المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المناظرة المبهرة لشيخ الإسلام رحمه الله مع البطائحية .



حسام الدين حامد
01-31-2005, 03:07 AM
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله رب السموات والأرضين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خاتم النبيين، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تسليمًا دائمًا إلى يوم الدين‏.‏

أما بعد، فقد كتبت ما حضرني ذكره في المشهد الكبير بقصر الإمارة والميدان بحضرة الخلق من الأمراء والكتاب والعلماء والفقراء العامة وغيرهم في أمر ‏[‏البطائحية‏]‏ يوم السبت تاسع جمادي الأولى سنة خمس، لتشوف الهمم إلى معرفة ذلك وحرص الناس على الاطلاع عليه، فإن من كان غائبًا عن ذلك قد يسمع بعض أطراف الواقعة، /ومن شهدها فقد رأى وسمع ما رأى وسمع، ومن الحاضرين من سمع ورأى ما لم يسمع غيره ويره لانتشار هذه الواقعة العظيمة، ولما حصل بها من عز الدين، وظهور كلمته العليا، وقهر الناس على متابعة الكتاب والسنة، وظهور زيف من خرج عن ذلك من أهل البدع المضلة، والأحوال الفاسدة والتلبيس على المسلمين‏.‏

وقد كتبت في غير هذا الموضع صفة حال هؤلاء ‏[‏البطائحية‏]‏، وطريقهم وطريق ‏[‏الشيخ أحمد بن الرفاعي‏]‏ وحاله، وما وافقوا فيه المسلمين وما خالفوهم، ليتبين ما دخلوا فيه من دين الإسلام وما خرجوا فيه عن دين الإسلام، فإن ذلك يطول وصفه في هذا الموضع، وإنما كتبت هنا ما حضرني ذكره من حكاية هذه الواقعة المشهورة في مناظرتهم ومقابلتهم‏.‏

وذلك أني كنت أعلم من حالهم بما قد ذكرته في غير هذا الموضع ـ وهو أنهم وإن كانوا منتسبين إلى الإسلام وطريقة الفقر والسلوك ويوجد في بعضهم التعبد والتأله والوجد والمحبة والزهد والفقر والتواضع ولين الجانب والملاطفة في المخاطبة والمعاشرة والكشف والتصرف ونحو ذلك ما يوجد ـ فيوجد أيضًا في بعضهم من الشرك وغيره من أنواع الكفر، ومن الغلو والبدع في الإسلام والإعراض عن كثير مما جاء به الرسول، والاستخفاف بشريعة الإسلام، والكذب والتلبيس، /وإظهار المخارق الباطلة وأكل أموال الناس بالباطل، والصد عن سبيل الله ما يوجد‏.‏

وقد تقدمت لي معهم وقائع متعددة بينت فيها لمن خاطبته منهم ومن غيرهم بعض ما فيهم من حق وباطل، وأحوالهم التي يسمونها الإشارات، وتاب منهم جماعة، وأدب منهم جماعة من شيوخهم، وبينت صورة ما يظهرونه من المخاريق‏:‏ مثل ملابسة النار والحيات، وإظهار الدم، واللاذن ‏[‏اللاذن واللاذنة من العلوك، وقيل‏:‏ هو دواء بالفارسية، وقيل ‏:‏هو ندى يسقط على الغنم في بعض جزائر البحر‏.‏انظر‏:‏ اللسان، مادة ‏"‏لذن‏"‏‏]‏ والزعفران وماء الورد والعسل والسكر وغير ذلك، وإن عامة ذلك عن حيل معروفة وأسباب مصنوعة، وأراد غير مرة منهم قوم إظهار ذلك فلما رأوا معارضتي لهم، رجعوا ودخلوا على أن أسترهم فأجبتهم إلى ذلك بشرط التوبة، حتى قال لي شيخ منهم في مجلس عام فيه جماعة كثيرة ببعض البساتين لما عارضتهم بأني أدخل معكم النار بعد أن نغتسل بما يذهب الحيلة، ومن احترق كان مغلوبًا، فلما رأوا الصدق أمسكوا عن ذلك‏.‏

وحكى ذلك الشيخ أنه كان مرة عند بعض أمراء التتر بالمشرق، وكان له صنم يعبده، قال‏:‏ فقال لي‏:‏ هذا الصنم يأكل من هذا الطعام كل يوم ويبقى أثر الأكل في الطعام بينا يرى فيه ‏!‏‏!‏ فأنكرت ذلك، فقال لي‏:‏ إن كان يأكل أنت تموت ‏؟‏ فقلت‏:‏ نعم، قال‏:‏ فأقمت عنده إلى نصف النهار ولم يظهر في الطعام أثر ‏!‏ فاستعظم ذلك /التتري وأقسم بأيمان مغلظة أنه كل يوم يرى فيه أثر الأكل، لكن اليوم بحضورك لم يظهر ذلك، فقلت لهذا الشيخ‏:‏ أنا أبين لك سبب ذلك‏.‏ ذلك التتري كافر مشرك، ولصنمه شيطان يغويه بما يظهره من الأثر في الطعام، وأنت كان معك من نور الإسلام وتأييد الله تعالى ما أوجب انصراف الشيطان عن أن يفعل ذلك بحضورك، وأنت وأمثالك بالنسبة إلى أهل الإسلام الخالص كالتتري بالنسبة إلى أمثالك، فالتتري وأمثاله سود، وأهل الإسلام المحض بيض، وأنتم بلق فيكم سواد وبياض، فأعجب هذا المثل من كان حاضرًا‏!‏

وقلت لهم في مجلس آخر، لما قالوا‏:‏تريد أن نظهر هذه الإشارات ‏؟‏قلت‏:‏إن عملتموها بحضور من ليس من أهل الشأن ـ من الأعراب والفلاحين، أو الأتراك أو العامة أو جمهور المتفقهة والمتفقرة والمتصوفة ـ لم يحسب لكم ذلك‏.‏ فمن معه ذهب فليأت به إلى سوق الصرف إلىّ عند الجهابذة الذين يعرفون الذهب الخالص من المغشوش ومن الصفر، لا يذهب إلى عند أهل الجهل بذلك‏.‏ فقالوا لي‏:‏ لا نعمل هذا إلا أن تكون همتك معنا، فقلت‏:‏همتي ليست معكم، بل أنا معارض لكم مانع لكم، لأنكم تقصدون بذلك أبطال شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان لكم قدرة على إظهار ذلك فافعلوا‏.‏ فانقلبوا صاغرين‏.‏

/فلما كان قبل هذه الواقعة بمدة كان يدخل منهم جماعة مع شيخ لهم من شيوخ البر، مطوقين بأغلال الحديد في أعناقهم، وهو وأتباعه معروفون بأمور، وكان يحضر عندي مرات فأخاطبه بالتي هي أحسن، فلما ذكر الناس ما يظهرونه من الشعار المبتدع الذي يتميزون به عن المسلمين، ويتخذونه عبادة ودينًا يوهمون به الناس أن هذا لله سر من أسرارهم، وإنه سيماء أهل الموهبة الإلهية السالكين طريقهم ـ أعني طريق ذلك الشيخ وأتباعه ـ خاطبته في ذلك بالمسجد الجامع، وقلت‏:‏ هذا بدعة لم يشرعها الله تعالى ولا رسوله، ولا فعل ذلك أحد من سلف هذه الأمة ولا من المشايخ الذين يقتدى بهم، ولا يجوز التعبد بذلك، ولا التقرب به إلى الله؛ لأن عبادة الله بما لم يشرعه ضلالة، ولباس الحديد على غير وجه التعبد قد كرهه من كرهه من العلماء للحديث المروي في ذلك وهو أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم رأى على رجل خاتمًا من حديد فقال‏:‏ ‏(‏مالي أرى عليك حلية أهل النار‏)‏‏.‏

وقد وصف الله تعالى أهل النار بأن في أعناقهم الأغلال، فالتشبه بأهل النار من المنكرات، وقال بعض الناس‏:‏ قد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الرؤيًا، قال في آخره‏:‏ ‏(‏أحب القيد وأكره الغل‏.‏ القيد ثبات في الدين‏)‏ فإذا كان مكروهًا في المنام فكيف في اليقظة‏؟‏‏!‏

فقلت له في ذلك المجلس ما تقدم من الكلام أو نحوًا منه مع /زيادة، وخوفته من عاقبة الإصرار على البدعة، وأن ذلك يوجب عقوبة فاعله، ونحو ذلك من الكلام الذي نسيت أكثره لبعد عهدي به، وذلك أن الأمور التي ليست مستحبة في الشرع لا يجوز التعبد بها باتفاق المسلمين، ولا التقرب بها إلى الله ولا اتخاذها طريقًا إلى الله وسببًا لأن يكون الرجل من أولياء الله وأحبائه، ولا اعتقاد أن الله يحبها أو يحب أصحابها كذلك، أو أن اتخاذها يزداد به الرجل خيرًا عند الله وقربة إليه، ولا أن يجعل شعارًا للتائبين المريدين وجه الله، الذين هم أفضل ممن ليس مثلهم‏.‏

فهذا أصل عظيم تجب معرفته والاعتناء به، وهو أن المباحات إنما تكون مباحة إذا جعلت مباحات، فأما إذا اتخذت واجبات أو مستحبات كان ذلك دينًا لم يشرعه الله، وجعل ما ليس من الواجبات والمستحبات منها بمنزلة جعل ما ليس من المحرمات منها، فلا حرام إلا ما حرمه الله، ولا دين إلا ما شرعه الله، ولهذا عظم ذم الله في القرآن لمن شرع دينًا لم يأذن الله به، ولمن حرم ما لم يأذن الله بتحريمه فإذا كان هذا في المباحات فكيف بالمكروهات أو المحرمات‏؟‏‏!‏ ولهذا كانت هذه الأمور لا تلزم بالنذر، فلو نذر الرجل فعل مباح أو مكروه أو محرم لم يجب عليه فعله، كما يجب عليه إذا نذر طاعة الله أن يطيعه، بل عليه كفارة يمين إذا لم يفعل عند أحمد وغيره، وعند آخرين لا شىء عليه، فلا /يصير بالنذر ما ليس بطاعة ولا عبادة ‏[‏طاعة وعبادة‏]‏‏.‏

ونحو ذلك العهود التي تتخذ على الناس لالتزام طريقة شيخ معين كعهود أهل ‏[‏الفتوة‏]‏ و ‏[‏رماة البندق‏]‏ ونحو ذلك ليس على الرجل أن يلتزم من ذلك على وجه الدين والطاعة لله إلا ما كان دينًا وطاعة لله ورسوله في شرع الله، لكن قد يكون عليه كفارة عند الحنث في ذلك، ولهذا أمرت غير واحد أن يعدل عما أخذ عليه من العهد بالتزام طريقة مرجوحة أو مشتملة على أنواع من البدع إلى ما هو خير منها من طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم واتباع الكتاب والسنة، إذ كان المسلمون متفقين على أنه لا يجوز لأحد أن يعتقد أو يقول عن عمل‏:‏ إنه قربة وطاعة وبر وطريق إلى الله واجب أو مستحب إلا أن يكون مما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك يعلم بالأدلة المنصوبة على ذلك‏.‏ وما علم باتفاق الأمة أنه ليس بواجب ولا مستحب ولا قربة لم يجز أن يعتقد أو يقال‏:‏ إنه قربة وطاعة‏.‏

فكذلك هم متفقون على أنه لا يجوز قصد التقرب به إلى الله، ولا التعبد به ولا اتخاذه دينًا ولا عمله من الحسنات، فلا يجوز جعله من الدين لا باعتقاد وقول، ولا بإرادة وعمل‏.‏

وبإهمال هذا الأصل غلط خلق كثير من العلماء والعباد، يرون الشىء /إذا لم يكن محرمًا لا ينهى عنه، بل يقال‏:‏ إنه جائز، ولا يفرقون بين اتخاذه دينا وطاعة وبرًا، وبين استعماله كما تستعمل المباحات المحضة، ومعلوم أن اتخاذه دينا بالاعتقاد أو الاقتصاد أو بهما أو بالقول أو بالعمل أو بهما من أعظم المحرمات وأكبر السيئات، وهذا من البدع المنكرات التي هي أعظم من المعاصي التي يعلم أنها معاصي وسيئات‏.‏

فلما نهيتهم عن ذلك أظهروا الموافقة والطاعة، ومضت على ذلك مدة والناس يذكرون عنهم الإصرار على الابتداع في الدين، وإظهار ما يخالف شرعة المسلمين، ويطلبون الإيقاع بهم، وأنا أسلك مسلك الرفق والأناة، وأنتظر الرجوع والفيئة، وأؤخر الخطاب إلى أن يحضر ‏[‏ذلك الشيخ‏]‏ لمسجد الجامع‏.‏ وكان قد كتب إلى كتابًا بعد كتاب فيه احتجاج واعتذار، وعتب وآثار، وهو كلام باطل لا تقوم به حجة، بل إما أحاديث موضوعة، أو إسرائيليات غير مشروعة، وحقيقة الأمر الصد عن سبيل الله وأكل أموال الناس بالباطل‏.‏

فقلت لهم‏:‏ الجواب يكون بالخطاب‏.‏ فإن جواب مثل هذا الكتاب لا يتم إلا بذلك وحضر عندنا منهم شخص فنزعنا الغل من عنقه، /وهؤلاء هم من أهل الأهواء الذين يتعبدون في كثير من الأمور بأهوائهم لا بما أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ‏{‏وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 50‏]‏، ولهذا غالب وجدهم هوى مطلق لا يدرون من يعبدون، وفيهم شبه قوي من النصارى الذين قال الله تعالى فيهم ‏:‏‏{‏قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏77‏]‏، ولهذا كان السلف يسمون أهل البدع‏:‏ أهل الأهواء‏.‏

فحملهم هواهم على أن تجمعوا تجمع الأحزاب، ودخلوا إلى المسجد الجامع مستعدين للحراب، بالأحوال التي يعدونها للغلاب‏.‏ فلما قضيت صلاة الجمعة أرسلت إلى شيخهم لنخاطبه بأمر الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، ونتفق على اتباع سبيله‏.‏ فخرجوا من المسجد الجامع في جموعهم إلى قصر الإمارة، وكأنهم اتفقوا مع بعض الأكابر على مطلوبهم، ثم رجعوا إلى مسجد الشاغو ـ على ما ذكر لي ـ وهم من الصياح والاضطراب، على أمر من أعجب العجاب، فأرسلت إليهم مرة ثانية لإقامة الحجة والمعذرة، وطلبًا للبيان والتبصرة، ورجاء المنفعة والتذكرة، فعمدوا إلى القصر مرة ثانية، وذكر لي أنهم قدموا من الناحية الغربية مظهرين الضجيج والعجيج والإزباد والإرعاد، واضطراب الرؤوس والأعضاء، والتقلب في نهر بردي، وإظهار التوله /الذي يخيلوا به على الردى، وإبراز ما يدعونه من الحال والمحال، الذي يسلمه إليهم من أضلوا من الجهال ‏.‏

فلما رأى الأمير ذلك هاله ذلك المنظر، وسأل عنهم فقيل له‏:‏ هم مشتكون، فقال‏:‏ ليدخل بعضهم، فدخل شيخهم، وأظهر من الشكوى عليَّ ودعوى الاعتداء مني عليهم كلامًا كثيرًا لم يبلغني جميعه، لكن حدثني من كان حاضرًا أن الأمير قال لهم‏:‏ فهذا الذي يقوله من عنده أو يقوله عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ‏؟‏ فقالوا‏:‏ بل يقوله عن الله و رسوله صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ فأي شىء يقال له ‏؟‏ قالوا‏:‏ نحن لنا أحوال وطريق يسلم إلينا، قال‏:‏ فنسمع كلامه، فمن كان الحق معه نصرناه، قالوا‏:‏ نريد أن تشد منا، قال‏:‏ لا، ولكن أشد من الحق سواء كان معكم أو معه، قالوا‏:‏ ولا بد من حضوره‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فكرروا ذلك فأمر بإخراجهم، فأرسل إلى بعض خواصه من أهل الصدق والدين ممن يعرف ضلالهم وعرفني بصورة الحال وأنه يريد كشف أمر هؤلاء‏.‏

فلما علمت ذلك ألقى في قلبي أن ذلك لأمر يريده الله من إظهار الدين، وكشف حال أهل النفاق المبتدعين، لانتشارهم في أقطار الأرضين، وما أحببت البغي عليهم والعدوان، ولا أن أسلك معهم إلا أبلغ ما يمكن من الإحسان، فأرسلت إليهم من عرفهم بصورة /الحال، وإني إذا حضرت كان ذلك عليكم من الوبال، وكثر فيكم القيل والقال، وإن من قعد أو قام قدام رماح أهل الإيمان، فهو الذي أوقع نفسه في الهوان، فجاء الرسول وأخبر أنهم اجتمعوا بشيوخهم الكبار الذين يعرفون حقيقة الأسرار، وأشاروا عليهم بموافقة ما أمروا به من اتباع الشريعة، والخروج عما ينكر عليهم من البدع الشنيعة‏.‏ وقال شيخهم الذي يسيح بأقطار الأرض؛ كبلاد الترك ومصر وغيرها‏:‏ أحوالنا تظهر عند التتار لا تظهر عند شرع محمد بن عبد الله‏.‏ وأنهم نزعوا الأغلال من الأعناق، وأجابوا إلى الوفاق‏.‏

ثم ذكر لي أنه جاءهم بعض أكابر غلمان المطاع وذكر أنه لابد من حضورهم لموعد الاجتماع، فاستخرت الله تعالى تلك الليلة واستعنته، واستنصرته واستهديته، وسلكت سبيل عباد الله في مثل هذه المسالك، حتى ألقى في قلبي أن أدخل النار عند الحاجة إلى ذلك، وأنها تكون بردًا وسلامًا على من اتبع ملة الخليل، وأنها تحرق أشباه الصابئة أهل الخروج عن هذه السبيل، وقد كان بقايا الصابئة أعداء إبراهيم إمام الحنفاء بنواحي البطائح منضمين إلى من يضاهيهم من نصارى الدهماء‏.‏

وبين الصابئة ومن ضل من العباد المنتسبين إلى هذا الدين، نسب يعرفه من عرف الحق المبين، فالغالية من القرامطة والباطنية /كالنصيرية والإسماعيلية، يخرجون إلى مشابهة الصابئة الفلاسفة، ثم إلى الإشراك، ثم إلى جحود الحق تعالى‏.‏ ومن شركهم الغلو في البشر، والابتداع في العبادات، والخروج عن الشريعة له نصيب من ذلك بحسب ما هو به لائق، كالملحدين من أهل الاتحاد، والغالية من أصناف العباد‏.‏

فلما أصبحنا ذهبت للميعاد، وما أحببت أن أستصحب أحدًا للإسعاد، لكن ذهب أيضًا بعض من كان حاضرًا من الأصحاب، والله هو المسبب لجميع الأسباب‏.‏ وبلغني بعد ذلك أنهم طافوا على عدد من أكابر الأمراء، وقالوا أنواعًا مما جرت به عادتهم من التلبيس والافتراء، الذي استحوذوا به على أكثر أهل الأرض من الأكابر والرؤساء، مثل زعمهم أن لهم أحوالًا لا يقاومهم فيها أحد من الأولياء، وإن لهم طريقًا لا يعرفها أحد من العلماء، وإن شيخهم هو في المشايخ كالخليفة، وإنهم يتقدمون على الخلق بهذه الأخبار المنيفة، وأن المنكر عليهم هو آخذ بالشرع الظاهر، غير واصل إلى الحقائق والسرائر، وأن لهم طريقًا وله طريق، وهم الواصلون إلى كنه التحقيق، وأشباه هذه الدعاوى ذات الزخرف والتزويق‏.‏

وكانوا لفرط انتشارهم في البلاد، واستحواذهم على الملوك والأمراء والأجناد، لخفاء نور الإسلام، واستبدال أكثر الناس بالنور الظلام، /وطموس آثار الرسول في أكثر الأمصار، ودروس حقيقة الإسلام في دولة التتار، لهم في القلوب موقع هائل، ولهم فيهم من الاعتقاد ما لايزول بقول قائل ‏.‏

قال المخبر‏:‏ فغدا أولئك الأمراء الأكابر، وخاطبوا فيهم نائب السلطان بتعظيم أمرهم الباهر، وذكر لي أنواعًا من الخطاب، والله تعالى أعلم بحقيقة الصواب، والأمير مستشعر ظهور الحق عند التحقيق، فأعاد الرسول إلىَّ مرة ثانية، فبلغه أني في الطريق، وكان كثير من أهل البدع الأضداد، كطوائف من المتفقهة والمتفقرة وأتباع أهل الاتحاد، مجدين في نصرهم بحسب مقدورهم، مجهزين لمن يعينهم في حضورهم‏.‏ فلما حضرت وجدت النفوس في غاية الشوق إلى هذا الاجتماع، متطلعين إلى ما سيكون طالبين للاطلاع، فذكر لي نائب السلطان وغيره من الأمراء بعض ماذكروه من الأقوال المشتملة على الافتراء‏.‏ وقال‏:‏ إنهم قالوا‏:‏ إنك طلبت منهم الامتحان، وأن يحموا الأطواق نارًا ويلبسوها، فقلت ‏:‏هذا من البهتان‏.‏

وها أنا ذا أصف ما كان، قلت للأمير‏:‏ نحن لا نستحل أن نأمر أحدًا بأن يدخل نارًا، ولا تجوز طاعة من يأمر بدخول النار‏.‏ وفي ذلك الحديث الصحيح، وهؤلاء يكذبون في ذلك، وهم كذابون مبتدعون قد أفسدوا من أمر دين المسلمين ودنياهم ما الله به عليم‏.‏ وذكرت /تلبيسهم على طوائف من الأمراء، وأنهم لبسوا على الأمير المعروف بالأيدمري ‏[‏هو أيدمر بن عبد الله التركي، المكنى بعلم الدين المحيوي، شاعر،له قصائد وموشحات جيدة السبك، تركي الأصل، له اشتغال بالحديث، توفي سنة 674هـ‏.‏ ‏[‏ الأعلام للزركلي 2/34‏]‏‏.‏، وعلى قفجق نائب السلطنة وعلى غيرهما، وقد لبسوا أيضًا على الملك العادل كتبغا في ملكه، وفي حالة ولاية حماة، وعلى أمير السلاح أجل أمير بديار مصر، وضاق المجلس عن حكاية جميع تلبيسهم‏.‏ فذكرت تلبيسهم على الأيدمري، وأنهم كانوا يرسلون من النساء من يستخبر عن أحوال بيته الباطنة، ثم يخبرونه بها على طريق المكاشفة، ووعدوه بالملك، وأنهم وعدوه أن يروه رجال الغيب، فصنعوا خشبًا طوالًا وجعلوا عليها من يمشي كهيئة الذي يلعب بأكر الزجاج، فجعلوا يمشون على جبل المزة وذاك يرى من بعيد قومًا يطوفون على الجبل وهم يرتفعون عن الأرض وأخذوا منه مالا كثيرا ثم انكشف له أمرهم‏.‏

قلت للأمير‏:‏ وولده هو الذي في حلقة الجيش يعلم ذلك، وهو ممن حدثني بهذه القصة، وأما قفجق فإنهم أدخلوا رجلًا في القبر يتكلم وأوهموه أن الموتى تتكلم، وأتوا به في مقابر باب الصغير إلى رجل زعموا أنه الرجل الشعراني الذي بجبل لبنان ولم يقربوه منه بل من بعيد لتعود عليه بركته، وقالوا‏:‏ إنه طلب منه جملة من المال، فقال قفجق‏:‏ الشيخ يكاشف وهو يعلم أن خزائني ليس فيها هذا كله، وتقرب قفجق منه وجذب الشعر فانقلع الجلد الذي ألصقوه على جلده من جلد الماعز، /فذكرت للأمير هذا، ولهذا قيل لي‏:‏ إنه لما انقضى المجلس وانكشف حالهم للناس كتب أصحاب قفجق إليه كتابا وهو نائب السلطنة بحماة يخبره بصورة ما جرى ‏.‏

وذكرت للأمير أنهم مبتدعون بأنواع من البدع مثل الأغلال ونحوها، وإنا نهيناهم عن البدع الخارجة عن الشريعة، فذكر الأمير حديث البدعة وسألني عنه، فذكرت حديث العرباض بن سارية، وحديث جابر بن عبد الله، وقد ذكرتهما بعد ذلك بالمجلس العام كما سأذكره‏.‏

قلت للأمير‏:‏ أنا ما امتحنت هؤلاء، لكن هم يزعمون أن لهم أحوالًا يدخلون بها النار، وأن أهل الشريعة لا يقدرون على ذلك، ويقولون لنا‏:‏ هذه الأحوال التي يعجز عنها أهل الشرع ليس لهم أن يعترضوا علينا، بل يسلم إلينا ما نحن عليه ـ سواء وافق الشرع أو خالفه ـ وأنا قد استخرت الله سبحانه أنهم إن دخلوا النار أدخل أنا وهم ومن احترق منا ومنهم فعليه لعنة الله، وكان مغلوبًا، وذلك بعد أن نغسل جسومنا بالخل والماء الحار‏.‏

فقال الأمير‏:‏ ولم ذاك ‏؟‏ قلت‏:‏ لأنهم يطلون جسومهم بأدوية يصنعونها من دهن الضفادع، وباطن قشر النارنج، وحجر الطلق وغير ذلك /من الحيل المعروفة لهم، و أنا لا أطلي جلدي بشيء، فإذا اغتسلت أنا وهم بالخل والماء الحار بطلت الحيلة وظهر الحق، فاستعظم الأمير هجومي على النار، وقال‏:‏أتفعل ذلك‏؟‏ فقلت له‏:‏ نعم ‏!‏ قد استخرت الله في ذلك وألقى في قلبي أن أفعله، ونحن لا نرى هذا وأمثاله ابتداء؛ فإن خوارق العادات إنما تكون لأمة محمد صلى الله عليه وسلم المتبعين له باطنًا وظاهرًا لحجة أو حاجة، فالحجة لإقامة دين الله، والحاجة لما لابد منه من النصر والرزق الذي به يقوم دين الله، وهؤلاء إذا أظهروا ما يسمونه إشاراتهم وبراهينهم التي يزعمون أنها تبطل دين الله وشرعه وجب علينا أن ننصر الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، ونقوم في نصر دين الله وشريعته بما نقدر عليه من أرواحنا وجسومنا وأموالنا،فلنا حينئذ أن نعارض ما يظهرونه من هذه المخاريق بما يؤيدنا الله به من الآيات‏.‏

وليعلم أن هذا مثل معارضة موسى للسحرة؛ لما أظهروا سحرهم أيد الله موسى بالعصا التي ابتلعت سحرهم‏.‏ فجعل الأمير يخاطب من حضره من الأمراء على السماط بذلك، وفرح بذلك، وكأنهم كانوا قد أوهموه أن هؤلاء لهم حال لا يقدر أحد على رده، وسمعته يخاطب الأمير الكبير، الذي قدم من مصر الحاج بهادر وأنا جالس بينهما على رأس السماط، بالتركي ما فهمته منه إلا أنه قال‏:‏ اليوم ترى حربًا عظيمًا، ولعل ذلك كان /جوابًا لمن كان خاطبه فيهم على ما قيل‏.‏

وحضر شيوخهم الأكابر، فجعلوا يطلبون من الأمير الإصلاح وإطفاء هذه القضية ويترفقون، فقال الأمير‏:‏ إنما يكون الصلح بعد ظهور الحق، وقمنا إلى مقعد الأمير بزاوية القصر أنا وهو وبهادر فسمعته يذكر له أيوب الحمال بمصر والمولهين ونحو ذلك، فدل ذلك على أنه كان عند هذا الأمير لهم صورة معظمة، وإن لهم فيهم ظنًا حسنًا والله أعلم بحقيقة الحال، فإنه ذكر لي ذلك‏.‏

وكان الأمير أحب أن يشهد بهادر هذه الواقعة ليتبين له الحق فإنه من أكابر الأمراء وأقدمهم وأعظمهم حرمة عنده، وقد قدم الآن وهو يحب تأليفه وأكرمه، فأمر ببساط يبسط في الميدان، وقد قدم البطائحية وهم جماعة كثيرون، وقد أظهروا أحوالهم الشيطانية من الإزباد والإرغاء وحركة الرؤوس والأعضاء، الطفر والحبو والتقلب، ونحو ذلك من الأصوات المنكرات، والحركات الخارجة عن العادات، المخالفة لما أمر به لقمان لابنه في قوله‏:‏‏{‏وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ

وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏19‏]‏‏.‏

فلما جلسنا وقد حضر خلق عظيم من الأمراء والكتاب والعلماء والفقراء والعامة وغيرهم، وحضر شيخهم الأول المشتكى، وشيخ آخر /يسمى نفسه خليفة سيده أحمد، ويركب بعلمين، وهم يسمونه‏:‏ عبد الله الكذاب، ولم أكن أعرف ذلك‏.‏ وكان من مدة قد قدم علي منهم شيخ بصورة لطيفة وأظهر ما جرت به عادتهم من المسألة فأعطيته طلبته ولم أتفطن لكذبه حتى فارقني ،فبقى في نفسي أن هذا خفي على تلبيسه إلى أن غاب، وما يكاد يخفي على تلبيس أحد، بل أدركه في أول الأمر فبقى ذلك في نفسي ولم أره قط إلى حين ناظرته، ذكر لي أنه ذاك الذي كان اجتمع بي قديمًا فتعجبت من حسن صنع الله أنه هتكه في أعظم مشهد يكون حيث كتم تلبيسه بيني وبينه‏.‏

فلما حضروا، تكلم منهم شيخ يقال له حاتم بكلام مضمونه طلب الصلح والعفو عن الماضي والتوبة، وإنا مجيبون إلى ما طلب من ترك هذه الأغلال وغيرها من البدع، ومتبعون للشريعة‏.‏فقلت‏:‏ أما التوبة فمقبولة‏.‏ قال الله تعالى‏:‏‏{‏غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ‏}‏‏[‏غافر‏:‏ 3‏]‏، هذه إلى جنب هذه‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ن نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ} ‏[‏الحجر‏:‏49، 50‏]‏‏.‏

فأخذ شيخهم المشتكى ينتصرللبسهم الأطواق وذكر أن وهب بن منبه روى أنه كان في بني إسرائيل عابد وأنه جعل في عنقه طوقًا، في حكاية من حكايات بني إسرائيل لا تثبت‏.‏

/فقلت لهم‏:‏ ليس لنا أن نتعبد في ديننا بشيء من الإسرائيليات المخالفة لشرعنا، قد روى الإمام أحمد في مسنده عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى بيد عمر بن الخطاب ورقة من التوراة فقال‏:‏ ‏(‏أمتهوكون يابن الخطاب ‏؟‏ لقد جئتكم بها بيضاء نقية لو كان موسى حيًا ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم‏)‏، وفي مراسيل أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى مع بعض أصحابه شيئًا من كتب أهل الكتاب فقال‏:‏ ‏(‏كفي بقوم ضلالة أن يتبعوا كتابًا غير كتابهم، أنزل إلى نبي غير نبيهم‏)‏، وأنزل الله تعالى‏:‏‏{‏أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏[‏العنكبوت‏:‏51‏]‏‏.‏

فنحن لا يجوز لنا اتباع موسى ولا عيسى فيما علمنا أنه أنزل عليهما من عند الله إذا خالف شرعنا، وإنما علينا أن نتبع ما أنزل علينا من ربنا ونتبع الشرعة والمنهاج الذي بعث الله به إلينا رسولنا، كما قال تعالى ‏:‏‏{‏وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏49‏]‏،‏{‏وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ

عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 48‏]‏، فكيف يجوز لنا أن نتبع عباد بني إسرائيل في حكاية لا تعلم صحتها ‏؟‏‏!‏ وما علينا من عباد بني إسرائيل ‏؟‏‏!‏ ‏{‏لْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ‏[‏البقرة‏:‏134‏]‏، هات ما في القرآن وما في الأحاديث الصحاح؛ كالبخاري ومسلم، وذكرت هذا وشبهه بكيفية قوية‏.‏

/فقال هذا الشيخ منهم يخاطب الأمير‏:‏ نحن نريد أن تجمع لنا القضاة الأربعة والفقهاء ونحن قوم شافعية‏.‏

فقلت له‏:‏ هذا غير مستحب ولا مشروع عند أحد من علماء المسلمين، بل كلهم ينهى عن التعبد به ويعده بدعة، وهذا الشيخ كمال الدين بن الزملكاني ‏[‏هو محمد بن علي بن عبد الواحد الأنصاري، كمال الدين، المعروف بابن الزملكاني فقيه، انتهت إليه رياسة الشافعية في عصره، ولد وتعلم بدمشق وتوفي في بلبيس ودفن بالقاهرة، له رسالة في الرد على ابن تيمية في مسألتي ‏[‏الطلاق والزيارة‏]‏ وله كتاب في التاريخ، وكتب أخرى، وكان شكله حسنًا ومنظره رائعًا، وعقيدته صحيحة متمكنة أشعرية‏.‏ ‏[‏فوات الوفيات 4/7-11 ‏(‏488‏)‏‏]‏، مفتى الشافعية ودعوته وقلت‏:‏ياكمال الدين ما تقول في هذا‏؟‏ فقال‏:‏ هذا بدعة غير مستحبة بل مكروهة، أو كما قال‏.‏ وكان مع بعض الجماعة فتوى فيها خطوط طائفة من العلماء بذلك‏.‏

وقلت‏:‏ ليس لأحد الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ولا الخروج عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأشك هل تكلمت هنا في قصة موسى والخضر، فإني تكلمت بكلام بَعُد عهدي به‏.‏

فانتدب ذلك الشيخ ‏[‏عبد الله‏]‏ ورفع صوته‏.‏ وقال‏:‏ نحن لنا أحوال وأمور باطنة لا يوقف عليها، وذكر كلامًا لم أضبط لفظه‏:‏ مثل المجالس والمدارس والباطن والظاهر، ومضمونه أن لنا الباطن ولغيرنا الظاهر، وإن لنا أمرًا لا يقف عليه أهل الظاهر فلا ينكرونه علينا‏.‏

/فقلت له ـ ورفعت صوتي وغضبت ـ‏:‏ الباطن والظاهر والجالس والمدارس، والشريعة والحقائق، كل هذا مردود إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ليس لأحد الخروج عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا من المشايخ والفقراء، ولامن الملوك والأمراء، ولا من العلماء والقضاة وغيرهم، بل جميع الخلق عليهم طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وذكرت هذا ونحوه‏.‏

فقال ـ ورفع صوته ـ‏:‏ نحن لنا الأحوال وكذا وكذا، وادعى الأحوال الخارقة؛ كالنار وغيرها، واختصاصهم بها، وأنهم يستحقون تسليم الحال إليهم لأجلها‏.‏

فقلت ـ ورفعت صوتي وغضبت ـ‏:‏ أنا أخاطب كل أحمدي من مشرق الأرض إلى مغربها أي شيء فعلوه في النار فأنا أصنع مثل ما تصنعون، ومن احترق فهو مغلوب، وربما قلت‏:‏ فعليه لعنة الله، ولكن بعد أن نغسل جسومنا بالخل والماء الحار، فسألني الأمراء والناس عن ذلك ‏؟‏ فقلت‏:‏ لأن لهم حيلا في الاتصال بالنار يصنعونها من أشياء‏:‏ من دهن الضفادع، وقشر النارنج، وحجر الطلق‏.‏ فضج الناس بذلك، فأخذ يظهر القدرة على ذلك فقال‏:‏ أنا وأنت نلف في بارية بعد أن تطلى جسومنا بالكبريت‏.‏ فقلت‏:‏ فقم، /وأخذت أكرر عليه في القيام إلى ذلك، فمد يده يظهر خلع القميص فقلت‏:‏ لا ‏!‏ حتى تغتسل في الماء الحار والخل، فأظهر الوهم على عادتهم، فقال‏:‏ من كان يحب الأمير فليحضر خشبًا أو قال‏:‏ حزمة حطب‏.‏ فقلت‏:‏ هذا تطويل وتفريق للجمع، ولا يحصل به مقصود بل قنديل يوقد وأدخل أصبعي وأصبعك فيه بعد الغسل، ومن احترقت أصبعه فعليه لعنة الله، أو قلت‏:‏ فهو مغلوب‏.‏ فلما قلت ذلك تغير وذل‏.‏ وذكر لي أن وجهه اصفرّ‏.‏

ثم قلت لهم‏:‏ ومع هذا فلو دخلتم النار وخرجتم منها سالمين حقيقة، ولو طرتم في الهواء، ومشيتم على الماء، ولو فعلتم ما فعلتم لم يكن في ذلك مايدل على صحة ما تدعونه من مخالفة الشرع، ولا على إبطال الشرع، فإن الدجال الأكبر يقول للسماء‏:‏ أمطري فتمطر، وللأرض‏:‏ أنبتى فتنبت، وللخربة‏:‏ أخرجي كنوزك فتخرج كنوزها تتبعه، ويقتل رجلا ثم يمشي بين شقيه، ثم يقول له‏:‏ قم فيقوم، ومع هذا فهو دجال كذاب ملعون، لعنه الله، ورفعت صوتي بذلك فكان لذلك وقع عظيم في القلوب‏.‏

وذكرت قول أبي يزيد البسطامي‏:‏ لو رأيتم الرجل يطير في الهواء ويمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف وقوفه عند الأوامر والنواهي، وذكرت عن يونس بن عبد الأعلى أنه قال للشافعي‏:‏ أتدري /ما قال صاحبنا، يعني الليث بن سعد ‏؟‏ قال‏:‏ لو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء فلا تغتر به‏.‏ فقال الشافعي‏:‏ لقد قصر الليث لو رأيت صاحب هوى يطير في الهواء فلا تغتر به، وتكلمت في هذا ونحوه بكلام بعد عهدي به‏.‏ ومشايخهم الكبار يتضرعون عند الأمير في طلب الصلح وجعلت ألح عليه في إظهار ما ادعوه من النار مرة بعد مرة وهم لا يجيبون، وقد اجتمع عامة مشايخهم الذين في البلد والفقراء المولهون منهم، وهم عدد كثير، والناس يضجون في الميدان، ويتكلمون بأشياء لا أضبطها‏.‏

فذكر بعض الحاضرين أن الناس قالوا مامضمونه‏:‏‏{‏فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏118، 119‏]‏ ،وذكروا أيضًا أن هذا الشيخ يسمى عبد الله الكذاب، وأنه الذي قصدك مرة فأعطيته ثلاثين درهما، فقلت‏:‏ ظهر لي حين أخذ الدراهم وذهب أنه ملبس، وكان قد حكى حكاية عن نفسه مضمونها أنه أدخل النار في لحيته قدام صاحب حماة، ولما فارقني وقع في قلبي أن لحيته مدهونة‏.‏ وأنه دخل إلى الروم واستحوذ عليهم‏.‏

فلما ظهر للحاضرين عجزهم وكذبهم وتلبيسهم، وتبين للأمراء الذين كانوا يشدون منهم أنهم مبطلون رجعوا، وتخاطب الحاج بهادر ونائب السلطان وغيرهما بصورة الحال، وعرفوا حقيقة المحال، وقمنا إلى /داخل ودخلنا، وقد طلبوا التوبة عما مضى، وسألني الأمير عما تطلب منهم فقلت‏:‏ متابعة الكتاب والسنة مثل ألا يعتقد أنه لا يجب عليه اتباعهما، أو أنه يسوغ لأحد الخروج من حكمهما ونحو ذلك، أو أنه يجوز اتباع طريقة تخالف بعض حكمهما، ونحو ذلك من وجوه الخروج عن الكتاب والسنة التي توجب الكفر، وقد توجب القتل دون الكفر، وقد توجب قتال الطائفة الممتنعة دون قتل الواحد المقدور عليه‏.‏

فقالوا‏:‏ نحن ملتزمون الكتاب والسنة أتنكر علينا غير الأطواق‏؟‏نحن نخلعها‏.‏ فقلت‏:‏ الأطواق وغير الأطواق، ليس المقصود شيئًا معينًا،وإنما المقصود أن يكون جميع المسلمين تحت طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال الأمير‏:‏ فأي شيء الذي يلزمهم من الكتاب والسنة‏؟‏ فقلت‏:‏ حكم الكتاب والسنة كثير لا يمكن ذكره في هذا المجلس، لكن المقصود أن يلتزموا هذا التزامًا عامًا، ومن خرج عنه ضربت عنقه ـ وكرر ذلك وأشار بيده إلى ناحية الميدان ـ وكان المقصود أن يكون هذا حكمًا عامًا في حق جميع الناس، فإن هذا مشهد عام مشهور قد توفرت الهمم عليه، فيتقرر عند المقاتلة، وأهل الديوان، والعلماء والعباد، وهؤلاء وولاة الأمور ـ أنه من خرج عن الكتاب والسنة ضربت عنقه‏.‏

/قلت‏:‏ ومن ذلك الصلوات الخمس في مواقيتها كما أمر الله ورسوله، فإن من هؤلاء من لا يصلي، ومنهم من يتكلم في صلاته، حتى إنهم بالأمس بعد أن اشتكوا على في عصر الجمعة جعل أحدهم يقول في صلب الصلاة‏:‏ يا سيدي أحمد، شيء لله‏.‏ وهذا مع أنه مبطل للصلاة فهو شرك بالله ودعاء لغيره في حال مناجاته التي أمرنا أن نقول فيها‏:‏ ‏{‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏}‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏5‏]‏ وهذا قد فعل بالأمس بحضرة شيخهم فأمر قائل ذلك لما أنكر عليه المسلمون بالاستغفار على عادتهم في صغير الذنوب، ولم يأمره بإعادة الصلاة‏.‏ وكذلك يصيحون في الصلاة صياحًا عظيمًا وهذا منكر يبطل الصلاة‏.‏

فقال‏:‏ هذا يغلب على أحدهم كما يغلب العطاس‏.‏

فقلت‏:‏ العطاس من الله، والله يحب العطاس ويكره التثاؤب ولا يملك أحدهم دفعه،وأما هذا الصياح فهو من الشيطان،وهو باختيارهم وتكلفهم، ويقدرون على دفعه، ولقد حدثني بعض الخبيرين بهم بعد المجلس أنهم يفعلون في الصلاة ما لا تفعله اليهود والنصارى‏:‏ مثل قول أحدهم‏:‏ أنا على بطن امرأة الإمام، وقول الآخر كذا وكذا من الإمام، ونحو ذلك من الأقوال الخبيثة، وأنهم إذا أنكر عليهم المنكر ترك الصلاة يصلون بالنوبة، وأنا أعلم أنهم متولون للشياطين ليسوا / مغلوبين على ذلك، كما يغلب الرجل في بعض الأوقات على صيحة أو بكاء في الصلاة أو غيرها‏.‏

فلما أظهروا التزام الكتاب والسنة وجموعهم بالميدان بأصواتهم وحركاتهم الشيطانية يظهرون أحوالهم قلت له‏:‏ أهذا موافق للكتاب والسنة‏؟‏ فقال‏:‏ هذا من الله حال يرد عليهم، فقلت‏:‏ هذا من الشيطان الرجيم لم يأمر الله به ولا رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولا أحبه الله ولا رسوله، فقال‏:‏ مافي السموات والأرض حركة ولا كذا ولا كذا إلا بمشيئته وإرادته، فقلت له‏:‏ هذا من باب القضاء والقدر، وهكذا كل مافي العالم من كفر وفسوق وعصيان هو بمشيئته وإرادته، وليس ذلك بحجة لأحد في فعله، بل ذلك مما زينه الشيطان وسخطه الرحمن‏.‏

فقال‏:‏ فبأي شيء تبطل هذه الأحوال‏.‏ فقلت‏:‏ بهذه السياط الشرعية ‏.‏فأعجب الأمير وضحـك، وقال‏:‏ أي والله، بالسياط الشرعية تبطل هذه الأحوال الشيطانية، كما قد جرى مثل ذلك لغير واحد، ومن لم يجب إلى الدين بالسياط الشرعية فبالسيوف المحمدية، وأمسكت سيف الأمير وقلت‏:‏ هذا نائب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلامه وهذا السيف سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن خرج عن كتاب الله وسنة رسوله ضربناه بسيف الله، وأعاد الأمير / هذا الكلام، وأخذ بعضهم يقول‏:‏ فاليهود والنصارى يقرون ولا نقر نحن‏؟‏ فقلت‏:‏ اليهود والنصارى يقرون بالجزية على دينهم المكتوم في دورهم، والمبتدع لا يقر على بدعته‏.‏ فأفحموا لذلك‏.‏

و‏[‏حقيقة الأمر‏]‏ أن من أظهر منكرًا في دار الإسلام لم يقر على ذلك، فمن دعا إلى بدعة وأظهرها لم يقر، ولا يقر من أظهر الفجور، وكذلك أهل الذمة لا يقرون على إظهار منكرات دينهم، ومن سواهم فإن كان مسلمًا أخذ بواجبات الإسلام وترك محرماته، وإن لم يكن مسلمًا ولا ذميًا فهو إما مرتد وإما مشرك وإما زنديق ظاهر الزندقة‏.‏

وذكرت ذم ‏[‏المبتدعة‏]‏ فقلت‏:‏ روى مسلم في صحيحه عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه أبي جعفر الباقر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته‏:‏ ‏(‏إن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة‏)‏‏.‏

وفي السنن عن العرباض بن سارية، قال‏:‏ خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل‏:‏ يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏أوصيكم بالسمع والطاعة فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين / من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏وكل ضلالة في النار‏)‏‏.‏

فقال لي‏:‏ البدعة مثل الزنا، وروى حديثًا في ذم الزنا، فقلت‏:‏ هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والزنا معصية، والبدعة شر من المعصية، كما قال سفيان الثوري‏:‏ البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، فإن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها، وكان قد قال بعضهم‏:‏ نحن نتوب الناس، فقلت‏:‏ مماذا تتوبونهم‏؟‏ قال‏:‏ من قطع الطريق، والسرقة، ونحو ذلك‏.‏ فقلت‏:‏ حالهم قبل تتويبكم خير من حالهم بعد تتويبكم، فإنهم كانوا فساقًا يعتقدون تحريم ما هم عليه، ويرجون رحمة الله، ويتوبون إليه، أو ينوون التوبة، فجعلتموهم بتتويبكم ضالين مشركين خارجين عن شريعة الإسلام، يحبون ما يبغضه الله ويبغضون ما يحبه الله، وبينت أن هذه البدع التي هم وغيرهم عليها شر من المعاصي ‏.‏

قلت مخاطبًا للأمير والحاضرين‏:‏ أما المعاصي فمثل ما روى البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب أن رجلا كان يدعى حمارًا، وكان يشرب الخمر، وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان كلما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم جلده الحد فلعنه رجل مرة‏.‏ وقال‏:‏ / لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‏؟‏‏!‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله‏)‏‏.‏ قلت‏:‏فهذا رجل كثير الشرب للخمر، ومع هذا فلما كان صحيح الاعتقاد يحب الله ورسوله شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ونهى عن لعنه‏.‏

وأما المبتدع فمثل ما أخرجا في الصحيحين عن علي بن أبي طالب وعن أبي سعيد الخدري وغيرهما ـ دخل حديث بعضهم في بعض ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم، فجاءه رجل ناتئ الجبين كث اللحية، محلوق الرأس، بين عينيه أثر السجود، وقال ما قال‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يخرج من ضئضئ هذا قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏لو يعلم الذين يقاتلونهم ماذا لهم على لسان محمد لنكلوا عن العمل ‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قتلوه‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ فهؤلاء مع كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم وما هم عليه من العبادة والزهادة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم، وقتلهم علي بن أبي طالب ومن معه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، /وذلك لخروجهم عن سنة النبي وشريعته، وأظن أني ذكرت قول الشافعي‏:‏ لأن يبتلى العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير من أن يبتلى بشيء من هذه الأهواء‏.‏ فلما ظهر قبح البدع في الإسلام، وأنها أظلم من الزنا والسرقة وشرب الخمر، وأنهم مبتدعون بدعًا منكرة فيكون حالهم أسوأ من حال الزاني والسارق وشارب الخمر‏.‏ أخذ شيخهم عبد الله يقول‏:‏ يا مولانا لا تتعرض لهذا الجناب العزيز ـ يعني أتباع أحمد بن الرفاعي ـ فقلت منكرًا بكلام غليظ‏:‏ ويحك، أي شيء هو الجناب العزيز، وجناب من خالفه أولى بالعز ياذو الزرجنة ،تريدون أن تبطلوا دين الله ورسوله، فقال‏:‏ يا مولانا يحرقك الفقراء بقلوبهم، فقلت‏:‏ مثل ما أحرقني الرافضة لما قصدت الصعود إليهم وصار جميع الناس يخوفوني منهم ومن شرهم، ويقول أصحابهم‏:‏ إن لهم سرًا مع الله، فنصر الله وأعان عليهم‏.‏ وكان الأمراء الحاضرون قد عرفوا بركة ما يسره الله في أمر غزو الرافضة بالجبل‏.‏

وقلت لهم‏:‏ يا شبه الرافضة يا بيت الكذب ـ فإن فيهم من الغلو والشرك والمروق عن الشريعة ما شاركوا به الرافضة في بعض صفاتهم، وفيهم من الكذب ماقد يقاربون به الرافضة في ذلك،أو يساوونهم، / أو يزيدون عليهم، فإنهم من أكذب الطوائف حتى قيل فيهم‏:‏ لا تقولوا أكذب من اليهود على الله، ولكن قولوا‏:‏ أكذب من الأحمدية على شيخهم، وقلت لهم‏:‏ أنا كافر بكم وبأحوالكم، فكيدوني جميعًا ثم لا تنظرون‏.‏

ولما رددت عليهم الأحاديث المكذوبة أخذوا يطلبون مني كتبًا صحيحة ليهتدوا بها فبذلت لهم ذلك، وأعيد الكلام أنه من خرج عن الكتاب والسنة ضربت عنقه، وأعاد الأمير هذا الكلام واستقر الكلام على ذلك، والحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ‏.‏