وفقرا في "الآلة" وتضخما في الشعارات واختزالا للدين
1. 2 في المنهجية

إن تقلب خطاب د. طه بين مقامات مقالية عدة وتحوّله -ظاهريا- من مخاطب (بفتح الطاء) إلى مخاطب آخر يربك المتلقي ويوهمه بسجالية الحجاج الطاهائي، كرده على "الخصوم" بأقاويل لا تلزمهم لاختلاف الانتماء الديني أو المنزع المذهبي، وهذا النوع من الحجاج عقيم ويصدق فيه وصف "حوار الطرش"، فنجد الأستاذ يقرر مثلا أن الزمان هو زمان الرسالة الخاتم وأن الحق في الإختلاف مكفول دينا، مستشهدا على ذلك بالقرآن الكريم فيبدو مخاطبه هنا (بفتح الطاء) هو المسلم المؤمن بالرسالة، ولكن مايلبث أن يقرر أن مقالته في الحق في الاختلاف والإبداع تلزم الحداثيين العرب، الداعين إلى "التماهي" التام مع قيم الغرب، والغربيين الذي ادعوا اختصاصهم بوصف الحداثة وقيمهم بسمة الكونية، ومن ثم يبدو أن المخاطب هو الحداثي المجادل في "صلاحية" الإسلام، أو المعتقد في كونية المنزع.

فهل النقد الطاهائي يتردى إلى سجالية مذهبية على الرغم من ادعاء صاحبه العلمية؟

في تصوري أن الأستاذ طه ينطلق في نقده وتنظيراته معا مما يعتبره "ماهية" للفكر والخطاب، وقد تقدم الحديث عن بعض ذلك أعلاه وحاصله أن لا خطاب أول(9) بإطلاق ولا حجاج ملزم بإطلاق ولا عقل واحد بإطلاق فلا بد لأي متوسل بالخطاب من سند من مسلمات واقتضاءات وآليات بناء، وكما أنه مسلُِّم لغيره بإبداع حداثة على مقتضى لسانهم وتعقلهم ومعتقدهم لزمهم التسليم له بالحق في ذات الأمر ولا شيء في لسانهم ولا في "عقلانيتهم" ولا في معتقدهم يهبهم حق الامتياز بكونية المنزع حتى يفرضو بمقتضاه حداثتهم وشكل حياتهم على غيرهم من الأمم(10). ومن ثم فكل أمة "تُشاكل"(11) الأمم الغربية لسانا وتعقلا ومعتقدا لها الحق في إبداع حداثتها وشكل حياتها متى توافرت لها أسباب ذلك في كتابها أو تراثها أو عقلها(12). تلك في اعتقادي الإستراتيجية الحجاجية لأغلب كتابات الأستاذ وفي "سؤال الأخلاق" وفي "الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري" على وجه الخصوص(13).



2. 2 الجواب الإسلامي

يتكون "الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري" من مدخل عام وثمانية فصول موزعة على ثلاثة أبواب وخاتمة.

يعرض المدخل العام الإطار النظري والمفهومي الذي "يبرر" ويحدد طريقة التناول والتحليل للقضايا المطروحة في باقي الكتاب، وسأتناوله ببعض من التفصيل لكونه كما أسلفت مفتاح القراءة لسائر الكتاب.

يفتتح الأستاذ مؤلفه بسؤال محوري: هل للأمة المسلمة جوابها على أسئلة زمانها؟

وفي تخير الكلمات وشكل التركيب نقرأ ملامح عن نوع الجواب الذي ينفتح عليه مثل هذا السؤال. فنسبة الجواب للأمة بالضمير الظاهر في جواب"ها" وإعادة الكرة مع الزمان: زمان"ها" يشير إلى ما يؤكد عليه مشروع طه عبد الرحمان، وهو ضرورة الانطلاق في عملية الإبداع من الذات: لسانا ومعتقدا وعقلا.

وسؤال الأستاذ يستدعي باستبعاده ويستبعد باستدعائه أسئلة ممكنة:


- هل للأمة المسلمة جوابها على أسئلة هذا الزمان؟

- هل للأمة المسلمة جواب على أسئلة هذا الزمان؟... ومذهب الأستاذ أن الذات المكلفة بالجواب هي الأمة المسلمة، وإن لم تكن متحققة في عالم الأعيان فهي حاضرة على جدول المهام بموجب كتاب الأمة، كما أنها حاضرة في صورة "مجموعة قيم تسعى إلى أن تساهم في توجيه الأحداث المشهودة"(14) كما يذهب إلى أن جواب هذه الأمة جوابها والزمان زمانها "هي"، ومن ثم حكم الأستاذ بتعدد الأزمنة بعد أن ذهب إلى تكوثر العقول. إلا أن الأستاذ "يخرق" أفق توقع القارئ فيجيب على السؤال بالإيجاب دون تفصيل.(15) ويحصر القول في إبراز الروح الخاصة التي تميز الجواب الإسلامي، والتي تؤمن للأمة الحق في الإختلاف في فكرها عن الأمم الأخرى(16)، وهذه الفقرة تدفعنا إلى إعادة قراءة الكتاب صارفين دلالته إلى:

أ. الحق الإسلامي: بمعنى حق الأمة المسلمة في الإختلاف بمقتضى دعاوى الفكر الحداثي.

ب. الحق الإسلامي: بمعنى الحق في الاختلاف الذي يعترف به الإسلام لغيره من الأمم.

ويجمل الأستاذ مقصوده من هذه الروح الخاصة فيعرفها بأنها "جملة خصائص تؤسس للاختلاف" وتضمن حق الأمة في الجواب عن أسئلة زمانها وحق غيرها في جوابها الخاص.
2. 3 في الخصائص المؤسسة لحق الاختلاف


تتسم كتابات الأستاذ طه عبد الرحمان بصرامتها المنطقية وغناها المعرفي ووضوحها المفهومي وتجديدها النظري


يرى الأستاذ أن الخصائص المؤسسة لحق الاختلاف تنبني على مبدأين قرآنيين هما:

- مبدأ اختلاف الآيات: ويفصل القول فيه على أرضية الإختلاف بين الظاهرة، التي تحيل على ما يظهر للعيان محددا بالزمان والمكان، وبين الآية التي تحيل على التعدد لاستدعائها المعنى وهو "مولود" الاختلاف وأوضح "ثمراته".(19) يسمي الاستاذ النظر إلى الأشياء بوصفها ظواهر "النظر الملكي" لكونه نظرا في ملك الله الظاهر للعيان في استقلال عن أي معنا أو اعتبار، ويسمي النظر إليها بوصفها آيات ب "النظر الملكوتي"(20) لكونه نظرا في الملكوت الذي يأتي في القرآن دائما مقترنا بالإعتبار(21).

- مبدأ اختلاف الناس: وينبني على مفهومين قرآنيين هما التعارف والتعاون. وإذا كان التعاون يشمل "الانتظام في أعمال اجتماعية، خيرا كانت أو شرا" فإن التعارف لايكون إلا في الاجتماع على الخير



وفي باقي فصول الكتاب يعمل آلياته النقدية والمفهومية في قراءة "ممتعة" للواقع العالمي والهيمنة الأمريكية بعد أن يؤسس لمفهومي النقد الإيماني والنقد الأخلاقي على قاعدة النظرين الملكي والملكوتي والعملين التعاوني والتعارفي.

يتناول الأستاذ بالنقد، على قاعدة النظرين، البيان الذي وقعه مجموعة من المثقفين الأمريكيين مدعين فيه كونية القيم الأمريكية داعين فيه لشن الحرب على "الإرهاب"، ومما يأخذه عليهم( وصفهم لما وقع بالحدث ومن ثم حصرهم "زاوية النظر" في أفق النظر الملكي الذي لم ير في الواقعة إلا ما أرته الشاشات: خرابا وقتلا، وإن جاوز ذلك فإلى كونه ضربا للحرية التي تعتبر الولايات الأمريكية أنها تحققها التاريخي الأكمل. ولم ير فيها الموقعون أنها مصيبة حلت بهم يستشعرون من خلالها ضعفهم وحاجتهم لغيرهم، كما لم يروا فيها أثرا لما كسبت أيديهم على الرغم مما يدّعون من ظاهر الاعتراف بأخطاء سياسية في الماضي دون تفصيل القول في هذه الأخطاء لاشتمالها على جنس ما يأخذونه على "المعتدين" من مثل قتل الأبرياء والمدنيين لا فرادى بل بالآلاف

وحتى ما يبدو في البيان نظرا ملكوتيا مدخول من جهة انبنائه على بحث الإنسان عن المعرفة وليس بحثه عن الحكمة والأول يحيل على الرغبة في السيادة على الطبيعة و"إخضاعها" في حين يحث الثاني على طلب المقاصد الخفية للاشياء من أجل العمل بمقتضاها والتحكم في أهواء الذات وإصلاح أحوالها



3. ملاحظات عامة

تتسم كتابات الأستاذ طه عبد الرحمان بصرامتها المنطقية وغناها المعرفي ووضوحها المفهومي وتجديدها النظري، ولايمنع هذ ولا ذاك من تسجيل ملاحظات "سريعة" على هذا المؤلف القيم:

- تغلب على كتابات الأستاذ، وفي الحقل الإسلامي بوجه خاص، كثافة السمة الحوارية، إن ظاهرا بذكر المحاورين (بفتح الواو) أو خفاء بالإشارة إليهم وهذا التكثيف يحد من القدرة التبليغية للكتاب إذ يضيق من مجال المشترك ومن ثم "يقلص" من حجم عالم المخاطبين (بفتح الطاء)، وفي ذلك إخلال بشرط اجتماعية التداول اللغوي بما هو - كما يقول الأستاذ- سعي إلى إشراك المخاطب في الاعتقاد والمعارف،كما أن فيه إخلالا بما سطره الكاتب نفسه من أهداف "للخطاب الجديد" الذي دشنه في ثقافتنا عند حديثه في كتابه "سؤال الأخلاق" عن ضرورة التزود بالسلاح الفكري وكذا ضرورة توفير فضاء ثقافي يمد الحركة الإسلامية بالقدرة على استئناف نشاطها

- ومن مظاهر هذا " الإخلال" بشرط اجتماعية التداول اللغوي نحصي الإيجاز الشديد لنظريات وأقاويل المحاورين (بفتح الواو) وتلخيصا لها يجعلها عصية على الفهم لغياب السياق الذي جعل تدشين القول فيها أو تجديده ممكنا

كما نجد في بعض انتقادات الأستاذ لبعض النظريات غياب شرط المناسبة ونقصا في الشواهد، وأضرب لذلك مثلا ب"مبدأ التصويب المنطقي" الذي يورد الاستاذ صيغته ويرده مقترحا تعديلا له مع اختلاف السياق الذي قاد واضعه إليه و"الإكراهات" المنطقية والنظرية الذي أملت على كوين صياغته على ذلك النحو، وأي محاولة لنقده أو تعديله تستلزم تأييدا من وقائع اللسان وآليات النظر، ولا تكفي في رده بأي حال اعتبارات أخلاقية لأن هذه لم تكن سندا ولا حجة عند التدليل عليه

وختاما يعد كتاب الدكتور الأخير إضافة قيمة وجديرة بالدراسة والبحث لثرائه المعرفي وتأسيسه المفاهيمي ومنهجيته الصارمة، والأمل أن نتجاوز في واقعنا الثقافي قبَلية الفكر إلى سعة الصدر والقلب، ونحصّل قابلية للاستماع والتعلم فنخرج من حال "رجع الصدى" الذي يسم واقعنا الفكري حيث لا يبحث القارئ في المقروء إلا على ما يؤيد مقالته أو يرى مذهبه وينتصر لسياسته، وإن البعض ليحجم عن الاستشهاد بالمخالف له في "التمذهب السياسي" أو "الدعوي" أو "التربوي" مخافة أن تكون في إحالته عليه دعاية لمخالفه وتهديدا لرصيد "أصواته". وآفة الفكر، إسلاميا وغير إسلامي، في أيامنا أن النظر فيه غدا يحتكم إلى شرط السياسة ويتحدد بمنظور "الاستقطاب".


ينطلق الأستاذ طه في نقده وتنظيراته معا مما يعتبره "ماهية" للفكر والخطاب، وحاصله أن لا خطاب أول بإطلاق ولا حجاج ملزم بإطلاق ولا عقل واحد بإطلاق فلا بد لأي متوسل بالخطاب من سند من مسلمات واقتضاءات وآليات بناء، وكما أنه مسلُِّم لغيره بإبداع حداثة على مقتضى لسانهم وتعقلهم ومعتقدهم لزمهم التسليم له بالحق في ذات الأمر ولا شيء في لسانهم ولا في "عقلانيتهم" ولا في معتقدهم يهبهم حق الامتياز بكونية المنزع حتى يفرضو بمقتضاه حداثتهم وشكل حياتهم على غيرهم من الأمم ولنا تتمة مع اعلام الفكر الاسلامي

فخر الدين المناظر
04-10-2007, 01:22 AM
هل صحيح ماورد عن الجابري في الآونة الأخيرة حول القرآن الكريم ؟؟؟

لو كان صحيحا فصدقني ان الإخوة من اهل العلم في البلاد سوف يشنون عليه هجمة شرسة وحملة مضادة سوف تُفقده صنيع ما أَلف قبل ... ننتظر فقط التثبت في الأمر والتبين...

rajamaroc
04-10-2007, 09:40 PM
اخي شكرا لك على المرور
وان كان على الجابري فقد كان له مؤلف تحت عنوان مدخل الى علوم القران الجزء الاول و قد بين فيه وجهة نظره محاولا النقد التاريخي فيما وصلنا الى اليوم ليتبت لنا ان مفهوم الامية الدي نطلقه على نبينا في كونه لم يكن يعرف القراءة و لا الكتابة انه خطا فادح اي ان هدا المفهوم الشائع هو خاطئ ويوضح لنا فيه ان مفهوم الامي يعني انه من القوم الدين لم ياتيهم الكتاب و يستدل بدلك ب كلمة اميين التي نزلت في بعض الايات و هي تعني ان الاميين هم القوم الدين لم ينزل عليهم الكتاب

ولكن ان تشن عليه الإخوة من اهل العلم هجمة لا يجدي نفعا و انا ااكد لك ان الكتاب يحوي اخطاء و يمكن تداركها بالرد عليه وتفنيدها بالمنطق الدي يتحدت به هو نفسه
و تشكر على المرور

فخر الدين المناظر
04-11-2007, 02:45 AM
أنا لم أقصد أخي الفاضل ماذكرته حول كلمة أميين .. او امي ... أنا أقصد ما ورد من أنباء بأنه في أحدث كتبه قال بأن القرآن حرف أو سقطت منه بعض الآيات ... هذا ما أقصده ...

أما عن كلمة أمي فهذه شبهة متهافته أثارها المستشرقون منذ القرن التاسع عشر أو أكثر ...


النقد التاريخي

لكم أخشى على الجابري أن يصبح مريضا بكلمة النقد ... فهناك من يصاب بمرض النقد من أجل النقد فقط...


ليتبت لنا ان مفهوم الامية الدي نطلقه على نبينا في كونه لم يكن يعرف القراءة و لا الكتابة انه خطا فادح اي ان هدا المفهوم الشائع هو خاطئ ويوضح لنا فيه ان مفهوم الامي يعني انه من القوم الدين لم ياتيهم الكتاب و يستدل بدلك ب كلمة اميين التي نزلت في بعض الايات و هي تعني ان الاميين هم القوم الدين لم ينزل عليهم الكتاب

شبهة قديمة لا تحتاج منا سوى جرة قلم بسيطة للجواب عليها من وجوه :
أولاها :بإجماع أهل العلم والمسلمين وأهل اللغة والمفسرين أن الرسول ( ص ) لم يكن يعرف القراءة والكتابة ... والأمة معصومة من الإجماع على ضلالة ... فقد قال رسول الله ( ص ) "لا تجتمع أمتي على ضلالة"

ثانيها : تفسير أهل العلم لكلمة أمي :
يقول الطبري رحمه الله: يعني بالأميين الذين لا يكتبون و لا يقرءون
يقول الشوكاني طيب الله ثراه :منسوب إلى الأمة الأمية التي هي على أصل ولادتها من أمهاتها لم تتعلم الكتابة و لا تحسن القراءة للمكتوب .
قال الراغب الأصبهاني غفر الله له : "الأمي هو الذي لا يكتب و لا يقرأ من كتاب و عليه حمل قول تعالى : {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم }"

وقس على ذلك الكثير الكثير ... فهذا شيء ملخص فقط لتأخر الوقت عندي وللإرهاق الذي أصابني ولله الحمد...

ثالثها: ان الأدلة ترجح القول بأمية الرسول ( ص ) ،، ومنها اعتراف كفار قريش بأمية الرسول (ص) ،، فقد قال رب العزة : { وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } واكتتبها تعني كُتبت له لتتلى بعد ذلك على مسامعه في كل وقت ...
وقول رب العزة { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ }

وأيضا قوله تعالى : { وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ }
والآيات كثيرة ...
أما من السنة النبوية فآخذ من فيض أدلتها دليلان ،، الأول في صلح الحديبية حين اعترض المشركون على كلمة محمد رسول الله ،، فطلب الرسول ( ص ) من علي :radia: حين أبى مسحها أن يُريه مكانها ليمسحها بنفسه ... والشاهد أن الرسول (ص) لو كان يعرف القراءة لقرأها وعدل الكلمة بنفسه ... ولو كان يعرف الكتابة لكتبها بنفسه ولما طلب من علي رضي الله عنه كتابتها...
وثاني الأدلة ماورد أن رسول الله ( ص ) كان يأتي بكتبة الوحي لكتابة ما ينزل من القرآن الكريم ، ولو كان يعلم الكتابة لفعل ذلك بنفسه ( ص ) ...

والسؤال الذي كان على الجابري الخوض فيه هو هل ظل الرسول صلى الله عليه وسلم على أميته إلى أن توفي؟ أم تعلم القراءة والكتابة بعد أن بُعث بفترة؟ ... هذا هو الأصح وليس نفي الأمية بالإطلاق...


والكلام طويل وذو شجون وحسبك من البئر ما يروي الظمأ ،، ومن الأدلة ما يوضح الفكرة...

مع التحيات...

فخر الدين المناظر
04-12-2007, 04:16 PM
أما بالنسبة للدكتور طه عبد الرحمان فهو أخ فاضل ومفكر إسلامي كبير حفظه الله تعالى ... واصل أخي الكريم ...

rajamaroc
04-19-2007, 11:40 PM
شكرا لك اخي على المرور و التوضيح و التفاعل و سلام عليك و على اهل الاسلام اجمعين