المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المثالية الأصلية .. ورحلة إلى أعماق العقل الأول .. هــــام



elserdap
06-08-2007, 02:37 AM
المثالية الأصلية
إذا ذهبنا نقارن بين الإنسان البدائي وبين أكثر أنواع الحيوان تقدما لوجدنا أن هناك فرقا جوهريا ملازما .. انظر مثلا إلى قطيع من الحيوانات وهي تبحث عن الطعام وتتصارع من اجل البقاء ثم انظر إلى إنسان بدائي خائف مشوش بمعتقداته ومُحرماته الغريبة أو غارق في أسراره ورموزه الغامضة .. هذا الفرق بين المجموعتين لا يمكن رده إلى مجرد اختلاف في مراحل التطور فحسب
إن معنى حياة الإنسان لا يتحقق إلا بإنكار الحيوان الذي بداخله فإذا كان الإنسان هو ابن الطبيعة كما يقولون فكيف تسنى له أن يبدأ في معارضة الطبيعة ؟؟
إن فكرة أن يضحي الإنسان بنفسه في سبيل الآخرين أو أن يرفض بعض رغباته أو أن يقلل من حدة ملذاته الجسدية فكل هذا لا يأتي من ناحية عقله وبديهي لا يأتي من ناحية بنوته للحيوان ?‍‍‍‍..
ربما كان الإنسان مشتركا بشيء ما مع عالم الحيوان مثل الذكاء والشعور ومحاولة تطوير النفس لكن ليس في عالم الحيوان شيء ما يشبه – حتى بشكل بدائي- الدين أو المحرمات أو المحظورات الأخلاقية إلى غير ذلك مما يحيط بحياة الإنسان منذ تقرر وجوده على الأرض إلى يومنا هذا .
من اليسير أن تفهم منطق حيوان يقاتل من أجل البقاء لكن من العسير جدا أن تفهم منطق ذلك الإنسان البدائي الذي قبل أن يخرج للصيد يُخضع نفسه لأنواع مختلفة من المحرمات كالصيام والصلوات وأن يمارس طقوس خاصة وإذا ما بدأ الصيد فإن كل مرحلة عنده لها شعائرها الخاصة .. وقد قسَّم هوبرت HUBERT وموس MAUSSهذه الطقوس إلى طقس للتطهير وطقوس للترشيح وطقوس للقبول
فالإنسان صانع العبادات والمُعتقدات والطقوس والرسوم على الكهوف وإنشاد المزامير دائم التطلع إلى عالم آخر حقيقي وكأنه قد استقر في وعيه ملامح هذا العالم وكأنه كان فيه يوما ما ثُم طُرد منه ..
يقول ولز : لقد جرت الحضارة الآزتية AZTEC في المكسيك بصفة خاصة عن طريق تقديم آلاف التضحيات البشرية كل عام * إنها مفاهيم ومنطق عجيب لا ينطبق على إنسان دارون ولكن ربما انطبق على إنسان سماوي يحاول العودة لذلك العالم الجميل عالم السماء بتقديم أغلى ما عنده وتضحيته بنفسه
انظر للطقوس التي يمارسها أهل الأديان المختلفة من أجل استنزال المطر إنها أنماط سلوكية لم نر شيئا مثلها عند أرقى الحيوانات إنها أنماط ملازمة للإنسان تتعلق بمعاناته وضلاله
إن ظهور المحظورات وأفكار النجاسة والسمو واللعنة والقداسة يرتبط بالإنسان أينما حل وحيثما ارتحل .. إننا لو كُنا حقا أبناء هذا العالم لن يبدو لنا فيه شيء نجس أو مقدس .. إن لنا أصلا آخر لا نستطيع أن نتذكر شيئا عنه لكنه مستقر في وجداننا يفرض نفسه علينا رغما عنا يُجبرنا على التضحية ونحن راضين فرحين..
لقد وُجدت التضحية والطقوس في جميع الأديان بلا استثناء وظلت طبيعتها غير مُبررة بل غامضة .. إنها في الحقيقة من نظام آخر ومن عالم آخر إن التضحية تمثل ظهور مبدأ جديد مناقض لمبدأ المصلحة والمنفعة المعروف عند الحيوان .. المصلحة والمنفعة حيوانية بينما التضحية إنسانية .. المصلحة إحدى الأفكار الأساسية في الرقي الاقتصادي بينما التضحية هي إحدى المبادئ الأساسية في الدين .. المصلحة أرضية بينما التضحية سماوية ..
إن ظاهرة التضحية وظاهرة الطقوس الغامضة وظاهرة التدين تشير بطريقتها الخاصة إلى أصالة ظهور الإنسان
وهكذا يبدو أن الإنسان لا يسلك في حياته كابن للطبيعة بل كمغترب عنها إن أكثر الناس أمنا واستقرارا في عالمنا المعاصر ينتابه نفس النوع من الخوف الروحي الكوني البدائي التي كان ينتاب الإنسان الأول إنه نوع من الخوف موصول بأسرار الوجود الإنساني وألغازه .. إن هذا النوع من الخوف هو الذي أطلق عليه مارتن هيدجر إسم (( العامل الخالد الأزلي المحدد للوجود الإنساني )) إنه نوع من الخوف لا ينفك عن أحد من البشر إنه يجبرهم على البحث عمن يضحون من اجله وتختلف الأديان في تصورها للإله لكن تتفق جميعا في ماذا يريد الله منها

أصل الدوار الميتافيزيقي
الصراع الدائم بين المصلحة والضمير التساؤل عن وجودنا الخير والشر الأخلاق والقِّيم حتى أكثر الناس زهدا في الخير يحاول ألا يُعرف عنه إلا الخير إنها ألغاز لا يفسرها إنسان دارون وإنما إنسان السماء
إن ظاهرة الحياة الجوانية والتأمل في الذات والتطلع إلى السماء وهي ظواهر ملازمة للإنسان غريبة عن الحيوان هذه الظواهر تظل مستعصية على أي تفسير منطقي ويبدو أنها نزلت من السماء نزولا حرفيـا وأنها ليست نتاج التطور الدارويني فإنها تقف متعالية عنه مفارقة له
يقول هنري سيمل إن رجل الكهف الذي عانى من الدوار الميتافيزيقي قبل آلاف السنين لا يزال هذا الدوار هو مرض الإنسان الحديث ** بل المدهش أنه كلما ابتعد الإنسان عن معتقده كلما زاد الدوار عليه إنه يرغمه أن يبحث عن ذاته .. من الواضح أن هذا ليس استمرارا لتطور بيولوجي ولكنه فصل من فصول المأساة التي كانت قد بدأت بمقدمة من السماء .
الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون .. إن الأمن الروحي والسلام مع النفس مسألة تحددها السماء لا الأرض
إن الإنسان الذي يريده دارون هو ذلك القزم الخارق الذي خرج من أنبوبة اختبار الدكتور فاوست ذلك الإنسان الأمثل أو السوبر مان الذي تغنى به نيتشه إنه إنسان متحرر من التحيز الأخلاقي يصهر الأرض ليشبع ملذاته إنه بدون حياة جوانية إن فاوست صنع لنا قردا ذكيا لا إنسانا محترما إنها انتكاسه للتطور إن إنسان دارون يهدم نظرية دارون بنفسه

الفن التشكيلي وعلاقته بالوثنية القديمة
الفن في البداية والنهاية هو ثمرة العلاقة بين الروح والحقيقة
الفن التشكيلي هو فن وثني في أصله ( وبالأدق صار وثنيا ) ولعل في هذا تفسير لحساسية الإسلام وبعض أديان أُخرى تُحرم التجسيد ويبدو أنه علينا أن نعود إلى عصور ما قبل التاريخ لكي نفهم جذور هذا الفن في الدين وكيف أن الدين والفن والأخلاق البدائية جميعا ذات مصدر واحد هو شوق الإنسان إلى عالم مجهول ولو عُدنا بالتاريخ للوراء لبدا لنا كُل شيء مُشوشا فلم يحفظ لنا التاريخ كيف نشأ الدين وكل الأبحاث في ذلك ما هي إلا استنتاجات واقتراحات وبينما يرى باسكال ولانج أن التوحيد هو العبادة الأولى للإنسان البدائي وأن تعدد الآلهة جاء كمرحلة تالية في كل عصر نتيجة تزييف السحرة والكهان يرى غيرهم من العلماء أن التعدد قد جاء أولا والتوحيد أتى في مرحلة تالية لكن اتفقوا جميعا على أن إنسان العصر الحجري القديم كان أكثر رقيا من الناحية الروحية عن إنسان العصر الحجري الحديث وهذا ما أكده ول ديورانت بصراحة في كتابه قصة الحضارة ولكنه أضاف إضافة مدهشة إذ اعتبر أن الرقي الروحي في كل عصر مرتبط بالتوحيد فكلما ارتقى الإنسان روحيا كلما مال إلى التوحيد ولذا يبدو فعلا أن التوحيد سبق التعدد وهذا ما يوافق التصور ويوافق أيضا ما تقول به الأديان بصراحة
ولذا لم يتردد جوستاف لوبون حين قال أن الإسلام هو أنقى أديان التوحيد ***

أنسنة الحضارة
لقد انصَّب في وعي الإنسان أنه مختلف عن الحيوان فالحيوان لا يتمرد على مصيره الحيواني بينما الإنسان وحده هو الذي يتمرد
لماذا يصبح الناس نفسيا أقل شعورا بالاكتفاء عندما تتوافر لهم مُتع الحياة المادية لماذا تتناسب زيادة حالات الانتحار والأمراض النفسية تناسبا طرديا مع زيادة مُتع الحياة ؟؟ لماذا لا يعني التقدم مزيدا من الإنسانية .. لماذا أخذت الحضارة السلام الروحي للإنسان إننا لا نُريد هدم الحضارة فقط نريد أنسنتها
إن عالم نيوتن عن الكون هو عالم ثابت ومنطقي ودائم وكذا إنسان دارون فإنه إنسان بسيط ذو بعد واحد إنه يُشبع حاجاته وأهدافه من اجل عالم وظيفي لكن أينشتاين هدم كون نيوتن وكذا فعلت الفلسفة التشاؤمية مع إنسان دارون
الإنسان مُتعذر فهمه .. غير راض .. معذب بالخوف والشك فإذا صَّح لنا أننا نرتفع من خلال المعاناة وننحط بالاستغراق في المُتع فذلك لأننا نختلف عن الحيوانات إن الإنسان ليس مُفصلا على طراز دارون كما أن الكون ليس مُفصلا على طراز نيوتن

____________________

*WELLS: SHORT HISTORY OF THE WORLD P.55
** SIMLE بحث في علوم الحفريات قُدم في نيس
*** LE LOBON
### بعض الفقرات في هذا المقال مقتبسة من كتاب الإسلام بين الشرق والغرب للأُستاذ علي عزت

elserdap
06-08-2007, 02:52 AM
http://www.alderspring.com/animals/html/cow_eat_grass_vt.JPG
http://www.lotzdollpages.com/pixhitty/pixhtrav/bjmonk1a.jpg
http://www.sacsplash.org/cimages/GarterSnake.jpg

هل تعاني هذه الحيوانات من دوار ميتافيزيقي

محمد أحمد محمود
06-08-2007, 04:48 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيك وتقبل منك هذا العرض الرائع...فالكل يقف ضد وهمية التطور ..وأول مايقف ضدها هوالعقل لأنها موغلة في الخرافة فما هي إلا امتداد طبيعي لخرافات الوثنيين القدماء الذين انحرفوا عن الحق يقول مالك بن نبي في كتابه الظاهرة القرآنية..
’مالفرق بين ذلك النيجيري علي شاطئ نهره يزعم أنه انحدر من تمساح وذلك الباحث في معمله يزعم أن جده قرد’
وكذلك يقف التاريخ ضدها والواقع وماهي إلا كالخرافات التي طرقت وتطرق وتطرأ علي العالم قديما وحديثا .. والله هو الهادي
فاللهم نسألك رب الهدي والثبات

ابن شري
06-09-2007, 12:51 AM
جزيت خيرا اخي الكريم...

منطق جميل جدا...