علي الابنوي
05-01-2007, 12:36 PM
أولا: مدخل:
الحمد الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
وبعد.
فإن من أسمى مقاصد الشريعة الإسلامية رص الصفوف وجمع الشمل بين أبناء المسلمين، الذين تلمهم أخوة الدين، ويوحدهم توحيد الخالق سبحانه وتعالى، وقد سلك الإسلام في سبيل تحقيق هذا الهدف العظيم وسائل شتى وأساليب متنوعة؛
ومن ضمن هذه الوسائل التي سلكها الإسلام لتحقيق هذه الغاية العظيمة: سد كل طريق يؤدي إلى الفرقة، أو يذكي أسباب الخلاف، ومن أجل ذلك شرع الإمامة وألزم الناس بطاعة الإمام في غير معصية الله، وحرم الخروج عليه ما لم يكن كفر بواح، وما ذلك إلا حرصاً على وحدة الصف وجمع الكلمة.
ومن الأمور التي ثبت بالتجربة أنها تؤدي إلى قيام الخلاف أو تذكيته بين أبناء الصف الواحد: وجود مصطلحات (مطاطة) حمالة أوجه، تفسر على أكثر من معنى، وقد يفهمها بعض الناس بفهوم متضادة تجعل كل قوم ينزعون إلى فهمهم فيحصل التجاذب المذموم، يتبعه التهاجر والتدابر الذي نهى عنه الشارع الحكيم وحذر منه.
ومن المصطلحات التي نشأت في الآونة الأخيرة مصطلح (منهج) فإنها كلمة تترد بكثرة على ألسنة كثيرة، وجهات متعددة، فنسمع مثلاً في مجال التعليم (مناهج التعليم) أو منهج الكلية، .. كذلك نسمع هذه الكلمة في مجال آخر كقولهم (منهج المؤلف، أو الباحث،) في كتابه أو رسالته العلمية.
كذلك لو أن مؤسسة أو شركة من الشركات وضعت برامج أو أنظمة تحكمها وتوجه عملها بحيث تسير وفق بنودها يطلق عليها فيما بعد بمنهج الشركة أو ميثاق الشركة أو نظام الشركة.
ونسمعها كذلك عند تقويم الفرق أو الطوائف والجماعات... فيقال مثلاً: منهج الأشاعرة، أو الماتوريدية، أو منهج أهل السنة والجماعة...
وكذلك نسمع ما يعرف بالمنهج التجريبي والمقصود به ذلك المنهج الذي يعتمد بالأساس على التجربة العلمية مما يتيح فرصة عملية لمعرفة الحقائق وسن القوانين عن طريق التجارب.
ناهيك عن انتشار هذه الكلمة على ألسنة كثير من الدعاة وطلاب العلم في الخطب والدروس والمحاضرات، والتأليف، بل ربما وجد من يعقد عليها مآزر الولاء والبراء!
فيا ترى ماذا يقصد بهذه الكلمة؟ وهل هي ذات مدلول واحد عند هؤلاء المستخدمين؟ أم أنها ذات مدلولات مختلفة؟
وإذا كانت مختلفة فهل اختلافها اختلاف تضاد أم تنوع؟ وإذا كان اختلاف تنوع فهل المتلقين له يفهمونها على هذا الأساس أم فهمهم له فهم تضاد؟
إن هذه الأسئلة المطروحة وغيرها تبرز أهمية تحديد معنى هذا المصطلح عند مستخدميه، وبيان معالمه؛ شأنه شأن أي مصطلح آخر يحدث في حياة الناس أو علومهم مع تذكيرنا بأنه لا مشاحة في الاصطلاح طالما أنه قضية تسمية لمسمى فقط لا تتعدى لمعاني غير مرضية أو مقبولة.
أما إذا لم تكن كذلك فإن العبرة حينئذٍ بالمضمون والجوهر لا بالألفاظ.
ومن خلال هذه النافذة سنحاول تسليط الضوء على هذا المصطلح المعاصر بقدر الطاقة والجهد مستعيناً بالله وحده راجياً منه العون والسداد.
كما أني لا استغنى عن توجيه أو إرشاد من أخ ناصح يفتح الله عليه، فقد أصيب وقد أخطئ، كما أن النقص من سمات المخلوق فرحم الله من رأى من أخيه نقصاً فأكمله، أو عيباً فستره، أو إحساناً فأظهره، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
المنهج في اللغة:-
عند الرجوع إلى أقدم كتاب في معاجم اللغة وهو كتاب ((العين)) للخليل بن أحمد نجده قال عن كلمة (نهج):
طريقٌ نَهْجٌ واسِعٌ واضِحٌ وطُرُقٌ نَهْجةٌ، ونَهَجَ الأمرُ وأنْهَجَ لغتان أي وضح.
ومِنْهَجُ الطّريقِ وَضَحُه والمِنْهاج الطّريقُ الواضِحُ قال:
.( وأَنْ أفوزَ بنُور أَستضيءُ بهِ ... أَمضي على سُنّةٍ منهُ وِمنهاج)
وقال ابن فارس:"النون والهاء والجيم أصلان متباينان: الأول النهج، الطريق؛
ونهج الأمر: أوضحه، وهو مستقيم المنهاج. والمنهج الطريق أيضاً، والجمع المناهج.
والآخر الانقطاع. وأتانا فلان ينهج، إذا أتى مبهوراً مقطوع النفس، وضربت فلاناً حتى أنهج أي: سقط".
وقال في مختار الصحاح مادة[ نهج ]:
النَّهْجُ بوزن الفَلْس و المَنْهَجُ بوزن المذهب و المِنْهاجُ الطريق الواضح و نَهَجَ الطريق أَبانه وأَوضحه و نَهَجَهُ أيضا سلكه وبابهما قطع.
والنَّهَجُ بفتحتين البُهر وتتابع النَّفس وبابه طرِب وفي الحديث { أنه رأى رجلا يَنْهَجُ } أي يرنو من السِّمَنِ.
ا.هـ
وقال في المصباح المنير: (النَّهْجُ) مثل فلس؛ الطريق الواضح و ( المَنْهَجُ ) و ( المِنْهَاجُ ) مثله و ( نَهَجَ ) الطريق ( يَنْهَجُ ) بفتحتين ( نُهُوجًا ) وضح و استبان و ( أَنْهَجَ ) بالألف مثله و ( نَهَجْتُهُ ) و ( أَنْهَجْتُهُ ) أوضحته يستعملان لازمين و متعديين ا.هـ
وقال في القاموس المحيط: النَّهْجُ : الطَّريقُ الواضِحُ كالمَنْهَجِ والمِنْهاجِ وبالتحريك : البُهْرُ وتَتابُعُ النَّفَسِ والفِعْلُ : كفَرِحَ وضَرَبَ . وأنْهَجَ : وضَحَ وأوضح و الدَّابَّةَ : سارَ عليها حتى انْبَهَرَتْ و الثَّوْبَ : أخلَقَهُ كنَهَجَهُ كمَنَعَهُ . ونَهَجَ الثَّوْبُ مُثَلَّثَةَ الهاءِ : بَلِيَ كأَنْهَجَ . ونَهَجَ كمنَعَ : وضَحَ وأوْضَحَ و الطَّريقَ : سَلَكَهُ . واسْتَنْهَجَ الطَّريقُ : صارَ نَهْجاً كأَنْهَجَ و فُلانٌ سَبيلَ فلانٍ : سَلَكَ مَسْلَكَهُ .ا.هـ
وقال في تاج العروس: قال يَزيدُ بن الحَذّاق العَبْديّ :
ولقد أَضاءَ لك الطَّرِيقُ وأَنْهجَتْ ... سُبُلُ المَكارمِ والهُدَى تُعْدِي
أَي تُعِينُ وتُقوِّي . أَنْهَجْتُ " الدَّابَّةَ " : إِذا " سارَ عليها حتى انْبَهَرَتْ " وأَعْيَتْ .
وفي حديث عُمَرَ رضي الله عنه : " فضَرَبه حتى أُنْهِج " : أَي وَقَعَ عليه الرَّبْوُ . وأَفعَلَ متعدٍّ . يقال : فُلانٌ يَنْهَجُ في النَّفَس فما أَدرِي ما أَنْهَجَه . أَنْهَجَ البِلَى " الثَّوْبَ أَخْلَقَه كنَهَجَه كمَنَعَه " يَنْهَجُه نَهْجاً . " ونَهجَ الثَّوْبُ مثلَّثةَ الهاءِ : بَلِيَ كأَنْهَجَ " فهو نَهِجٌ . وأَنْهَجَ : بَلِيَ ولم يَتشقَّقْ . وأَنْهَجَه البِلَى فهو مُنْهَجٌ . وقال ابنُ الأَعرابيّ : أَنْهَجَ فيه البِلَى : اسْتَطارَ . وأَنشد :
" كالثَّوْبِ " إِذْ أَنْهَجَ فيه البِلَى ... أَعْيَا علَى ذِي الحِيلَةِ الصَّانِع ا.هـ
وقال في لسان العرب: طريقٌ نَهْجٌ بَيِّنٌ واضِحٌ وهو النَّهْجُ قال أَبو كبير:
فأَجَزْتُه بأَفَلَّ تَحْسَبُ أَثْرَهُ ...... نَهْجاً أَبانَ بذي فَريغٍ مَخْرَفِ.
والجمعُ نَهجاتٌ ونُهُجٌ ونُهوجٌ قال أَبو ذؤَيب به رُجُماتٌ بينهنَّ مَخارِمٌ نُهوجٌ كلَبَّاتِ الهَجائِنِ فِيحُ وطُرُقٌ نَهْجَةٌ وسبيلٌ مَنْهَجٌ كَنَهْجٍ ومَنْهَجُ الطريقِ وضَحُه والمِنهاجُ كالمَنْهَجِ وفي التنزيل [لكلٍّ جعلنا منكم شِرْعةً ومِنْهاجاً].
وأَنهَجَ الطريقُ وضَحَ واسْتَبانَ وصار نَهْجاً واضِحاً بَيِّناً قال يزيدُ بنُ الخَذَّاقِ العبدي:
ولقد أَضاءَ لك الطريقُ وأَنْهَجَتْ سُبُلُ ...... المَكارِمِ والهُدَى تُعْدِي أَي تُعِينُ وتُقَوِّي.
والمِنهاجُ الطريقُ الواضِحُ واسْتَنْهَجَ الطريقُ صار نَهْجاً وفي حديث العباس: (لم يَمُتْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى تَرَكَكُم على طريقٍ ناهِجةٍ) أَي واضحةٍ بَيِّنَةٍ.
ونَهَجْتُ الطريقَ أَبَنْتُه وأَوضَحتُه يقال: اعْمَلْ على ما نَهَجْتُه لك ونَهَجتُ الطريقَ سَلَكتُه وفلانٌ يَستَنهِجُ سبيلَ فلانٍ أَي يَسلُكُ مَسلَكَه والنَّهْجُ الطريقُ المستقيمُ ونَهَجَ الأَمْرُ وأَنهَجَ لُغتانِ إِذا وضَحَ والنَّهَجةُ الرَّبْوُ يَعْلو الإِنسانَ والدابَّةَ قال الليث ولم أَسمَعْ منه فِعلاً وقال غيره أَنهَجَ يُنْهِجُ إِنهاجاً ونَهَجْتُ أَنهِجُ نَهْجاً ونهِجَ الرجلُ نَهَجاً وأَنْهَجَ إِذا انْبَهَرَ حتى يقع عليه النَّفَسُ من البُهْرِ وأَنهَجَه غيرُه يقال فلانٌ يَنْهَجُ في النفَسِ فما أَدري ما أَنهَجَه وأَنهَجتُ الدابَّةَ سِرْت عليها حتى انْبَهَرَتْ >
وفي حديث قُدومِ المُسْتَضعَفِينَ بمكة فنَهِجَ بين يَدَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قَضى النَّهَجُ بالتحريك والنَّهِيجُ الرَّبْوُ وتواتُرُ النَّفَسِ من شدَّةِ الحركةِ وأَفعَلَ مُتَعَدٍّ وفي حديث عمر رضي الله عنه فضَرَبَه حتى أُنْهِجَ أَي وقع عليه الرَّبْوُ يعني عمر وفي حديث عائشة فقادني وإِني لأَنْهَجُ وفي الحديث أَنه رأَى رجلاً يَنْهَجُ أَي يَرْبو من السِّمَن ويَلْهَثُ وأَنْهَجَتِ الدابةُ صارتْ كذلك وضَرَبَه حتى أَنْهَجَ أَي انْبَسَط وقيل بَكى ونَهَجَ الثوبُ ونَهُجَ فهو نَهِجٌ وأَنهَجَ بَلِيَ ولم يَتَشَقَّقْ وأَنْهَجَه البِلى فهو مُنْهَجٌ وقال ابن الأَعرابي أَنْهَجَ فيه البِلى اسْتَطار وأَنشد:
كالثوبِ أَنْهَجَ فيه البِلى ...... أَعْيا على ذي الحِيلَةِ الصانِع ا.هـ
ومما سبق يتضح أن هذه الكلمة ومشتقاتها لها عدة مدلولات في اللغة:
الأولى: الطريق أو الجادة التي يسلكها السالك في سيرة، فيقال طريقاً منهاجاً؛ موطؤة بالعادة لكثرة السالكين.
قال ابن الأثير في النهاية: وفي حديث عبد اللّه بن سَلاَم رضي اللّه عنه [وإذا جَوادُّ مَنْهج عن يَمِيني] الجَوادُّ : الطُّرُق واحدها جادّة وهي سَواء الطريق ووسَطه . وقيل هي الطَّريق الأعظم التي تجْمع الطُّرُق ولا بُدّ من المرور عليها ا.هـ
الثانية: الانقطاع أو السقوط، يقال: طَرَدْتُ الدَّابَّةَ حتى نَهَجَت.
الثالثة: الوضوح والبيان يقال: طريق (نهج) أي بين واضح.
الرابعة: البلى وتقادم العهد؛ يقال: أَنْهَجَ البِلَى " الثَّوْبَ أي أَخْلَقَه. قال أَبو عبيد المُنْهَج: الثوبُ الذي أَسرعَ فيه البِلَى.
الخامسة: سلوك الطريق : نهجت الطريق: سلكته، وفلان يستنهج سبيل فلان أي يسلك مسلكه، والنهج الطريق المستقيم.
المنهج في الكتاب والسنة:-
لم ترد لفظة (منهج) في كلام الله ، وإنما وردت كلمة (منهاج)،
قال تعالى: ((لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً)).
قال ابن عباس و الحسن و مجاهد : أي سبيلا وسنة. فالشرعة والمنهاج الطريق الواضح. تفسير البغوي [1/65].
وفي السنة النبوية:" تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون.....ثم تكون خلافة على منهاج النبوة" (رواه أحمد).
وفي حديث الرؤيا التي عبرها أبو بكر رضي الله عنه :"ثم يكون من بعدك رجل على منهاجك"(رواه أحمد).
وروى الدارمي عن العباس رضي الله عنه :"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما مات حتى ترك السبيل نهجاً واضحاً: فأحل الحلال وحرم الحرام، ونكح وطلق، وحارب وسالم..."
وفي حديث عبد الله بن سلام –رضي الله عنه- قال: بينا أنا نائم أتاني رجل فقال : قم فأخذ بيدي فانطلقت معه فإذا أنا بجواد عن شمالي فأخذت لآخذ فيها فقال لي : لا تأخذ فيها فإنها طرق أصحاب الشمال قال : وإذا جواد منهج عن يميني قال : لي : خذ ها هنا فأتى بي جبلا فقال لي : اصعد فوق هذا فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت على إستي حتى فعلته مرارا ثم انطلق حتى أتى بي عمودا رأسه في السماء وأسفله في الأرض وأعلاه حلقة فقال لي : اصعد فوق هذا فقلت : كيف أصعد فوق هذا ورأسه في السماء ؟ فأخذ بيدي فزحل بي فإذا أنا متعلق بالحلقة ثم ضرب العمود فخر وبقيت متعلقا بالحلقة حتى أصبحت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه فقال : ( أما الطريق الذي رأيت على يسارك فهي طريق أصحاب الشمال وأما الطريق الذي رأيت عن يمينك فهي طريق أصحاب اليمين والجبل هو منازل الشهداء ولن تناله وأما العمود فهو عمود الإسلام وأما العروة فهي عروة الإسلام ولن تزال مستمسكا بها حتى تموت ) صحيح ابن حبان (16/123).
قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم.
ويتضح لنا من هذا أن ورود المنهج أو النهج أو المنهاج في الكتاب والسنة لا يخرج عن المعنى اللغوي الذي ذكرناه سابقا
http://www.soutulhaq.com/ar/derasat/Show_archiv.php?id=10
الحمد الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
وبعد.
فإن من أسمى مقاصد الشريعة الإسلامية رص الصفوف وجمع الشمل بين أبناء المسلمين، الذين تلمهم أخوة الدين، ويوحدهم توحيد الخالق سبحانه وتعالى، وقد سلك الإسلام في سبيل تحقيق هذا الهدف العظيم وسائل شتى وأساليب متنوعة؛
ومن ضمن هذه الوسائل التي سلكها الإسلام لتحقيق هذه الغاية العظيمة: سد كل طريق يؤدي إلى الفرقة، أو يذكي أسباب الخلاف، ومن أجل ذلك شرع الإمامة وألزم الناس بطاعة الإمام في غير معصية الله، وحرم الخروج عليه ما لم يكن كفر بواح، وما ذلك إلا حرصاً على وحدة الصف وجمع الكلمة.
ومن الأمور التي ثبت بالتجربة أنها تؤدي إلى قيام الخلاف أو تذكيته بين أبناء الصف الواحد: وجود مصطلحات (مطاطة) حمالة أوجه، تفسر على أكثر من معنى، وقد يفهمها بعض الناس بفهوم متضادة تجعل كل قوم ينزعون إلى فهمهم فيحصل التجاذب المذموم، يتبعه التهاجر والتدابر الذي نهى عنه الشارع الحكيم وحذر منه.
ومن المصطلحات التي نشأت في الآونة الأخيرة مصطلح (منهج) فإنها كلمة تترد بكثرة على ألسنة كثيرة، وجهات متعددة، فنسمع مثلاً في مجال التعليم (مناهج التعليم) أو منهج الكلية، .. كذلك نسمع هذه الكلمة في مجال آخر كقولهم (منهج المؤلف، أو الباحث،) في كتابه أو رسالته العلمية.
كذلك لو أن مؤسسة أو شركة من الشركات وضعت برامج أو أنظمة تحكمها وتوجه عملها بحيث تسير وفق بنودها يطلق عليها فيما بعد بمنهج الشركة أو ميثاق الشركة أو نظام الشركة.
ونسمعها كذلك عند تقويم الفرق أو الطوائف والجماعات... فيقال مثلاً: منهج الأشاعرة، أو الماتوريدية، أو منهج أهل السنة والجماعة...
وكذلك نسمع ما يعرف بالمنهج التجريبي والمقصود به ذلك المنهج الذي يعتمد بالأساس على التجربة العلمية مما يتيح فرصة عملية لمعرفة الحقائق وسن القوانين عن طريق التجارب.
ناهيك عن انتشار هذه الكلمة على ألسنة كثير من الدعاة وطلاب العلم في الخطب والدروس والمحاضرات، والتأليف، بل ربما وجد من يعقد عليها مآزر الولاء والبراء!
فيا ترى ماذا يقصد بهذه الكلمة؟ وهل هي ذات مدلول واحد عند هؤلاء المستخدمين؟ أم أنها ذات مدلولات مختلفة؟
وإذا كانت مختلفة فهل اختلافها اختلاف تضاد أم تنوع؟ وإذا كان اختلاف تنوع فهل المتلقين له يفهمونها على هذا الأساس أم فهمهم له فهم تضاد؟
إن هذه الأسئلة المطروحة وغيرها تبرز أهمية تحديد معنى هذا المصطلح عند مستخدميه، وبيان معالمه؛ شأنه شأن أي مصطلح آخر يحدث في حياة الناس أو علومهم مع تذكيرنا بأنه لا مشاحة في الاصطلاح طالما أنه قضية تسمية لمسمى فقط لا تتعدى لمعاني غير مرضية أو مقبولة.
أما إذا لم تكن كذلك فإن العبرة حينئذٍ بالمضمون والجوهر لا بالألفاظ.
ومن خلال هذه النافذة سنحاول تسليط الضوء على هذا المصطلح المعاصر بقدر الطاقة والجهد مستعيناً بالله وحده راجياً منه العون والسداد.
كما أني لا استغنى عن توجيه أو إرشاد من أخ ناصح يفتح الله عليه، فقد أصيب وقد أخطئ، كما أن النقص من سمات المخلوق فرحم الله من رأى من أخيه نقصاً فأكمله، أو عيباً فستره، أو إحساناً فأظهره، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
المنهج في اللغة:-
عند الرجوع إلى أقدم كتاب في معاجم اللغة وهو كتاب ((العين)) للخليل بن أحمد نجده قال عن كلمة (نهج):
طريقٌ نَهْجٌ واسِعٌ واضِحٌ وطُرُقٌ نَهْجةٌ، ونَهَجَ الأمرُ وأنْهَجَ لغتان أي وضح.
ومِنْهَجُ الطّريقِ وَضَحُه والمِنْهاج الطّريقُ الواضِحُ قال:
.( وأَنْ أفوزَ بنُور أَستضيءُ بهِ ... أَمضي على سُنّةٍ منهُ وِمنهاج)
وقال ابن فارس:"النون والهاء والجيم أصلان متباينان: الأول النهج، الطريق؛
ونهج الأمر: أوضحه، وهو مستقيم المنهاج. والمنهج الطريق أيضاً، والجمع المناهج.
والآخر الانقطاع. وأتانا فلان ينهج، إذا أتى مبهوراً مقطوع النفس، وضربت فلاناً حتى أنهج أي: سقط".
وقال في مختار الصحاح مادة[ نهج ]:
النَّهْجُ بوزن الفَلْس و المَنْهَجُ بوزن المذهب و المِنْهاجُ الطريق الواضح و نَهَجَ الطريق أَبانه وأَوضحه و نَهَجَهُ أيضا سلكه وبابهما قطع.
والنَّهَجُ بفتحتين البُهر وتتابع النَّفس وبابه طرِب وفي الحديث { أنه رأى رجلا يَنْهَجُ } أي يرنو من السِّمَنِ.
ا.هـ
وقال في المصباح المنير: (النَّهْجُ) مثل فلس؛ الطريق الواضح و ( المَنْهَجُ ) و ( المِنْهَاجُ ) مثله و ( نَهَجَ ) الطريق ( يَنْهَجُ ) بفتحتين ( نُهُوجًا ) وضح و استبان و ( أَنْهَجَ ) بالألف مثله و ( نَهَجْتُهُ ) و ( أَنْهَجْتُهُ ) أوضحته يستعملان لازمين و متعديين ا.هـ
وقال في القاموس المحيط: النَّهْجُ : الطَّريقُ الواضِحُ كالمَنْهَجِ والمِنْهاجِ وبالتحريك : البُهْرُ وتَتابُعُ النَّفَسِ والفِعْلُ : كفَرِحَ وضَرَبَ . وأنْهَجَ : وضَحَ وأوضح و الدَّابَّةَ : سارَ عليها حتى انْبَهَرَتْ و الثَّوْبَ : أخلَقَهُ كنَهَجَهُ كمَنَعَهُ . ونَهَجَ الثَّوْبُ مُثَلَّثَةَ الهاءِ : بَلِيَ كأَنْهَجَ . ونَهَجَ كمنَعَ : وضَحَ وأوْضَحَ و الطَّريقَ : سَلَكَهُ . واسْتَنْهَجَ الطَّريقُ : صارَ نَهْجاً كأَنْهَجَ و فُلانٌ سَبيلَ فلانٍ : سَلَكَ مَسْلَكَهُ .ا.هـ
وقال في تاج العروس: قال يَزيدُ بن الحَذّاق العَبْديّ :
ولقد أَضاءَ لك الطَّرِيقُ وأَنْهجَتْ ... سُبُلُ المَكارمِ والهُدَى تُعْدِي
أَي تُعِينُ وتُقوِّي . أَنْهَجْتُ " الدَّابَّةَ " : إِذا " سارَ عليها حتى انْبَهَرَتْ " وأَعْيَتْ .
وفي حديث عُمَرَ رضي الله عنه : " فضَرَبه حتى أُنْهِج " : أَي وَقَعَ عليه الرَّبْوُ . وأَفعَلَ متعدٍّ . يقال : فُلانٌ يَنْهَجُ في النَّفَس فما أَدرِي ما أَنْهَجَه . أَنْهَجَ البِلَى " الثَّوْبَ أَخْلَقَه كنَهَجَه كمَنَعَه " يَنْهَجُه نَهْجاً . " ونَهجَ الثَّوْبُ مثلَّثةَ الهاءِ : بَلِيَ كأَنْهَجَ " فهو نَهِجٌ . وأَنْهَجَ : بَلِيَ ولم يَتشقَّقْ . وأَنْهَجَه البِلَى فهو مُنْهَجٌ . وقال ابنُ الأَعرابيّ : أَنْهَجَ فيه البِلَى : اسْتَطارَ . وأَنشد :
" كالثَّوْبِ " إِذْ أَنْهَجَ فيه البِلَى ... أَعْيَا علَى ذِي الحِيلَةِ الصَّانِع ا.هـ
وقال في لسان العرب: طريقٌ نَهْجٌ بَيِّنٌ واضِحٌ وهو النَّهْجُ قال أَبو كبير:
فأَجَزْتُه بأَفَلَّ تَحْسَبُ أَثْرَهُ ...... نَهْجاً أَبانَ بذي فَريغٍ مَخْرَفِ.
والجمعُ نَهجاتٌ ونُهُجٌ ونُهوجٌ قال أَبو ذؤَيب به رُجُماتٌ بينهنَّ مَخارِمٌ نُهوجٌ كلَبَّاتِ الهَجائِنِ فِيحُ وطُرُقٌ نَهْجَةٌ وسبيلٌ مَنْهَجٌ كَنَهْجٍ ومَنْهَجُ الطريقِ وضَحُه والمِنهاجُ كالمَنْهَجِ وفي التنزيل [لكلٍّ جعلنا منكم شِرْعةً ومِنْهاجاً].
وأَنهَجَ الطريقُ وضَحَ واسْتَبانَ وصار نَهْجاً واضِحاً بَيِّناً قال يزيدُ بنُ الخَذَّاقِ العبدي:
ولقد أَضاءَ لك الطريقُ وأَنْهَجَتْ سُبُلُ ...... المَكارِمِ والهُدَى تُعْدِي أَي تُعِينُ وتُقَوِّي.
والمِنهاجُ الطريقُ الواضِحُ واسْتَنْهَجَ الطريقُ صار نَهْجاً وفي حديث العباس: (لم يَمُتْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى تَرَكَكُم على طريقٍ ناهِجةٍ) أَي واضحةٍ بَيِّنَةٍ.
ونَهَجْتُ الطريقَ أَبَنْتُه وأَوضَحتُه يقال: اعْمَلْ على ما نَهَجْتُه لك ونَهَجتُ الطريقَ سَلَكتُه وفلانٌ يَستَنهِجُ سبيلَ فلانٍ أَي يَسلُكُ مَسلَكَه والنَّهْجُ الطريقُ المستقيمُ ونَهَجَ الأَمْرُ وأَنهَجَ لُغتانِ إِذا وضَحَ والنَّهَجةُ الرَّبْوُ يَعْلو الإِنسانَ والدابَّةَ قال الليث ولم أَسمَعْ منه فِعلاً وقال غيره أَنهَجَ يُنْهِجُ إِنهاجاً ونَهَجْتُ أَنهِجُ نَهْجاً ونهِجَ الرجلُ نَهَجاً وأَنْهَجَ إِذا انْبَهَرَ حتى يقع عليه النَّفَسُ من البُهْرِ وأَنهَجَه غيرُه يقال فلانٌ يَنْهَجُ في النفَسِ فما أَدري ما أَنهَجَه وأَنهَجتُ الدابَّةَ سِرْت عليها حتى انْبَهَرَتْ >
وفي حديث قُدومِ المُسْتَضعَفِينَ بمكة فنَهِجَ بين يَدَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قَضى النَّهَجُ بالتحريك والنَّهِيجُ الرَّبْوُ وتواتُرُ النَّفَسِ من شدَّةِ الحركةِ وأَفعَلَ مُتَعَدٍّ وفي حديث عمر رضي الله عنه فضَرَبَه حتى أُنْهِجَ أَي وقع عليه الرَّبْوُ يعني عمر وفي حديث عائشة فقادني وإِني لأَنْهَجُ وفي الحديث أَنه رأَى رجلاً يَنْهَجُ أَي يَرْبو من السِّمَن ويَلْهَثُ وأَنْهَجَتِ الدابةُ صارتْ كذلك وضَرَبَه حتى أَنْهَجَ أَي انْبَسَط وقيل بَكى ونَهَجَ الثوبُ ونَهُجَ فهو نَهِجٌ وأَنهَجَ بَلِيَ ولم يَتَشَقَّقْ وأَنْهَجَه البِلى فهو مُنْهَجٌ وقال ابن الأَعرابي أَنْهَجَ فيه البِلى اسْتَطار وأَنشد:
كالثوبِ أَنْهَجَ فيه البِلى ...... أَعْيا على ذي الحِيلَةِ الصانِع ا.هـ
ومما سبق يتضح أن هذه الكلمة ومشتقاتها لها عدة مدلولات في اللغة:
الأولى: الطريق أو الجادة التي يسلكها السالك في سيرة، فيقال طريقاً منهاجاً؛ موطؤة بالعادة لكثرة السالكين.
قال ابن الأثير في النهاية: وفي حديث عبد اللّه بن سَلاَم رضي اللّه عنه [وإذا جَوادُّ مَنْهج عن يَمِيني] الجَوادُّ : الطُّرُق واحدها جادّة وهي سَواء الطريق ووسَطه . وقيل هي الطَّريق الأعظم التي تجْمع الطُّرُق ولا بُدّ من المرور عليها ا.هـ
الثانية: الانقطاع أو السقوط، يقال: طَرَدْتُ الدَّابَّةَ حتى نَهَجَت.
الثالثة: الوضوح والبيان يقال: طريق (نهج) أي بين واضح.
الرابعة: البلى وتقادم العهد؛ يقال: أَنْهَجَ البِلَى " الثَّوْبَ أي أَخْلَقَه. قال أَبو عبيد المُنْهَج: الثوبُ الذي أَسرعَ فيه البِلَى.
الخامسة: سلوك الطريق : نهجت الطريق: سلكته، وفلان يستنهج سبيل فلان أي يسلك مسلكه، والنهج الطريق المستقيم.
المنهج في الكتاب والسنة:-
لم ترد لفظة (منهج) في كلام الله ، وإنما وردت كلمة (منهاج)،
قال تعالى: ((لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً)).
قال ابن عباس و الحسن و مجاهد : أي سبيلا وسنة. فالشرعة والمنهاج الطريق الواضح. تفسير البغوي [1/65].
وفي السنة النبوية:" تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون.....ثم تكون خلافة على منهاج النبوة" (رواه أحمد).
وفي حديث الرؤيا التي عبرها أبو بكر رضي الله عنه :"ثم يكون من بعدك رجل على منهاجك"(رواه أحمد).
وروى الدارمي عن العباس رضي الله عنه :"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما مات حتى ترك السبيل نهجاً واضحاً: فأحل الحلال وحرم الحرام، ونكح وطلق، وحارب وسالم..."
وفي حديث عبد الله بن سلام –رضي الله عنه- قال: بينا أنا نائم أتاني رجل فقال : قم فأخذ بيدي فانطلقت معه فإذا أنا بجواد عن شمالي فأخذت لآخذ فيها فقال لي : لا تأخذ فيها فإنها طرق أصحاب الشمال قال : وإذا جواد منهج عن يميني قال : لي : خذ ها هنا فأتى بي جبلا فقال لي : اصعد فوق هذا فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت على إستي حتى فعلته مرارا ثم انطلق حتى أتى بي عمودا رأسه في السماء وأسفله في الأرض وأعلاه حلقة فقال لي : اصعد فوق هذا فقلت : كيف أصعد فوق هذا ورأسه في السماء ؟ فأخذ بيدي فزحل بي فإذا أنا متعلق بالحلقة ثم ضرب العمود فخر وبقيت متعلقا بالحلقة حتى أصبحت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه فقال : ( أما الطريق الذي رأيت على يسارك فهي طريق أصحاب الشمال وأما الطريق الذي رأيت عن يمينك فهي طريق أصحاب اليمين والجبل هو منازل الشهداء ولن تناله وأما العمود فهو عمود الإسلام وأما العروة فهي عروة الإسلام ولن تزال مستمسكا بها حتى تموت ) صحيح ابن حبان (16/123).
قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم.
ويتضح لنا من هذا أن ورود المنهج أو النهج أو المنهاج في الكتاب والسنة لا يخرج عن المعنى اللغوي الذي ذكرناه سابقا
http://www.soutulhaq.com/ar/derasat/Show_archiv.php?id=10