المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شبه الطاعنين فـي حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف والرد عليها



فخر الدين المناظر
05-07-2007, 01:01 AM
لو تأمل المرء في شبهات الملاحدة وشبهات اللادينيين والشيعة والنصارى واليهود ومنكري السنة ... لوجدها متكررة ،، أو بمعنى أصح لوجدها هي هي ،، وحينما نرد على إحداها فنحن نرد على كل هؤلاء الطوائف .واليوم سوف نرد على شبهة حديث نزول القرآن على سبعة أحرف ،، على أن نبين في القريب العاجل معنى نزول القرآن على الأحرف السبعة ، ومتبوعا بمقال آخر لبيان أن الأحرف السبعة أعم من القراءات السبع إن شاء الله تعالى.
حديث نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف طعن فيه الرافضة قديماً، وزعموا بأنه يثبت كفر الصحابة بوقوع التحريف اللفظي في القرآن الكريم، وهم كفار بذلك مشركون عند جميع أهل الإسلام!!!

وقديماً كان الإمام ابن حزم يرد على مزاعم وطعون قساوسة النصارى بأن القرآن فيه تحريف ونقص، وضاع كثير من أصوله وقراءاته باعتراف المسلمين من الشيعة الرافضة
فيجيبهم ابن حزم بقوله : "إن دعوى الشيعة ليست حجة على القرآن ولا على المسلمين، لأن الشيعة غير مسلمين … إنما هي فرق حدث أولها بعد موت النبي ( ص ) بخمس وعشرين سنة، وكان مبدؤها إجابة من خذله الله تعالى لدعوة من كاد للإسلام، وهى طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى في الكذب والكفر"

ومن طعون الرافضة، استدل إخوانهم من المستشرقين، وتكلموا كثيراً في موضوع القراءات بالأحرف السبعة محاولين إثبات أن هذه القراءات ليست من الوحي أساساً، وإنما نجمت عن "القراءة بالمعنى"، فلم يكن نص القرآن بحروفه بالنسبة لبعض المؤمنين هو المهم، ولكن المهم هو روح النص، ودليلهم ما جاء في بعض الروايات وفيها "كلها شاف كاف، ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب، نحو قولك : تعال وأقبل، وهلم، واذهب، وأسرع، وعجل"
ولعل أول من ذهب إلى ذلك من المستشرقين جولدتسيهر، في كتابه "مذاهب التفسير الإسلامي" حيث ذهب إلى أن اختلاف القراءات القرآنية راجع إلى خلو المصاحف العثمانية من النقط والشكل إذ يقول وهو يتحدث عن اختلاف القراءات القرآنية : "وإذاً فاختلاف تحلية هيكل الرسم بالنقط، واختلاف الحركات في المحصول الموحد الغالب من الحروف الصامتة، كانا هما السبب الأول في نشأة حركة اختلاف القراءات، في نص لم يكن منقوطاً أصلاً، أو لم تتحر الدقة في نقطه أو تحريكه"!!!

وردد هذا الرأي المستشرق الاسترالي الأصل "آرثرجفري" وذكره في مقدمة تحقيقه لكتاب "المصاحف" لابن أبي داود قال : "وكانت هذه المصاحف التي بعثها عثمان إلى الأمصار؛ كلها خالية من النقط والشكل، فكان على القارئ نفسه أن ينقط، ويشكل هذا النص على مقتضى معاني الآيات"

ونتيجة ذلك كله هي القول بحدوث تغيير في النص القرآني ، وقد تابع هذين المستشرقين بعض العلماء العرب الحداثيون والأدبيون، من الجامعيين وغيرهم، وأذاعوه في كتبهم

يقول الدكتور طه حسين : "إن القرآن تلي بلغة واحدة، ولهجة واحدة هي لغة قريش ولهجتها، لم يكد يتناولها القراء من القبائل المختلفة حتى كثرت قراءاته، وتعددت اللهجات فيه، وتباينت تبايناً كثيراً … إلى أن يقول : "والحق أن ليست هذه القراءات السبع من الوحي في قليل ولا كثير، وليس منكرها كافراً ولا فاسقاً ولا مغتمزاً في دينه، وإنما هي قراءات مصدرها اللهجات واختلافها،للناس أن يجادلوا فيها وأن ينكروا بعضها ويقبلوا بعضها"

ويقول الدكتور أحمد حجازي السقا بعد ذكره حديث عمر :radia: في نزول القرآن على سبعة أحرف قال : "هذه الرواية التي اتفق عليها البخاري والمحدثون، وشبهها كثير تثبت التحريف اللفظي في القرآن، فإن هذه الرواية وشبهها يكونون من الروايات الكاذبة التي وضعها المحدثون عمداً في كتبهم للطعن في القرآن الكريم"

ويجاب على ما سبق بالآتي :

أولاً : حديث "أنزل القرآن على سبعة أحرف" جاء متواتراً عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم فأورده الحافظ السيوطي في الأزهار المتناثرة من حديث عمر، وعثمان، وأبى بن كعب، وأنس، وحذيفة بن اليمان، وزيد بن أرقم، وسمرة بن جندب، وسليمان بن صرد، وابن عباس، وابن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف، وعمر بن أبى سلمة، وعمرو بن العاص، ومعاذ ابن جبل، وهشام بن حكيم، وأبي بكرة، وأبي جهم، وأبي سعيد الخدري، وأبي طلحة، وأبي هريرة، وأم أيوب، وزاد الكتاني حديث ابن عمر، وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمرو ابن العاص، فهؤلاء أربع وعشرون صحابياً، ما منهم إلا رواه وحكاه
ونكتفي هنا بسرد بعض الروايات عن بعضهم
روى البخاري ومسلم ففي الصحيحين عن ابن عباس – رضي الله عنهما –؛ أنه قال : قال رسول الله ( ص ) : "أقرأني جبريل على حروف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف" زاد مسلم : "قال ابن شهاب : بلغني أن تلك السبعة في الأمر الذي يكون واحداً لا يختلف في حلالٍ ولا حرام"

وفى الصحيحين أيضاً أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول : سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله ( ص ) ، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة، لم يقرئنيها رسول الله ( ص ) ، فكدت أساوره في الصلاة، فانتظرت حتى سلم، ثم لببته بردائه، فقلت : من أقرأك هذه السورة؟ قال : أقرأنيها رسول الله قلت له : كذبت فوالله إن رسول الله أقرأني هذه السورة التى سمعتك تقرؤها، فانطلقت أقوده إلى رسول الله فقلت : يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، وأنت أقرأتني سورة الفرقان فقال رسول الله : أرسله يا عمر : اقرأ يا هشام، فقرأ هذه القراءة التى سمعته يقرؤها قال رسول الله هكذا أنزلت ثم قال رسول الله : "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه"

وروى مسلم بسنده عن أبى بن كعب :radia: قال : "كنت في المسجد، فدخل رجل يصلى، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر، فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعاً على رسول الله ، فقلت : إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبة0 فأمرهما رسول الله فقرأ، فحسن النبي شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب وَلاَ إِذْ كنتُ في الجاهلية فلما رأى رسول الله ما قد غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقاً، وكأنما انظر إلى الله فرقاً فقال لي : يا أُبي‍ أُرسلَ إِليَ : أن اقرأ القرآن على حرف فرددت إليه : أن هون على أمتي، فرد إلى الثانية : اقرأه على حرفين فرددت إليه : أن هون على أمتي، فرد إلى الثالثة : اقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردةٍ رددتها مسألة تسألينها، فقلت : "اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى الخلق كلهم حتى إبراهيم "

ومن هذه الروايات المتفق على صحتها يظهر إفك من زعم بأن روايات نزول القرآن على سبعة أحرف مكذوبة، كما يظهر إفك من زعم أن القرآن نزل بحرف واحد فقط.

وظهر في الروايات السابقة : أن اختلاف القراء إنما حدث فى حياة الرسول ( ص ) فيما تلاه عليهم وسمعوه منه مشافهة، ولم يأت هذا الخلاف نتيجة النظر فى المصحف المكتوب المقروء الخالي من النقط والشكل،كما زعم جولدتسيهر،وآرث جفري ومن قال بقولهم.

ثانياً : لو كان خلو المصاحف من الشكل والإعجام سبباً فى تنوع القراءات واختلافها، لكان القارئ الذى يقرأ الكلمة وفق رسم معين، يلتزمه فى أمثاله ونظائره حيث وقع في القرآن الكريم، ولم يحدث هذا، وإليك مثالاً واحداً
قوله تعالى فى فاتحة الكتاب { مَالِكِ يَوْمِ الدِّين } وقوله سبحانه {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ } وقوله تعالى في سورة الناس {مَلِكِ النَّاسِ} فلو تأملت المواضع الثلاثة فى المصحف لوجدت الكلمة فيها كلها هكذا "ملك" بالميم واللام والكاف فقط، ولكن حفصاً يقرأ عن عاصم، فى الفاتحة "مالك" بالألف بعد الميم، وكذلك يقرأ آية آل عمران، أما فى سورة الناس فيقرأ "ملك" من دون الألف كان حفص يقرأ وفق رسم المصحف لقرأ في المواضع الثلاثة "ملك"، ولكنه يقرأ بالرواية المتواترة عن رسول الله.

وكذلك قد تختلف القراءات أحياناً لغة ونحواً، وهكذا يبدو للناس فى ظاهر الأمر، ولكن الاختلاف فى الحقيقة راجع إلى التلقي والرواية، لا إلى القاعدة اللغوية أو النحوية وهذا مثال واحد : قال الله تعالى : {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} جاءت هذه الآية فى موضعين ويقرأ القراء جميعاً "كلاً" بالنصب فى الآيتين، لكن ابن عامر يقرأ آية النساء بالنصب؛ كسائر القراء،أما آية الحديد فيقرأها وحده"وكل" بالرفع،وللنحويين فى توجيه الرفع والنصب كلام.

فلو كان ابن عامر يقرأ وفق القاعدة النحوية لقرأ الآيتين بالرفع، ولكنه قرأ بالرواية التى تلقاها هو بالتواتر عن سيدنا رسول الله ( ص ) : مرة بالنصب، ومرة بالرفع، مع أن تركيب الآية واحد فى الموضعين.

ومثال ثان : الإمالة ظاهرة صوتية، وهى "ان تنحيى بالألف نحو الياء، فيلزم أن تنحى بالفتحة قبلها نحو الكسرة"، وهى لغة بعض القبائل العربية، وقد قرأ بها بعض القراء، والتزموها حيث وجدت دواعيها فى القرآن الكريم، لكن حفصاً الذى يقرأ بقراءته، كثير من المسلمين الآن بروايته عن عاصم [ خاصة أحبابنا المصريون والسعوديون ]، لم يقرأ بالإمالة إلا في موضع واحد من الذكر الحكيم وهو قوله تعالى {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا}

وهكذا يختلف القراء ويتفقون بحسب الرواية والتلقي، وليس بحسب رسم المصحف أو الوجه النحوي أو اللغوي، صحيح أن هذين فى الاعتبار، ولكن بعد ثبوت الرواية بالتواتر، والسند الصحيح إلى رسول الله ( ص ) ، وموافقة الرسم العثماني، وأن يكون للقراءة وجه صحيح من العربية.
فإذا سمعت قراءة مسندة لواحد من القراء السبعة أو العشرة؛ كأن يقال : قراءة نافع أو عاصم أو الكسائي، فلا تظن أنها من اختراعه أو ابتداعه، ولكنها اختياره الذى ارتضاه من طريق الرواية المسندة الصحيحة .. ولذلك أثر عن أبي عمرو بن العلاء وهو أحد القراء السبعة قوله "لولا أنه ليس لى أن أقرأ إلا بما قرئ به لقرأت كذا وكذا وذكر حروفاً"

ويريد أبو عمرو أن القراءة سنة واتباع وأثر، ولا دخل فيها للسليقة أو الاستحسان اللغوي أو الترجيح النحوي أو رسم المصحف، ومن ثم يرى كثير من العلماء أن ترجيح قراءة متواترة على قراءة متواترة لا يجوز. يقول أبو العباس ثعلب "إذا اختلف الإعراب فى القرآن عن السبعة، لم أفضل إعراباً على إعراب فى القرآن، فإذا خرجت إلى الكلام، كلام الناس فضلت الأقوى"
وطبعا كل بلد من بلاد المسلمين أصبحت معروفة بقراءة ،، فيقرأ أهل المغرب على سبيل المثال برواية ورش عن نافع ...

قـراءات ربانيـة :

يقول الدكتور محمود الطناحي : "فثبت إذن أن القراءات القرآنية كلها بوجوهها المختلفة من عند الله، ولا دخل لخط المصحف فيها، ولا للوجوه النحوية أو اللغوية فيها كذلك، وثبت أيضاً أن اختلاف القراءات القرآنية إنما هو اختلاف تنوع،لا اختلاف تضاد"

واعلم أن معنى قول "أبى بن كعب" :radia: "فسقط فى نفسى من التكذيب إلخ" أن الشيطان ألقى إليه من وساوس التكذيب ما شوش عليه حاله، حين رأى النبى ( ص ) ، قد حسن القراءتين وصوبهما على ما بينهما من اختلاف، وكانتا فى سورة واحدة هى سورة النحل على ما رواه الطبرى وكأن الذي مر بخاطره وقتئذ أن هذا الاختلاف فى القراءة ينافى أنه من عند الله لكنه كان خاطراً من الخواطر الرديئة التى لا تنال من نفس صاحبها منالاً، ولا تفتنها عن عقيدة، ولا يكون لها أثر باق، ولا عمل دائم.

ومن رحمة الله بعباده؛ أنه لا يؤاخذهم بهواجس النفوس وخلجات الضمائر العابرة، ولكن يؤاخذهم بما كسبت قلوبهم، حين يفتح الإنسان للشبهة صدره، ويوجه إليها اختياره وكسبه، ثم يعقد عليها فؤاده وقلبه.

قال القرطبي : "فكان هذا الخاطر الذى سقط فى نفس أبي من قبيل ما قال فيه النبى صلى الله عليه وسلم حين سألوه : إنا نجد فى أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال : أوقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال ذلك صريح الإيمان"

ومن هنا تعلم أن ما خطر لسيدنا أبى بن كعب، لا يمس مقامه، ولا يصادم إيمانه، ما دام قد دفعه بإرشاد رسول الله ( ص ) سريعاً حتى قال أُبي نفسه : "ففضت عرقاً، وكأنى انظر إلى الله فرقاً"

أضف إلى ما ذكرنا أن خصومة أبي بن كعب، وعمر وغيرهم من الصحابة فى أمر اختلاف القراءة على هذا النحو، إنما كانت قبل أن يعلموا أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فهم وقتئذٍ كانوا معذورين، بدليل أنهم لما علموا بذلك، واطمأنت إليه نفوسهم، عمل كل منهم بما علم، وصاروا مراجع مهمة من مراجع القرآن الكريم على اختلاف رواياته.

يدل على ذلك ما روى عن أبى ابن كعب قال : لقى رسول الله جبريل فقال يا جبريل إنى بعثت إلى أمة أميين : منهم العجوز، والشيخ الكبير، والغلام، والجارية، والرجل، الذى لم يقرأ كتاباً قط، قال : يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف"

أما ما زعمه دعاة اللادينية أن القراءات ليست من الوحي، ومصدرها لهجات القبائل المختلفة، فهذا كذب آخر يبطله أن المختلفين فى الخبر المذكور الذى أوردناه آنفاً كل منهما قرأ سورة الفرقان بحرفين مختلفين، كانا جميعاً بني عم قرشيين، من قريش البطاح، من قبيلة واحدة، جاران ساكنان فى مدينة واحدة، وهى مكة، لغتهما واحدة، وهما عمر بن الخطاب بن نفيل ابن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قريط بن رزاح بن عدي بن كعب، وهشام بن حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن كلاب بن مرة بن كعب، ويجتمعان جميعاً فى كعب بن لؤى، بين كل واحد منهما، وبين كعب بن لؤى، ثمانية آباء فقط.

فظهر كذب من ادعى أن اختلاف الأحرف، إنما كان لاختلاف لغات قبائل العرب، وأبى ربك إلا أن يحق الحق، ويبطل الباطل، ويظهر كذب الكاذب، ونعوذ بالله العظيم من الضلال والعصبية للخطأ.