تمرّ بصاحبنا أيام سود حوالك, تضيق عليه فيها شرنقة الإلحاد, وتشبّ نار القنوط في أعماقه, فيفزع لإطفائها إلى أحد شرابين: شراب حفدة الرفيق المرعب ستالين, أو جرعة من عصارة منتديات الجرب والجذام, وكلاهما يطمس فيه نور البصيرة الإنسانية, ويجلو منه الغريزة النسناسية.
اشتد عليه الأمر ليلة, وظللته سحائب داكنة من الكآبة والحزن, فجلس إلى حاسوبه يلتهم بيتزا رديئة باردة و يحتسي قنينة فودكا وهو يتنقل بين المواقع الإلحادية و يشاهد مختارات من مواعظ شيخه دونكي حتى كاد جيش الليل يندحر,
مقامة لصوص رمضان
حدثنا أبو النوادر السوسي قال:
تصرّمت سراعا أيام رجب, و صامه الأخيار و ما وجب, ثم أدركني شعبان, و أنا رَيّان شبعان, فأزمعت صيامه, و إن استطلت أيامه, فكان أسرع من سابقه, كأنما يستحث مقدم لاحقه, و كلما هممت بتبييت النية, و اغتنام العمر قبل نزول المنية, قطعتني عن الصوم القواطع, و صرفتني عنه الصوارف, من ضيف عزيز نازل, أو سفر نأى بي عن المنازل, حتى بقيت من كأس شعبان فُضلة استقللتُها, فأصبحت يوما ممسكا, ولمسالك البر سالكا, و ما إن حلّ الضحى, حتى خِلت أن الشمس
هذه اليومية كتبتها هذا الصباح على عجل, ثم نقحتها الآن, وهي هدية لأخي محمود المغيربي شكرا له لاهتمامه بهذه اليوميات العجيبة, التي أبشركم أنها مقبلة على انقلاب حقيقي يوشك أن يحدث, فبارك الله في كل من قرأها أو دعا لصاحبها بخير.
47- في ثنايا مخِّ مُلحد
دخل أبو الإلحاد جُحْره ليلة وبطنه تقرقر من الجوع, كانت أمعاؤه تصدر أصواتا حزينة كأنها تستعطفه أن يملأها بشيء ما.
شعر بالعجب من الحيل والوسائل التي ابتكرها التطور الدارويني للحفاظ على بقاء ابنه المدلل سليل القردة العليا.
46- الملحد الصغير
خرج أبو الإلحاد يوما هائما على وجهه غائصا في تأملاته مستغرقا في همومه, حتى سمع جلبة وضحكا وضوضاء, نظر إلى جماعة من الأطفال يلعبون ويتراكضون في خفة الطير, قرأ على وجوههم حروف البراءة, وفي عيونهم بريق الأمل, تذكر طفولته, وقع في روعه أنها امتدت زمانا طويلا ولم يخرجه منها إلا اعتناقه لمذهب التنوير, لقد فقد براءته الأصلية يوم فقد الإيمان, ويوم فقد أباه, ولعل الأمرين حدثا في اليوم نفسه, لم يعد يذكر الأمر بالتفصيل, يبدو أن الإلحاد قد أطفأ شعلة الأمل في نفسه,