مشاهدة تغذيات RSS

ابن عبد البر الصغير

بيان أن الجرح والتعديل له أصل من الكتاب والسنة.

تقييم هذا المقال
الحمد لله الواحد الأحد والصلاة والسلام على الرسول أحمد، أما بعد .

ما رأيك أيها الكريم أن نبدأ سؤالا سؤالا ؟ حتى إن فرغنا من واحد انتقلنا للآخر، لكي نعطي لكل سؤال حقه .

مسألة تصنيف الأحاديث و الرواة و الأسانيد هي مسألة بشرية بحتة,وهي قابلة للخطا ؟

وجواب سؤالك من وجوه :

الوجه الأول : أن حجية السنة ثابتة في الكتاب، ويلزم منها ثبوت سنة عن النبي صلى عليه وسلم محفوظة بحفظ الله تعالى لها، لأنها جزء لا يتجزأ من الدين، فلا معنى لحفظ الكتاب دون السنة، لما عُلم من حاجة الأول للثانية، فاستلزم هذا ثبوت سنة صحيحة بين أيدينا يتوارثها الخلف عن السلف، وتقييد الله عز وجل لعلماء وضعوا مناهج رصينة محكمة لتمحيص هذه الأخبار .

الوجه الثاني: أن نقل القرآن كان مشابها لنقل السنة بالجملة، فمن يطعن في الثاني فهو يطعن من حيث يدري أو لا يدري في الأول، فمن أراد السنة أراد القرآن ولا شك، وإلا فكيف سيفسر لنا المنكرون للسنة وصول القرآن بإسناد متواتر ثابت مروي من جيل عن جيل ؟ ومن نقل لنا هذا نقل لنا ذاك .

الوجه الثالث : أن علوم الحديث والجرح والتعديل، لها أصول من الكتاب والسنة، مثله في ذلك مثل أي علم شرعي من تفسير وفقه وغيرهما، فالقرآن الكريم يأمر المؤمنين بالتحري والتثبت في الأخبار:

يقول الله عز وجل في محكم تنزيله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }

فأمر الله عز وجل المؤمنين بالتثبت في الأخبار، وهذا أخذ به علماء الحديث وطبقوه في علم الجرح والتعديل. فتأمل قول العلامة ابن عاشور رحمه الله حول هذه الآية حين يقول :

"المسألة الأولى: وجوب البحث عن عدالة من كان مجهول الحال في قبول الشهادة أو الرواية عند القاضي وعند الرواة. وهذا صريح الآية وقد أشرنا إليه آنفاً.

المسألة الثانية: أنها دالة على قبول خبر الواحد الذي انتفت عنه تهمة الكذب في شهادته أو روايته وهو الموسوم بالعدالة، وهذا من مدلول مفهوم الشرط في قوله: { إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } وهي مسألة أصولية في العمل بخبر الواحد.

المسألة الثالثة: قيل إن الآية تدل على أن الأصل في المجهول عدم العدالة، أي عدم ظن عدالته فيجب الكشف عن مجهول الحال فلا يعمل بشهادته ولا بروايته حتى يبحث عنه وتثبت عدالته."

قتأمل استنباطات الإمام الفقيه من هذه الآية، وعلى ذلك فقس علماء الحديث، فالعدالة مشترطة في من ينقل لنا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم من باب أولى.

يقول عز وجل : { وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }

وفي هذه الآية إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحقيقها فيفشيها ويخبر بها وينشرها .

الوجه الرابع : أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الأمة التثبت في الأخبار والتحري فقد كان المنافقون والفاسقون والكفار يحاولون الدس والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأمهات المؤمنين، ويخوف من الكذب عليه متعمدا، حيث يقول عليه السلام : " من تعمد علي كذبا فليتبوأ مقعده من النار " - متفق عليه-.

وهو حديث بلغ مبلغ التواتر، فلزم من تحذير النبي صلى الله عليه وسلم أن له سنة وأحاديث قد قالها، وأحاديث أخرى موضوعة لا تصح. فاحتاط الصحابة والتابعون والعلماء في الرواية وتحروا الدقة التامة فيها.

وقد وصلتنا وقائع ثابتة عن رسول الله انه جرَّح وعدَّل بالمعنى العام ومن ذلك :

ما روى البخاري ومسلم ومالكا بأسانيديهم إلى عروة ابن الزبير يقول: حدثتنا عائشة أن رجلا استأذن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : ائذنوا له، فبئس رجل العشير و بئس رجل العشيرة"
فاستدل أهل العلم بهذا الحديث في علم الجرح والتعديل.

وأيضا قصة حاطب ابن أبي بلتحة حيث عدَّله النبي صلى الله عليه وسلم، مما يعني أنه عليه السلام أسس لبناء النقد في الحديث ورسم الخطوط الأولية لفن الجرح والتعديل، لأن السنة يلزمها أصول وقواعد لتمحيصها وتمييز غثها وثمينها، والمعدل والجروح والثقة والضعيف.

والصحابة الكرام رضوان الله عليهم أيضا فهموا عن الله وعن رسوله، بضرورة التثبت والتحري في قبول الاخبار، وفي ذلك روايات عن أبي بكر وعمر وعلي وعائشة وعبد الله ابن عباس، وزيد ابن ثابت وعمران ابن حصين، وأبو هريرة، وعبد الله ابن عمر وأبو سعيد الخدري وغيرهم، فإن شئتَ أعطيتك طرفا من ذلك .

حتى قال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى في كتاب التقييد والإيضاح : " تكاد كل مصادر علم الحديث تجمع على أن الكلام في الجرح والتعديل متقدم ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم من كثير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم " .

فنقول تلخيصا :

1- أن أصل هذا العلم موروث من النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين .

2- أن علم نقد الحديث له أئمة موثوقون اجتمعوا عليه، فلا يشوبه ريب ولا نقص.

3- انه علم شامل لعلم الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن جاء بعدهم أمثال البخاري والرازيين وغيرهم بالنقل الصحيح.

4- أن العلم هو حصيلة جهود عظيمة متتابعة حتى تكامل، والأمة لا تجتمع على ضلالة، فجمع المحدثون الأعلام العلوم وغربلوها، فظهر علم أسماء الرجال وعلم نقد الحديث سندا ومتنا، وعلوم أخرى مساعدة حتى أصبح علم النقد متكامل الأطراف والجوانب له قواعد وأصول لدراسة السند والمتن.

5- أن اختلاف المناهج في علم الجرح والتعديل لا يعني عدم جدواه، والمتفق عليه إجمالا من قواعد علمية كثيرة، والمختلف فيه بين الرواة أقل من المتفق على عدالته، كما أن الأحاديث المتفق على صحتها كثيرة جدا، والدين محفوظ بالقرآن والسنة الصحيحة، اما المختلف فيه من أحاديث فليست من أصول الدين بل هو من الفروع الصغيرة جدا، والدين محفوظ من عند الله تعالى ولا يجتمع علماؤه على ضلالة لا عمدا ولا خطأ، فلا يجتمعون على توثيق ضعيف ولا على تضعيف ثقة، وإنما يقع اختلافهم في مراتب القوة والضعف، فيكون بحسب اجتهاد كل فرد منهم إن أصاب له أجران وإن أخطأ له أجر واحد.

وراجع كتاب " مكانة السنة في الشريعة الإسلامية" للشيخ المودودي ص 342 فقد اجاب عن طرف من سؤالك.[/QUOTE]

أرسل "بيان أن الجرح والتعديل له أصل من الكتاب والسنة." إلى Google أرسل "بيان أن الجرح والتعديل له أصل من الكتاب والسنة." إلى Digg أرسل "بيان أن الجرح والتعديل له أصل من الكتاب والسنة." إلى del.icio.us أرسل "بيان أن الجرح والتعديل له أصل من الكتاب والسنة." إلى StumbleUpon

التصانيف
غير مصنف

التعليقات

  1. الصورة الرمزية واسطة العقد
    جزاكم الله خيرًا
  2. الصورة الرمزية أهل الحديث
    شيخنا لو كنت أمامي لقبلتُ رأسك .
شبكة اصداء