مشاهدة تغذيات RSS

Maro

قصّة شعب

التقييم: الأصوات 4, بمعدل 5.00.
إنتهى فيلم "الكائنات الفضائية"...
وخرج الغلام من الغرفة متأثراً مبهوراً...
فسأل جدّه التاريخ:

لماذا يا جدّى ؟!!
لماذا نحن هكذا؟ ولماذا هم هكذا؟
لماذا لديهم العلم ولدينا الجهل؟
لماذا لديهم الفنون ولدينا القبح؟
لماذا لديهم الإبهار ولدينا الإبغاض؟
لماذا لديهم النظافة ولدينا النجاسة؟
لماذا لديهم النظام ولدينا الغوغاء؟
لماذا لديهم كل شىء وليس لدينا أى شىء؟

فانتبه جدّه الكهل وقال:
مشيئة الله !... لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون !
ثم اعتدل فى جلسته وواصل كلامه:
ولكن هل حقاً خلق الله لهم كل شىء وخلقنا بلا شىء؟
هل خلق الله شعباً ذكياً وشعباً غبياً وشعباً قوياً وشعباً ضعيفاً وشعباً غنياً وشعباً فقيراً ؟
أم أن الذكاء والغباء والعلم والجهل والقوة والضعف والفقر كلها صفات تختلف من فرد لآخر بداخل كل شعب على حدة ؟

قال الغلام:
بل أن كل هذه إختلافات فردية... فليس هناك أبداً شعباً كل أبناءه عباقرة... ولا شعباً كل أبناءه جهلاء !
ولكن............
لماذا نحن هكذا؟... ولماذا هم هكذا؟

قال الجدّ:
اقتربوا حولى يا أبنائى... فقلّما أتحدث إليكم أنا الشاهد الصامت !
اليوم سأحكى لكم قصّة شعب...
سأل أحد الأحفاد: أىُّ شعب ؟
قال الجدّ: كل شعب !

فتجمّع الأبناء والأحفاد والتفّوا حول الجدّ الذى بدأ كلامه:
قد كان هناك رجلان فى الأرض...
"الشاحب" و"الملوّن"...
"الملوّن" حباه الله عقلاً... وحبى "الشاحب" عقلاً مثله...
"الملوّن" حباه الله أرضاً... وحبى "الشاحب" أرضاً مثلها...
"الملوّن" حباه الله مالاً... وحبى "الشاحب" مالاً مثله...
ثم تركهما يعيشان معاً ليعمل كل منهما عمله فى الدنيا... !

إستخدم "الملوّن" كل ما آتاه الله بالخير...
أثمرت أرضه... وربح بيعه ... وزاد ماله...

أما "الشاحب" فقد اتبع ما تتلو الشياطين بعد أن ملأ الطمع قلبه !
فأتى على أرض "الملوّن" فأخذها بالقوة !
ولم يملك "الملوّن" دفاعاً حيث لم يكن يحتسب !
[فهكذا صار "الشاحب" متفوقاً عسكرياً]
ثم عاشا على هذه الوتيرة دهوراً عديدة...
ثمار "الملوّن" تذهب إلى "الشاحب" ولا ينال "الملوّن" منها إلا على ما يكفيه بالكاد ليعيش !
بينما "الملوّن" قد إمتلأت خزائنه بكل ما فى الدنيا من مال وبنون !
[فهكذا صار "الشاحب" متفوقاً إقتصادياً]
ثم بعد ذلك استخدم "الشاحب" قوته الإقتصادية فى بناء قلعة من العلم والتكنولوجيا...
فى حين يرضخ "الملوّن" تحت وطأة ديونه وأبناءه بالكاد يجدون ما يبقيهم أحياء !
وكان هذا "الشاحب" مخلصاً فى إتباع ما تتلو الشياطين...
بدأ يتلصّص على أبناء "الملوّن"...
حتى إذا ظهر منهم فرد على قدر من الفطنة والذكاء... قام بإغواؤه حتى يأتى إليه بدلاً من العيش مع "الملّون" تحت ظل فقره المدقع...
فعلى أثر ذلك:
ظهرت لدى "الشاحب" -على المدى الطويل- أجيالاً متقدمة ومنظمة، تقدّس العلم والنظام وحرية الرأى...
وفى المقابل لم يبق لدى "الملوّن" سوى أجيالاً متخلفة وغوغائية، اعتادت القهر والظلم والوئد حتى ماعادت تعرف عيشاً بغير ذلك...
[فهكذا صار "الشاحب" متفوقاً حضارياً]
ثم بعد ذلك... وبعد أن تأكد "الشاحب" تماماً أن "الملوّن" قد وصل إلى درجة من الفقر والجهل ما لن تكون له نهضة من بعده أبداً...
فقد قرر أخيراً -وبعد دراسة مخطّطة بتأن- أن يرفع يداه عن أرض "الملوّن" ظاهراً !
فقام "الشاحب" برسم ابتسامة صفراء على وجهه وقال "للملوّن" على الملأ: (أنا آسف، وهات رأسك أبوسها)...
ثم بدأت عروضه على "الملوّن" وكذا أبناءه...
يجب أن يتقبلوا من عمّهم "الشاحب" بعض الهدايا تعويضاً منه عمّا فات...
لم يطمئنّ "الملوّن" لنوايا "الشاحب" ولم يثق فى هداياه...
ولكن "الشاحب" ذهب إلى أبناء "الملوّن" العدماء الدهماء... وأقنعهم أنهم فى أمس الحاجة إلى تلك الهدايا حتى تعاونهم على النهوض...
فبدأ بسم الله تقديم هداياه الثمينة إليهم:
(ديمقراطية... عولمة... حرية المرأة... إنترنت مجانى... تعليم أجنبى............... إلخ)
يا لهذا الرجل "الشاحب" !
إن لديه القدرة على إقناعهم بأى شىء !
[فهكذا صار "الشاحب" متفوقاً سياسياً]
ولكنه لاحظ بعض من أبناء "الملوّن" يبغضون تلك الهدايا وينعتونه بالمستعمر الثقافى !
يالهم من ناكرى الجميل !
فقام "الشاحب" على الفور إلى أبناءه وأحفاده ممّن يجيدون الأفلام السينمائية والأغانى والبرامج...
وبدأت حرباً ثقافية فريدة من نوعها !...
قال الذين أحبّوا هداياه من قبل: إن هؤلاء المتخلفين سيكونون وبالاً علينا بأفكارهم الوهابية هذه !
كم هو خبيث هذا "الشاحب"
لقد خطط "للملوّن" أجندة إعلامية شاملة تهدف للسيطرة على عقله وتوجيهه كما يحب هو وكما يرضى...
وكله سهل مادامت لديه الوفرة من المال والبنون الذين يموّلون تلك الأجندة الإعلامية...
ثم بعد ذلك... ؟
ذهب "الشاحب" بكامل عتاده من مقاتلات جوية وصواريخ... وقام بقتل كل من يعترض طريق مجده ورخاءه من أبناء "الملوّن"
ثم بثّ للجميع فى وسائله الإعلامية أنه بطل مخلّص... أراحهم من التخلف والرجعية
فصدقه أبناء "الملوّن" وسلموا لهم أنفسهم عن رضى واقتناع !
[فهكذا صار "الشاحب" متفوقاً إعلامياً]

سأل أحد الأبناء جدّه: هل إنتهت قصة الشعب هكذا ؟

فردّ الجدّ: بل لا تزال القصّة مستمرّة حتى الآن !

لازال "الشاحب" يسيطر على الأرض... رزقها، واقتصادها، وبركتها، وقادتها.
ولكننا لم نعد نراه مستعمراً كما كنا نراه بالأمس...
بل صرنا نراه فارساً مخلّصاً...

لازال "الشاحب" يمحو تاريخ الأمم ويعيد كتابته كما يحلو له !
ولازال يسرقهم ويقتلهم وفى نفس الوقت يرغمهم أن يحبونه !

لازال "الشاحب" يمنع عنا مالا يريدنا أن نسمعه ونراه !
ولازال يسمعنا ويرينا ما يريدنا أن نسمعه ونراه !


(إنتهت قصّة الجدّ... وبدأ التلفاز يعرض أحداث الجزء الثانى من فيلم "الكائنات الفضائية"... فتجمّع الأبناء والأحفاد أمامه لمتابعة أحداثه المبهرة)

أرسل "قصّة شعب" إلى Google أرسل "قصّة شعب" إلى Digg أرسل "قصّة شعب" إلى del.icio.us أرسل "قصّة شعب" إلى StumbleUpon

التصانيف
غير مصنف

التعليقات

  1. الصورة الرمزية فاطمة حماد
    جميل ومسلي في نفس الوقت
  2. الصورة الرمزية ندى الحياة
    أكثر من رائعة
شبكة اصداء