الرسم : مقدرة... والمحو : فن...
بواسطة
في 01-12-2014 عند 06:04 PM (16074 المشاهدات)
لطالما كنت بارعاً فى الرسم... كم من مرة أشاد الخبراء بأعمالى الفنية، وكم من مرة أشير إلى بالبنان فى كل مكان غريب أغدو إليه لأول مرة.
لقد كنت قادراً -بالأقلام الخشبية الملونة وحدها- على أن أسلب العقول... أن أسحر العيون... أن أحوز أعلى المراتب الفنية فى أى مكان !
أما اليوم فقد تيبست أصابعى من قلة استخدام الأدوات الكتابية...
يا للمأساة... هذه إحدى إرهاصات عصر الأمية المقنّعة !
إذا اختفت أجهزة الكمبيوتر من العالم، فلن تعدو نسبة المتعلمين الحقيقيين من البشر أن تكون كعدد شعرات الرأس الأصلع... !
كم اشتقت إلى ممارسة الرسم !
أظن الوقت قد حان لكى امسح الغبار الذى علا هذه الهبة الإلهية الجميلة، وأن أضعها مرة أخرى على مقعد العمل.
على الفور ذهبت إلى حيث ممتلكاتى القديمة قدم الطفولة... وأخرجت أدوات الرسم...
سلطت ضوء المصباح على اللوح الأبيض، وأمسكت بالأقلام الخشبية الملونة استعداداً لعمل فنى جديد بعد سنين من الإعتزال، ثم شرعت العمل.
الحمد لله... لم تفقد أصابعى هذه اللمسات المميزة التى لا يستطيع أحد تقليدها !
لقد كانت الألوان الخشبية -هذه الأداة البسيطة الفقيرة- تعزف ألحاناً فريدةً لا يستطيعها أى رسّام بأية تقنيات يؤتاها.
شارف العمل الفنى على الإنتهاء... لم تبق سوى اللمسات الأخيرة...
اللمسات التى تقول للعين: انظرى إلىّ ولا تفارقينى...
لقد كنت أعرف كيف أجعل اللوحة الفنية تأمر الأعين كالسحر بالنظر والتأمل فيها لأوقات طويلة دون ملل !
أمعنت النظر بدقة لكى أستكشف مواطن الفساد فى اللوحة...
نعم... هنا... وهنا...
وهنا أيضاً...
لا يخلو عمل بن آدم من عيوب، ومرحلة إصلاح مواطن الفساد فى العمل الفنى هى الأكثر أهمية على الإطلاق بين جميع مراحل العمل !
أمسكت بالممحاة برقة بين إصبعىّ...
ثم بدأت أضرب بها على اللوحة الفنية ضربات احترافية خفيفة...
ضربات تمحى الفساد دون أن تؤثر على جمال اللوحة...
ظننت لوهلة أن عيناى تخدعانى من فرط الإرهاق !
ضربت مرة أخرى بالممحاة... فكانت الصاعقة !
بقعاً سوداء قبيحة قد أفسدت اللوحة تماماً !!!
نظرت إلى الممحاة الخائنة فى حنق... فوجدتها مليئة بالأوساخ وبقايا مداد أسود لا أدرى من أين أتاها !
أتعلمون أين الخطأ ؟
الخطأ هو أنى أردت استخدام الممحاة لمحو فساد اللوحة... ولكنى نسيت أن أتأكد من نظافة الممحاة نفسها قبل الإستخدام !
خاصة وأنا أستخدمها لأول مرة بعد طول ركود طوال العمر الفائت !
فكانت النتيجة أن انتشر الفساد فى اللوحة بأكملها... ولا عزاء للممحاة.
ليس هناك خيار آخر الآن...
علىّ التخلّى عن هذه اللوحة الفنية والبدء من جديد...
لكن فى المرة القادمة... سأتأكد جيداً من نظافة الممحاة.