المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النصيحة لناصح المحبين



أبوالليث
07-25-2007, 06:21 PM
الأسماء الحسنى
قول العلماء في التسعة وتسعين اسماً

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد ....
فهذه بعض نقولات أهل العلم من سلف هذه الأمة فيما يتعلق بشروط الإحصاء التي وضعها فضيلة الدكتور / محمود عبد الرازق – حفظه الله تعالى – في كتابه " اسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة " والتي تثبت خلاف ما أثبته الشيخ حفظه الله من رد الاشتقاق في الأسماء ، وكذلك تنقض شرطي الإطلاق والعلمية الذين وضعهما الشيخ حفظه الله وفيما يلي ذكر هذه الأقوال والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أولاً : قول ابن حزم فى المحلى :
54- مسألة - ولا يحل لاحد أن يسمى الله عزوجل بغير ما سمى به نفسه ولا أن يصفه بغير ما أخبر به تعالى عن نفسه.
قال عزوجل: (ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه) فمنع تعالى أن يسمى إلا بأسمائه الحسني وأخبر أن من سماه بغيرها فقد ألحد، والاسماء الحسنى بالألف واللام لا تكون إلا معهودة ولا معروف في ذلك الا ما نص الله تعالى عليه، ومن ادعى زيادة على ذلك كلف البرهان على ما ادعى ولا سبيل له إليه، ومن لا برهان له فهو كاذب في قوله ودعواه.قال عزوجل: (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) *
55 - مسألة - وان له عزوجل تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد، وهى أسماؤه الحسنى، من زاد شيئا من عند نفسه فقد ألحد في اسمائه، وهى الأسماء المذكورة في القرآن والسنة * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رافع ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب وهمام بن منبه قال أيوب عن ابن سيرين عن أبى هريرة وقال همام عن أبى هريرة - ثم اتفقا - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ان لله تسعة وتسعين اسما مائة الا واحدا من أحصاها دخل الجنة) زاد همام في حديثه (انه وتريحب الوتر) .
وقد صح انها تسعة وتسعون اسما فقط ولا يحل لاحد أن يجيز أن يكون له اسم زائد لانه عليه السلام قال (مائة غير واحد) فلو جاز أن يكون له تعالى اسم زائد لكانت مائة اسم، ولو كان هذا لكان قوله عليه السلام (مائة غير واحد) كذبا ومن أجاز هذا فهو كافر.
وقال تعالى (هو الله الذى لا إله الا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون، هو الله الخالق البارئ المصور له الاسماء الحسنى) وقد تقصينا كثيرا منها بالاسانيد الصحاح في كتاب (الايصال) والحمد لله رب العالمين *
56- مسألة - ولا يحل لاحد أن يشتق لله تعالى اسما لم يسم به نفسه، فإنه تعالى قال (والسماء وما بناها) وقال (وأكيد كيدا) وقال تعالى: (خير الما كرين) (ومكروا ومكر الله).
ولا يحل لاحد أن يسميه البناء ولا الكياد ولا الماكر ولا المتجبر ولا المستكبر، لا على أنه المجازى بذلك ولا على وجه أصلا، ومن ادعي غير هذا فقد ألحد في أسمائه تعالى وتناقض وقال على الله تعالى الكذب وما لا برهان له به، وبالله تعالي التوفيق. انتهى كلام ابن حزم رحمه الله .
قلت : وهذا الذي قاله ابن حزم لا حجة له فيه وهو مخالف لما ذهب إليه جمهور السلف :
يقول ابن حجر – رحمه الله - : " ....... وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْعَدَد هَلْ الْمُرَاد بِهِ حَصْر الْأَسْمَاء الْحُسْنَى فِي هَذِهِ الْعِدَّة أَوْ أَنَّهَا أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ اِخْتَصَّتْ هَذِهِ بِأَنَّ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّة ؟ فَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى الثَّانِي ، وَنَقَلَ النَّوَوِيّ اِتِّفَاق الْعُلَمَاء عَلَيْهِ فَقَالَ : لَيْسَ فِي الْحَدِيث حَصْر أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اِسْم غَيْر هَذِهِ التِّسْعَة وَالتِّسْعِينَ ، وَإِنَّمَا مَقْصُود الْحَدِيث أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاء مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّة ، فَالْمُرَاد الْإِخْبَار عَنْ دُخُول الْجَنَّة بِإِحْصَائِهَا لَا الْإِخْبَار بِحَصْرِ الْأَسْمَاء ، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان " أَسْأَلك بِكُلِّ اِسْم هُوَ لَك سَمَّيْت بِهِ نَفْسك ، أَوْ أَنْزَلْته فِي كِتَابك أَوْ عَلَّمْته أَحَدًا مِنْ خَلْقك أَوْ اِسْتَأْثَرْت بِهِ فِي عِلْم الْغَيْب عِنْدك " ... . وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : فِي هَذَا الْحَدِيث إِثْبَات هَذِهِ الْأَسْمَاء الْمَخْصُوصَة بِهَذَا الْعَدَد وَلَيْسَ فِيهِ مَنْع مَا عَدَاهَا مِنْ الزِّيَادَة ، وَإِنَّمَا لِلتَّخْصِيصِ لِكَوْنِهَا أَكْثَر الْأَسْمَاء وَأَبْيَنهَا مَعَانِيَ ، ...... ، وَابْن حَزْم مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى الْحَصْر فِي الْعَدَد الْمَذْكُور ، وَهُوَ لَا يَقُول بِالْمَفْهُومِ أَصْلًا وَلَكِنَّهُ اِحْتَجَّ بِالتَّأْكِيدِ فِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مِائَة إِلَّا وَاحِدًا " قَالَ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُون لَهُ اِسْم زَائِد عَلَى الْعَدَد الْمَذْكُور لَزِمَ أَنْ يَكُون لَهُ مِائَة اِسْم فَيَبْطُل قَوْله مِائَة إِلَّا وَاحِدًا ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّ الْحَصْر الْمَذْكُور عِنْدهمْ بِاعْتِبَارِ الْوَعْد الْحَاصِل لِمَنْ أَحْصَاهَا ، فَمَنْ اِدَّعَى عَلَى أَنَّ الْوَعْد وَقَعَ لِمَنْ أَحْصَى زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ أَخْطَأَ ، وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُون هُنَاكَ اِسْم زَائِد........ " فتح البارى 18/215
ثانياً قول الشيخ محمود عبد الرازق – حفظه الله - :
" أما ما تعرف الله به إلى عباده من أسمائه الحسنى التي وردت في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهي الأسماء المذكورة في العدد النبوي المخصوص ، عند تمييزها عن الأوصاف وإخراج ما قيد منها بالإضافة أو انقسام المعنى وتحري ثبوتها بالنص وتتبعها بالدليل وهذه إحدى النتائج التي توصل إليها البحث ، فالشروط التي استخرجتها من الكتاب أوالضوابط التي انتهجتها في إحصاء الأسماء لم تنطبق إلا على تسعة وتسعين اسماً من جملة ما ذكره العلماء والذي تجاوز عدده المائتين والثمانين اسماً سواء اجتهدوا في جمعها أخذاً من نص مطلق أو مقيد أو الاشتقاق من الصفات والأفعال وهذا بحمد الله يتفق مع العدد المذكور في الحديث النبوي ......... كما أن إحصاء الأسماء الحسنى فى هذا العدد لا يعارض ما جاء فى حديث ابن مسعود – رضى الله عنه -مرفوعا: { اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَك سَمَّيْت بِهِ نَفْسَك أَوْ أَنْزَلْته فِي كِتَابِك أَوْ عَلَّمْته أَحَدًا مَنْ خَلْقِك أَوْ اسْتَأْثَرْت بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَك }لأن هذا الحديث يدل على انفراد الله بعلم العدد الكلى لأسمائه الحسنى فما استأثر به فى علم الغيب عنده لا يمكن لأحد حصره و لا الإحاطة به.
أماحديث أبى هريرة فى ذكر التسعة و التسعين فالمقصود به الأسماء التى تعرف الله بهاإلى عباده، ولا يدل على حصر أسماء الله الكلية بهذا العدد، ولو كان المراد الحصر لقال : إن أسماء الله تسعة و تسعون اسما من أحصاها دخل الجنة ، أو نحو ذلك فمعنى الحديث أن هذا العدد من جملة أسماء الله التى تعرف بها الى عباده فى الدنيا ومن شأنه أن من أحصاه دخل الجنة ثم احال - حفظه الله - فى الحاشية الى مجموع الفتاوى 6/381، والفتاوى الكبرى1/ 218 .

قلت: أ - أما كون العدد الكلى لأسمائه الحسنى هو مما استأثر به سبحانه فى علم الغيب عنده و لا يمكن لأحد حصره و لا الإحاطة به فلا خلاف فيه .
ب - وأما تقرير الدكتور محمود – حفظه الله - أن حديث أبى هريرة فى ذكر التسعة و التسعين اسماً يفيد أنها هي الاسماء التى تعرف الله بها إلى عباده فى الدنيا فلا دليل عليه بل الجمهور على ان أسماء الله التى تعرف بها الى عباده فى الدنيا اكثر من تسعة و تسعين اسماً .


وإليك قول شيخ الاسلام و الذى يخالف ما قرره الدكتور محمود - حفظه الله – : -
1 - قالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ فى- " فى معرض الحديث على رواية الترمذى :
.....وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ لَك أَنَّهَا مِنْ الْمَوْصُولِ الْمُدْرَجِ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ ؛ وَلَيْسَتْ مِنْ كَلَامِهِ . وَلِهَذَا جَمَعَهَا " قَوْمٌ آخَرُونَ " عَلَى غَيْرِ هَذَا الْجَمْعِ وَاسْتَخْرَجُوهَا مِنْ الْقُرْآنِ مِنْهُمْ سُفْيَانُ بْنُ عيينة وَالْإِمَامُ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمْ ؛ كَمَا قَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ فِيمَا تَكَلَّمْت بِهِ قَدِيمًا عَلَى هَذَا ؛ وَهَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا عِنْدَهُمْ مِمَّا يَقْبَلُ الْبَدَلَ ؛ فَإِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ . قَالُوا : - وَمِنْهُمْ الخطابي - قَوْلُهُ : { إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا } التَّقْيِيدُ بِالْعَدَدِ عَائِدٌ إلَى الْأَسْمَاءِ الْمَوْصُوفَةِ بِأَنَّهَا هِيَ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ . فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ : { مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ } صِفَةٌ لِلتِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ لَيْسَتْ جُمْلَةً مُبْتَدَأَةً وَلَكِنَّ مَوْضِعَهَا النَّصْبُ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً وَالْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّ لِلَّهِ أَسْمَاءً بِقَدْرِ هَذَا الْعَدَدِ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ : إنَّ لِي مِائَةَ غُلَامٍ أَعْدَدْتهمْ لِلْعِتْقِ وَأَلْفَ دِرْهَمٍ أَعْدَدْتهَا لِلْحَجِّ فَالتَّقْيِيدُ بِالْعَدَدِ هُوَ فِي الْمَوْصُوفِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا فِي أَصْلِ اسْتِحْقَاقِهِ لِذَلِكَ الْعَدَدِ ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ إنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ . قَالَ : وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَد فِي الْمُسْنَدِ : { اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَك سَمَّيْت بِهِ نَفْسَك أَوْ أَنْزَلْته فِي كِتَابِك أَوْ عَلَّمْته أَحَدًا مَنْ خَلْقِك أَوْ اسْتَأْثَرْت بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَك } فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ أَسْمَاءً فَوْقَ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ يُحْصِيهَا بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ (فَصْلٌ قَالَ الْمُعْتَرِضُ فِي " الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى")2/52

قلت : فهذا نص صريح في بيان أن الأسماء التي تعبد الله بها عباده في الدنيا عند جماهير العلماء أكثر من تسعة وتسعين اسماً بدليل قوله " يحصيها بعض المؤمنين " وهذا مخالف تماماً لما استنبطه الدكتور محمود من الحديث ومن كلام شيخ الإسلام .
وعلى هذا فإن جمهور أهل العلم – كما قال ابن حجر والنووي وابن تيمية – على أن أسماء الله عز وجل التي تعبد بها عباده في الدنيا أكثر من تسعة وتسعين اسماً يحصيها بعض المؤمنين .




قول العلماء فى أن أسماء الله تعالى توقيفية
1 - الألوسى 6/450 :
والإلحاد في أسمائه سبحانه أن يسمى بما لا توقيف فيه أو بما يوهم معنى فاسداً كما في قول أهل البدو يا أبا المكارم ، يا أبيض الوجه يا سخي ونحو ذلك ، ..... ومن فسر الإلحاد في الأسماء بما ذكر ذهب إلى أن أسماء الله تعالى توقيفية يراعي فيها الكتاب والسنة والإجماع فكل اسم ورد في هذه الأصول جاز إطلاقه عليه جل شأنه وما لم يرد فيها لا يجوز إطلاقه وإن صح معناه ، وبهذا صرح أبو القاسم القشيري في مفاتيح الحجج ومصابيح النهج ، وفي أبكار الأفكار للآمدي ليس مأخذ جواز تسميات الأسماء الحسنى دليلاً عقلياً ولا قياساً لفظياً وإلا لكان تسمية الرب تعالى فقيهاً عاقلاً مع صحة معاني هذه التسميات في حقه وهي العلم والفقه أولى من تسميته سبحانه وتعالى بكثير مما يشكل ظاهره بل مأخذ ذلك إنما هو الإطلاق والإذن من الشارع فكل ما ورد الإذن به منه جوزناه وما ورد المنع منه منعناه .
2 - قال النيسابورى 1/14 : الحادي عشر في بقية مباحث الأسماء
اختلفوا في أسماء الله تعالى توقيفية أم لا . فمال بعضهم إلى التوقيف لأنا نصف الله تعالى بكونه عالماً ولا نصفه بكونه طبيباً وفقيهاً ومستيقناً ، فلولا أن أسماءه توقيفية لوصف بمثلها وإن كان على سبيل التجوز ........... . قال العلماء : وكما يجب تنزيه الله عن جميع النقائص فكذلك يجب تنزيه أسمائه أيضاً وقوله سبحانه وتعالى : { فادعوه بها } يعني ادعوا الله بأسمائه التي سمى بها نفسه أو سماه بها رسوله ففيه دليل على أن أسماء الله تعالى توقيفية لا اصطلاحية ومما يدل على صحة هذا القول ويؤكده أنه يجوز أن يقال يا جواد ولا يجوز أن يقال يا سخي ويجوز أن يقال يا عالم ولا يجوز أن يقال يا عاقل ويجوز أن يقال يا حكيم ولا يجوز أن يقال يا طبيب
3 - حاشية العطار على شرح الجلال المحلى على جمع الجوامع ,التقليد فى أصول الدين ,6/238
( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ ) أَيْ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمٌ إلَّا بِتَوْقِيفٍ مِنْ الشَّرْعِ وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ يَجُوزُ أَنْ تُطْلَقَ عَلَيْهِ الْأَسْمَاءُ اللَّائِقُ مَعْنَاهَا بِهِ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِهَا الشَّرْعُ وَمَالَ إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ .

الشَّرْحُ : ( قَوْلُهُ : وَأَنَّ أَسْمَاءَهُ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ ) هُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَشْعَرِيُّ وَمُتَابِعُوهُ
( قَوْلُهُ : وَمَالَ إلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ ) فَقَالَ كُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى مَعْنًى ثَابِتٍ لِلَّهِ جَازَ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ بِلَا تَوْقِيفٍ إذَا لَمْ يَكُنْ إطْلَاقُهُ مُوهِمًا فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ لَفْظُ عَارِفٍ وَفَقِيهٍ وَنَحْوِهِمَا ثُمَّ لَا بُدَّ مَعَ نَفْيِ ذَلِكَ الْإِيهَامِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِالتَّعْظِيمِ .

بيان معنى التوقيف
قال ابن حجرفى فتح البارى 18/215
وَاخْتُلِفَ فِي الْأَسْمَاء الْحُسْنَى هَلْ هِيَ تَوْقِيفِيَّة بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوز لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَقَّ مِنْ الْأَفْعَال الثَّابِتَة لِلَّهِ أَسْمَاء ، إِلَّا إِذَا وَرَدَ نَصٌّ إِمَّا فِي الْكِتَاب أَوْ السُّنَّة ، فَقَالَ الْفَخْر : الْمَشْهُور عَنْ أَصْحَابنَا أَنَّهَا تَوْقِيفِيَّة . وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَة وَالْكَرَّامِيَّة : إِذَا دَلَّ الْعَقْل عَلَى أَنَّ مَعْنَى اللَّفْظ ثَابِت فِي حَقّ اللَّه جَازَ إِطْلَاقه عَلَى اللَّه . وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر وَالْغَزَالِيّ : الْأَسْمَاء تَوْقِيفِيَّة دُون الصِّفَات ، قَالَ : وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار . وَاحْتَجَّ الْغَزَالِيّ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز لَنَا أَنْ نُسَمِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاسْمٍ لَمْ يُسَمِّهِ بِهِ أَبُوهُ وَلَا سَمَّى بِهِ نَفْسه وَكَذَا كُلّ كَبِير مِنْ الْخَلْق ، قَالَ : فَإِذَا اِمْتَنَعَ ذَلِكَ فِي حَقّ الْمَخْلُوقِينَ فَامْتِنَاعُهُ فِي حَقّ اللَّه أَوْلَى . وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يُطْلَق عَلَيْهِ اِسْم وَلَا صِفَة تُوهِمُ نَقْصًا وَلَوْ وَرَدَ ذَلِكَ نَصًّا ، فَلَا يُقَال مَاهِد وَلَا زَارِع وَلَا فَالِق وَلَا نَحْو ذَلِكَ وَإِنْ ثَبَتَ فِي قَوْله ( فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ، أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ، فَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى ) وَنَحْوهَا ، وَلَا يُقَال لَهُ مَاكِر وَلَا بَنَّاء وَإِنْ وَرَدَ ( وَمَكَرَ اللَّهُ ، وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا ) وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْقُشَيْرِيُّ : الْأَسْمَاء تُؤْخَذ تَوْقِيفًا مِنْ الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَالْإِجْمَاع ، فَكُلّ اِسْم وَرَدَ فِيهَا وَجَبَ إِطْلَاقه فِي وَصْفِهِ ، وَمَا لَمْ يَرِدْ لَا يَجُوز وَلَوْ صَحَّ مَعْنَاهُ . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : لَا يَجُوز لِأَحَدٍ أَنْ يَدْعُو اللَّه بِمَا لَمْ يَصِف بِهِ نَفْسَهُ ، وَالضَّابِط أَنَّ كُلّ مَا أَذِنَ الشَّرْع أَنْ يُدْعَى بِهِ سَوَاء كَانَ مُشْتَقًّا أَوْ غَيْر مُشْتَقّ فَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ ، وَكُلّ مَا جَازَ أَنْ يُنْسَب إِلَيْهِ سَوَاء كَانَ مِمَّا يَدْخُلُهُ التَّأْوِيل أَوْ لَا فَهُوَ مِنْ صِفَاته وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ اِسْمًا أَيْضًا .فتح البارى 18/215

قلت :
بين ابن حجر - رحمه الله- معنى التوقيف بأنه لايجوز اشتقاق اسم لله من الفعل إلاإذا ورد هذا الفعل فى الكتاب أو السنة فإن ورد الفعل جاز الإشتقاق وإن لم يرد لم يجز.
ومما يؤكد ذلك قوله : وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يُطْلَق عَلَيْهِ اِسْم وَلَا صِفَة تُوهِمُ نَقْصًا وَلَوْ وَرَدَ ذَلِكَ نَصًّا، فَلَا يُقَال مَاهِد وَلَا زَارِع وَلَا فَالِق وَلَا نَحْو ذَلِكَ وَإِنْ ثَبَتَ فِي قَوْله ( فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ، أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ، فَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى ) وَنَحْوهَا ، وَلَا يُقَال لَهُ مَاكِر وَلَا بَنَّاء وَإِنْ وَرَدَ ( وَمَكَرَ اللَّهُ ، وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا ) فليست علة المنع من اطلاق اسم الماكر والبناء اشتقاقهما من ( وَمَكَرَ اللَّهُ ، وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا ) ولكن العلة كونهما يوهمان نقصاً ولولا ذلك الإيهام لجاز إطلاقهما عليه سبحانه .
ومما يؤكد ذلك أيضا نقله قول أبى إِسْحَاق الزَّجَّاج : لَا يَجُوز لِأَحَدٍ أَنْ يَدْعُو اللَّه بِمَا لَمْ يَصِف بِهِ نَفْسَهُ ، وَالضَّابِط أَنَّ كُلّ مَا أَذِنَ الشَّرْع أَنْ يُدْعَى بِهِ سَوَاء كَانَ مُشْتَقًّا أَوْ غَيْر مُشْتَقّ فَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ ، وَكُلّ مَا جَازَ أَنْ يُنْسَب إِلَيْهِ سَوَاء كَانَ مِمَّا يَدْخُلُهُ التَّأْوِيل أَوْ لَا فَهُوَ مِنْ صِفَاته وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ اِسْمًا أَيْضًا.
ومما يؤكد ذلك أيضاً نقله عن الغزالى هنا احتجاجه على التوقيف فى اسماء الله بأَنَّهُ لَا يَجُوز لَنَا أَنْ نُسَمِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاسْمٍ لَمْ يُسَمِّهِ بِهِ أَبُوهُ وَلَا سَمَّى بِهِ نَفْسه وَكَذَا كُلّ كَبِير مِنْ الْخَلْق ، قَالَ : فَإِذَا اِمْتَنَعَ ذَلِكَ فِي حَقّ الْمَخْلُوقِينَ فَامْتِنَاعُهُ فِي حَقّ اللَّه أَوْلَى ، وقد نقل عنه فى موضع آخر قوله بالاشتقاق وضابطه حيث قال :
( مَحَلّ الْمَنْع مَا لَمْ يَرِد نَصّ بِمَا يُشْتَقْ مِنْهُ ، شَرْط أَنْ لَا يَكُون ذَلِكَ الِاسْم الْمُشْتَقّ مُشْعِرًا بِنَقْصٍ ، فَيَجُوز تَسْمِيَته الْوَاقِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَات يَوْمئِذٍ فَقَدْ رَحِمْته ) وَلَا يَجُوز تَسْمِيَته الْبِنَاء وَإِنْ وَرَدَ قَوْله تَعَالَى : (( وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ )) . فتح البارى8/238الشروط فى الجهاد










الأدلة من كلام السلف على أن التوقيف لا ينافى الاشتقاق
أولاً : من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : -
1 - قالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ – فى فَصْل مكان سكن العقل فى الجسد :
.....وَالنَّاسُ مُتَنَازِعُونَ هَلْ يُسَمَّى اللَّهُ بِمَا صَحَّ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ وَالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِإِطْلَاقِهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ أَمْ لَا يُطْلَقُ إلَّا مَا أَطْلَقَ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ . وَعَامَّةُ النُّظَّارِ يُطْلِقُونَ مَا لَا نَصَّ فِي إطْلَاقِهِ وَلَا إجْمَاعَ كَلَفْظِ الْقَدِيمِ وَالذَّاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي يُدْعَى بِهَا وَبَيْنَ مَا يُخْبَرُ بِهِ عَنْهُ لِلْحَاجَةِ فَهُوَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا يُدْعَى بِالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى كَمَا قَالَ : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } وَأَمَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَى الْإِخْبَارِ عَنْهُ مِثْلُ أَنْ يُقَالَ : لَيْسَ هُوَ بِقَدِيمِ وَلَا مَوْجُودٍ وَلَا ذَاتٍ قَائِمَةٍ بِنَفْسِهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَقِيلَ فِي تَحْقِيقِ الْإِثْبَاتِ بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ قَدِيمٌ مَوْجُودٌ وَهُوَ ذَاتٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا وَقِيلَ لَيْسَ بِشَيْءِ فَقِيلَ بَلْ هُوَ شَيْءٌ فَهَذَا سَائِغٌ وَإِنْ كَانَ لَا يُدْعَى بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَدْحِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ : يَا شَيْءُ إذْ كَانَ هَذَا لَفْظًا يَعُمُّ كُلَّ مَوْجُودٍ وَكَذَلِكَ لَفْظُ " ذَاتٌ وَمَوْجُودٌ " وَنَحْوُ ذَلِكَ ؛ إلَّا إذَا سُمِّيَ بِالْمَوْجُودِ الَّذِي يَجِدُهُ مَنْ طَلَبَهُ كَقَوْلِهِ : { وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ } فَهَذَا أَخَصُّ مِنْ الْمَوْجُودِ الَّذِي يَعُمُّ الْخَالِقَ وَالْمَخْلُوقَ .2/340ف
وقال أيضا :( فصل فى ما يجوز أن يسمى الله به ويدعى به و يخبر عنه به) :
......وَيُفَرِّقُ بَيْنَ دُعَائِهِ وَالْإِخْبَارِ عَنْهُ فَلَا يُدْعَى إلَّا بِالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى ؛ وَأَمَّا الْإِخْبَارُ عَنْهُ : فَلَا يَكُونُ بِاسْمِ سَيِّئٍ ؛ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ بِاسْمِ حَسَنٍ أَوْ بِاسْمِ لَيْسَ بِسَيِّئِ وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِحُسْنِهِ . مِثْلَ اسْمِ شَيْءٍ وَذَاتٍ وَمَوْجُودٍ ؛ إذَا أُرِيدَ بِهِ الثَّابِتُ - وَأَمَّا إذَا أُرِيدَ بِهِ " الْمَوْجُودُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ " فَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى - وَكَذَلِكَ الْمُرِيدُ وَالْمُتَكَلِّمُ ؛ فَإِنَّ الْإِرَادَةَ وَالْكَلَامَ تَنْقَسِمُ إلَى مَحْمُودٍ وَمَذْمُومٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى بِخِلَافِ الْحَكِيمِ وَالرَّحِيمِ وَالصَّادِقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مَحْمُودًا . 2/20
وقالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أيضا : مسألة حسن ارادة الله
فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } وَنَحْوُ ذَلِكَ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَسْمَاءُ اللَّهِ الْمُقْتَرِنَةُ كَالْمُعْطِي الْمَانِعِ وَالضَّارِّ النَّافِعِ الْمُعِزِّ الْمُذِلِّ الْخَافِضِ الرَّافِعِ فَلَا يُفْرَدُ الِاسْمُ الْمَانِعُ عَنْ قَرِينِهِ وَلَا الضَّارُّ عَنْ قَرِينِهِ ؛ لِأَنَّ اقْتِرَانَهُمَا يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ وَكُلُّ مَا فِي الْوُجُودِ مِنْ رَحْمَةٍ وَنَفْعٍ وَمَصْلَحَةٍ فَهُوَ مِنْ فَضْلِهِ تَعَالَى وَمَا فِي الْوُجُودِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ عَدْلِهِ فَكُلُّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلٌ وَكُلُّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلٌ ......... . وَاسْمُ " الْمُنْتَقِمِ " لَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى الثَّابِتَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مُقَيَّدًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ } وَقَوْلِهِ { إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِي عَدَدِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى الَّذِي يُذْكَرُ فِيهِ الْمُنْتَقِمُ فَذُكِرَ فِي سِيَاقِهِ { الْبَرُّ التَّوَّابُ الْمُنْتَقِمُ الْعَفُوُّ الرَّءُوفُ } لَيْسَ هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قلت : أثبت ابن تيمية - رحمه الله - اسم الله الموجود وبين أنه إذَا أُرِيدَ بِهِ " الْمَوْجُودُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ " فَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى مشتقاً من قَوْلِهِ : { وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ }.
كما أثبت فى معرض حديثه عن أَسْمَاءِ اللَّهِ الْمُقْتَرِنَةُ الْمُعْطِي الْمَانِعِ وَالضَّارِّ النَّافِعِ الْمُعِزِّ الْمُذِلِّ الْخَافِضِ الرَّافِعِ ومعلوم أن هذه الأسماء لم ترد بلفظ الإسم وإنما اشتقت من أفعالها التى وردت بها النصوص .
وقالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أيضا : مسألة من يمنع الإستغاثة با.. 1/20)
يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنْ لَا غِيَاثَ وَلَا مُغِيثَ عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ كُلَّ غَوْثٍ فَمِنْ عِنْدِهِ وَإِنْ كَانَ جَعَلَ ذَلِكَ عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِ فَالْحَقِيقَةُ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلِغَيْرِهِ مَجَازٌ . قَالُوا : مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْمُغِيثُ وَالْغِيَاثُ وَجَاءَ ذِكْرُ الْمُغِيثِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالُوا وَاجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ .
قلت : ومعلوم أن هذه الأسماء لم ترد بصيغة الاسم وإنمااشتقت من أفعالها التى وردت بها النصوص.

ثانياً : من كلام ابن القيم –رحمه الله -
1 - قال ابن القيم فى بدائع الفوائد ( فائدة جليلة ما يجري صفة أو خبرا على الرب ) :
الثاني : أن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه بل يطلق عليه منها كمالها وهذا كالمريد والفاعل والصانع فإن هذه الألفاظ لا تدخل في أسمائه ولهذا غلط من سماه بالصانع عند الإطلاق بل هو الفعال لما يريد فإن الإرادة والفعل والصنع منقسمة ولهذا إنما أطلق على نفسه من ذلك أكمله فعلا وخبرا .
قلت : ومفهوم ذلك أن الصفة إذا دلت على الكمال المطلق جاز تسميته - سبحانه – بها.

الثالث: أنه لا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيدا أن يشتق له منه اسم مطلق كما غلط فيه بعض المتأخرين فجعل من أسمائه الحسنى المضل الفاتن الماكر - تعالى الله عن قوله - فإن هذه الأسماء لم يطلق عليه سبحانه منها إلا أفعال مخصوصة معينة فلا يجوز أن يسمى بأسمائها.
قلت : فجعل ابن القيم - رحمه الله - علة المنع من الاشتقاق من هذه الأفعال تقييدها بالسياق التى وردت فيه وليس الاشتقاق نفسه .
السابع : أن ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفا كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه هل هي توقيفية أو يجوز أن يطلق عليه منها بعض ما لم يرد به السمع

الحادي عشر: أن أسماءه كلها حسنى ليس فيها اسم غير ذلك أصلا وقد تقدم أن من أسمائه ما يطلق عليه باعتبار الفعل نحو الخالق والرازق والمحيي والمميت وهذا يدل على أن أفعاله كلها خيرات محض لا شر فيها لأنه لو فعل الشر لاشتق له منه اسم ولم تكن أسماؤه كلها حسنى وهذا باطل فالشر ليس إليه فكما لا يدخل في صفاته ولا يلحق ذاته لا يدخل في أفعاله فالشر ليس إليه .
قلت : ذكر ابن القيم -رحمه الله - من أسماء الله - عز و جل - المحى المميت ولا سبيل إلى إثباتهما إلا بالاشتقاق .
كما استدل على أن افعال الله كلها حسنى بأنه لو فعل الشرلجاز أن يشتق له منه اسم فهذا نص على جواز الاشتقاق عنده .

السابع عشر:
أن أسماءه تعالى منها ما يطلق عليه مفردا ومقترنا بغيره وهو غالب الأسماء فالقدير والسميع والبصير والعزيز والحكيم وهذا يسوغ أن يدعى به مفردا ومقترنا بغيره فتقول يا عزيزيا حليم ، يا غفور يا رحيم وأن يفرد كل اسم وكذلك في الثناء عليه والخبر عنه بما يسوغ لك الإفراد والجمع ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده بل مقرونا بمقابله كالمانع والضار والمنتقم فلا يجوز أن يفرد هذا عن مقابله فإنه مقرون بالمعطي والنافع والعفو فهو المعطي المانع الضار النافع المنتقم العفو المعز المذل لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله لأنه يراد به أنه المنفرد بالربوبية وتدبير الخلق والتصرف فيهم عطاء ومنعا ونفعا وضرا وعفوا وانتقاما وأما أن يثنى عليه بمجرد المنع والإنتقام والإضرار فلا يسوغ فهذه الأسماء المزدوجة تجري الأسماء منها مجرى الإسم الواحد الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض فهي وإن تعددت جارية مجرى الإسم الواحد ولذلك لم تجيء مفردة ولم تطلق عليه إلا مقترنة فاعلمه فلو قلت يا مذل يا ضار يا مانع وأخبرت بذلك لم تكن مثنيا عليه ولا حامدا له حتى تذكر مقابلها .

ثالثاً : من كلام البيهقي رحمه الله :
قال البيهقي في الاعتقاد : 1/20
" وهذه الأسامي مذكورة في كتاب الله عز وجل وفي سائر الأحاديث عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مفردة نصاً أو دلالة ، فذكرناها في كتاب الأسماء والصفات "
وقوله صلى الله عليه وسلم " إن لله تسعة وتسعين اسماً ... " لا ينفي غيرها وإنما أراد والله أعلم أن من أحصى من أسماء الله تعالى تسعة وتسعين اسماً دخل الجنة سواء أحصاها مما نقلنا في الحديث الأول أو مما ذكرنا في الحديث الثاني أو من سائر ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع " .
قلت : نص البيهقي رحمه الله على أن الأسماء الحسنى تؤخذ من الكتاب والسنة نصاً أو دلالة
، فقوله ( نصاً ) أي اسماً علماً ،
وقوله ( دلالة ) أي اشتقاقاً من الصفة وإلا فما معنى عطفها على قوله ( نصاً ) .
وهذا يعارض الشرط الأول والثاني من شروط الإحصاء عند الدكتور محمود حيث ذكر أنه لابد أن يرد الاسم نصاًَ علماً .

رابعاً : رأي الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله في الاشتقاق :

وقد سأل بعض الطلاب الشيخ حفظه الله عن جواز الاشتقاق فقال : وقد أشكل عليّ بعض الأسماء التي ذكرها العلماء مشتقة من الصفات كالمعز المذل المحي المميت وكالخافض الرافع القابض الباسط والمعطي المانع .
فأجاب الشيخ – حفظه الله - بقوله: هذه الأسماء كمالها في اقترانها ومسألة الاشتقاق هذا في الانفراد أما إذا كان الكمال في الاقتران فلا بأس ، ولذلك عدوها من الأسماء الحسنى لأن الكمال في الاقتران والاسم هذا من الأسماء الحسنى مع الاقتران .
خامساً : ومن الأدلة العملية على أن التوقيف لا ينافي الاشتقاق تمثيل القائلين بالتوقيف بأمثلة الرأي والقياس :

فإن كل من قال بالتوقيف في الأسماء على الكتاب والسنة ذكر السبب في ذلك وهو أننا لا نسمي الله بفقيه ولا طبيب ولا سخي ولكن نسميه عالم وحكيم وجواد فالعلة عندهم عدم ورود الصفة في القرآن ولا في السنة أصلاً ، وليست العلة عند أحد منهم ورود الصفة والمنع من الاشتقاق ، ولم يقل أحد منهم مطلقاً أنا نسميه حفيظاً لورودها اسماً ولا نسميه واقياً لأنها وردت اشتقاقاً من قوله " ومن تقي السيئات يومئذ ......" الآية ، ولم يقل منهم أحد أن الاشتقاق لا يجوز ولابد من ورود الاسم نصاً .
فتمثيلهم بالأسماء التي لم يرد لها صفات ولا أفعال في الكتاب والسنة دليل على أن التوقيف عندهم إنما ينافي الرأي والقياس ولا ينافي الاشتقاق .

مسألة الإجماع ودلالتها على الاشتقاق
وردت نصوص كثيرة تنص على أن التوقيف في أسماء الله الحسنى على الكتاب والسنة والإجماع . ومنها :
1- قول شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ – فى فَصْل مكان سكن العقل فى الجسد :
" .....وَالنَّاسُ مُتَنَازِعُونَ هَلْ يُسَمَّى اللَّهُ بِمَا صَحَّ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ وَالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِإِطْلَاقِهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ أَمْ لَا يُطْلَقُ إلَّا مَا أَطْلَقَ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ .
وقالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أيضاً : مسألة من يمنع الإستغاثة با.. 1/20)
يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنْ لَا غِيَاثَ وَلَا مُغِيثَ عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ كُلَّ غَوْثٍ فَمِنْ عِنْدِهِ وَإِنْ كَانَ جَعَلَ ذَلِكَ عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِ فَالْحَقِيقَةُ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلِغَيْرِهِ مَجَازٌ . قَالُوا : مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْمُغِيثُ وَالْغِيَاثُ وَجَاءَ ذِكْرُ الْمُغِيثِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالُوا وَاجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ .
2 - قول البيهقي في كتاب الاعتقاد : 1/20
" وهذه الأسامي مذكورة في كتاب الله عز وجل وفي سائر الأحاديث عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مفردة نصاً أو دلالة ، فذكرناها في كتاب الأسماء والصفات "
وقوله صلى الله عليه وسلم " إن لله تسعة وتسعين اسماً ... " لا ينفي غيرها وإنما أراد والله أعلم أن من أحصى من أسماء الله تعالى تسعة وتسعين اسماً دخل الجنة سواء أحصاها مما نقلنا في الحديث الأول أو مما ذكرنا في الحديث الثاني أو من سائر ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع " . انتهى
3 – قول الألوسى 6/450:
" ........ ومن فسر الإلحاد في الأسماء بما ذكر ذهب إلى أن أسماء الله تعالى توقيفية يراعي فيها الكتاب والسنة والإجماع فكل اسم ورد في هذه الأصول جاز أطلاقه عليه جل شأنه وما لم يرد فيها لا يجوز إطلاقه وإن صح معناه " .
4 - مواهب الجليل فى شرح مختصر الشيخ الخليل 1/68فائدة: قال اللهم صلى على
" .......وَمُلَخَّصُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ اللَّفْظَ إمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى صِفَةِ كَمَالٍ أَمْ لَا فَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى صِفَةِ كَمَالٍ لَمْ يَجُزْ إطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يَرِدَ بِهِ الشَّرْعُ فَيُقْتَصَرُ عَلَى ذِكْرِهِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا وَإِنْ دَلَّ عَلَى صِفَةِ كَمَالٍ فَإِنْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ جَازَ إطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَرِدْبِهِ فَمَذْهَبُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَعَامَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى إلَّا بِمَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ أَوْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ " .
5 - الفواكه الدوانى على رسالة أبي زيد القيرواني " باب ما تنطق به الألسنه " 1/166 : قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ : وَاخْتِيرَ أَنَّ أَسْمَاءَهُ تَوْقِيفِيَّةٌ كَذَا الصِّفَاتُ فَاحْفَظْ السَّمْعِيَّةَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلَّا بِمَا وَرَدَ بِهِ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ أَوْ حَسَنَةٌ أَوْ انْعَقَدَ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ عَارِفٌ أَوْ فَطِنٌ أَوْ عَاقِلٌ أَوْ دَارٍ ، وَإِنْ وَرَدَ إطْلَاقُ مَا رَادَفَهَا عَلَيْهِ ، فَعِنْدَ الْوُرُودِ لَا نِزَاعَ فِي جَوَازِ الْإِطْلَاقِ إلَّا إذَا كَانَ اللَّفْظُ مُوهِمًا مَا لَا يَلِيقُ كَالزَّارِعِ وَالْمُنْشِئِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَالْمَاكِرِ وَالْمُسْتَهْزِئِ وَالْمُنْزِلِ وَالرَّامِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكْفِي فِيصِحَّةِ الِاجْتِزَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مُجَرَّدُ وُقُوعِهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِحَسَبِ اقْتِضَاءِ الْمَقَامِ ، بَلْ يَجِبُ أَنْ لَا يَخْلُوَ عَنْ نَوْعِ تَعْظِيمٍ وَرِعَايَةِ أَدَبٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ السَّعْدُ وَغَيْرُهُ ،
وقال أيضاً : نَصَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى سُبْحَانَهُ إلَّا بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي سَمَّى بِهَا نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ أَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ ؛ لِأَنَّهَا تَوْقِيفِيَّةٌ ، وَمِنْ الْوَارِدِ الْحَنَّانُ الْمَنَّانُ ، وَالْمُرَادُ بِالْحَنَّانِ الَّذِي يُقْبِلُ عَلَى مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ ، وَالْمَنَّانُ الَّذِي يَبْدَأُ بِالنَّوَالِ قَبْلَ السُّؤَالِ وَهِيَ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ فِي التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ .
6 - حاشية العدوى التنبيه الثانى 1/176
[ قَوْلُهُ : تَوْقِيفِيَّةٌ ] أَيْ تَعْلِيمِيَّةٌ فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ دعلج إلَّا مَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ أَوْ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ كَالْبَاعِثِ ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا وَرَدَ آحَادًا فَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ وَأَجَازَهُ الْجُمْهُورُ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَمَلِ ، وَيَكْفِي فِيهِ الْآحَادُ .حاشية العدوى التنبيه الثانى 1/176
قلت :
وذكر العلماء للإجماع مع الكتاب والسنة في إثبات الأسماء يخالف الشرط الأول والثاني من شروط الإحصاء التي يشترط فيها الدكتور محمود - حفظه الله - أن يرد الاسم نصاً في الآيات القرآنية أو ما ثبت في صحيح السنة النبوية ، وأن يرد النص مراداً به العلمية ، فإنه إن ورد الاسم نصاً علماً في الكتاب والسنة فلا معنى حينئذ للإجماع .
وأما إذا لم يرد الاسم نصاً علماً ولا صفة فلا سبيل لإثباته أصلاً إلا بالرأي والقياس وهذا ينافي التوقيف ، فلم يبق إلا أن ترد الصفة أو الفعل في الكتاب والسنة فيشتق لله تعالى منه اسماً ثم تجمع الأمة عليه ، مثل اسم الغياث والمغيث كما ذكر ذلك شيخ الإسلام آنفاً " .... قَالُوا : مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْمُغِيثُ وَالْغِيَاثُ وَجَاءَ ذِكْرُ الْمُغِيثِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالُوا وَاجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ . ، وكاسم الله الباعث كما ذكر ذلك صاحب حاشية العدوى [ قَوْلُهُ : تَوْقِيفِيَّةٌ ] أَيْ تَعْلِيمِيَّةٌ فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ دعلج إلَّا مَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ أَوْ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ كَالْبَاعِثِ
وهذه الأسماء الثلاثة المغيث والغياث والباعث من الأسماء التي ردها الدكتور - محمود حفظه الله - مخالفاً بذلك الإجماع .


تفسير الإطلاق والإضافة في الأسماء عند الحافظ ابن حجر :
وأما ما ورد عن ابن حجر رحمه الله من ذكر للإطلاق والتقييد والإضافة وعدمها في الأسماء فإنه لا يعنى رده للأسماء المقيدة والمضافة ، وإنما ورد هذا القول في معرض اجتهاده هو في جمع وإحصاء تسعة وتسعين اسماً فاختار رحمه الله أكثرها وروداً بصيغة الاسم وأبينها معنى حيث أن المقام مقام انتقاء وليس مقام إثبات أو ردّ .
ومما يؤكد ذلك قوله في معنى التوقيف بجواز اشتقاق أسماء لله تعالى من الأفعال الثابتة من الكتاب والسنة كما تقدم ، وهذا الذي ذكرت يدل عليه نقل ابن حجر نفسه قول الإمام الخطابي عن تخصيص التسعة وتسعين اسماً : " ..... فِي هَذَا الْحَدِيث إِثْبَات هَذِهِ الْأَسْمَاء الْمَخْصُوصَة بِهَذَا الْعَدَد وَلَيْسَ فِيهِ مَنْع مَا عَدَاهَا مِنْ الزِّيَادَة ، وَإِنَّمَا لِلتَّخْصِيصِ لِكَوْنِهَا أَكْثَر الْأَسْمَاء وَأَبْيَنهَا مَعَانِيَ











ما جرى عليه عمل السلف
المتتبع لما ورد عن السلف في تعيين الأسماء والصفات يجد أنهم قد استخرجوا أسماء لله عز وجل من القرآن بالاشتقاق ومن ذلك :
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
" فإنك وفِّقك الله تعالى لقول السداد، وهداك إلى سبيل الرشاد سألتني عن الاعتقاد الحق والمنهج الصدق الذي يجب على العبد المكلف اعتقاده ويعتمده، فأقول والله الموفق للصواب: الذي يجب على العبد اعتقاده ويلزمه في ظاهره وباطنه اعتماده ما دلَّ عليه كتاب اللّه تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماِع الصدر الأول من علماء السلف، وأئمتهم الذين هم أعلام الدين، وقدوة منْ بعدهم من المسلمين وذلك أن يعتقد العبد ويقرّ ويعترف بقلبه ولسانه أنّ اللّه واحد أحد، فرد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، لا إله سواه، ولا معبود إلا إياه، ولا شريك له، ولا نظير له، ولا وزير له، ولا ظهير له، ولا سمي له، ولا صاحبة له، ولا ولد له. قديم أبدي أزلي، أول من غير بداية، وآخر من غير نهاية، موصوف بصفات الكمال من الحياة والقدرة والعلم والإرادة والسمع والبصر والبقاء والبهاء والجمال والعظمة والجلال والمنّ والإفضال، لا يعجزه شيء، ولا يشبهه شيء، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين، منزّه عن كل نقص وآفة، مقدّس عن كل عيب وعاهة، الخالق الرازق، المحي المميت، الباعث الوارث، الأول الآخر، الظاهر الباطن، الطالب الغالب، المثيب المعاقب، الغفور الشكور، قَدَّر كلَّ شيء وقضاه، وأبرمه وأمضاه، من خير وشر، ونفع وضر، وطاعة وعصيان. وعمد ونسيان، وعطاء وحرمان، لا يجري في ملكه ما لا يريد، عدل في أقضيته غير ظالم لبريته، لا راد لأمره ولا معقّب لحكمه، ربّ العالمين، إله الأولين والآخرين، مالك يوم الدين " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهو السميع البَصيرُ " سورة الشورى آية 11، نصفه بما وصف به نفسه في كتابه العظيم، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم الكريم، لا نجاوز ذلك ولا نزيد، بل نقف عنده وننتهي إليه، ولا ندخل فيه برأي ولا قياس. لبعده عن الأشكال والأجناس. ذلك من فضل اللّه علينا وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون، وأنه سبحانه مستو على عرشه وفوق جميع خلقه كما أخبر في كتابه وعلى ألسنة رسله صلى الله عليه وسلم من غير تشبيه ولا تعطيل. ولا تحريف ولا تأويل. وكذلك كل ما جاء من الصفات نمره كما جاء من غير مزيد عليه، ونقتدي في ذلك بعلماء السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ونسكت عما سكتوا عنه، ونتأول ما تأولوا، وهم القدوة في هذا الباب. أولئك الذين هداهم اللّه وأولئك هم أولو الألباب.( اجتماع الجيوش الاسلامية على غزو المعطلة و الجهمية فى بيان ما اجتمعت عليه1/48) .
- قال ابن حجر رحمه الله بعد أن بين أن تعيين الأسماء في رواية الترمذي ضعيف وأنه مدرج : " وَإِذَا تَقَرَّرَ رُجْحَان أَنَّ سَرْد الْأَسْمَاء لَيْسَ مَرْفُوعًا فَقَدْ اِعْتَنَى جَمَاعَة بِتَتَبُّعِهَا مِنْ الْقُرْآن مِنْ غَيْر تَقْيِيد بِعَدَد ، فَرُوِّينَا فِي " كِتَاب الْمِائَتَيْنِ " لِأَبِي عُثْمَان الصَّابُونِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى مُحَمَّد بْن يَحْيَى الذُّهَلِيّ أَنَّهُ اِسْتَخْرَجَ الْأَسْمَاء مِنْ الْقُرْآن ، وَكَذَا أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْم عَنْ الطَّبَرَانِيّ عَنْ أَحْمَد بْن عَمْرو الْخَلَّال عَنْ اِبْن أَبِي عَمْرو " حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن سَأَلْت أَبَا جَعْفَر بْن مُحَمَّد الصَّادِق عَنْ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى فَقَالَ : هِيَ فِي الْقُرْآن . وَرُوِّينَا فِي " فَوَائِد تَمَّام " مِنْ طَرِيق أَبِي الطَّاهِر بْن السَّرْح عَنْ حِبَّان بْن نَافِع عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة الْحَدِيث ، يَعْنِي حَدِيث " إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَة وَتِسْعِينَ اِسْمًا " قَالَ فَوَعَدَنَا سُفْيَان أَنْ يُخْرِجهَا لَنَا مِنْ الْقُرْآن فَأَبْطَأَ ، فَأَتَيْنَا أَبَا زَيْد فَأَخْرَجَهَا لَنَا فَعَرَضْنَاهَا عَلَى سُفْيَان فَنَظَرَ فِيهَا أَرْبَع مَرَّات وَقَالَ : نَعَمْ هِيَ هَذِهِ ، وَهَذَا سِيَاق مَا ذَكَرَهُ جَعْفَر . وَأَبُو زَيْد قَالَا : فَفِي الْفَاتِحَة خَمْسَة " اللَّه رَبّ الرَّحْمَن الرَّحِيم مَالِك " وَفِي الْبَقَرَة " مُحِيط قَدِير عَلِيم حَكِيم عَلِيّ عَظِيم تَوَّاب بَصِير وَلِيّ وَاسِع كَافٍ رَءُوف بَدِيع شَاكِر وَاحِد سَمِيع قَابِض بَاسِط حَيّ قَيُّوم غَنِيّ حَمِيد غَفُور حَلِيم " وَزَادَ جَعْفَر " إِلَه قَرِيب مُجِيب عَزِيز نَصِير قَوِيّ شَدِيد سَرِيع خَبِير " قَالَا : وَفِي آل عِمْرَان " وَهَّاب قَائِم " زَادَ جَعْفَر الصَّادِق " بَاعِث مُنْعِم مُتَفَضِّل " وَفِي النِّسَاء " رَقِيب حَسِيب شَهِيد مُقِيت وَكَيْل " زَادَ جَعْفَر " عَلِيّ كَبِير " وَزَادَ سُفْيَان " عَفُوّ " وَفِي الْأَنْعَام " فَاطِر قَاهِر " وَزَادَ جَعْفَر " مُمِيت غَفُور بُرْهَان " وَزَادَ سُفْيَان " لَطِيف خَبِير قَادِر " وَفِي الْأَعْرَاف " مُحْيِي مُمِيت " وَفِي الْأَنْفَال " نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير " وَفِي هُود " حَفِيظ مَجِيد وَدُود فَعَّال لِمَا يُرِيد " زَادَ سُفْيَان " قَرِيب مُجِيب " وَفِي الرَّعْد " كَبِير مُتَعَال " وَفِي إِبْرَاهِيم " مَنَّان " زَادَ جَعْفَر " صَادِق وَارِث " وَفِي الْحِجْر " خَلَّاق " وَفِي مَرْيَم " صَادِق وَارِث " زَادَ جَعْفَر " فَرْد " وَفِي طَه عِنْد جَعْفَر وَحْدَه " غَفَّار " وَفِي الْمُؤْمِنِينَ " كَرِيم " وَفِي النُّور " حَقّ مُبِين " زَادَ سُفْيَان " نُور " وَفِي الْفُرْقَان " هَادٍ " وَفِي سَبَأ " فَتَّاح " وَفِي الزُّمَر " عَالِم " عِنْد جَعْفَر وَحْدَه ، وَفِي الْمُؤْمِن " غَافِر قَابِل ذُو الطَّوْل " زَادَ سُفْيَان " شَدِيد " وَزَادَ جَعْفَر " رَفِيع " وَفِي الذَّارِيَات " رَزَّاق ذُو الْقُوَّة الْمَتِين " بِالتَّاءِ وَفِي الطُّور " بَرّ " وَفِي اِقْتَرَبَتْ " مُقْتَدِر " زَادَ جَعْفَر " مَلِيك " وَفِي الرَّحْمَن " ذُو الْجَلَال وَالْإِكْرَام " زَادَ جَعْفَر " رَبّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبّ الْمَغْرِبَيْنِ بَاقِي مُعِين " وَفِي الْحَدِيد " أَوَّل آخِر ظَاهِر بَاطِن " وَفِي الْحَشْر " قُدُّوس سَلَام مُؤْمِن مُهَيْمِن عَزِيز جَبَّار مُتَكَبِّر خَالِق بَارِئ مُصَوِّر " زَادَ جَعْفَر " مَلِك " وَفِي الْبُرُوج " مُبْدِئ مُعِيد " وَفِي الْفَجْر " وَتْر " عِنْد جَعْفَر وَحْده ، وَفِي الْإِخْلَاص " أَحَد صَمَد " هَذَا آخِر مَا رُوِّينَاهُ عَنْ جَعْفَر وَأَبِي زَيْد وَتَقْرِير سُفْيَان مِنْ تَتَبُّع الْأَسْمَاء مِنْ الْقُرْآن ، وَفِيهَا اِخْتِلَاف شَدِيد وَتَكْرَار وَعِدَّة أَسْمَاء لَمْ تَرِد بِلَفْظِ الِاسْم وَهِيَ " صَادِق مُنْعِم مُتَفَضِّل مَنَّان مُبْدِئ مُعِيد بَاعِث قَابِض بَاسِط بُرْهَان مُعِين مُمِيت بَاقِي " وَوَقَفْت فِي كِتَاب " الْمَقْصِد الْأَسْنَى " لِأَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الزَّاهِد أَنَّهُ تَتَبَّعَ الْأَسْمَاء مِنْ الْقُرْآن فَتَأَمَّلْتهُ فَوَجَدْتهُ كَرَّرَ أَسْمَاء وَذَكَرَ مِمَّا لَمْ أَرَهُ فِيهِ بِصِيغَةِ الِاسْم " الصَّادِق وَالْكَاشِف وَالْعَلَّام " فتح الباري – كتاب الدعوات – باب قوله " لا حول ولا قوة إلا بالله " . انتهى
فعلى سبيل المثال من الأسماء التي استخرجت بالاشتقاق " المبدئ ، المعيد " وهذا الاسمان مما اتفق عليه سفيان ابن عيينة ، وأبو جعفر الصادق ، وأبو زيد اللغوي كما ترى .
ومنها أيضاً ما نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم في الأسماء المقترنة حيث ذكرا أن من أسمائه سبحانه ما لا يطلق عليه بمفرده بل مقروناً بمقابله كالمعطي المانع والضار النافع و المعزّ المذل ، وتابعه على ذلك العلامة حافظ حكمي في معارج القبول .
ومنها أيضاً ما ذكره ابن تيمية مشتقاً كاسم الله الموجود . 2/20
ومنها أيضاً ما ذكره ابن تيمية ناقلاً الإجماع عليه ( الغياث والمغيث ) 1/111

وكذلك مما جرى عليه عمل السلف عدم اعتبار الاطلاق والتقيد بشرط الا يكون الاسم موهما لنقص وان يكون دالا على الكمال المطلق

ومن ذلك قولَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ فى- فَصْلٌ قَالَ الْمُعْتَرِضُ فِي " الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى " النُّورُ الْهَادِي يَجِبُ تَأْوِيلُهُ قَطْعًا .
فأجاب شَيْخُ الْإِسْلَامِ بقوله: أما قوله: " يَجِبُ تَأْوِيلُهُ قَطْعًا " فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَجِبُ تَأْوِيلُهُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ وَجَبَ قَطْعِيٌّ ؛ بَلْ جَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ لَا يَتَأَوَّلُونَ هَذَا الِاسْمَ وَهَذَا مَذْهَبُ السَّلَفِيَّةِ وَجُمْهُورِ الصفاتية مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ .
وقوله رحمه الله فى نفس الباب:
وَلِهَذَا جَمَعَهَا " قَوْمٌ آخَرُونَ " عَلَى غَيْرِ هَذَا الْجَمْعِ وَاسْتَخْرَجُوهَا مِنْ الْقُرْآنِ مِنْهُمْ سُفْيَانُ بْنُ عيينة وَالْإِمَامُ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمْ ؛ كَمَا قَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ فِيمَا تَكَلَّمْت بِهِ قَدِيمًا عَلَى هَذَا ؛ وَهَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا عِنْدَهُمْ مِمَّا يَقْبَلُ الْبَدَلَ ؛ فَإِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ .
ومن ذلك ايضا قول شيخ الإسلام فى "فَصْلٌ فَإِذَا عُرِفَ الِاتِّحَادُ الْمُعَيَّنُ مِمَّا يُشْبِهُ الْحُلُولَ أَوْ الِاتِّحَادَ :
."وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ : فَجَمِيعُ الْكَائِنَاتِ : آيَاتٌ لَهُ شَاهِدَةٌ دَالَّةٌ مُظْهِرَةٌ لِمَا هُوَ مُسْتَحِقٌّ لَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلَى ؛ وَعَنْ مُقْتَضَى أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ خَلَقَ الْكَائِنَاتِ . فَإِنَّ الرَّحِمَ شُجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ خَلَقَ الرَّحِمَ وَشَقَّ لَهَا مِنْ اسْمِهِ ؛ وَهُوَ الرَّازِقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَهُوَ الْهَادِي النَّصِيرُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَيَنْصُرُ رُسُلَهُ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ .
وجرى على ذلك ابن حجر –رحمه الله – فى الفتح :
حيث قال بعد ما ذكر رواية الوليد واستبدل منها سبعة و عشرين اسما بغيرها استنبطها هو من القران:" فَإِذَا اقْتُصِرَ مِنْ رِوَايَة التِّرْمِذِيّ عَلَى مَا عَدَا هَذِهِ الْأَسْمَاء وَأُبْدِلَتْ بِالسَّبْعَةِ وَالْعِشْرِينَ الَّتِي ذَكَرْتهَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ تِسْعَة وَتِسْعُونَ اِسْمًا كُلّهَا فِي الْقُرْآن وَارِدَة بِصِيغَةِ الِاسْم وَمَوَاضِعهَا كُلّهَا ظَاهِرَة مِنْ الْقُرْآن إِلَّا قَوْله الْحَفِيّ فَإِنَّهُ فِي سُورَة مَرْيَم فِي قَوْل إِبْرَاهِيم ( سَأَسْتَغْفِرُ لَك رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ) وَقَلَّ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ .الفتح 18/215
قلت: فقد ذكر هؤلاء الأعلام هذه الاسماء ونصوا عليها مع كونها لم ترد مطلقة وانما وردت مقيدة فى سياقها فلو كانوا يعتبرون هذا الشرط لما ذكروا هذه الأسماء وتأمل قول شيخ الاسلام ان الامام احمد – رحمه الله – ممن جمعها من القرآن ومعلوم قطعا ان القرآن ليس بهتسعة وتسعون اسما اسما علما مطلقا فلزم أنه– رحمه الله – جمع منها اسماء مشتقة او مقيدة او مضافة .













كلام الشيخ محمود - حفظه الله -عن التقييد والاطلاق
ومخالفته لما شرطه على نفسه من عدم التقييد

قال : "الشرط الثالث من شروط الاحصاء : أن يرد الاسم على سبيل الاطلاق دون تقييد ظاهر أو إضافة مقترنة........"
ثم قال: "ويدخل في الإطلاق اقتران الاسم بالعلو المطلق لأن معاني العلو كلها – سواء علو الشأن أو علو القهر أو علو الذات والفوقية – هي في حد ذاتها إطلاق فالعلو يزيد الإطلاق كمالاً على كمال ............. فإن كل اسم اقترن بمعاني العلو والفوقية على كل شئ فهو في حكم المطلق الذي يفيد المدح والثناء بنفسه وبناء على ذلك ، أثبت اسم الله الحفيظ وقال : " ورد في القرآن قوله تعالى : "وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ " سبأ 21 ، وفي قوله عن هود عليه السلام : " فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ " هود 57 ، وقد تقدم في شروط الإحصاء أن الاسم المقترن بالعلو والفوقية يزيد الإطلاق كمالاً على كمال فالله من فوق عرشه حفيظ له مطلق الكمال في الوصف ، فإذا انضم إلى ذلك اجتماع معاني العلو ظهر في الإطلاق جمال الكمال .
كما أثبت – حفظه الله - اسم الله الشهيد وقال " ورد الاسم في كثير من النصوص القرآنية مقروناً بالعلو والفوقية كما في قول الله تعالى " قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " سبأ 47 ، وقوله تعالى : " سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " فصلت 53 .
كما أثبت - حفظه الله - اسم الله الرقيب فقال : " ورد الاسم مطلقاًُ منوناً مقروناً بمعاني العلو والفوقية في قوله تعالى : " لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً " الأحزاب 52
وردّ - حفظه الله- اسم الله المحيط فقال : "أما المحيط فلم يرد مطلقاً وإنما ورد مقيداً في آيات كثيرة كقوله تعالى : " أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ " البقرة 19 " وقوله سبحانه : " أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ " فصلت 54
قلت : فكما زاد الاقتران بالعلو والفوقية الإطلاق كمالاً على كمال في اسم الله الحفيظ ، فكذلك زاد الاقتران بالإحاطة بكل شئ الاطلاق كمالاً على كمال في اسم الله المحيط ، فالله بكل شئ محيط له مطلق الكمال في الوصف ، فإذا انضم إلى ذلك اجتماع معاني الإحاطة والشمول ظهر في الإطلاق جمال الكمال ، فإما أن يكون هذا كذاك في الإطلاق وإما أن يكونا مقيدين سواءً بسواء .

الخــــــــــــــلاصـة
مما سبق يتبين لك ولله الحمد أن الاشتقاق من التوقيف وأنهما يضادان القول بالقياس والرأي الذي هو مذهب المعتزلة ، وأما ما ورد في بعض النصوص من نفي الاشتقاق دون تفصيل كما نقل عن الإمام الرازي " السؤال الثاني : هل يصح إطلاق اسم الفتان عليه سبحانه اشتقاقاً من قوله : { وفتناك فُتُوناً } والجواب لا لأنه صفة ذم في العرف وأسماء الله تعالى توقيفية لا سيما فيما يوهم ما لا ينبغي .الرازى 10/408
وكما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة " د- ومنها أن أسماء الله توقيفية، فلا يسمى سبحانه إلا بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يسمى باسم عن طريق القياس أو الاشتقاق من فعل ونحوه، خلافًا للمعتزلة والكرامية ، فلا يجوز تسميته بنَّاء، ولا ماكرًا، ولا مستهزئًا؛ أخذًا من قوله تعالى: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ } سورة الذاريات ، الآية 47.
وقوله: { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ } سورة آل عمران ، الآية 54 وقوله: { اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } سورة البقرة ، الآية 15 . ولا يجوز تسميته: زارعًا ولا ماهدًا، ولا فالقًا، ولا منشئًا، ولا قابلًا، ولا شديدًا، ونحو ذلك؛ أخذًا من قوله تعالى: { أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ } سورةالواقعة ، الآية 64. وقوله: { فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ } سورة الذاريات ، الآية 48. وقوله: { أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ } سورة الواقعة ، الآية 72. وقوله تعالى: { فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى } سورة الأنعام ، الآية 95. وقوله: { وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ } سورة غافر ، الآية 3؛ لأنها لم تستعمل في هذه النصوص إلا مضافة، وفي إخبار على غير طريق التسمي، لا مطلقة، فلا يجوز استعمالها إلا على الصفة التي وردت عليها في النصوص الشرعية.
فإنه يحمل قولهم في منع الاشتقاق على الاشتقاق الذي يوهم نقصاً ، ويدل على ذلك الأمثلة التي قالوا بها : فقد منع الرازي تسميته سبحانه وتعالى باسم الفتان .
ومنعت اللجنة الدائمة تسميته سبحانه وتعالى بنَّاء، أوماكرًا، أو مستهزئًا أو زارعًا أو ماهدًا ، ونحو ذلك .
وكذلك فعل كل من منع الاشتقاق ، لم يمنع إلا اشتقاقاً يوهم نقصاً أو ليس كمالاً مطلقاً .
وإنما حملنا قولهم على ذلك تمشياً مع فهم السلف للاشتقاق وحتى لا يرمى الامام أحمدامام أهل السنة و الجماعة و شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن حجر وسفيان ابن عيينة وأبو زيد اللغوي وجعفر الصادق وغيرهم - ممن جمعوا الأسماء المشتقة وجرى عملهم على ذلك - بقول المعتزلة في هذا الباب وبأنهم ليسوا من أعلام الدعوة السلفية فى قضايا العقيدة، كما صرح بذلك الدكتور محمود - حفظه الله - حين قال عن مذهب بعض أهل العلم في الأسماء مذهب المعتزلة لمجرد أنهم نقلوا أن الاشتقاق هو فعل عامة السلف والله المستعان
ــــــــــــ

وفي نهاية هذا البحث فإن الدكتور محمود عبد الرازق – حفظه الله – قد اجتهد في انتقاء الأسماء الحسنى كما اجتهد غيره ولو اقتصر على ذلك لكان مأجوراً في الحالين ولكن الذي حدث أنه قد جعل اجتهاده في جمع الأسماء في محل النص الذي لا يقبل الخلاف ، راداً بذلك اجتهاد غيره من السلف الصالح منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة ، حيث يقرر بحثه أن الأمة ظلت معطلة عن معرفة الأسماء الحسنى من أيام القرون المفضلة إلى يومنا هذا ، وأن أحداً لم يتعبد لله سبحانه بالأسماء الصحيحة لاقبل الوليد ابن مسلم ولابعده حتى جاء هذا البحث ، وقد كان يكفيه أن يقول هذا جهدي في جمع الأسماء كما فعل غيره من سلف الأمة والله يعفو عنا و عنه
وأخيراً فما كان في هذا البحث من توفيق فمن الله وحده وله الحمد والثناء الحسن وما كان فيه من خطأ أو سهو أو تقول بغير علم فمني ومن الشيطان وأعوذ بالله أن أقول على الله وعلى رسوله ما ليس لي به علم وصلى الله وصلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتــــبه
بعض طالبةالعلم