مشاهدة تغذيات RSS

نور الدين الدمشقي

الحول الفكري عند الملحدين (3)

تقييم هذا المقال
المثال الخامس:
لا شك بأن العصر الذي نعيش فيه هو عصر المعرفة والتطور لما اشتمل من انفجار معرفي في كثير من المجالات - لا سيما العلوم الطبيعية. يظن الملحد هنا بأن المؤمن انسان "جاهل" و"خرافي" ولا زال يؤمن "بالغيبيات" ولم يواكب ركب الحضارة والعلم الذي كشف لنا الحقائق وفسر لنا هذا الكون وكشف اسراره.

( لم يدر هذا الجاهل بان علماء المسلمين هم من وضعوا اسس هذه العلوم الطبيعية الحديثة والامثلة اكثر من ان يتغافل عنها جاهل - هذا لا يبرر تقصيرنا اليوم طبعا في عدم ريادة هذا التقدم العلمي - ولكن العبرة بان ديننا يامرنا بالعلم والتعلم).

المهم - الملحد هنا يقول: انتم ايها المؤمنون "الجاهلون" لازلتم تظنون ان "الله" هو من ينزل المطر وان الله هو من يرزقكم - ولم تفهموا بعد ان العلم قد كشف لنا حقيقة نزول المطر واسبابه!

(لاحظوا انني حتى الآن وضعت خطا تحت كلمة: فسر وكلمة اسباب حتى أبين موضع الحول الفكري عند الملحد)

الحقيقة هي ان العلم الطبيعي كشف لنا اسرارا كثيرة - لكن جل ما يجيب عنه العلم الطبيعي هو مجرد توصيف لالية عمل هذا الكون البديع

السؤال الذي يجيب عنه الدين هو اعمق من مجرد التوصيف - السؤال الذي يطرح له الدين جوابا يتجاوز محدودية افق الملحد في توصيف ما حوله من المشاهدات ليتفكر ويتأمل في "تفسيرها" و"أسبابها" الحقيقية

هذا الملحد الذي يتشدق بأنه "منطلق الفكر" و "عميق التأمل" ويعجب من "سذاجة" تفكير المؤمن - في الحقيقة لا يدرك بأنه هو الساذج والسطحي في تفكيره - اذ ان عقله يرضى بنصف الجواب على الأسئلة الجوهرية التي يطرحها هذا الوجود على العقلاء:

1- ماذا? ماذا يحدث في الكون من حولنا - العمليات الكيميائية والفيزيائية - ماذا خلف المجرة - ماذا تحت المجهر?
2- ولكن لماذا? لماذا نحن هنا? لماذا تحدث هذه العمليات بهذه الطريقة? لماذا هذه المعادلات والقوانين? لماذا هذه الثوابت لا غيرها?

وكلما ناقشنا الملحد عن ال "لماذا" (2) أجابنا عن ال"ماذا" (1) - حول فكري!

اسمحوا لي ان اقتبس مثالا او اثنين مع تصرف يسير من كتاب "الاسلام يتحدى" لصاحبه وحيد الدين خان اذا يقول في هذا الصدد:
إن العلم الحديث تفصيل لما يحدث وليس بتفسير لهذا الأمر الواقع فكل مضمون العلم هو إجابة عن السؤال: (ما هذا؟)(1) وليس لديه إجابة عن السؤال:(ولكن لماذا؟)(2). وإن التفسير الذي نحن بصدده هنا يتعلق بالأمر الثاني.
* * *
لنفهم هذا من مثال بسيط ، فالكتكوت يعيش أيامه الأولى داخل قشرة البيضة القوية ويخرج منها بعدما تنكسر مضغة لحم ، كان الإنسان القديم يؤمن بأن الله أخرجه. ولكننا اليوم بالمنظار أنه في اليوم إلحادي والعشرين يظهر قرن صغير على منقار الكتكوت يستعمله في تكسير البيضة لينطلق خارجا منها ثم يزول هذا القرن بعد بضعة أيام من خروجه من البيضة.


هذه المشاهدة كما يزعم المعارضون أبطلت الفكرة القديمة القائلة:بأن الإله يخرج الكتكوت من البيضة ، إذ قد رأينا يقينا أن قانونا لواحد وعشرين يوما يحدث هذه العملية. والحقيقة أن المشاهدة الجديدة لا تدلنا إلا على حلقات جديدة للحادث ولا تكشف عن سببه الحقيقي فقد تغير الوضع الآن فأصبح السؤال لا عن تكسر البيضة بل عن (القرن)؟

إن السبب الحقيقي سوف يتجلى لأعيننا حين نبحث عن العلة التي جائت بهذا القرن ، العلة التي كانت على معرفة كاملة بأن الكتكوت سوف يحتاج إلى هذا القرن ليخرج من البيضة ، فنحن لا نستطيع أن نعتبر الوضع الأخير (وهو مشاهدتنا بالمنظار) إلا أنه (مشاهدة للواقع على نطاق أوسع) ولكنه ليس تفسيرا له.

هذه المعرفة الجديدة حول قرن الكتكوت يعد حلقا ثمينة في سلسلتنا المعرفية - لكنها هل تجيب عن السؤال الحقيقي وراء السبب في ظهور هذا القرن في هذا الوقت بالذات?


ولنقتبس مثالا ثانيا:
السيارة!



لكأني استمع الى كلمات مألوفة من ملحد يقول:

كنا في "الجاهلية" العلمية نظن ان لهذه السيارة صانعا! لكن اليوم بعد ان كشفنا الغطاء الأمامي - واكتشفنا وجود الماكينة و التروس والرايديتر و المراوح والوصلات والانابيب والبطارية والخزانات والمبردات - عرفنا الية عمل السيارة - ولا حاجة لنا اليوم بأن نعتقد ان لهذه السيارة صانعا!!!

يقول المؤمن: هذا لا يبرر عدم وجود صانع لهذه السيارة?
الملحد: كيف?
المؤمن: حسنا اجبني: لماذا تتحرك السيارة الى الامام?
الملحد: لان المحرك يحرق الوقود لكي يحركها!


المؤمن: نعم ولكنك لم تجب حقيقة على السؤال - انت وصفت الية العمل فقط - فلماذا يوجد وصلة بالتحديد بين مخزن الوقود واسطوانات الحرق داخل المحرك? كيف عرفت السيارة بذاتها ان محركها سيحتاج الى وقود لذلك جعلت وصلة بين خزان الوقود والمحرك? وكيف كان محور السيارة المتصل بالعجلات مصمما بحيث اذا دار المحرك تحركت السيارة الى الامام? ولماذا جعل هناك ضوء امام السيارة وكان السيارة كانت تعرف مسبقا بأن احدا سيقودها وانها ستحتاج ان تنير له الطريق ليلا في نفس اتجاه سيرها! ولماذا ولماذا ولماذا?

يعود هنا الملحد الذي لا زال يعاني حولا فكريا فيجيب: آآه فهمت سؤالك الآن

(هنا يتفاءل المؤمن - ويقول في نفسه - يا رب تهدي هذا الانسان المسكين على يدي ويكون لي ثواب هدايته يا رب )

لكن اوهام المؤمن لا تلبث ان تتلاشى في معظم الاوقات مع سماع جواب الملحد الذي يقول(بكل نباهة!!):

"الوصلة التي بين الخزان والمحرك لتنقل الوقود بينهما! والمحور لاجل ان تدور العجلات! والضوء لاجل ان ينير الطريق!"
ويبدأ يعطيك جميع اجوبة "ماذا"(1) الذي تعلمها - ولكنه في الحقيقة لم يجب عن السؤال "لماذا"(2)?!!

ماذا يسمى هذا?
حول فكري!!!!

الغيبيات


اريد ان اضيف مثالا ثالثا يتعلق ببعض الغيبيات التي يؤمن بها المؤمن (تصديقا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لمعرفة المؤمن بدلائل النبوة - وهذا له مبحث اخر).
(الملحد الذي سيعترض على هذا المثال لان فيه غيبيات هو لا يؤمن بها - يقرأ المثال الأول في هذه السلسلة ثم يشتري نظارة!)

يقول الملحد: كنا نظن في "الجاهلية" ان الانسان يموت لان الروح تخرج من جسده - اما اليوم اكتشفنا اسباب موت الانسان مثل السرطان او توقف القلب - اذا لا يوجد روح!

يقول المؤمن: حسنا لماذا يتوقف القلب في هذه اللحظة - واذا كانت نهاية الانسان هي هذه فلماذا عاش ولماذا وجد? هل هذه فعلا النهاية?

هنا طبعا يبدأ الملحد بتوصيف حالة توقف القلب - الخ

الملحد هنا يستدل بتوقف القلب على عدم الروح - تماما كما يستدل بمعرفة وصف اجزاء السيارة على عدم وجود صانعها!

وهنا نطرح سؤالا: هل معرفتك وتوصيفك لتوقف القلب يجيب عن اسئلة "لماذا?" هل معرفتك ان القلب توقف (ماذا) يلغي سبب توقفه الحقيقي وهو نزع الروح (لماذا)?

ماذا يسمى هذا يا جماعة??
?
?
?
?
?
?
?
?
?
?
?
?
?
?
?
?
?
?
?
?
حول فكري!!!!


حسنا - لماذا هذا الحول الفكري??? اترك حل هذه المعضلة لقبيلة لحدان بنو شمباز!

أرسل "الحول الفكري عند الملحدين (3)" إلى Google أرسل "الحول الفكري عند الملحدين (3)" إلى Digg أرسل "الحول الفكري عند الملحدين (3)" إلى del.icio.us أرسل "الحول الفكري عند الملحدين (3)" إلى StumbleUpon

التصانيف
غير مصنف

التعليقات

شبكة اصداء