إبراهيم بن نبي
06-14-2007, 09:00 AM
ليس القصد من هذا البحث إعلان الحرب عن شعيرة دينية و لا غرضه تزهيد الناس فيها،و لا هدفه غلق الباب أمام من يريد الإقتراب من قوى تعينه لإجتياز ظروف صعبة تجعله يفقد الأمل في الأرض و من حولها ليتحول إلى السماء خاضعا يطلب العون. بل غاية هذا البحث تحديد دلالة لفظ "الصلواة" في القرآن بالمنهج الذي سطرت بعضا من قواعده في هذا المنتدى .
و حتّى في حالات الدعة و الفرح و السعادة الغامرة فأداء النسك الذي اعتاد الناس تسميته "صلاة" فلست بمنتقده و لن أحاول إذا ما اعتبر هذا النسك شكر لله على نعمة الوجود و حمد له على نعمه آناء الليل و أطراف النهار. فهذا الفعل هو من قبيل الإعتراف بالجميل إذ الله مستغن عن هذا الشكر و عن أي شكل من اشكال الخضوع، و هيئة هذا الشكر يسّميها نسكا و هو فعل فردي يقابله فعل الصلواة الذي سيأتي دليلها فيما سيلحق :
"قل إنّ صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله ربّ العالمين"
الأنعام 6/162
و لا يحدد البلاغ المبين هيئة هذا النسك و لا يجعل له طريقة معينة و لا شكلا روتينيا مضبوطا و لنقرأ :
"و لكلّ أمّة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعامـ ، فإلهكمـ إله واحد فله أسلموا، وبشّر المخبتين"
الحج 22/34
بل يقرر القرآن أنّ هيئة النسك من عمل الأمّة في سيرها التاريخي و هي من تحدده هيئته و لنقرأ :
"لكلّ أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه، فلا ينازعنّك في الأمر؛ وادع إلى ربّك، إنّك لعلى هدى مستقيمـ "
الحج 22/67
فقوم النبي و سكان الهند والصين و سكان أمريكا و إفريقيا و أوروبا و أستراليا و سكان القطب المتجمد كلهم يشكرون الله بطريقتهم و لا يغرنك من لا يحسن قراءة نصوصهم المقدسة فكلها تحمد و تشكر الله و إن أساء الناس ترجمة معانيها و التعبير عن ما في نصوصها.
و الإنسانية ترتفع و تتساوى حقوقها عند أداءها النسك جماعة فهي شهادة منهم بأنّ سيدهم ليس واحدا منهم بل هو الله الواحد الأحد، و في هذا ضمان لحرية الإنسان من إستعباد الساسة و الكهنوت و قوى الإستهلاك و خطورته في تحولّه إلى طقوس لا هدف فيها و لا غاية و روتينا يزعم الناس فيه مقايضة مع الرب، فمنهم الخضوع و منه إستجابة المطالب.
إنّ حلّ إشكالاتنا السياسة أولاّ و الإجتماعية ثانيا ليست في ترك النسك أو النداء بتركه بل بدعوة الناس ليعقلوا فعلهم و أنّ الله غني عن نسكهم و أنّ حل مشاكلهم السياسية هو في إبرام الميثاق السياسي و إلتزامه و حلّ مشاكلهم الإقتصادية في إستثمار جهدهم اليومي و مواصلة البحث العلمي الذي هو أساس خلافتنا في الأرض.
أداء النسك بوعي يُنتج إنسانا يدرك حجمه في الوجود دون أن يكون لهذا النسك أي ارتباط بحكمه على ألأخرين و تفاعلهم معه و هذا ما سنحاول التفصيل فيه في هذا البحث. أمّا غياب الوعي في أداء النسك فقد حولّها إلى طلاسم يحاول الناس بها التقرب إلى إله حسبوه ديكتاتورا يطالبهم بالخضوع إليه و كأنّه يشك في عظمته و علمه و حكمته. وهم يرون أنّهم كلّما أكثروا من الخضوع زاد تخلفهم و اندحارهم و كأّن القرآن وعدهم بأمر و أخلفهم الوعد!!!!! كأّنّه وعدهم بالسعادة و الرزق الوفير إن هم أكثروا من النسك و التزموه و سنرى أنّ الأمر ليس كذالك.
في هذا البحث لن أتطرق للجانب النفسي للنسك و لكن سألج كالعادة في مفهوم لفظ "الصلاة" في البلاغ المبين. و لا شك أنّ القارئ ستفاجئه هذه القراءة بعض الشيء و هي تجعل من الصلواة مفهوما آخر لا تحصره تلك الشعيرة التعبدية.
هل الصلاة هي الشعيرة التي نعرفها بحركات جسمية سماها الناس خطأ "ركوع" و "سجود" و "تكبير" و "تسليم" و "تشهد"؟ و لماذا لا نجد أثرا في كتاب الله لهذه التفاصيل في آية واحدة ليزول اللبس و يرتفع الجدل في طريقة أداءها؟
إنّ عدم التفصيل في هيئة النسك الذي سمّاه الناس "الصلاة" جعل المتمسكين بالقرآن وحده كوحي في حرج كبير، فالكهنوت بخطابه وعمله الدؤوب حصر الدين في شعائر سمّاها أركانا و بنى هيكلا معقدا لطريقة أداءها في تفاصيل لا حصر لها و لا نهاية من مكروهات و مستحبات و وواجبات و و... و لقد اعتبر الكهنوت أنّ أي مساس بتفصيل في الأداء يبطل "الصلاة" ويجعلها غير مقبولة من عند الله "البروتوكولي" الذي اخترعوه وارتكز الكهنوت في مقولاته لأقوال نسبوها للنبي وفرضوها تنزيلا كالقرآن. و أي حديث مع الكهنوت أو ممثليه عن استحالة أن يكون كلام النبي وحيا حتّى و إن ثبثت صحته إليه يتبعه سؤال كلاسيكي وحيد و أوحد:
كيف تؤدي "الصلاة" و كيف عرفت أوقاتها و عدد "ركعاتها و ممن؟ و يقع المرء الذي ما يزال يربط الخيرية بالنسك و يقيس الإنتماء و الهوية به في حرج كبير. و يحاول جهده إيجاد المخارج و تجميع الآيات و تحديد الأوقات من آي متفرقات، ويبقى السؤال مطروحا عليه: ما هو عدد "الركعات" و أين "التشهد" و ماذا نقرأ في "الصلاة" ؟ إلى أخر الأسئلة المعهودة.
و مع أنّ كتب الموروث الحديثي لا تفصل في عدد "الركعات" و لا في أوقاتها و لكن متبعي الظن يهمهم التنقيص من القرآن و خطابه ووصمه بالعجز عن التعبير و كأنه لا يمكنه التفصيل ف هيئة النسك في سطر أو أقل منه.
إنّ الجواب عن هذه الأسئلة وغيرها نجده حتما في البلاغ المبين فهو تفصيل كل شيء وبه تصل الإنسانية إلى مشارف النور و تغرف الهدى أيّا كانت توجهاتها الفكرية وشعائرها التعبدية. فلنبدأ البحث آملين التوفيق.
إنّ أول الملاحظات يتعلق برسم لفظ "الصلاة" في البلاغ المبين، فهو رسم عجيب تتقاسمه الصلاة مع ستة ألفاظ أخرى مكونة نظاما سباعيا خاصا. و لنمعن النظر في هذه السباعية :
http://www.geocities.com/ibnnabiw/SAL1.gif
ليسمح لي القارئ أن أسجل مسرورا حفاظ جميع نسخ المصاحف على رسم هذه السباعية بهذا الرسم و لم يدخلها التحريف كما يحدث عادة في رسم كثير من الألفاظ، ممّا يدل أنّ اجتهاد البعض في تغيير رسم بعض الألفاظ خطأً كبير مبني على الذوق، و رسم هذه السباعية بهذه الطريقة يجعلنا نطمئن أنّ الرسم تنزيل كاللفظ. و أنبّه أنّ صعوبة رسم الصلاة برسمها القرآني تجعلني أرسمها "صلواة" بتأخير الألف المخففة عن الواو و هي في الرسم القرآني فوق الواو.
و أول سؤال يتبادر للذهن هو في فائدة هذا الرسم، إذ كان يكفي خط هذه السباعية برسم عادي دون إدخال حرف الواو فيها:
صلاة ؛ زكاة؛ غذاة؛ حياة؛ مشكاة؛ نجاة؛ مناة.
و كان يكفي للنساخ أن ينسخوا التاء المربوطة تاءا مفتوحة و يؤخروا الألف المخففة و تتحول "الصلواة" إلى "صلوات" ليزول الإشكال، ولكن تردد هذا اللفظ في القرآن بشكل كبير حتّم على النساخ الحفاظ على هذا الرسم الغريب، خاصة و أنّ لفظ "الصلوات" بالجمع ورد في البلاغ المبين في الآيات التالية :
البقرة : 157، 238 ـ التوبة :99 ـ الحج :40.
ورود الجمع "صلوات" ينفي أن تكون "الصلواة" جمع ويجعلنا نبحث عن سبب إيراد الواو فيها. إنّ الواو يدل في البلاغ المبين على التجميع و الرص و الربط ,و هو ما نسميه في المنطة الرياضي :
AND
إنّ الصلواة تعبر عن فعل دائم مربوط الحلقات و متصل. أمّا التاء المربوطة فهي تعبر عن حفظ الطاقة في فعل أو شيء أو عمل و استقلاله أمّا التاء المفتوحة فهي تعبر عن الإقتران و التفاعل بين الأطراف، فلفظ امرأة في البلاغ المبين عندما يأتي في االبلاغ المبين بالتاء المفتوحة فهي تعني الإقتران مع رجل بعينه قصد البناء :
"امرأت عمران" 3/35
"امرأت العزيز" 12/30؛51
"امرأت فرعون" 28/9 ـ 66/11
"امرأت نوح" 66/10
"امرات لوط" 66/10
و تأتي لفظ "امرأة" بالتاء المربوطة للتعبير عن إستقلالها الذاتي.
إنّ رسم "الصلواة" وحده يحدد طرفا من دلالته فهو مفهوم يتعلق بعمل مستقل ذاتي متصل تتخلله فترات إنقطاع بفعل الألف المخففة فوق "الواو" التي تدل عل تقطعه من حين لأخر .
و ملا حظة لفظ "الحيواة/حيواة" ينبهّنا أنّ في القرآن بنية و ليس قواعد إذ الحيواة الدنيا هي محل حركاتنا متصلة إلى الممات و تتقطعها فترات موت جزئي هي النوم و الإغفاء وهذا هو سبب وجود الألف المخففة "ا" فوق واو الحيواة أمّا لفظ الحياة الدائمة التي لن تنقطع بالموت إلاّ لتبدأ فيسميها القرآن "حيوان" و لنقرأ :
"و ما هذه الحيواة الدنيا إلاّ لهو ولعب؛ و إنّ الدار الأخرة لهي الحيوان ؛ لو كان يعلمون" العنكبوت :64
فالنون في القرآن تدل على الإحتواء، فالحياة الأخرة تضم كل الحيوات و هذه الملاحظة سوف أعود إليها لاحقا في بحث مستقل عن دلالة الألف في القرآن.
ورد لفظ "الحيواة" 71 مرة دون إضافة ضمير. و ما نلحظه هو اختفاء الواو في رسمها إذا تعلق بها ضمير. فارتباط ضمير المخاطب بها "حياتكم 46/20" أو ضمير المتكلم "حياتنا :6/29، 23/37، 45/24" و "حياتى 89/24" جعل الواو تختفي :
http://www.geocities.com/ibnnabiw/SAL2.gif
وهذا الإختفاء ليس عبثيا و لا إعتباطيا، إذ اختفاء الواو يدل أنّ "الحيواة" الدنيا ليس المحل الوحيد بل هي حلقة من الحلقات خاصة إذا علمنا أن دخول الضمير على "الحيواة" جاء حديثا منتقدا لمن كان يعتقد أنّ الحيواة الدنيا هي المحل الأوحد.
إنّ هذه الملاحظة ضرورية جدّا عندما سنقارن بين اختفاء الرسم في لفظ "حياة" عند اتصاله بضمير و بقاء الرسم العجيب في لفظ "الصلاة" مع دخول الضمير عليها في بعض الآيات و لنقرأ :
http://www.geocities.com/ibnnabiw/SAL3.gif
التوبة 9/103
و مع أنّي أعترف بوقوع "التحريف" في النسخ التي اعتمدت على ما يُسمّى "رواية ورش"، إذ اعتبر هؤلاء النساخ أن لفظ الصلواة هنا جمع و أخروا الألف المخففة عن الواو و جعلوا علامة الفتح على الواو إلاّ أنّي أحتفظ برسم النبي الذي يسميه الناس رسما عثمانيا !!. ونفس الملاحظة تنطبق على الآيات التالية :
http://www.geocities.com/ibnnabiw/SAL4.gif
هود 11/ 87
و اختفاء "واو" الصلواة في بعض الآيات الأخرى على اختفاء الإتصال في الصلواة و التركيز على حدوده خاصة إذا لاحظنا أنّ إختفاء "الواو" تبعه رسم نقطتي التاء في لفظ "صلاتهم" عموديا و هذا الرسم يوضح الحدود الطبقية العمودية في الكون فالكل مرتبط بالكل ربطا عموديا و الكل يجدد طاقته من الكل "و تسبيحه". فرسم نقطتي التاء عموديا فيدل على تغاير درجة و رتب المصلين بين آخذ و معطين و لنقرأ :
http://www.geocities.com/ibnnabiw/SAL5.gif
أمّا إختفاء "الواو" و ظهور رسم التاء بنقطتين أفقيا فهو يعبر عن الحد الفاصل بين مصلين متماثلين
http://www.geocities.com/ibnnabiw/SAL6.gif
فأين التماثل في هذه الآية؟
"صلاتهم" هنا تعبر عن التفاعل بين الكتاب الذي أُنزل على موسى التوراة و الكتاب الذي أُنزل على محمد القرآن و الكتاب المصدق لما يحمل القرآن أي الكون، و على المتفحص للكتب الثلاتة أن يجد العلاقة بينهم و الربط. ولنعد قراءة الآية إذ أنّي اقتطعتها من سياقها :
"و ما قدروا الله حق قدره إذ قالوا مآ أنزل الله على بشر من شيء !!!
قل من أنزل الكتاب الّذي جآء به موسى نورا و هدى للنّاس ؟؟
تجعلونه قراطيس تبدونها و تخفون كثيرا؛ و علّمتم ما لم تعلموا أنتم و لا أباؤكم؛قل الله؛ ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون (91) و هذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الّذي بين يديه و لتنذر أمّ القرى و من حولها؛ و الذين يؤمنون بالأخرة يؤمنون به، وهم على صلاتهم يحافظون (92)"
الأنعام
و أرجو القارئ أن يقارن بين خطّي و رسم القرآن في الآية 92 من الأنعام ليرى مقدار جريمتي في خطّ الآيات برسمي، و لذلك أحرص غالبا أن تكون الآيات برسم خطّ القرآن نفسه.
على أنّ الرسم ليس دلالة لوحده و إنّما هو عنصر من عناصر الدلالة و أختم ملاحظاتي في ألفاظ السباعية عن لفظ "زكواة" لإقترانها بالصلواة غالبا لندخل به بحث الدلالة دون تأخير إذ الغوص أكثر من هذا سوف يخرجنا بعيدا عن الموضوع.
لم ترد لفظة "زكواة" مضافة إلى ضمير و هذا يدفعنا للتساؤل. فلم ترد "زكاتكم" و لا "زكاتهم" و لا "زكاته"، فغياب ضمائر الإتصال ب "الزكواة" يدل على صعوبة تحقق الزكواة في الفرد والجماعة حتّى أنّ نسبته إليهم مستحيلة الوجود.
إنّ جعل الزكواة مرادفة لصدقة المال إجرام في حق الرسالة و تحريف للكلم عن مواضعه و لغو عظيم. فمشتقات الزكواة لا علاقة لها بصدقة المال حصرا ف:
زَكَى
زكّاها/ تُزَكُّوا / تزكِّهيم/يزّكون/ يزكِّى/ يزكّيكم/ يزكّيهم/ تزكّى/ يتزكّى/يزّكّى
أَزْكى
زَكِّيا
زكيّة.
لا تدل إطلاقا على معنى صدقة المال إطلاقا بل دليل الزكواة في كتاب الله الصفاء و عدم الخبث و نقاء الذات في المحيط الذي تتفاعل معه و لنقرأ شواهد البلاغ المبين ليستقر المعنى في أذهاننا :
" يأيها الذين ءامنوا لا تتّبعوا خُطُوات الشيطان؛ ومن يتّبع خطوات الشيطان فإنّه يأمر بالفحشاء و المنكر؛ و لولا فضل الله عليكمـ و رحمته ما زَكَى منكمـ من أحد أبدا و لكن الله يزَّكي من يشاء، و الله سميع عليمـ "
النور 24/21
"و كذلك بعثناهمـ ليتسآءلوا بينهم. قال قآئل منهم كم لبثتمـ ؟ قالوا لبثنا يوما أو بعض يومـ !! قالوا ربّكم أعلمـ بما لبثتمـ فابعثوا أحدكم بورِقِكم هذه إلى المدينة فلينظر أيهآ أزكى طعاما فليأتكم برزق منه و ليتلطف و لا يشعرنّ بكم أحدا"
الكهف 18/19
"قال إنّمآ أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا"
مريم 19/19
إنّ من يتبع خطوات الشيطان يسعى لتبرير أعماله المنكرة و هو بهذا يُخبث باطنه و يكدر ذاته بهذه التبريرات و أولى به أن يسعى لتزكية نفسه.
و فتية الكهف يظهر أنّهم من وسط إجتماعي غني فهم يبحثون عن أرفع أنواع الطعام "أزكى طعاما".
و الرسول المكلف بوهب مريم ابنها عيسى المسيح النبي الكريم يعدها أنّ جسمه سيكون دون علة و مرض خبيث بل سينشأ سليما زكيّ الجسم.
وحتّى نطمئن لهذا المعنى في البلاغ المبين نقرأ كذلك :
"و نفس و ما سوّاها(7) فألهمها فجورها و تقواها(8) قد أفلح من زكّاها(9) وقد خاب من دسّاها(10)
الشمس
فزكواة النفس إصلاحها و السير بها نحو الإحسان و الصدق.
إنّ مشتقات فعل الزكاة تدل كما قلنا على الصفاء و النقاء و الرفعة وهذا ما تحمله كذالك لفظة "زكواة" برسمها العجيب و لنقرأ الشواهد من البلاغ المبين :
http://www.geocities.com/ibnnabiw/SAL7.gif
فالغلام الذي رآه موسى ظنّه سليم الجسم لا مرض فيه و لا خبث و هو ما تدل عليه لفظة "غلام" دليل القوة و صلابة البنية و لكنّه في الواقع يعاني من مرض داخلي خبيث من جنس السرطان سيرهق الوالدين وتنقلب أواصر الرحم إلى عناء ثقيل فأراد الملك و معه الملائكة بدليل فعل الجمع "أردنا" أن ينهي عناء الوالدين.
و أمّا النبي الكريم يحي فمعاملته لغيره في مستوى عال جدّا من الصفاء و الوضوح و البعد عن خبث الداخل.
لقد فضلت التوسع في دليل معنى الزكاة لإرتباطها في 27 آية من القرآن بالصلواة ووردت الزكواة منفردة في خمس مواضع، على أنّنا نلحظ أنّ الصلواة تسبق دوما الزكواة عند ورودهما مقترنين. فما سبب هذه العلاقة الحميمية بين "الصلواة" و "الزكواة" خاصة و قد سبق أنّ الزكواة متعلقة بصفاء الذات في التعامل مع الآخرين و عدم تبييت النوايا السيئة والخبث في التعامل معهم و هو أمر مع صعوبته المعبر عليه بفعل "ءاتى" و "ءاتوا" واجب رسالي في التعامل مع الناس.إنّ إرتباط إقام الصلواة بإيتاء الزكواة يجعلنا نقف طويلا في هندسة هذا الربط، إذ مقصد إيتاء الزكواة هو صفاء التعامل مع الآخر فينبغي أن يكون إقام الصلواة من نفس الجنس.
ما هو إذن مفهوم الصلواة و إقامتها و القيام لها؟
لقد سبق القول أن رسم الصلواة يدل على الإستمرار و الإتصال و بقاء الفعل مع انقطاعه من حين لحين بدخول الألف المخففة على الواو. ولكن الرسم إن دلّ على صفة الدلالة فهو لا يدلنا على الدلالة نفسها، ذلك لجهلنا بالبنية اللفظية للقرآن. و عملنا كما تعودنا عليه هو الرجوع إلى مشتقات الصلواة في القرآن و إلى الآيات التي ورد فيها هذا اللفظ حتّى نصل إلى تحديد الدلالة.
إنّ أقرب المشتقات للفظ "الصلواة" في القرآن هي :
صَلَى / يَصْلى/ صَال/ تَصْلِية/ صلّيا.
و فعل يَصْلى يدل على الإقتراب من حد معين لا يتعداه، إذ في تعديه حتف من يتعداه و هذا ما نفهمه من الشواهد القرآنية التالية :
"هذه النار التي كنتم بها تكذبون(14) أفسحر هذآ أم أنتمـ لا تُبصرون(15) اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سوآء عليكم، إنّما تُجزون ما كنتمـ تعلمون(16)"
الطور
"فنزل من حميم(93) و تصلية جحيم(94)" الواقعة
"خذوه فغلوه(30) ثمّ الجحيم صلّوه(31)" الحاقة
فالذي استحق العذاب يوضع على مسافة معينة من مركز الحرارة لا يتعداها، فالنار تشويه و لا تحرقه كما يوضع اللحم الذي يشوى على بعد معين من الجمر حتّى لا يحترق و يُشوى شيئا فشيئا، وهذا ما توضحه آية النساء :
"إنّ الذين كفروابآيتنا سوف نصليهم نارا كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب، إنّ الله كان عزيزا حكيما"
النساء 4/56
فكلمة "نضجت" تبين الشوي لا الحرق، وهي بهذا تعطينا دليل لفظ "يصلى" الذي يدل على بقاء الفرد في حد لا يتجاوزه خاضعا لمن يصلاه.
هذا هو مفهوم "صَلىَ" فما هو مفهوم "صلّى"؟
نجد دليل لفظ "صلّى" في آية النساء الذي يقربنا من مشتقه "صَلَى" بزيادة الشدة على اللام :
http://www.geocities.com/ibnnabiw/SAL8.gif
النساء 4/100 ـ 105
ولمّا كانت ألفاظ القرآن كلّها مفاهيم كما سيأتي بيانه في بحث المنهج، ينبغي على القارئ أن لا يحصر فكره و هو يقرأ اللفظ في موجود بعينه بل عليه هو أن يكشف عن الموجود الذي يطابق مفهوم اللفظ. و ما نفهمه من آيات البلاغ المبين أعلاه أنّ الصلواة هنا تتعلق برصد العدو و إقامة حد له يمنعه من ممارسة عدوانه. وعلى القائد أن لا يغادر مكان الرصد وهو يأمر نصف جيشه ليضع أسلحته و يرتاح و النصف الآخر يبقى مستنفرا بكامل سلاحه و يبين البلاغ المبين أنّ هذا الرصد ينبغي أن يخضغ لضبط و توقيت و إعداد لجميع أجزاءه "كتابا موقوتا". وهذا الألم المترتب عن الرصد المتصل متبادل بين الطرفين، على أنّ ألم الذين آمنوا نتائجه أعظم، ولا مجال هنا للقول أنّ الصلواة هي شعيرة و نسك بل هي متصلة بحفظ حدود دولة الذين ءامنوا من أي عدواني خارجي يريد تقويضها وإذا اطمأنّ الذين ءامنوا للطرف الأخر و أمنوا إعتداءه فليس عليهم أن يبدأوا بإقامة الصلاة معه. فتقصير الصلواة هو التخفيف من حدود دائرة التفاعل مع الأخرين إن كانوا ممن يُخشى أن يكونوا من أعداء الدولة و مريدي هدمها إذ ما علاقة تقصير الصلواة أو إتمامها في حال الخوف إن اعتبرناها نسك؟
أمّا لفظ السجود في الآية 102 فهو يعبر عن الخضوع التام لبرنامج الرصد و ترقب العدو شأن أي عسكري يحرس لا يجوز له مغادرة مكانه، و لا يستقيم فهم الآية بجعل الصلواة نسك أبدا و قراءة الآيات يغني عن كل شرح.
إنّ "صلّى" تدل على إقامة الحد و ليس الوصول إليه من آخر الذي يدل عليه لفظ "صَلَى" و الصلواة هي المحل الجامع لكل عمليات إقامة الحد مع الغير وهي ترسم التفاعل مع الغير دون تجاوز للحد و دون تعدي على عليه و الذي يصّلي لا يغفل ولا يعتدي على حدود الذي يصلي عليه و هذا ما نجد مصداقه في صلواة الخلايا بعضها على بعض في تفاعل مضبوط دون أن تعتدي خلية على أخرى راسمة حدودها و أفعالها و مجالات تفاعلها مع الخلايا الأخرى و كذلك الذرات تصلي على بعضها بعضا بنفس منطق الخلايا و هذا ما يبينه لنا البلاغ المبين :
http://www.geocities.com/ibnnabiw/SAL9.gif
فعلم الله محيط بطرق تفاعل الكائنات مع بعضها و طريقة رسمها لحدود هذا التفاعل مع غيرها من الكائنات. فكل الكائنات تخضع لقانون تجديد الطاقة "التسبيح" و كلها تتفاعل مع غيرها راسمة حدود هذا التفاعل "الصلواة".
إن مفهوم الصلواة جامع للكائنات في تفاعلها مع بعضها و يبقى الكائن الذي نُفخ فيه الروح يحتاج إلى إقامة الصلواة مع غيره من بني جنسه إذ هو الكائن الوحيد الذي يملك الإختيار. فهو المطالب بإقامة الصلواة على نفسه فيرقبها و لا يغفل عن أفعالها و أقوالها و لا يتركها تتجاوز حدودها فتطغى و تنحرف. هو مطالب بإقامة الصلواة على غيره من الناس بصفة الزكواة، فهو مطالب بالتفاعل مع غيره راسما حدود هذا التفاعل، فهو يرصد حركاتهم دون أن يعتدي عليهم و دون أن يتجاوز حدود هذا التفاعل، وفي فعل الإقامة دليل منع السقوط و الإنهيار، فالذي لا يقيم الصلواة على نفسه يطغى و ينحرف و الذي لا يقيم الصلواة على غيره يتأخر علميا و معرفيا و خلقيا بفعل تعديه الحدود بتدخله في شؤون الناس الخاصة.
إنّ اقتران مطالبتنا بمراقبة أعمالنا الفردية و الجماعية و التفاعل مع غيرنا مراعين حدود هذا التفاعل لكي لا نعتدي و لا نتجاوز بجملة "أقيموا الصلواة" يتبعه مباشرة مطالبتنا بإختيار أزكى السبل لهذا التفاعل بصفاء نية و ابتعاد عن الخَبَث "و ءاتوا الزكواة". هذا التفاعل الدائم المتصل المستمر يرفقه دوما اختيار أحسن السبل المؤدية إليه. أليس القرآن خطابا للناس جميعا؟ أليس البلاغ المبين دستوروهم جميعا؟
و الله جلّ ذكره يصلّي علينا، فالسنن التي أودعها في الكون ترقبنا و تتفاعل معنا دون أن تتدخل في اختيارنا تاركة لنا حريتنا في الإختيار :
"يأيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا(41) و سبحوه بكرة و أصيلا(42) هو الذي يصلّي عليكم و ملائكته ليخرجكمـ من الظلمات إلى النور؛ و كان بالمؤمنين رحيما(43)"
الأحزاب
إنّ ما أودعه فاطر السماوات و الأرض من سنن في الكون والقوى الملائكية الموجودة فيه تتفاعل معنا دون أن تعيق اختيارنا على أنّها تسعى لإنارة السبيل لنا و توجيهنا بمنارات الوحي و الكون إلى النور.
و الله جلّ ذكره أي سننه تراقب النبي و لا تغفل عنه وترصد حركاته كما تفعل مع غيره دون أن تتدخل في حريته و الملائكة تُرسل بالتنزيل على قلب النبي الكريم بإختيار وقت تفاعلها مع النبي بإنزال الوحي عليه محترمين حياة النبي الخاصة و يأمرنا البلاغ المبين أن نتفاعل مع النبي دون أن نتجاوز حدودنا بالتدخل في حياته الخاصة و محاولة تقليده و الإكتفاء بالتسليم له بالرسالة :
"إنّ الله و ملائكته يصلّون على النبي؛ يأيها الذين ءامنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليما"
الأحزاب
و الحق أنّ بعض الناس يجعل مفهوم صلاة الله و الملائكة على النبي مخالفة لمفهوم صلاة الذين ءامنوا على النبي، والحق أنّ المفهوم واحد و لكن كل "موجود" يدخل في مفهومه بقدر حمله لمعناه وهذا ما سأقدمه في بحث المنهج. و أمّا من جعل الصلاة على النبي كلمات من جنس "اللهم صلّ على محمد" فهو لم يفقه بعد أنّ الله صلّى على النبي و أنّ هذه الكلمات لا معنى لها.
قد توصلنا إذن إلى مفهوم إقامة الصلواة وننتقل الآن إلى موضوع القيام إلى الصلواة لنحدد الفرق بين المفهومين لإختلاف فعل "قام" و "أقام" و دخول أداة "إلى" على فعل القيام.
و للحديث بقية.
بن نبي
و حتّى في حالات الدعة و الفرح و السعادة الغامرة فأداء النسك الذي اعتاد الناس تسميته "صلاة" فلست بمنتقده و لن أحاول إذا ما اعتبر هذا النسك شكر لله على نعمة الوجود و حمد له على نعمه آناء الليل و أطراف النهار. فهذا الفعل هو من قبيل الإعتراف بالجميل إذ الله مستغن عن هذا الشكر و عن أي شكل من اشكال الخضوع، و هيئة هذا الشكر يسّميها نسكا و هو فعل فردي يقابله فعل الصلواة الذي سيأتي دليلها فيما سيلحق :
"قل إنّ صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله ربّ العالمين"
الأنعام 6/162
و لا يحدد البلاغ المبين هيئة هذا النسك و لا يجعل له طريقة معينة و لا شكلا روتينيا مضبوطا و لنقرأ :
"و لكلّ أمّة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعامـ ، فإلهكمـ إله واحد فله أسلموا، وبشّر المخبتين"
الحج 22/34
بل يقرر القرآن أنّ هيئة النسك من عمل الأمّة في سيرها التاريخي و هي من تحدده هيئته و لنقرأ :
"لكلّ أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه، فلا ينازعنّك في الأمر؛ وادع إلى ربّك، إنّك لعلى هدى مستقيمـ "
الحج 22/67
فقوم النبي و سكان الهند والصين و سكان أمريكا و إفريقيا و أوروبا و أستراليا و سكان القطب المتجمد كلهم يشكرون الله بطريقتهم و لا يغرنك من لا يحسن قراءة نصوصهم المقدسة فكلها تحمد و تشكر الله و إن أساء الناس ترجمة معانيها و التعبير عن ما في نصوصها.
و الإنسانية ترتفع و تتساوى حقوقها عند أداءها النسك جماعة فهي شهادة منهم بأنّ سيدهم ليس واحدا منهم بل هو الله الواحد الأحد، و في هذا ضمان لحرية الإنسان من إستعباد الساسة و الكهنوت و قوى الإستهلاك و خطورته في تحولّه إلى طقوس لا هدف فيها و لا غاية و روتينا يزعم الناس فيه مقايضة مع الرب، فمنهم الخضوع و منه إستجابة المطالب.
إنّ حلّ إشكالاتنا السياسة أولاّ و الإجتماعية ثانيا ليست في ترك النسك أو النداء بتركه بل بدعوة الناس ليعقلوا فعلهم و أنّ الله غني عن نسكهم و أنّ حل مشاكلهم السياسية هو في إبرام الميثاق السياسي و إلتزامه و حلّ مشاكلهم الإقتصادية في إستثمار جهدهم اليومي و مواصلة البحث العلمي الذي هو أساس خلافتنا في الأرض.
أداء النسك بوعي يُنتج إنسانا يدرك حجمه في الوجود دون أن يكون لهذا النسك أي ارتباط بحكمه على ألأخرين و تفاعلهم معه و هذا ما سنحاول التفصيل فيه في هذا البحث. أمّا غياب الوعي في أداء النسك فقد حولّها إلى طلاسم يحاول الناس بها التقرب إلى إله حسبوه ديكتاتورا يطالبهم بالخضوع إليه و كأنّه يشك في عظمته و علمه و حكمته. وهم يرون أنّهم كلّما أكثروا من الخضوع زاد تخلفهم و اندحارهم و كأّن القرآن وعدهم بأمر و أخلفهم الوعد!!!!! كأّنّه وعدهم بالسعادة و الرزق الوفير إن هم أكثروا من النسك و التزموه و سنرى أنّ الأمر ليس كذالك.
في هذا البحث لن أتطرق للجانب النفسي للنسك و لكن سألج كالعادة في مفهوم لفظ "الصلاة" في البلاغ المبين. و لا شك أنّ القارئ ستفاجئه هذه القراءة بعض الشيء و هي تجعل من الصلواة مفهوما آخر لا تحصره تلك الشعيرة التعبدية.
هل الصلاة هي الشعيرة التي نعرفها بحركات جسمية سماها الناس خطأ "ركوع" و "سجود" و "تكبير" و "تسليم" و "تشهد"؟ و لماذا لا نجد أثرا في كتاب الله لهذه التفاصيل في آية واحدة ليزول اللبس و يرتفع الجدل في طريقة أداءها؟
إنّ عدم التفصيل في هيئة النسك الذي سمّاه الناس "الصلاة" جعل المتمسكين بالقرآن وحده كوحي في حرج كبير، فالكهنوت بخطابه وعمله الدؤوب حصر الدين في شعائر سمّاها أركانا و بنى هيكلا معقدا لطريقة أداءها في تفاصيل لا حصر لها و لا نهاية من مكروهات و مستحبات و وواجبات و و... و لقد اعتبر الكهنوت أنّ أي مساس بتفصيل في الأداء يبطل "الصلاة" ويجعلها غير مقبولة من عند الله "البروتوكولي" الذي اخترعوه وارتكز الكهنوت في مقولاته لأقوال نسبوها للنبي وفرضوها تنزيلا كالقرآن. و أي حديث مع الكهنوت أو ممثليه عن استحالة أن يكون كلام النبي وحيا حتّى و إن ثبثت صحته إليه يتبعه سؤال كلاسيكي وحيد و أوحد:
كيف تؤدي "الصلاة" و كيف عرفت أوقاتها و عدد "ركعاتها و ممن؟ و يقع المرء الذي ما يزال يربط الخيرية بالنسك و يقيس الإنتماء و الهوية به في حرج كبير. و يحاول جهده إيجاد المخارج و تجميع الآيات و تحديد الأوقات من آي متفرقات، ويبقى السؤال مطروحا عليه: ما هو عدد "الركعات" و أين "التشهد" و ماذا نقرأ في "الصلاة" ؟ إلى أخر الأسئلة المعهودة.
و مع أنّ كتب الموروث الحديثي لا تفصل في عدد "الركعات" و لا في أوقاتها و لكن متبعي الظن يهمهم التنقيص من القرآن و خطابه ووصمه بالعجز عن التعبير و كأنه لا يمكنه التفصيل ف هيئة النسك في سطر أو أقل منه.
إنّ الجواب عن هذه الأسئلة وغيرها نجده حتما في البلاغ المبين فهو تفصيل كل شيء وبه تصل الإنسانية إلى مشارف النور و تغرف الهدى أيّا كانت توجهاتها الفكرية وشعائرها التعبدية. فلنبدأ البحث آملين التوفيق.
إنّ أول الملاحظات يتعلق برسم لفظ "الصلاة" في البلاغ المبين، فهو رسم عجيب تتقاسمه الصلاة مع ستة ألفاظ أخرى مكونة نظاما سباعيا خاصا. و لنمعن النظر في هذه السباعية :
http://www.geocities.com/ibnnabiw/SAL1.gif
ليسمح لي القارئ أن أسجل مسرورا حفاظ جميع نسخ المصاحف على رسم هذه السباعية بهذا الرسم و لم يدخلها التحريف كما يحدث عادة في رسم كثير من الألفاظ، ممّا يدل أنّ اجتهاد البعض في تغيير رسم بعض الألفاظ خطأً كبير مبني على الذوق، و رسم هذه السباعية بهذه الطريقة يجعلنا نطمئن أنّ الرسم تنزيل كاللفظ. و أنبّه أنّ صعوبة رسم الصلاة برسمها القرآني تجعلني أرسمها "صلواة" بتأخير الألف المخففة عن الواو و هي في الرسم القرآني فوق الواو.
و أول سؤال يتبادر للذهن هو في فائدة هذا الرسم، إذ كان يكفي خط هذه السباعية برسم عادي دون إدخال حرف الواو فيها:
صلاة ؛ زكاة؛ غذاة؛ حياة؛ مشكاة؛ نجاة؛ مناة.
و كان يكفي للنساخ أن ينسخوا التاء المربوطة تاءا مفتوحة و يؤخروا الألف المخففة و تتحول "الصلواة" إلى "صلوات" ليزول الإشكال، ولكن تردد هذا اللفظ في القرآن بشكل كبير حتّم على النساخ الحفاظ على هذا الرسم الغريب، خاصة و أنّ لفظ "الصلوات" بالجمع ورد في البلاغ المبين في الآيات التالية :
البقرة : 157، 238 ـ التوبة :99 ـ الحج :40.
ورود الجمع "صلوات" ينفي أن تكون "الصلواة" جمع ويجعلنا نبحث عن سبب إيراد الواو فيها. إنّ الواو يدل في البلاغ المبين على التجميع و الرص و الربط ,و هو ما نسميه في المنطة الرياضي :
AND
إنّ الصلواة تعبر عن فعل دائم مربوط الحلقات و متصل. أمّا التاء المربوطة فهي تعبر عن حفظ الطاقة في فعل أو شيء أو عمل و استقلاله أمّا التاء المفتوحة فهي تعبر عن الإقتران و التفاعل بين الأطراف، فلفظ امرأة في البلاغ المبين عندما يأتي في االبلاغ المبين بالتاء المفتوحة فهي تعني الإقتران مع رجل بعينه قصد البناء :
"امرأت عمران" 3/35
"امرأت العزيز" 12/30؛51
"امرأت فرعون" 28/9 ـ 66/11
"امرأت نوح" 66/10
"امرات لوط" 66/10
و تأتي لفظ "امرأة" بالتاء المربوطة للتعبير عن إستقلالها الذاتي.
إنّ رسم "الصلواة" وحده يحدد طرفا من دلالته فهو مفهوم يتعلق بعمل مستقل ذاتي متصل تتخلله فترات إنقطاع بفعل الألف المخففة فوق "الواو" التي تدل عل تقطعه من حين لأخر .
و ملا حظة لفظ "الحيواة/حيواة" ينبهّنا أنّ في القرآن بنية و ليس قواعد إذ الحيواة الدنيا هي محل حركاتنا متصلة إلى الممات و تتقطعها فترات موت جزئي هي النوم و الإغفاء وهذا هو سبب وجود الألف المخففة "ا" فوق واو الحيواة أمّا لفظ الحياة الدائمة التي لن تنقطع بالموت إلاّ لتبدأ فيسميها القرآن "حيوان" و لنقرأ :
"و ما هذه الحيواة الدنيا إلاّ لهو ولعب؛ و إنّ الدار الأخرة لهي الحيوان ؛ لو كان يعلمون" العنكبوت :64
فالنون في القرآن تدل على الإحتواء، فالحياة الأخرة تضم كل الحيوات و هذه الملاحظة سوف أعود إليها لاحقا في بحث مستقل عن دلالة الألف في القرآن.
ورد لفظ "الحيواة" 71 مرة دون إضافة ضمير. و ما نلحظه هو اختفاء الواو في رسمها إذا تعلق بها ضمير. فارتباط ضمير المخاطب بها "حياتكم 46/20" أو ضمير المتكلم "حياتنا :6/29، 23/37، 45/24" و "حياتى 89/24" جعل الواو تختفي :
http://www.geocities.com/ibnnabiw/SAL2.gif
وهذا الإختفاء ليس عبثيا و لا إعتباطيا، إذ اختفاء الواو يدل أنّ "الحيواة" الدنيا ليس المحل الوحيد بل هي حلقة من الحلقات خاصة إذا علمنا أن دخول الضمير على "الحيواة" جاء حديثا منتقدا لمن كان يعتقد أنّ الحيواة الدنيا هي المحل الأوحد.
إنّ هذه الملاحظة ضرورية جدّا عندما سنقارن بين اختفاء الرسم في لفظ "حياة" عند اتصاله بضمير و بقاء الرسم العجيب في لفظ "الصلاة" مع دخول الضمير عليها في بعض الآيات و لنقرأ :
http://www.geocities.com/ibnnabiw/SAL3.gif
التوبة 9/103
و مع أنّي أعترف بوقوع "التحريف" في النسخ التي اعتمدت على ما يُسمّى "رواية ورش"، إذ اعتبر هؤلاء النساخ أن لفظ الصلواة هنا جمع و أخروا الألف المخففة عن الواو و جعلوا علامة الفتح على الواو إلاّ أنّي أحتفظ برسم النبي الذي يسميه الناس رسما عثمانيا !!. ونفس الملاحظة تنطبق على الآيات التالية :
http://www.geocities.com/ibnnabiw/SAL4.gif
هود 11/ 87
و اختفاء "واو" الصلواة في بعض الآيات الأخرى على اختفاء الإتصال في الصلواة و التركيز على حدوده خاصة إذا لاحظنا أنّ إختفاء "الواو" تبعه رسم نقطتي التاء في لفظ "صلاتهم" عموديا و هذا الرسم يوضح الحدود الطبقية العمودية في الكون فالكل مرتبط بالكل ربطا عموديا و الكل يجدد طاقته من الكل "و تسبيحه". فرسم نقطتي التاء عموديا فيدل على تغاير درجة و رتب المصلين بين آخذ و معطين و لنقرأ :
http://www.geocities.com/ibnnabiw/SAL5.gif
أمّا إختفاء "الواو" و ظهور رسم التاء بنقطتين أفقيا فهو يعبر عن الحد الفاصل بين مصلين متماثلين
http://www.geocities.com/ibnnabiw/SAL6.gif
فأين التماثل في هذه الآية؟
"صلاتهم" هنا تعبر عن التفاعل بين الكتاب الذي أُنزل على موسى التوراة و الكتاب الذي أُنزل على محمد القرآن و الكتاب المصدق لما يحمل القرآن أي الكون، و على المتفحص للكتب الثلاتة أن يجد العلاقة بينهم و الربط. ولنعد قراءة الآية إذ أنّي اقتطعتها من سياقها :
"و ما قدروا الله حق قدره إذ قالوا مآ أنزل الله على بشر من شيء !!!
قل من أنزل الكتاب الّذي جآء به موسى نورا و هدى للنّاس ؟؟
تجعلونه قراطيس تبدونها و تخفون كثيرا؛ و علّمتم ما لم تعلموا أنتم و لا أباؤكم؛قل الله؛ ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون (91) و هذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الّذي بين يديه و لتنذر أمّ القرى و من حولها؛ و الذين يؤمنون بالأخرة يؤمنون به، وهم على صلاتهم يحافظون (92)"
الأنعام
و أرجو القارئ أن يقارن بين خطّي و رسم القرآن في الآية 92 من الأنعام ليرى مقدار جريمتي في خطّ الآيات برسمي، و لذلك أحرص غالبا أن تكون الآيات برسم خطّ القرآن نفسه.
على أنّ الرسم ليس دلالة لوحده و إنّما هو عنصر من عناصر الدلالة و أختم ملاحظاتي في ألفاظ السباعية عن لفظ "زكواة" لإقترانها بالصلواة غالبا لندخل به بحث الدلالة دون تأخير إذ الغوص أكثر من هذا سوف يخرجنا بعيدا عن الموضوع.
لم ترد لفظة "زكواة" مضافة إلى ضمير و هذا يدفعنا للتساؤل. فلم ترد "زكاتكم" و لا "زكاتهم" و لا "زكاته"، فغياب ضمائر الإتصال ب "الزكواة" يدل على صعوبة تحقق الزكواة في الفرد والجماعة حتّى أنّ نسبته إليهم مستحيلة الوجود.
إنّ جعل الزكواة مرادفة لصدقة المال إجرام في حق الرسالة و تحريف للكلم عن مواضعه و لغو عظيم. فمشتقات الزكواة لا علاقة لها بصدقة المال حصرا ف:
زَكَى
زكّاها/ تُزَكُّوا / تزكِّهيم/يزّكون/ يزكِّى/ يزكّيكم/ يزكّيهم/ تزكّى/ يتزكّى/يزّكّى
أَزْكى
زَكِّيا
زكيّة.
لا تدل إطلاقا على معنى صدقة المال إطلاقا بل دليل الزكواة في كتاب الله الصفاء و عدم الخبث و نقاء الذات في المحيط الذي تتفاعل معه و لنقرأ شواهد البلاغ المبين ليستقر المعنى في أذهاننا :
" يأيها الذين ءامنوا لا تتّبعوا خُطُوات الشيطان؛ ومن يتّبع خطوات الشيطان فإنّه يأمر بالفحشاء و المنكر؛ و لولا فضل الله عليكمـ و رحمته ما زَكَى منكمـ من أحد أبدا و لكن الله يزَّكي من يشاء، و الله سميع عليمـ "
النور 24/21
"و كذلك بعثناهمـ ليتسآءلوا بينهم. قال قآئل منهم كم لبثتمـ ؟ قالوا لبثنا يوما أو بعض يومـ !! قالوا ربّكم أعلمـ بما لبثتمـ فابعثوا أحدكم بورِقِكم هذه إلى المدينة فلينظر أيهآ أزكى طعاما فليأتكم برزق منه و ليتلطف و لا يشعرنّ بكم أحدا"
الكهف 18/19
"قال إنّمآ أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا"
مريم 19/19
إنّ من يتبع خطوات الشيطان يسعى لتبرير أعماله المنكرة و هو بهذا يُخبث باطنه و يكدر ذاته بهذه التبريرات و أولى به أن يسعى لتزكية نفسه.
و فتية الكهف يظهر أنّهم من وسط إجتماعي غني فهم يبحثون عن أرفع أنواع الطعام "أزكى طعاما".
و الرسول المكلف بوهب مريم ابنها عيسى المسيح النبي الكريم يعدها أنّ جسمه سيكون دون علة و مرض خبيث بل سينشأ سليما زكيّ الجسم.
وحتّى نطمئن لهذا المعنى في البلاغ المبين نقرأ كذلك :
"و نفس و ما سوّاها(7) فألهمها فجورها و تقواها(8) قد أفلح من زكّاها(9) وقد خاب من دسّاها(10)
الشمس
فزكواة النفس إصلاحها و السير بها نحو الإحسان و الصدق.
إنّ مشتقات فعل الزكاة تدل كما قلنا على الصفاء و النقاء و الرفعة وهذا ما تحمله كذالك لفظة "زكواة" برسمها العجيب و لنقرأ الشواهد من البلاغ المبين :
http://www.geocities.com/ibnnabiw/SAL7.gif
فالغلام الذي رآه موسى ظنّه سليم الجسم لا مرض فيه و لا خبث و هو ما تدل عليه لفظة "غلام" دليل القوة و صلابة البنية و لكنّه في الواقع يعاني من مرض داخلي خبيث من جنس السرطان سيرهق الوالدين وتنقلب أواصر الرحم إلى عناء ثقيل فأراد الملك و معه الملائكة بدليل فعل الجمع "أردنا" أن ينهي عناء الوالدين.
و أمّا النبي الكريم يحي فمعاملته لغيره في مستوى عال جدّا من الصفاء و الوضوح و البعد عن خبث الداخل.
لقد فضلت التوسع في دليل معنى الزكاة لإرتباطها في 27 آية من القرآن بالصلواة ووردت الزكواة منفردة في خمس مواضع، على أنّنا نلحظ أنّ الصلواة تسبق دوما الزكواة عند ورودهما مقترنين. فما سبب هذه العلاقة الحميمية بين "الصلواة" و "الزكواة" خاصة و قد سبق أنّ الزكواة متعلقة بصفاء الذات في التعامل مع الآخرين و عدم تبييت النوايا السيئة والخبث في التعامل معهم و هو أمر مع صعوبته المعبر عليه بفعل "ءاتى" و "ءاتوا" واجب رسالي في التعامل مع الناس.إنّ إرتباط إقام الصلواة بإيتاء الزكواة يجعلنا نقف طويلا في هندسة هذا الربط، إذ مقصد إيتاء الزكواة هو صفاء التعامل مع الآخر فينبغي أن يكون إقام الصلواة من نفس الجنس.
ما هو إذن مفهوم الصلواة و إقامتها و القيام لها؟
لقد سبق القول أن رسم الصلواة يدل على الإستمرار و الإتصال و بقاء الفعل مع انقطاعه من حين لحين بدخول الألف المخففة على الواو. ولكن الرسم إن دلّ على صفة الدلالة فهو لا يدلنا على الدلالة نفسها، ذلك لجهلنا بالبنية اللفظية للقرآن. و عملنا كما تعودنا عليه هو الرجوع إلى مشتقات الصلواة في القرآن و إلى الآيات التي ورد فيها هذا اللفظ حتّى نصل إلى تحديد الدلالة.
إنّ أقرب المشتقات للفظ "الصلواة" في القرآن هي :
صَلَى / يَصْلى/ صَال/ تَصْلِية/ صلّيا.
و فعل يَصْلى يدل على الإقتراب من حد معين لا يتعداه، إذ في تعديه حتف من يتعداه و هذا ما نفهمه من الشواهد القرآنية التالية :
"هذه النار التي كنتم بها تكذبون(14) أفسحر هذآ أم أنتمـ لا تُبصرون(15) اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سوآء عليكم، إنّما تُجزون ما كنتمـ تعلمون(16)"
الطور
"فنزل من حميم(93) و تصلية جحيم(94)" الواقعة
"خذوه فغلوه(30) ثمّ الجحيم صلّوه(31)" الحاقة
فالذي استحق العذاب يوضع على مسافة معينة من مركز الحرارة لا يتعداها، فالنار تشويه و لا تحرقه كما يوضع اللحم الذي يشوى على بعد معين من الجمر حتّى لا يحترق و يُشوى شيئا فشيئا، وهذا ما توضحه آية النساء :
"إنّ الذين كفروابآيتنا سوف نصليهم نارا كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب، إنّ الله كان عزيزا حكيما"
النساء 4/56
فكلمة "نضجت" تبين الشوي لا الحرق، وهي بهذا تعطينا دليل لفظ "يصلى" الذي يدل على بقاء الفرد في حد لا يتجاوزه خاضعا لمن يصلاه.
هذا هو مفهوم "صَلىَ" فما هو مفهوم "صلّى"؟
نجد دليل لفظ "صلّى" في آية النساء الذي يقربنا من مشتقه "صَلَى" بزيادة الشدة على اللام :
http://www.geocities.com/ibnnabiw/SAL8.gif
النساء 4/100 ـ 105
ولمّا كانت ألفاظ القرآن كلّها مفاهيم كما سيأتي بيانه في بحث المنهج، ينبغي على القارئ أن لا يحصر فكره و هو يقرأ اللفظ في موجود بعينه بل عليه هو أن يكشف عن الموجود الذي يطابق مفهوم اللفظ. و ما نفهمه من آيات البلاغ المبين أعلاه أنّ الصلواة هنا تتعلق برصد العدو و إقامة حد له يمنعه من ممارسة عدوانه. وعلى القائد أن لا يغادر مكان الرصد وهو يأمر نصف جيشه ليضع أسلحته و يرتاح و النصف الآخر يبقى مستنفرا بكامل سلاحه و يبين البلاغ المبين أنّ هذا الرصد ينبغي أن يخضغ لضبط و توقيت و إعداد لجميع أجزاءه "كتابا موقوتا". وهذا الألم المترتب عن الرصد المتصل متبادل بين الطرفين، على أنّ ألم الذين آمنوا نتائجه أعظم، ولا مجال هنا للقول أنّ الصلواة هي شعيرة و نسك بل هي متصلة بحفظ حدود دولة الذين ءامنوا من أي عدواني خارجي يريد تقويضها وإذا اطمأنّ الذين ءامنوا للطرف الأخر و أمنوا إعتداءه فليس عليهم أن يبدأوا بإقامة الصلاة معه. فتقصير الصلواة هو التخفيف من حدود دائرة التفاعل مع الأخرين إن كانوا ممن يُخشى أن يكونوا من أعداء الدولة و مريدي هدمها إذ ما علاقة تقصير الصلواة أو إتمامها في حال الخوف إن اعتبرناها نسك؟
أمّا لفظ السجود في الآية 102 فهو يعبر عن الخضوع التام لبرنامج الرصد و ترقب العدو شأن أي عسكري يحرس لا يجوز له مغادرة مكانه، و لا يستقيم فهم الآية بجعل الصلواة نسك أبدا و قراءة الآيات يغني عن كل شرح.
إنّ "صلّى" تدل على إقامة الحد و ليس الوصول إليه من آخر الذي يدل عليه لفظ "صَلَى" و الصلواة هي المحل الجامع لكل عمليات إقامة الحد مع الغير وهي ترسم التفاعل مع الغير دون تجاوز للحد و دون تعدي على عليه و الذي يصّلي لا يغفل ولا يعتدي على حدود الذي يصلي عليه و هذا ما نجد مصداقه في صلواة الخلايا بعضها على بعض في تفاعل مضبوط دون أن تعتدي خلية على أخرى راسمة حدودها و أفعالها و مجالات تفاعلها مع الخلايا الأخرى و كذلك الذرات تصلي على بعضها بعضا بنفس منطق الخلايا و هذا ما يبينه لنا البلاغ المبين :
http://www.geocities.com/ibnnabiw/SAL9.gif
فعلم الله محيط بطرق تفاعل الكائنات مع بعضها و طريقة رسمها لحدود هذا التفاعل مع غيرها من الكائنات. فكل الكائنات تخضع لقانون تجديد الطاقة "التسبيح" و كلها تتفاعل مع غيرها راسمة حدود هذا التفاعل "الصلواة".
إن مفهوم الصلواة جامع للكائنات في تفاعلها مع بعضها و يبقى الكائن الذي نُفخ فيه الروح يحتاج إلى إقامة الصلواة مع غيره من بني جنسه إذ هو الكائن الوحيد الذي يملك الإختيار. فهو المطالب بإقامة الصلواة على نفسه فيرقبها و لا يغفل عن أفعالها و أقوالها و لا يتركها تتجاوز حدودها فتطغى و تنحرف. هو مطالب بإقامة الصلواة على غيره من الناس بصفة الزكواة، فهو مطالب بالتفاعل مع غيره راسما حدود هذا التفاعل، فهو يرصد حركاتهم دون أن يعتدي عليهم و دون أن يتجاوز حدود هذا التفاعل، وفي فعل الإقامة دليل منع السقوط و الإنهيار، فالذي لا يقيم الصلواة على نفسه يطغى و ينحرف و الذي لا يقيم الصلواة على غيره يتأخر علميا و معرفيا و خلقيا بفعل تعديه الحدود بتدخله في شؤون الناس الخاصة.
إنّ اقتران مطالبتنا بمراقبة أعمالنا الفردية و الجماعية و التفاعل مع غيرنا مراعين حدود هذا التفاعل لكي لا نعتدي و لا نتجاوز بجملة "أقيموا الصلواة" يتبعه مباشرة مطالبتنا بإختيار أزكى السبل لهذا التفاعل بصفاء نية و ابتعاد عن الخَبَث "و ءاتوا الزكواة". هذا التفاعل الدائم المتصل المستمر يرفقه دوما اختيار أحسن السبل المؤدية إليه. أليس القرآن خطابا للناس جميعا؟ أليس البلاغ المبين دستوروهم جميعا؟
و الله جلّ ذكره يصلّي علينا، فالسنن التي أودعها في الكون ترقبنا و تتفاعل معنا دون أن تتدخل في اختيارنا تاركة لنا حريتنا في الإختيار :
"يأيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا(41) و سبحوه بكرة و أصيلا(42) هو الذي يصلّي عليكم و ملائكته ليخرجكمـ من الظلمات إلى النور؛ و كان بالمؤمنين رحيما(43)"
الأحزاب
إنّ ما أودعه فاطر السماوات و الأرض من سنن في الكون والقوى الملائكية الموجودة فيه تتفاعل معنا دون أن تعيق اختيارنا على أنّها تسعى لإنارة السبيل لنا و توجيهنا بمنارات الوحي و الكون إلى النور.
و الله جلّ ذكره أي سننه تراقب النبي و لا تغفل عنه وترصد حركاته كما تفعل مع غيره دون أن تتدخل في حريته و الملائكة تُرسل بالتنزيل على قلب النبي الكريم بإختيار وقت تفاعلها مع النبي بإنزال الوحي عليه محترمين حياة النبي الخاصة و يأمرنا البلاغ المبين أن نتفاعل مع النبي دون أن نتجاوز حدودنا بالتدخل في حياته الخاصة و محاولة تقليده و الإكتفاء بالتسليم له بالرسالة :
"إنّ الله و ملائكته يصلّون على النبي؛ يأيها الذين ءامنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليما"
الأحزاب
و الحق أنّ بعض الناس يجعل مفهوم صلاة الله و الملائكة على النبي مخالفة لمفهوم صلاة الذين ءامنوا على النبي، والحق أنّ المفهوم واحد و لكن كل "موجود" يدخل في مفهومه بقدر حمله لمعناه وهذا ما سأقدمه في بحث المنهج. و أمّا من جعل الصلاة على النبي كلمات من جنس "اللهم صلّ على محمد" فهو لم يفقه بعد أنّ الله صلّى على النبي و أنّ هذه الكلمات لا معنى لها.
قد توصلنا إذن إلى مفهوم إقامة الصلواة وننتقل الآن إلى موضوع القيام إلى الصلواة لنحدد الفرق بين المفهومين لإختلاف فعل "قام" و "أقام" و دخول أداة "إلى" على فعل القيام.
و للحديث بقية.
بن نبي